إذا ما دخل أحدنا إلى مستودع لغة ما ، وهو مستودع ، في اي حال، افتراضيّ، يجد في هذا المستودع غرابيل كثيرة . ويكتشف ان اللغة ماهرة وذكيّة في فنّ الغربلة تعرف بماذا تحتفظ وبماذا لا تحتفظ.وتعرف كيف تتعامل مع خردواتها وأدواتها. ومن يتأمل الكلمات يعرف انها كالحيّة أو الحرباء تلوّن دلالاتها او تسلخها كما تسلخ الحية جلدها، او يمكن لمن يتأمل الكلمة ان يراها كالجسد البشريّ بتنوّعات طريقته في اختيار الملابس ، فالملابس داخلية وخارجية، وتكون عند التأمل " طاقات" فوق بعضها البعض، وهكذا المعنى " طاقات" او قل طبقات واللغة تمارس الريسيكلاج او اعادة التدوير، فما تنتهي مدّة صلاحيته قد تعاود استخدامه بعد تسليمه وظيفة جديدة يقوم بها. ومرّة خطر ببالي ان ابني مقبرة لغوية تفصل الاحياء عن الاموات كما نفعل نحن في المدن مثلا، فمن يلتفت الى اسماء مقابر طرابلس يلحظ ان اسمها مرتبط بأبواب : مقبرة باب الرمل ومقبرة باب التبانة، وسرّ ابواب المقابر هو انها كانت خلف اسوار المدينة. فالحيّ لا يحبّ عشرة الأموات الا نادرا! ليحافظ على ورديّة مناماته! وليس في ظنّي مقبرة عربية للكلمات. واقصد معجما مفتوحا نضع فيه كل الكلمات الميتة مع وثيقة تثبت ظروف الوفاة. فبما ان الكلمات تموت كالبشر لا بد من وجود اسباب للموت. ومعرفة اسباب الموت قد تدفعنا الى ايجاد علاجات تطيل من عمر الكلمات. موضوع شيّق ولا يمكن لفرد ان يقوم به بل يحتاج الى طاقم عمل يعشق اللغة ويعرف ان اللغة هي جوهر الكائن. اليست خدمة الأموات ضرورة حياتية؟ والا ما معنى زيارة القبور وتشكيلها وتزيينها بالآس والورد ومختلف الأعشاب العطريّة؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق