Pages

الثلاثاء، 31 مارس 2020

La cuisine d'une société est un langage.

La cuisine d'une société est un langage.

#Claude_Lévi_Strauss

كلود ليفي استروس من الشخصيّات التي فتنت بها، وبأعمالها، وبجلدها على العمل. كان حضوره في ذهني مجرّد ضباب قبل ذهابي إلى باريس، في العام 1983 لمتابعة دراستي في ميدان لم يكن واضحاً تماماً في ذهني، إلى أن استقرّ على دراسة علم اللغة الحديث، ورحت أغرف من كتب علم اللغة، أو اللسانيّات ورحت أتعمّق في دراسة مؤلفات أعلام الألسنية، والألسنية، كما أي شيء، اتجاهات ومدراس واختلافات ، وأفكار متباينة، حتّى حطّ بي الترحال عند مفكّر ألسنيّ أذهلني هو ياكوبسون، ومن خلال ياكوبسون تعرفت على شخصية ليفي استروس، من خلال تحليل مشترك لقصيدة " القطط" لبودلير تحليلاَ لم يترك نقطة، ولا فاصلة فيها إلاّ ودرساها. كان يعلّم وقتئذ في الكوليج ده فرانس أعرق المعاهد الفرنسية ولكن لم يكن عندي الوقت لأذهب وأتابع له محاضراته، ولكن كند قد بدأت بقراءة مؤلفاته في الأنتروبولوجيا، والأسطورة، كان شراء نسخة من كتبه عملاً جليلاً، فسعر الكتاب الفرنسيّ بالنسبة لطالب مسألة يحسب لها ألف حساب، وكان شراء كتاب له يعني حرماناً من شيء ما، أو تضحية بشيء ما، وما كنت أتردّد في التضحية لصالح متعة تنتظرني على أعتاب الكتاب!
ربّما هناك أمور لا يعيرها غيري اهتماما، اهتمامات الناس حتّى في ميدان واحد متباينة، أمّا حال التباين أمام نصّ واحد، وكلّ هذا طبيعيّ، من جمملة المور التي أثارت اهتمامي هو ذلك التشابك بين علم اللغة والعلوم الأخرى: الاجتماعية، النفسية، الفكرية، العصبية، الفيزيائية، الكيميائية، وصولا إلى نقطة، أثارها ليفي استروس في الاقتباس الذي وضعته في أعلى الصفحة، وأعني صلة الكلام بالطعام، فهو يقول: مطبخ مجتمع ما هو لغة أو كلام. أثار اهتمامي هذا الربط، وخصوصاً أنّ حياتي المهنيّة لم تنفصل عن علاقة حميمة مع الكلام والطعام على السواء. فأغلب أيام الأعطال في حياتي كنت أقضيها في مطعم أبي  رحمه الله، وقلبت عبارة ليفي استروس، وقلت في نفسي: إذا كان المطبخ لغة، فلا بدّ من أن تكون اللغة مطبخاً، ومن هنا، أخذت مدخلاً جديداً إلى عالم الكلام هو المطبخ، ورحت أستطلع وجوه الشبه واحداً واحداً، ولم أكتف بوجوه الشبه، بل رحت أبحث أيضاً عن الأقنعة التي تخفي وجوه الشبه أو تتوارى خلفها وجوه الشبه بين الكلام والطعام، وبالمناسبة، كان كلود ليفي استروس قد درس وظائف الأقنعة في الطقوس الدينية لدى الشعوب البدائية.
ومن أعجب ما قام به ليفي استروس هو بناء المثلّث الغذائي الذي استلهمه من المثلّث الصوائتي أي من الحركات الأساسية الثلاث: الفتحة والضمّة والكسرة!
قد يقول قائل: وما علاقة الحركات بالطعام، بل كيف يمكن أن تستخرج " نحو الطعام" من حركات الكلام؟
ليفي استروس فعلها، وفعلها بمهارة باهرة!
استخرج مثلث الغذاء من حركات اللغة، فقلت: هل يمكن لنا أن نستخرج أشياء أخرى ليس من حركات اللغة وإنّما من حروف اللغة لتشكيل أطباق جديدة؟
حين عملت في الصحافة خلال إقامتي في باريس، كان من جملة الأمور التي وددت القيام بها، هو إجراء مقابلة مع ليفي استروس، أعطاني موعداً في مكتبه في الكوليج ده فرانس، فأجريت مقابلة معه ونشرتها في مجلّة الأسبوع العربيّ، كنت قد حملت معي الكاميرا لأصوّره، ولم يكن الوقت وقت الهواتف الذكية، وكنت أحمل معي عدداً من أعداد مجلة الأسبوع العربي، وصوّرته وهو يفلفش في أوراقها، فابتسم، وقال لي: قد يظنّ من يرى الصورة، إنّي أحسن قراءة العربيّة.
أنت يا سيّدي لا تحسن قراءة العربيّة، ولكنّك تحسن قراءة اللغة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق