كتبهابلال عبد الهادي ، في 21 كانون الأول 2011 الساعة: 18:06 م
الباب الأول
من كثُرت لحظاته دامت حسراته
قال بعض الحكماء ربَّ حربٍ جُنيت من لفظة وربَّ عشق غُرس من لحظة وقال العتبي أبو الغصن الأعرابي قال: خرجت حاجّاً فلما مررت بقباء تداعى النَّاس ألماً وقالوا قد أقبلت الصقيل فنظرت وإذا جارية كأن وجهها سيف صقيل فلما رميناها بالحدق ألقت البرقع على وجهها فقلت يرحمكِ الله إنا سفرٌ وفينا أجرٌ فأمتعينا بوجهكِ فانصاعت وأنا أرى الضحك في عينيها وهي تقول:وكنتَ متى أرسلتَ طرفكَ رائداً | لقلبكَ يوماً أتبعتكَ المنـاظـرُ | |
رأيتَ الذي لا تأكلهُ أنـتَ قـادرٌ | عليه ولا عنْ بعضهِ أنتَ صابرُ |
أرَى الحرَّ لا يفنَى ولمْ يفنـهِ الأُلـى | أُحينوا وقدْ كانوا علَى سالفِ الدَّهرِ | |
وكلـهـمُ قـدْ خـالـهُ فـي فـؤادهِ | بأجمعهِ يحكونَ ذلكَ في الشِّـعـرِ | |
وما الحبُّ إلاَّ سمـعُ أُذنٍ ونـظـرةٌ | ووجبةُ قلبٍ عن حديثٍ وعنْ ذكـرِ | |
ولوْ كانَ شيءٌ غيرهُ فنـيَ الـهـوَى | وأبلاهُ مَن يهوى ولوْ كانَ مِن صخرِ |
تعرَّضنَ مرمى الصَّيدِ ثمَّ رَمـينـا | منَ النَّبلِ لا بالطَّائشاتِ الخواطفِ | |
ضعائفٌ يقتلنَ الـرِّجـالَ بـلا دمٍ | فيا عجباً للقاتلاتِ الـضَّـعـائفِ | |
وللعينِ ملهًى في التلادِ ولـمْ يقـدْ | هوَى النَّفس شيئاً كاقتيادِ الطَّرائفِ |
وكمْ منْ فتًى جَلدٍ يقادُ لـحـينـهِ | بطرفٍ مريضِ النَّاظرَينِ كحيلِ | |
إذا ما الهوى منهُ تعزَّزَ جـانـبٌ | فما شئتَ مِن مقتولةٍ وقـتـيلِ |
إنَّ العيونَ التي في طرفِها مرضٌ | قتلننا ثمَّ لـمْ يحـيينَ قـتـلانـا | |
يصرعنَ ذا اللُّبِّ حتَّى لا حراكَ بهِ | وهنَّ أضعفُ خلقِ اللهِ أركانـا |
رمى اللهُ في عينيْ بثـينةَ بـالـقـذَى | وفي الغرّ مِن أنيابِهـا بـالـقـوادحِ | |
رمتْني بسهمٍ ريشهُ الكحلُ لـمْ يضـرْ | ظواهرَ جلدي فهوَ في القلبِ جارِحي |
وقال العديل بن الفرج العجلي:
يأخذنَ زينتهنَّ أحسنَ ما تـرَى | فإذا عطِلنَ فهنَّ غيرُ عواطلِ | |
وإذا جلينَ خدودهـنَّ أرَيْنـنـا | حدقَ المها وأخذنَ نبلَ القاتلِ | |
فرَمَيْنا لا يستـتـرنَ بـجُـنَّةٍ | إلاَّ الصِّبى وعلمنَ أينَ مَقاتلي | |
يلبسنَ أرديةَ الوقارِ لأهلِـهـا | ويجرُّ باطلهنَّ حبلَ الباطـلِ |
سَمْعي وطرفي حليفَا أعلَى جـسـدي | فكيفَ أصبرُ عنْ سمعي وعنْ بصري | |
لوْ طاوَعاني علَى أنْ لا أُطـاوعَـهـا | إذاً لقضَّيتُ مِن أوطارِهـا وطَـري |
بيضٌ أوانسُ يلتاطُ العبـيرُ بـهـا | كفَّ الفواحشَ عنها الأُنسُ والخفرُ | |
ميلُ السَّوالفِ غـيدٌ لا يزالُ لـهـا | منَ القلوبِ إذا لاقينَـهـا جـزرُ |
يا مَن بدائعُ حسنِ صورتـهِ | تَثني إليهِ أعنَّةَ الـحـدقِ | |
لي منكَ ما للنَّاسِ كلّـهـمِ | نظرٌ وتسليمٌ علَى الطُّرقِ | |
لكنَّهمْ سعدُوا بـأمـنـهـمِ | وشقيتُ حينَ أراكَ بالفرقِ |
دعا قلبهُ يوماً هوًى فـأجـابـهُ | فؤادٌ إذا يلقَى المِراضَ مريضُ | |
بمُستأنِساتٍ بالحـديثِ كـأنَّـهـا | تهلُّلُ مزنٍ برقهـنَّ ومـيضُ |
طربتُ إلى حوراءَ آلـفةِ الـخِـدرِ | هيَ البدرُ أوْ إنْ قلتَ أكملُ مِنْ بدرِ | |
تُراسلُني باللَّحظِ عـنـدَ لـقـائهـا | فتخلسُ قلبي عندَ ذلكَ مِنْ صدري |
ويومَ ارتحالِ الحيِّ راعتـكَ روعةً | فلمْ تنسَها مِنْ ذاكَ إلاَّ علَى ذكـرِ | |
رمتكَ بعينيْ فرقدٍ ظـلَّ يتَّـقـي | شآبيبَ قطرٍ بينَ غُصنينِ مِنْ سدرِ |
قلبي إلى ما ضرَّني داعِـي | يُكثرُ أسقامي وأوْجـاعـي | |
لقلَّ ما أبقَى علَى مـا أَرى | أُشكُ أنْ ينعانِيَ النَّـاعِـي | |
كيفَ احْتراسِي من عدوِّي إذا | كانَ عدوِّي بينَ أضلاعِـي | |
ما أقتلَ اليأْسَ لأهلِ الهـوَى | لا سيَّما مِنْ بعدِ إطـمـاعِ |
فلمَّا ادَّركناهنَّ أبدينَ للـهـوَى | محاسنَ واسْتولينَ دونَ محاسنِ | |
ظعائنُ يستحدثنَ في كلِّ بـلـدةٍ | رَهيناً ولا يُحسنَّ فكَّ الرَّهائنِ |
خليليَّ ما صبرِي علَى الزَّفراتِ | وما طاقَتي بالشَّوقِ والعبراتِ | |
تقطَّعُ نفسِـي كـلَّ يومٍ ولـيلةٍ | علَى إثرِ مَنْ قدْ فاتَها حسراتِ | |
سقَى ورعَى اللهُ الأوانسَ كالدُّمى | إذا قمنَ جنحَ اللَّيلِ مُنبهـراتِ | |
دعونَ بحبَّاتِ القلوبِ فأقبـلـتْ | إليهنَّ بالأهواءِ مُـبـتـدراتِ |
إذا هنَّ ساقطنَ الأحاديثَ لـلـفـتَـى | سقوطَ حصَى المرجانِ مِنْ سلكِ ناظمِ | |
رمينَ فأنفـذنَ الـقـلـوبَ ولا تـرَى | دماً مائراً إلاَّ جوًى فـي الـحـيازمِ | |
وخبَّـركِ الـواشـونَ ألاّ أُحـبّـكـمْ | بلَى وستورِ البيتِ ذاتِ الـمـحـارمِ | |
أصدُّ وما الصَّدُّ الذي تـعـلـمـينـهُ | بنا وبـكـمْ إلاَّ جـزع الـعـلاقـمِ | |
حياءً وبُـقـيا أنْ تـشـيعَ نـمــيمةٌ | بنا وبـكـمْ أُفٍّ لأهـلِ الـنَّـمـائمِ | |
أمَا إنَّه لـوْ كـانَ غـيركِ أرقـلـتْ | صعادُ القنا بالرَّاعفـاتِ الـلَّـهـاذمِ | |
ولكنْ وبيتِ اللهِ ما طـلَّ مـسـلـمـاً | كغرِّ الثَّنايا واضحـاتِ الـمـلاغـمِ | |
وإنَّ دماً لوْ تـعـلـمـينَ جـنـيتـهِ | علَى الحيِّ جانِي مثلـهِ غـيرُ نـائمِ |
فلمَّا تواقَفْنا وسلَّمـتُ أقـبـلـتْ | وجوهٌ زهاها الحسنُ أنْ تتقنَّعـا | |
تبالَهْنَ بالعرفانِ لمَّا عرفـنـنـي | وقلنَ امرؤٌ باغٍ أضلَّ وأوضعـا | |
وقرَّبنَ أسبابَ الهـوَى لـمـتـيَّمٍ | يقيسُ ذراعاً كلَّما قسنَ إصبعـا | |
فقلتُ لمُطريهنَّ بالحسـنِ إنَّـمـا | ضررتَ فهلْ تسطيعُ نفعاً فتنفعَا |
وكمْ مِنْ قـتـيلٍ مـا يُبـاءُ بـهِ دمٌ | ومِنْ غلقٍ رهناً إذا لـفَّـهُ مِـنَـى | |
ومن مالئٍ عينيهِ مِنْ شـيءِ غـيرهِ | إذا راحَ نحوَ الجمرةِ البيضُ كالدُّمى | |
أوانسُ يسلـبـنَ الـحـلـيمَ فـؤادهُ | فيا طولَ ما شوقٍ ويا حسنَ مُجتلَى | |
مع اللَّيلِ قصراً قدْ أضرَّ بكـفِّـهـا | ثلاثَ أسابيعٍ تعدُّ منَ الـحـصَـى | |
فلمْ أرَى كالتَّجميرِ منظـرَ نـاظـرٍ | ولا كليالِي الحجِّ أفـتـنَّ ذا هـوَى |
بوارحُ رحنَ من برحٍ إلـينـا | بأفئدةِ الرِّجالِ مـبـرِّحـاتِ | |
رمينَ حصَى الجمارِ بخاضباتٍ | وأفئدةَ الرِّجالِ بصـائبـاتِ |
فما ظبيةٌ ترعَى مـسـاقـطَ رمـلةٍ | كسَا الواكفُ الغادي لها ورقاً خُضرا | |
بأحسنَ مِنْ ميٍّ عـشـيَّةَ حـاولـتْ | لتجعلَ صدعاً في فؤادكَ أوْ عَقـرا | |
بوجهٍ كقرنِ الشَّمسِ حـرٍّ كـأنَّـمـا | تهيجُ بهذا القلبِ لمـحـتـهُ وقْـرا | |
وعينٍ كأنَّ الـبـابـلـيَّيْنِ لـبَّـسـا | بقلبكَ منها يومَ لاقيتَـهـا سِـحـرا |
أصابكَ نبلُ الحـاجـبـيَّةِ إنَّـهـا | إذا ما رمتْ لا يستبلُّ كليمُـهـا | |
لقدْ غادرتْ في القلبِ منِّي أمـانةً | وللعينِ عبراتٌ سريعٌ سجومُهـا | |
فذُوقي بما أجنيتِ عيناً مـشـومةً | عليَّ وقدْ يأتِي علَى العينِ شومُها |
وتنالُ إذا نظرتْ إليكَ بطرفِهـا | ما لا ينالُ بحدِّهِ الـنَّـصـلُ | |
وإذا نظرتَ إلى محاسنِ وجهِها | فلكلِّ موضعِ نظـرةٍ قـتـلُ | |
ولقلبِهـا حـلـمٌ تـصـدُّ بـهِ | عنْ ذي الهوَى ولطرفِها جهلُ |
يا جفوناً سواهِداً أعدمتْها | لذَّةَ النَّومِ والرُّقادِ جفونُ |
إنَّ للهِ في العـبـادِ مـنـايَا | سلَّطتْها علَى القلوبِ عيونُ |
دارَ الهوَى بعبادِ اللـهِ كـلّـهـمِ | حتَّى إذا مرَّ بي مِنْ بينهمْ وقفَـا | |
إنِّي لأعجبُ مِنْ قلبٍ يكلِّـفـكـمْ | ومَا يرَى منكمُ برّاً ولا لَطَـفـا | |
لولا شقاوةُ جدِّي ما عرفـتـكـمُ | إنَّ الشَّقيَّ الذي يشقَى بمنْ عرَفا |
رمتْني وسِترُ اللهِ بيني وبينها | عشيَّةَ أحجارِ الكَنَاسِ رميمُ | |
رميمُ الَّتي قالتْ لجاراتِ بيتها | ضمنتُ لكمْ أنْ لا يزالَ يهيمُ | |
ألا ربَّ يومٍ لوْ رمتْني رَمَيْتها | ولكنَّ عهدي بالنِّضالِ قـديمُ |
رمتْني علَى فوتِ بثينةُ بعدَ ما | تولَّى شبابِي وارْجحنَّ شبابُها | |
بعينينِ نجلاوينِ لوْ رقرقتْهُما | لنوءِ الثُّريَّا لاستهلَّ سحابُهـا |
ولكنَّما ترمينَ نفساً شقـيَّةً | لعزَّةَ منها صفوُها ولبابُها |
وقال أبو عبادة البحتري:
نظرتْ قادرةً أنْ ينـكـفِـي | كلُّ قلبٍ في هواهَا بعـلَـقْ | |
قالَ بُطلاً وأفالَ الـرَّأيَ مَـنْ | لمْ يقلْ إنَّ المنايا في الحـدَقْ | |
كانَ يكفِي ميِّتاً مِـنْ ظـمـإٍ | فضلُ ما أوبقَ ميْتاً مِنْ غرَقْ | |
إنْ تكنْ محتسباً مَنْ قـدْ ثـوَى | لحمامٍ فاحتسبْ مَنْ قدْ عشِقْ |
وفي الخدورِ غماماتٌ برقنَ لـنـا | حتَّى تصيَّدننَا مِنْ كلِّ مُصـطـادِ | |
يقتُلْننا بـحـديثٍ لـيسَ يعـلـمـهُ | مَنْ يتَّقينَ ولا مكـتـومـهُ بـادِ | |
فهنَّ يُبدينَ مِنْ قولٍ يُصـبـنَ بـهِ | مواقعَ الماءِ من ذِي الغلَّةِ الصَّادي |
وفي مثل ذلك يقول طرفة بن العبد:
تعارفُ أرواحُ الرِّجالِ إذا التقَوْا | فمنهمْ عدوٌّ يُتَّقـى وخـلـيلُ | |
وإنَّ امرءاً لمْ يعفُ يوماً فكاهةً | لمنْ لمْ يردْ سوءاً بها لجهولُ |
وقد قال جميل في ذلك:
تعلَّقُ رُوحي روحَها قبلَ خلقِـنـا | ومِنْ بعدِ ما كنَّا نِطافاً وفي المهدِ | |
فزادَ كمَا زِدنا فأصـبـحَ نـامِـياً | وليسَ إذا مُتنا بمُنتقضِ العـهـدِ | |
ولكنَّهُ بـاقٍ عـلَـى كـلِّ حـالةٍ | وزائرُنا في ظُلمةِ القبرِ واللَّحـدِ |
مَنْ كانَ يشجَى بحبٍّ ما لهُ سببٌ | فإنَّ عندي لِما أشجَى بهِ سببُ | |
حُبِّيهِ طبعٌ لنفـسِـي لا يغـيِّرهُ | كرُّ اللَّيالِي ولا تُودي بهِ الحقبُ |
إن كانَ لا بدَّ للعشَّاقِ من عطبٍ | ففي هوَى مثلهِ يُستغنمُ العطبُ |
وقد قال بعض الشعراء في مثله:
إنَّ المحبَّةَ أمرُها عجـبٌ | تُلقَى عليكَ وما لها سببُ |
قضَى اللهُ يا سمراءُ منِّي لكِ الهوَى | بعزمٍ فلمْ أمنعْ ولمْ أُعطِهِ عمـدا | |
وكلُّ أسيرٍ غيرُ مَنْ قدْ ملـكـتـهِ | مُرجًّى لقتلٍ أوْ لنعماءُ أوْ مُفـدَى |
ثلاثةُ أحبابٍ فحـبُّ عـلاقةٍ | وحبُّ تِملاقٍ وحبٌّ هوَ القتلُ |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق