الأحد، 10 فبراير 2013

القطائف في الشعر العربي

وأخبرنا محمد بن يحيى الصولي الشطرنجي قال: كُنا يوماً نأكل بين يدي المكتفي، فوضعت بين أيدينا قطائف رفعت من بين يديه في نهاية النضارة ورقة الخبز وإحكام العمل، فقال: هل وصفت الشعراء هذا؟ فقال له يحيى بن علي: نعم، قال أحمد بن يحيى فيها:
قطائف قد حُشِيَتْ باللوز … والسكر الماذِيً حَشْوَ الموز
تسبح في آذيِّ دهن الجوز … سررت لما وقعت في حَوْزِي
فئ سُرُور عباس بقرب فَوْز
قال: وأنشدته لابن الرومي قوله:
وأتت قطائف بعد ذاك لطائف
فقال: هذا يقتضي ابتداء: فأنشدني الشعر من أوله، فأنشدته لابن الرومي:
وَخَبِيصَة صَفْرَاء دينارية … ثمناً ولوناً زَفَهَا لك حَزْوَر
عظمت فكادت أن تكون إوزة … وثوت فكاد إهابها يتفطر
طفقت تجود بوبلها جوذابة … فإذا لُبَاب اللوز فيها السكر
نعم السماء هناك ظل صبِيبُهَا … يَهْمِي، ونجم الأرض ظلت تمْطِر
يا حسنها فوق الخوان ودهنها … قدامها بصهيرها يتفرغر
ظَلْنَا نُقَشر جلدها عن لحمها … وكأن تبراً عن لجين يُقْشَر
وتقدمَتْهَا قبل ذاك ثرائد … مثل الرياض بمثلهنَ يُصَدر
وَمُرَقًقَات كلهن مزخرف … بالبيض منها ملبس ومدثر
وأتت قطائف بعد ذاك لطائف … تَرْضَى اللهاة بها وَيرْضَى الحنجر
ضحك الوجوه من الطبرزد فوقها … دمع العيون مع الدهان يقطر
وصف اللوزينج
فاستحسن المكتفي باللّه الأبيات، وأومأ إليَ أن أكتبها له، فكتبتها له.
قال محمد بن يحيى الصولي: وأكلنا يوماً بين يديه بعد هذا بمقدار شهر، فجاءت لوزينجة، فقال: هل وصف ابن الرومي اللوزينج؟ فقلت: نعم، فقال: أنشدنيه، فأنشدته:
لا يخطئني منك لوزينج … إذا بَدَا أعجب أو عَجَّبَا
لم يُغْلِقِ الشهوة أبوابها … إلا أبَتْ زلفاه أن يحجبا
لو شاء أن يذهب في صخرة … لَسَهَّلَ الطيبُ له س مَذْهَبَا
يدور بالنفخة في جامه … دوراً ترى الدهن له لولبا
عاون فيه منظرٌ مخبراً … مستحسن سَاعَدَ مستعذبا
كَالحسن المحسن في شدوه … ثم فأضحى مغرياً مطربا
مستكشف الحَشْو، ولكنه … أرَقّ جلداً من نسيم الصبا
كأنما قُدَّاْ جلابيبه … من أعين القَطْر الذي قببا
يُخَال من رقة أجزائه … شارك في الأجنحة الجُنْدَبَا
لو أنه صُورَ من خبزه … ثغر لكان الواضحَ الأشْنَبَا
من كل بيضاءَ يودّ الفتى … أن يجعل الكف لها مَرْكَبَا
مدهونة زرقاء مدفونة … شهباء تحكى الأزرَقَ الأشهبا
ذِيقَ له اللوز فما مُرَّةٌ … مَرَّتْ على الذائق إلا أبى
وانتقد السكر نقاده … وشارفوا في نقده المذهبا
فلا إذا العين رأتها نَبَتْ … ولا إذا الضرس علاها نبا
فحفظها المكتفي، فكان يُنْشِدُهَا.
من شعر المكتفي
ومما استحسن من شعر المكتفي لنفسه:
إني كَلِفْتُ، فلا تَلْحُوا، بجارية … كأنها الشمس، بل زادت على الشمس
لها من الحسن أعْلاَه؛ فرؤيتها … سَعْدي، وَغَيْبَتُهَا عن ناظري نحسي
وللمكتفي أيضاً:
بلغ النفس ما اشْتَهَتْ … فإذا هِي قد اشْتَفَتْ
إنما العيش ساعة … أنت فيها وما انقضت
كل من يعذل الحبَّ … إذا ما هَدَا سكت
وله أيضاً:
مَنْ لي بأن يعلم ما ألْقَى … فيعرف الصَّبْوَةَ والعشقا
مازال لي عبداً، وَحُبِّي له … صَيَّرني عبداً له رِقّا
أعْتِقَ من رقي، ولكنني … من حبه لا أملك العتقا
شراب الدوشاب
وأخبرنا أبو عبد اللّه إبراهيم بن محمد بن عرفة النحوي المعروف بنفطويه، قال: أخبرنا أبو محمد عبد اللّه بن حمدون، قال: تذاكرنا يوماً بحضرة المكتفي أصناف الأشربة، فقال: فيكم مَنْ يحفظ في نبيذ الدوشاب شيئاً؟ فأنشدته قول ابن الرومي:
إذا أجَدْتَ حبه وَدِبْسَهُ … ثم أجَدْتَ ضربه وَمَرْسَهُ
ثم أطلت في الِإناء حَبْسَه … شربت منه البابليَ نفسه
فقال المكتفي: قبحه اللهّ!! ما أشْرَهَهُ!! لقد شَوَّقَنِي في هذا اليوم إلى شرب الدوشاب.
قصة هريسة
وقدم الطعام، فوضع بين أيدينا طيفورية عظيمة فيها هريسة، وقد جعل في وسطها مثل السكرجة الضخمة مملوءة من دسم الدجاج؛ فضحكت وخطر ببالي خبر الرشيد مع أبَانَ القاري، فلحطني المكتفي، وقال: يا أبا عبد اللّه؛ ما هذا الضحك؟ فقلت: خبر ذكرته في الهريسة يا أمير المؤمنين ودهن الدجاج مع جدك الرشيد، فقال: وما هو؟ قلت: نعم يا أمير المؤمنين، ذكر العتبي والمدائني أن أبَانَ القاري تَغَنَى مع الرشيد، فجاءوا بهريسة عجيبة في وسطها مثل السكرجة الضخمة على هذا المثال من دهن الدجاج، قال أبان: فاشتهيت من ذلك الدسم، وأجللت الرشيد من أن أمد يدي فأغمس فيه، قال: ففتحت بإصبعي فيه فتحاً يسيراً، فانقلب الدسم نحوي، فقال الرشيد: يا أبان، أخرقتها لتغرق أهلها؟ فقال أبان: لا يا أمير المؤمنين، ولكن سقناهُ لبلد ميت، فضحك الرشيد حتى أمسك صدره.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق