الأربعاء، 13 فبراير 2013

كيف يجب تعليم القراءة؟(*)


منذ مدة طويلة والمربون يتجادلون حول أفضل طريقة لتعليم القراءة للأطفال.

ومع ذلك فقد دلت الأبحاث على أن كون طريقة ما ذات شعبية عالية في

هذا الشأن غير كاف لضمان نجاحها فيما إذا استُخْدِمت لوحدها.

ـ ـ ـ ـ


بقليل من الغموض يتذكر معظمنا كيف تعلَّم القراءة، في الوقت الذي لا نستطيع فيه تذكر أي شيء خاص حول تعلّمنا الكلام. ومع أن هاتين المهارتين متصلتان، فإن طرق اكتسابهما تختلف اختلافا بيِّنا. فتعلم الكلام يتم آليا بالنسبة إلى جميع الأطفال تقريبا، ممن نموا في ظروف طبيعية؛ ولكن تعلم القراءة يحتاج إلى تدريس متقن وجهد واع. أنتذكر كيف كان هذا صعبا ذات مرة؟ إن قراءة هذه الصفحة وهي مقلوبة يجب أن تذكرنا بشيء من معاناة طفولتنا المبكرة، عندما كان تعلم قراءة مقطعٍ بسيطٍ عملا شاقا.


ومع إدراكهم للصعوبات التي تعترضهم، فقد كرّس المربون قدرا كبيرا من تفكيرهم حول أفضل طريقة لمساعدة الأطفال على تعلم القراءة. ولكن لم يكتب النجاح في هذا المجال لأي طريقة لوحدها. وفي الواقع، فقد استمر جدل حام حول أفضل أسلوب لتدريس القراءة، في استقطاب مجتمع التعليم. وللمساعدة على صياغة إجماع في هذا المجال، فقد اجتمعنا مؤخرا تحت رعاية الجمعية الأمريكية لعلم النفس The American Psychological Society لمراجعة الأبحاث الكثيرة حول العمليات العقلية التي تشكل أساس القراءة الماهرة، وحول كيف يجب تعليم القراءة. وتشير النتائج بقوة إلى اتجاهات قد تقلق بعض الآباء والأمهات.


لقد جُرّبت ثلاث مقاربات عامة في تعليم القراءة. في واحدة منها تدعى تدريس الكلمة ـ كاملة whole-word instruction (وتعرف أيضا بأنها طريقة انظر ـ اقرأ look-say method) يتعلم الأطفال عن طريق الاستظهار، كيف يتعرفون بلمحة مفردات مؤلفة من 50 إلى 100 كلمة. ثم يكتسبون تدريجيا معرفة كلمات أخرى من خلال رؤيتها مستخدمة مرات ومرات في سياق قصة ما. ("Run, Spot, run" من سلاسل تعليم القراءة Dick and Jane المعروفة جيدا، مثال معهود لجملة معدة لتدريس الكلمة ـ كاملة). ويمكن أيضا استخدام هذا النهج بالضبط لتعلم اللغة الصينية، التي يقابل كل رمز فيها، باللغة المكتوبة، كلمة وجذر كلمة.


في الواقع اتبع الصغار في الصين، خلال نصف القرن الماضي، وصفة مختلفة: فقد عُلِّموا قراءة الكلمات الصينية باستخدام الأبجدية الرومانية، وذلك كخطوة أولى نحو معرفة القراءة والكتابة literacy. وبشكل مماثل، فإن الناطقين بمعظم اللغات يتعلمون العلاقة بين الحروف والأصوات المرتبطة بها (الڤونيمات phonemes)؛ أي يُعلَّم الأطفال كيف يستخدمون معرفتهم بالأبجدية ليلفظوا الكلمات. ويشكل هذا النهج نوعا ثانيا من المقاربة لتعليم القراءة ـ يدعى الطريقة الصوتية phonics المألوفة جدا في تعليم الأطفال في فترة ازدادت فيها المواليد(1)، وبخاصة الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الثانية مباشرة.


إن الصلة بين الحروف والفونيمات تبدو بسيطة بشكل كاف. فمثلا الحرف "b" يلفظ دائما تقريبا بالطريقة نفسها كما في كلمة "bat". ولنأخذ بالاعتبار الحرف الساكت "e" الذي يشير إلى أن الحرف الصوتي الذي يسبقه ذو صوت ممدود كما في الكلمات "pave" و"save" و"gave". ومع أن الحرف الأخير "e" لا يلفظ، فإن دوره في غاية الوضوح. والإنگليزية، على كل حال، فيها الكثير من الشذوذات ـ وعلى سبيل المثال خذ الكلمة "have". وفي الحقيقة، هناك مئات الانحرافات عن النموذج النظامي، ويشمل هذا الكلمات "give" و"said" و"is" و"was" و"were" و"done" و"some". إن مثل هذه الكلمات العويصة problematic words والشائعة في الوقت نفسه، هي من أولى الكلمات التي يتعين على الطفل تعلمها.


ومن الواضح أن نقص المطابقة الكاملة بين الحروف والأصوات هو مصدر للتشويش وعقبة كامنة على طريق القرّاء المبتدئين. ونتيجة لذلك، فقد تبنى العديد من المدارس مقاربة مختلفة وهي طريقة اللغة ـ كاملة the whole - language method (وتدعى أيضا التدريس بالاعتماد على كتابات إنشائية literature - based instruction والقراءة الموجهة guided reading). والاستراتيجية هنا مماثلة لتلك المستخدمة في تدريس الكلمة ـ كاملة، ولكنها تعتمد بشكل أكبر بكثير على تجربة الطفل مع اللغة. وكمثال على هذا، يُعطى التلاميذ كتبا مشوقة، ويشجعون على أن يحزروا الكلمات التي لا يعرفونها عن طريق تأمل سياق الجملة، والتفتيش عن مفاتيح في سطور القصة وشروحاتها، وذلك بدلا من لفظها استنادا إلى حروفها. وغالبا ما تعطى الفرصة للأطفال ليكتبوا قصصا من أنفسهم، في مسعى لغرس محبة الكلمات والقراءة في نفوسهم.


تهدف مقاربة اللغة ـ كاملة the whole - language approach إلى جعل تدريس القراءة ممتعا. وأحد مبادئها الأساسية هو أن قواعد الطريقة الصوتية يجب ألا تعلم مباشرة. وعلى العكس من ذلك، فإن الارتباط بين الحروف والأصوات، يجب أن يعلم بصورة غير مباشرة من خلال الاطلاع على النص. وتشترط هذه المنهجية methodology عدم تصحيح الأخطاء التي يرتكبها الطلبة أثناء قراءتهم الكلمات. والأساس الفلسفي لهذا هو أن تعلم القراءة، مثله مثل تعلم الكلام، هو فعل طبيعي يمكن للأطفال أساسا تعليم أنفسهم كيفية القيام به. وبالطبع فإن مدى نجاح هذا الافتراض عند التطبيق يعتمد على الفرد ذاته.


إن تعلم القراءة يمثل متعة بالنسبة إلى كثير من الأطفال، لكن أطفالا آخرين يكافحون بقوة لتعلمها.


كيف يتعلم المبتدئون القراءة(**)

مع أن العديد من أولياء الأطفال يعتقدون بأن الذكاء الفطري سيحدد مدى إتقان أطفالهم لتعلم القراءة، مهما كان نوع التدريس المستخدم لهذا الغرض، فإن الدلائل توحي بغير ذلك.


لقد أظهرت دراستان منفصلتان أجريتا في الستينات والسبعينات من القرن الماضي أن لحاصل الذكاء IQ، بصورة عامة، تأثيرًا قليلا في القدرة على القراءة المُبكرة. كما وجد الباحثون مؤخرا أن الأطفال الذين لديهم صعوبة في القراءة، غالبا ما يكون حاصل ذكائهم أعلى من المتوسط.


ومن المشجع الاعتقاد بأن الفروق في القدرة على القراءة المبكرة تزول مع الزمن، ولكن هذا فهم خاطئ. وكمثال على ذلك بيّن<E.K.ستانوڤيتش> [من جامعة تورونتو] أن مدى براعة الأطفال في القراءة في الصف الأول تعطي عادة مؤشرا جيدا إلى مقدار حذقهم في تعلمها بالصف الحادي عشر. وسبب ذلك هو أن القراءة تحتاج إلى ممارسة، وهؤلاء الذين يتفوقون فيها هم الأكثر ممارسة لها. لذا فإن الفجوة بين الأكثر والأقل قدرة على القراءة في الصفوف الأولى تزداد عموما، مع الزمن.


من الواضح أن تعليم الأطفال وهم في سن مبكرة القراءة الجيدة يساعد على تنمية عادة قيِّمة تستمر مدى الحياة؛ لذا فليس غريبا أن يركز المربون تركيزا كبيرا على إيجاد أفضل طريقة لتعليم هذه المهارة. وفي فترة ما تركز قدر كبير من الجدل في الدوائر التربوية حول ما إذا كان التدريس بطريقة الكلمة ـ كاملة وبالطريقة الصوتية هو الأكثر فعالية. ولكن على امتداد العقد الماضي، وما يقرب من ذلك، دار الجدل حول المزايا النسبية للطريقة الصوتية وطريقة اللغة ـ كاملة، التي هي خليفة طريقة الكلمة ـ كاملة.


مع أن كثيرا من الآباء والأمهات يعتقدون بأن الذكاء الفطري لدى أبنائهم

سيتحكم في درجة إتقان هؤلاء تعلم القراءة، فإن الدلائل توحي بغير ذلك.

كثير من المعلمين تبنوا مقاربة اللغة ـ كاملة بسبب جاذبيتها الحدسية. وعلى كل حال فإن جعل القراءة ممتعة يبشر بإبقاء الأطفال متحفزين، وتعلم القراءة يعتمد على ما يفعله التلميذ أكثر من اعتماده على ما يفعله المعلم. ولكن إمكانية إبقاء الأطفال مهتمين ليست كافية بحد ذاتها، لإقناع المعلمين باستخدام طريقة اللغة ـ كاملة. وما كان مقبولا بالفعل هو فلسفة تربوية مكَّنت المعلمين من إعداد المناهج الخاصة بهم وشجعتهم على معاملة الأطفال كمشاركين ناشطين، وقد جرى تشجيع هذه التركيبة المغرية بحماس من قبل بعض المربين المشهورين. والفوائد المفترضة لطريقة اللغة ـ كاملة وفتور الطريقة الصوتية ـ أدت إلى قبولها على امتداد أمريكا في التسعينات من القرن الماضي.


فمثلا في ماساتشوستس أصبحت مقاربة اللغة ـ كاملة هي تقريبا طريقة التدريس الرسمية في الولاية مع إقرار قانون الإصلاح التربوي لعام 1993 Massachusetts Education act of 1993. لقد غيّر هذا التشريع ما كان معهودا من تدخلٍ ضئيل للولاية في المنهاج المدرسي. ووعد القانون بأن يُزاد تمويل الولاية للتعليم الرسمي(2)؛ ومقابل ذلك، جرت مطالبة الأنظمة المدرسية المحلية بالتزام المعايير الجديدة للولاية.


تعليم القراءة/ نظرة إجمالية(***)

▪ إن تعلم القراءة هو خطوة حاسمة في تعليم الأطفال، لأنه من غير المحتمل لأولئك الذين يخفقون في السنوات المبكرة من دراستهم، أن يلحقوا بالأكثر مهارة من رفاق صفهم، حتى بعد سنوات من متابعة الدراسة في المدرسة.
▪ وخلال التسعينات من القرن العشرين تخلى كثير من المعلمين في أمريكا عن الطريقة التقليدية (الطريقة الصوتية phonics) لتعليم القراءة: تعليم الأطفال بشكل مباشر التوافقات بين الأصوات الملفوظة والحروف التي تمثلها. وبدلا من ذلك فإن معلمي المدارس الابتدائية استخدموا مختلف طرائق اللغة ـ كاملة whole-language التي يتعلم بها التلاميذ الصلات بين الحروف والأصوات عرضيا أثناء ممارستهم أنشطة تعتمد على كتابات إنشائية literature-based activities.
▪ وقد أظهر تقويم فعالية الطريقتين أن الأطفال يصبحون قُرّاءً ماهرين بسرعة أكبر بكثير عندما يتضمن تدريسهم استخدام الطريقة الصوتية. وتساعد الأبحاث الحديثة في علم النفس واللغويات psychology and linguistics على توضيح سبب ذلك.


وعلى الرغم من الضعف السابق للتحكم المركزي، فإن مناهج القراءة في مدارس ماساتشوستس العامة كانت إلى حد ما، متماثلة ـ وليس من الصعب معرفة سبب ذلك. وكما هي الحال في أمكنة أخرى، فقد درس المعلمون والإداريون المقررات الدراسية نفسها في العدد القليل نفسه من الجامعات، كما حضروا ورشات العمل نفسها واشتروا الكتب المدرسية نفسها واستجابوا للنمط التربوي نفسه. لهذا السبب، فإن أعضاء لجنة المعلمين التي كلفتها حكومة الولاية صياغة بيان حول كيف يجب أن تعلم القراءة، كانوا متأثرين إلى حد كبير بمقاربة اللغة ـ كاملة. ومن الطبيعي جدا أن تُلقي الوثيقة التي أعدوها ضوءا قويا على فكرة أن الأطفال يمكنهم تعلم القراءة بالطريقة نفسها التي تعلموا بها الكلام. لقد طرحت هذه الوثيقة رؤية تعزو هذه السيرورة إلى الفضول والحماس وحدهما، وبدت موثوقة بسبب الدعم الذي تدّعي تلقيه من الأبحاث في مجال تعلّم الأطفال للقراءة.


ومن قبيل المصادفة، فإن ماساتشوستس هي منطلق معظم الأبحاث في اللغويات و«علم نفس القراءة»(3)، وذلك من معهد ماساتشوستس للتقانة MIT ومن جامعة ماساتشوستس بأمهرست. وبعد أن صار محتوى وثيقة المنهاج المقترح معروفا، ردّ عدد من علماء هذا المعهد وهذه الجامعة (بمن فيهم اثنان منا) بقوة عليها. فقد وقَّع عشرات من علماء اللغويات وعلماء النفس على رسالة يعترضون فيها على جزم الوثيقة بأن الأبحاث تدعم تدريس اللغة ـ كاملة. وأُرسلت الرسالة إلى مفوض التعليم في الولاية الذي اهتم بها أخيرا، بحيث أُجريت بعض التصحيحات، وعكست معايير الولاية النتائج الفعلية للأبحاث.


من المعتاد في تدريس اللغة ـ كاملة قيامُ الأطفال بالقراءة سوية في كتب كبيرة الصفحات. وهذه المقاربة تشدد على إشراك الكتابات الإنشائية في العملية، كما تحفز الأطفال على القراءة عن طريق جعلها متعة.


وبالمصادفة فقد حدث هذا الأمر مع تزايد حدة الجدل في ولايات أخرى (أبرزها كاليفورنيا وتكساس) حول كيفية تعليم القراءة، وغالبا ما كانت أطراف النزاع منقسمة وفق اتجاهاتهم السياسية؛ فالمحافظون يؤيدون الطريقة الصوتية والأحرار يفضلون تدريس اللغة ـ كاملة. وبالتالي فقد جذب الجدل في ماساتشوستس اهتماما وطنيا. وبصورة خاصة، فقد كوّنت نشرات المحافظين الإخبارية ومواقعهم على شبكة الويب Web، شهرة واسعة لرسالة الباحثين ـ ومما يدعو إلى التهكم في هذا الصدد أن قائمة الأساتذة الذين وقعوا على هذه الرسالة ضمت أسماء عدد من اليساريين المعروفين جيدا.


لماذا الطريقة الصوتية؟(****)

لماذا يعارض بشدة كثير من علماء اللغة وعلماء النفس التخلي عن الطريقة الصوتية؟ باختصار، لأن الأبحاث برهنت بوضوح على أن فهم كيفية ارتباط الحروف بالأصوات المركبة للكلمات لها أهمية حاسمة في القراءة. إن مراجعتنا الأخيرة للموضوع أظهرت أنه لا يوجد شك حول هذه النتيجة: التعليم الذي يجعل قواعد القراءة الصوتية واضحة سيكون في نهاية المطاف أكثر نجاحا من التعليم الذي لا يأخذ بذلك. ومع قبولنا أن بعض الأطفال يمكنهم أن يستدلوا على هذه القواعد بالاعتماد على أنفسهم، فإن معظمهم يحتاج إلى تدريس واضح بالطريقة الصوتية، وإلا فإن مهاراتهم في القراءة ستعاني الكثير.


كيفية التعليم بالطريقة الصوتية(*****)

عند التعليم بالطريقة الصوتية، يعرض المدرسون على التلاميذ تهجئات ألفاظ مختلفة بترتيب محدد، مبرزين النماذج البالغة البساطة (أو البالغة الفائدة) قبل غيرها. ثم يدربون تلاميذهم على هذه النماذج. ويشاهد في الأسفل 20 نموذجا معروضة على طلبة الصف الأول من أصل ال120 نموذجا وما يقرب من ذلك، الموجودة في برنامج حديث للطريقة الصوتية يدعى ساحة القراءة المفتوحة Open Court Reading من إنتاج SRA/ ماك گروهيل SRA/McGraw - Hill. إن اختيار نظام منشور آخر للتدريس بالطريقة الصوتية يوفر للتلاميذ مدى وتسلسلا مختلفين نوعا ما، ولكن الاستراتيجية العامة للتدريس ستكون نفسها.
وبعض المعلمين يفضلون الاستغناء عن مثل هذه البرامج الجاهزة وابتداع الدروس وفق الطريقة الصوتية بالاعتماد على أنفسهم. إن القيام بهذا ليس سهلا؛ لأنه يتعين عليهم عندئذ اتخاذ الكثير من القرارات في هذا الشأن. هل يجب تعليم قواعد جميع طرق تهجئة كل من 40 لفظا مختلفا تقريبا [فونيمات] في الإنگليزية الأمريكية؟ من أجل "a" الممدودة لوحدها، هناك ثمانية نماذج تهجئة كما هو في "make" و"rain" و"say" و"they" و"baby" و"eight" و"vein" و"great". وهل تحتاج جميع الفونيمات إلى تركيز الانتباه؟ فمثلا، هل يحتاج كلا الصوتين الممدودين vowel sounds في كلمتي "book" و"moon" إلى أن يُعلّما؟
مع أن بعض المعلمين يستطعيون الإجابة عن هذه الأسئلة وابتداع دروس وفق الطريقة الصوتية بحيث يكون لها من جميع الوجوه القدر نفسه من الفعالية التي للدروس المقدمة في برنامج منشور، فإن ذلك يتطلب منهم، على الأغلب، صرف الكثير من وقتهم للقيام بهذه المهمة. أما مدى الحرية التي يجب إعطاؤها للمدرسين بالطريقة الصوتية، وإلى أي حد يمكنهم استخدام المرونة بفعالية، فتبقى نقاطا محل جدل في بعض المناطق التعليمية.



وتستند هذه النتيجة جزئيا إلى معرفة كيف يتمكن القراء ذوو الخبرة من إدراك معاني كلمات مكتوبة ـ وهو فهم طوره علماء النفس على مدى عقود. ومن أوائل الباحثين الذين تقصوا طبيعة القراءة كان<M.J .كاتّل>، وهو عالم نفس أمريكي من العصر الڤيكتوري. فقد أجرى تجربة رائدة لاختبار فيما إذا كان القراء البارعون يستوعبون الكلمات حرفا حرفا ودفعة واحدة، عرض فيها، لفترة وجيزة، على الأشخاص الخاضعين للتجربة كلمات كاملة وحروفا مفردة، وسألهم عما شاهدوه. وقد وجد أنهم كانوا أكثر قدرة على قراءة الكلمات من قدرتهم على قراءة الحروف. وهكذا اتضح له أن الناس لا يستوعبون الكلمات المطبوعة حرفا حرفا. (وقد ساعدت هذه النتائج على تحفيز ابتداع طريقة الكلمة ـ كاملة فيما بعد). وقد صقلت الأبحاث التي أُجريت أخيرا معرفتنا بهذه الظاهرة. وكمثال على ذلك فإن الدراسات التي تتبع حركات العين أثناء القراءة تظهر أنه، مع أن الناس يسجلون كل حرف في كلمة كرمز منفصل، فإنهم عادة يدركون في آن معا جميع الحروف في هذه الكلمة.


أما التساؤل، حول ما إذا كان القراء البارعون ينطقون ذهنيا الكلمات، فقد تطلب وقتا أطول للإجابة عنه. فالمدافعون عن تدريس اللغة ـ كاملة حاولوا البرهنة، على مدى أكثر من عشرين عاما، على أن الناس غالبا ما يستنتجون المعاني مباشرة من الكلمات المطبوعة، دوما من دون تحديد لفظ كل كلمة من هذه الكلمات. وفي الوقت الحاضر، يقبل بعض علماء النفس وجهة النظر هذه، ولكن معظمهم يعتقد أن القراءة هي عملية نطق ذهني سريع للكلمات، حتى بالنسبة إلى القراء الماهرين جدا.


ويجيء الدليل الأكثر إقناعا لحسم هذا الخلاف من التجارب الذكية التي أجراها <V.G.أوردن> [من جامعة أريزونا الحكومية] حيث كان الشخص الخاضع للتجربة يُسأل أولا سؤالا مثل: هل هي زهرة؟ "Is it a flower?". ثم تُعرض عليه الكلمة المقصودة (مثلا، ""rose) ويُسأل عما إذا كانت الكلمة تلائم الصنف المقصود. في بعض الأحيان يُعطى الخاضع للتجربة كلمة تُلفظ بالطريقة نفسها التي تُلفظ بها الإجابة الصحيحة عن السؤال (تدعى هوموفونة homophone ـ لنقل "rows" بدلا من "rose"). وفي الغالب يتعرف الخاضعون للتجربة مثل هذه الكلمات خطأ على أنها تلائم الصنف المحدد، وتبين الإجابات الخاطئة أن القراء يحوِّلون بشكل روتيني مجموعات الحروف إلى أصوات (أو على الأصح إلى مماثلاتها الذهنية غير المنطوقة)، التي يستعملونها عندئذ للتحقق من المعاني.


إن بطاقات الألفباء والكتب التي تركز الانتباه على أصوات مختارة هي من جملة الأدوات التي يستخدمها
المعلمون لمساعدة الأطفال على تعلم التوافقات بين الحروف والأصوات.


لقد استخدمت بعض دراسات حركة العين الهوموفونات للبرهان على أن عملية نطق الكلمات ذهنيا تبدأ بسرعة بعد أن يحدّق القارئ نظره أولا في كلمة معينة. وتُظهر الدراسات الأخيرة للدماغ أن القشرة الدماغية المحركة الأولية(4) تنشط أثناء القراءة، ولعل سبب ذلك هو ارتباطها بحركات الفم أثناء القراءة الجهرية.


ونتيجة لذلك يعرف علماءُ النفس الآن أن عملية نطق الكلمات ذهنيا هي جزء مكمل من القراءة الصامتة، حتى عند الماهرين جدا. ويوحي هذا الفهم بأن تعلم التقابلات بين الحروف والأصوات ـ وهو ما يدعى الطريقة الصوتية phonics ـ مهم بشكل قاطع للمبتدئين. ويجيء مزيد من الدعم للتدريس بالطريقة الصوتية من تجارب أعدت لمحاكاة كيف يتعلم الناس القراءة.


فمثلا، قام الباحثون بتدريب عدد من طلبة الجامعة، ممن يتكلمون اللغة الإنگليزية، على القراءة مستخدمين رموزا غير مألوفة، مثل الحروف العربية. فمجموعة منهم تعلمت الفونيمات المرتبطة بالحروف العربية مفردة (مقاربة بالطريقة الصوتية)، في حين تعلمت مجموعة أخرى كلمات تامة مرتبطة بمجموعات معينة من الحروف العربية (طريقة الكلمة ـ كاملة). ثم طلب إلى كلتا المجموعتين قراءة مجموعة جديدة من الكلمات مركبة من الحروف الأصلية. وقد تبين بصورة عامة، أن القرّاء الذين تعلموا قواعد القراءة الصوتية استطاعوا أن يقرؤوا كلمات جديدة، أكثر بكثير من أولئك الذين تدربوا على القراءة بطريقة الكلمة ـ كاملة. كما تدل الأبحاث التي تستخدم برامج حاسوبية تحاكي كيف يقرأ الأطفال، على أن إتقان الطريقة الصوتية أسهل من تعلم ربط الكلمات الكاملة بمعانيها.


كذلك فإن الدراسات الصفية، التي قارنت الطريقة الصوتية بأي من طريقة تدريس الكلمة ـ كاملة وطريقة تدريس اللغة ـ كاملة، توضح تماما هذا الأمر. لقد قامت المرحومة <S.J.تشال> [من جامعة هارڤارد] بمراجعة شاملة لهذه الدراسات، وذلك كما فعلت لاحقا <J.M.آدمز> التي كانت مرتبطة بهارڤارد أيضا. وباختصار، تظهر مراجعاتهما، ومراجعاتنا أيضا، أن التدريس المنهجي بالطريقة الصوتية يحقق تحصيلا أعلى لدى القراء المبتدئين؛ وقد تبين أن الفروق أعظم ما تكون بين التلاميذ الذين هم في خطر من الفشل في تعلم القراءة، مثل أولئك الذين يعيشون في أوساط لا يشدد فيها على أهمية تعلم القراءة والكتابة.


تدعم الدراسات الحكومية بالولايات المتحدة الأمريكية

تعليم القراءة بالطريقة الصوتية(******)

عنوان الدراسة
المؤسسة التي قامت بالدراسة
مجال الدراسة
خلاصة البيان حول نتائج الدراسة
تجنب صعوبات القراءة لدى الأولاد الصغار
الأكاديمية الوطنية للعلوم/ المجلس الوطني للأبحاث العلمية (مدعوم من قبل وزارة التربية والتعليم)؛ 1998
مراجعة للأدبيات غطت 700 بحث منشور
«إن الفشل في الإحاطة بأن التهجئات تمثل بانتظام أصوات كلمات منطوقة، يجعل من الصعب على الطفل ليس فقط تعرف كلمات مطبوعة وإنما أيضا لفهم كيف يتعلم وكيف يستفيد من التعليم. فإذا لم يستطع الطفل الاعتماد على المبدأ الأبجدي(5)، فإن تعرف الكلمات سيكون غير دقيق وشاقا، وسيعرقل ذلك أيضا إدراك النص الذي يحوي هذه الكلمات
تعليم القراءة للأطفال: تقويم مؤسس على الشواهد للأبحاث العلمية المنشورة حول القراءة ومضامينها من أجل تعليم القراءة
حلقة القراءة الوطنية [دعا إلى عقدها المعهد الوطني لصحة الطفل والتنمية البشرية، بالتشاور مع وزير التربية والتعليم] عام 2000
يتضمن تحليلات منهجية ل38 دراسة مضبوطة لتعليم القراءة بالطريقة الصوتية نشرت عام 1970
إن الدراسة التحليلية لنتائج الأبحاث في هذا المجال تشير إلى أن التطبيق المنتظم للطريقة الصوتية في تعليم الأطفال القراءة يعزز نجاح هؤلاء الأطفال في تعلم القراءة، كما أن التطبيق المنتظم لهذه الطريقة أكثر فاعلية من أي تعليم لا يستخدمها إلا قليلا


لقد أجريت دراسة مقنعة على وجه خاص عام 1985. فقد قامت<A.M .إيڤانس> [من جامعة گِلف في كندا] و<H.T.كار> [من جامعة ميتشيگان الحكومية] بمقارنة برنامجين مستخدَمين في 20 من قاعات الصف الأول. وقد جرى تدريس القراءة لنصف عدد التلاميذ بالطريقة المعهودة، التي اشتملت على استخدام قارئات أُعدت خصيصا وتدريبات وتطبيقات على الطريقة الصوتية، وجرى تدريس نصف العدد الآخر منهم باستخدام طريقة فردية مستقاة من تجاربهم مع اللغة. وقد أعدّ هؤلاء الأطفال كراسات القصص الخاصة بهم وطوروا مجموعات من الكلمات ليتم تعرّفها، (عناصر شائعة في مقاربة اللغة ـ كاملة). وقد استغرقت المجموعتان الوقت نفسه في القراءة، وكانت لهما ملامح اجتماعية ـ اقتصادية متماثلة، وكانتا متطابقتين عمليا في قياسات الذكاء والنضج اللغوي. ومع ذلك وجدت هذه الدراسة أيضا أن المجموعة الأولى حصلت في نهاية العام على درجات أعلى في اختبارات القراءة والفهم.


إن البرامج الحاسوبية التي تحاكي الكيفية التي يقرأ بها الأطفال، تشير إلى أن تعلم القراءة بالطريقة الصوتية هو أسهل من تعلمها عن طريق الربط بين الكلمات ـ كاملة ومعانيها.

إن الاستقصاءات الأكثر حداثة (أي «التقويم الرسمي»(6) من قبل حلقة القراءة الوطنية National Reading Panel ومجلس الأبحاث الوطني National Research Council) وبعد تفحصها جميع الدراسات المتوافرة، تؤكد هذه النتائج. ونظرا لتأثرها بمثل هذه البيانات، فإن إدارة بوش تقوم حاليا بتشجيع إدخال الطريقة الصوتية في برامج القراءة في جميع أرجاء الولايات المتحدة الأمريكية.


توازن دقيق(*******)

إذا كان الباحثون مقتنعين إلى هذا الحد بالحاجة إلى التدريس بالطريقة الصوتية، فلماذا يستمر الجدل؟ لأن الخلاف وقع في شرك الاختلافات الفلسفية بين المقاربات التقليدية والتقدمية، وهي الاختلافات التي فرقت المربين الأمريكيين لسنوات. فالتقدميون يتحدّون نتائج الاختبارات التي تُجرى في المختبرات والدراسات التي تجرى في قاعة الصف على أساس شك فلسفي واسع بقيمة مثل هذه الأبحاث. وهم يدافعون عن تعلم متمركز على التلميذ وعن السلطة المخولة للمعلم. وللأسف فإنهم يخفقون في إدراك أن هذه القيم التربوية الرائعة هي بالمثل متوافقة مع التعليم بالطريقة الصوتية.


أخطاء التهجئة عندما يستخدم الأطفال الأقلام في بداية تعلمهم للقراءة. والملتزمون في تعليم الأطفال بطريقة اللغة ـ كاملة للقراءة ينحون إلى التسامح فيما يتعلق بالتهجئات المخترعة، حيث يتركز اهتمامهم بشكل عام على المعنى الذي يعطيه التلميذ للكلمات.


إذا أصرت كليات التربية على أن يتعلم معلمو المستقبل شيئا ما حول الأبحاث الكثيرة في اللغويات وعلم النفس التي تتصل بالقراءة، وإذا تضمنت برامج هذه المؤسسات بانتظام مقررا دراسيا حديثا عالي الجودة حول الطريقة الصوتية، فإن المتخرجين في هذه الكليات سيكونون أكثر ميلا لاستخدام الطريقة الصوتية، وسيكونون مؤهلين تأهيلا فعّالا للقيام بذلك. ولن يتعين عليهم اتباع برامج مكتوبة والاعتماد على دفاتر عمل وفق صيغ محددة، ويمكنهم السماح لتلاميذهم بتطبيق مبادئ طريقة القراءة الصوتية وهم يقرؤون للمتعة. وإن استخدام أنشطة اللغة ـ كاملة لتكمل التدريس بالطريقة الصوتية يساعد بالتأكيد على جعل القراءة ممتعة وذات مغزى بالنسبة إلى الأطفال، لذلك لا أحد يرغب في رؤية مثل هذه الوسائل مطروحة جانبا. وفي الحقيقة، دلت الأبحاث الأخيرة ـ كما اكتشف العديد من المعلمين ـ على أن الجمع بين التدريس بالاعتماد على كتابات إنشائية والطريقة الصوتية أكثر فعالية من أي من الطريقتين إذا استخدمت لوحدها.


ومن الواضح أن المعلمين يسعون إلى التوصل إلى توازن. ولكن في سعيهم هذا نلح عليهم ألا ينسوا أن القراءة يجب أن تكون مبنية على فهم ثابت للارتباطات بين الحروف والأصوات. وعلى المدرسين أن يدركوا الدلائل الوافرة على أن الأطفال الذين يُعلّمون مباشرة بالطريقة الصوتية، يصبحون أفضل في القراءة والتهجئة والفهم من أولئك الذين يجب عليهم أن يستخلصوا بأنفسهم جميع قواعد الإنگليزية المربكة. والمعلمون الذين ينكرون هذه الحقيقة يهملون عقودا من البحث ويهملون أيضا حاجات تلاميذهم.




المؤلفون

Keith Rayner - Barbara R. Foorman - Charles A. Perfetti - David Pesetsky and Mark S. Seidenberg

تعاونوا معا على إعداد ورقة مسحيّة حول تعليم القراءة لعدد الشهر 11/2001 من مجلة العلوم النفسية في خدمة المصلحة العامة Psychological Science in The Public Interest [انظر: مراجع للاستزادة في الصفحة 91]. راينر، أستاذ علم النفس في جامعة ماساتشوستس بأمهرست، وهو حاليا في إجازة علمية بإنگلترا. فورمان أستاذة طب الأطفال في جامعة تكساس ـ مركز علم الصحة في هيوستن حيث تدير المركز «من أجل المهارات الأكاديمية ومهارات القراءة». پرفتي أستاذ علم النفس واللغويات في جامعة پتسبرگ، حيث يعمل مديرا مشاركا لمركز بحوث التعلم والنمو. پيستسكي هو
، أستاذ اللغويات في معهد ماساتشوستس للتقانة. أما سيدنبرگ فهو أستاذ علم النفس في جامعة ويسكنسن ـ ماديسون.




مراجع للاستزادة

Beginning to Read: Thinking and Learning about Print. Marilyn J. Adams. MIT Press, 1990.

Learning to Read: The Great Debate. Jeanne S. Chall. Harcourt Brace, 1996.

Preventing Reading Difficulties in Young Children. Edited by C. E. Snow et al. National Academy Press, 1998.

Available at books.nap.edu/books/030906418X/html/index.html

Teaching Children to Read: An Evidence-Based Assessment of the Scientific Research Literature on Reading and Its Implications for Reading Instruction. National Reading Panel. National Institute

of Child Health and Human Development, 2000. Available at


How Psychological Science Informs the Teaching of Reading. Keith Rayner, Barbara R. Foorman, Charles A. Perfetti, David Pesetsky and Mark S. Seidenberg in Psychological Science in the Public Interest, Vol. 2, No. 2, pages 31-74; November 2001. Available at www.psychologicalscience.org/newsresearch/publicationsljournals/ pspi2 2.html

Scientific American, March 2000




(*) HOW SHOULD READING BE TAUGHT?

(**) How Beginners Learn to Read

(***) Overview/ Teaching Reading

(****) How Phonics is Taught

(*****) Why Phonics?

(******) U.S. Government Studies Supporting Phonics Instruction

(*******) A Delicate Balance




(1) baby boomers

(2) public education والتعليم الحكومي.

(3) psychology of reading علم النفس فيما يخص القراءة.

(4)the primary motor cortex

(5)alphabetic principle

(6)authoritative evaluation

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق