| قِفْ بالمعَرَّةِ وامسَحْ خَدَّها التَّرِبا | واستَوحِ مَنْ طَوَّقَ الدُّنيا بما وَهَبا |
| واستَوحِ مَنْ طبَّب الدُّنيا بحكْمَتَهِ | ومَنْ على جُرحها مِن روُحه سَكَبا |
| وسائلِ الحُفْرةَ المرموقَ جانِبُها | هل تبتَغي مَطْمَعاً أو ترتجي طلَبا ؟ |
| يا بُرجَ مفْخَرةِ الأجداث لا تهِني | أنْ لم تكُوني لأبراج السَّما قُطُبا |
| فكلُّ نجمٍ تمنَّى في قَرارته | لو أنَّه بشُعاعٍ منكِ قد جُذبا |
| والمُلْهَمَ الحائرَ الجبَّارَ ، هل وصَلَتْ | كَفُّ الرَّدى بحياةٍ بَعْدَه سَبَبا؟ |
| وهل تَبدَّلْتَ رُوحاً غيرَ لاغبةٍ | أم ما تزال كأمسٍ تشتكي اللَّغَبا |
| وهل تخبَّرْتَ أنْ لم يألُ مُنْطَلِقٌ | منُ حرّ رأيكَ يَطْوي بعْدكَ الحقَبا |
| أم أنتَ لا حِقَبلً تدري ، ولا مِقَةً | ولا اجتواءً ، ولا بُرءاً ، ولا وصَبا |
| وهل تصَحَّحَ في عُقْباكَ مُقْتَرحٌ | ممَّا تفَكرتَ أو حَدَّثْتَ أو كُتِبا ؟ |
| نَوِّر لَنا ، إنَّنا في أيّ مُدَّلج ٍ | ممَّا تَشكَّكْتَ ، إنْ صِدقاً وإنْ كذبا |
| أبا العلاءِ ، وحتى اليومِ ما بَرِحتْ | صَنَّاجهُ الشَعر تُهدي المترفَ الطَّربا |
| يَستنزلُ الفكرَ من عَليا مَنازلهِ | رأسٌ ليمسحَ من ذي نعمةٍ ذنَبا |
| وزُمرةُ الأدبِ الكابي بزُمرتهِ | تفرَّقَتْ في ضَلالاتِ الهوى عُصَبا |
| تَصَّيدُ الجاهَ والألقابَ ناسيةً | بأنَّ في فكرةٍ قُدسيَّةٍ لقبا |
| وأنَّ للعبقريّ الفذِّ واحدةً | إمَّا الخُلودَ وإمَّا المالَ والنَّشبا |
| من قبلِ ألفٍ لَو انَّا نبتغي عِظةً | وعَظْتَنا أنْ نصونَ العلمَ والأدبا |
| على الحصيرِ .. وكوزُ الماء يَرفدهُ | وذِهنُه .. ورفوفٌ تحمِلُ الكتبا |
| أقامَ بالضَّجَّةِ الدُّنيا وأقعدَها | شيخٌ أطلَّ عليها مُشفقاً حَدِبا |
| بَكى لأوجاعِ ماضيها وحاضرِها | وشامَ مُستقْبَلاً منها ومرتقبَا |
| وللكآبةِ ألوانٌ ، وأفجعُها | أنْ تُبصرَ الفيلسوفَ الحُرَّ مكتئِبا |
| تناولَ الرثَّ من طبعٍ ومُصطَلحٍ | بالنقدِ لا يتأبَّى أيَّةً شجبا |
| وألهمَ الناسَ كي يَرضَوا مغبَّتهم | أن يُوسعوا العقلَ ميداناً ومضطَربا |
| وأنْ يَمدُّوا به في كلِّ مُطَّرحٍ | وإنْ سُقوا مِن جَناه الويلَ والحرَبا |
| لِثورةِ الفكرِ تأريخٌ يحدّثُنا | بأنَّ ألفَ مسيحٍ دونَها صُلِبا |
| إنَّ الذي ألهبَ الأفلاكَ مِقولُه | والدَّهرَ .. لا رَغَباً يرجو ولا رهَبا |
| لم ينسَ أنْ تشمَلَ الأنعامَ رحمتُهُ | ولا الطيورَ .. ولا أفراخَها الزُغُبا |
| حَنا على كلّ مغضوبٍ فضمَّده | وشجَّ منْ كان ، أيّاً كان ، مغتصِبا |
| سَلِ المقاديرَ ، هل لازلتِ سادرةً | أمْ أنتِ خجلى لِما أرهقتهِ نصبا؟ |
| وهل تعمَّدتِ أنْ أعطيتِ سائبةَ | هذا الذي من عظيمٍ مثْلِه سُلبا |
| هذا الضياءَ الذي يَهدي لمكمنّه | لِصّاً ويُرشدُ أفعى تَنفُثُ العَطَبا |
| فانْ نَخَرتِ بما عوَّضتِ من هبةٍ | فقد جنيتِ بما حمَّلتهِ العصبا |
| تلمَّسَ الحُسنَ لم يمدُدْ بمُبصرةٍ | ولا امتَرى دَرَّةً منها ولا حلبا |
| ولا تناولَ من ألوانها صُوراً | يَصُدُّ مبتعِدٌ منهنَّ مُقتربا |
| لكنْ بأوسعَ من آفاقها أمداً | رَحْباً ، وأرهفَ منها جانباً وشَبا |
| بعاطفٍ يتبنَّى كلَّ معتلِجٍ | خفَّاقه ويُزكّيهِ إذا انتسبا |
| وحاضنٍ فُزَّعَ الأطيافِ أنزلها | شعافَه وحباها معقِلاً أشِبا |
| رأسٌ من العَصَبِ السامي على قفص | من العظام إلى مهزولةٍ عُصِبا |
| أهوى على كُوَّةٍ في وجههِ قدَرٌ | فسَدَّ بالظلْمةِ الثُقْبينِ فاحتجبا |
| وقال للعاطفات ِ العاصفاتِ بهِ | ألآنََ فالتمسي مِن حُكْمهِ هربا |
| ألآنَ يشربُ ما عتَّقتِ لا طفَحاً | يُخشى على خاطرٍ منه ولا حبَبا |
| ألآنَ قولي إذا استوحشتِ خافقَه | هذا البصيرُ يُرينا آيةً عَجبا |
| هذا البصيرُ يُرينا بين مندرِسٍ | رثِّ المعالم، هذا المرتَعَ الخصِبا |
| زنجيَّةُ اليلِ تروي كيف قلَّدها | في عُرسها غُرَرَ الأشعار ..لا الشهبا |
| لعلَّ بين َ العمى في ليلِ غُربته | وبين فحمتَهِا من أُلفَةٍ نسبا |
| وساهرُ البرق والسُمَّارُ يُوقِظهم | بالجزع يخفق من ذكراه مضطرِبا |
| والفجرُ لو لم يلُذْ بالصبح يَشربه | من المطايا ظِماءً شُرَّعاً شُربا |
| والصبحُ ما زال مُصفرّاً لمقرّنَهِ | في الحُسْن بالليل يُزجي نحوه العتبا |
| يا عارياً من نَتاجِ الحُبِّ تكرمةً | وناسجاً عَفَّةً أبرادَهُ القشُبا |
| نعوا عليكَ – وأنت النور – فلسفةً | سوداءَ لا لذَّةً تبغي ولا طرَبا |
| وحمَّلوكَ – وأنت النارُ لاهبةً - | وِزرَ الذي لا يُحسُّ الحُبَّ ملتهبا |
| لا موجةُ الصَّدرِ بالنهدينِ تدفعه | ولا يَشقُّ طريقاً في الهوى سَربا |
| ولا تُدغدِغُ منه لذَّةٌ حُلُماً | بل لا يُطيقُ حديثَ اللذَّةِ العذِبا |
| حاشاك ، إنَّكَ أذكى في الهوى نفسَاً | سََمْحاً ، وأسلسُ منهمْ جانباً رطِبا |
| لا أكذبنَّكَ إنَّ الحُبَّ متَّهمٌ | بالجَور يأخذ مِنَّا فوقَ ما وَهبا |
| كم شيَّعَ الأدبُ المفجوعُ مُختضَراً | لدى العيونِ وعندَ الصدر مُحتَسَبا |
| صَرعى نَشاوى بأنَّ الخَودَ لُعبتُهم | حتى إذا استَيقظوا كانوا هُمُ اللُعَبا |
| أرتهُمُ خيرَ ما في السّحْرِ من بُدءٍ | وأضمرتْ شَرَّ ما قد أضمرتْ عُقبا |
| عانَى لَظَى الحُبِّ " بشَّارٌ " وعُصبتُه | فهل سوى أنَّهم كانوا له حَطبا |
| وهل سوى أنهم راحوا وقد نذروا | للحبِّ ما لم يجب منهم وما وَجبا |
| هل كنتَ تخلدُ إذ ذابوا وإذ غَبرُوا | لو لم ترُضْ منِ جِماحِ النفس ما صَعُبا |
| تأبى انحلالاً رسالاتٌ مقدَّسةٌ | جاءت تقوِمُ هذا العالَمً الخَربا |
| يا حاقِرَ النبعِ مزهُوّاً بقوَّتهِ | وناصراً في مجالي ضعفهِ الغَرَبا |
| وشاجبَ الموت من هذا بأسهمهِ | ومُستمِنّاً لهذا ظِلَّهُ الرَّحبِا |
| ومحرِجَ المُوسِرِ الطاغي بنعمتهِ | أنْ يُشرِكَ المُعْسِرَ الخاوي بما نهبا |
| والتَّاجُ إذ تتحدَّى رأسَ حاملهِ | بأيِّ حقٍّ وإجماعٍ به اعتصبا |
| وهؤلاءِ الدُّعاةُ العاكفونَ على | أوهامهم ، صنماً يُهدون القُرَبا |
| الحابطونَ حياةَ الناس قد مَسخوا | ما سنَّ شَرْعٌ وما بالفطرة اكتُسِبا |
| والفاتلونَ عثانيناً مُهرّأةً | ساءتْ لمحتطِبٍ مَرعى ومحتطَبا |
| والمُلصِقونَ بعرش اللهِ ما نسجت | أطماعُهم : بِدعَ الأهواءِ والرِيّبا |
| والحاكمونَ بما تُوحي مطامعُهم | مؤِّولينَ عليها الجدَّ واللَّعبا |
| على الجلود من التدليس مَدرعةٌ | وفي العيون بريقٌ يخطَف الذهبا |
| ما كان أيُّ ضلالٍ جالباً أبداً | هذا الشقاء الذي باسم الهُدى جُلبا! |
| أوسَعْتَهم قارصاتِ النقدِ لاذعةً | وقلتَ فيهم مَقالاً صادقاً عجبا |
| " صاحَ الغرابُ وصاحَ الشيخُ فالتبستْ | مسالِكُ الأمر: أيٌّ منهما نعبا " |
| أجللتُ فيك من الميزات خالدةً | حُرَّيةَ الفكرِ والحرمانَ والغضبا |
| مجموعةً قد وجدناهُنَّ مُفرَدةً | لدى سواكَ فما أغنيننا أربا |
| فربَّ ثاقبِ رأيٍ حطَّ فكرتَه | غُنمٌ فسَفَّ .. وغطَّى نورَها فخبا |
| وأثقلَتْ مُتَعُ الدُّنيا قوادِمَهُ | فما ارتقى صُعُداً حتَّى ادَّنى صَبيا |
| بَدا له الحقُّ عُرياناً فلم يَرهُ | ولاحَ مقتلُ ذي بغيٍ فما ضَربا |
| وإنْ صدقتُ فما في الناس مُرتكِباً | مثلُ الأديب أعان الجورَ فارتكبا |
| هذا اليراعُ ، شواظُ الحقّ أرهفه | سيفاً . وخانعُ رأيٍ ردَّه خشبا |
| ورُبَّ راضٍ من الحرمان قِسَمته | فبرَّر الصبرَ والحرمانَ والسغبا |
| أرضى ، وإنْ لم يشأ ، أطماحَ طاغيةٍ | وحالَ دونَ سوادِ الشعب أن يثبا |
| وعوَّضَ الناسَ عن ذُلٍّس ومَتربَةٍ | مَنَ القناعةِ كنزاً مائجاً ذهبا |
| جيشٌ من المُثُلِ الدُّنيا يَمُدُّ به | ذوو المواهبِ جيشَ القوَّةِ اللَّجبا |
| آمنت بالله والنورِ الذي رسمَتْ | به الشرائعُ غُرّاً منهجاً لَحِبا |
| وصُنتُ كَّل دُعاةِ الحقِّ عن زَيغٍ | والمُصلحينَ الهداةَ ، العُجْمَ والعَرَبا |
| وقد حَمِدتُ شفيعاً لي على رَشَدي | أُمّاً وجدتُ على الإسلامِ لي وأبا |
| لكنَّ بي جنَفَاً عنِ وعي فلسفةٍ | تقضي بأنَّ البرايا صُنِّفتْ رُتَبا |
| وأنَّ مِن حِكمةٍ أنْ يجتني الرُّطَبا | فردٌ بجَهد ألوفٍ تعلكُ الكَرَبا |
السبت، 27 يوليو 2013
ما قاله الجواهري عن المعري
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق