كتبهابلال عبد الهادي ، في 1 أيار 2011 الساعة: 13:42 م
انمّا صَدَقَ قَول القائِل " ليَسَ الخَبَر
كالعَيان " لأن العيانَ هو ادراكُ عينِ الناظرِ عينَ المنظورِ اليه في زمانِ وجودِه
وفي مكانِ حصولهِ ، ولو لا لواحقُ آفاتٍ بالخبِر لكانتْ فضيلتُه تبينُ على العَيان
والنَظَر لقصوُرِهما على الوُجودِ الذي لا يتعدَّى اناتَ الزَمانِ وتنَاولِ الَخبَر
اياها وما قَبلهِا من ماضي الازْمِنة وبعَدَها من مُقْتَبلِها حتى يَعُمَ الخَبَر
لِذلك الموُجود والمَعْدوُم معا . والكِتابة نوَع مِن انوْاعه يكَاد انْ يكَون
اشْرَفَ مِن غَيره ، فمَن اينَ لنا العِلْمُ بأخبَار الامُم لولا خَوالِد اثارِ
القَلَم? ثم ان الخبَر عن الشَيء المُمكِن الوجُود في العَادة الَجاريةِ يقُابل
الصِدق والكَذِبَ على صُورة واحِدة وكلاِهما لاحقِان بهِ ِمن جِهة المُخبرِين
لتَفاوت الِهمَم وغِلبة الهِراش والنِزاع على الامُم . فمَنْ مُخبر عَن امْرٍ كذِب
يقصِد فيهِ نفَسهَ فيُعظمِ به جنِسها لانها تَحتَه او يقَصدها فيزري بِخلافِ جِنسِه
لفوُزه فيه بإرادتَه ، ومَعلوم ان كلا هذين من دواعِي الشهَوُة والغَضَب
المذْموُمين. ومِنْ مُخبِر عن كَذبِ في طَبقة يحُبَهم لشُكْر او يبِغضَهم لنكْر،
وهُو مقُارِب للاول فان الباعِث َعلى فِعلِه من دواعي الَمحَبة والغَلبَة . ومن
مُخبرِ عنه متقَرِبا الى خَير بدناَءةِ الطبَع او مُتقِيا لشِر من فشَلِ وفزَعَ .
ومن مُخبِر عَنه طِباعا كَأنه مَحموُل عليه غَير مُتَمَكن مِن غَيره وذلك من
دَواعِي الشَرارَة وخُبْث مَخابِئ الطَبيِعة . ومِن مُخبرِ عنه جَهلا ، وهَو
المقُلِد للمُخبرين وان كَثِروا جُملَة او توَاتروا فرِقة بعَدَ فرِقة فهو وَهْم
وسَائِط فيِما بيَن السْامِع وبين الُمتعمِد الاوُل ، فأذا اسْقَطْوا عن البَين
بقَي ذاك الاُول احدُ من عَددناه1 من المتُخرَصِين والمجانب للكَذِب المُتمَسك
بالصِدق هوَ المَحمود الممَدُوح عِند الكاذِب فَضْلا عن غِيره ، فقْد قِيل" قوُلوا
الحَق2ولو على انفُسِكم " وقال المَسْيح عليه السَلام في الانِجيل ما هذا مَعناه
:3" لا تبُالوا بصَولة المُلوك في الافِصاح بالحَق بين ايديهم فليَسوا يملَكِون
مِنكم غير البدَن ، واما النفَسُ فليسَ لهَم عليها يَد" وهذا منِه امر بالتشَجُع
الحقيقَي ، فالخلَق الذي تظنُه العامة شَجَاعة اذا رأوا اقَداما على المَعارِك
وتهوُرا في خَوض ِالمهَالِك هو نوع منِها ، فأما جِنسها العالي على انواعها فهو
الاسْتهانةَ بالمَوت، ثم سِواء كاَنت في قَول او كانت في فِعل ، وكما ان العَدل في
الطِباع مرضي محبوُب لذِاته مرَغوب في حُسْنه كذلك الصِدق الا عِند من لم يذُق
حَلاوتِه او عَرَفه وتحاماه كالمسؤوُل من المعروُفين بالكذِب : هل صدقَتْ قطْ ?
وجوابه : لولا اني اخافُ ان اصَدق لقلتُ لا ، فأن العادلَ عن العَدلِ والمؤثرَ
للجوُر وشَهادة الزوُر وخيانَة الامَانة واغتِصاب4 الامَلاك بالاحتيالِ والسرقةِ
وسائرِ ما به فسَاد العَاِلم والخليْقة . وكنتُ الفيتُ الاستاذَ ابى سهل5 عبد
المنعم بن علي ابن نوح التفليسي ايدهُ اللُه مُسْتقبِحا قَصْد الحاكي في كتابهِ عن
المُعتزِلة الازراء عليهِم في قولهِ : " ان الله تعَالى عاِلم بذِاته " وعبارَته
عنَه في الحِكاية انهم يقولوُن ان الله لا عِلْم له تخييلا الى عَواَم قوُمه انهم
ينسبُونه الى الجَهل ، جَل وتقَدس عن ذلك وعمْا لا يليقُ به من الصفاتِ ، فأعلمُته
ان هذِه طريقةُ قل ما يخلوُ منِها من يقصدُ الحكاية عن المخالفيَنَ والخصُوم ، ثم
انها تكونُ اظهُر فيما كان عن المذاهِبِ التي يجمعهُا دين واحدُ ونحلة لاقتراِبها
واخْتلاطِها ،واخفى فيما كانَ عن المِلل المفُترقة وخاصة ما لا يتشاركُ منها في
اصْلٍ وفرعٍ وذلك لبعدُها وخفاء السبيلِ الى تعرُفها والموجودِ عندنا من كتبُ
المقالاتِ وما عمِل في الاراءِ والدياناتِ لا يشتملُ الا على مثله ، فمن لم يعرف
حقيقةَ الحالِ فيها اغترفَ منها ما لا يفيدُه عند اهِلها والعالم باحْواِلها غير
الخجلِ ان هزت بعطفهِ الفضْيلة او الاصْرار واللُجاج ان رخَت فيه الرَذيلَة ، ومن
عرف حقيقِة الحال كان قُصَارى امره ان يَجعَلها 6 من الاسمار والاساطيِر يستمع لها
تعللا بها والتذاذا لا تصَديقا لها واعِتقادا ؛ وكان وقعُ المثال في فحُوى الكلام
على ادِيان الِهنِد ومذاهِبِهم فأشرتُ الى ان اكثرها هو مَسطوُر في الكتبِ هو
منحولُ وبعضها عن بعضٍ منقول وملَقوط مخلوط غير مهذبٍ على رأيهم ولا مُشَذَب ، فما
وجدتُ من اصحاب كتُبِ المقالات احَدا قصد الحكايةِ المجردةِ من غير ميلٍ ولا مداهنة
سُوى ابي العبَاس الايرانشهري ، ان لم يكُن من جميعِ الاديان في شئ بل مُنفرِدا
بمخترع له يدعوُ اليه ولقد احسَن في حكايةِ ما عليه اليهود والنصَارى وما يتضمُنه
التوْراة والانِجيل وبالغَ في ذكر المانوية وما في كتُبُهم من خبرِ الملل المُنقرضة
، وحين بلغَ فرقة الِهند والشمنية صافَ سهمه عن الهَدف وطاشَ في اخرِه الى كتاب
زرقان ونقلَ ما فيهِ الى كتابهِ ، وما لم ينقُل منه فكأنه مسْموُع من عوامِ هاتين
الطائفَتين ولما اعادَ الاستاذُ ايده الله مطاَلعَة الكُتب ووجدَ الامرَ فيها على
الصوُرة المُتقدة حرصَ على تحريرِ ما عرفَته من جهتِهم ليكون نصرةً لمن اراد
مناقضتِهِم وذخيرةً لمن رامَ مخالطتهِم ، وسال ذلكَ ففعلتَه غير باهِت على الخَصم
ولا مُتحرِج عن حكايةِ كلامِه وان باينَ الحَق واسفظع سماعِه عند اهلهِ فهو
اعتقادَه وهو ابصرُ به . وليسَ الكتاب كتابُ حجاج وجدَل حتى استعمِل فيه بأيراد
حُجج الخُصوم ومناقَضة الزائِغ منهم عن الَحق وانما هو كتاب حِكاية فأوردَ كلام
الهِند على وجهِه واضيف اليه ما لليوُنانيين من مِثله لتعريف المقارَبة بينهم ، فأن
فلاسِفَتهم وان تحروُا التحقيْقَ فأنهم لم يخرجوُا فيما اتصل بعوامِهم عن رُموز
نحلَتهم وموضعات ناموُسهم ، ولا اذكر مع كلامِهم كلام غيرهم الا ان يكون للصوُفية
او لاحد اصْنافِ النصَارى لتقارب الامرِ بين جمَيعهم في الحِلول والاتحاد ، وكنت
نقلت الى العربي كتابين احدهما في المبادئ وصفة الموجُودات ، واسمه " سانك" والاخر
في تخليصِ النفس من رباطِ البدنِ ويعرف" بياتنجل" وفيهما اكثرُ الاصوُل التي عليها
مدارٍ اعتقادهم دون فروُع شرائعم ، وارجوُ ان هذه ينوب عَنهما وعن غيِرهما في
التقرير ويؤدي الى الاحاطةِ بالمطَلوب بمشيئةِ الله.ى ان اكثرها هو مَسطوُر في
الكتبِ هو منحولُ وبعضها عن بعضٍ منقول وملَقوط مخلوط غير مهذبٍ على رأيهم ولا
مُشَذَب ، فما وجدتُ من اصحاب كتُبِ المقالات احَدا قصد الحكايةِ المجردةِ من غير
ميلٍ ولا مداهنة سُوى ابي العبَاس الايرانشهري ، ان لم يكُن من جميعِ الاديان في شئ
بل مُنفرِدا بمخترع له يدعوُ اليه ولقد احسَن في حكايةِ ما عليه اليهود والنصَارى
وما يتضمُنه التوْراة والانِجيل وبالغَ في ذكر المانوية وما في كتُبُهم من خبرِ
الملل المُنقرضة ، وحين بلغَ فرقة الِهند والشمنية صافَ سهمه عن الهَدف وطاشَ في
اخرِه الى كتاب زرقان ونقلَ ما فيهِ الى كتابهِ ، وما لم ينقُل منه فكأنه مسْموُع
من عوامِ هاتين الطائفَتين ولما اعادَ الاستاذُ ايده الله مطاَلعَة الكُتب ووجدَ
الامرَ فيها على الصوُرة المُتقدة حرصَ على تحريرِ ما عرفَته من جهتِهم ليكون نصرةً
لمن اراد مناقضتِهِم وذخيرةً لمن رامَ مخالطتهِم ، وسال ذلكَ ففعلتَه غير باهِت على
الخَصم ولا مُتحرِج عن حكايةِ كلامِه وان باينَ الحَق واسفظع سماعِه عند اهلهِ فهو
اعتقادَه وهو ابصرُ به . وليسَ الكتاب كتابُ حجاج وجدَل حتى استعمِل فيه بأيراد
حُجج الخُصوم ومناقَضة الزائِغ منهم عن الَحق وانما هو كتاب حِكاية فأوردَ كلام
الهِند على وجهِه واضيف اليه ما لليوُنانيين من مِثله لتعريف المقارَبة بينهم ، فأن
فلاسِفَتهم وان تحروُا التحقيْقَ فأنهم لم يخرجوُا فيما اتصل بعوامِهم عن رُموز
نحلَتهم وموضعات ناموُسهم ، ولا اذكر مع كلامِهم كلام غيرهم الا ان يكون للصوُفية
او لاحد اصْنافِ النصَارى لتقارب الامرِ بين جمَيعهم في الحِلول والاتحاد ، وكنت
نقلت الى العربي كتابين احدهما في المبادئ وصفة الموجُودات ، واسمه " سانك" والاخر
في تخليصِ النفس من رباطِ البدنِ ويعرف" بياتنجل" وفيهما اكثرُ الاصوُل التي عليها
مدارٍ اعتقادهم دون فروُع شرائعم ، وارجوُ ان هذه ينوب عَنهما وعن غيِرهما في
التقرير ويؤدي الى الاحاطةِ بالمطَلوب بمشيئةِ الله.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق