الخميس، 7 فبراير 2013

坐井观天 zuò jǐng guān tiān يتأمّل السماء من بئر

كتبهابلال عبد الهادي ، في 17 كانون الثاني 2011 الساعة: 17:48 م




坐井观天
坐井观天
zuò jǐng guān tiān
يلخّص التعبير الصيني أعلاه حوارا دار بين عصفور وضفدعة. تتفلسف الضفدعة على العصفور. في الصورة التي اخترت لا يوجد عصفور ولا يوجد ضفدعة. ولكن يمكن لك ان ترى عشرات الصور لهذه الحكاية تظهر العصفور تارة، والضفدعة تارة أخرى، وتسلّط الأضواء على السماء تارة ثالثة. فتحة البئر تشبه عدسة الكاميرا. والضفدعة في اسفل البئر تتأمّل السماء، ويبدو من المثل ان الضفدعة أمضت حياتها في اعماق البئر، ولم يخطر ببالها ان تخرج من البئر، ربّما لعجزها عن الخروج فهي لا تملك جناحي عصفور لترفرف حيث يحلو لأجنحتها ان ترفرف. انّها في سجن مائيّ، لا يطلّ الا على رقعة من سماء لا تثبت على لون واحد. الطقس يتحكم بلون السماء غير الثابت! مرّ عصفور وحطّ على حافة البئر، ولاحظ وجود ضفدعة في أسفل البئر فراحا يتبادلان التحايا والكلام. ويتكلم كلّ واحد منهما عن تجربة عينيه وخبرتهما في الحياة. راح العصفور يتكلم على رحابة ارجاء السماء فظنّت الضفدعة ان العصفور يهزأ بها ويضحك على عينيها. من اين يأتي العصفور بهذه الترّهات والخرافات؟ كيف له ان يكذب بمحضر الضفدعة ويروح يحكي عن سماء متخيّلة ليست موجودة الا في رأسه الصغير وتكذّب وجودها فتحة البئر الجليّة؟ فتحة البئر مثل عين الكاميرا لا تكذب بخلاف لسان العصفور. العصفور طيّب القلب وصادق اللسان ولكنّه بالنسبة للضفدعة كذّاب ابن كذّاب، العصفور في عيني الضفدعة من سلالة مسيلمة! انقهر العصفور لأنّ الضفدعة تفتري عليه وتعتبره كذّابا أو مخرّفاً. ولكن هل تفتري عليه حقّا؟ انّها صادقة مثل العصفور. حقيقتان مختلفتان. حقيقة نطقت بها سماء العصفور، وحقيقة نطقت بها فتحة بئر الضفدعة.
الضفدعة عندها قناعة ان السماء بحجم فتحة البئر- والقاعة كنز لا يفنى بنظر الضفادع!- بينما العصفور يعرف ان السماء ملعب واسع جدا لأجنحته لا تحدّها عيناه.
الحقيقة هي بنت المكان الذي انت فيه.
لا الضفدعة تكذب ولا العصفور يكذب.
كلّ الفرق هو في كون العصفور يعرف لأنّ ظروف حياته الجوّية سمحت له ان يعرف، والضفدعة لا تعرف لأنّ ظروف حياتها البئريّة ، الجوّانيّة لم تسمح لها ان تعرف دون ان تعرف انّها لا تعرف. ومن أين لعقلها أسير البئر ان يستوعب ان رقعة السماء الظاهرة من فتحة البئر ليست أكثر من نقطة من بحر السماء؟
الكذب ليس دائما بنيّة الكذب، وحين نؤمن بحقيقة ما ليس بالضرورة ان تكون هذه الحقيقة التي نؤمن بها هي الحقيقة التي لا غبار عليها.
بعض الناس علاقتهم بالحقيقة هي كعلاقة الضفدعة بفتحة البئر. من أين لهم ان يخطر ببالهم انّ حقيقتهم ليست حقيقة.
وليس بالضرورة ان تمرّ العصافير عليهم وتأخذ بخاطرهم وتوقفهم على حقيقة لا تعترف بها أعينهم.
ربّما صار من الضروريّ ان أدرج صورة أخرى تظهر السماء والعصفور والضفدعة المسكينة التي تتهم العصفور بالكذب الصريح والوقح!
坐井观天
الدهشة ظاهرة في عيني الضفدعة التي لا تصدّق كلام العصفور، ونلحظ الغضب في منقار العصفور وفي عينيه!
لكن لا هي تكذب ولا هو يكذب، هي تجهل انّه لا يكذب.الجهل يجعل الحقيقة ضربا من الكذب!
ملحوظة: اشير في الأخير ان قصّة الضفدعة وردت في الرواية الصينية الرائعة" الرحلة الى الغرب
西游记
西游记 xīyóujì
وهي من كنوز الأدب الصيني وكلاسيكياته الخمس بطلها راهب وقرد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق