فاجرة السّرداب
كتبهابلال عبد الهادي ، في 22 كانون الأول 2011 الساعة: 11:28 ص
قال دعبل بن علي: بينا أنا سائرٌ بباب الكرج وقد
استولى الفكر على قلبي فحضرني بيت شعرٍ خطر به لساني من غي النّطق به، فقلت:
دموع عيني لها انبساط
ونوم جفني له انقباض
وإذا جاريةٌ معترضةٌ تسمع كلامي فقالت:
وذا قليلٍ لمـن دهـتـه
بلحظها الأعين المراض
فلم أعلم أنّي خاطبت جاريةً أعذب منها لفظاً،
ولا أسحر طرفاً، ولا أنضر خدّاً، ولا أحسن مشياً، ولا أرجح عقلاً. فوددت أنّ كلّ
جارحةٍ منّي عينٌ تنظر، أو قلبٌ يفهم، أو أذنٌ تسمع. فقلت:
أترى الزّمان يسرّنا بتلاقٍ
ويضمّ مشتاقاً إلى مشتاق
ما للزّمان يقال فيه وإنّما
أنت الزّمان فسرّنا بتلاقٍ
قال: فلحظتها، وتبعتني. وذلك حين أملاقي،
واختلال حالي. فقلت: مالي إلاّّ منزل صريع الغواني، فأتيته، واستوقفتها، ودخلت
إليه. وقلت: ويلك يا مسلم، أجمل لك الحبروجة على الباب تقلّ له الدّنيا وما فيها من
عسرٍ وضيقةٍ. قال لي: شكوت إلى ما كدت أبدؤك به الشّكوى، ولكن أئت بها على كلّ حال.
فلمّا دخلت قال لي: والله ما أملك إلاّ هذا المنديل. فقلت له: هو البغية. قال،
فأخذته فبعته بثلاثين درهماً، واشتريت خبزاً ولحماً ونبيذاً. وإذا هما يتنازعان
حديثاً كأنّه قطع الرّوض ذكرت به قول بشّار فقلت:
وحديثٍ كأنّه قـطـع الـرّو
ض وفيه الصّفراء والحمراء
فقال لي مسلم: بيتٌ نظيفٌ، ووجهٌ ظريفٌ، ولا نفل
ولا ريحان? أخرج فالتمس لنا ذلك. قال، فخرجت وجئت بما طلب،فإذا لا حسّ منهما ولا
أثر لهما، فجعلت أطيل الذّكر، وأرجم الظّنّ، حتّى إذا جنّ الليل وفي قلبي لهيب
النّيران، ثاب عليّ عقلي وقلت: لعلّ الطّلب يوقعني على موضعٍ خفيٍّ. فوقفت على باب
سردابٍ وإذا هما قد نزلا ومعهما جميع ما يحتاجان إليه فأكلا وشربا ونعما. فدلّيت
رأسي وصحت مسام ثلاث مرّاتٍ، فلم يكلّمني بأكثر من أن قال لي: محلّنا، والنّفقة من
عندنا، وأنت فضولي، ما هذا الذي تقترح? اصبر مكانك حتّى يؤذن لك، فبقيت طول ليلتي
أتقلّى على جمر الغضا لا أعرف أين أنا. فلمّا انشقّ الصّبح إذا به طلع وطلعت
الجّارية في أثره، فأسرعت إليه وخرجت تعدو ولم تخاطبني، فكانت أعظم حسرةٍ نزلت
بي.
من كتاب الامام ابن الجوزي " اخبار
النساء"
كتبهابلال عبد الهادي ، في 22 كانون الأول 2011 الساعة: 11:28 ص
قال دعبل بن علي: بينا أنا سائرٌ بباب الكرج وقد
استولى الفكر على قلبي فحضرني بيت شعرٍ خطر به لساني من غي النّطق به، فقلت:
وإذا جاريةٌ معترضةٌ تسمع كلامي فقالت:
فلم أعلم أنّي خاطبت جاريةً أعذب منها لفظاً،
ولا أسحر طرفاً، ولا أنضر خدّاً، ولا أحسن مشياً، ولا أرجح عقلاً. فوددت أنّ كلّ
جارحةٍ منّي عينٌ تنظر، أو قلبٌ يفهم، أو أذنٌ تسمع. فقلت:
قال: فلحظتها، وتبعتني. وذلك حين أملاقي،
واختلال حالي. فقلت: مالي إلاّّ منزل صريع الغواني، فأتيته، واستوقفتها، ودخلت
إليه. وقلت: ويلك يا مسلم، أجمل لك الحبروجة على الباب تقلّ له الدّنيا وما فيها من
عسرٍ وضيقةٍ. قال لي: شكوت إلى ما كدت أبدؤك به الشّكوى، ولكن أئت بها على كلّ حال.
فلمّا دخلت قال لي: والله ما أملك إلاّ هذا المنديل. فقلت له: هو البغية. قال،
فأخذته فبعته بثلاثين درهماً، واشتريت خبزاً ولحماً ونبيذاً. وإذا هما يتنازعان
حديثاً كأنّه قطع الرّوض ذكرت به قول بشّار فقلت:
فقال لي مسلم: بيتٌ نظيفٌ، ووجهٌ ظريفٌ، ولا نفل
ولا ريحان? أخرج فالتمس لنا ذلك. قال، فخرجت وجئت بما طلب،فإذا لا حسّ منهما ولا
أثر لهما، فجعلت أطيل الذّكر، وأرجم الظّنّ، حتّى إذا جنّ الليل وفي قلبي لهيب
النّيران، ثاب عليّ عقلي وقلت: لعلّ الطّلب يوقعني على موضعٍ خفيٍّ. فوقفت على باب
سردابٍ وإذا هما قد نزلا ومعهما جميع ما يحتاجان إليه فأكلا وشربا ونعما. فدلّيت
رأسي وصحت مسام ثلاث مرّاتٍ، فلم يكلّمني بأكثر من أن قال لي: محلّنا، والنّفقة من
عندنا، وأنت فضولي، ما هذا الذي تقترح? اصبر مكانك حتّى يؤذن لك، فبقيت طول ليلتي
أتقلّى على جمر الغضا لا أعرف أين أنا. فلمّا انشقّ الصّبح إذا به طلع وطلعت
الجّارية في أثره، فأسرعت إليه وخرجت تعدو ولم تخاطبني، فكانت أعظم حسرةٍ نزلت
بي.
من كتاب الامام ابن الجوزي " اخبار النساء"
دموع عيني لها انبساط | ونوم جفني له انقباض |
وذا قليلٍ لمـن دهـتـه | بلحظها الأعين المراض |
أترى الزّمان يسرّنا بتلاقٍ | ويضمّ مشتاقاً إلى مشتاق | |
ما للزّمان يقال فيه وإنّما | أنت الزّمان فسرّنا بتلاقٍ |
وحديثٍ كأنّه قـطـع الـرّو | ض وفيه الصّفراء والحمراء |
من كتاب الامام ابن الجوزي " اخبار النساء"
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق