الأربعاء، 13 فبراير 2013

التواصل الصوتي لدى الضفادع



لقد طوّرت هذه البرمائيات عددا من الاستراتيجيات المعقدة من خلال

سعيها إلى إسماع نقيقها لمنافسيها ووليفاتها.



عندما تغيب الشمس عن قمة إليُنْك في بورتوريكو تنبض سفوح الجبل بحياة مليئة بالأصوات؛ إلا أن هذه الأصوات ليست بالغناء. إنها صيحات جمٍّ غفير من مخلوقات الغابة التي تتصاعد لتشكل أنغاما متنافرة تقارب في جملتها شدة ضجيج قطار يمر على بعد ستة أمتار منك. بيد أن صوتا واحدا بعينه من بين هذه الأصوات الهادرة جدير بأن يجعل طلابي المبتدئين يصمّون آذانهم بأكفّهم ويصرخون: «ما هذا؟» إنه في أكثر الأحيان صوت الضفدع المسمى إليثيروداكتيلس كوكي Eleutherodactylus coqui، (اختصارًا : كوكي). إنه حيوان برمائي بطول 36 ملّيمترا فقط، وهو نجم هذه الترنيمات المحلية، وأيضا محور دراساتي عن إشارات الضفادع.


كنت عام 1970 مهندسا مبتدئا في الكهرباء أتطلع إلى اختيار مشروع بحث في مجال الاتصالات، وقد قادتني المصادفة إلى الاطلاع على بحث لـ <R. كابرنيكا> من جامعة كورنل، يصف فيه تجاربه على ذكر الضفدع الثور bullfrog الأمريكي. كان يقوم بتركيب إلكتروني صنعي لصوت نقيق الضفدع لأليفته، ويُسمعه لضفدع ذكر محبوس فيرد هذا الذكر توا بنقيق مشابه. أما عندما كان يُسمعه نقيق أربعة وثلاثين نوعا آخر من الضفادع والتَّوْدات toads فلم يكن يستجيب لها البتة. كذلك وجد كابرنيكا أن حزمتَيْ التردد اللتين يتألف منهما نقيق ذلك الضفدع كانتا ضروريتين لتحريض الاستجابة. ومنذ ذلك الوقت بدأت أتساءل عن الصلة بين التباين الدقيق في أصوات الضفادع المختلفة وبين البيئات التي تكيفت هذه الضفادع للحياة فيها. والآن وبعد مضي عقدين من الزمن ما زلت أدرس هذه المسألة. وقد وجدت أن هذه الأصوات هي في أغلب الحالات حل لمسألة إصدار الإشارات في وجود الضجيج، لأن معظم الضفادع يعيش في غابات مطيرة مع العديد من المخلوقات التي تصدر إشارات صوتية أخرى. ولأن ذكر الضفدع لا يُصدر إلا عددا صغيرا من الأصوات فعليه أن يجعل نقيقه مميزا بسهولة ضمن هذه البيئة المعقدة صوتيا والمؤلفة من أصوات الأفراد والأنواع الأخرى. (وتجدر الإشارة إلى أن إناث الضفادع نادرا ما تصدر نقيقا).


تتنافس ذكور ضفدع «الكوكي»، الموجودة بالغابة الوطنية الكاريبية في بورتوريكو، من أجل لفت انتباه أنثى (في اليسار) وذلك بإتحافها بأصوات صاخبة تقارب تلك الصادرة عن سيارة شحن ذات 18 عجلة على بعد سبعة أمتار.


إن إحدى استراتيجيات البرمائيات هي التقسيم الطيفي، وهي استراتيجية مستعملة أيضا في محطات الراديو في المدن الكبيرة، حيث ترسل كل محطة إشاراتها ضمن قسم مختلف من الطيف الكهرطيسي. وعلى هذا المنوال، ففي غابة مطيرة يتقاسم الطيفَ الصوتيَّ مختلفُ «المستعمِلات» البرمائية، حيث يشغل كل منها قناة خاصة به. لذلك فكل نوع من الضفادع، الموجودة في الغابة الوطنية الكاريبية بالقرب من قمة جبل إليُنْك، يُصدر نقيقه ضمن حزمة من التردد لا يشاركه فيها أي من الأنواع الأخرى. ويبقى هذا التقسيم الطيفي سائدا على الرغم من وجود عوامل أخرى تحد من حرية تقسيم الترددات. فالضفادع الكبيرة تتمتع بنقيق عميق غير حاد، أي إنها تصيح بصوت منخفض التردد. وبالمقابل تُصْدر الضفادع الصغيرة نقيقا حادا. ومن ثم فإن ضفدع «الكوكي» الموجود على مرتفع إليُنْك، وهو ذو حجم أكبر لأسباب لا نعرفها، يتمتع بنقيق أرخم. ومن جهة أخرى يلعب عامل الحرارة دورا مؤثرا أيضا؛ إذ إن نقيق الضفادع الباردة يتكرر بمعدل زمني بطيء، لأن العضلات الضابطة للصوت تتحرك بشكل أبطأ.


ويستعمل كل نوع الترددات الخاصة به بكفاءة عالية. فنقيق الكوكي مثلا يتألف ببساطة من درجتين موسيقيتين tow-note وهما «كو» و«كي». إن تردد الدرجة «كو» هو نحو 1160 هرتز (لضفدع ذكر يعيش على ارتفاع 900 متر)، وهذا يعيّن كما يبدو حدود الأرض التابعة لكل ضفدع: لقد وجدنا أنه عندما نردّ على ذكر ضفدع بإسماعه نقيق ذكر آخر، يقوم الأول بالاستغناء عن درجة «كي» ويقتصر نقيقه عندئذ على درجة «كو» فقط. كما أنه لا يهتم إذا ما أسمعناه النقيق المركب إلكترونيا على شكل «كي ـ كو». من جهة أخرى، وجدنا أن الدرجة «كي» تغري إناث الضفادع، وقد دلّت الدراسات الفيزيائية العصبية أن مجموعة كبيرة من العصبونات (الخلايا العصبية) السمعية auditory neurons الموجودة لدى أنثى الكوكي فقط تكون على غاية من الحساسية حول الترددات 2090 هرتز وهي ترددات الدرجة «كي».


الفُرَج الزمنية

إضافة إلى التقاسم الطيفي spectrum sharing، تلجأ الضفادع إلى التقاسم الزمني sharing-time. فالبعض يخصص صيحاته في أوقات محددة من اليوم. مثلا، يتحف الكوكي جزيرة بورتوريكو بنقيقه منذ غروب الشمس وحتى منتصف الليل، مكررا صيحاته كل بضع ثوان. فالكوكي الكبير يكرر صيحاته كلَّ أربع ثوان، أما الكوكي الصغير فكل ثانيتين. ومن المدهش أن توقيت هذه الصيحات يتفق مع الفُرَج الزمنية time slots التي تسكت خلالها الضفادع المجاورة.




لقد حاولتُ مع <R. زيليك>، وهو طالب دراسات عليا، قياس الدقة الزمنية التي يستطيع الضفدع فيها توقيت صيحاته لتجنب التراكب الزمني مع الأصوات العالية الأخرى. ولهذا قمنا بإخضاع ذكور الكوكي لنبضات تشويش صوتية هي عبارة عن تردد واحد يتكرر بمعدل كل 2.5 ثانية لتكون متوافقة مع المعدل الزمني الطبيعي لهذه العشيرة. ثم قمنا بزيادة المدة الزمنية لهذه النبضات التشويشية تدريجيا. وقد وجدنا أن باستطاعة الضفدع توقيت صيحاته حتى عندما استغرقت مدة إذاعتنا لنبضة التشويش 90% من زمن ندائه (أي 90% تشويش و10% سكون). فالضفدع تمكّن من التصويت بدقة ضمن تلك النافذة الزمنية الضيقة من السكون (النسبيّ).


ومن أجل اختبار ما إذا كانت الذكور تتنبأ بتوقيت الفُرجة الزمنية المتاحة انطلاقا من ملاحظة دوريتها، قمنا بإسماعها إشارة مؤلفة من نبضتين بينهما 750 ملِّيثانية تتكرران عشوائيا مع الزمن ولكل منهما طول زمني مختلف عن طول الأخرى: على الرغم من ذلك بقيت هذه البرمائيات قادرة على تجنب هذه الأصوات العالية ذات التكرار غير الرتيب. ولكن من المعتقد أن هذه المخلوقات شأنها شأن بقية الحيوانات تستجيب للإشارات الدورية بذبذبات في دَارَة عَصَبونية neuronal circuit. ولكن نتيجة اختبارنا هذا تدل على أن للكوكي مقدرة غير عادية وهي أن دارته الدَّوْرية التي تتحكم في عضلات التصويت يمكنها أن تعيد ضبط نفسها عند كل ذبذبة، ويحدث هذا عند بداية كل فُرجة زمنية متاحة.


تقاسم طيفي وزمني

تساعد درجة حدة الصوت وتوقيت إحداثه على التمييز بين صيحات مخلوقات الغابة المختلفة. ويبين المخطط الطيفي spectrogram تحليلا لثانيتين من صوت ضفادع إليثيروداكتيلية موضحًا الترددات الموجودة لديها، وقد تم تسجيلها بالقرب من محطة إلفيرد في بورتوريكو (الشكل في الأسفل). يشغل كل نوع من أنواع الضفادع مجالا تردديًّا مختلفًا، إضافة إلى أنه يصدر صيحاته بمعدل يختلف عن غيره.
وتدل التجارب التي أجريت على ضفدع «الكوكي» على أن هذا الحيوان يستطيع توقيت صيحاته بشكل يجعلها لا تتراكب مع صيحات جيرانه ( في الأسفل). وقمنا بإسماع ضفدع الكوكي صوت درجة موسيقية عالية خلال مدد زمنية مختلفة (الخطوط الحمراء)، وقد كررنا الصوت 65 مرة كل 2.5 ثانية، وذلك كي نمثل معدل تكرار إشارة الضفدع نفسه. لقد وجدنا أنه حتى عندما دام صوت الدرجة الموسيقية 2.25 ثانية من مجمل دورها البالغ 2.5 ثانية (أقصى اليمين) استطاع الكوكي إصدار معظم صيحاته ضمن «نافذة» الصمت القصيرة المتبقية والبالغة 0.25 ثانية.
وأكثر من ذلك، فالكوكي يستطيع إصدار صيحاته خلال هذه النافذة القصيرة حتى لو كان توقيتها غير دوري، ومن ثم غير قابلة للتنبؤ بتوقيت حدوثها مسبقًا ( في اليمين): فعندما أُسمع الكوكي إشارةً مركبة من تتابع عشوائي لدرجتين كل منهما ذات مدة زمنية مختلفة عن الأخرى (الرمادي) مع إبقاء الفرجة الزمنية بين درجة وأخرى دائمًا 750 مليثانية، أصدر الكوكي صيحاته خلال هذه الفرج الزمنية بشكل موثوق دائمًا. ولو أن الضفدع استمر يصدر صيحاته بمعدلها في النداءين الأولين لتراكبت الصيحة مع إشارة الدرجة التشويشية التي نُسمعه إياها (انظر رأس السهم).


وبعد أن درسنا تأثير تردد الصوت وتوقيته قررنا دراسة تأثير شدته، أي هل سَيُصْدِر الكوكي نقيقه خلال «النافذة» الزمنية المتاحة إذا ملأنا هذه النافذة بنبضة صوتية أقل شدة من تلك النبضات التشويشية المستعملة وذلك بدلا من إلغائها. لذا قمت مع زيليك بإخضاع 23 ذكرا من منطقة إليُنْك لسماع إشارة صوتية مركبة من نبضة صوتية ضابطة مدتها 1.5 ثانية وهي ذات وتيرة تكرار تشابه تلك المستعملة من قبل الذكر الخاضع للدراسة، أي كل 2.5 ثانية. ثم أتبعنا ذلك الصوت فورا بنغمة «اختبارية» مدتها ثانية واحدة وكرَّرنا هذا التتابع كل 2.5 ثانية، أي بمعدل نداء الذكر نفسه. ثم أخذنا نزيد شدة إشارات الاختبار تدريجيا حتى توقف الضفدع عن تفضيل إصدار نقيقه خلال النافذة، ربما لأن الإشارتين عندئذ بدتا له متساويتين في الشدة. ولكننا وجدنا أنه حتى عندما كانت شدة إشارة الاختبار تنقص عن إشارة التحكم من 4 إلى 6 ديسبل (decibel ( dB فقط ـ وهو فرق تكاد الأذن البشرية لا تُحِسُّه ضمن ضجيج الخلفية background noise للغابة ـ فإن 59% من الذكور استطاعت إصدار صيحاتها ضمن النافذة. ويبدو أن هذا الفرق البسيط في الشدة كان كافيا لإعادة ضبط جهاز الذبذبات العصبي عندها.


شدةُ صوتٍ تصم الأذن

وعلى الرغم من هذه التكيّفات المدهشة للبيئة، لم يكن الفصل الدقيق بين توزيع الترددات والفُرَج الزمنية بين أنواع الضفادع المحلية دائما بالشيء الممكن. لذلك فقد تطورت استراتيجيات تواصل أخرى. فذكور كثير من الأنواع تُصدر نقيقا دوريا مجسَّما stereotyped يزيد فيه «الحشو» redundancy في الإشارة، وهذا بدوره يساعد على تعرّف الضفدع المنادي وتحديد مكانه حتى ولو ضاع بعض من نقيقه في ضجيج البيئة. ويضاف إلى ذلك ما نجده من توليف في طبلة الأذن والجهاز السمعي للبرمائيات مع الدرجة الموسيقية والدور الزمني الخاص بنقيق النوع نفسه مما يسمح بالسماع الانتقائي الحساس.


إلا أن أبرز مظاهر التكيّف مع البيئة على الإطلاق هو شدة الصوت (الصراخ). فبما أن كثافة التوزّع المكاني الكوكي في مناطق الغابات هي ذكر واحد في كل 10 أمتار مربعة، لذا فهو مضطر لرفع شدة صوته كثيرا لكي يغطي على نقيق جيرانه بهدف استمالة أنثى بعيدة. إن شدة الصوت الناتجة من ضفدع كوكي يقع على بعد نصف متر تقدر بـ 90 إلى 95 dB SPL، وهي شدة صوت قريبة من عتبة الألم عند الإنسان. (ترمز SPL إلى مستوى الضغط الصوتي sound pressure level وتشير إلى قيمة أقل ضغط صوتي قابل للسماع من الأذن البشرية عند التردد 1000 هرتز، وهذه القيمة هي P0 = 0.0002 دَيْنَة على السنتيمتر المربع. وضغوط الصوت، والتي يُعبَّر عنها بالرمز P، تقاس بالديسبِل (dB). ويُعرَّف الديسبل رياضياتيًّا بقيمة P منسوبة إلى P0 على السلَّم اللوغاريتمي أي dB=20 log P/P0. فمثلا، إن الضجيج الناتج من آلة الثَّقْب بضغط الهواء Jackhammer يساوي 100 dB SPL). وينتج من هذا كله أن أذن ذكر الكوكي معرَّضة لمستويات صوت مخرِّبة ناتجة من صيحاته هو وعلى مدار 11 شهرا في العام.


يقاس مستوى الصوت المسموع من قبل ضفدع الكوكي في الغابة عن طريق السرعة العظمى لاهتزازات طبلة أذنه (في الأعلى). ويستجيب غشاء طبلة الأذن بشكل قوي لصيحة الضفدع نفسه: كو-كي (كو مبينة باللون الأصفر و كي باللون الأحمر)؛ إن القمم الترددية العالية الأخرى سببها أصوات الضفادع والحشرات الأخرى. إن شدة صوت نقيق الكوكي وهو البرمائي ذو الـ 36 ملِّيمترًا طولا تضعه على التوازي مع ضجيج شارع يعج بالمواصلات (في الأسفل).


ولما عجبنا كيف يحمي هذا المخلوق الصغير نفسه من الضوضاء التي يُحدثها، قررتُ إجراء قياسات عن شدة هذا الصوت عند أذن الضفدع. لذلك قمت بتأنٍّ بوضع مِجَس ميكروفوني على بعد 13 إلى 35 ملِّيمترا عن طبلة أذن أحد ذكور الكوكي، عندما بدأ بالنقيق في بداية إحدى الأمسيات؛ وكان هذا في موقع مليء بالنباتات قريب من محطة إلڤيرد. لقد وجدت أن مستويات الشدة العظمى لصوت «كي» وصوت «كو» على هذا البعد تصم الأذن وقدرهما 114 dB SPL للأولى و 120 للثانية.


إن هذه الضغوط الخارجية عالية جدا، إلا أن مسافة اهتزاز طبلة الأذن التي تثير الأذن الداخلية تعتمد أيضا على الضغط الداخلي السائد خلف طبلة الأذن. ويقوم ذكر الضفدع بالتصويت بالضغط على رئتيه مع إغلاق فمه ومِنْخَرَيْه، ثم يجبر الهواء على المرور عبر الأوتار الصوتية إلى نظام مغلق من الحجرات تتضمن أيضا التجويف الفموي، وعندها ينتفخ كيس رقيق الجدران يقع عند قاعدة الفم ليصبح على شكل «بالون» يقوم بنشر الصوت الصادر عن الأوتار الصوتية في البيئة المحيطة.


ومن أجل معرفة القيمة الحقيقية للمسافة التي تتحركها طبلة أذن الكوكي عند صياحه، قمت بجمع عشرة ذكور عالية الأصوات من على الأشجار المجاورة لمحطة إلڤيرد، وطرت بها إلى جامعة كونستانز في ألمانيا. وكنت قد رتَّبت برنامجا للتعاون مع مختصيْن بالدراسات العصبية الإيكولوجية neuroethology <.G <إهرِتْ> و<J. توتْز> باستعمال جهازهما: مقياس الاهتزازات الدپلري الليزري (laser doppler vibrometer (LDV ، إذ إن هذا الجهاز يصدر حزمة شعاعية من ليزر الهيليوم-النيون ذات قدرة منخفضة. وعندما كنا نصوِّب الشعاع الليزري إلى طبلة أذن الضفدع كان بعض الضوء الذي شَتَّته الغشاء يرتد ليدخل حزمة الليزر. وعندما يكون الغشاء مستقرا لا يتحرك، يساوي طول موجة الضوء المنعكس طول موجة الضوء الصادر؛ أما إذا اختلفت أطوال الموجات (بفعل دُپْلَر ونتيجة لحركة الغشاء) فإن الجهاز LDV يحسب سرعة حركة الغشاء ويستنتج منها المسافة التي تتحركها طبلة الأذن وذلك بدقة فائقة قدرها واحد من البليون من المتر (أو واحد من مليون من الملّيمتر).


من خلال إجراء قياسات ليزرية لجسم الضفدع اكتشفتُ بمحض المصادفة، ممرات الهواء التي تصل بين رئتي الكوكي وأذنه الداخلية (في اليسار). لقد بين شعاع ليزر الهليوم - النيون أن جزءًا من الجلد على جانب الضفدع يهتز استجابة للصوت ناقلا بذلك حركة الاهتزاز إلى الرئتين وإلى طبلة الأذن بشكل غير مباشر. إن ممرات الهواء الداخلية (اللون الوردي في الشكل السفلي) تسمح للضفدع بالسماع من خلال جانبيه (أسفل المنطقة الأرجوانية) إضافة إلى أنها تساعد على حماية أذنيه من الصمم بفعل شدة صوت صيحاته هو؛ لأن صوت الضفدع بعد إصداره من الكيس الصوتي يصل إلى طبلة الأذن من كلا وجهيها (جانبيها) الداخلي والخارجي، ومن ثم فإن تأثير هذه الصيحات الصارخة في الغشاء يُلغي بعضه بعضًا إلى حد كبير.


لقد أعددنا لكل من الذكور العشرة مَرْبى مائيا aquarium مزودا بكل ما في بيئتها الأصلية من حيث النباتات الاستوائية والحرارة العالية والرطوبة المناسبة. ولكن خاب أملنا؛ إذ لم يقم أي منها بالنقيق قط طوال مدة بقائي هناك، التي دامت ثلاثة أسابيع. ولكننا على الرغم من ذلك قمنا بالتركيز على قياس مسافة حركة طبلة آذانها استجابة لأصواتٍ أصدرناها من آلات تسجيل لنقيق ضفدع الكوكي، وقد تحكَّمْنا في شدة الصوت الصادر عن الآلة بحيث يكون مستوى شدة الـ «كو» عند أذن الضفدع 66 dB SPL والـ «كي» 75 dB SPL، وبذلك تكون الشدة في تجربتنا مشابهة للحالة الطبيعية في البرِّية والصادرة عن صياح ضفدع مجاور.


إلا أن تجاربنا أسفرت عن ملاحظة مثيرة غير متوقعة. فقد اشتملت خطة تجربتنا على القيام بقياسات لا يعلم أي من الطرفين القائمين بها ما يصنعه الطرف الآخر، حيث كنت أقوم بتوجيه الشعاع الليزري إلى طبلة الأذن ثم أصدر الصيحات 130 مرة في حين يتابع كل من إهرت وتوتز استجابة هذه الطبلة. وبعدها نُجري تجربة ضابطة للتحقق من عدم اهتزاز جسم الضفدع وذلك بتوجيه الشعاع الليزري إلى إحدى النقاط على جمجمته عندما نذيع الصيحات نفسها من آلة التسجيل. (وتجدر الإشارة إلى أننا لاحظنا أن الضفدع يقبع من دون أية حركة عندما كنا نسلط عليه الشعاع الليزري في جو المختبر المظلم)، وأخيرا كنا نطرح طيف القياس الثاني من طيف القياس الأول لنحصل على حركة طبلة الأذن الحقيقية.


تسود ثلاثة أنواع من الآذان لدى عالَم الحيوان. فالتي من نوع مستقبِل الضغط (في اليسار) توجد لدى الطيور والثدييات، وفيها تستجيب طبلة الأذن إلى التغييرات في ضغط الصوت الذي يرتطم بها من الخارج، أما الداخل فيبقى الضغط فيه ثابتًا، وفي هذه الحالة لا يمكن لأذن واحدة تمييز اتجاه ورود الصوت. أما نوع مستقبِل مدروج الضغط (في الوسط) والموجود لدى الكثير من الحشرات، فيصل الصوت فيه على وجهيْ طبلة الأذن التي تستجيب للفرق في الضغط على وجهيها. ويمكن لأذن واحدة في هذه الحالة تحديد المنبع الذي يرد منه الصوت. أما النوع الثالث، وهو مستقبِل مدروج الضغط غير المتناظر (في اليمين) فيوجد لدى الضفادع ويرتطم فيه الصوت على وجهي طبلة الأذن ولكن بضغطين مختلفين. وهذه الأذن أيضا تحدد اتجاه ورود الصوت.


وفي ساعة متأخرة من إحدى الليالي انزلقت يدي خلال إحدى التجارب الضابطة ووقع الشعاع سهوا على أحد جانبي الضفدع. ودهشنا حين بيَّن لنا الجهاز LDV أن الجلد المغطّي للرئتين يهتز بوضوح استجابة للصيحات. ولذلك قمنا فورا بإجراء القياسات لرسم «خريطة» اهتزاز لكل مناطق جسم الضفدع. وكانت النتيجة أن منطقة صغيرة في الجدار الجانبي للجسم كانت تستجيب لاهتزازات الصوت وبحساسية أقل قليلا من تلك الخاصة بطبلة الأذن [انظر الشكل العلوي في الصفحة المقابلة].


وفي مرحلة تالية، قمنا بقياس تغيّرات الضغط الصوتي داخل الحجرة الفموية للضفدع نتيجة تطبيق اهتزازات صوتية بوساطة مذياع speaker صغير وضع فوق الجدار الجانبي لجسم الضفدع. كما بيَّنا في دراسة بالتعاون مع <B. شميتز> (من جامعة كونستانز) أيضا، أن هذه الاهتزازات الصوتية أدت إلى اهتزاز طبلة الأذن. إن هذه الدراسات أشارت إلى وجود اتصال هوائي تام بين الرئة وطبلة الأذن. إن هذا الممر الداخلي لا يفسر كيف تستطيع الضفادع تحديد موقع أي منبع صوتي فحسب، بل يفسر أيضا كيف تحمي نفسها من صيحاتها التي تصم الآذان.


إنقاذ الأذن

تعد الآذان البشرية مُسْتَقْبِلاتٍ للضغط، شأنها شأن آذان سائر الثدييات والطيور: إن غشاء الطبلة يُثار بفعل تغيرات ضغط الصوت القادم من خارج الأذن في حين يبقى الضغط الداخلي ثابتا. إن مستقبِلاً من هذا النوع لا يمكنه تمييز الاتجاه الذي يرد منه الصوت أو تحديده. (مع أنه عند الترددات العالية تكون أطوال الأمواج صغيرة لدرجة تجعل من الممكن تحديد الاتجاه بعض الشيء). ويتم عادة تحديد مكان منبع الصوت بتحليل الفرق الزمني بين وصول الصوت إلى الأذن اليُمنى ووصوله إلى الأذن اليسرى، وكذلك بتحليل الفرق بين شدة الصوت عند الأذن اليمنى وعند الأذن اليسرى.


أما في الأذن التي تستقبل مدروج (مَمَال) الضغط pressure-gradient، كتلك التي يتمتع بها كثير من الحشرات، فيصل ضغط الصوت إلى وجهيْ (جانبيْ) غشاء الطبلة الذي يستجيب وفقا للفرق بين ضغطي الصوت الواقعين على وجهيه. إن هذا النوع من الأذن يحدد بطبيعته اتجاه المنبع الصوتي، لأن الفرق في الطور phase بين إشارتي الضغط على وجهي الغشاء يعتبر قياسا للفرق في المسافة التي يقطعها الصوت في وصوله لهذين الوجهين. وهذه المسافة تعتمد بدورها على زاوية ورود الصوت نحو الأذن. كما أن المقارنة بين ما ورد للأذنين يزيد في تحسين تحديد الاتجاه [انظر الشكل السفلي في الصفحة المقابلة].


أما تركيب الأذن لدى الضفادع فمتوسط بين حالة الثدييات والطيور وحالة الحشرات. فأُذنا الضفدع مستقبلتان غير متماثلتين (متناظرتين) asymmetrical لمدروج الضغط. فالصوت يرتطم بوجهيْ غشاء الطبلة ولكن بضغطين غير متساويين ويتحسس الغشاء الفرق بينهما. إن هذه الأذن المستقبلة حساسة أيضا للاتجاه، ولكن على نحو أكثر تعقيدا منه في أذن الحشرات. ففي حالة الضفدع يصل الصوت إلى الجهة الداخلية لغشاء الطبلة عن طريقين على الأقل، الأول من الأذن الثانية والآخر من الرئة عبر الممر الصوتي acoustic pathway.


تستعمل الضفادع أوساطًا متنوعة لنشر نقيقها. فأنثى الضفدع الشجري الماليزي (في الأعلى) تجتذب ليلا الذكور الأصغر حجمًا بطرْق أصابعها الخلفية فوق نبتة مائية طافية. إن ذكر ضفدع الشفة البيضاء في بورتوريكو (في الأسفل) لا ينقُّ فقط بل يرسل اهتزازات عبر التربة الطينية. وتقوم الذكور القريبة منه بمتابعة طرقاتها مع طرقات الذكور الأخرى مشكلة بذلك «جوقة موسيقية».


وتوحي ممرات الهواء الداخلية لدى الضفدع بطريقة جديدة لشرح الكيفية التي يحمي بها الضفدع نفسه من زيادة إثارة طبلة الأذن لديه. فعندما يُصدر ذكر الضفدع نقيقه الصارخ، ينتقل الضغط العالي المتولِّد في الحجرة الفموية إلى طبلة الأذن ويؤدي إلى تقببها نحو الخارج. ولكن لأن هذا الغشاء مشدود شدا قويا، تخمد استجابته للاهتزازات الصوتية. هذا إضافة إلى أن الأصوات الصادرة عن الحبلين الصوتيين ترتطم بكل من الوجه الخارجي لطبلة الأذن والوجه الداخلي لها، وذلك بعد انتشارها من الكيس الصوتي. وعندما يصل الصوتان في الطور نفسه تقريبا ـ وبالتالي تتطابق فترات حدوث الضغط العالي على جانبي الغشاء ـ فإن الغشاء لا يهتز كثيرًا استجابة لذلك.


ومن أجل اختبار هذه النظرية عن طريق دراسة غشاء طبلة أذن الضفدع عند نقيقه، كان علينا أن نعود إلى محطة إلڤيرد. استعملت مع طالبتي في الدراسات العليا <P. لوبيز> جهازَ LDV محمولا لإجراء هذه القياسات الدقيقة. وقد قَصَرْنا تجاربنا على الضفادع في أثناء نقيقها وهي قابعة على أجسام صلبة ثابتة كجذوع الأشجار الكبيرة أو البيوت؛ لأن طبلة الأذن يجب أن تكون مستقرة تماما. لكن كانت هناك مسألة أكثر إشكالا من ذلك وهي أن ضفدع الكوكي يصدر نقيقه الأكثر صراخا عندما تقارب رطوبة الجو 100 بالمئة، أي خلال المطر أو بعده مباشرة، أما الجهاز LDV فلا يعمل في أثناء هطول المطر؛ لأن الشعاع الليزري يجب ألاَّ يعيقه شيء في طريقه من وإلى الهدف.


وقد كان صيف ذلك العام الذي كنا نجري فيه هذه التجارب من أكثر السنين جفافا في بورتوريكو. ولكي نحرض الضفادع على النقيق وجدنا أن رشها بالماء عدة دقائق كان مجديا كثيرا. ومن المشكلات التي واجهتنا أيضا، تأمين تيار كهربائي قوته 110 ڤلط للجهاز LDV، ولكن لحسن الحظ كان السكان المحليون متعاونين معنا عندما كنا نطلب إليهم توصيل السلك الممتد من الجهاز إلى مصدر كهربائي في بيوتهم لإجراء القياسات الليزرية على طبلة أذن الضفدع.


لقد أكَّدت نتائج تجاربنا أن طبلة الأذن تهتز مستجيبة لنقيق ذكر الضفدع نفسه، ولكن بسعة اهتزاز صغيرة للغاية. ونحن حاليا نقوم بتحري قيمة فرق طور الإشارة الصوتية عند وصولها إلى الجانب الخارجي والجانب الداخلي لغشاء طبلة الأذن للمضي في تمحيص نظريتنا.


تواصل صوتي عبر الأرض

بعض الضفادع غير القادرة على منافسة ضفدع الكوكي أو غيره سواء في شدة الصوت أو في حدته أو في مدته لجأتْ إلى استغلال وسائط أخرى لنقل صوتها. فالضفدع ذو الشفة البيضاء Leptodactylus albilabris نحا مثل هذا المنحى. فهذا الضفدع بري وليلي النشاط، يعيش بجوار المستنقعات والقنوات وجداول الجبال في أكثر مناطق بورتوريكو. ويصدر ذكر هذا الضفدع نقيقه من داخل كتل الحشائش الكثيفة أو من تحت الأوراق المتساقة أو من حفر ضحلة أو أنفاق في التربة الطينية (أما أنثى هذا الجنس فهي مختبئة مُمَوَّهَة وصامتة).


في أول ليلة سمعت فيها نقيق ضفدع ذي شفة بيضاء قمت بالاقتراب منه إلا أنه توقف عن النقيق فورا. وبعد عدد من المحاولات الفاشلة تمكَّنت من القبض على بعض ذكورها النقاقة والعودة بها إلى المختبر في كاليفورنيا. وفي مختبر <E. لويس> في جامعة كاليفورنيا ببيركلي قمنا بتفحص حساسية هذا الضفدع الخارقة لوقع أقدامي عند اقترابي منه. فلا بد أن وقع قدميَّ المنتقل عبر التربة كان يهز جسم الضفدع هزا. فكان السؤال المطروح هو: كيف يلتقط الضفدع هذه الاهتزازات الخفيفة جدا.


لقد اكتشفنا في الأذن الداخلية لهذا الضفدع مجموعة من الألياف العصبية تستجيب بشدة عندما تهتز وفق ترددات تتراوح بين 20 و 160 هرتز. وقد استجابت أشد هذه الألياف حساسية لتسارعات تقدر بنحو 0.000001 من تسارع الثقالة (الجاذبية) الأرضية g (إن g تساوي تربيع 32 قدما على الثانية أو تربيع 9.8 متر على الثانية) وهذا يجعل أعضاء الأذن الداخلية لهذه الضفادع أكثر حساسية مئة مرة من تلك الخاصة بالثدييات.


من المعروف أن تحسس الضفادع والتَّوْدات للاهتزازات يتم بوساطة كيس صغير sacculus في الأذن الداخلية

[انظر: "The Hair cells of the Inner Ear,

A.J. by Hudspeth;

Scientific American, January 1983].

ويتألف هذا العضو لدى ضفدع الشفة البيضاء من كيس مليء بقدر كثيف من بلّورات كربونات الكالسيوم. ويرتكز هذا الكيس فوق 600 خلية هدبية تحسسية. وعندما يهتز الضفدع يتحرك السطح العلوي للأهداب وجذورها جيئة وذهابا، في حين أن الكيس المرتكز على رؤوس هذه الأهداب يبقى ثابتا، نظرا لعطالته (قصوره الذاتي). ونتيجة لذلك تنحني الأهداب مغيّرة بذلك معدل التفريغ الطبيعي للألياف العصبية.


وبالطبع فإن جهازا لكشف الاهتزازات seismometer متمتعا بمثل هذه الحساسية ليس مخلوقا لدى ضفدع الشفة البيضاء لكشف وقع أقدام الباحثين فقط. وللتحقق من ذلك قمت مع لويس باستخدام جيوفون (ميكروفون أرضي) geophone. وتتركب هذه الأداة من وشيعة (ملف) coil معلَّقة بنابض ضمن حقل مغنطيسي: وعند حدوث أي اهتزازات عمودية يتولد جهد كهربائي على طرفي الوشيعة. لقد قمنا بوصل هذا الجيوفون إلى مضخم إشارة amplifier، ووصلنا خَرْج المضخم إلى سماعات رئيسية تمكننا من سماع الاهتزازات الأرضية، وغرسنا الجيوفون بالقرب من ضفدع الشفة البيضاء، وقد كان سرورنا عظيما عندما وجدنا أن هناك طرقة قوية تسجل عند كل نقيق.


بعد هطول المطر يطمر ذكر ضفدع الشفة البيضاء مؤخرته في الطين تارك رأسه وأطرافه الأمامية ظاهرة. وعند نقيقه ينتفخ كيسه الصوتي بشكل انفجاري مرتطما بالأرض. يولّد هذا الاصطدامُ موجةً ريلِيّة(1) Rayleigh من الاهتزازات العمودية التي تنتشر على سطح التربة بسرعة 100 متر في الثانية تقريبا (وتبلغ ذروة تسارعها g 0.002 على مسافة متر واحد). والطاقة المنقولة في هذه الموجة تحتوي على ترددات تقع ضمن المجال نفسه الذي وجدنا أن الألياف العصبية أكثر حساسية له (أي 20 -160 هرتز).


ومن أجل اختبار ما إذا كانت ضفادع الشفة البيضاء المجاورة للضفدع الصارخ تحسُّ هذه الطرقات، قام لويس وزملاؤه بصنع «مطرقة» من وشيعة رأس آلة كاتبة كهربائية. وقد تحكَّمْنا في وتيرة طَرْقات الوشيعة عن طريق إشارة مشتقة من تسجيل لنقيق الضفدع نفسه ومن ثم قلَّدْنا الوتيرة الطبيعية لطرقات الحيوان. وعلى الرغم من قيامنا بعزل «المطرقة» صوتيا بحيث لا تصدر أي صوت مسموع عن طريق الانتشار عبر الهواء، تجاوبت ذكور ضفدع الشفة البيضاء الموجودة ضمن مسافة ثلاثة أمتار من ضفدعنا الصنعي مع طرقاته مشكّلة «جَوْقَة» من النقيق.


ونحن لا نعلم بعد ما إذا كانت الذكور تستجيب للمركبتيْن الصوتية والسيزمية (الاهتزازية الأرضية) في نقيق ذكر مجاور. وعلى الرغم من أن الاهتزازات الأرضية تُستقبل عادة من خلال حركة الجسم كله، في حين أن الصوت المنتشر عبر تغيرات الضغط في الهواء يُستقبل من خلال ارتطامه بطبلة الأذن، ويبدو أن تلقّي الضفدع لهذين المنبهين مترابط للغاية. فقد بيّنت الدراسات الحديثة الجارية في مختبرنا وفي مختبرات (مخابر) أخرى وجود مجموعتين واضحتين مختلفتين من الألياف العصبية لدى الضفدع المرقط leopard frog. وتنشأ إحدى المجموعتين في الحُلَيْمات البرمائية وهو عضو حساس للأصوات ذات الترددات المنخفضة، وتنشأ المجموعة الثانية في كيس الأذن الداخلية مع خلاياه الهدبية التحسّسية للاهتزازات. إلا أن هاتين الحزمتين من الألياف العصبية حساستان للصوت وللاهتزازات على حد سواء. والفرق الرئيسي في هذه الحالة بين الأصوات والاهتزازات قد لا يكون إلا في الطريق الذي يسلكه كل منهما كمنبه ليصل إلى المستقبِل الحسي. إن هذه الظاهرة لم تُدرس بعد بشكل كاف.


لقد ثبت حتى الآن أن هناك ثلاثة أنواع أخرى من الفقاريات ـ فضلا عن ضفدع الشفة البيضاء ـ تتواصل بطريقة «سيزمية»، أي عبر الاهتزازات الأرضية. وهذه الأنواع هي: خُلد فلسطين (الفأر الأعمى) (Spalax) وخُلد جنوب إفريقيا (Georychus) وفأر الگنغر ذو ذنب الراية في الولايات المتحدة الجنوبية الغربية (Dipodomys). وقد اكتشفتُ حديثا مع زميلين: <A. فنگ> (من جامعة إلينويز) و<J. كريستنسن-دالسگارد> (من جامعة أودينز) أن أحد أنواع الضفدع الشجري الماليزي (Polypedates leucomystax) يتمتع بتصرف خاص غير عادي: فأنثى هذا الضفدع، التي تعيش على نباتات طافية فوق الماء، تجثم في فترة الإخصاب على ورقة من العشب وتدق بأصابعها الخلفية بشكل موزون. ويستمر هذا النشاط في الظلام عدة دقائق ونادرا ما يرافقه نقيق. وتقوم الذكور المجاورة بتحديد مكان الأنثى العازفة بسرعة والائتلاف معها.


إن الدقات الموزونة تُستعمل ـ على ما يبدو ـ كإشارات اهتزاز تهدف إلى التنبيه على موقع الأنثى. وهذا التصرف يدعو إلى الانتباه: لأنه عند معظم أجناس الضفدع الشجري يقوم الذكر بالنقيق من موقع ثابت وتحدد الأنثى مكانه نتيجة لذلك. يضاف إلى ذلك أن هذه هي المرة الأولى التي نكتشف فيها فقاريًّا من الفقاريات البرية يتواصل عبر إشارات «سيزمية» في وسط غير التربة (في وسط مائي). وربما كانت البيئات المختلفة التي تعيش فيها الضفادع تقدم أوساطا أخرى تستغل بشكل مشابه لما وجدنا آنفا في هذه المقالة. إنني أتوقع أن أقضي سنين كثيرة أخرى أحاول فيها حل ألغاز هذه الإشارات المتنوعة.




المؤلف

Peter M. Narins

قام بدراسة التواصل ما بين الضفادع والمناجذ moles الذهبية والـ Krill وطيور الغابة وجرذان رأس الرجاء الصالح عبر القارات السبع. وبعد حصوله على الماجستير في الهندسة الكهربائية عام 1966 من جامعة كورنل، تطوع ضمن فرقة السلام في «شيلي» مدة ثلاثة أعوام. والتحق فور عودته بجامعة كورنل حيث حصل على الدكتوراه في السلوك وبيولوجيا عام 1976. ثم التحق بعد عامين بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس كأستاذ للعلوم الفيزيولوجية.




مراجع للاستزادة

ACCESSORY PATHWAY FOR SOUND TRANSFER IN A NEOTROPICAL FROG. P.M. Narins, G. Ehret and J. Tautz in Proceedings of the National Academy of Sciences, Vol. 85, No. 5,pages 1508-1512; March 1988.

SEISMIC COMMUNICATION IN ANURAN AMPHIBIANS. P.M. Narins In Bioscience, Vol. 40, No. 4, pages 268-274; April 1990.

BIOLOGICAL CONSTRAINTS ON ANURAN ACCOUSTIC COMMUNICATION: AUDITORY CAPABILITIES OF NATURALLY BEHAVING ANIMALS. P.M. Narinis in Evolutionary Biology of Hearing. Edited by D. B. Webster, R. R. Fay and A. N. Popper. Springer-Verlag, 1992.

REDUCTION OF TYMPANIC MEMBRANE DISPLACEMENT DURING VOCALIZATION OF THE ARBOREAL FROG, ELEUTHERODACTYLUS COQUL. P. M. Narins in Journal of the Acoustical Society of America, Vol. 91, No. 6, pages 3551-3557; June 1992.

COMPARATIVE ASPECTS OF INTERACTIVE COMMUNICATION. P. M. Narins in Active Hearing. Edited by A. Flock, D. Ottosen and M. Ulfendahl. Elsevier Science, 1995.

Scientific American, August 1995




(1) نسبة إلى عالم الفيزياء الإنكليزي جون وليم سترَت (البارون رِيليِه) (1919 - 1842) الحائز جائزة نوبل عام 1904، وقد انصرف قسم كبير من بحوثه إلى دراسة الذبذبات. والموجة الربليَّة هي ذبذبات سطحية تصاحبها حركة أرضية. (التحرير)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق