كتبهابلال عبد الهادي ، في 23 نيسان 2011 الساعة: 20:20 م
قال ابن المروزي: حدثني أبي قال: خرجت على
بعير لي صعبٍ، يمر بي لا يملكني من أمر نفسي شيئاً، حتى مر على جماعة ظباءٍ في سفح
جبل على قلته رجلٌ عليه أطمارٌ له، فلما رأتني الظباء هربت، فقال: ما أردت إلى ما
صنعت؟ إنكم لتعرضون بمن لو شاء قدعكم عن ذلك، قال: فدخلني عليه من الغيظ ما لم أقدر
أن أحمله، فقلت: إن تفعل بي ذلك لا أرضى لك، فضحك، ثم قال: إمض عافاك الله لبالك،
قال: فجعلت أردد البعير في مراعي الظباء لأغضبه، فنهض وهو يقول: إنك لجليد القلب!
ثم أتاني فصاح ببعيري صيحةً ضرب بجرانه الأرض، ووثبت عنه إلى الأرض، وعلمت أنه جان،
فقلت: أيها الشيخ! إنك لأسوأ مني صنيعاً. فقال: بل أنت أظلم وألأم، بدأت بالظلم ثم
لؤمت في تركك المضي، فقلت: أجل! عرفت خطئي. قال: فاذكر الله فقد رعناك، وبذكر الله
تطمئن القلوب، فذكرت الله تعالى، ثم قلت دهشاً: أتروي من أشعار العرب شيئاً؟ فقال:
نعم! أروي وأقول قولاً فائقاً مبرزاً. فقلت: فأرني من قولك ما أحببت، فأنشأ يقول:
البسيط
طافَ الخيالُ علَينا لَيلةَ الوادي، … من آلِ سَلمى ولم يُلمِمْ بميْعادِ
أنّى اهتَديتَ إلى مَن طالَ لَيلُهُمُ … في سَبسبٍ ذاتِ دَكْدَاكٍ وأعقادِ
يُكَلِّفُونَ فَلاها كلَّ يَعْمَلَةٍ … مثلَ المَهاةِ، إذا ما حَثَّها الحادي
أَبلِغْ أبا كَرَبٍ عنّي وأُسْرَتَهُ … قولاً سَيَذهَبُ غَوراً بعدَ إنجادِ
لا أعرِفَنَّكَ بَعْدَ اليَومِ تَندُبُني … وفي حَياتيَ ما زَوَّدْتَني زادي
أمَّا حِمامُكَ يوماً أنتَ مُدرِكُهُ … لا حاضرٌ مُفلِتٌ منهُ، ولا بادِ
طافَ الخيالُ علَينا لَيلةَ الوادي، … من آلِ سَلمى ولم يُلمِمْ بميْعادِ
أنّى اهتَديتَ إلى مَن طالَ لَيلُهُمُ … في سَبسبٍ ذاتِ دَكْدَاكٍ وأعقادِ
يُكَلِّفُونَ فَلاها كلَّ يَعْمَلَةٍ … مثلَ المَهاةِ، إذا ما حَثَّها الحادي
أَبلِغْ أبا كَرَبٍ عنّي وأُسْرَتَهُ … قولاً سَيَذهَبُ غَوراً بعدَ إنجادِ
لا أعرِفَنَّكَ بَعْدَ اليَومِ تَندُبُني … وفي حَياتيَ ما زَوَّدْتَني زادي
أمَّا حِمامُكَ يوماً أنتَ مُدرِكُهُ … لا حاضرٌ مُفلِتٌ منهُ، ولا بادِ
فلما فرغ من إنشاده قلت: لهذا الشعر أشهر في
معد بن عدنان من ولد الفرس الأبلق في الدهم العراب هذا لعبيد بن الأبرص الأسدي،
فقال: ومن عبيد لولا هبيد! فقلت: ومن هبيد؟ فأنشأ يقول: المتقارب
أنا ابنُ الصّلادِمِ أُدعى الهبيدَ، … حبَوتُ القَوافيَ قَرْمَيْ أسَدْ
عَبيداً حَبَوتُ بمأْثُورَةٍ، … وأَنْطَقْتُ بِشراً على غَيرِ كَدّ
ولاقَى بمُدرِكَ رَهطُ الكُمَيتِ … مَلاذاً عَزيزاً ومَجداً وَجَدّ
مَنحاناهُمُ الشِّعرَ عن قُدرَةٍ … فهَل تَشْكُرُ اليَومَ هذا مَعَدّ
فقلت: أما عن نفسك فقد أخبرتني، فأخبرني عن مدرك، فقال: هو مدرك بن واغم، صاحب الكميت، وهو ابن عمي، وكان الصلادم وواغم من أشعر الجن، ثم قال: لو أنك أصبت من لبنٍ عندنا؟ فقلت: هات، أريد آلأنس به، فذهب فأتاني بعسٍّ فيه لبن ظبي، فكرهته لزهومته فقلت: إليك، ومججت ما كان في فمي منه، فأخذه ثم قال: إمض راشداً مصاحباً! فوليت منصرفاً فصاح بي من خلفي: أما إنك لو كرعت في بطنك العس لأصبحت أشعر قومك. قال أبي: فندمت أن لا أكون كرعت عسه في جوفي على ما كان من زهومته، وأنشأت أقول في طريقي، الطويل
أسِفتُ على عُسِّ الهَبيدِ وشُربِهِ، … لَقَدْ حَرَمَتْنيهِ صُرُوفُ المَقادِرِ
ولو أنَّني إذْ ذاك كنتُ شَرِبتُهُ … لأصْبَحتُ في قَوميْ لَهم خيرَ شاعرِ
وعنه قال: قال مظعون بن مظعون بن مظعون الأعرابي: لما حدثني أبي بهذا الحديث عن نفسه لهجت به، وتعرضت لما كان أبي يتعرض له من ذلك، وأحببت، إذ علمت أن لشعراء العرب شياطين تنطق به على ألسنتها، أن أعرف ذلك، ورجوت أن ألقى هاذراً أو مدركاً اللذين ذكر الهبيد لأبي، وكنت أخرج في الفيافي ليلاً ونهاراً، تعرضاً لذلك، ولم أكن ألقى راكباً إلا ذاكرته شيئاً مما أنا فيه، فلا يزال الرجل يخبرني بما استدل على ما سمعت حتى جمعت من ذلك علماً حسناً، ثم كبرت سني وضعفت ولزمت زرود، فكنت إذا ورد علي الرجل سألته عن ذلك، فوالله إني ليلةً من ذلك لبقناء خيمةٍ لي إذ ورد علي رجلٌ من أهل الشام، فسلم ثم قال: هل من مبيتٍ؟ فقلت: أنزل بالرحب والسعة! قال: فنزل، فعقل بعيره ثم أتيته بعشاءٍ فتعشينا جميعاً، ثم صف قدميه يصلي حتى ذهبت هدأةٌ من الليل، وأنا وابناي أرويهما شعر النابغة، إذ أنفتل من صلاته، ثم أقبل بوجهه إلي فقال: ذكرتني بهذا الشعر أمراً أحدثك به، أصابني في طريقي هذا منذ ثلاث ليال. فأمرت ابني فأنصتا ثم قلت له: قل، فقال: بيننا أنا أسير في طريقي ببلقعةٍ من الأرض لا أنيس بها إذ رفعت لي نارٌ فدفعت إليها، فإذا بخيمةٍ، وإذ بفنائها شيخٌ كبير، ومعه صبيةٌ صغارٌ، فسلمت ثم أنخت راحلتي آنساً به تلك الساعة، فقلت: هل من مبيتٍ؟ قال: نعم في الرحب والسعة! ثم ألقى إلي طنفسة رحلٍ، فقعدت عليها، ثم قال: ممن الرجل؟ فقلت: حميريٌّ شامي، قال: نعم أهل الشرف القديم. ثم تحدثنا طويلاً إلى أن قلت: أتروي من أشعار العرب شيئاً؟ قال: نعم، سل عن أيها شئت! قلت: فأنشدني للنابغة! قال: أتحب أن أنشدك من شعري أنا؟ قلت: نعم! فاندفع ينشد لمرىء القيس والنابغة وعبيد ثم اندفع ينشد للأعشى، فقلت: لقد سمعت بهذا الشعر منذ زمانٍ طويلٍ. قال: للأعشى؟ قلت: نعم! قال: فأنا صاحبه. قلت: فما اسمك؟ قال: مسحلٌ السكران بن جندل، فعرفت أنه من الجن فبت ليلةً ألله بها عليمٌ ثم قلت له: من أشعر العرب؟ قال: إرو قول لافظ بن لاحظ وهيابٍ وهبيدٍ وهاذر بن ماهر، قلت: هذه أسماء لا أعرفها. قال: أجل! أما لافظٌ فصاحب امرىء القيس، وأما هبيد فصاحب عبيد بن الأبرص وبشر، وأما هاذرٌ فصاحب زياد الذبياني، وهو الذي استنبغه. ثم أسفر لي الصبح، فمضيت وتركته. قال الزرودي: فحسن لي حديث الشامي حديث أبي.
أنا ابنُ الصّلادِمِ أُدعى الهبيدَ، … حبَوتُ القَوافيَ قَرْمَيْ أسَدْ
عَبيداً حَبَوتُ بمأْثُورَةٍ، … وأَنْطَقْتُ بِشراً على غَيرِ كَدّ
ولاقَى بمُدرِكَ رَهطُ الكُمَيتِ … مَلاذاً عَزيزاً ومَجداً وَجَدّ
مَنحاناهُمُ الشِّعرَ عن قُدرَةٍ … فهَل تَشْكُرُ اليَومَ هذا مَعَدّ
فقلت: أما عن نفسك فقد أخبرتني، فأخبرني عن مدرك، فقال: هو مدرك بن واغم، صاحب الكميت، وهو ابن عمي، وكان الصلادم وواغم من أشعر الجن، ثم قال: لو أنك أصبت من لبنٍ عندنا؟ فقلت: هات، أريد آلأنس به، فذهب فأتاني بعسٍّ فيه لبن ظبي، فكرهته لزهومته فقلت: إليك، ومججت ما كان في فمي منه، فأخذه ثم قال: إمض راشداً مصاحباً! فوليت منصرفاً فصاح بي من خلفي: أما إنك لو كرعت في بطنك العس لأصبحت أشعر قومك. قال أبي: فندمت أن لا أكون كرعت عسه في جوفي على ما كان من زهومته، وأنشأت أقول في طريقي، الطويل
أسِفتُ على عُسِّ الهَبيدِ وشُربِهِ، … لَقَدْ حَرَمَتْنيهِ صُرُوفُ المَقادِرِ
ولو أنَّني إذْ ذاك كنتُ شَرِبتُهُ … لأصْبَحتُ في قَوميْ لَهم خيرَ شاعرِ
وعنه قال: قال مظعون بن مظعون بن مظعون الأعرابي: لما حدثني أبي بهذا الحديث عن نفسه لهجت به، وتعرضت لما كان أبي يتعرض له من ذلك، وأحببت، إذ علمت أن لشعراء العرب شياطين تنطق به على ألسنتها، أن أعرف ذلك، ورجوت أن ألقى هاذراً أو مدركاً اللذين ذكر الهبيد لأبي، وكنت أخرج في الفيافي ليلاً ونهاراً، تعرضاً لذلك، ولم أكن ألقى راكباً إلا ذاكرته شيئاً مما أنا فيه، فلا يزال الرجل يخبرني بما استدل على ما سمعت حتى جمعت من ذلك علماً حسناً، ثم كبرت سني وضعفت ولزمت زرود، فكنت إذا ورد علي الرجل سألته عن ذلك، فوالله إني ليلةً من ذلك لبقناء خيمةٍ لي إذ ورد علي رجلٌ من أهل الشام، فسلم ثم قال: هل من مبيتٍ؟ فقلت: أنزل بالرحب والسعة! قال: فنزل، فعقل بعيره ثم أتيته بعشاءٍ فتعشينا جميعاً، ثم صف قدميه يصلي حتى ذهبت هدأةٌ من الليل، وأنا وابناي أرويهما شعر النابغة، إذ أنفتل من صلاته، ثم أقبل بوجهه إلي فقال: ذكرتني بهذا الشعر أمراً أحدثك به، أصابني في طريقي هذا منذ ثلاث ليال. فأمرت ابني فأنصتا ثم قلت له: قل، فقال: بيننا أنا أسير في طريقي ببلقعةٍ من الأرض لا أنيس بها إذ رفعت لي نارٌ فدفعت إليها، فإذا بخيمةٍ، وإذ بفنائها شيخٌ كبير، ومعه صبيةٌ صغارٌ، فسلمت ثم أنخت راحلتي آنساً به تلك الساعة، فقلت: هل من مبيتٍ؟ قال: نعم في الرحب والسعة! ثم ألقى إلي طنفسة رحلٍ، فقعدت عليها، ثم قال: ممن الرجل؟ فقلت: حميريٌّ شامي، قال: نعم أهل الشرف القديم. ثم تحدثنا طويلاً إلى أن قلت: أتروي من أشعار العرب شيئاً؟ قال: نعم، سل عن أيها شئت! قلت: فأنشدني للنابغة! قال: أتحب أن أنشدك من شعري أنا؟ قلت: نعم! فاندفع ينشد لمرىء القيس والنابغة وعبيد ثم اندفع ينشد للأعشى، فقلت: لقد سمعت بهذا الشعر منذ زمانٍ طويلٍ. قال: للأعشى؟ قلت: نعم! قال: فأنا صاحبه. قلت: فما اسمك؟ قال: مسحلٌ السكران بن جندل، فعرفت أنه من الجن فبت ليلةً ألله بها عليمٌ ثم قلت له: من أشعر العرب؟ قال: إرو قول لافظ بن لاحظ وهيابٍ وهبيدٍ وهاذر بن ماهر، قلت: هذه أسماء لا أعرفها. قال: أجل! أما لافظٌ فصاحب امرىء القيس، وأما هبيد فصاحب عبيد بن الأبرص وبشر، وأما هاذرٌ فصاحب زياد الذبياني، وهو الذي استنبغه. ثم أسفر لي الصبح، فمضيت وتركته. قال الزرودي: فحسن لي حديث الشامي حديث أبي.
وذكر مطرف الكناني عن ابن دأبٍ قال: حدثني
رجلٌ من أهل زرود ثقةٌ عن أبيه عن جده قال: خرجت في طلب لقاحٍ لي على فحلٍ كأنه فدن
يمر بي يسبق الريح حتى دفعت إلى خيمةٍ، وإذا بفنائها شيخٌ كبيرٌ، فسلمت فلم يرد
علي، فقال: من أين وإلى أين؟ فاستحمقته إذ بخل برد السلام، وأسرع إلى أمامي، فقال:
أما من ههنا فنعم؛ وأما إلى ههنا، فوالله ما أراك تبهج بذلك، إلا أن يسهل عليك
مداراة من ترد عليه! قلت: وكيف ذلك أيها الشيخ؟ قال: لأن الشكل غير شكلك، والزي غير
زيك، فضرب قلبي أنه من الجن، وقلت: أتروي من أشعار العرب شيئاً؟ قال: نعم! وأقول،
قلت: فأنشدني، كالمستهزىء به، فأنشدني قول امرىء القيس: الطويل
قفا نَبكِ من ذِكرَى حَبيبٍ ومَنزِلِ … بسِقطِ اللّوَى بينَ الدَّخولِ فحَومَلِ
فلما فرغ قلت: لو ان امرأ القيس ينشر لردعك عن هذا الكلام! فقال: ماذا تقول؟ قلت: لامرىء القيس، قال: لست أول من كفر نعمةً أسداها! قلت: ألا تستحي أيها الشيخ، ألمثل امرىء القيس يقال هذا؟ قال: أنا والله منحته ما أعجبك منه! قلت: فما اسمك؟ قال: لافظ بن لاحظ. فقلت: إسمان منكران. قال: أجل! فاستحمقت نفسي له بعدما استحمقته لها، وأنست به لطول محاورتي إياه؛ وقد عرفت أنه من الجن، فقلت له: من أشعر العرب؟ فأنشأ يقول: الكامل
ذهَبَ ابنُ حُجرٍ بالقَريضِ وَقَوْلِه … وَلَقَدْ أَجادَ فَما يُعابُ زيادُ
للَّهِ هاذِرٌ إذْ يَجُودُ بقَولِهِ، … إنَّ ابنَ ماهرَ بَعْدَها لَجَوادُ
قلت: من هاذر؟ قال: صاحب زياد الذبياني، وهو أشعر الجن وأضنهم بشعره، فالعجب منه كيف سلسل لأخي ذبيان به، ولقد علم بنيةً لي قصيدةً له من فيه إلى أذنها ثم صرخ بها: أخرجي فدىً لك من ولدت حواء! فقلت له: ما أنصفت أيها الشيخ، فقال: ما قلت بأساً؛ ثم رجعت إلى نفسي، فعرفت ما أراد، فسكت ثم أنشدتني الجارية: الوافر
نأَتْ بسُعادَ عَنك نوىً شَطونُ … فَبانَتْ والفُؤادُ بها حَزينُ
حتى أتت على قوله منها:
كذلكَ كانَ نُوحٌ لا يَخُونُ
قال: لو كان رأي قوم نوحٍ فيه كرأي هاذر ما أصابهم الغرق! فحفظت البيتين ثم نهض بي الفحل، فعدت إلى لقاحي.
وحدثنا سنيد عن حزام بن أرطاة عن أبي عبيد قال: حدثني أبو بكر المزني عن شيخٍ من أهل البصرة قال: خرجت على جملٍ لي حتى إذا كنت ببعض الطريق في ليلةٍ مقمرةٍ إذا شخصٌ مقبلٌ كهيئة الإنسان على ظهر ظليمٍ قد خطمه، فاستوحشت منه وحشةً شديدةً، فأقبل نحوي، وهو يقول في شدةٍ من صوته: السريع
هَلْ يُبْلِغَنِّيهم إلى الصّباحْ … هِقْلٌ كأنَّ رأسَهُ جُمَّاحْ
فما زال يدنو حتى سكن روعي وأنست فقلت: من أشعر الناس؟ قال: الذي يقول: الطويل
وما ذَرَفَتْ عَيناكِ إلاَّ لِتَضْربي … بسَهميكِ في أَعْشارِ قلبٍ مُقَتَّلِ
فعرفت أنه يريد امرأ القيس. قال: ثم ذهب وأقبل، قلت: ثم من؟ قال: الذي يقول: المتقارب
وَتَبْرُدُ بَرَدَ رِداءِ العَرو … سِ في الصّيفِ رَقْرَقْتَ فيهِ العَبيرَا
وتَسخُنُ لَيلَةَ لا يَستَطيعُ … نُباحاً بها الكَلبُ إلاّ هَريرَا
يريد الأعشى، ثم ذهب وأقبل، قلت: ثم من؟ قال: الذي يقول: الرمل
تَطرُدُ القُرَّ بحَرٍ صادِقٍ، … وعَكِيكَ الصّيفِ إن جاءَ بِقُرّ
يريد طرفة. العكيك: الحر.
قفا نَبكِ من ذِكرَى حَبيبٍ ومَنزِلِ … بسِقطِ اللّوَى بينَ الدَّخولِ فحَومَلِ
فلما فرغ قلت: لو ان امرأ القيس ينشر لردعك عن هذا الكلام! فقال: ماذا تقول؟ قلت: لامرىء القيس، قال: لست أول من كفر نعمةً أسداها! قلت: ألا تستحي أيها الشيخ، ألمثل امرىء القيس يقال هذا؟ قال: أنا والله منحته ما أعجبك منه! قلت: فما اسمك؟ قال: لافظ بن لاحظ. فقلت: إسمان منكران. قال: أجل! فاستحمقت نفسي له بعدما استحمقته لها، وأنست به لطول محاورتي إياه؛ وقد عرفت أنه من الجن، فقلت له: من أشعر العرب؟ فأنشأ يقول: الكامل
ذهَبَ ابنُ حُجرٍ بالقَريضِ وَقَوْلِه … وَلَقَدْ أَجادَ فَما يُعابُ زيادُ
للَّهِ هاذِرٌ إذْ يَجُودُ بقَولِهِ، … إنَّ ابنَ ماهرَ بَعْدَها لَجَوادُ
قلت: من هاذر؟ قال: صاحب زياد الذبياني، وهو أشعر الجن وأضنهم بشعره، فالعجب منه كيف سلسل لأخي ذبيان به، ولقد علم بنيةً لي قصيدةً له من فيه إلى أذنها ثم صرخ بها: أخرجي فدىً لك من ولدت حواء! فقلت له: ما أنصفت أيها الشيخ، فقال: ما قلت بأساً؛ ثم رجعت إلى نفسي، فعرفت ما أراد، فسكت ثم أنشدتني الجارية: الوافر
نأَتْ بسُعادَ عَنك نوىً شَطونُ … فَبانَتْ والفُؤادُ بها حَزينُ
حتى أتت على قوله منها:
كذلكَ كانَ نُوحٌ لا يَخُونُ
قال: لو كان رأي قوم نوحٍ فيه كرأي هاذر ما أصابهم الغرق! فحفظت البيتين ثم نهض بي الفحل، فعدت إلى لقاحي.
وحدثنا سنيد عن حزام بن أرطاة عن أبي عبيد قال: حدثني أبو بكر المزني عن شيخٍ من أهل البصرة قال: خرجت على جملٍ لي حتى إذا كنت ببعض الطريق في ليلةٍ مقمرةٍ إذا شخصٌ مقبلٌ كهيئة الإنسان على ظهر ظليمٍ قد خطمه، فاستوحشت منه وحشةً شديدةً، فأقبل نحوي، وهو يقول في شدةٍ من صوته: السريع
هَلْ يُبْلِغَنِّيهم إلى الصّباحْ … هِقْلٌ كأنَّ رأسَهُ جُمَّاحْ
فما زال يدنو حتى سكن روعي وأنست فقلت: من أشعر الناس؟ قال: الذي يقول: الطويل
وما ذَرَفَتْ عَيناكِ إلاَّ لِتَضْربي … بسَهميكِ في أَعْشارِ قلبٍ مُقَتَّلِ
فعرفت أنه يريد امرأ القيس. قال: ثم ذهب وأقبل، قلت: ثم من؟ قال: الذي يقول: المتقارب
وَتَبْرُدُ بَرَدَ رِداءِ العَرو … سِ في الصّيفِ رَقْرَقْتَ فيهِ العَبيرَا
وتَسخُنُ لَيلَةَ لا يَستَطيعُ … نُباحاً بها الكَلبُ إلاّ هَريرَا
يريد الأعشى، ثم ذهب وأقبل، قلت: ثم من؟ قال: الذي يقول: الرمل
تَطرُدُ القُرَّ بحَرٍ صادِقٍ، … وعَكِيكَ الصّيفِ إن جاءَ بِقُرّ
يريد طرفة. العكيك: الحر.
ويشيد هذه الأحاديث عندنا، في الجن وأخبارها
وقولها الشعر على ألسن العرب، ما حدثنا به المفضل عن أبيه عن جده عن ابن إسحق عن
مجاهد عن ابن عباس قال: وفد سواد بن قارب على عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، فسلم
عليه، فرد عليه السلام، فقال عمر: يا سواد! قال: لبيك يا أمير المؤمنين! قال: ما
بقي من كهانتك؟ فغضب وامتلأ سحره ثم قال: يا أمير المؤمنين! ما أظنك استقبلت بهذا
الكلام غيري؛ فلما رأى عمر الكراهية في وجهه قال: يا سواد! إن الذي كنا عليه من
عبادة الأوثان أعظم من الكهانة، فحدثني بحديثٍ كنت أشتهي أن أسمعه منك! قال: نعم يا
أمير المؤمنين! بينما أنا في إبلي بالسراة، وكان لي نجي من الجن، إذ أتاني في ليلة،
وأنا كالنائم، فركضني برجله، ثم قال: قم يا سواد، فقد ظهر بتهامة نبيٌّ يدعو إلى
الحق وإلى طريق مستقيم. قلت: تنح عني، فإني ناعسٌ! فولى عني، وهو يقول:
السريع
عَجِبْتُ للجِنِّ وتَبْكارِها، … وشدِّها العِيسَ بأَكْوارِها
تَهوي إلى مكّةَ تَبغي الهُدَى، … ما مُؤْمِنُو الجِنِّ كَكُفّارِها
فارحَلْ إلى الصّفوَةِ من هاشِمٍ … بَينَ روابيها وأحْجارِها
ثم لما كان في الليلة الثانية أتاني فقال مثل ذلك القول، فقلت: تنح عني، فإني ناعسٌ! فولى عني، وهو يقول:
عَجِبتُ للجِنّ وتَطْرابها … ورَحْلِها العيسَ بأقتابِها
تَهوي إلى مكَّةَ تَبغي الهُدَى، … ما مُؤمنو الجنِّ كَكُذّابِها
فارحلْ إلى الصّفوَةِ من هاشِمٍ … لَيسَ قُدَاماها كأَذنابِها
ثم أتاني في الليلة الثالثة، فقال مثل ذلك، فقلت: إني ناعسٌ، فولى عني، وهو يقول:
عَجِبتُ للجنّ وإيجاسِها … وشَدِّها العيس بأحْلاسِها
تَهوي إلى مَكَّةَ تَبغي الهُدى … ما مُؤْمنو الجنِّ كأَرْجاسِها
فارْحَلْ إلى الصّفوَةِ من هاشِمٍ … واسْمُ بعَينَيكَ إلى رأْسِها
قال سواد: فلما أصبحت يا أمير المؤمنين، أرسلت لناقة من إبلي، فشددت عليها، وأتيت النبي، صلى الله عليه وسلم، فأسلمت، وبايعت، وأنشأت أقول: الطويل
أَتاني نَجِيِّي بَعْدَ هَدْء وَرَقْدَةٍ، … ولم يَكُ فيما قَدْ عَهِدْتُ بِكاذِبِ
ثلاثَ لَيالٍ قوْلُه كلَّ لَيلَةٍ: … أَتاكَ رسولٌ من لؤيِّ بنِ غالبِ
فَشَمَّرْتُ عَنْ ذيلي الإزارَ، وَأَرْقَلَتْ … بيَ الدِّعلبُ الوجناءُ عَبْرَ السّباسبِ
فأشهَدُ أنَّ اللَّهَ لا رَبَّ غَيرَه، … وأنَّكَ مَأْمونٌ على كلِّ غائِبِ
وأنِّكَ أدنَى المُرسَليِنَ وَسيلَةً … إلى اللَّهِ، يا ابنَ الأكرَمِينَ الأطايبِ
فَمُرْني بما أَحْبَبْتَ، يا خيرَ مُرْسَلٍ … وإنْ كان فيما قلتُ شِيْبُ الذّوائبِ
وكنْ لي شفيعاً يومَ لا ذُو شَفاعَةٍ … سِوَاكَ، بِمُغْنٍ عن سَوادِ بنِ قارِبِ
وأخبرني المفضل عن أبيه عن جده قال: أخبرني العلاء بن ميمون الآمدي عن أبيه قال: ركبت بحر الخزر أريد ناجورا حتى إذا ما كنت منها غير بعيد لجج مركبنا، فاستاقته ريح الشمال شهراً في اللجة، ثم انكسر بنا، فوقعت أنا ورجلٌ من قريشٍ إلى جزيرة في البحر ليس بها أنيس، فجعلنا نطوف، ونطمع في النجاة إذ أشرفنا على هوةٍ، وإذا بشيخٍ مستندٍ إلى شجرة عظيمة، فلما رآنا تحشحش، وأناف إلينا، ففزعنا منه، ثم دنونا منه، وقلنا: السلام عليك أيها الشيخ! قال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فأنسنا به، فقال: ما خطبكما؟ فأخبرناه، فضحك وقال: ما وطىء هذا الموضع أحدٌ من ولد آدم قط، فمن أنتما؟ قلنا: من العرب! قال: بأبي وأمي العرب؛ فمن أيها؟ قلت: أما أنا فرجل من خزاعة، وأما صاحبي فمن قريش. قال: بأبي قريش وأحمدها! ثم قال: يا أخا خزاعة هل تدري من القائل: الطويل
كأنْ لم يَكُنْ بينَ الحَجُون إلى الصَّفَا … أَنِيْسٌ، وَلَمْ يَسْمُرْ بِمَكَّةَ سامرُ
بلى! نَحْنُ كنَّا أَهلَها، فأبادَنا … صُرُوفُ اللّيالي والجُدُودُ العَواثِرُ
عَجِبْتُ للجِنِّ وتَبْكارِها، … وشدِّها العِيسَ بأَكْوارِها
تَهوي إلى مكّةَ تَبغي الهُدَى، … ما مُؤْمِنُو الجِنِّ كَكُفّارِها
فارحَلْ إلى الصّفوَةِ من هاشِمٍ … بَينَ روابيها وأحْجارِها
ثم لما كان في الليلة الثانية أتاني فقال مثل ذلك القول، فقلت: تنح عني، فإني ناعسٌ! فولى عني، وهو يقول:
عَجِبتُ للجِنّ وتَطْرابها … ورَحْلِها العيسَ بأقتابِها
تَهوي إلى مكَّةَ تَبغي الهُدَى، … ما مُؤمنو الجنِّ كَكُذّابِها
فارحلْ إلى الصّفوَةِ من هاشِمٍ … لَيسَ قُدَاماها كأَذنابِها
ثم أتاني في الليلة الثالثة، فقال مثل ذلك، فقلت: إني ناعسٌ، فولى عني، وهو يقول:
عَجِبتُ للجنّ وإيجاسِها … وشَدِّها العيس بأحْلاسِها
تَهوي إلى مَكَّةَ تَبغي الهُدى … ما مُؤْمنو الجنِّ كأَرْجاسِها
فارْحَلْ إلى الصّفوَةِ من هاشِمٍ … واسْمُ بعَينَيكَ إلى رأْسِها
قال سواد: فلما أصبحت يا أمير المؤمنين، أرسلت لناقة من إبلي، فشددت عليها، وأتيت النبي، صلى الله عليه وسلم، فأسلمت، وبايعت، وأنشأت أقول: الطويل
أَتاني نَجِيِّي بَعْدَ هَدْء وَرَقْدَةٍ، … ولم يَكُ فيما قَدْ عَهِدْتُ بِكاذِبِ
ثلاثَ لَيالٍ قوْلُه كلَّ لَيلَةٍ: … أَتاكَ رسولٌ من لؤيِّ بنِ غالبِ
فَشَمَّرْتُ عَنْ ذيلي الإزارَ، وَأَرْقَلَتْ … بيَ الدِّعلبُ الوجناءُ عَبْرَ السّباسبِ
فأشهَدُ أنَّ اللَّهَ لا رَبَّ غَيرَه، … وأنَّكَ مَأْمونٌ على كلِّ غائِبِ
وأنِّكَ أدنَى المُرسَليِنَ وَسيلَةً … إلى اللَّهِ، يا ابنَ الأكرَمِينَ الأطايبِ
فَمُرْني بما أَحْبَبْتَ، يا خيرَ مُرْسَلٍ … وإنْ كان فيما قلتُ شِيْبُ الذّوائبِ
وكنْ لي شفيعاً يومَ لا ذُو شَفاعَةٍ … سِوَاكَ، بِمُغْنٍ عن سَوادِ بنِ قارِبِ
وأخبرني المفضل عن أبيه عن جده قال: أخبرني العلاء بن ميمون الآمدي عن أبيه قال: ركبت بحر الخزر أريد ناجورا حتى إذا ما كنت منها غير بعيد لجج مركبنا، فاستاقته ريح الشمال شهراً في اللجة، ثم انكسر بنا، فوقعت أنا ورجلٌ من قريشٍ إلى جزيرة في البحر ليس بها أنيس، فجعلنا نطوف، ونطمع في النجاة إذ أشرفنا على هوةٍ، وإذا بشيخٍ مستندٍ إلى شجرة عظيمة، فلما رآنا تحشحش، وأناف إلينا، ففزعنا منه، ثم دنونا منه، وقلنا: السلام عليك أيها الشيخ! قال: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، فأنسنا به، فقال: ما خطبكما؟ فأخبرناه، فضحك وقال: ما وطىء هذا الموضع أحدٌ من ولد آدم قط، فمن أنتما؟ قلنا: من العرب! قال: بأبي وأمي العرب؛ فمن أيها؟ قلت: أما أنا فرجل من خزاعة، وأما صاحبي فمن قريش. قال: بأبي قريش وأحمدها! ثم قال: يا أخا خزاعة هل تدري من القائل: الطويل
كأنْ لم يَكُنْ بينَ الحَجُون إلى الصَّفَا … أَنِيْسٌ، وَلَمْ يَسْمُرْ بِمَكَّةَ سامرُ
بلى! نَحْنُ كنَّا أَهلَها، فأبادَنا … صُرُوفُ اللّيالي والجُدُودُ العَواثِرُ
قلت: نعم! ذلك الحرث بن مضاض الجرهمي. قال:
ذلك مؤديها، وأنا قائلها في الحرب التي كانت بينكم، معشر خزاعة، وبين جرهم. يا أخا
قريش! أولد عبد المطلب بن هاشم؟ قلت: أين يذهب بك، رحمك الله! فربا وعظم وقال: أرى
زماناً قد تقارب إبانه، أفولد إبنه عبد الله؟ قلنا: وأين يذهب بك؟ إنك لتسألنا
مسألة من كان في الموتى. قال: فتزايد ثم قال: فابنه محمد الهادي؟ قلت: هيهات! مات
رسول الله، صلى الله عليه وسلم، منذ أربعين سنة! قال: فشهق حتى ظننا أن نفسه قد
خرجت، وانخفض حتى صار كالفرخ، وأنشأ يقول: الكامل
ولَرُبَّ راجٍ حِيْلَ دونَ رَجائهِ … وَمُؤمِّلٍ ذَهَبَتْ بِهِ الآمالُ
ثم جعل ينوح ويبكي حتى بل دمعه لحيته، فبكينا لبكائه، ثم قال: ويحكما! فمن ولي الأمر بعده؟ قلنا: أبو بكر الصديق، وهو رجل من خير أصحابه، قال: ثم من؟ قلنا: عمر بن الخطاب، قال: أفمن قومه؟ قلنا: نعم. قال: أما إن العرب لا تزال بخيرٍ ما فعلت ذلك. قلنا: أيها الشيخ قد سألتنا فأخبرناك، فأخبرنا من أنت وما شأنك؟ فقال: أنا السفاح بن الرقراق الجني لم أزل مؤمناً بالله وبرسله ومصدقاً، وكنت أعرف التوراة والإنجيل، وكنت أرجو أن أرى محمداً، صلى الله عليه وسلم، فلما تفرقت الجن وأطلقت الطوالق المقيدة من وقت سليمان، عليه السلام، إختبأت نفسي في هذه الجزيرة لعبادة الله تعالى وتوحيده وانتظار نبيه محمد، صلى الله عليه وسلم، وآليت على نفسي أن لا أبراح ههنا حتى أسمع بخروجه، ولقد تقاصرت أعمار الآدميين، وإنما صرت فيها منذ أربعمائة سنةٍ، وعبد منافٍ إذ ذاك غلامٌ يفعةٌ ما ظننت أنه ولد له ولد، وذلك أنا نجد علم الأحداث، ولا يعلم الآجال إلا الله تعالى، والخير بيده، وأما أنتما أيها الرجلان، فبينكما وبين الآدميين من الغامر مسيرة أكثر من سنة، ولكن خذا هذا العود، فاكتفلا به كالدابة إذا نام الناس، فإنه يؤديكما إلى بلدكما، واقرئا محمداً مني السلام، فإني طامع بجوار قبره. قال: ففعلنا ما أمرنا به، فأصبحنا في مصلى آمد.
وقد روي أن عبيد بن الأبرص خرج في ركبٍ فبينما هم يسيرون إذا بشجاع قد احترق جنباه من الرمضاء، فقال له بعض أصحابه: دونك الشجاع يا عبيد فاقتله! قال عبيد: هو إلى غير القتل أحوج، فأخذ إدواةً من ماءٍ، فصبها عليه، فانساب الشجاع ودخل في جحره، وسار القوم، فقضوا حوائجهم، ثم أقبلوا حتى صاروا إلى ذلك الموضع الذي فيه الشجاع، قال: فتأخر عبيد لقضاء حوائجه، فانلفت بكره، وقيل بل حسر عليه، فسار القوم، وبقي عبيد متحيراً، فإذا بهاتفٍ من عدوة الوادي، وهو يقول: الرجز
يا صاحبَ البكرِ المُضِلِّ مَرْكَبَهْ … دونَكَ هذا البكرَ مِنَّا فاركبَه
ما دونَه من ذي الرّشادِ تَصحَبُه … وبكْرُكَ الآخرُ أَيضاً تجنُبُه
حتى إذا اللّيلُ تَجَلّى غَيهَبُه … فَحُطَّ عَنْهُ رَحلَهُ وسَيّبَه
إذا بَدَا الصّبحُ ولاحَ كَوكَبُه … وقد حمدتَ عنهُ ذاكَ مَصحبَه
قال: فالتفت عبيد، فإذا هو ببكره، وبكرٍ إلى جنبه، فركبه، حتى إذا صار إلى دار قومه أرسل البكر، وأنشأ يقول: البسيط
يا صاحبَ البكرِ قَدْ أُنقِذْتَ من بَلَدٍ … يَحارُ في حافَتَيها المُدلِجُ الهادِيْ
هَلاَّ أَبَنْتَ لَنا بالحَقّ نَعرفُهُ، … مَن ذا الذي جادَ بالمَعروفِ في الوادي
إرجِعْ حميداً، فقَد أبلَغتَ مَأْمَنَنا … بُوْرِكتَ من ذي سَنامٍ رائحٍ غادي
فأجابه هاتف يقول: البسيط
أنا الشّجاعُ الذي أَلفَيتَهُ رَمِضاً … في رَملَةٍ ذاتِ دكداكٍ وأعقاد
فَجُدْتَ بالماءِ لمَّا ضَنَّ حَامِلُهُ، … جُوداً عليَّ ولم تَبْخَل بإنجادي
هذا جَزاؤكَ منِّي لا أَمُنُّ بهِ، … فارْجِعْ حميداً رعاكَ اللَّهُ من غادي
الخَيرُ أبقَى، وإنْ طالَ الزَّمانُ به، … والشرُّ أَخبَثُ ما أَوْعَيتَ من زادِ
ولَرُبَّ راجٍ حِيْلَ دونَ رَجائهِ … وَمُؤمِّلٍ ذَهَبَتْ بِهِ الآمالُ
ثم جعل ينوح ويبكي حتى بل دمعه لحيته، فبكينا لبكائه، ثم قال: ويحكما! فمن ولي الأمر بعده؟ قلنا: أبو بكر الصديق، وهو رجل من خير أصحابه، قال: ثم من؟ قلنا: عمر بن الخطاب، قال: أفمن قومه؟ قلنا: نعم. قال: أما إن العرب لا تزال بخيرٍ ما فعلت ذلك. قلنا: أيها الشيخ قد سألتنا فأخبرناك، فأخبرنا من أنت وما شأنك؟ فقال: أنا السفاح بن الرقراق الجني لم أزل مؤمناً بالله وبرسله ومصدقاً، وكنت أعرف التوراة والإنجيل، وكنت أرجو أن أرى محمداً، صلى الله عليه وسلم، فلما تفرقت الجن وأطلقت الطوالق المقيدة من وقت سليمان، عليه السلام، إختبأت نفسي في هذه الجزيرة لعبادة الله تعالى وتوحيده وانتظار نبيه محمد، صلى الله عليه وسلم، وآليت على نفسي أن لا أبراح ههنا حتى أسمع بخروجه، ولقد تقاصرت أعمار الآدميين، وإنما صرت فيها منذ أربعمائة سنةٍ، وعبد منافٍ إذ ذاك غلامٌ يفعةٌ ما ظننت أنه ولد له ولد، وذلك أنا نجد علم الأحداث، ولا يعلم الآجال إلا الله تعالى، والخير بيده، وأما أنتما أيها الرجلان، فبينكما وبين الآدميين من الغامر مسيرة أكثر من سنة، ولكن خذا هذا العود، فاكتفلا به كالدابة إذا نام الناس، فإنه يؤديكما إلى بلدكما، واقرئا محمداً مني السلام، فإني طامع بجوار قبره. قال: ففعلنا ما أمرنا به، فأصبحنا في مصلى آمد.
وقد روي أن عبيد بن الأبرص خرج في ركبٍ فبينما هم يسيرون إذا بشجاع قد احترق جنباه من الرمضاء، فقال له بعض أصحابه: دونك الشجاع يا عبيد فاقتله! قال عبيد: هو إلى غير القتل أحوج، فأخذ إدواةً من ماءٍ، فصبها عليه، فانساب الشجاع ودخل في جحره، وسار القوم، فقضوا حوائجهم، ثم أقبلوا حتى صاروا إلى ذلك الموضع الذي فيه الشجاع، قال: فتأخر عبيد لقضاء حوائجه، فانلفت بكره، وقيل بل حسر عليه، فسار القوم، وبقي عبيد متحيراً، فإذا بهاتفٍ من عدوة الوادي، وهو يقول: الرجز
يا صاحبَ البكرِ المُضِلِّ مَرْكَبَهْ … دونَكَ هذا البكرَ مِنَّا فاركبَه
ما دونَه من ذي الرّشادِ تَصحَبُه … وبكْرُكَ الآخرُ أَيضاً تجنُبُه
حتى إذا اللّيلُ تَجَلّى غَيهَبُه … فَحُطَّ عَنْهُ رَحلَهُ وسَيّبَه
إذا بَدَا الصّبحُ ولاحَ كَوكَبُه … وقد حمدتَ عنهُ ذاكَ مَصحبَه
قال: فالتفت عبيد، فإذا هو ببكره، وبكرٍ إلى جنبه، فركبه، حتى إذا صار إلى دار قومه أرسل البكر، وأنشأ يقول: البسيط
يا صاحبَ البكرِ قَدْ أُنقِذْتَ من بَلَدٍ … يَحارُ في حافَتَيها المُدلِجُ الهادِيْ
هَلاَّ أَبَنْتَ لَنا بالحَقّ نَعرفُهُ، … مَن ذا الذي جادَ بالمَعروفِ في الوادي
إرجِعْ حميداً، فقَد أبلَغتَ مَأْمَنَنا … بُوْرِكتَ من ذي سَنامٍ رائحٍ غادي
فأجابه هاتف يقول: البسيط
أنا الشّجاعُ الذي أَلفَيتَهُ رَمِضاً … في رَملَةٍ ذاتِ دكداكٍ وأعقاد
فَجُدْتَ بالماءِ لمَّا ضَنَّ حَامِلُهُ، … جُوداً عليَّ ولم تَبْخَل بإنجادي
هذا جَزاؤكَ منِّي لا أَمُنُّ بهِ، … فارْجِعْ حميداً رعاكَ اللَّهُ من غادي
الخَيرُ أبقَى، وإنْ طالَ الزَّمانُ به، … والشرُّ أَخبَثُ ما أَوْعَيتَ من زادِ
وذكر جماعةٌ من أهل العلم: أن الحرث بن ذي
شداد الحميري كان ملكاً في الجاهلية الجهلاء، وهو أول من دخل أرض الأعاجم ودوخها،
ثم إنه وضع يده، بقتل رؤساء قومه، ثم إنه خاف رجلاً منهم، فطلبه، فأعجزه، وهرب
الرجل ترفعه أرضٌ وتخفضه أخرى، إذ جنه الليل، فاستضاف إلى كهفٍ في جبلٍ، فأخذته
عينه، فإذا هو بآتٍ قد أتاه فقعد عند رأسه، وأنشأ يقول: المنسرح
ألدّهرُ يأتيكَ بالعَجائبِ إ … نَّ الدّهرَ فيهِ لَدَيْكَ مُعتَبَرُ
بَينا تَرَى الشَّملَ فيهِ مُجتَمعاً … فَرَّقَه من صُروفِه القَدَرُ
لا تَنفَعُ المَرءَ فيهِ حيلَتُهُ، … ممّا سيَلقى يوماًن ولا الحَذَرُ
إنّي زَعيمٌ بقصّةٍ عجَبٍ … عندي لمن يَستَزيدُها الخبَرُ
تأتي بتَصديِقها اللّيالي، وال … أيّامُ، إنَّ القضاء يُنْتَظرُ
يكونُ في الإِنسِ مَرّةً رجلٌ … ليسَ له في مُلوكِهِمْ خَطَرُ
مَولِدُه في قُرى ظواهرِ هم … دانَ بتلكَ التي إسمُها خَمَرُ
يَقهَرُ أَصْحابَه على حَدَثِ ال … سِّنِّ، ويُجْفى فيهمْ ويُحتَقَرُ
حتّى إذا أَمكَنَتهُ صولَتُهُ … وليسَ يَدري بشأْنِهِ بشَرُ
أَصبحَ في هَتومٍ على وَجَلٍ، … وَأَهلُهُ غافِلونَ ما شَعَرُوا
رأَوا غُلاماً بالأمسِ عندَهمُ … أَزْرَى لَدَيهم جَهْلاً بهِ الصِّغَرُ
لم يَفقدِوهُ، لا دَرَّ دَرَّهُمُ، … لو عَلِمُوا العلمَ فيهِ لا فتَخَرُوا
حتّى إذا أدْرَكَتْهُ رَوْعَتُهُ … بينَ ثلاثٍ، وقَلبُهُ حَذِرُ
جاءتْ إليه الكُبرى بأَشقِيَةٍ … شَتَّى، وفي بَعضِها دَمٌ كَدِرُ
قال لها: ذاكَ إذَنْ أَشْرَبُهُ؟ … قالتْ لهُ: ذَرْهُ! قال: لا أَذَرُ
فَناوَلَتهُ، فَما توَرَّعَ عَنْ … أَقْصاهُ حتّى أَهَارَهُ السّكُرُ
قالتْ لَهُ: هذه مَراكِبُنا، … فاركبْ، وشرُّ المراكبِ الحُمُرُ
فنَهنَهتهُ الوُسطَى، فثارَ لها … كأَنَّهُ اللَّيثُ هاجَهُ الذّعُر
فقالَ: حَقاً صَدَقْتِ، ثمَّ سما … فوقَ ضَميرٍ قَدْ زانَهُ الضُّمُر
فَصَدَّ لما عَلاهُ مِنْ أَذَنٍ … ومِنْ جِراحٍ مِنها بِهِ أَثَرُ
ثمّ أَتَتهُ الصُغرَى تُمَرِّضُهُ، … فوقَ الحَشايا، ودَمْعُها دِرَرُ
فحالَ منها لمَضجَعٍ ضَجِراً، … ولا تَساوى الوِطاءُ والوُعُرُ
كأَنَّ إذ ذاكَ بعدَ صَرعَته، مِنْ شِدَّةِ الجُهدِ تحتَهُ الإِبَرُ
فقُلنَ لمّا رأينَ صَرعَتَهُ: … أَسعِدْ فأنتَ الذي لك الظّفَرُ
في كلِّ ما وجهةٍ تَوَجَّهُها، … وأنتَ يَشقَى بِحَربِكَ البَشَرُ
وأنتَ للسَّيفِ واللّسانِ وللأب … دانِ تَبدو كأنَّها الشّرَرُ
وأنتَ أنتَ المُهْرِيقُ كلّ دَمٍ … إذا تَرامَى بشَخصِكَ السَّفَرُ
فارْشِدْ ولا تَسْكُنَنّ في خَمَرٍ … ورِدْ ظَفاراً، فإنّها الظّفَرُ
فلَستَ تَلتَذُّ عيشَةً أبداً، … وللأَعادي عَينٌ، ولا أَثَرُ
نحنُ مِنَ الجِنّ، يا أَبا كَرَبٍ … يا تُبّعَ الخَيرِ هاجَنا الذّعُرُ
فيما بلَوناهُ فيكَ من تَلَفٍ، … عن عَمْدِ عينٍ وأنتَ مُصطبرُ
ثمّ أتَى أَهلَهُ، فَأَخْبَرَهُمْ … بِكُلِّ ما قَدْ رَأَى فما اعتَبَرُوا
فسارَ عَنهمْ، من بَعْدِ تاسِعَةٍ، … نحوَ ظَفارٍ، وشأْنُهُ الفِكَرُ
فَحَلَّ فيها، والدّهرُ يَرفَعُهُ … في عِظَمِ الشّأْنِ وهوَ يشتَهرُ
ألدّهرُ يأتيكَ بالعَجائبِ إ … نَّ الدّهرَ فيهِ لَدَيْكَ مُعتَبَرُ
بَينا تَرَى الشَّملَ فيهِ مُجتَمعاً … فَرَّقَه من صُروفِه القَدَرُ
لا تَنفَعُ المَرءَ فيهِ حيلَتُهُ، … ممّا سيَلقى يوماًن ولا الحَذَرُ
إنّي زَعيمٌ بقصّةٍ عجَبٍ … عندي لمن يَستَزيدُها الخبَرُ
تأتي بتَصديِقها اللّيالي، وال … أيّامُ، إنَّ القضاء يُنْتَظرُ
يكونُ في الإِنسِ مَرّةً رجلٌ … ليسَ له في مُلوكِهِمْ خَطَرُ
مَولِدُه في قُرى ظواهرِ هم … دانَ بتلكَ التي إسمُها خَمَرُ
يَقهَرُ أَصْحابَه على حَدَثِ ال … سِّنِّ، ويُجْفى فيهمْ ويُحتَقَرُ
حتّى إذا أَمكَنَتهُ صولَتُهُ … وليسَ يَدري بشأْنِهِ بشَرُ
أَصبحَ في هَتومٍ على وَجَلٍ، … وَأَهلُهُ غافِلونَ ما شَعَرُوا
رأَوا غُلاماً بالأمسِ عندَهمُ … أَزْرَى لَدَيهم جَهْلاً بهِ الصِّغَرُ
لم يَفقدِوهُ، لا دَرَّ دَرَّهُمُ، … لو عَلِمُوا العلمَ فيهِ لا فتَخَرُوا
حتّى إذا أدْرَكَتْهُ رَوْعَتُهُ … بينَ ثلاثٍ، وقَلبُهُ حَذِرُ
جاءتْ إليه الكُبرى بأَشقِيَةٍ … شَتَّى، وفي بَعضِها دَمٌ كَدِرُ
قال لها: ذاكَ إذَنْ أَشْرَبُهُ؟ … قالتْ لهُ: ذَرْهُ! قال: لا أَذَرُ
فَناوَلَتهُ، فَما توَرَّعَ عَنْ … أَقْصاهُ حتّى أَهَارَهُ السّكُرُ
قالتْ لَهُ: هذه مَراكِبُنا، … فاركبْ، وشرُّ المراكبِ الحُمُرُ
فنَهنَهتهُ الوُسطَى، فثارَ لها … كأَنَّهُ اللَّيثُ هاجَهُ الذّعُر
فقالَ: حَقاً صَدَقْتِ، ثمَّ سما … فوقَ ضَميرٍ قَدْ زانَهُ الضُّمُر
فَصَدَّ لما عَلاهُ مِنْ أَذَنٍ … ومِنْ جِراحٍ مِنها بِهِ أَثَرُ
ثمّ أَتَتهُ الصُغرَى تُمَرِّضُهُ، … فوقَ الحَشايا، ودَمْعُها دِرَرُ
فحالَ منها لمَضجَعٍ ضَجِراً، … ولا تَساوى الوِطاءُ والوُعُرُ
كأَنَّ إذ ذاكَ بعدَ صَرعَته، مِنْ شِدَّةِ الجُهدِ تحتَهُ الإِبَرُ
فقُلنَ لمّا رأينَ صَرعَتَهُ: … أَسعِدْ فأنتَ الذي لك الظّفَرُ
في كلِّ ما وجهةٍ تَوَجَّهُها، … وأنتَ يَشقَى بِحَربِكَ البَشَرُ
وأنتَ للسَّيفِ واللّسانِ وللأب … دانِ تَبدو كأنَّها الشّرَرُ
وأنتَ أنتَ المُهْرِيقُ كلّ دَمٍ … إذا تَرامَى بشَخصِكَ السَّفَرُ
فارْشِدْ ولا تَسْكُنَنّ في خَمَرٍ … ورِدْ ظَفاراً، فإنّها الظّفَرُ
فلَستَ تَلتَذُّ عيشَةً أبداً، … وللأَعادي عَينٌ، ولا أَثَرُ
نحنُ مِنَ الجِنّ، يا أَبا كَرَبٍ … يا تُبّعَ الخَيرِ هاجَنا الذّعُرُ
فيما بلَوناهُ فيكَ من تَلَفٍ، … عن عَمْدِ عينٍ وأنتَ مُصطبرُ
ثمّ أتَى أَهلَهُ، فَأَخْبَرَهُمْ … بِكُلِّ ما قَدْ رَأَى فما اعتَبَرُوا
فسارَ عَنهمْ، من بَعْدِ تاسِعَةٍ، … نحوَ ظَفارٍ، وشأْنُهُ الفِكَرُ
فَحَلَّ فيها، والدّهرُ يَرفَعُهُ … في عِظَمِ الشّأْنِ وهوَ يشتَهرُ
حتّى أتَتهُ مِنَ المَدينَةِ تَش … كو
الظّلم شَمطاءُ قَومُها غُدُرُ
أَدلَتْ إلَيهِ منهمْ ظُلامَتَها، … ترجو بهِ ثَأْرَها، وتَنتَصرُ
فأَعْمَلَ الرأيَ في الذي طَلبتْ … تلكَ، وكلُّ بذاكَ يأْتَمِرُ
فعَبّأ الجَيشَ، ثم سارَ بهِ … مثلَ الدَّبا في البلادِ يَنتشِرُ
قد ملأ الخافقينِ عَسْكَرُهُ، … كأنهُ الليلُ حينَ يَعْتَكِرُ
تأتَمُّ أَعداءَهُ كَتائِبُهُ، … فليسَ يُبقي منهمْ، ولا يَذرُ
حتّى قضىَ منهُمُ لُبانَتَهُ، … وفازَ بالنَّصْرِ ثَمَّ مَنْ نُصِرُوا
إنَّا وَجَدْنا هذا يكونُ مَعاً … في عِلمِنا، والمَليكُ مُقتَدِرُ
والحمدُ للَّهِ والبَقاءُ لَهُ، … كلٌّ إلى ذي الجَلالِ مُفتَقِرُ
أَدلَتْ إلَيهِ منهمْ ظُلامَتَها، … ترجو بهِ ثَأْرَها، وتَنتَصرُ
فأَعْمَلَ الرأيَ في الذي طَلبتْ … تلكَ، وكلُّ بذاكَ يأْتَمِرُ
فعَبّأ الجَيشَ، ثم سارَ بهِ … مثلَ الدَّبا في البلادِ يَنتشِرُ
قد ملأ الخافقينِ عَسْكَرُهُ، … كأنهُ الليلُ حينَ يَعْتَكِرُ
تأتَمُّ أَعداءَهُ كَتائِبُهُ، … فليسَ يُبقي منهمْ، ولا يَذرُ
حتّى قضىَ منهُمُ لُبانَتَهُ، … وفازَ بالنَّصْرِ ثَمَّ مَنْ نُصِرُوا
إنَّا وَجَدْنا هذا يكونُ مَعاً … في عِلمِنا، والمَليكُ مُقتَدِرُ
والحمدُ للَّهِ والبَقاءُ لَهُ، … كلٌّ إلى ذي الجَلالِ مُفتَقِرُ
خبر آخر:
وفي مصداق ما ذكرناه من
أشعار الجن، وقولهم الشعر على ألسن العرب، قول الأعشى: الطويل
وما كنتُ شاحردا، ولكنْ حَسِبتُني … إذا مِسحَلٌ يُسْدي ليَ القولَ أعلَق
شَريكانِ فيما بَينَنا مِن هَوادَةٍ، … صَفِيَّانِ إنسيٌّ وجِنٌّ موَفَّقُ
يَقُولُ فلا أَعيَا بقَول يَقُولُهُ، … كَفاني لا عَيٌّ، ولا هُوَ أخْرَقُ
وما كنتُ شاحردا، ولكنْ حَسِبتُني … إذا مِسحَلٌ يُسْدي ليَ القولَ أعلَق
شَريكانِ فيما بَينَنا مِن هَوادَةٍ، … صَفِيَّانِ إنسيٌّ وجِنٌّ موَفَّقُ
يَقُولُ فلا أَعيَا بقَول يَقُولُهُ، … كَفاني لا عَيٌّ، ولا هُوَ أخْرَقُ
خبر آخر:
ذكر أن رجلاً أتى
الفرزدق فقال: إني قلت شعراً فانظره، قال: أنشد، فقال: البسيط
وَمِنْهُم عمرٌو المَحْمُودُ نائِلُهُ … كأنَّما رَأْسُهُ طِينُ الخَواتيمِ
قال: فضحك الفرزدق ثم قال: يا ابن أخي! إن للشعر شيطانين يدعى أحدهما الهوبر والآخر الهوجل، فمن انفرد به الهوبر جاد شعره وصح كلامه، ومن انفرد به الهوجل فسد شعره، وإنهما قد اجتمعا لك في هذا البيت فكان معك الهوبر في أوله فأجدت، وخالطك الهوجل في آخره فأفسدت، وإن الشعر كان جملاً بازلاً عظيماً فنحر فجاء امرؤ القيس فأخذ رأسه، وعمرو بن كلثوم سنامه، وزهير كاهله، والأعشى والنابغة فخذيه، وطرفة ولبيد كركرته. ولم يبق إلا الذراع والبطن فتوزعناهما بيننا، فقال الجزار: يا هؤلاء! لم يبق إلا الفرث والدم، فأمروا لي به، فقلنا: هو لك، فأخذه ثم طبخه، ثم أكله ثم خريه، فشعرك هذا من خرء ذلك الجزار! فقال الفتى: فلا أقول بعده شعراً أبداً.
وَمِنْهُم عمرٌو المَحْمُودُ نائِلُهُ … كأنَّما رَأْسُهُ طِينُ الخَواتيمِ
قال: فضحك الفرزدق ثم قال: يا ابن أخي! إن للشعر شيطانين يدعى أحدهما الهوبر والآخر الهوجل، فمن انفرد به الهوبر جاد شعره وصح كلامه، ومن انفرد به الهوجل فسد شعره، وإنهما قد اجتمعا لك في هذا البيت فكان معك الهوبر في أوله فأجدت، وخالطك الهوجل في آخره فأفسدت، وإن الشعر كان جملاً بازلاً عظيماً فنحر فجاء امرؤ القيس فأخذ رأسه، وعمرو بن كلثوم سنامه، وزهير كاهله، والأعشى والنابغة فخذيه، وطرفة ولبيد كركرته. ولم يبق إلا الذراع والبطن فتوزعناهما بيننا، فقال الجزار: يا هؤلاء! لم يبق إلا الفرث والدم، فأمروا لي به، فقلنا: هو لك، فأخذه ثم طبخه، ثم أكله ثم خريه، فشعرك هذا من خرء ذلك الجزار! فقال الفتى: فلا أقول بعده شعراً أبداً.
فصل آخر:
قيل لأبي عبيدة: هل قال الشعر أحدٌ قبل
امرىء القيس؟ قال: نعم! قدم علينا رجالٌ من بادية بني جعفر بن كلاب فكنا نأتيهم،
فنكتب عنهم، فقالوا: ممن ابن خدام؟ قلنا: ما سمعنا به! قالوا: بلى! قد سمعنا به
ورجونا أن يكون عندكم منه علمٌ لأنكم أهل أمصارٍ، ولقد بكى في الدمن قبل امرىء
القيس، وقد ذكره امرؤ القيس في شعره حيث يقول: الكامل
عوجا خَليليّ الغداةَ لعَلّنا … نَبكي الدّيارَ كما بكى ابنُ خِدامِ
عوجا خَليليّ الغداةَ لعَلّنا … نَبكي الدّيارَ كما بكى ابنُ خِدامِ
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق