Pages

الأحد، 20 يناير 2019

حمص ولغة وسياق


من هذه الصورة انطلقت إلى دراسة السياق. السياق اللغوي والسياق غير اللغوي، وكيف يمكن للكلمة أن تخفي ما هو في متناول الذاكرة، ولكنه بعيد رغم حضوره أمام العين.
لا أعرف ما الذي دفعني الى طرح سؤال له علاقة بالحمص، ولكن له علاقة أيضا بالسكّر.
لوالدي رحمه الله #مطعم_الدنون في #طرابلس، وهو مطعم للحمّص والفول. وصلتي بالمطعم تشبه صلتي بأبي، لم ينفصل وعيي عن رؤية الحمّص، ولكن في بعض حالاته لا في كل حالاته، في مطعم أبي. ولكن لي صلة بحالات الحمص المتعددة، الحمص المشوي، الحاملة، الحمص الذي يرافق حبات الفول الكبيرة في العربات الجوال تحت اسم " #بليلة" والبليلة كلمة لها دلالات على طرق متعددة في تحضير الحمص، وشاهدت في اسطنبول عربات تبيع الحمّص المسلوق نصف سلقة مع #الأرز، وأكلته على شكل " #نعّومة"، ولم أعد أراها، أو #قضاميّة، ورأيت في أشكال أخرى، قلت لا اعرف لماذا خطر ببالي أن أحول #الحمص الى سؤال. سؤال ‏تلعب به الأمكنة، فالمكان هو الذي يحدد أحيانا مسار المعنى ومسار التفكير.
السؤال لا أسأله إلاّ في المطعم لشخص يأتي إلى المطعم ويطلب علبة حمّص أو صحن حمّص، يكون سؤالي هو الآتي: هل أكلت حمّصاً بالسكّر؟
السؤال بسيط، وقد يراه البعض سخيفاً، ولكن وأنا أسأله أتابع بانتباه شديد حركة سامع السؤال، وملامح وجهه، وبؤبؤ عينه، والأشكال التي تأخذها شفتاه، والكلمات التي يتفوّه بها فمه. أغلب الأجوبة تكون بالسلب. لا، لم آكل في حياتي حمصا بالسكر. أتبع سؤالي الأوّل بسؤال آخر، وهل أنت متأكّد من أنّك لم تأكل حمّصاً بالسكر. يكون جوابه أغلب الأحيان : نعم، أنا متأكّد، ثم يدعم جوابه بسؤال اعتراضي: وهل يؤكل الحمّص بالسكّر؟
ثمّ أنهي الحوار بالسؤال التالي: ألم تأكل قضامة بالسكر؟ هنا يتريّث ثم يضحك ثمّ ينتبه إلى أن ذكرياته مع الحمص بالسكر لا يستهان بها.
هل اختفى الحمّص خلف السكّر أم خلف كلمة قضامة؟
كلمة #قضامة كانت تشبه السكّر من ناحية أنها أخفت الحبّة، السكر حجب الحمص عن العين، غلفها فأخفاها، ولكن ليس كليا بخلاف كلمة القضامة التي أخفت أيضا جسد الحمّص وهذا ما لم يفعله السكّر الذي يشبه اللباس المكسّم على الجسم.
ما الذي جعل القضامة تغيب عن الذاكرة؟ هو المكان.
المكان مطعم وليس #محمصة.
هل كان الجواب اختلف لو أن السؤال منبثق من مكان آخر ، كمكان يبيع المكسرات والسكاكر والموالح؟
المعنى قد لا يكون ابن المفردة، ينفصل المعنى عن الكلمة ، ويعيش حياته الذاتية.
ولو لم يكن للكلمة قدرة ساحرة على الانفصال عن معناها لكانت حياتها جحيما لا يطاق!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق