الخميس، 7 فبراير 2013

نوادر أولي العقول والألباب، وحكايات المستخفين والمغفلين من المولدين والأعراب وفيها ثلاثة أبواب

كتبهابلال عبد الهادي ، في 1 أيار 2011 الساعة: 14:52 م



الحديقة الثالثة

في نوادر أولي العقول والألباب، وحكايات المستخفين والمغفلين من المولدين والأعراب وفيها ثلاثة أبواب:

الباب الأول في النوادر المستغربة والنكت المستعذبة

نظر القاضي إياس إلى ثلاث نسوة فزعن من شيء، فقال: هذه حامل، وهذه مرضع، وهذه بكر، فسئلن، فوجدن كذلك، فسئل. من أين علم ذلك? فقال: لما فزعن وضعت كل واحدة يدها على أهم المواضع لها، فوضعت الحامل يدها على بطنها، والمرض على ثديها، والبكر على فرجها.
وسمع نباح كلب، فقال: هذا نباح كلب مربوط على شفير بئر، فنظر، فكان كما قال، فقيل له في ذلك، فقال: سمعت عند نباحه دوياً، ثم سمعت بعده صوتاً يجيبه، فعلمت أنه عند بئر.
ونظر بعضهم إلى أعورين يذهبان في الطريق، ويد أحدهما في يد الآخر، فقال: إني أرى أعورين، وأعمى بينهما، فنظر أصحابه فقالوا: لا نرى إلا أعورين، وليس بينهما أعمى، فقال: ضموا عور هذا إلى عور هذا؛ فإنه ينشأ بينهما رجل أعمى، وكان أحدهما أعور العين اليمنى، والآخر أعور اليسرى، فاستظرف أصحابه ذلك.
وقال الجاحظ: جلست امرأة من العرب إلى فتيان يشربون فسقوها قدحاً، فطابت نفسها، ثم سقوها آخر، فاحمر وجهها ثم سقوها ثالثاً، فقالت: خبروني عن نسائكم بالعراق، هل يشربن من هذا الشراب? قالوا: نعم، قالت: زنين ورب الكعبة، والله، ما يدري أحدكم عن أبوه.
وسقي أعرابي أقداحاً من شراب لم يكن يعرفه، فحركته الأريحية، فسألوه عنها، فقال: والله، ما أدري ما هي غير أني أراكم تجبون إلي، وأراني أسربكم، وما وهب لي أحد منكم شيئاً.
ومر أعرابي بقوم يشربون، فدعوه فنزل، وعقل ناقته، فلم أخذ منهم الشراب قام إلى الناقة، فنحرها، وشوى لهم من كبدها وسنامها.
وقيل لأشعب: ما تقول في ثروة مغمورة بالسمن، مسقفة باللحم? قال: وأضرب كم? قيل: تأكلها من غير ضرب، قال: هذا ما لا يكون، ولكن أضرب، وأتقدم على بصيرة.
وقال المبرد: أضاف رجل رجلاً، فأطال المقام عنده، حتى كرهه، فقال الر جل لامرأته: كيف لنا أن نعلم مقدار مضافه? فقالت: إلق بيننا شراً، حتى نتحاكم إليه، ففعل، فقالت المرأة للضيف: بالذي يبارك لك في شفرك غداً أينا أظلم? فقال: والذي يبارك لي في مقامي عندكم شهراً أو أزيد، ما أعلم.
ونزل بصري على مدني، وكان صديقاً له، فأطال المقام عنده، فقال المدني لامرأته: إذا كان غداً، فإني أقول لضيفنا: كم ذراعاً تقفز? ثم أقفز فإذا قفز هو فأغلق الباب، فلما كان من الغد، قال له المدني: كيف قفزك يا أبا فلان? قال: جيد، فعرض عليه أن يقفز معه فأجابه، فوثب المدني من داره إلى خارج ذراعاً، وقال للضيف: ثب أنت، فوثب الضيف إلى داخل الدار ذراعين، فقال: وثبت أنا إلى خارج الدار ذراعاً، ووثبت أنت إلى داخلها ذراعين، فقال الضيف: ذراعان في الدار خير من أذرع برا.
وسئل بنان الطفيلي: هل تحفظ من كتاب الله شيئاً? قال: نعم، آية، قيل: وما هي? قال: (فلما جاوزوا قال لفته ائتنا غداءنا).
وكان يقول: التمكن على المائدة خير من ثلاثة ألوان.
وقال طفيل العرائس: ليس في الأرض أكرم من ثلاثة أعواد: عصا موسى، ومنبر الخليفة، وخوان الطعام.
ومن وصيته لأصحابه: إذا دخلتم عرساً، فلا تلتفوا إلى الملاهي، وتخيروا في المجالس، وإن كان العرس كثير الزحام، فليحضر أحدكم، ولا ينظر في عيون الناس؛ ليظن أهل الرجل أنه من أهل المرأة، وأهل المرأة أنه من أهل الرجل، وإن كان البواب فظاً وقاحاً، فليبدأ به، وليأمره ولينهه من غير عنف، ولكن بين النصيحة والإدلال.
وقال بعض الطفيليين: الحلواء مثل الملك، يدخل بيتاً فيه قوم جلوس، ليس فيه متسع لأحد، فإذا نظروا إليه تضايقوا، ووسعوا له.
وحضر طفيلي بالكوفة طعام قوم، فجلس يأكل، فجعل الغلام يحرك الطست والإبريق، فقال: من ذا الذي يرجف بنا قبل انقضاء عملنا? وبينما طفيلي يأكل، إذ سمع صوت الطست، فامتنع عن الأكل، فقيل له: لم لا تأكل? قال: حتى يسكن هذا الإرجاف الذي أسمع.
وكان الأعمش إذا حضر مجلسه ثقيل أنشد:

فما الفيل تحمله مـيتـا بأثقل من بعض جلاسنا
وذكر له ثقيل، كان يجلس بجانبه، فقال: إني والله، لأبغض شقي الذي يليه من أجله.
وكان حماد بن سلمة إذا رأى من يستثقله قرأ: (ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون).
وقال خالي الأستاذ أبو عبد الله محمد بن جزي:

وثقيل نحـن مـنـه في عذاب وامتحان
قد دعونا إذا أتـانـا بدعاء في الدخـان
وقالت عائشة رضي الله عنها: نزلت آية في الثقلاء: (فانتشروا ولا مستئنسين لحديث).
وروي عن الشعبي أنه قال: من فاتته ركعة الفجر، فليلعن الثقلاء.
وكان أبو هريرة - رضي الله عنه - يقول، إذا استثقل رجلاً: اللهم اغفر له، وأرحنا منه.
وقيل لجالينوس: لما صار الرجل الثقيل أثقل من الحمل الثقيل? قال: لأن ثقله على القلب دون الجوارح، والحمل الثقيل يستعين عليه القلب بالجوارح.
وقال طبيب للحجاج: إياك ومجالسة الثقلاء، فإنا نجد في الطب أن مجالستهم حمى الروح.
وكان بعض الظرفاء إذا رأى ثقيلاً قال: قد جاءكم الجبل، فإن جلس عندهم قال: قد وقع عليكم.
وسمع الأعمش كلام ثقيل فقال: من هذا الذي يتكلم، وقلبي يتألم.
وسلم ثقيل على بعض الثقلاء، فقال: وعليك السلام شهراً.
وجلس ظريف عند ثقيل، فسئل عن ذلك، فقال: كانت نفسي قد عزت علي، فأردت أن أهينها بذلك.
وقيل لظريف كان له ثلاثة أولاد ثقلاء: أي أولادك أثقل? فقال: ليس بعد الكبير أثقل من الصغير إلا الوسط.
وقال زياد بن عبد الله: قيل للشافعي: هل يمرض الروح? قال: نعم، من ظل الثقلاء. فقال: فمررت به يوماً، وهو بين يدي ثقيلين، فقلت: كيف الروح? قال: في النزع.
ومن ملح ابن عباد، أنه خرج يوماً مع جملة وزرائه الأدباء، فاجتازوا بأشبيلية بالموضع الذي يباع فيه الجير والجبس، فلقي جارية من أجمل النساء وأقلهم [هكذا] حياء، قد كشفت عن وجهها، فأقبل ابن عمار، وقال له: يا ابن عمار الجيارين، فقال له: نعم يا مولاي والجباسين، وضحكا معاً، فعلم من حضر أنهما لم يريدا أن يعرفا كل واحد منهما صاحبه بما ذكر. وسألوا ابن عمار عن مرادهما بذلك، فقال له ابن عباد: لا تبعها منهم إلا غالية، ثم إن ابن عمار أخبرهم أن ابن عباد أعجبه حسن الجارية، وعابها بقلة الحياء فحصف "الحياء زين" فجاء منه "الجيارين" وصفحت أنا "والخناشين" فجاء منه "والجباسين"، فاستغربوا من حضور أذهانهما وحسن كنايتهما.
ودخل قوم على النضر بن شميل، يعودونه في مرض، فقال له رجل يكنى أبو صالح: مسخ الله ما بك، فقال: لا تقل: مسخ بالسين، ولكن بالصاد، بمعنى أذهب، وهو كلام العرب، فقال أبو صالح: إن السين تبدل من الصاد، كالصراط والسراط، وسقر، وصقر، فقال له النضر: فأنت إذن أبو سالح، فخجل الرجل.
ووقفت امرأة على قيس بن سعد بن عبادة - رضي الله عنه - فقالت له: أشكو إليك قلة الجرذان بداري - وهي الفئران - فقال: ما أحسن هذه الكناية، املأوا لها بيتها براً لحماً وسمناً، وبيان ذلك أن الفئران لا يقمن بالموضع الذي ليس فيه طعام.
وأخذ المعني أبو حفص الوراق، فكتب رقعة إلى الصاحب بن عباد، منها: "وحال عبد مولانا في الحنطة مختلفة، وجرذان داره عنها منصرفة، فإن رأى أن يخلط عبده بمن أخصب رحله، فعل، إن شاء الله، فوقع الصاحب فيها: أحسنت يا أبا حفص قولاً، وسنحسن فعلاً، فبشر جرذان دارك بالخصب، وأمنها من الجدب فالحنطة تأتيك في الأسبوع، ولست من غيرها من النفقة بممنوع".
ووجد أعرابي سراويل في طريق، فظنها قميصاً، فأدخل يديه في ساقيها، والتمس من أين يخرج رأسه، فلم يجد، فرمى بها وقال: هذا قميص شيطان.
ومن نوادر أشعب قال سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنه لأشعب: ما بلغ بك من طمعك? قال: لم أنظر لاثنين يتحدثان في شيء إلا قدرت أنهما يأمران لي بشيء.
وقال له ابن أبي الزناد: ما بلغ من طمعك? قال: ما زفت بالمدينة امرأة إلى زوجها، إلا كنست بيتي، رجاء أن يغلط بها إلي.
وكانت عائشة بنت عثمان كفلته مع ابن أبي الزناد، فقال أشعب: تربيت معه في مكان واحد، فكنت أسفل ويعلو، حتى بلغنا ما ترون.
وقيل لعائشة بنت عثمان: هل آنست منه رشداً? فقالت: أسلمته منذ سنة يتعلم البز، فسألته بالأمس: أين بلغت في الصناعة? قال: تعلمت نصف العمل، وبقي نصفه، تعلمت النشر في سنة، وبقي تعلم الطي، فكيف يؤنس رشده.
وساوم أشعب رجلاً فني قوس بدينار، فقال أشعب: والله، لو كنت إذا رميت بها طائراً، وقع في حجري مشوياً بين رغيفين، ما اشتريتها بدينار.
ووقف إلى رجل يعمل طبقاً فقال له: أسألك الله إلا ما زدت فيه طوقاً أو طوقين. فقال له الرجل: ولم ذلك? قال: لعله أن يهدى لي يوماً فيه شيء.
ثم قال: دعوا هذا، امرأتي أطمع مني ومن الراهب، فقيل: وكيف حالك? قال: إ،ها قالت لي: ما يخطر على قلبك شيء يكون بين الشك واليقين إلا وأنا أتيقنه.
وقبل له: أرأيت أطمع منك? قال: كلبة آل فلان، رأت رجلاً يمضع علكاً، فتبعته فرسخين، تظن أنه يأكل شيئاً.
وقيل له: ما بلغ بك الطمع? قال: أضجرني الصبيان يوماً، فقلت: أشغلهم عني، فقلت لهم: إن بموضع كذا عرساً، فامضوا نحوه، فلما ذهبوا، قلت في نفسي: ولعل ثم عرساً، فتبعتهم.
وقيل لأشعب: لو أنك حفظت الحديث حفظك لهذه النوادر لكان أولى بك، قال: قد فعلت، قالوا له: فما حفظت من الحديث? قال: حدثني نافع عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من كانت فيه خصلتان، كتب عند الله خالصاً مخلصاً، قالوا: إن هذا حديث حسن، فما هاتان الخصلتان? قال: نسي نافع واحدة ونسيت أنا الأخرى.
ورأى بعضهم قاصاً، يقص غداة يوم، ثم رآه في العشي في بيت خمار والقدح في يده، فقال: ما هذا? فقال: أنا بالغداة قاص، وبالعش ماص.
وقال بعضهم: أتيت الخليل، فوجدته على طنفسة صغيرة، فوسع لي، وكرهت أن أضيق عليه، فانقبضت، فأخذ بعضدي، وقدمني إلى نفسه، وقال: ما يضيق سم الخياط بمتحابين، ولا تتسع الأرض لمتباغضين، ولقد صدق، أخذ المعنى أبو محمد غانم بن الوليد المالقي فقال:

صير فؤادك للمحبوب منزلة سم الخياط مجال للمحبـين
ولا تسامح بغيضاً في معاشرة فقلما تسع الدنيا بغـيضـين
وقال الأصمعي: مر بي أعرابي سائلاً، فقلت: كيف حالك? قال: أسأل الناس إلحافاً، فيعطوني كرهاً فلا يؤجرون، ولا يبارك لي فيما آخذ منهم.
وخطب ثقيل في تزويج، فقام واحد من القوم وقال: إذا فرغ الثقيل - بارك الله لكم - فإن لي شغلاً أريد المبادرة إليه.
وكان صائد يصيد العصافير في يوم بارد، فكان يذبحها، ودموعه تسيل من البرد، فقال عصفور لصاحبه: لا عليك من الرجل، أما تراه يبكي? فقال له الآخر: لا تنظر إلى دموعه، وانظر إلى ما تصنع يده.
وصلى رجل مراء، فقيل له: ما أحسن صلاتك، فقال: ومع ذلك فإني صائم.
وقال طاهر بن الحسين لأبي عبد الله المروزي: كم لك منذ نزلت العراق? قال: منذ عشرين سنة، وأنا أصوم الدهر منذ ثلاثين، فقال: يا أبا عبد الله، سألناك عن مسألة واحدة، فأجبتنا في مسألتين.
وقال مقاتل بن سليمان يوماً، وقد دخلته أبهة العلم، سلوني عما تحت العرش إلى أسفل الثري، فقال له رجل: ما نسألك عن شيء من ذلك، وإنما نسألك عما معك في الأرض، أخبرني عن كلب أهل الكهف، ما كان لونه? فأفحمه.
وصعد ابن قتيبة يوماً للمنبر وقال: يسألني من شاء عما شاء، فقام إليه أحد المغفلين، فقال له: ما الفتيل والقطمير? فلم يحر جواباً، ونزل خجلاً، وانصرف إلى منزله كسلاً، فلما نظر اللفظتين وجد نفسه أذكر الناس لهما.
وقال قتادة: ما سمعت شيئاً قط إلا حفظته، ولا حفظت شيئاً قط فنسيته، ثم قال: يا غلام، هات نعلي، فقال: هما في رجليك، ففضحه الله.
وقال: حفظت ما لم يحفظه أحد، ونسيت ما لم ينسه أحد، حفظت القرآن في سبعة أشهر، وقبضت على لحيتي، وأنا أريد أن أقطع ما تحت يدي، فقطعت ما فوقها.
وسمع كثير عدي بن الرقاع ينشد الوليد بن عبد الملك قوله:

وعلمت، حتى ما أسائل عالما عن علم واحدة لكي أزدادها
في قصيدة طويلة، فقال كثير: كذبت، ورب البيت الحرام، فليمتحنك أمير المؤمنين في صغار الأمور دون كبارها، حتى يتبين جهلك، وما كنت قط أحمق منك اليوم، حتى تظن هذا من نفسك.
وقال ابن موسى المنجم: ما أحد تمنيت أن أراه، فإذا رأيته أمرت بصفعه إلا عدياً، فقيل له: ولم ذلك? قال: لقوله هذا البيت، كنت أعرض عليه أصناف العلوم، فكلما مر عليه شيء لا يحسنه، أمرت بصفعه.
وكان الواثق يقول بخلق القرآن، ويعاقب من خالفه، فأدخل عليه رجل فقال له: ما تقول في القرآن? فتصامم الرجل، فأعاد السؤال فقال: من تعني يا أمير المؤمنين? قال: إياك عني، قال: مخلوق، وتخلص منه.
وقيل لآخر: ما تقول في القرآن? فأخرج يده، وجعل يعد أصابعه: التوراة والإنجيل والزبور والقرآن، هؤلاء الأربعة مخلوقة، يعني أصابعه، وتخلص منه.
ومما يستظرف من ذلك، أن رجلاً تعذر عليه الوصول إلى المأمون في ظلامة، فصاح على بابه: أنا أحمد النبي المبعوث، فأدخل عليه، وأعلم أنه تنبأ، فقال له: ما تقول فيما حكى عنك? قال: وما هي? قال: ذكروا أنك تقول: أنا نبي، فقال: معاذ الله، إنما قلت: أنا أحمد النبي المبعوث، أفأنت يا أمير المؤمنين ممن يحمده? فاستظرفه، وأمر بإنصافه.
وخرج شريح القاضي من عند زياد، وتركه يجود بنفسه، فسأله الناس عن حاله فقال: تركته يأمر وينهي، فجزعوا لسلامته، فما راعهم إلا صياح النائحات عليه، فسئل شريح عن قوله، فقال: تركته يأمر بالوصية، وينهي عن البكاء.
وسئل ابن شبرمة عن رجل ليستعمل، فقال: إن له شرفاً وقدماً وبيتاً، فنظروا فإذا هو ساقط، فقيل له في ذلك، فقال: شرفه أذناه، وقدمه الذي يمشي عليه، وبيته الذي يأوي إليه.
وذكر المتنبي في مجلس أمير بمحضر المعري وجماعة، فأخذ الأمير يطعن على المتنبي، ويضعف شعره، ويذكر مقابحه، وكان المعري حاملاً على الأمير؛ لقلة إحسانه إليه، فحمله ذلك على أن خالفه، وأثنى على المتنبي، وقال: هو أشعر الشعراء، وأحسنهم شعراً، ولو لم يكن له إلا قصيدته التي أولها:

لك يا منازل في القلوب منازل
فأمر الأمير أن يضرب بالسياط، فضرب وأخرج، فعظم ذلك على من حضر المجلس، وقالوا للأمير: رجل كبير من أهل العلم تضربه؛ لما يقول عن المتنبي، إنه أشعر الشعراء? ما ذاك بصواب، فقال: ليس كما قلتم، وإنما ضربته على تعريضه بي، قالوا: وكيف ذلك? قال: لأنه لم يفضله بقصيدة من عالي شعره، وإنما فضله بتلك القصيدة مع أنها ليست من عالي شعره؛ لأنه يسقول فيها بعد أبيات:
وإذا أتتك مذمتي من ناقـص فهي الشهادة لي بأني كامل
فاستحسن من حضر فهمه، وحدة ذهنه، وعذروه فيما فعل، وسئل المعري بعد ذلك، فقال: والله ما قصدت غير ذلك.
ومثل ذلك ما حكي أن ابن الصائغ، بلغه عن الفتح بن خاقان صاحب "قلائد العقيان" أنه خططه فيها بذم، فقال فيه: "رمد عين الدين وكمد نفوس المهتدين، لا يتظهر من جنابة، ولا يظهر مخايل إنابة"، فمر على الفتح وهو جالس في جماعة، فسلم على القوم، وضرب على كتف الفتح وقال له: شهادة، يا فتح، ومضى، فلم يدر أحد ما قال إلا الفتح، فإنه فهمه، فتغير له، فقيل له: ما قال لك? فقال: إني وصفته في كتابي بما تعلمون، وأنا - والله - ما بلغت بذلك عشر ما بلغ هو بهذه الكلمة، إنه يشير لي بها إلى بيت المتنبي.

وإذا أتتك مذمتي من ناقـص فهي الشهادة لي بأني كامل
وحضر جحظة المغني مع جماعة فيهم علي بن سام، فأخذ كل واحد منهم مخدة، فقال جحظة: ما لي لا أعطى مخدة? فقال له ابن بسام: عن فالمخاد كلها إليك تصير، يريد حين يرمونه بها.
وقال أبو زيد: رأيت أعرابياً كأن أنفه كوز من عظمه، فرآنا نضحك منه، فقال: ما يضحككم? فوالله لقد كنت في قوم يسموني الأفطس.
وقال: ما رأيت الديك في بلد قط إلا وهو يدعو الدجاجة إذا وجد الحبة، ويلتقطها لها إلا بمرو، فإني رأيته يأكل وحده، ولا يدعو الدجاجة إذا وجد الحبة، فعلمت أن لؤمهم كثير جداً، وهو طبع فيهم.
وقال: رأيت بها طفلاً صغيراً، وبيده بيضة، فقلت له: أعطنيها فقال لي: ليس تسع في يدك، فعلمت أن المنع طبع مركب فيهم.
وجلس ثقيل إلى بشار بن برد، فخرج من بشار ريح منكرة، فظن الرجل أنها فلتة، فمشى في حديثه، فأعادها بشار ثانية وثالثة، فقال له: يا أبا معاذ، ما هذا? قال: رأيت أو سمعت? قال: بل سمعت، قال: كل ما سمعت ريح، لا تصدق حتى ترى.
وكان لعبد الملك بن مروان جارية تتكلم بلغة من يكسر حروف المضارعة فتقول: أنت تعلم، فقال الشعبي: أتأذن لي يا أمير المؤمنين في الغض منها? قال: افعل، قال: يا جارية، ما بال قومك لا يكتنون? فقالت له: أما فعلت ذلك? فقال: لا، والله، ولو فعلت لاغتسلت، فخجلت من ذلك، واستغرق عبد الملك في الضحك.
وقال الحجاج يوماً لجلسائه، وقد وصلت إليه الشمس ووجد حرها: ما كان حوجنا إلى كن نكتن فيه، فقال سعيد بن مطعم المارزي: قد أصبت لك أيها الأمير كناً، قال: وأين هو? قال: تنوري، فوالله ما سخن منذ ثلاثين يوماً، فقال له الحجاج: تلطفت في المسألة، وأمر له بجائزة.
وحكي أن رجلاً قام من مجلس خالد بن عبد الله يوماً، فقال: إني لأبغض هذا الرجل، وما أذنب لي ذنباً، فقال بعض من حضر: أوليته معروفاً قط? قال: لا، قال: فأوله معروفاً يخف على قلبك، ففعل، وخف على قلبه، وصار واحداً من جلسائه.
وقال بعضهم: رأيت قبرين، مكتوب على أحدهما: من رآني فلا يصغرن قدري؛ أنا كنت أحبس الرياح وأفرقها، وعلى الآخر: كذب ابن الزانية، إنما كان يجمع الرياح في الزق ثم يخرجها، قال: فما رأيت مشاجرة بين ميتين غيرهما.
وقال آخر: رأيت قبرين، مكتوب على أحدهما: أنا ابن سافك الدماء، وعلى الآخر: أنا ابن مستخدم الرياح، فسألت عنهما فقيل لي: أحدهما ابن حجام، والآخر ابن حداد.
وقال بعضهم: مثل الحريص في طلب الدنيا، كمثل رجل يصلي خلف الإمام، وهو مستعجل لحاجته، فهو يسبق الإمام بالركوع والسجود، استعجالاً للفراغ، ولا ينفعه ذلك ولا يخرجه من الصلاة إلا سلام الإمام.
وحكى الأنماطي أن المتوكل على الله، كان طلب من محمود الوراق جارية مغنية، وأعطاه فيها عشرة آلاف دينار، فأبى، فلما مات محمود اشتراها بخمسة آلاف، وقال لها: كنا أعطينا فيك لمولاك عشرة آلاف. وقد اشتريناك بخمسة آلاف، قالت: يا أمير المؤمنين، إن كانت الخلفاء تتربص بلذاتها المواريث، فنشتري بأرخص مما اشتريت.
وحكى إسحاق بن إبراهيم الموصلي قال: لاعب هارون الرشيد جارية من جواريه الشطرنج على إمرة مطاعة. فغلبته، فقال: مريم شئت، فقالت: تقوم إلى السرير، فقام، ثم لاعبها فغلبته فقالت: قم لميعادك، قال: لا أقدر على ذلك، قالت: فاكتب لي كتاباً أن آخذك به متى شئت، قال: افعلي، فدعت بدواة وقرطاس، ثم كتبت: هذا كتاب فلانة على مولاها أمير المؤمنين، أن عليه فرداً آخذه به متى شئت، وأنى شئت من ليل أو نهار، وكان على رأسها وصيفة لها، فقالت لها: يا سيدتي، إنك لا تأمنين الحدثان، فزيدي في كتابك، ومن قام بهذا الذكر فهو ولي ما فيه، فضحك الرشيد حتى استلقى على فراشه، واستظرفها، وأمر أن تنزل مقصورة ويجرى عليها رزق سنين، وشغف بها، ويقال: أنها مراجل، أم المأمون.
وارتفع رجل وامرأته إلى بعض القضاة، وكانت متنقبة، فأخذ القاضي معها، ففطن الرجل لذلك، فقال: أيها القاضي، قد شككت أنها زوجتي، فمرها تسفر عن وجهها، فوقع ذلك على اختيار القاضي، وقال: اكشفي عن وجهك، فلما كشفت عن وجهها، رآها قبيحة، فقال: أخزاكن الله، تجيء إحداكن بعيني مظلومة، فإذا كشفت، كشفت عن وجه ظالمة.
واختصم رجلان عند قاضي في خصومة بينهما، فأهدى إليه أحدهما منارة، والآخر بغلة، فلما وقفا للخصومة، رأى مهدي المنارة القاضي يميل عليه في الحكومة، فقال: أعز الله القاضي، إن حقي أشهر من منارة، وردد ذلك مراراً، فقال: يا هذا، إن البغلة كسرت المنارة برجلها.
وجاءت امرأة إلى موثق يشهد عليها في عقد، فوجد اسمها جميلة، فلما نظر إليها وجدها قبيحة، فرمى العقد من يده وقال: لا أشهد بالزور؛ إنما أنت قبيحة.
وكان بإشبيلية فقيه لوذعي، فجلس يوماً مع طلبته في نزهة، وبين أيديهم طعام، فيه بيض، فتكلم بعض القوم بكلام فيه ضعف، فأخذ الفقيه فص بيضة، فألقاه قدامه، ففطن القوم وضحكوا.
وودع رجل رجلاً كان في قلبه منه شيء، فقال له: امض في ستر من حفظ الله، وحجاب من كلاءته، ففطن الآخر، وقال الآخر: رفع الله مكانك، وشد ظهرك، منظوراً إليك، أراد أن يكون مصلوباً.
ووجه المبرد غلامه في حاجة، وقال له بحضرة الناس: إن رأيته، فلا تقل له، وإن لم تره، فقل له، فذهب الغلام ورجع، وقال له: لم أره فقلت له، فجاءه، فلم يجيء، فسئل الغلام عن معنى هذا، فقال: بعثني إلى غلام، وقال لي: إن رأيت مولاك، فلا تقل له، وإن لم تر مولاه، فقل له، فذهبت فلم أر مولاه، فقلت للغلام ما أمرني، فجاء مولاه، فلم يجيء الغلام.
وأرسل أعرابي غلامه إلى امرأة يواعدها موضعاً، يأتيها فيه، فذهب الغلام، وأبلغها الرسالة، فكرهت المرأة أن تقول للغلام ما بينهما، فقالت له: والله لئن أخذت أذنيك لأعركهما عركاً، وأشدك إلى تلك الشجرة، حتى تغش عليك العتمة، فانصرف الغلام إلى مولاه، وحكى له قولها، فعلم أنها واعدته تحت الشجرة، وقت العتمة.
وأراد أحد تلامذة أبي حنيفة أن يتزوج، وكان فقيراً، فلم يأخذه أحد لفقره، فشكى ذلك لأبي حنيفة، فقال له: ضع يدك على ذكرك، وسر واخطب، فإن سألك الناس عن حالك، وما عندك فابعثه إلي، ففعل الطالب ما أمره، فجاء شخص إلى أبي حنيفة، فسأله عن حال ذلك التلميذ، وهل عنده شيء أم لا? فقال أبو حنيفة: رأيت بيده سلعة، إذا أهلكت عليه، ثمنها خمسمائة دينار، فأخذوه فلم يجدوا عنده شيئاً.
ومر طفيلي بقوم يأكلون، فقال: السلام عليكم معشر اللئام، قالوا: لا، والله، إلا كرام، فجلس، وقال: اللهم اجعلهم من الصادقين، واجعلني من الكاذبين.
وخطر طفيلي على قوم يأكلون، فجلس يأكل معهم، فقالوا له: هل تعرف منا أحداً? قال: نعم، قالوا: من هو? قال: هذا، وأشار إلى الخبز.
ومر طفيلي بقوم يأكلون، فقال لهم: ما تأكلون? فقالواً: سماً، قال: لا خير في الحياة بعدكم، وجعل يأكل معهم.
وقال بعضهم: كانت لي حاجة عند بعض الحكام، فلم يقضها لي، فجلست في طريقه، فكل من يأتي إليه أصلح بينهم بدراهمي، حتى قطعت عليه معيشته من الناس، فقيل له عني، فبعث إلي، وقضى حاجتي.
وكان آخر له محفظة، لها طاقتان، طاقة نظيفة، والأخرى غير نظيفة، وعنده دراهم طيبة، ودراهم رديئة، فإذا أراد شراء اللحم، فإن قطع بائع اللحم له ما يرضيه، جعله في الطاقة النظيفة، وأعطى من الدراهم الطيبة، وإن كان غير ذلك جعله في الطاقة الأخرى، وأعطى من الدراهم الرديئة، فإن رد الدراهم، رد له هو اللحم، وقد سوده.
واشترى رجل ثنا [هكذا]، وأنفق عليه مثل ثمنه، فوجده مالحاً، لا يستطيع أحد أكله، فذهب به لبائعه، ورغب إليه في رد ثمنه، ويخسر ما ينفق عليه، فأبى من ذلك، فجلس بالقرب منه، فكل من يجيء، ليشتري منه يقول له: إياك أن تشتري منه، وإن شئت فذق هذا، فإنه منه، فلم يشتر أحد منه، فأعطاه ثمنه وما أنفق عليه، وانصرف عنه.
وكان لنصراني قرد، فأعطاه دجاجة ينتفها، فأخذتها حدأة من بين يديه، فبقي القرد خائفاً من سيده، فجرح نفسه، ولطخ جسده وبقي ملقى على قفاه بالأرض، كأنه ميت، فلما أكلت الحدأة الدجاجة، رجعت تتشوف، فرأته على تلك الحال، فنزلت إليه لتأخذه، فقبض عليها، وقطع رأسها ونتفها، ودفعها إلى سيده، وقد كان ينظر فعله.
وأودع رجل عند آخر جرة من زيت، وقال له: أسلفني دراهم حتى نبيعها، ونعطيك، ففعل، فلم يرجع إليه بعد، فأراد بيعها، فوجدها ملأى، وعلى وجهها شيء يسير من الزيت.
ومن أبو العيناء يوماً بدرب بشر، فقال له غلامه: إن بالدرب جملاً سميناً، وليس معه أحد، فقال: خذه، فأخذه وسار به إلى منزله، فلما كان من الغد، جاءته رقعة من بعض الرؤساء الساكنين في ذلك الدرب، مكتوب فيها: جعلك فداك، ضاع لنا بالأمس جمل، فأخبرني بعض صبيان الزقاق أنك أخذته، فاردده متفضلاً، فكتب إليه: سبحان الله، مشايخ عندنا يزعمون أنك فطيم فلم أقبل قولهم، ولا صدقتهم، وتصدق أنت صبياً من صبيان دربك? وزاحم أبا العيناء رجل بالجسر، راكب على حمار، فضرب بيده على الحمار، وقال: يا رجل، قل للحمار الذي عليك: يقول: الطريق.
وولد لأبي العيناء ولد، فأتى ابن مكرم، فسلم عليه، ووضع حجراً بين يديه، وانصرف، فأحس به، فقال: من أدخل هذا الحجر، قيل له: ابن مكرم، قال: لعنة الله، إنما عرض بقول النبي صلى الله عليه وسلم: "الولد للفراش، وللعاهر الحجر".
ومر أبو العيناء بموسى بن المتوكل، فقال له: انزل على ما حضر، فقدم له صحفة بلحم، وخبزاً، فأدخل أبو العيناء يده، فقلبها، فما وقعت يده إلا على عظم، فقال: يا سيدي، هذه صحفة أو قبر? فضحك موسى، وأمر له بإحضار شيء آخر.
ومر ببشار بن برد قوم، وهم يسرعون بجنازة، فقال: ما أظنهم إلا سرقوه، فيخافون أن يؤخذ منهم.
ومرت امرأة من الأعراب بقوم من بني نمير، فلحظوها بأبصارهم، فقالت: والله، يا بني نمير، ما أخذتم بواحدة من اثنتين، لا بقول الله سبحانه، ولا بقول الشاعر، أرادت بقول الله سبحانه: (قل للمؤمنين يغضوا من أبصرهم)، وأرادت بقول الشاعر:

فغض الطرف؛ إنك من نمير فلا كعباً بلغت ولا كلابـا
ومرت امرأة ماجنة، برجل، وهو يأكل، فقالت له: أعرس في بطنك? نرى لحيتك ترقص.
وأتى رجل إلى خاطبة فقال لها: أريد امرأة ترضع ابني، فجعلت تعرض عليه كل ما عندها، وهو لا يرضى منهن شيئاً، فقالت له: عندي جارية بكر مليحة ظريفة، أتريدها ترضع ابنك? قال: نعم، قالت له: فأنت تريدها لنفسك لا لابنك.
وقال بعضهم: إن قوماً من المسلمين غزوا قوماً من الروم، فكان بين من قتل إخوة وأمهم حاضرة، فكرهت الحياة بعدهم، فقالت للذي صارت إليه: أرأيتك إن علمتك شيئاً لا يقطع فيك الحديد به، أتخلي سبيلي? قال: وكيف نعلم ذلك? فقالت له: أول ما تجربه في، قال: نعم، فجلست، وقالت له: اضرب عنقي، وبقيت تحرك شفتيها، كأنها تقول شيئاً، فضرب بالسيف، فقطع رأسها، فعلم أن ذلك كان حيلة منها.
ورفع قوم غريماً لهم إلى بعض القضاة، فقالوا: لنا عليه كذا وكذا ديناراً، فقال: نعم، لهم عندي ذلك، إلا أني سألتهم أن يؤخروني أياماً يسيرة؛ حتى أبيع عقاري وغنمي وبقري وإبلي، وأدفع لهم ما عندي، فقالوا: كذب، والله، ما عنده شيء من ذلك، قال: فاشهد لي عليهم، بأنهم شهدوا لي، أني فقير عديم، فقال القاضي: ركبوه حماراً، ونادوا عليه ألا يعامله أحد، ففعلوا ذلك النهار كله، فلما كان العشي، قال له صاحب الحمار: أعطني أجرة الحمار، قال: فيم كنا اليوم كله? فمضى وتركه.
وارتفع خصمان إلى سوار القاضي، وكان سوار يبغض أحدهما، فقال له: يا ابن اللخناء، قال: كذلك خصمي، قال خصمه: احكم لي عليه، قال: نعم، خذ له بحقه مني، وخذ لي بحقي منك، فندم سوار، وسأله الصفح.
ولما أراد شيرويه قتل أبيه، وجه إليه من يقتله، فلما دخل عليه قال: إني أدلك على شيء يكون فيه غناك، وذلك لوجوب حقك علي، قال: وما هو? قال: الصندوق الفلاني، فذهب إلى شيرويه فأخبره الخبر، فأمر بإخراج الصندوق، فوجد فيه ربعة، وفي الربعة حق، وفي الحق حب، وعلى الحق مكتوب: من أخذ منها حبة عاش من غير مضرة ولا ضعف، فطمع شيرويه في صحته، فأخذه وعوضه به، ثم أخذ منه حبة، فكان هلاكه فيها.
ومرض مولى لسعيد بن العاص، ولم يكن له من يخدمه، ويقوم بأمره، فبعث إلى سعيد فأتاه فقال: ليس لي وارث غيرك، وها هنا ثلاثة آلاف درهم مدفونة، فإذا مت فخذها، فقال سعيد حين خرج من عنده: ما أرانا إلا قد أسأنا لمولانا هذا، وقصرنا في تعاهده، وهو من شيوخ موالينا، فبعث إليه من يخدمه ويتعاهده، فلما مات، اشترى له كفناً بثلاثمائة درهم، وحضر جنازته، فلما رجع حفر الموضع كله، فلم يجد شيئاً، وجاء صاحب الكفن، وطلب ثمناً، فقال: لقد هممت أن أنبش عليه.
وجاء رجل إلى أبي حنيفة فشكى إليه أن أودع عند بعض الناس المشهورين بالأمانة والديانة مالاً، وأنه أنكر الوديعة، وكان ذلك المستودع يعتني بأبي حنيفة، فقال أبو حنيفة للرجل: تعود لي، وخلا أبو حنيفة بالرجل الذي أودع عنده، فقال له: إن هؤلاء قد بعثوا إلي يستشيرونني فيمن يصلح للقضاء، فهل تنشط لذلك? فتمانع الرجل قليلاً، وأقبل أبو حنيفة إليه يرغب فيه، ثم انصرف عنه، وهو طامع في القضاء، ثم جاء الرجل صاحب الوديعة في أبي حنيفة فقال أبو حنيفة: اذهب إلى الرجل، فقال له: احسبها، أنسيت الحال، وأنا أودعتك في وقت كذا، والعلامة كذا، فذهب الرجل وقال له ما أمره به، فرد عليه الوديعة، فلما رجع ذلك الإنسان إلى أبي حنيفة قال له: إني نظرت في أمرك، فرأيت أن أرفع قدرك، ولا أسميك؛ حتى يحضر ما هو أجل من هذا.
وجاء رجل إلى أبي حنيفة فشكا إليه أن دفن مالاً، في موضع ولا يذكر الموضع، فقال أبو حنيفة: ليس هذا فقهاً، فأحتال لك، ولكن اذهب، فصل لربك الليلة، فإنك ستذكره إن شاء الله، ففعل الرجل ذلك، فلم يقم إلا أقل من ربع الليل، حتى ذكر الموضع، فجاء إلى أبي حنيفة فأخبره، فقال: قد علمت أن الشيطان لا يدعك أن تقوم ليلتك حتى يذكرك، فهلا أتممت ليلتك شكراً لله تعالى.
وأقبل رجل إلى أبي حنيفة وقال له: إن لصوصاً دخلوا علي، وأخذوا مالي، وحلفوني بالطلاق ألا أسميهم، وخرجوا عني، فقال أبو حنيفة: أحضر لي إمام مسجدك والمؤذن والمشهورين من جيرانك، فأحضرهم، فقال لهم أبو حنيفة: هل تحبون أن يرد الله على هذا متاعه? قالوا: نعم، قال: فاجمعوا كل داعر ومتهم، وأدخلوهم في دار أو في مسجد، ثم أخرجوهم واحداً واحداً، وقولوا له: هذا من لصوصك? فإن لم يكن منهم فيقول: لا، وإن كان منهم فيسكت فاقبضوا عليه، ففعلوا ذلك، فرد الله عليه ماله.
وقال أبو حنيفة: احتجت وأنا بالبادية إلى ماء، فجاءني أعرابي، ومعه قربة من ماء، فأبى أن يبيعها إلا بخمسة دراهم. فدفعت له ذلك، وقبضت القربة، ثم قلت: يا أعرابي، هل لك في سويق? قال: نعم، فأعطيته سويقاً ملتوتاً بزيت، فجعل يأكل حتى امتلأ، فعطش، فقال: شربة ماء، فقلت: بخمسة دراهم، فأعطاني خمسة دراهم في قدح من ماء، وبقي بقية الماء ربحاً.
وجاءت امرأة إلى أبي حنيفة فقالت: إن زوجي حلف بطلاقي أن أطبخ قدراً فيه مكوك ملح، ولا يتبين طعم الملح فيما يؤكل منها، قال: خذي قدراً، وألقي فيه مكوك ملح، واسلقي فيه بيضاً، فإنه لا يوجد طعم الملح في البيض.
ودخل شريك القاضي على بعض العمال، فأخذ العمال بيده، ثم قال: يا غلام جئنا بعود، فلم يدر الغلام أي عود أراد، فعاد الغلام، ومعه عود الغناء، فلما رآه العامل لم يخجل، ولم يتغير، وقال: أخذنا رجلاً معه هذا، ما ترى في كسره? فأفتاه بكسره، فقال: هات لنا بخور! وكان لجعفر بن عبد الواحد صديق، يوجه له كل يوم سلة برطب مع غلام له، فقيل له: إن الغلام يأخذ من السلة، فاختمها، فختمها، فوجد السلة قد فتحت، فقال لصاحبه: اجعل فيها زنبورين قبل أن تختمها فكان إذا فتحها وطار الزنبوران علم أنها لم تفتح.
وجاء فتيان إلى نباذ، فشربوا عنده نبيذاً، ثم قالوا: ما عندنا شيء فخذ منا رهناً، فقال: وما الرهن? قالوا: تأخذ من كل واحد منا صفعة، ففعل، فلما كان بعد أيام جاءوا إليه، فقالوا له: خذ حقك ورد الرهن، فرغب إليهم أن يتركوه، فلم يفعلوا، فصفعوه وضحك أهل سوقه عليه.
وكان زياد بن عبد الله الحارثي على شرطة المدينة، وكان بخيلاً، فدعا أشعب في رمضان يفطر مع جماعة عنده، فقدم إليهم معقودة، فجعل أشعب يمعن فيها وزياد يلمحه، فلما فرغ من الأكل، قال زياد: ما أظن لأهل السجن إماماً يصلي بهم في هذا الشهر، فليصل بهم أشعب، فقال أشعب: أو غير ذلك، أصلح الله الأمير? قال: وما هو? قال: أحلف ألا آكل معقودة أبداً، فخجل زياد وتغافل عنه.
وكان لزياد هذا كاتب، فأهدى له طعاماً، قد تفنن فيه، فوافاه، وقد تغدى، فغضب زياد، وقال: يبعث أحدكم الشيء في غير محله، ثم قال: ادع لي المساكين يأكلونه، فبعث إليهم حرسياً يدعوهم، فقال له رسول الكاتب: أصلح الله الأمير: إن أمرت أن يكشف لك عنه حتى تنظر إليه قال: اكشفوا عنه، فإذا به دجاج وسمك وحلواء، فأعجبه ذلك، وقالوا: ارفعوه، ثم جاء المساكين، فقال: اضربوهم عشرة عشرة؛ فإنه بلغني أنهم يفسون في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبولون على بابه، فرغب فيهم، فصرفهم.
وأتى طفيلي دار عرس، فمنع من الدخول، فذهب إلى بعض أصحاب الزجاج، فرهن عنده رهناً، وأخذ منه أقداحاً، وقال للموكل بالباب: افتح حتى أدخل هذه الأقداح التي طلبوها، ففتح له ودخل، فأكل وشرب، ثم أخذ الأقداح وردها إلى صاحبها، وقال: لم يرضوها.
وجاء طفيلي آخر إلى باب عرس، فمنع من الدخول، فأخذ إحدى نعليه، وجعلها في كمه، وعلق الآخر، وجاء إلى الموكل بالباب، كالمستعجل، وقال: أخذت فردة تعلي، وتركت الأخرى، فتفضل بالله إخراجها، فقال له البواب: أنا مكلف بهذا الباب، ولن أتركه، فادخل أنت، وخذ متاعك، فدخل وأكل، وخرج.
واجتمع ثلاثة من الطفيليين، فلم يظفروا بأكل، ولا قدروا عليه، فاجتمع رأيهم على أن يأتوا صاحب الشواء والرقاق، ولا يكون إقبالهم في دفعة؛ لئلا يشعر بهم، فتقدم أحدهم، فأخذ شواء ورقاقاً، ودخل يأكل، فلما أمعن، أقبل الثاني، فأخذ مثل الأول، وقعد ناحية يأكل، ثم أقبل الثالث، فأخذ مثلها، فلما قارب أن يخلص أكله، قام الأول يريد الخروج، فقال له الشواء: هات ما عليك، قال: دفعت لك، قال: متى? قال له الثاني: حين أعيتك أنا، قال له: ومتى أيضاً أعطيتني أنت? فقام الثالث إليه حنقاً وهو يقول: أتراك، يا ابن الفاعلة، تنكرني كما أنكرت هذين? فلما سمع الشواء كلامهم على أنهم طفيليون، فترك سبيلهم.
وقال بعضهم: نزل رجل على ديراني بالشام، فقدم إليه أربعة أرغفة، وذهب ليأتيه بعدس، فلما جاءه به وجده قد أتى على الأرغفة، فوضع العدس بين يديه، وذهب ليزيده رغيفاً؛ لكي يأكل به العدس، فلما جاء به وجده قد أكل العدس، فوضع الرغيف وذهب، فجاءه بصحفة أخرى من عدس، فوجده قد أكل الرغيف، فما زال كذلك حتى أتى على وظيف تسعة أنفس، فلما فرغ سأله الديراني عن حاله ومقصده، قال: أريد الأردن؛ فإنه بلغني أن فيه طبيباً جيداً، وأنا في هذه المدة أصابني سوء هضم، وقلة شهوة الطعام، فقال له الديراني: عسى بالله، إذا رجعت، وقد تطببت أن تأخذ على غير هذا الطريق؛ فإن هذا الدير لقوم ضعفاء، فخجل الرجل، وقال: نعم.
وكان بعض الناس يتخدم ليونس بن أسباط، فانقطع عنه مدة، فقال يونس لبعض من حضره: ما فعل فلان? فقال: لا أدري، ولكن لو مات ما كنت تفعل معه? قال: أكفنه وأقبره، قال: فإنه عريان، فضحك، وأمر له بكسوة.
وكان ابن هرمة مولعاً بالشراب، فحد فيه مراراً، فأتى المنصور ومدحه، فاستحسن شعره، وقال له: سل حاجتك، قال: تكتب إلى عامل المدينة ألا يحدني إذا أوتي بي سكران، فقال له المنصور: ويلك، هذا حد من حدود الله عز وجل، لا يجوز لي تعطيله، قال: فاحتل يا أمير المؤمنين، قال: أما هذا فنعم، وكتب إلى عامل المدينة: من أتاك بابن هرمة وهو سكران، فاجلده مائة واجلد ابن هرمة ثمانين، فكان العون بعد ذلك يمر به وهو سكران، فيقول ابن هرمة: من يشتري مائة بثمانين? وحكى ابن دهمان قال: مررت يوماً ببشار، وهو جالس على بابه وحده، وليس معه أحد، وبيده قضيب، وبين يديه طبق فيه تفاح وأترج، فلما رأيته، وليس معه أحد، جئت قليلاً قليلاً، ومددت يدي لأتناول ما بين يديه، فرفع القضيب، وضرب يدي ضربة كاد يكسرها، قلت: قطع الله يدك، أنت الآن عند نفسك أعمى، قال: يا أحمق، فأين الحس? وحكى المدائني عن محمد بن حجاج قال: كنا عند بشار بن برد الضرير، فأتاه رجل يسأله عن منزل رجل، قال: فجعل بشار يصف له ويفهمه، وهو لا يفهم، فوثب بشار، وأخذ بيده، وجعل يقول:

أعمى يقود بصيراً، لا أبالـكـم قد ضل من كانت العميان تهديه
وحاسب بشار يوماً وكيله، وذكر في بعض حسابه عشرة دراهم في جلاء مرآة، فقال بشار - وصفق بيديه -: واغوثاه، جلاء مرآة لأعمى بعشرة دراهم، والله لو صديت عين الشمس، حتى يبقى الناس في ظلمة، ما ساوى جلاؤها عندي عشرة دراهم.
وكان أبو العتاهية يهوى عتبة، فلبس يوماً ثياب راهب، ووقف على طريق عتبة، ولما مرت به، قال: أنا راهب، وكنت في صومعة منذ سنين كثيرة، وأتاني أت في منامي، وأمرني بالإسلام على يديك، وتقبيل يديك، ولست أبغي منك على ذلك جزاء ولا شكوراً، فسرت بذلك، ومدت يدها اليمنى وقبلها وقال: إنما أمرت بتقبيل يدك اليسرى، فمدتها وقبلها، وقال: بأبي أنت من يد قريبة العهد بأحب المواضع إلي، قالت: ماجن ورأس المهدي.
وحكى المبرد أن عتبة جاءت إلى عبد الله بن مالك برسالة ريطة بنت أبي العباس في مماليك لتشتريهم وتعتقهم، وإذا بأبي العتاهية قد دخل وهي لا تعرفه، وقال: إني - جعلني الله فداك - شيخ ضعيف وموالي يسيئون ملكي، فإن شئت أن تأمريه يجعلني فيمن يعتق، فكلمت عبد الله بن مالك في ذلك، فقال: أفعل إن شاء الله، فقال لها أبو العتاهية: قد أحسنت وتفضلت فأذني في تقبيل يدك، فمدت يدها فقبلها وانصرف، فقال عبد الله بن مالك: أتدرين من هو? قالت: لا، قال: هذا أبو العتاهية، فاستحيت وقالت: يا أبا العباس، ما ظننتك تعبث مثل هذا العبث.
وقرأ الحجاج في سورة هود، فلما انتهى إلى ابن نوح، لم يدر كيف يقرأ (إنه عمل غير صلح) أو عمل غير صالح، فبعث حرسياً، فقال: ائتني بقارئ، فذهب وأتى به، وقد ارتفع الحجاج من مجلسه، فحبسه ونسيه، حتى عرض الحجاج حبسه بعد ستة أشهر، فلما انتهى إليه قال: فيم حبست? قال: في ابن نوح، أصلح الله الأمير، فأمر بإطلاقه.
وكتب زياد إلى معاوية: قد أخذت العراق بشمالي، وبقيت يميني فارغة، وهو يعرض له بالحجاج، فبلغ ذلك عبد الله بن عمر رضي الله عنه، فرفع يديه إلى السماء وقال: اللهم اكفنا يمين زياد، فخرجت به قرحة في يمينه، قتلته.
وقال خالد بن الوليد عند موته: لقد لقيت كذا وكذا زحفاً، وما في جسدي قيس شبر، إلا وفيه طعنة أو ضربة أو رمية، ثم هاأنذا أموت على فراش، حتف أنفي، فلا نامت أعين الجبناء.
ووعظ مالك بن دينار فبكى وأبكى أصحابه، ثم افتقد مصحفه، فلم يجده، فنظر إلى أصحابه، وكلهم يبكي، فقال: كلكم تبكون، فمن أخذ مصحفي? ودخل أبو العيناء على إبراهيم بن المدبر، وعنده الفضل بن اليزيد وهو يلقي على ابنه مسائل في النحو، فقال: في أي باب هذا? فقال: في باب الفاعل والمفعول به، فقال: هذا بابي وباب الوالدة، حفظها الله، فغضب الفضل وانصرف.
وقال له ابن مكرم يوماً: أنا أجمع بين الصلاتين، قال: نعم، بالترك.
وكان أبو يوسف يكتب كتاباً، وإلى جانبه رجل يتطلع عليه، ففطن به أبو يوسف، فلما فرغ من الكتاب، التفت إلى الرجل، وقال له: هل أبصرت فيه خطأ? فقال: لا، قال أبو يوسف: جزيت عن الجساسة خيراً.
واشترى رجل كبشاً في العيد، فلما دخل به على زوجته، ورأته ضعيفاً، قالت له: هذا الكبش يشبهني ويشبهك، قال: وكيف ذلك? قالت: يشبهني في الشحم، وإياك في القرون.
وكان لابن أبي عتيق جارية تخدمه، وكان يتبعها جار له، فبينما هي ذات يوم توضئه، إذ وقع حجر بين يديه، فتغافل، فلما كان بعد ساعة وقع حجر آخر، فقال بأعلى صوته: إنها مشغولة، فانقطع الرجم.
وكتب عبد الله بن الزبير إلى بعض عمله: عمدت إلى مال الله فأكلته، فكتب إليه: إذا لم آكل مال الله، فمال من آكل? لقد طلبت من الشيطان ماله مرة، فما فرج عني كربة.
وغضب بعض عمال عيسى بن صبيح امرأة موضعاً، فجاءت إليه، ومجلسه قد غص بأهله، فقالت له: بالذي أعز النصرانية بسماء غلامك، وأعز اليهود بهارون كاتبك، وأذل المسلمين بك إلا أنصفتني، فخجل عيسى وقال: ردوا عليها موضعها.
وقال الرشيد لابنه المعتصم: ما فعل وصيفك فلان? قال: مات واستراح من المكتب، قال: وبلغ بك المكتب هذا المبلغ? والله، لا تحضره أبداً، ووجهه إلى البادية، فتعلم الفصاحة، وكان أمياً.
وكان بعض الكتاب يكتب كتاباً، وإنسان يتطلع عليه، فشق ذلك عليه، فكتب: ولولا ابن ألف كذا وكذا، كان يقرأ كتابي حرفاً حرفاً لأعلمتك، فقال الرجل: ما كنت أنظر في كتابك، قال: فمن أين لك معرفة ما أنكرت? وروي أن يزيد بن معاوية، لما أراد توجيه مسلم بن عقبة إلى المدينة، اعترض الناس، فمر به رجل معه ترس قبيح، فقال له: يا أخا أهل الشام: مجن ابن ربيعة كان أحسن من مجنك، يريد قوله:

فكان مجني دون من كنت أتقـي ثلاث شخوص: كاعبان ومعصر
وقال الشعبي: سمعت المغيرة بن شعبة يقول: ما غلبني أحد قط، إلا غلام من بني الحارث بن كعب، وذلك أني خطبت امرأة من بني الحارث، وكان عندي شاب منهم، فأصغى إلي، فقال: أيها الأمير، لا خير لك فيها، فقلت: يا ابن أخي، وما لها? قال: إني رأيت رجلاً يقبلها، فتركتها، قال: ثم بلغني أن الفتى تزوجها، فأرسلت فيه، فقلت: ألم تخبرني أنك رأيت رجلاً يقبلها? قال: نعم، رأيت أباها يقبلها.
وحكى الأصمعي قال: كان رجل من ألأم الناس وأنجلهم، وكان عنده لبن كثير، فسمع به رجل ظريف، فقال: الموت، أو أشرب من لبنه، فأقبل ومعه صاحب له، حتى إذا كان بباب صاحب اللبن، غشي عليه وتماوت، فقعد صاحبه عند رأسه، يسترجع، فخرج صاحب اللبن، فقال: ما باله? فقال: هذا سيد بني تميم، أتاه أمر الله ها هنا، وكان قال: أسقني لبناً، قال صاحب اللبن: هذا هين موجود، يا غلام، ائتني بقدح من لبن، فأتاه به، فأسند صاحبه إلى صدره، وسقاه حتى أتى عليه، وتجشأ، فقال صاحبه لصاحب اللبن: أتقول: هذا راحة الموت? ففطن لهما وقال: أماتك الله وإياه.
وقال الأصمعي: مر رجل بأبي الأسود الدؤلي، وهو يقول: من يعشي هذا الجائع? فقال: علي به، فأتاه بعشاء كثير، فأكل حتى شبع، ثم ذهب السائل ليخرج، فقال: أين تريد? قال: أريد أهلي، قال: لا أدعك تؤدي المسلمين الليلة بسؤالك، اطرحوه في الأوهم، فبات مكبولاً حتى أصبح.
ووقع درهم بيد سليمان بن مزاحم، فجعل يقبله، ويقول في شق: لا إله إلا الله، وفي شق: قل هو الله أحد، ما ينبغي لهذا أن يكون إلا تعويذاً أو رقية، ورمى به في الصندوق.
وكان ابن عيسى بخيلاً، وكان إذا وقع الدرهم بيده، طعنه بظفره، وقال: كم مدينة دخلتها، وأيد درجتها، فالآن، استقر بك القرار، واطمأنت بك الدار، ثم يرمي به في الصندوق.
ونظر أشعب إلى رجل قبيح، فقال: ألم ينهكم سليمان بن داود عن الخروج بالنهار? وحكى المدائني وقال: أتت ليلة الشك في رمضان. فكثر الناس على الأعمش يسألونه عن الصوم، فضجر، ثم أرسل إلى بيته في رمانة، فشقها، ووضعها بين يديه، فكان إذا نظر إلى رجل قد أقبل يريد أن يسأله، أخذ حبة فأكلها. وكفى الرجل السؤال، ونفسه الرد.
وقال رجل لمحمد بن مطروح الأعرج - رحمه الله -: ما تقول في رجل مات يوم الجمعة، أيعذب عذاب القبر? قال: يعذب يوم السبت.
وقال آخر: أتجد في بعض الكتب أن جهنم تخرب? قال: ما أشفاك إن اتكلت على خرابها.
وكان يجلس إليه خصي لزرياب، قد حج وتنسك، ولزم الجامع، يتحدث في مجلسه، بأخبار زرياب، ويقول: كان أبو الحسن رحمه الله يقول كذا وكذا، فقال له الأعرج: من أبو الحسن هذا? قال: زرياب، قال: بلغني أنه كان أخرق الناس.
وسأله مرة أخرى، ما تقول في الكبش الأعرج، أيجوز للذبيحة? قال: نعم، والخصي مثل ذلك.

الباب الثاني في أخبار الأعراب والمتنبئين ونوادر المجان والمستخفين

قدم إلى أعرابي كامخ، فأكل منه، فلم يستطبه، وخرج إلى المسجد، والإمام في الصلاة يقرأ: (حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير)، فقال الأعرابي: والكامخ، لا تنسه، أصلحك الله.
وكان موسى بن عبد الملك قد اغتال نجاح بن سلمة في شراب شربه عنده، فقال المتوكل لأبي العيناء بعد ذلك: ما تقول في نجاح بن سلمة? فقال: ما قال الله عز وجل (فوكزه موسى فقضى عليه) فاتصل ذلك بموسى، فعتب عليه وقال له: أردت قتلي، فاعتذر له، وافترقا عن صلح، فلقيه بعد ذلك موسى، فقال له: يا أبا عبد الله قد اصطلحنا، فما بالك لا تأتينا? فقال: (أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس) فقال موسى: ما أرانا إلا كما كنا.
وقال المتوكل لأبي العيناء: إبراهيم بن نوح النصراني وجد عليك، فقال: (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم).
وقال له المتوكل يوماً: إن سعيد بن عبد الملك يضحك منك، فقال: (إن الذين أجرموا كانوا من الذين أمنوا يضحكون).
وقال له رجل: يا مخنث، فقال: (وضرب لنا مثلا ونسى خلقه).
ولقي خالد بن صفوان الفرزدق، وكان الفرزدق قبيحاً، فقال له خالد: يا أبا فراس، ما أنت بالذي (فلما رأينه أكبرنه وقطعن أيديهن) فقال له: ولا أنت بالذي قالت الفتاة لأبيها: (يا أبت استئجره إن خير من استئجرت القوى الأمين).
وبعث المنصر سليمان بن راشد، إلى الموصل، وضم إليه ألف فارس من العجم، وقال له: قد ضممت لك ألف شيطان تذل بهم أهل الأرض، فلما أتى الموصل عاشوا في نواحيها، وقطعوا الطريق، وانتهبوا الأموال، وانتهى خبرهم إلى المنصور، فكتب إليه: كفرت النعمة يا سليمان، فكتب إليه في الجواب (وما كفر سليمن ولكن الشيطين كفروا) فضحك المنصور، وعرف عذره، وأنذر له بجيش غيرهم.
وأتي بأعرابي إلى سلطان، وبيده كتاب فيه مكتوب: (هاؤم اقرءوا كتابيه) فقيل له: إنما قال هذا يوم القيامة، فقال: هذا، والله، أشد، فإن يوم القيامة يؤتى بحسناتي وسيئاتي، وأنتم جئتم بسيئاتي فقط، وتركتم حسناتي.
ورأى أبو الضمضم القاضي رجلاً قريباً من مجلسه يسمع نوادره، فرماه بالدواة، وأمر بسجنه، فقال له الكتاب: كيف أكتب قصته في الديوان? قال له: اكتب (استرق السمع فأتبعه شهاب مبين).
وأتى أعرابي المسجد، والنبي صلى الله عليه وسلم جالس، فقام يصلي، فما فرغ قال: اللهم ارحمني وارحم محمداً، ولا ترحم معنا أحداً، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ولم حجرت واسعاً يا أعرابي? وقال الأصمعي: رأيت أعرابياً يقول في الطواف: اللهم اغفر لأمي، فقلت له: مالك لا تذكر أباك? فقال: أبي رجل يحتال لنفسه.
وسمع أعرابي رجلاً يقرأ: (قل هل ننبئكم بالأخسرين أعملاً) فقال: أنا أعرفهم، فقيل: ومن هم? قال: الذين يبردون ويأكل غيرهم.
وكان ابن أبي علقمة غزير اللحية كثيرها، وكان ابن والان قليل اللحية، فاجتمعا يوماً، فقال ابن أبي علقمة لابن والان يعرض بقلة لحيته: (والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه والذي خبث لا يخرج إلا نكدا)، فقال ابن والان: (قل لا يستوي الخبيث والطيب ولو أعجبك كثرة الخبيث).
وجلس أعرابي مع معاوية على المائدة، فقدم ثريد كثير الدسم، ففجره الأعرابي بإصبعه إلى جهته، حتى سال الدهن إليه، فقال معاوية: (أخرقتها لتغرق أهلها) فقال الأعرابي: لا، ولكن (سقنه لبلد ميت).
وقرئ بين يدي أعرابي: (كأنهن الياقوت والمرجان) فقال: هؤلاء خلاف نسائكم العجاف.
وكان رجل شهر بالشراب والمعاصي، فوعظه أحد الناس، وقال له: ما تكون حجتك يوم القيامة? قال: خضراء مزججة.
وخطب وكيع بن أبي سويد بخراسان، فقال: الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أشهر، فقيل له: في ستة أيام، فقال: أردت أن أقولها، فاستقللتها.
وقرأ: ألم غلبت الترك، فقيل له: الروم، فقال: كلهم أعداء، كفانا الله مئونتهم.
وصلى رجل فقال في سجوده: يا رب، عبدك العار بن العار، سجد لك، الأيمان تلزمني، ما يغفر لي غيرك.
وقيل للحسن بن هانئ: أي شيء تشتهي? قال: ما لا أجده في الدنيا ولا في الآخرة، قيل: وما هو? قال: ركوب الصبيان على الحلال.
وكان إمام يطول الصلاة على الناس بالقراءة، فقال له الجماعة: إما أن تقصر، وإما أن تترك الجامع، فصلى يوماً، فلما قرأ: الحم لله، قال: ما تقولون في عبس، قال له الآخر: كيست من فيها.
وقيل لأعرابي يدعي حفظ القرآن: ما أول الدخان? قال: الحطب الأخضر.
وقيل لأعرابي: أتحفظ: (لم يكن)? قال: أنا لا أحفظ ما كان، فكيف أحفظ ما لم يكن? وقرأ رجل بين يدي قوم: (قل هو الله أحد) فخجل ولم يستطع تمامها، فقال آخر؛ من أراد أن يحضر بقية السورة، فليأت غداً إن شاء الله.
وقيل لأبي النخاس، صاحب الأير الكبير، يدخل فيه سبع قولات مصريات: هل جامعت قط بكراً? قال: ما أحصيهن كثيرة، قيل: ويكف كن يأتينك? قال: (كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون).
وجعلت عصيدة بلا عسل بين يدي أعرابي. فقال: عملت هذه العصيدة من قبل أن يوحي ربك إلى النحل.
وقيل لأعرابي: في أي سورة هو:

الحمد للـه لا شـريك لـه من لم يقلها، فنفسه ظلما?
ففكر ساعة وقال: في حم الدخان.
وقال أعرابي لآخر: أيهما أفضل عيسى بن مريم أو معاوية? فقال: ويلك، تشبه بني النصارى بكاتب الوحي? وقال الأصمعي: خرج على قوم في بادية ريح شديدة، فيئسوا من الحياة، ثم سلموا، فأعتق كل واحد منهم مملوكاً أو مملوكة؛ شكراً لله على ذلك، وكان فيهم رجل من بني غفار، فقال: اللهم إنه لا مملوكة لي ولا مملوك، ولكن امرأته طالق ثلاثاً لوجهك.
وكان رجل يقرأ، فقرأ سورة تبارك حتى وصل إلى قوله تعالى: (قل أرئيتم إن أهلكني الله ومن معي) فأرتج عليه، فجعل يكررها، فقال له أعرابي من خلفه: أهلكك الله وحدك، فما ذنب من معك? وحكى الأصمعي قال: قرأ رجل: (إنا أرسلنا نوحاً) فأرتج عليه، فجعل يرددها، فقال له نبطي: إن لم يذهب نوح، فأرسل غيره.
وكان ببجاية قاض ماجن؛ فكلما أقبل إليه غلام يعجبه، أو يجلس في حلقته، يقوم على قدميه، ويقول: قولوا عند دعائي: آمين، اللهم ولنا أدبارهم، اللهم اكفلنا أكفالهم، اللهم كبهم على وجوههم، اللهم أعر عوراتهم، واللهم سلط رماحنا عليهم.
ومرض قاض، فدخل عليه أصحابه، فقالوا له: أبشر بالجنة، تقدم عليها، فتأكل من ثمرها، وتشرب من مائها، وتنكح من حورها، فقال بصوت ضعيف: ولكن عندكم أحب إلي.
وجاء رجل إلى قومه، فجعلوه إماماً لصلاتهم، وكان أكثر ما يطعمونه خبزاً وكامخاً، فلما طال عليه ذلك، افتتح الصلاة ذات ليلة، بفاتحة الكتاب، ثم قرأ: يا أيها الذين آمنوا، اتقوا الله، ولا تطعموا إمامكم كامخاً، بل لحماً، فإن لم يكن لحماً، فشحماً، فإن لم تجدوا شحماً فبيضاً، ومن لم يفعل ذلك فقد خسر خسراناً مبيناً، ثم قرأ في الركعة الثانية بعد فاتحة الكتاب: فإن لم تجدوا بيضاً فسمكاً، فإن لم يكن سمكاً فلبناً، ومن لم يفعل ذلك فقد ضل ضلالاً بعيداً، فلما فرغ من الصلاة، قالوا له: في أي سورة هذا? قال لهم: في سورة المائدة.
ومات لامرأة ولد، فأعطت القارئ الذي يقرأ عليه أجرة لم ترضه، فقرأ (خذوه فغلوه ثم الجحيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه)، فقالت له: ما هذا الذي قرأت عليه? قال لها: قرأت عليه ما يناسب عطيتك، فزادته، فقرأ: (على سرر موضونة متكئين عليها متقبلين يطوف عليهم ولدن مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون وفكهة مما يتخيرون ولم طير مما يشتهون).
وكان فقيه يشرب الخمر مع شخص من أبناء الدنيا، فقال له يوماً: يا فقيه، ما يكون جوابك يوم الحشر، لله تعالى? قال: أقول: (بنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا).
وسمع ابن أبي مريم هارون الرشيد، يقرأ في صلاة الليل: (وما لي لا أعبد الذي فطرني) ويرددها، فقام من فراشه وقال: لا أدري، والله، فقطع هارون الصلاة، وضحك، وقال: لا تعد.
وسمع أبو العيناء مغنياً غير محسن، فقال: صدق الله: (إن أنكر الأصوات لصوت الحمير).
وقال أبو نصر: نظرت إلى أبي نواس، وهو يصلي العصر، ثم رأيته بعد ذلك يصلي ركعتين، فقلت له: ما هذا? قال: اسكت، يصعد إلى السماء خبر طريف.

ومر بشار برجل في عنقه غل، فقال الرجل، الحمد لله، فقال بشار: استزده يزدك.
وكان رجل يقول الشعر، فيستبرده قومه، فكان يحمل ذلك منهم على الحسد، فقال لهم: بيني وبينكم بشار، فأتى، فأنشده، فلما فرغ قال له بشار: أظنك من أهل بيت النبوة، فقال: وكيف ذلك? قال: إن الله عز وجل يقول: (وما علمنه الشعر وما ينبغي له) فضحك القوم وانصرفوا.
وسمع مزيد جاراً له يضرب غلامه، وهو يستغيث، فخرج إليه، وقال له: ما لك تضرب هذا الغلام? فقال له: ذنبه عظيم، قال: وما ذنبه? قال: سرق حبلاً، حج به أبي، واعتمرت به أمي، فقال: والله لو سرق الكعبة حتى يبقى الناس بلا حج، وما وجب عليه هذا? وقال منصور بن عمار يوماً في مجلسه: اللهم اغفر لأعظمنا ذنباً، وأقسانا قلباً، وأقربنا بالخطيئة عهداً، وأشدنا إصراراً على الذنب، فقال مزيد: امرأته طالق إن كان أراد بهذا كله إلا إبليس، فإن هذه الخصال كلها فيه.
ودخل مزيد على خالصة المغنية، فرأى مكتوباً في بعض جانب البيت: آدم وحواء، فقال: ما هذا? قلت: سمعت أن الشيطان، لا يدخل بيتاً، مكتوب فيه: آدم وحواء، قال: يا خالصة، دخل عليهما، وهما في جوار رب العالمين، فكيف لا يدخل بيت مغنية.
وشكا رجل إلى مزيد سقوط أسنانه، فقال: الذنب منك، لا لك؛ لأنك تقرأ القرآن، والله تعالى يقول: (إنا سنلقى عليك قولا ثقيلاً).
وخرج سالم بن عبد الله متنزهاً بأهله وحرمه، فبلغ أشعب الخبر، فوافى الموضع، فصادف الباب مغلقاً، فتعلق بالحائط، فقال له سالم: ويلك يا أشعب، تكتشف على عيالي وبناتي? قال: (قالوا لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد)، فأخرج له من الطعام، فأكل وحمل.
وقال الأصمعي: رأيت أعرابياً شيخاً، متعلقاً بأستار الكعبة، وهو يقول: يا رب، أنا سفلة من خلقك، وضيع محروم، فمن أنا يا رب حتى تعاقبني? فبعزك إلا رحمت ضعفي، وخشيت وذلي، وفقري وناقتي وحرماني وشؤمي وشماتتي، وتفضلت علي، وغفرت لي.
وتغدى الفاخري مع بعض أشراف المدينة، وكان بخيلاً، فلما أحضرت الغداء، قال: يا غلام، هات الدجاجة، فجاء بقدر فيها دجاجة، فلما أكلا منها يسيراً، قال: يا غلام، ارفع، فلما كان في العشاء فعل مثل ذلك، فقال الفاخري: ما أظن هذه الدجاجة إلا من آل فرعون، قال: وكيف ذلك? قال: (النار يعرضون عليها غدوا وعشيا).
ودخل أعرابي على سليمان بن عبد الملك، وبين يديه جام فيه فالوذج، فقال: ادن يا أعرابي فكل؛ فإن هذا مما يزيد في الدماغ، قال: لو كان الأمر كما تقول، كان رأس الأمير مثل رأس البغل.
ونظر أعرابي إلى جنازة، والناس يقولون: كان سبب موته التخمة، فقال الأعرابي: وما التخمة? قيل له: أكل كثيراً فمات، فقال الأعرابي: اللهم اجعل موتي من التخمة.
وضل لأعرابي جمل، فبينما هو يطلبه، إذ رأى في باب الأمير بختياً، فتعلق به وادعاه، فقيل له: جملك عربي، وهذا بختي، فقال: كان عربياً فبتخت عند الأمير، فرفع خبره إلى الأمير، فضحك، وأمر له به.
ودخل أعرابي على معاوية، فقال: يا أمير المؤمنين، أعطني البحرين، قال: لست لها بأهل، قال: فاستعملني على البصرة، قال: صاحب أخذته لها، لا أريد عزله، قال: فهب لي ألف درهم وقطيفة، قال: مد أمرت لك بذلك، فلما رجع الأعرابي إلى أهله قيل له: رضيت بعد سؤالك البحرين بألف درهم وقطيفة? قال: اسكتوا، فوالله لولا ذلك ما أعطيت شيئاً.
وحج أعرابي، فسبق الناس، فطاف بالبيت وصلى ركعتين، ثم رفع يديه إلى السماء وقال: اللهم اغفر لي، قبل أن يدهمك الناس.
ووقفت امرأة على قوم يصلون جماعة، فقرأ الإمام بعض آيات السجود، فسجد وسجدوا، فقالت: صعق الناس، ورب الكعبة.
وصلى رجل بقوم من الأعراب في شهر رمضان، فقام في الصلاة، وخلفه نسوة خلف صف الرجال، فقرأ: "وأنكحوا الأيامى منكم" وأرتج عليه فكررها مراراً، فلما انصرفوا، قالت امرأة منهن لأخواتها: والله، ما زال يأمرهم بنا حتى خشيت أن يثبوا علينا.
وكان أعرابي من بني ضبة، إذا توضأ بدأ بوجهه فيغسله، ثم يغسل فرجه بعد ذلك، فقيل له في ذلك، فقال: والله، لا أبدأ بالخبيث قبل وجهي.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق