الأربعاء، 13 فبراير 2013

التعددية اللغوية على الإنترنت


 



في السنوات الأخيرة، بسطت الثقافة الأمريكية نفوذها على شتى أنحاء العالم عن طريق التجارة العالمية ومنتجات هوليوود. وعندما تصل الإنترنت إلى أماكن قاصية على الكرة الأرضية لم تصلها قط من قبل، يبرز سؤال واضح: هل ستوسع الإنترنت هذا الاتجاه فتصبح الإنكليزية مستخدمة في كل مكان؟ أم أن تنوعا من اللغات سيغني عالم الاتصال الفوري (على الخط) on-line؟ يتنبأ بعض المراقبين بأن اللغات المحلية لن يكتب لها البقاء في عالم الاتصال الفوري وأن الإنكليزية هي التي ستسود.


إلا أنه سيكون لهذه الهيمنة الساحقة سلبيات عدة. فمعظم الناس يستخدمون الإنكليزية لغة ثانية، وإلمامهم بها قد يكون أوليا ـ ما يكفي لفهم المعلومات العامة فقط مثل النشرة الجوية، ولا حتى ذلك أحيانا. أما في المناقشات الأعمق من ذلك، فإن كل فرد تقريبا يتجه إلى الاعتماد على لغته الأم. فإذا لم تسمح الإنترنت بمناقشات متعددة اللغات، فإن دورها في تيسير الاتصال الدولي سيكون محدودا جدا، وستتفشى الأخطاء وسوء الفهم، وسيحرم كثير من المستخدمين من الفرص الهائلة التي يمكن للاتصالات الدولية أن توفرها.


ومن المحتمل جدا أن تتواجد على الإنترنت مستقبلا قوى عديدة تؤثر في التنوع اللغوي على هذه الشبكة. ففي الوقت الحاضر يقع نحو %60 من حواسيب الإنترنت المضيفة في الولايات المتحدة. أما في خارج أمريكا الشمالية وبعض دول أوروبا، فإن معظم الوصلات في العالم مع الإنترنت حديثة العهد ومحدودة جدا. لكن ربط الحواسيب بالشبكة يتزايد في كل مكان. ونظرا لأن تكاليف بناء شبكات الاتصال في انخفاض مستمر، فإن توزع مستخدمي الإنترنت سيقارب توزع الحواسيب.


يمكن مشاهدة اللغة المختارة على الشاشة في هذا الموقع على الويب (الشبكة العنكبوتية العالمية) بنظام الكود الموحد، وهو نظام يكوّد اللغات.


وبسبب انخفاض تكلفة الإنترنت وسهولة استخدام تقانتها نظريا، فسوف تتيح لبعض المؤلفين، لا سيما مستخدمي الحروف اللاتينية، نشر وتبادل الرسائل بلغتهم الأم. وقد بدأ بالفعل بعض الناشطين في ترقية اللغات القومية بالإفادة من هذه الأداة. فعلى سبيل المثال، إن نحو %30 من الصفحات المنشورة على الويب (الشبكة العنكبوتية العالمية) باللغة الفرنسية، يأتي من كويبك مع أن الكنديين الفرنسيين يمثلون %5 فقط من مجموع الناطقين بالفرنسية. لكن المدى الذي تصل إليه الإنترنت عالميا هو أيضا في صالح اللغة المفهومة، ولو قليلا، من قبل العدد الأكبر من الناس. والنتيجة كما أعتقد أن الإنترنت ستدعم لغات كثيرة تستخدم في الاتصالات المحلية وتدعم الإنكليزية في اتصال عالمي محدود.


ومن المعروف أن ثمة صعوبات فنية عسيرة في التواصل بالنسبة لأغلبية لغات العالم. فالمكونات المادية للحاسوب والبرمجيات صممت في البداية للتعامل مع النصوص الإنكليزية. لكن لاتزال هنالك صعوبات حتى مع الحروف اللاتينية العادية. ففي الأيام الأولى من عصر الأربانت Arpanet ـ سلف الإنترنت ـ كان يمكن تكويد رسائل البريد الإلكتروني بالنظام أسكي ASCII ذي السبع بتات(bits(1. أما اليوم فإن البروتوكول البسيط الموسَّع لنقل البريد Extended Simple Mail Transport Protocol يسمح بمعالجة نظام الوحدات الثماني التي يتطلبها النظام «آيزو» اللاتيني ISO-Latin المعتَمَد من قبل المنظمة الدولية لتوحيد المقاييس the International Organization for standardization. ويتسع النظام آيزو لِ 256 حرفا، ومن ثم يمكن إظهار العلامات المميزة (كعلامات النبرات القوية والضعيفة) المستخدمة في جميع اللغات الأوروبية الغربية. ولأن الكثير من حواسيب الربط الشبكي تعمل ببرمجيات قديمة، فإن البتة الثامنة تختفي أحيانا، مما يجعل الرسائل غير مفهومة تقريبا. فمن بين 000 12 مستخدم الذين تلقوا نشرة الأخبار اليومية الفرنسية التي أرسلتُها عبر الإنترنت في عام 1995، طلب 8500 منهم تلقي نسخة بالنظام «أسكي» ذي السبع بتات بدلا من نسخة آيزو اللاتينية العاجزة.


وعلى الرغم من أن بعض البرامج الحديثة يمكن أن تعبِّر عن مخرجاتها بخطوط كثيرة مختلفة، معظمها ثنائي اللغة، فإن البرمجيات يمكن أن تتعامل مع لغة محلية واحدة فقط، كاليابانية إضافة إلى الإنكليزية. وقد يرى المرء أن العقبات الفنية في إظهار الأبجديات الأخرى إنما هي وقتية. فنظام الكود الموحد Unicode (آيزو 10646)، وهو نظام تكويد لحروف معظم أبجديات العالم، يتقدم على طريق التنفيذ. وهذا التكويد يمكِّن المستخدم من استقبال أي لغة تقريبا (مع أنها قد لا تظهر دائما بصورة جيدة).


ومع ذلك فإن علينا أن نمضي في طريق طويل قبل أن تصبح لدينا إنترنت متعددة اللغات حقا، يستطيع من خلالها أي مؤلِّف أن يورد اقتباسا بالإغريقية في نص بالروسية يظهر بصورة جيدة على حاسوب قارئ في أمريكا الجنوبية. وقد بدأت بالظهور معايير لبرمجيات تسمح بتلك الإمكانات. لكن كبار منتجي البرمجيات، في سباقهم للهيمنة على السوق، لا يتوقفون عن إنتاج نسخ جديدة معدَّلة، مما لا يترك فرصة للمواكبة أمام المؤسسات الصغيرة التي تتولى عادة تطوير منتجات متعددة اللغات.


في الحياة الواقعية، يساعد المترجمون في التغلب على الحواجز اللغوية. ويمكن استخدام المترجمين من البشر على الإنترنت، لكن دورهم سيكون محدودا نظرا لحجم التبادلات exchanges وتنوعها. إن الترجمة الآلية (بمساعدة الحاسوب) هي التي يمكن أن تقربنا من عالَم ـ قد يكون بعيد المنال ـ يستطيع فيه كل من المشاركين في مؤتمر افتراضي للأمم المتحدة أن يستخدم لغته القومية، فتترجم فوريا إلى سائر اللغات الأخرى.


وطوال الخمسين عاما الماضية استمر البحث حول الترجمة الآلية، وجاءت نتائجه مشوشة إلى حد ما. والأنظمة الجاري استخدامها قليلة، ويوجد معظمها في اليابان وكندا وأوروبا ـ والأخيرة تتحمل العبء الأكبر في الترجمة المتعددة اللغات. والمعتاد في المترجمات أنها ثنائية اللغة وتحتاج إلى أن تكون شديدة التخصص إذا ما أريد لها أن تنتج ترجمة أولية تكون من الجودة بحيث تصلح لأن يراجعها المحررون.


كان أول جهاز متوافر للاستخدام العام هو سيستران Systran، الذي يمكنه الترجمة بين 14 زوجا من اللغات، وصار متاحا منذ عام 1983 على الشبكة الفرنسية «مينيتل» Minitel. وحاليا يقوم الجهاز «سيستران»، الذي تستخدمه المفوضية الأوروبية، بترجمة مئات الآلاف من الصفحات سنويا. وهناك تجربة أخرى ناجحة هي النظام «ميتيو» Meteo الذي يترجم نشرات الأرصاد الجوية الكندية بين الإنكليزية والفرنسية. وهو يتعامل مع 000 80 كلمة (نحو 400 نشرة) يوميا، مع ما بين ثلاث وخمس عمليات تحرير بشرية فقط لكل مئة كلمة.


إن الترجمة المتعددة اللغات ستستفيد من سيرورة ذات خطوتين هي الآن قيد التطوير من قبل مجموعات عديدة. فالنص يُحلَّل أولا تحليلا كاملا إلى مركباته (العنوان، الفقرة، الجملة)، ثم يُوضَّح، كلما أمكن ذلك، عن طريق حوار مع المؤلف، وبعد ذلك يترجم مرحليا إلى لغة مجردة تستخدم بعد ذلك لتوليد ترجمات إلى لغات مختلفة. ويستحق هذا الجهد أن يُنفق عليه حين تكون هناك حاجة إلى ترجمة النص إلى أكثر من 10 لغات. ومؤخرا أعلنت «جامعة الأمم المتحدة» في طوكيو عن مشروع تعاوني مدته عشر سنوات لتنفيذ هذا المخطط ذي المرحلتين.


لكن الإنترنت الحقيقية المتعددة ستتحقق فقط عن طريق جهد دولي متفق عليه. فهل نوليه ما يستحقه من أولوية؟ الإجابة ليست واضحة. فمن السهل جدا أن ندع أنفسنا ننساق نحو اعتماد الإنكليزية لغة عامة متفردة.




المؤلف

Bruno Oudet

يرأس الفرع الفرنسي لجمعية الإنترنت، ويحمل شهادتي دكتوراه من الولايات المتحدة وفرنسا في الاقتصاد. وهو أستاذ في جامعة جوزيف فورييه في گرينوبل وباحث في مختبر لايبنتز التابع للمعهد IMAG.



(1) في هذا النظام يرمز لكل حرف من الـ 128 حرفا بسلسلة من سبع بتات (أرقام ثنائية binary digits). (التحرير)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق