كتبهابلال عبد الهادي ، في 26 نيسان 2011 الساعة: 20:13 م
بسم الله الرحمن الرحيم
عونك اللهم وعفوك
الحمد لله الذي قهر العباد بالموت، ونادى بالفناء في فنائهم فانهل في كل بقعة صوب ذلك الصوت، واسمع كل حي نسخة وجوده فلم يخل أحدهم من فوت، نحمده على نسمه التي جعلت بصائرنا تجول في مرآة العبر، وتقف بمشاهدة الآثار على أحوال من غبر، وتعلم بمن تقدم أن من تأخر يشاركه في العدم كما اشترك في الرفع المبتدأ والخبر، ونشكره على مننه التي جلت لما جلت الضراء بمواقعها، وحلت عن وجوه حسانها بإحسانها معاقد براقعها، وحلت غمائم جودها على رياض عقولنا فاضحت كأن صغرى وكبرى من فواقعها.ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة تقر له بالبقاء السرمد، وتجرد من التوحيد سيوفاً لم تزل في مفارق أهل الشرك تغمد، وتبعث لنا في ظلمات اللحود أنواراً لا تخبو أشعتها ولا تخمد، ونشهد أن محمداً يدنا عبده ورسوله الذي أنذر به القوم اللد، ونصره بالرعب فقام له قام المثقفة الملد، وأنزل عليه في محكم كتابه العزيز: وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد (21 : 34) صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الذين خفقت بهم عذبات الإسلام، ونشرت أعلام علمهم حتى استبانت للهدى أعلام، واتضحت بهم غرر الزمن حتى انقضت مددهم فكأنها وكأنهم أحلام، صلاة لا تغيب من سماء روضها مجرة نهرة، ولا تسقط من أنامل غصونها خواتم زهر، ما راح طائر كل حي وهو على حياض المون حايم، وأشبهت الحياة وإن طال أمدها حلم نايم، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين وبعد فلما كانت هذه الأمة المرحومة، والملة التي أمست أخبارها بمسك الظلام على كافور الصباح مرقومة، خير أمة أخرجت للناس، وأشرف ملة أبطل فضلها المنصوص من غيرها قواعد القياس، علماؤها كأنبياء بني اسرائيل، وامراؤها كملوك فارس في التنويه والتنويل، وفضلاؤها آربوا على حكماء الهند واليونان في التعليم والتعليل، كم فيهم من فرد جمع المفاخر، وكاثرت مناقبه البحور الزواخر، وغدا في الأوائل وهو أمام فات سوابق الأواخر.
إذا قال لم يترك مـقـالا لـقـائل | بملتمات لا يرى بينهـا فـصـلا | |
كفى وشفى ما في النفوس فلم يدع | لذي أربة في القول جداً ولا هزلا |
من كل من ضاق الفضاء بجيشه | حتى ثوى فخواه لحـد ضـيق |
جمع المؤرخون رحمهم الله تعالى أخبار تلك الأحبار ونظموا سلوك تلك المولك واحرزوا عقود تلك العقول، وصانوا فصوص تلك الفصول، فوقفت على تواريخ ماتت أخبارها في جلدها، ودخلت بتسطيرها الذي لا يبلى جنة خلدها.
ورأيت كلا ما يعلل نفسه | بتلعة وإلى الممات يصير |
وما نحن إلا مثلهم غـير أنـهـم | مضوا قبلنا قدما ونحن على الأثر |
لولا أحـاديث أبـقـهـا أوايلـنـا | من الندى والردى لم يعرف السمر |
إذا عرف الإنسان أخبار من مضـى | توهمته قد عاش في أول الـدهـر | |
وتحسبه قـد عـاش آخـر دهـره | إلى الحشران أبقى الجميل من الذكر | |
فقد عاش كل الدهر من كان عالمـا | كريماً حليماً فاغتم أطول العـمـر |
طواه الردى طي الرداء وغيبت | فواضله عن قومه وفضائلـه |
ذكر الفتى عمره الثاني وحاجته | ما فاته وفضول العيش أشغال |
قال الخليل بن أحمد رحمه الله تعالى لا يصل أحد من النحو إلى ما يحتاج إليه إلا بعد معرفة ما لا يحتاج إليه. قلت فقد صار ما لا يحتاج إليه محتاجاً إليه لأن المتوقف وجوده على وجود شيء آخر متوقف على وجود ذلك الشيء وهكذا كل علم لا يبلغ الإنسان اتقانه إلا بعد تحصيل ما لم يفتقر إليه. فقد اذكر في كتابي هذا من لا له مزية، وجعلت أصبع القلم من ذكره تحت رزة رزية، غير أن له مجرد رواية، عن المعارف منفردة، ولم تكن له دراية حمايها على غصون النقل مغردة.
والأيك مشتبهات في منابتهـا | وإنما يقع التفضيل في الثمر |
ويبقى ضعف ما قد قيل فيه | إذا لم يترك أحد مـقـالا |
لا خير في حشو الكـلا | م إذا اهتديت إلى عيونه |
وقد قدمت قبل ذلك مقمة فيها فصول فويادها مهمة، وقواعدها يملك الفاضل بها من الاتقان أزمة، تتنوع الإقادة فيها كما تنوع الأعراب في كم عمة، وينال بها المتأدب ما ناله أبو مسلم من الحزم وعلو الهمة، ويهيم بها فكره كما هام بمية ذو الرمة ويبدو له من محاسنها ما بدا من جمال ريا للصمة، ثم إني أعقد لكل اسم بابا ينقسم إلى فصول بعدد حروف المعجم تتعلق الحروف في الفصول بأوايل أسماء الآباء، لتنزل كل واحد في موضعه، ويشرق كل نجم في هذا الأفق من مطلعه، فلا يعدو أحدهم مكانه، ولا يرفع هذا تمسك تنسك ولا يخفض ذاك جناية خيانة، ولا يتأخر هذا لمهابط مهانة، ولا يتقدم ذاك لمكارم مكانة، وقد سميته الوافي بالوفيات ومن الله تعالى اطلب الإغاثة بالأعانة، واستمد منه التوفيق لطريق الإنابة والأبانة، واستعينه على زمان غلبت فيه الزمانة، لا رب غيره ينول العبد مناه وأمانة، ولا إليه إلا هو سبحانه، هو حسبي ونعم الوكيل.
المقدمة
وفيها فصول الأول كانت العرب تورخ في بني كنانة من موت كعب بن لؤي فلما كان عام الفيل أرخت منه وكانت المدة بينهما مئة وعشرين سنة. قال صاحب الأغاني أبو الفرج، أنه لما مات الوليد بن المغيرة بن عبد الله بن عمرو بن مخزوم أرخت قريش بوفاته مدة لأعظامها إياه حتى إذا كان عام الفيل جعلوه تاريخاً هكذا ذكره ابن داب . وأما الزبير بن بكار فذكر أنها كانت تؤرخ بوفاة هشام بن المغيرة تسع سنين الى ان كانت السنة التي بنوا فيها الكعبة فارخوا بها انتهى. وارخ بنة اسماعيل عليه السلام من نار ابراهيم علبه السلام إلى بنائه البيت الى تفّرق معد ومن تفرق معّد الى موت كعب بن لؤيّ ومن عادة الناس ان يؤرخوا بالواقع المشهور والأمر العظيم فأرخ بعض العرب بعام عادة الحتان لشهرته قال النابغة الجعديفمن يك سائل أعني فـإنـي | من الفتيان أيان الـحـتـان | |
مضت مئة لعام ولـدت فـيه | وعام بعد ذاك وحـجـتـان | |
وقد أبقت صروف الدهر متى | كما أبقت من السيف اليماني |
إن بعض القريض منه هذاء | ليس شيئاً وبعضه أحـكـام | |
منه ما يجلب البراعة والفض | الليل ومنه ما يجلب البرسام |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق