Pages

الأربعاء، 30 سبتمبر 2015

بصير أعمى


الثلاثاء، 29 سبتمبر 2015

الرجل عضّ الكلب أو كاد





ثمّة عبارة تدرّس في كليّة الإعلام مفادها أنّ جملة " كلب عضّ رجلا" عاديّة، لا قيمة لها إعلاميّة أو اخبارية، بخلاف جملة "رجل عضّ كلباً" فهي إعلاميّة بامتياز لأنّها تحمل خبراً يغاير سنّة العضّ.

قرأت مرّة في إحدى الجرائد العربيّة خبراً، لم يغب عن ذاكرتي، يحكي قصّة رجل عضّ، دفاعاً عن النفس، كلباً من حلقه فأرداه قتيلاً. وثمّة قصّة أخرى لم تنته، داميةً، كسابقتها وقعت أحداثها في أحد شوارع العاصمة الفرنسيّة، وهي لا تخلو من طرافة.

كان أحد الأشخاص من الجالية العربيّة قد اطمأنّ إلى أخلاق الكلاب الباريسية الحميدة إلاّ انّه في إحدى المرّات وبينما كان يتمشّى هجم عليه كلب على حين غفلة. صار يركض والكلب يركض وراءه. الهروب عفويّ وطبيعيّ ولكن الرجل انتبه إلى أنّ الكلب يركض بيديه ورجليه في حين أنّه وهو "الكائن المنتصب" لا يستعمل إلاّ رجليه أي أنّ الركض لن يكون في الأخير إلا لصالح الكلب حتّى ولو استنجد بقدمَيْ شيبوب، شقيق عنترة العبسيّ. ومن يدري؟ فقد يثب الكلب، وجسده طيّع للوثب، ويستحكم بعضّه، غدراً، من خلف. لم يتحمّل أبداً أن يكون معضوضاً. شعر أنّ العضّة إهانة سوف تغرز أنيابها في روحه وذاكرته غرزاً لن يلتئم مدى الحياة. دارت آلاف الأفكار في رأسه وهو يركض. والمعروف أنّ الإنسان تتضاعف، في لحظة الخطر، قدراته الفكريّة أو تنهار.

فجأة وقف الرجل وأدار وجهه للكلب. جمد لاهثا في أرضه وجمد الكلب أيضا! وقف الرجل لأنّه تذكّر قولاً قاله له خاله القرويّ الخبير ببعض طباع الكلاب من باب النصيحة وهو أنّ الوقوف أمام الكلب خير وسيلة لشلّ فكّيه. عينا الرجل القلقتان محدقتان في عيني الكلب. الكلب يعوي وهو واقف كالسيخ لا يهتزّ. توقّع أن يأتي أحد لنجدته من عضّة محتملة, ولكن لا أحد. قال الرجل: قد يتعاطف الناس مع الكلب! فسحنتي شرقيّة، وقد يظنّ الناس أنّني أنا من هوّشت الكلب أو تحرّشت ببراءة أنيابه. أمّا سحنة الكلب فهي، أيا كانت، أليفة ولطيفة في عينيّ الفرنسيّ. التمييز العنصريّ لا يمارسه الغربيّ ضد الكلاب. فالكلب الأشقر والكلب الأسود سيّان. تسقط ألوان الأبدان من الحسبان في عيني الفرنسيّ حين يتعلّق الأمر بالكلاب. ولا غرابة في أن تميل شقراء من جماعة " لوبان"، مثلاً، إلى احتضان كلب فاقع السواد!

راودت الرجل فكرة أغضبته وأثارت حفيظته. ماذا؟ وآخرتها؟ أيمكن أن أسقط رهينة في يد كلب؟ لم يستطع تحمّل أو تقبّل الفكرة. ولكنّه لم يجرؤ على الركض مجدّداً لأنّه لمس بقدميه أنّ الركض ليس حلاً.

قال: فكرة خالي أنقذتني إلى الآن من العضّ. ولكنّها حجزت حرّيتي، وكبّلت قدميّ. قال بينه وبين نفسه: "خاطر بحياتك، وستبقى على الأرجح على قيد الحياة". ولعلّ الحياة، قال، أرادت تمريني على خوض غمارها عبر أشداق الكلاب!

لم لا أصير كلباً؟ طبعاً، لا يمكن أن أكون كلباً إلاّ إذا مُسِخْتُ. ولكنّه قرّر خوض لعبة العضّ، وليكن بعدها ما يكون. وما هي إلاّ ثوانٍ حتى انحنى وصار على هيئة الكلب. يداه ورجلاه في الأرض. وبدأ يعوي، من خوفه، بأعلى حنجرته. هجم على الكلب وهو يعوي. كاد أن يصدّق للحظة أنّه كلب فقام بتمثيل دوره على أتمّ ما يكون. لقد تقمّص شخصيّته الكلبيّة الجديدة تقمّصاً بارعاً. استشرس واستكلب وهجم وفي نيّة أسنانه أن تعضّ الكلب من كلّ عزمها.

استغرب الكلب ما يراه من تحولات تطرأ على الرجل، فارتبكت غرائزه وجحظت عيناه من الحيرة. وجد أمامه كلباً "غير شكل" فراح يجري من غير أن يكفّ عن العواء والالتفات وراءه إلى هذا الكلب الغريب الذي يطارده بأسنانه وعوائه وشكله الذي لا يشبه الكلاب المألوفة لعينيه في عاصمة النور والكلاب

بلال عبد الهادي

سيارة

ورد في مجلة literary Digest الاميركية العام ١٨٩٩ بخصوص السيارة ( وكان قد مضى على اختراعها ست سنوات) ما يلي:
" لن يكون للسيارة الانتشار الذي تعرفه الدراجة الهوائية".

احتقار العامية إهانة للفصحى!

احتقار العامية إهانة للفصحى!
فلا أحد يحب أن تحتقر أبناءه.

مشكلتنا مع التراث

مشكلتنا مع التراث هي أننا نظنّ أنّ بعض زؤانه قمح!

الإبداع ابن الرغبة في الراحة

الانسان لا يحبّ أن يتعب، ولأنه لا يحبّ أن يتعب اضطرّ إلى ممارسة الإبداع. 
الإبداع ابن الرغبة في الراحة.

في ‫#‏بحر‬ لغة ‫#‏كونفوشيوس‬


انقسم البلد بعد اغتيال ‫#‏الحريري‬، وفارت المشاعر واستيقظت الغرائز.
وجدت نفسي غريبا في عالم مقسوم طائفيا ومشرذم مذهبيا، وتحركه ردود الأفعال الفائرة.
قلت ماذا تفعل: وجدت جوابا جميلا، جوابا لا علاقة له ب ١٤ أو ٨. فلم أجد نفسي لا في ١٤ ولا في ٨، ولست من هواة ان أحوّل نفسي الى مجرد رقم مهمل في عالم الحشود التي تستهويها ذهنية القطعان.
قلت أفضل ما تصنعه يا ولد هو ان تستفيد من هذا الوقت الضائع والمسعور في آن، وتتحوّل الى تلميذ ، تلميذ ابتدائي في لغة جديدة، وبدأت من يومها بتعلم اللغة الصينيّة وفكّ رموزها. قلت: فكّ ‫#‏رموز‬ ‫#‏الكتابة‬ الصينيّة اسهل من فكّ رموز أحداث البلد.
كانت اللغة الصينيّة تغيير أجواء لروحي من جوّ الانقسام الموبوء.
كانت الأعطال والاضرابات فرصة لي لإيجاد وقت أمنحه للغة #كونفوشيوس فبدلا من متابعة اخبار بلد ينهار كنت اتابع اخبار بلد ينهض، واقتصاد ينتشر، ولغة يمتدّ حضورها في العالم.
بعد سنتين من العمل الشخصي على تعلم هذه ‫#‏اللغة‬ الزئبقية قرّرت ‫#‏جامعة_الجنان‬بهمّة الراحلة ‫#‏منى_حداد_يكن‬ استحضار استاذ صيني لتعليم اللغة ‫#‏الصينية‬ في قسم ‫#‏الترجمة‬ فالتحقت بالدورات الخمس المكثفة على مدى سنتين ونصف السنة.
الأوقات الضائعة فرص لتحقيق الكثير من ‫#‏الأحلام‬ والجوائز!
أليس هذا ما يقوله المصطلح ( الوقت الضائع) في لعبة كرة القدم؟

لحام

لحّام
سمعت الحكاية التالية عن لحام غشّاش، ولا أعرف سبب كثرة الحكايات عن الغشّ في اللحمة. المهم، كان اللحام أعزب، وكان يساعدة في الملحمة عامل مخلص له، وبعد ان كبر في العمر سلّم الملحمة لذلك العامل، وكان صاحب الملحمة يأتي بين وقت وآخر الى الملحمة لأخذ ما يحتاجه من اللحمة.
فيرحّب به العامل أجمل ترحيب ويفسح له المجال ليختار ويقطع ما يشاء من اللحم.
لم يكن ترحيب العامل بمعلمه لوجه الله!
ولم يكن إفساح المجال لمعلمه ليختار القطعة التي يريدها لوجه الله،
عبارة " لوجه الله" ملغومة جدا، وأحيانا تضمر خبثا ونوايا سيئة كثيرة، لذا من الحكمة وضع علامات استفهام حولها وأخذ الحذر منها،
كان السبب بكلّ بساطة ان العامل يعرف تمام المعرفة ان معلّمه غشّاش محترف، وزعبرجي من الطراز الرفيع، بحيث أن الحال يأخذه وهو يقصّ اللحمة لنفسه، ويظنّ انه يقص اللحمة لزبون من الزبائن، فيقوم باختيار القطع السيئة لنفسه. وما كانت يد العامل قادرة على غشّ معلمه فيترك له حرية ممارسة غشّ نفسه بنفسه، من غير أن يشعر العامل ، هنا، بأي نوع من تأنيب الضمير.

عالم الحيوان


الحيوان ‫#‏المفترس‬ ، عمليا، هو ‫#‏طبيب‬ جوّال.
هكذا ما يقوله بشكل موارب علماء الحيوان.
ان الحيوان المفترس حين ينقض على فريسته انما ينقذ القطيع من ‫#‏الموت‬ او من‫#‏العلل‬.
ولو عاش القطيع آمنا لعانى من الويلات.
ماذا يفعل الحيوان المفترس؟
انه يختار الأضعف من بين القطيع، الأضعف، المريض، وقد يكون مرضه معديا فينقل مرضه الى عموم القطيع. يأتي ‫#‏الحيوان‬ المفترس ويفعل ما يفعله الطبيب من استئصال للمرض الخبيث من الجسم، او بتر عضو بقاؤه يهدد سائر الأعضاء.
الطبيعة حكيمة، عاقلة، تتصرّف تصرّف زوجة دبّارة كما يقال.
تخيّل عدم وجود ‫#‏حيوانات‬ تأكل ‫#‏الجيف‬!
هذه الحيوانات التي تأكل الجيف انما هي عاملات تنظيف نشيطة تحفظ هذا العالم الذي نحن فيه من الأمراض والأوبئة.
وإن انعدمت الحيوانات التي تأكل الجيف لصارت الدنيا على شاكلة مدينة أضرب فيها عمّال التنظيف.
وأشبّه النسور بمقابر طيّارة في الجوّ، او جمعية خيرية لدفن الموتى!
‫#‏بلال_عبد_الهادي

أطباق


الصيام مبدع ‫#‏أطباق‬. فالصيام المسيحي مثلا ينقطع عن اللحوم ومشتقاتها. يقال إن‫#‏الجوع‬ أمهر الطباخين، والصيام جوع ماهر في ابتكار اطباق صيامية. ولكن ‫#‏الطبق‬ ما إن يستقرّ حتى يتحرر من انتمائه الديني الضيّق اذا لم يكن هناك عوائق وينطلق في دنيا المذاقات والحضارات.
فهناك ‫#‏مآكل‬ في ‫#‏لبنان‬ مسيحية المنشأ ( نباتية غالبا) ودخلت كقطعة في المازة، والمازة لوحة فسيفسائية جميلة الألوان. أتساءل أحيانا ما دور ‫#‏الصيام‬ ‫#‏المسيحيّ‬في غنى ‫#‏المازة‬ اللبنانية؟

بائع جوال في الكوفة


هذه الحكاية يرويها ضابط اميركي ايام الاحتلال للعراق. كانت المظاهرات ضد الوجود‫#‏الاميركي‬ تسفر عن جرحى وقتلى. فكّر الضابط المسؤول، لم يكتف بالتفكير، كان يمارس التفكير المرئيّ، طلب من معاونيه احضار افلام تسجل الاحداث. وراح يرقب كيفية تكوين التظاهرات في ‫#‏الكوفة‬، مجموعة صغيرة تتضخم شيئا فشيئا ويدخل اليها باعة جوالون، وكان يكفي ان يرمي مندس حجرت او قنينة حارقة ليلهتب المشهد.
بكل بساطة ذهب ‫#‏الضابط‬ المسؤول عند رئيس بلدية الكوفة يطلب منه ان كان بإمكانه منع ‫#‏الباعة‬ المتجولين من الدخول الى ساحة المظاهرات.
ابعاد الباعة الجوالين أبطل مفعول ‫#‏التظاهرات‬ الطويلة العمر. المتظاهر يجوع ليس في متناول النظر باعة يلبون طلب الأمعاء الخاوية فتنفض التظاهرة شيئا فشيئا . فالجوع‫#‏كافر‬ حتّى بالمظاهرات!

من شعر ابن لنكك

قالها الشاعر العبّاسيّ ابن لَنْكك البصري ( القرن الرابع الهجري/ العاشر الميلادي):
"وإنَّ زماناً أنْتُمُ رؤساؤُهُ / لأهلٌ لأنْ يُخْرى عليهِ ويُضْرطا"

عذاب القبر

ما سأرويه ليس من نسج ‫#‏الخيال‬ . لقد قال لي ذات يوم والد يريد أن يشجّع ابنه على‫#‏القراءة‬ وحب ‫#‏المعرفة‬، -وعمر ابنه آنذاك ثلاث عشرة سنة! - فاشترى له كتاباً عن‫#‏عذاب_القبر‬!
وعرفت فيما بعد ان ابنه دفن #المعرفة بين دفتي كتاب عذاب القبر!
من قال ان المعرفة تحب أن تنام بين ‫#‏القبور‬؟

الشاعر والكلاب


ثمة حكاية طريفة من عصر المماليك بطلها لحّام اسمه أبو الحسين "الجزّار"، عاش في القرن الثامن للهجرة. ابتلى الله هذا اللحّام بحبّ الشعر ونظمه، فالشعر ديوان العرب. ولكن الوقت الذي كان يقضيه في ملحمته لم يكن يسمح له بتكريس حياته للشعر كما كان يتمنّى ويهوى. والهواية تكون أحياناً قاتلة، ولعلّ دنوّ لفظها من الهاوية له ما يبرّره. وكلّما اشتدّ عود ملكته الشعرية كانت علاقته" بالساطور والوَضَم" - كما يقول الناقد الراحل شوقي ضيف- تتقلّص. اللحّام يبني علاقة طيبة مع أدوات مهنته وزبائنه،  كما تبني الكلاب أيضاً معه علاقة تشبع المعدة.

كان أبو الحسين الجزّار يعرف أن الكلاب بحاجة إليه، فهو يعني لها الكثير. ولكنه كان يتبرّم من عمله. شيطان الشعر أغواه، بلبل لبّه وفتن لسانه، فراح بينه وبين نفسه يقول: أنا شاعر، وعليّ أن أعيش حياتي الشعريّة، الجِزارة لا تليق بكلماتي، السطور ميداني وليس الساطور!". قدم استقالته من المهنة التي ورثها عن أبيه وجدّه والتي منحته اسمه، فهو عرف طوال حياته بأبي الحسين الجزّار، ولا تزال رائحة اللحم تفوح من اسمه إلى اليوم.

 ولكن ماذا يفعل بموهبته؟ من يتبرّع برعايتها؟ لم يكن الشعر في زمانه ينعم بالسيادة والاستقلال. فالشعر ليس مهنة، وقد لا يطعم لحماً! لا بدّ له من حاضن أو أب يتبنّاه. ونحن نعرف علاقة الشاعر القديم بالجغرافيا. إنه كان أشبه بالبدويّ في الصحراء الذي يفكّ أوتاد خيمته في موسم الجفاف ويرحل بحثاً عن الماء والكلأ ليلقي عصا الترحال.

الشاعر العربيّ القديم لم يكن بعيداً عن أجواء جدّه البدويّ الرحّال. إنّه ينتقل إلى حيث يجد شخصاً يعيره سمعه لإلقاء قصيدة لقاء حفنة من الدراهم أو الدنانير تهطل عليه كالغيث فتنعش جذور أيّامه. البعض لم يكن يرى فرقاً بين "بيت الشِّعر" و"بيت الشَّعر"، فالشاعر بدوي يترحّل من مكان إلى مكان. يمدح ويهجو. يسلّط على البخيل سيف لسانه البتّار. الأمراء والوزراء والكبراء كانوا يقطعون لسان الشاعر بالعطايا، فـ"عداوة الشعراء بِئْسُ المقتنى" على ما قال الشاعر الخبير أبو الطيّب المتنبّي. وكلّ من له إلمام بالشعر العربي القديم يعرف أن المديح يأتي، في نظر النقّاد، في الطبقة الأولى من الشعر. وهذا ما حدا ببعضهم الى عدم الاعتراف بعمر بن أبي ربيعة أو اعتباره شاعراً ناقصاً( غير مكتمل "الفحولة" الشعرية) لأنّه لم يَرد كثيراً مورد المديح. الغزل وحده لا يكمل نصاب الشاعر للحصول على لقب( الشاعر "الفحل")، ولا شعر الحكمة وحده يسمح لكفّ الناظم بالقبض على "الفحولة" الشعريّة.

ترك أبو الحسين الجزّار وراء ظهره مهنة الجزارة وسواطيرها وكلابها. وراح يطرق أبواب رجالات العصر، لكنّه سرعان ما انتبه إلى أمر لم يكن قد حسب له حسابا، أو دار في خلده، وهو أن الوقوف على أعتاب الممدوحين لا يخلو من ذلّ السؤال، وان الاكتفاء بالشعر كان يفرض على الشاعر شروطاً قد لا تتقبّلها كرامته الشخصيّة أو الشعريّة.

شعر أبو الحسين الجزّار بصدمة نفسيّة وشعريّة قاسية، وبإهانة كاسرة تنهش بأنيابها في لحم قصائده. هنا أدرك انه أخطأ في حقّ الجِزارة فندم على عقوقه المهنيّ، فأن يكون قصّاباً يقرض الشعر خير له من أن يكون مدّاحاً يتسوّل العطايا. طوى دواوينه وعاد إلى مهنته بعد أن اكتشف القيمة التي تمنحه إياها، حتى ولو كانت نظرة العرب القدامى إلى "المهنة" نظرة احتقار لا تزال عالقة بمفردة "المهنة" إلى الآن. إن ممارسة مهنة عند البدوي القديم عمل مهين ومجلبة للهوان. والعلاقة اللغوية بين "المهنة" و"المهانة" ليست عارضة في المعجم العربيّ.

عاد الشاعر الجزّار إلى ملحمته بعد أن اشتهى مضغ اللحم على أبواب الممدوحين، ودوّن تجربته المدحيّة المهينة في أبيات شعر يقول فيها:


لا تلمني يا سيّدي شرف الدين إذا ما رأيتني قصّابا
كيف لا أشكر الجِزارة ما عشت وأ
هجر الآدابا
وبها صارت الكلاب ترج
ّيني وبالشعر كنت أرجو الكلابا



 من هو شرف الدين الذي يطلب منه الشاعر أن لا يلومه على كونه قصّاباً؟ وهل هو سيّده فعلاً؟ وهل هو شخص حقيقيّ من لحم وعظم أم أنّه مجرّد اسم شعريّ اختاره أبو الحسين الجزّار لأنّه اسم مركّب من مفردتَي "الشرف" و"الدين"؟ إنّ التحليل السيميائيّ للنصوص لا يؤمن باعتباطيّة الاختيار.

 والله أعلم!


السبت، 26 سبتمبر 2015

لحّام غشّاش


سمعت الحكاية التالية عن لحام غشّاش، ولا أعرف سبب كثرة الحكايات عن الغشّ في اللحمة. المهم، كان اللحام أعزب، وكان يساعدة في الملحمة عامل مخلص له، وبعد ان كبر في العمر سلّم الملحمة لذلك العامل، وكان صاحب الملحمة يأتي بين وقت وآخر الى الملحمة لأخذ ما يحتاجه من اللحمة.
فيرحّب به العامل أجمل ترحيب ويفسح له المجال ليختار ويقطع ما يشاء من اللحم.
لم يكن ترحيب العامل بمعلمه لوجه الله!
ولم يكن إفساح المجال لمعلمه ليختار القطعة التي يريدها لوجه الله،
عبارة " لوجه الله" ملغومة جدا، وأحيانا تضمر خبثا ونوايا سيئة كثيرة، لذا من الحكمة وضع علامات استفهام حولها وأخذ الحذر منها،
كان السبب بكلّ بساطة ان العامل يعرف تمام المعرفة ان معلّمه غشّاش محترف، وزعبرجي من الطراز الرفيع، بحيث أن الحال يأخذه وهو يقصّ اللحمة لنفسه، ويظنّ انه يقص اللحمة لزبون من الزبائن، فيقوم باختيار القطع السيئة لنفسه. وما كانت يد العامل قادرة على غشّ معلمه فيترك له حرية ممارسة غشّ نفسه بنفسه، من غير أن يشعر العامل ، هنا، بأي نوع من تأنيب الضمير.

عقب ‫#‏سيجارة‬


لا قيمة من حيث الظاهر لأعقاب السجائر. وهناك قول صيني للحكيم التاوي الكبير دجوانغ تزه مفاده: "أهم من ان تعرف منفعة ما ينفع هو ان تعرف منفعة ما لا ينفع".
انشغل بال أحد الصينيين بمعرفة منافع عقب السيجارة واكتشف ان التفاعل الحاصل بين النيكوتين والقطران وفلتر عقب السيجارة يوّلد مادّة كفيلة بمعالجة صدأ الحديد!

سين جيم

أسئلة وأجوبة
الاسئلة نوعان:
1- غبية،
2- ذكية،
الأجوبة نوعان:
1- غبية،
2- ذكية،

النتائج:
1- اجابة غبية عن سؤال غبي،
2- اجابة ذكية عن سؤال ذكي،
3- اجابة ذكية على سؤال غبي،
4- أجابة غبية على سؤال ذكي،

العفن والنفع

لفت نظري اليوم  ان كلمة عفن هي عكس كلمة نفع، والعكس صحيح!
وفي كل لغة هذه الميزة، ولكن تختلف اللغات من حيث الكم.
كان الحريري قد استقصى كل احتمالات اللغة في مقاماته. اي ان نواة كل لعبة متوارية او مرئية في مقاماته.
كما هناك نوع من الكلمات لا تتغير سواء قراءتها من آخر ها او أولها، كما كلمة ليل او كلمة واو أو كلمة باب.
وهذه الكلمات ابواب للدخول الى طاقات لغوية عديدة يمكن النظر اليها ليس من باب اللغة وانما من باب الابتكار. الابتكار في عالم المال او عالم الطعام او عالم التجارة او عالم الاختراعات.
كنت اقرأ في كتاب المحيط الازرق او استراتيجية المحيط الازرق وهو كتاب في ادارة الاعمال واختراع اعمال، لفت نظري عدة امور فيه، منها مثلا طرح اسئلة من قبيل ما الفرق بين المطعم والسينما. او بالاحرى ما وجه الشبه بين السينما والمطعم؟ ما علاقة المطعم بدار الحضانة؟ الخ
الاسئلة مفاتيح لابواب مغلقة قد تدخلك الى خزانة اليس!

المصور وما يصوّر

المصوّر المحترف يعرف كيف يستخدم " زوم" الكاميرا.
وحياة المرء عليها ان تتعلّم من زوم الكاميرا فنّ الحياة.
بحركة بسيطة من الإصبع يتغيّر المشهد الذي تراه العين.
كنت أقرأ عن شخص يقرأ ما تقول له عدسة الكاميرا. ويصف ما تريه اياه الكاميرا.
كان يتكلم عن تضاريس وجبال ووهاد ووديان، ولكنه اكتشف بأنّه كان يتخيّل ما يرى بعد ان راحت عدسة الكاميرا تتسع وتتسع الى ان اكتشف ان ما تخيّله ووصفه ليس اكثر من ليمونة كان يراها من وراء عدسة ماكرو!
وأذكر اني كنت امرّر صورة بالأبيض والأسود لقطها مصوّر محترف أمام عيون الأصدقاء ليعرفوا ما هي الصورة.
كان اجماع الحاضرين على انها ظهر امرأة عارية، ولكن بعد ان كشفت لهم كواليس الصورة عرفوا انها مقطع من قرن فليفلة حلوة !
أطاحت الكواليس بإجماعهم

بين اللغة والدين

لا تختلف طبيعة الدين كثيرا عن طبيعة ‫#‏اللغة‬.
اللغة الواحدة تتفرّع الى ‫#‏لهجات‬.
والدين الواحد يتفرّع الى ‫#‏مذاهب‬.
التعدّد سنّة الواحد.
لكلّ ‫#‏دين‬ ‫#‏شجرة‬ عائلة.
لكلّ ‫#‏لغة‬ شجرة عائلة.
ولكلّ فرد شجرة عائلة جذورها غائرة في المجهول.
لم أر شجرة عائلة تتكلّم على ‫#‏الجذور‬.
تكتفي الشجرة العائلية ، عادةً، بالأغصان.
ولكن هل تعيش شجرة بلا جذور و " شلوش"؟
قد تتخلّى بعض ‫#‏الأشجار‬ حين نقلها من مكان الى آخر عن بعض " شلوشها"، وتفرّخ " شلوشاً" جديدة.
الشجرة حين تنتقل من جغرافيا الى أخرى هل تحافظ على نكهة ثمراتها؟
هل الزعرور " الصيداوي" المزروع في صيدا له نفس طعم ‫#‏الزعرور‬ ‫#‏الصيداوي‬ الذي عاشت شروشوه وترعرعت في الفيحاء وشربت من مياه نهر ابو علي؟
وما الذي يمنح زيتون الكورة ميزة غير الأرض والتربة وعلاقتها مع سطح البحر؟

لعبة الطمان

بين يدي كل انسان فرص كثيرة ولكنها تتطلب منه أن يغيّر عادات عينيه في النظر ليراها.
بعض الفرص تستهويها " لعبة الطمّان"!

كتاب القراءة

كتاب المسلمين المقدّس اسمه ( القراءة)، فالقرآن مصدر فعل قرأ ، ويعني، حرفيا، القراءة. نقول:
قرأ يقرأ قراءة، أو قرأ يقرأ قرآنا.
ما علاقة المسلمين بالقراءة؟
وهل تختلف علاقتهم بالقراءة عن علاقتهم بالقرآن؟

البتراء / امرأة بلا يدين



من وحي فيلم شاهدته على يوتيوب عن امرأة بلا يدين، تقود سيارة بقدميها، وتفتح باب بيتها بقدميها، وتسرّح شعرها بقدمها، وتضع الكحلة على رموش عينيها بقدميها والحمرة على شفتيها بقدميها، وتمسك ملعقة الأكل بقدميها.امرأة باهرة الإرادة لا ترى على وجهها اي معلم من معالم الأسى، لم تنظر الى نفسها على انها ذات احتياجات خاصّة، نقلت وظائف يديها المبتورتين الى قدميها، والدماغ جاهز لتلبية رغبات أصحابه، فقلت:
" في ناس بيشوفو إجريّن إيدين، وناس بيشوفوا إيديّن إجرين"!
ماذا يقول المرء عمّن متعه الله بكامل أعضائه، ولكن قرّر إعطاءها إجازة؟

من ‫#‏وجهة_نظر‬ ‫#‏كلب‬

من ‫#‏وجهة_نظر‬ ‫#‏كلب‬
الحرارة تباع.
البرودة تباع.
اللون يباع.
الشكل يباع.
هذه أربعة مصادر دخل في متناول كلّ أحد.
يمكنك أن تخترع شكلا، أو تخترع لونا او تستثمر الحرارة.
الحاجة تباع، من لا يسعى لسدّ رمق حاجاته.
اخترع حاجة،
كم عدد الأشياء التي يمكن أن تخترع؟
سأعطي مثالا واحدا غير متوفر في السوق.
وهو أن ترى بعيون الحيوانات.
كيف يرى الكلب العالم،؟
كيف يمكنك إذا كنت تحب الكلاب مثلا، وعشاق الكلاب في العالم الغربي بالملايين؟
ذهبت حين كنت في باريس الى مقبرة الكلاب، وهي مقبرة لم تر عيني ‫#‏مقبرة‬بشرية تفوقها جمالا وخضرة في ربوع كل لبنان.
يخترع من يريد ‫#‏نظارة‬ ليست طبية وانما كلبية فيرى من يضعها ‫#‏العالم‬ من " وجهة نظر كلب" مثلا.
الا يحب ‫#‏عاشق‬ الكلب أن يتعاطف مع ‫#‏الكلب‬ نظرياً؟
اليس من ‫#‏الطرافة‬ ان تغير للحظات نظرتك الى العالم؟
وترى الدنيا بعيني كلب أو ‫#‏نسر‬ أو حتى ‫#‏ذبابة‬ أو ‫#‏برغشة‬؟
ترى كيف سيكون شكل العالم؟

كلام وطعام

علاقة بين ‫#‏الأكل‬ والحكي حميمة.
يستغرب البعض هذه العبارة، ويسألني ما علاقة ‫#‏الطعام‬ بالكلام؟
ما أقوله الآن ليس من عندياتي، هذا ما يقوله ‫#‏الفم‬.
الفم باب الطعام كما هو باب ‫#‏الكلام‬، وكثيرا ما التقى الكلام والطعام على باب الأفواه.
واللقاء أنجب صحبة.
ثمّ أن ‫#‏الأدب‬ والطعام على علاقة طيبة، وهذا ايضا ما تقوله مفردتان من صلب‫#‏العربية‬.
والعربية لغة عاقلة وحميدة تعرف كيف تدير شؤون العالم ولها نظرات حصيفة.
فالأديب والمأدبة يحضنهما ‫#‏جذر‬ واحد (أ-د-ب )!
أليس كذلك؟

النحت الغذائي

نحت الغذائي
أتسلّى أحياناً بإيجاد معادلات غذائية لمصطلحات النحو والصرف ومصطلحات علوم‫#‏البيان‬ والبديع والمعاني.
مثلاً في اللغة " ‫#‏نحتٌ‬ لغويّ" وأعطي مثالا من اللغة الانكليزية وهي ‫#‏كلمة‬ " webographie ، ( فهرس مواقع انترنت) ولكن الأ نجد " نحتاً مذاقيّا" على صعيد‫#‏الطعام‬؟
ألم يستخرج ‫#‏العالم‬ الانتروبولوجي كلود ليفي استراوس مثلّثه الغذائي الشهير (‫#‏النيء‬، ‫#‏المطبوخ‬، المعفن) من ‫#‏المثلّت‬ الصوتيّ في اللغة وهو المركات الثلاث الأساسية ( الفتحة والضمّة والكسرة
أشياء العالم لا يمكن سبر أغوارها الاّ من خلال ما يسمى interdisciplinité او transdisciplinité أي من خلال التخصص العابر للتخصصات كما خيط السبحة العابر لكلّ الحبّات.
بين كلّ شيئين مهما بعُد الشبَهُ بينهما وجه شبه.
أبو تمّام الشاعر العبّاسيّ الخارق كان يلقّب بشاعر الاستعارات البعيدة.
كان لخياله القدرة على رؤية وجه الشبه الخفيّ الذي لا تراه عيون غيره، وهذا ما بلبل، في اي حال ، أذهان النقّاد في عصره
‫#‏بلال_عبد_الهادي‬؟

توبة نملة




ثمّة من يسقط في فخّ النهايات أو بالأحرى في وهمها فتتحّول إلى معتقل للأفكار والأنظار والتفاسير. ولكن ثمّة من يتمرّد منذ البداية على النهايات المزعومة أو الموهومة. بعض المخرجين السينمائيين ممّن لا يحبّون السقوط في هذا الفخّ، ولا يحبّون إيقاع المشاهدين أيضاً في أحابيل النهايات، يريحون المشهد الأخير في الفيلم من كلمة "النهاية"، أي ينتهي الفيلم، عمليّاً، ولا ينتهي. وهكذا تبقى النهاية، طيّعة، مفتوحة على احتمالاتها الغنيّة، وكأنّ بالمخرج لا يريد أن يصادر فكر المشاهد أو خياله، وهذه ناحية لا تخلو من متعة. ولكن بعض المخرجين يصرّون على ترصيع الشاشة بكلمة "نهاية" إلا أنّ المشاهد يتمرّد على النهاية المكتوبة، يمحوها بعينيه ويتابع المشهد، يضيف إليه ما يعطيه معنى آخر، مناهضاً أحياناً، للمعنى الأوّل المبتور. وهذا ما يحاول أن يقوم به أيضاً بعض الكتّاب المتمردّين على زوايا النهايات الحادّة.

 وهنا أشير إلى حكاية النملة والصرصور(أو الزيز)، النملة النشيطة الدؤوب التي تهزأ بالصرصور الكسول الخمول! وترفض أن تقدّم له ما يقيم أوده في فصل الشتاء، وتنهره بقولها: إذا كنت تغنّي في الصيف فاذهب وارقص الآن. القصة مشهورة خلاصتها أنَّ النملة تلقّن الصرصور درساً في الأخلاق، وهو أنّ عليه الالتفات إلى مصلحته والأكل من عرق جبينه لا أن يكون عالة على تعب غيره. ولكن الشاعر والكاتب حسن عبد الله الذي يكتب للصغار والكبار معاً، لم يحبّ نهاية هذه القصّة، فيما يبدو، لا لأنه يكره النمل وسلوكه المتعالي أو لأنّه يتعاطف مع الصراصير وإنّما لأنّه ذهب إلى ما وراء الأمثولة فرأى أنها تهدم عنصراً هامّاً وممتعاً من عناصر الحياة، وهدم أيّ عنصر مخلّ بأمن الدنيا.

يأتي حسن عبد الله إلى نهاية حكاية "لافونتين" التي لم تنل استحسانه، يفتقها، يكرّ خيوطها، ويعيد حياكتها (أو حكايتها) من جديد، وهذا يعني عمليّاً نقضاً لها. يقول حسن عبد الله إنّ الصرصور استيقظ ضميره حين سمع سخرية النملة فراح يعمل بجدّ أين منه جدّ النملة نفسها. اعتزل الفن (بحسب التعبير الشائع) لأنّه لا يطعم خبزاً. كبح رغبة حنجرته في الغناء وحولها إلى طاقة عملية. ولكن سرعان ما لاحظ المسؤول عن العمّال في مملكة النمل أنّ الخمول دبّ في أقدام النمل فقلّ سعيه وإنتاجه. انشغل بال مملكة النمل. ماذا حدث ؟ من أين جاء مرض الخمول؟ أيّ فيروس ملعون اندسّ في أوصال المملكة ؟ أين النشاط السابق الذي صار مضرب مثل؟ أين الفرح الذي كان يرافق كالدندنة دبيب النمل؟ هل دعا الصرصور على النمل دعوة ليس بينها وبين السماء سحابة فاستجيبت دعوته؟

 بدأ أهل النظر في مملكة النمل يدرسون الأمر ويحاولون سبر الأسباب والعلل لاستئصال هذا الكسل الطارىء. كيف انتقل الكسل من جسد الصرصور إلى جسد النمل؟ انتبهوا إلى أنّ صوت الصرصور غاب عن السمع. ظنّوا أنّ في الأمر مؤامرة حاكت خيوطها الصراصير انتقاماً من عنجهيّة النمل مع صرصور يعضّه الجوع. أرسلوا عيونهم وجواسيسهم لرصد خيوط المؤامرة. لم يلحظوا ما يريب بل على العكس استقبلت الصراصير النمل بـ"الأهلا والسهلا "، والاعتراف بالجميل للدرس الذي لقنته النملة للصرصور لأنّها أيقظته من غفوته وغفلته، ونبّهته إلى ضرورة العمل والأكل من عرق جبينه لا من مدّ يده. ولم يكن كلام الصراصير للتمويه على جريمة ارتكبوها بحقّ النمل أو لتغطية الحقيقة بمعسول الكلام بل كانت الصراصير تتكلّم بمنتهى المحبة والامتنان.

ظلّت الحيرة كما الكسل يسريان في عروق النمل. والنمل كالبشر لا يرعبه شيء كما يرعبه أن يجهل ما حصل له وكيف حصل، وبطلان العجب لا يكون إلا بمعرفة السبب. لقد اكتشفوا إنّ كسلهم هو وليد صمت الصرصور، كان الصرصور يغنّي، وكان غناؤه يحرّك قدرات النمل وشهوته على العمل. اكتشفوا إنّ فضل صوت الصرصور على نشاطهم من الأمور التي كانوا يجهلونها. الصمت رهيب ومجلبة للخمول والكآبة. والحياة بلا أصوات خرساء، شلاّء، فتّاكة بالقدرات. من هنا قرّر النمل إرسال وفد إلى الصراصير للاعتذار منه وفتح صفحة جديدة تتمثّل بعقد صفقة غير قابلة للفسخ. طلبوا من الصراصير العودة إلى سنّة أصواتهم أي إلى الغناء لقاء تكفّل النمل بتكاليف حياة الصراصير.يبدو أنّ الصراصير طيّبة القلب وافقت على اقتراح النمل وعادت إلى الغناء وعاد النمل إلى العمل بنشاطه المعهود ولكن بخلاف جوهري وهو أنّ الصرصور لم يعد يأكل بعرق جبين النمل وإنما بعرق حنجرته.

 لن أسقط في فخّ النهايات لأنّي على شبه يقين بأنّ الكلمات الأخيرة من الحكاية ليست نهايتها وإنّما بداية جديدة. لأنّ كلّ نهاية عبارة عن بداية مموّهة. تجدر الإشارة إلى أنّ غناء الصراصير يذكّر أيضاً بحبّ الإبل للطرب وهو ما دعا إلى ولادة ما يعرف عند العرب بـ"حُداء الإبل"، وسكّان الصحراء يعرفون جيّداً فعل إيقاعات تفاعيل الرجز في تنشيط أخفاف الإبل.