كتبهابلال عبد الهادي ، في 17 آذار 2012 الساعة: 10:02 ص
ريتشارد ووترز وجوزيف
مين
ختم ستيف جوبز بعلامته المميزة السنوات الـ35
الأولى من تاريخ صناعة الكمبيوتر الشخصي، وذلك انطلاقا من Apple II البدائي، ولكن
الخارق في الوقت ذاته، إلى جهاز الآي باد الرقيق ذي الشاشة العاملة باللمس. وأثناء
هذه العملية ساعد في غرس أذواق رقمية لدى جيل كامل، بينما لامس موجة من تمزيق
الأمور القائمة أدت إلى إعادة تشكيل صناعات إلكترونيات المستهلك، والاتصالات
الجوالة، والإعلام، والتسلية.
كان قائدا فريدا من نوعه، حيث كان لديه ميل مبكر باتجاه ثقافة مضادة ظلت ملازمة له طوال حياته، وعاش حياة عملية اعتبرت إحدى أهم السير الذاتية في تاريخ النشاط العملي الحديث. إن شركة أبل التي شارك في إنشائها – والتي كان يعتقد على نطاق واسع أنها متجهة نحو الإفلاس حين عاد إليها بعد عقد من الغياب في 1996 – تفوقت هذا العام لفترة قصيرة على شركة إكسون موبيل كأعلى شركة من حيث القيمة في العالم.
لم يكن جوبز مهندس تأسيس مشاريع ضمن قالب في وادي السيليكون، ولم يؤسس علامته الفارقة كمخترع بالمعنى التقليدي. وبدون خلفية تقنية من خلال التعليم، فقد استعار، وجلب، أو أنه اكتفى بمجرد إشهار كثير من الأفكار المرتبطة بقوة بنجاح شركته. ولم يعادله أحد في عبقريته الخاصة بتصور ما يمكن أن يريده الملايين من المستهلكين في فترة لاحقة من أدواتهم الرقمية – وتوفير الظروف التي يمكن أن تخلق إثارة شديدة إزاء كل تقدم متتال تحققه شركة أبل.
سيرة بدايات عبقري الكمبيوتر
ولد ستيفن باول جوبز في لوس ألتوس بولاية كاليفورنيا عام 1955، حيث كان أبوه أستاذا في العلوم السياسية من أصل سوري، وأمه معالجة نطق أمريكية كانت صديقة لأبيه. وقد تبناه كل من باول وكلارا جوبز اللذين كانا يعملان بجد في مجال الوسائل الحديثة.
خلال المرحلة الثانوية، اشترك، على سبيل الهواية في الإلكترونيات مع صديقه ستيف فوزنياك – وكانت الأداة الأولى التي صنعاها غير قانونية، حيث كانت تعمل على تخفيض نغمة شبكات الهاتف حتى يتمكنا من إجراء مكالمات هاتفية مجانية – غير أن مساره كان محددا تماما.
تسرب جوبز من كلية ريد في ولاية أوريجون، وارتحل في 1974 إلى الهند باحثا عن التنوير الروحي. وقال في إحدى المرات: إن منافسه، رئيس مجلس إدارة مايكروسوفت، بيل جيتس، كان يمكنه الاستفادة من تجارب مشابهة. واحتفظ جوبز بالروح البوهيمية الخاصة بالستينيات طوال حياته، حيث كان يرتدي في العادة لباس فنان مكونا من سترة سوداء ذات رقبة مستديرة، بالإضافة إلى سروال من الجينز.
في وادي السيليكون، اجتذبته مع صديقه فوزنياك، ثقافة الهواة الخاصة بالمهووسين المبكرين بعالم الكمبيوترات الشخصية. وكان فوزنياك هو الذي يظهر الجانب التقني، حيث كان يصمم لوحات دوائر أصبحت نموذجا لرزم أعلى قوة للاتصال بين أجهزة الكمبيوتر ضمن أكفأ مساحة ممكنة – ولكن تطلب الأمر أن يحول جوبز الفكرة إلى منتج، وإلى قاعدة لنشاط عملي. وأوصل جوبز اللوحة الخاصة بجهاز أبل I الذي تم تصميمه في غرفة نوم فوزنياك، إلى متاجر الإلكترونيات الاستهلاكية المحلية، حيث كانت العلب الخشبية لحفظ الآلات إضافة اختيارية.
ظهور شركة أبل
حين تحقق النجاح، سارت الأمور بوتيرة مفاجئة. وحاز أبل II الذي ظهر في 1977، وصممه فوزنياك، ونُظر إليه على نطاق واسع كواحد من اختراقات الاختراع في الفترة الأولى من صناعة الكمبيوترات الشخصية – على اهتمام فوري، الأمر الذي حول مؤسسي الشركة الشابين إلى شخصيتين مشهورتين، على الفور، في مجال النشاطات العملية.
مثّل جوبز ظاهرة جديدة في السبعينيات: رجل أعمال كبطل لثقافة البوب، وشخص معروف، وذو جاذبية ساحرة أشبه بنجوم أفلام السينما. وحين كان في الحادية والعشرين من عمره، تم دفعه في أعين الجمهور على أساس أنه الوجه الخارق للعادة لثقافة تكنولوجية جديدة وعاملة على تحرير مستخدميها.
يقف خلف النجاح المبكر قائد طموح، وزئبقي. وكان المحيطون المقربون من جوبز يعترفون بأنه مصدر للإلهام، والجنون. وكان يمكن أن يبدي غضبه الشديد على مساعديه الذين لم يرتقوا إلى معاييره العالية للغاية. وكان يحقرهم أمام الزملاء. وكان ساعيا إلى الكمال، ولا يأخذ الأغبياء بخفة، كما أصر على أن تكون له كلمة الفصل بخصوص التكنولوجيا، والتصميم، والتسويق، وأي شيء يحمل اسم أبل. وكان مشهورا بأن يعيد إلى مجلس التصميم والرسم الكثير مما أصبح أشهر منتجات هذه المجموعة؛ وذلك لما كان يبدو في بعض الأحيان أصغر عيوب التصميم.
تسبب العرض العام الأولي من جانب شركة أبل، حين كان جوبز في الخامسة والعشرين من عمره، بجعله رجلا غنيا، وحوّل شركة أبل إلى أوضح نجاح يبرز في موجة الشركات المبتدئة، يحصل على السيولة خلال أول طفرة لصناعة الكمبيوترات الشخصية.
التنافس مع ”مايكروسوفت”
غير أنه في 1983، طرحت شركة آي بي إم IBM – التي كانت في ذلك الوقت أكبر شركة صانعة للكمبيوترات في العالم – أول كمبيوتر شخصي خاص بها. وأوجدت العلامة التجارية لـIBM شرعية الكمبيوتر الشخصي في أسواق النشاط العملي، وأسست نظام تشغيل مايكروسوفت كمعيار لهذه الصناعة.
في ذلك العام، طلب جوبز من رئيس بيبسيكو، جون سكللي، ذي سمعة التسويق العبقري، أن يصبح رئيسا لشركة أبل، وأن يساعد في مواجهة تحدي IBM. وفي عرض لمهارات جوبز الإقناعية التي ستدخل تاريخ النشاط العملي، قال له ”إذا بقيت في شركة بيبسي، فإن أقصى ما يمكنك إنجازه بعد خمس سنوات هو بيع كميات أكبر من المياه المحلاة للأطفال. ولكن إذا جئت إلى شركة أبل، فسيكون بإمكانك تغيير العالم”.
ظهر كمبيوتر أبل ماكنتوش في 1984، حيث جلب الأيقونات، وفأرة الكمبيوتر إلى الجمهور على نطاق واسع. وكان الجهاز خفيفا، وبالإمكان تحمل ثمنه، بل وُصِفَ بأنه ”محبوب”؛ إذ إن من المحتمل أن تلك الأوصاف أطلقت للمرة الأولى على جهاز كمبيوتر. غير أن شركة مايكروسوفت سرعان ما قلدت هذه الاختراقات في كمبيوتر ماك، الأمر الذي منع شركة أبل من الاحتفاظ بسيطرتها على الأسواق.
الرحيل ثم العودة إلى ”أبل”
بينما هدأت المعركة، بدأ سكللي يرى أن جوبز ممزق للأمور، وفرض مواجهة أدت إلى استقالة جوبز. غير أنه لا شركة أبل، ولا جوبز، نجحا دون بعضهما البعض.
طورت شركة جوبز الجديدة أي نكست NeXT، جهاز كمبيوتر قويا للغاية – ومرتفع الثمن، حيث كان موجها لسوق التعليم، ولكنه لم يمثل نجاحا. وحقق نجاحا أفضل في مشروع جانبي: مصنع لإنتاج الأفلام يعمل بالكمبيوتر اشتراه في 1986. وحققت الشركة الكثير من النجاحات الهائلة بدء بفيلم الأطفال Toy Story، وعملية شرائه من جانب شركة والت ديزني فيما بعد، حيث أصبح جوبز أكبر مساهم في ذلك التجمع المختص بالتسلية.
فقدت شركة أبل في تلك الأثناء ميزتها التكنولوجية، وفشلت سلسلة من الرؤساء التنفيذيين في عكس اتجاه هذا المد. وبدت النهاية قريبة من الشركة حتى اشترت شركة NeXT في 1986، الأمر الذي أعاد إليها جوبز لكي يصبح ”مستشارا غير رسمي”. واستخدمت برمجية NeXT لتكوين جوهر نظام Mac Os X التشغيلي.
تم تعيين جوبز في ذلك العام كرئيس تنفيذي مؤقت – وهو المنصب الذي أصبح فيما بعد دائما. وشهد أيار (مايو) التالي إطلاق منتج كان إشارة إلى عودة شعلة الابتكار إلى الشركة، أي جهاز كمبيوتر iMac، المكون من قطعة واحدة، بألوان بهيجة ضمن غلاف بلاستيكي منحن. وكان مؤشرا حيا للكيفية التي يمكن أن يمضي بها جوبز لإعادة بناء الشركة بالجمع بين التصميم الساحر، وأحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا. ومع نهاية تموز (يوليو)، كانت شركة أبل قد باعت نحو 300 ألفا من هذه الأجهزة.
ربما كانت تلك البداية لما يمكن اعتباره أهم عودة في تاريخ النشاط العملي. ومن خلال إكماله للتحول، مضى جوبز لكي يهز صناعة الكمبيوتر الشخصي التي ساعد على إيجادها من خلال أدوات محمولة عدة – كما أنه كان يرتقي خلال ذلك بصناعة اتصالات الأجهزة المحمولة، وإيجاد أسواق جديدة لوسائل الإعلام الرقمية، والتسلية.
قدم أبل ماك، وبرمجية أبل، مع طابعة الليزر، الأدوات الأساسية لثورة كمبيوتر سطح المكتب الخاصة بالنشر في الثمانينيات. وأصبحت كمبيوترات ماكنتوش الأكثر قوة، وذات شاشات العرض الواسعة، الكمبيوترات الأكثر اختيارا من جانب شركات الرسوم الجرافيكية، والتصميم. غير أن ذلك لم يعط لشركة أبل إلا 3 في المائة من السوق العالمية لكمبيوترات سطح المكتب.
الرهان الناجح
الجديد عبر الموسيقى
بعد ذلك، رأى جوبز في السنوات الأولى من القرن الجديد فرصة جديدة. وعلى الرغم من أن كثيرا من شركات تقديم خدمات الموسيقى حاولت الحصول على علامات التسجيل الرئيسية لتقديم نماذج مرخصة من محتواها على الشبكة، فقد كان جوبز قادرا على إقناعها بأن تكنولوجيا أبل سوف تحمي منتجاتها من القرصنة المزمنة التي تؤثر سلبيا على نماذجها العملية. وأصبح جهاز آي بود iPod الصغير، والأنيق، مسيطرا خلال فترة قصيرة على سوق مشغلات الموسيقى المحمولة، بينما حقق جهاز آي تونز iTunes مرتبة أعلى أجهزة الموسيقى الرقمية مبيعا.
كان جهازا آي فون iPhone، وآي باد iPad اللذان تبعا نجاح جهاز آي بود iPod للمزج بين الطراز العالي، والتكنولوجيا الصديقة للمستخدمين، مع الخدمات على الشبكة – حيث برز آب ستور App Store فيما يتعلق بهما – هما اللذان أوجدا التجارب الرقمية التي لم يستطع المنافسون معادلتها.
تم اكتشاف سرطان البنكرياس لدى جوبز في 2004. وقال في خطاب له في العام التالي أمام طلاب جامعة ستانفورد: إن معرفته بتشخيص لمرض قد يقتله عززت لديه فلسفة خاصة كانت ملازمة له منذ أن كان في السابعة عشرة من عمره. ”إن وقتك محدود، فلا تضيعه في عيش حياة شخص آخر. ولا تسمح لضجة آراء الآخرين باستنزاف صوتك الداخلي. والأمر الأكثر أهمية هو أن تكون لديك الشجاعة لكي تتبع ما يقوله لك قلبك، وحدسك”.
عاود المرض جوبز، الأمر الذي أرغمه على الاستقالة من منصبه كرئيس تنفيذي لشركة أبل في النصف الأول من 2009، كما أُجريت له خلال تلك الفترة عملية لزراعة الكبد. وأعلن في أوائل هذا العام أنه سوف يأخذ إجازة أخرى لأسباب صحية. واحتفظ بمنصب الرئيس التنفيذي حتى تنحى في آب (أغسطس)، على الرغم من أنه ظل رئيسا لمجلس إدارة الشركة.
عاد في النهاية إلى العيش مع والدته الأصلية، جوان، والتقى مع أخته الروائية منى سمبسون. وكان على علاقة رومانسية بعدد من النساء الفاتنات، بما في ذلك المغنية الشعبية، جوان بايز، التي كانت في الماضي عشيقة بوب دايلان، الفنان المفضل لدى جوبز. وأنجبت منه صديقه فترة المدرسة، كريس آن، إبنته ليزا. وعلى الرغم من عدم اعترافه مبدئيا بأبوتها، فقد قبلها في النهاية، وأبدى اهتماما قويا بسيرة عملها.
أسرة جوبز من بعده
تزوج في 1991 لورنس باويل، طالبة الماجستير في الأعمال التي التقى بها حين كان يحاضر في كلية ستانفورد للنشاط العملي. وأنجبا ثلاثة أطفال. وظلت بعده على قيد الحياة مع أطفاله الأربعة.
على الرغم من أن جوبز لم يفقد سمعته كمتقن للمهام، ورئيس سريع الغضب، فإن أسلوبه في الإدارة شكّل في النهاية أحد أكثر فرق الإدارة احتراما، وفعالية في صناعة التكنولوجيا. ومضى المديرون الذين استطاعوا تحمل وسائله شديدة التطلب – بمن فيهم خبير العمليات، والرئيس التنفيذي الجديد، تيم كوك، وعملاق التصميم، جوناثان آيف – ليصبحوا أعضاء في الفريق المنسجم الذي ينظر إليه كواحدة من التركات الرئيسية لجوبز في الشركة التي أسسها.
أثناء ذلك، وفي وادي السيليكون، فإن تأثير جوبز يلوح بقوة على جيل جديد يضم 20، أو نحو ذلك، من مؤسسي مشاريع التكنولوجيا.
أجهزة ماك بوكز Macbooks التي تعتبر أمرا شائعا بين المطورين المختلفين، وأجهزة الآي باد التي أصبحت الألواح البيضاء التي تخاط عليها الأحلام الرقمية، والطراز المخطط باتجاه الأسفل الذي أصبح التصميم الجمالي المعتاد لتكنولوجيا المستهلكين، يعود الفضل فيها لرجل كان العبقري الخلاق الذي يتصدر وادي السيليكون.
في ترديده لصدى وجهة نظر تم التعبير عنها على نطاق واسع هذا الأسبوع، كتب ديف مورين الموظف السابق في شركة أبل الذي أصبح من أوائل موظفي فيسبوك، قبل أن ينتقل لإطلاق شركة خدمات الإنترنت الخاصة به، مدونة جاء فيها أن جوبز ”قاد جيلا كاملا من مؤسسي المشاريع لرؤية ما يمكن أن يحدث حين تمزج التصميم، والتكنولوجيا، والتركيز”. وفوق كل شيء، أثنى مورين على المؤسس المشارك لأبل بسبب ”التحرير الذي لا يكل ولا يمل، والتركيز المكثف، والعمل الجاد بالفعل”.
وسط كل الثناء المتدفق من حلفائه السابقين، وخصومه كذلك، فإن ذلك كان تذكيرا بليغا بتأثير جوبز الدائم على الصناعة التي تغير العالم التي ساعد في تأسيسها.
http://www.aleqt.com/2011/11/07/article_596443.html?relatedكان قائدا فريدا من نوعه، حيث كان لديه ميل مبكر باتجاه ثقافة مضادة ظلت ملازمة له طوال حياته، وعاش حياة عملية اعتبرت إحدى أهم السير الذاتية في تاريخ النشاط العملي الحديث. إن شركة أبل التي شارك في إنشائها – والتي كان يعتقد على نطاق واسع أنها متجهة نحو الإفلاس حين عاد إليها بعد عقد من الغياب في 1996 – تفوقت هذا العام لفترة قصيرة على شركة إكسون موبيل كأعلى شركة من حيث القيمة في العالم.
لم يكن جوبز مهندس تأسيس مشاريع ضمن قالب في وادي السيليكون، ولم يؤسس علامته الفارقة كمخترع بالمعنى التقليدي. وبدون خلفية تقنية من خلال التعليم، فقد استعار، وجلب، أو أنه اكتفى بمجرد إشهار كثير من الأفكار المرتبطة بقوة بنجاح شركته. ولم يعادله أحد في عبقريته الخاصة بتصور ما يمكن أن يريده الملايين من المستهلكين في فترة لاحقة من أدواتهم الرقمية – وتوفير الظروف التي يمكن أن تخلق إثارة شديدة إزاء كل تقدم متتال تحققه شركة أبل.
سيرة بدايات عبقري الكمبيوتر
ولد ستيفن باول جوبز في لوس ألتوس بولاية كاليفورنيا عام 1955، حيث كان أبوه أستاذا في العلوم السياسية من أصل سوري، وأمه معالجة نطق أمريكية كانت صديقة لأبيه. وقد تبناه كل من باول وكلارا جوبز اللذين كانا يعملان بجد في مجال الوسائل الحديثة.
خلال المرحلة الثانوية، اشترك، على سبيل الهواية في الإلكترونيات مع صديقه ستيف فوزنياك – وكانت الأداة الأولى التي صنعاها غير قانونية، حيث كانت تعمل على تخفيض نغمة شبكات الهاتف حتى يتمكنا من إجراء مكالمات هاتفية مجانية – غير أن مساره كان محددا تماما.
تسرب جوبز من كلية ريد في ولاية أوريجون، وارتحل في 1974 إلى الهند باحثا عن التنوير الروحي. وقال في إحدى المرات: إن منافسه، رئيس مجلس إدارة مايكروسوفت، بيل جيتس، كان يمكنه الاستفادة من تجارب مشابهة. واحتفظ جوبز بالروح البوهيمية الخاصة بالستينيات طوال حياته، حيث كان يرتدي في العادة لباس فنان مكونا من سترة سوداء ذات رقبة مستديرة، بالإضافة إلى سروال من الجينز.
في وادي السيليكون، اجتذبته مع صديقه فوزنياك، ثقافة الهواة الخاصة بالمهووسين المبكرين بعالم الكمبيوترات الشخصية. وكان فوزنياك هو الذي يظهر الجانب التقني، حيث كان يصمم لوحات دوائر أصبحت نموذجا لرزم أعلى قوة للاتصال بين أجهزة الكمبيوتر ضمن أكفأ مساحة ممكنة – ولكن تطلب الأمر أن يحول جوبز الفكرة إلى منتج، وإلى قاعدة لنشاط عملي. وأوصل جوبز اللوحة الخاصة بجهاز أبل I الذي تم تصميمه في غرفة نوم فوزنياك، إلى متاجر الإلكترونيات الاستهلاكية المحلية، حيث كانت العلب الخشبية لحفظ الآلات إضافة اختيارية.
ظهور شركة أبل
حين تحقق النجاح، سارت الأمور بوتيرة مفاجئة. وحاز أبل II الذي ظهر في 1977، وصممه فوزنياك، ونُظر إليه على نطاق واسع كواحد من اختراقات الاختراع في الفترة الأولى من صناعة الكمبيوترات الشخصية – على اهتمام فوري، الأمر الذي حول مؤسسي الشركة الشابين إلى شخصيتين مشهورتين، على الفور، في مجال النشاطات العملية.
مثّل جوبز ظاهرة جديدة في السبعينيات: رجل أعمال كبطل لثقافة البوب، وشخص معروف، وذو جاذبية ساحرة أشبه بنجوم أفلام السينما. وحين كان في الحادية والعشرين من عمره، تم دفعه في أعين الجمهور على أساس أنه الوجه الخارق للعادة لثقافة تكنولوجية جديدة وعاملة على تحرير مستخدميها.
يقف خلف النجاح المبكر قائد طموح، وزئبقي. وكان المحيطون المقربون من جوبز يعترفون بأنه مصدر للإلهام، والجنون. وكان يمكن أن يبدي غضبه الشديد على مساعديه الذين لم يرتقوا إلى معاييره العالية للغاية. وكان يحقرهم أمام الزملاء. وكان ساعيا إلى الكمال، ولا يأخذ الأغبياء بخفة، كما أصر على أن تكون له كلمة الفصل بخصوص التكنولوجيا، والتصميم، والتسويق، وأي شيء يحمل اسم أبل. وكان مشهورا بأن يعيد إلى مجلس التصميم والرسم الكثير مما أصبح أشهر منتجات هذه المجموعة؛ وذلك لما كان يبدو في بعض الأحيان أصغر عيوب التصميم.
تسبب العرض العام الأولي من جانب شركة أبل، حين كان جوبز في الخامسة والعشرين من عمره، بجعله رجلا غنيا، وحوّل شركة أبل إلى أوضح نجاح يبرز في موجة الشركات المبتدئة، يحصل على السيولة خلال أول طفرة لصناعة الكمبيوترات الشخصية.
التنافس مع ”مايكروسوفت”
غير أنه في 1983، طرحت شركة آي بي إم IBM – التي كانت في ذلك الوقت أكبر شركة صانعة للكمبيوترات في العالم – أول كمبيوتر شخصي خاص بها. وأوجدت العلامة التجارية لـIBM شرعية الكمبيوتر الشخصي في أسواق النشاط العملي، وأسست نظام تشغيل مايكروسوفت كمعيار لهذه الصناعة.
في ذلك العام، طلب جوبز من رئيس بيبسيكو، جون سكللي، ذي سمعة التسويق العبقري، أن يصبح رئيسا لشركة أبل، وأن يساعد في مواجهة تحدي IBM. وفي عرض لمهارات جوبز الإقناعية التي ستدخل تاريخ النشاط العملي، قال له ”إذا بقيت في شركة بيبسي، فإن أقصى ما يمكنك إنجازه بعد خمس سنوات هو بيع كميات أكبر من المياه المحلاة للأطفال. ولكن إذا جئت إلى شركة أبل، فسيكون بإمكانك تغيير العالم”.
ظهر كمبيوتر أبل ماكنتوش في 1984، حيث جلب الأيقونات، وفأرة الكمبيوتر إلى الجمهور على نطاق واسع. وكان الجهاز خفيفا، وبالإمكان تحمل ثمنه، بل وُصِفَ بأنه ”محبوب”؛ إذ إن من المحتمل أن تلك الأوصاف أطلقت للمرة الأولى على جهاز كمبيوتر. غير أن شركة مايكروسوفت سرعان ما قلدت هذه الاختراقات في كمبيوتر ماك، الأمر الذي منع شركة أبل من الاحتفاظ بسيطرتها على الأسواق.
الرحيل ثم العودة إلى ”أبل”
بينما هدأت المعركة، بدأ سكللي يرى أن جوبز ممزق للأمور، وفرض مواجهة أدت إلى استقالة جوبز. غير أنه لا شركة أبل، ولا جوبز، نجحا دون بعضهما البعض.
طورت شركة جوبز الجديدة أي نكست NeXT، جهاز كمبيوتر قويا للغاية – ومرتفع الثمن، حيث كان موجها لسوق التعليم، ولكنه لم يمثل نجاحا. وحقق نجاحا أفضل في مشروع جانبي: مصنع لإنتاج الأفلام يعمل بالكمبيوتر اشتراه في 1986. وحققت الشركة الكثير من النجاحات الهائلة بدء بفيلم الأطفال Toy Story، وعملية شرائه من جانب شركة والت ديزني فيما بعد، حيث أصبح جوبز أكبر مساهم في ذلك التجمع المختص بالتسلية.
فقدت شركة أبل في تلك الأثناء ميزتها التكنولوجية، وفشلت سلسلة من الرؤساء التنفيذيين في عكس اتجاه هذا المد. وبدت النهاية قريبة من الشركة حتى اشترت شركة NeXT في 1986، الأمر الذي أعاد إليها جوبز لكي يصبح ”مستشارا غير رسمي”. واستخدمت برمجية NeXT لتكوين جوهر نظام Mac Os X التشغيلي.
تم تعيين جوبز في ذلك العام كرئيس تنفيذي مؤقت – وهو المنصب الذي أصبح فيما بعد دائما. وشهد أيار (مايو) التالي إطلاق منتج كان إشارة إلى عودة شعلة الابتكار إلى الشركة، أي جهاز كمبيوتر iMac، المكون من قطعة واحدة، بألوان بهيجة ضمن غلاف بلاستيكي منحن. وكان مؤشرا حيا للكيفية التي يمكن أن يمضي بها جوبز لإعادة بناء الشركة بالجمع بين التصميم الساحر، وأحدث ما توصلت إليه التكنولوجيا. ومع نهاية تموز (يوليو)، كانت شركة أبل قد باعت نحو 300 ألفا من هذه الأجهزة.
ربما كانت تلك البداية لما يمكن اعتباره أهم عودة في تاريخ النشاط العملي. ومن خلال إكماله للتحول، مضى جوبز لكي يهز صناعة الكمبيوتر الشخصي التي ساعد على إيجادها من خلال أدوات محمولة عدة – كما أنه كان يرتقي خلال ذلك بصناعة اتصالات الأجهزة المحمولة، وإيجاد أسواق جديدة لوسائل الإعلام الرقمية، والتسلية.
قدم أبل ماك، وبرمجية أبل، مع طابعة الليزر، الأدوات الأساسية لثورة كمبيوتر سطح المكتب الخاصة بالنشر في الثمانينيات. وأصبحت كمبيوترات ماكنتوش الأكثر قوة، وذات شاشات العرض الواسعة، الكمبيوترات الأكثر اختيارا من جانب شركات الرسوم الجرافيكية، والتصميم. غير أن ذلك لم يعط لشركة أبل إلا 3 في المائة من السوق العالمية لكمبيوترات سطح المكتب.
الرهان الناجح
الجديد عبر الموسيقى
بعد ذلك، رأى جوبز في السنوات الأولى من القرن الجديد فرصة جديدة. وعلى الرغم من أن كثيرا من شركات تقديم خدمات الموسيقى حاولت الحصول على علامات التسجيل الرئيسية لتقديم نماذج مرخصة من محتواها على الشبكة، فقد كان جوبز قادرا على إقناعها بأن تكنولوجيا أبل سوف تحمي منتجاتها من القرصنة المزمنة التي تؤثر سلبيا على نماذجها العملية. وأصبح جهاز آي بود iPod الصغير، والأنيق، مسيطرا خلال فترة قصيرة على سوق مشغلات الموسيقى المحمولة، بينما حقق جهاز آي تونز iTunes مرتبة أعلى أجهزة الموسيقى الرقمية مبيعا.
كان جهازا آي فون iPhone، وآي باد iPad اللذان تبعا نجاح جهاز آي بود iPod للمزج بين الطراز العالي، والتكنولوجيا الصديقة للمستخدمين، مع الخدمات على الشبكة – حيث برز آب ستور App Store فيما يتعلق بهما – هما اللذان أوجدا التجارب الرقمية التي لم يستطع المنافسون معادلتها.
تم اكتشاف سرطان البنكرياس لدى جوبز في 2004. وقال في خطاب له في العام التالي أمام طلاب جامعة ستانفورد: إن معرفته بتشخيص لمرض قد يقتله عززت لديه فلسفة خاصة كانت ملازمة له منذ أن كان في السابعة عشرة من عمره. ”إن وقتك محدود، فلا تضيعه في عيش حياة شخص آخر. ولا تسمح لضجة آراء الآخرين باستنزاف صوتك الداخلي. والأمر الأكثر أهمية هو أن تكون لديك الشجاعة لكي تتبع ما يقوله لك قلبك، وحدسك”.
عاود المرض جوبز، الأمر الذي أرغمه على الاستقالة من منصبه كرئيس تنفيذي لشركة أبل في النصف الأول من 2009، كما أُجريت له خلال تلك الفترة عملية لزراعة الكبد. وأعلن في أوائل هذا العام أنه سوف يأخذ إجازة أخرى لأسباب صحية. واحتفظ بمنصب الرئيس التنفيذي حتى تنحى في آب (أغسطس)، على الرغم من أنه ظل رئيسا لمجلس إدارة الشركة.
عاد في النهاية إلى العيش مع والدته الأصلية، جوان، والتقى مع أخته الروائية منى سمبسون. وكان على علاقة رومانسية بعدد من النساء الفاتنات، بما في ذلك المغنية الشعبية، جوان بايز، التي كانت في الماضي عشيقة بوب دايلان، الفنان المفضل لدى جوبز. وأنجبت منه صديقه فترة المدرسة، كريس آن، إبنته ليزا. وعلى الرغم من عدم اعترافه مبدئيا بأبوتها، فقد قبلها في النهاية، وأبدى اهتماما قويا بسيرة عملها.
أسرة جوبز من بعده
تزوج في 1991 لورنس باويل، طالبة الماجستير في الأعمال التي التقى بها حين كان يحاضر في كلية ستانفورد للنشاط العملي. وأنجبا ثلاثة أطفال. وظلت بعده على قيد الحياة مع أطفاله الأربعة.
على الرغم من أن جوبز لم يفقد سمعته كمتقن للمهام، ورئيس سريع الغضب، فإن أسلوبه في الإدارة شكّل في النهاية أحد أكثر فرق الإدارة احتراما، وفعالية في صناعة التكنولوجيا. ومضى المديرون الذين استطاعوا تحمل وسائله شديدة التطلب – بمن فيهم خبير العمليات، والرئيس التنفيذي الجديد، تيم كوك، وعملاق التصميم، جوناثان آيف – ليصبحوا أعضاء في الفريق المنسجم الذي ينظر إليه كواحدة من التركات الرئيسية لجوبز في الشركة التي أسسها.
أثناء ذلك، وفي وادي السيليكون، فإن تأثير جوبز يلوح بقوة على جيل جديد يضم 20، أو نحو ذلك، من مؤسسي مشاريع التكنولوجيا.
أجهزة ماك بوكز Macbooks التي تعتبر أمرا شائعا بين المطورين المختلفين، وأجهزة الآي باد التي أصبحت الألواح البيضاء التي تخاط عليها الأحلام الرقمية، والطراز المخطط باتجاه الأسفل الذي أصبح التصميم الجمالي المعتاد لتكنولوجيا المستهلكين، يعود الفضل فيها لرجل كان العبقري الخلاق الذي يتصدر وادي السيليكون.
في ترديده لصدى وجهة نظر تم التعبير عنها على نطاق واسع هذا الأسبوع، كتب ديف مورين الموظف السابق في شركة أبل الذي أصبح من أوائل موظفي فيسبوك، قبل أن ينتقل لإطلاق شركة خدمات الإنترنت الخاصة به، مدونة جاء فيها أن جوبز ”قاد جيلا كاملا من مؤسسي المشاريع لرؤية ما يمكن أن يحدث حين تمزج التصميم، والتكنولوجيا، والتركيز”. وفوق كل شيء، أثنى مورين على المؤسس المشارك لأبل بسبب ”التحرير الذي لا يكل ولا يمل، والتركيز المكثف، والعمل الجاد بالفعل”.
وسط كل الثناء المتدفق من حلفائه السابقين، وخصومه كذلك، فإن ذلك كان تذكيرا بليغا بتأثير جوبز الدائم على الصناعة التي تغير العالم التي ساعد في تأسيسها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق