Pages

الأربعاء، 23 يناير 2013

رسالة ابن حزم في ابن النغريلة


 

الرد على ابن النغريلة اليهودى

ابن حزم الأندلسى

 


بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين وصلى الله على سيدنا محمد وآله

قال أو محمد على بن أحمد بن حزم رضى الله عنه :
الحمد لله رب العالمين حمداً كثيراً ، وصلى الله على سيدنا محمد عبده ورسوله وسلم تسليماً ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم .

اللهم إنا نشكو إليك تشاغل أهل الممالك من أهل ملتنا بدنياهم عن إقامة دينهم ، وبعمارة قصور  يتركونها عما قريب  عن عمارة شريعتهم اللازمة لهم فى معادهم ودار قرارهم ، وبجمع أموال  ربما كانت سبباً إلى انقراض أعمارهم وعوناً لأعدائهم عليهم ـعن حياطة ملتهم التى بها عزوا فى عاجلتهم ، وبها يرجون الفوز فى آجلتهم ، حتى استشرف لذلك أهل القلة والذمة ، وانطلقت ألسنة أهل الكفر والشرك بما لو حقق النظر أرباب الدنيا لاهتموا بذلك ضعف همنا ؛ لأنهم مشاركون لنا فيما يلزم الجميع من الامتعاض للديانة الزهراء والحمية للملة الغراء ، ثم هم بعد متردون بما يئول إليه إهمال هذه الحال من فساد سياستهم ، والقدح فى رياستهم ، فللأسباب أسباب ، وللمداخل إلى البلاء أبواب ، والله أعلم بالصواب .

وقد قال على بن العباس :

لا تـحـقـرن سُـبَـيْـبـاً .. .. .. .. .. كـم جـرَّ أمـراً سُـبَـيْـبُ

وقال أبو نصر بن نباتة :

فلا تحقرن عــدواً رمــاك .. .. .. .. .. وإن كان فى ساعديه قصر
فإن السـيوف تجـذ الرقاب .. .. .. .. .. وتعجـز عمـا تـنـال الأبـر


لا سيما إن كان العدو من عصابة لا تحسن إلا الخبث مع مهانة الظاهر ، فيأنس المغتر إلى الضعف البادى ، وتحت ذاك الختل والختر والكيد والمكر ، كاليهود الذين لا يحسنون شيئاً من الحيل ، ولا آتاهم الله شيئاً من أسباب القوة ، وإنما شأنهم الغش والتخابث والسرقة على التطاول والخضوع مع شدة العداوة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم .

وبعد ، فإن بعض من تقلى قلبه للعداوة للإسلام وأهله ، وذُوِّبَت كبده ببغض الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من متدهرة الزنادقة المستسرين بأذل الملل وأرذل النحل من اليهود التى استمرت لعنة الله على الموقمين بها ، واستقر غضبه ـ عز وجل ـ على المنتمين إليها .. أطلق الأشّرُ لسانه ، وأرخى البطر عنانه ، واستشمخت لكثرة الأموال لديه نفسه المهينة ، وأطغى توافر الذهب والفضة عنده همته الحقيرة ، فألف كتاباً قصد فيه ـ بزعمه ـ إلى إبانة تناقض كلام الله ـ عز وجل ـ فى القرآن ؛ اغتراراً بالله تعالى أولاً ، ثم بملكٍ ضعفةٍ ثانياً ، واستخفافاً بأهل الدين بدءاً ، ثم بأهل الرياسة فى مجانة عَوْداً .

فلما اتصل بى أمر هذا اللعين ، لم أزل باحثاً عن ذلك الكتاب الخسيس ؛ لأقوم فيه بما أقدرنى الله ـ عز وجل ـ عليه ، من نصر دينه بلسانى وفهمى ، والذب عن ملته ببيانى وعلمى ، إذ قد عدمها المشكى إلى الله ـ عز وجل ـ ووجود الأعوان والأنصار على توفية هذا الخسيس الزنديق ، المستبطن فى مذهب الدهرية فى باطنه ، المتكفن بتابوت اليهودية فى ظاهره ، حقه الواجب عليه ، من سفك لدماء ، واستيفاء ماله ، وسبى نسائه وولده ، لتقدمه طَوْرَه ، وخلعه الصَّغار عن عنقه ، وبراءته من الذمة الحاقنة دمه ، المانعة من ماله وأهله ، وحسبنا الله تعالى ونعم الوكيل .

فأظفرنى القدر بنسخة ، رد فيها عليه رجل من المسلمين ، فانتسخت الفصول التى ذكرها ذلك الراد عن هذا الرذل الجاهل ، وبادرت إلى بطلان ظنونه الفاسدة بحول الله تعالى وقوته .

ولعمرى إن اعتراضه الذى اعترض به ليدل على ضيق باعه فى العلم ، وقلة اتساعه فى الفهم ، على ما عهدناه عليه قديماً ، فإننا ندريه عارياً إلا من المخرقة ، سليماً إلا من الكذب ، صفراً إلا من البهت ، وهذه عقوبة الله تعالى المعجلة لمن سلك مسلك هذا الزنديق اللعين مقدمة ، أما ما أعد الله له ولأمثاله من الخلود فى نار جهنم ، فهو المقر لعيون أولياء الله ـ عز وجل ـ فيه وفى ضربائه ، وبالله تعالى التوفيق ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم .

 

 


الفصل الأول


فكان أول ما اعترض به هذا الزنديق المستسر باليهودية على القرآن بزعمه : أن ذكر قول الله عز وجل ( وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله ، وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك ) [النساء 78] . قال هذا المائق الجاهل : فأنكر فى هذه الآية تقسيم القائلين بأن ما أصابهم من حسنة فمن الله ، وما أصابهم من سيئة فمن عند محمد ، وأخبر أن كل ذلك من عند الله . قال : ثم قال فى آخر هذه الآية : ( ما أصابك من حسنة فمن الله ، وما أصابك من سيئة فمن نفسك ) [النساء 79] . قال هذا الزنديق الجاهل : فعاد مصوباً لقولهم ومضاداً لما قدم فى أول الآية .

قال أبو محمد بن حزم : لو كان لهذا الجاهل الوقاح أقل بسطة أو أدنى حظ من التمييز لم يعترض بهذا الاعتراض الساقط الضعيف . والآية المذكور مكتفية بظاهرها عن تكلف تأويل ، مستغنية ببادى ألفاظها عن تطلب وجه لتأليفها ، ولكن جهله أعمى بصيرته ، وطمس إدراكه .

وبيان ذلك أن الكفار كانوا يقولون : إن الحسنات الواصلة إليهم هى من عند الله عز وجل ، وأن السيئات المصيبة لهم فى دنياهم هى من عند محمد صلى الله عليه وسلم ، فأكذبهم الله تعالى فى ذلك ، وبين وجه ورود حسنات الدنيا وسيئاتها على كل من فيها ، بأن الحسنات السارة هى من عند الله تعالى بفضله على الناس ، وأن كل سيئة يصيب الله تعالى بها إنساناً فى دنياه فمن قبل نفس المصاب بها بما يجنى على نفسه من تقصيره فيما يلزمه من أداء حق الله تعالى الذى لا يقوم به أحد ، وكل ذلك من عند الله جملة .

فأحد الوجهين ـ وهو الحسنات ـ فضل من الله تعالى مجرد ، لم يستحقه أحد على الله تعالى ، حتى يفضل به عز وجل من أحسن إليه من عباده . والوجه الثانى ـ وهو السيئات ـ تأديب من الله تعالى ، أوجبه على المصاب بها تقصيره عما يلزمه من واجبات ربه تعالى .

ولا يستوحش مستوحش فيقول : كيف يكون النبى ـ صلى الله عليه وسلم ـ المخاطب بهذا الخطاب مقصراً فى أداء واجب ربه تعالى ؟

فليعلم أن التقصير ليس يكون معصية فى كل وقت ، وإنما يكون النبى ـ عليه السلام ـ منزهاً عن تعمد المعصية صغيرها وكبيرها ، وأما تأدية شكر الله تعالى وجميع حقوقه على عباده ، فهذا ما لا يستوفيه مَلَك ولا نبى ، فكيف من دونهما ، كما أخبر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : ( إن أحدكم لا يدخل الجنة بعمله ) فقيل له : ولا أنت يا رسول الله ؟ فقال : ( ولا أنا إلا أن يتغمدنى الله برحمته ) ، أو كما قال عليه السلام .

فإنما أنكر الله تعالى على الكفار فى الآية المتلوة آنفاً قولهم للنبى عليه السلام : إن ما أصابهم من سيئة فهى منك يا محمد ، وأخبر عم وجل أنها من عند أنفسهم ، وأن كل ذلك من عند الله تعالى .

فلم يفرق المجنون بين ما أوجبه الله تعالى من أن كل من أصابته سيئة فمن نفسه ، وبين ما ذكر الله تعالى من قول الكفار لمحمد صلى الله عليه وسلم : إن ما أصابهم من سيئة فمنك يا محمد !

فأى ظلم يكون أعظم من ظلم مَن جهل أن يفرق بين معنى هذين اللفظين ؟
!

وإنما كان الكفار يتطيرون بمحمد صلى الله عليه وسلم عندما يَرِد عليهم من نكبة تعرض لهم بكفرهم وخلافهم له عليه السلام ، كما تطير إخوانهم قبلهم بموسى صلى الله عليه وسلم إذ قال تعالى حاكياً عنهم قولهم : ( فإذا جاءتهم الحسنة قالوا : لنا هذه ، وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ، ألا إن طائرهم عند الله ) [الأعراف 131] .

وما أرى هذا الزنديق الأنوك ، إذ اعترض بهذا الاعتراض ، كان إلا سكران سكر الخمر ، وسكر عجب الصغير إذا كبر ، والخسيس إذا أسر ، والذليل الجائع إذا عز وشبع ، والسفلى إذا أمر وشط ، والكلب إذا دُلِّل ونشط ؛ فإن لهذه المعانى مسالك خفية فى إفساد الأخلاق التى تقرب من الاعتدال ، وكيف يخلق سوء متكرر فى الخساسة والهجنة والرذلة والنذالة واللعنة والمهانة ؟!

ولله در القائل :

إذا أنت أكرمـت الكريـم ملكتـه .. .. .. .. .. وإن أنت أكرمت اللئـيـم تـمردا
ووضع الندى فى موضع السـيف بالعلا .. .. .. .. .. مضر كوضع السيف فى موضع الندى


وهذا الذى قلنا هو المفهوم من نص الآية ، دون تزيد ولا انتقاص ولا تبديل لفظ ، والحمد لله رب العالمين كثيراً .

* * * * *


ولكن لو تذكر هذا المائق الجاهل ما يقرأونه فى كفرهم المبدل ، وإفكهم المحرف ، بأخرق تحريف ، وأنتن معان ، حاشا ما خذلهم الله تعالى فى تركه على وجهه ليبدى فضائحهم ، فأبقوه تخبيثاً من الله تعالى لهم ليكون حجة عليهم ، من ذكر عيسى ومحمد ـ صلى الله عليهما وسلم ـ فى كتابهم الذى يسمونه ( التوراة ) ، إذ يقولون فيه فى السفر الرابع عن موسى ـ صلى الله عليه ـ أنه قال مخاطباً لله عز وجل : " يا رب ، كما حلفت قائلاً : الرب وديع ذو حن عظيم ، يعفو عن الذنب والسيئة ، وليس ينسى شيئاً من المآثم ، الذى يعاقب بذنب الوالد الولد فى الدرجة الثانية والرابعة " .. ويقرأون فيه أيضاً فى أول السفر الأول : " إن قاين بن آدم عاقبه الله فى السابع من ولده " .. ثم يقرأون فى الكتاب المذكور نفسه فى السفر الخامس منه : " إن الله تبارك وتعالى قال لموسى : لا تقتل الآباء لأجل الأبناء ، ولا الأبناء لأجل الآباء ، ألا كل واحد يقتل بذنبه " .

فلو تفكر هذا الجاهل المائق وعظيم التناقض ، لشغله عظيم مصابه عن أن يظن بقول الله تعالى الذى هو الحق الواضح الواحد غير المختلف : ( قل كل من عند الله ، فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثاً . ما أصابك من حسنة فمن الله ، وما أصابك من سيئة فمن نفسك ) وهذا ما بيناه كما مر آنفاً أنه لا مجاز للتناقض فيه أصلاً .

وإنما التناقض المحض ما نسبوا إلى موسى ـ عليه السلام ـ من أنه قدر بربه أن يغفر الذنب لفاعله ، ويعاقب بذلك الذنب من كان من ولد المذنب فى الدرجة الرابعة ، ثم يقول فى مكان آخر ، ألا تقتل الأبناء لأجل الآباء ، ولا الآباء لأجل الأبناء ، هذا مع إقرارهم بأنه ليس فى التوراة ذكر عذاب ولا جزاء بعد الموت أصلاً ، وإنما فيها الجزاء بالثواب والعقاب فى الدنيا فقط ، فهذا هو التناقض المجرد الذى لا خفاء به ، وبالله تعالى التوفيق .

 


الفصل الثاني

وكان مما اعترض به أيضاً أن ذكر قول الله تعالى ( أم السماء بناها . رفع سمكها فسواها . وأغطش ليلها وأخرج ضحاها . والأرض بعد ذلك دحاها . أخرج منها ماءها ومرعاها . والجبال أرساها ) [النازعات 27ـ32] . قال : فذكر فى هذه الآية أن دحو الأرض وإخراج الماء والمرعى منها كان بعد رفع سمك السماء وبعد بنائها وتسويتها وإحكام ليلها ونهارها ، ثم قال فى آية أخرى : ( هو الذى خلق لكم ما فى الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات ، وهو بكل شىء عليم ) [البقرة 29] . قال : فذكر فى هذه الآية ضد ما فى الأولى ، وذلك أن هذه التسوية للسماء كانت بعد خلق ما فى الأرض .

قال أبو محمد : والقول فى هذا كالقول فى التى قبلها ، ولا فرق ، وهو أن بظاهر هاتين الآيتين يُكتفى عن تطلب تأويل أو تكلف مخرج .

وهو أنه تعالى ذكر فى الآية التى تلونا أولاً أنه عز وجل بنى السماء ، ورفع سمكها ، وأحكم الدور الذى به يظهر الليل والنهار ، وأنه بعد ذلك أخرج ماء الأرض ومرعاها ، وأرسى الجبال فيها . وذكر تعالى فى الآية الأخرى أن تسويته تعالى السموات سبعاً وتفريقه بين تلك الطوائف السبع التى هى مدار الكواكب المتحيرة والقمر والشمس كان بعد خلقه كل ما فى الأرض .

فلم يفرق هذا الجاهل المائق بين قوله تعالى : إنه سوى السماء ورفع سمكها ، وبين قوله تعالى : إنه سواهن سبع سموات .

فهل بعد هذا العمى عمى ؟ وبعد هذا الجهل جهل ؟

وإنما أخبر تعالى أن تسوية السماء جملة واختراعها كان قبل دحو الأرض ، وأن دحوه الأرض كان قبل أن تقسم السماء على طرائق الكواكب السبع ، فلاح أن الآيتين متفقتان ، يصدق بعضهما بعضاً .

* * * * *


ولكن ليذكر هذا الجاهل على ما يفتتحون به كذبهم المفترى وبهتانهم المختلق الذى يسمونه ( التوراة ) ، إذ يفترون أن الله تعالى خلق إنساناً مثله ، ولم يكن انفرد عنه تعلى إلا بشيئين : علم الشر والخير ، ودوام الخلود والحياة . وأن آدم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ أكل من الشجرة التى فيها علم الخير والشر ، فلما خالفه عظم ذلك عليه ، قال : هذا آدم أكل من الشجرة التى بها يكون علم الخير والشر فسوانا فى ذلك ، فإن أكل من شجرة الحياة حصل على الخلد فكان مثلنا لا فضل لنا عليه ، فجعل يخرجه من الجنة وفى يده سيف يذود به عن شجرة الحياة .

حتى لقد انسخف جماعة من نوكاهم إلى أن قالوا : إن الخالق لآدم كان إنساناً من نوع الإنس الذى نحن منه ، حصل على أكل شجرة الحياة ، فزاد بهاؤه ، وحصل له الخلد !

فلو أن هذا الخسيس الجاهل تبرأ إلى الله تعالى من المظاهرة لهذا الوضع وهذا الاعتقاد الساقط لكان أحظى له ، ولكن يأبى الله تعالى إلا أن يجعل له الخزى والمهانة ، ويؤجل له الخلود بين أطباق النيران المعدة له ولأمثاله ولأشبابهه ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على نبى الرحمة محمد صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً .

 


الفصل الثالث


وكان مما اعترض به أيضاً أن ذكر قوله عز وجل ( قل أئنكم لتكفرون بالذى خلق الأرض فى يومين ) إلى منتهى قوله فى الآية نفسها ( وقدر فيها أقواتها فى أربعة أيام سواء للسائلين ) [فصلت 10] . قال : فذكر فى هذه الآية خلق الأرض فى يومين ، وقدر فيها أقواتها فى أربعة أيام ، فهذه ستة أيام . ثم ذكر قوله تعالى ( ثم استوى إلى السماء وهى دخان ) [ فصلت 11] إلى منتهى قوله تعالى ( فقضاهن سبع سموات فى يومين ) [فصلت 12] . ثم ذكر قوله تعالى ( ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما فى ستة أيام ) [ق 38] .

قال أبو محمد : والقول فى هذه الآية كالقول فى التى مضى فيها الكلام ، ولا فرق ، وهى أنها تكتفى بظاهرها عن تكلف تأويل لها ، وأنه لا يظن فى شىء من هذا كله اختلافاً إلا عديم العقل ، سليب التمييز ، مطموس عين القلب ، ظليم الجهل .

لأنه تعالى إنما ذكر خلق الجميع من السموات والأرض وما بينهما فى ستة أيام ، فسر لنا تعالى تلك الأيام الستة : فمنها يومان خلق فيهما الأرض ، ومنها أربعة أيام قدر فى الأرض أقواتها ، وأنه تعالى قضى السموات سبعاً فى يومين ، وقد صح بما تلونا قبل أن تسويته تعالى السموات سبعاً كان بعد خلقه لما فى الأرض جميعاً ، فاليومان اللذان خلق الله تعالى فيهما السموات سبعاً هما اليومان الآخران من الأربعة الأيام التى قدر فيها أقوات الأرض ؛ لأن التقدير هو غير الخلق ، لأن الخلق هو الاختراع والإبداع وإخراج الشىء من ليس إلى أيس ، بمعنى من لا شىء إلى أنه يكون شيئاً موجوداً ، وأما التقدير فهو الترتيب وإحكام الأشياء الموجودات بعد إيجادها .

وهذه معان لا يعلمها إلا من أعز الله تعالى نفسه من ذوى الهمم الرفيعة ، المترفعة عن مهانة الإساءة ودناءة المعايش ، القاصدة إلى طلب المعانى الفاضلة والحقائق المؤدية إلى معرفة الله تعالى ، ومعرفة رسوله صلى الله عليه وسلم ، والدخول فى ظل الإسلام والملة الحنيفية المصحبة من الله تعالى السعد فى الدنيا والنصرة والعزة ، المتكفل لها فى الآخرة بالفوز بالجنة والقبول والرضوان والريحان ، والحمد لله رب العالمين الذى جعلنا من أهلها ، وإياه تعالى نسأل أن يميتنا عليها حتى نلقاه وهو راض عنا .. آمين . وأما من لم يقطع دهره إلا بالسرقة ، ولا أفنى عمره إلا بالخيانة والغش ، فبعيد عن إدراك هذه المعانى وفهمها .

* * * * *


وليت شعرى أين كان هذا الخسيس المائق إذ اعترض بهذا الاعتراض على هذه الأنوار الساطعة والحقائق الظاهرة عن التفكير فيما يقرأونه فى هذيانهم المخترع وزورهم المفتعل الذى يسمونه ( التوراة ) إذ يقولون : إن الله تعالى خلق الخلق فى ستة أيام ، واستراح فى اليوم السابع ؟ وهل تكون الراحة إلا لتعب ونصب قد خارت قواه وضعفت طبيعته ؟!

فمثل هذا وشبهه من دينه الخسيس الذى يستسر به لو تهمم بالفكرة فيه ثم بادر على التوبة منه والدخول فى دين الله تعالى الذى لا دين له سواه ، الذى به بدا الملك على لسان محمد صلى الله عليه وسلم ، والحمد لله رب العالمين .

 


الفصل الرابع



ثم ذكر الخسيس الجاهل قول الله تعالى ( هذا يوم لا ينطقون . ولا يؤذن لهم فيعتذرون ) [المرسلات 35] ثم قال فى آية أخرى ( يوم تأتى كل نفس تجادل عن نفسها ) [النحل 11] . قال : وهذا تناقض عظيم .

قال أبو محمد : قد قال بعض العلماء المتقدمين : إن المنع من النطق المذكور فى الآية إنما هو فى بعض مواقف يوم القيامة ، وإن الجدال المذكور فى الآية الأخرى هى موقف آخر مما يتلو ذلك اليوم نفسه .

وهذا قول صحيح ، يبينه قول الله تعالى قبل الآية المذكورة ، إذ يقول عز وجل : ( انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون . انطلقوا إلى ظل ذى ثلاث شعب . لا ظليل ولا يغنى من اللهب . إنها ترمى بشرر كالقصر . كأنه جمالة صفر . ويل يومئذ للمكذبين . هذا يوم لا ينطقون . ولا يؤذن لهم فيعتذرون ) [29 ـ 36] فيه بعذر.

هكذا نص الآيات متتابعات ، لا فصل بينها ، فيصح أن اليوم الذى لا ينطقون فيه بعذر إنما هو يوم إدخالهم النار ، وهو أول اليوم التالى ليوم القيامة الذى هو يوم الحساب ، وهو أيضاً يوم جدال كل نفس عن نفسها ، وهذا بيان لا إشكال فيه أصلاً .

وها هنا وجه آخر ، وهو اتباع ظاهر الآيتين دون تكلف تأويل ، إلا أن يأتى بالتأويل نص آخر أو إجماع من جميع الأمة كلها ما بين الأشبونة والقندهار والشحر وأرمينية والمولتان ، فنقول وبالله نستعين :

إن هاتين الآيتين بينتان لا اختلاف بينهما أصلاً ، وإن النطق المنفى نهم فى الآية الأولى والمعذرة التى لم يؤذن لهم فيها إنما ذلك فيما عصوا فيه خالقهم تعالى ، كما قال عز وجل فى آية أخرى : ( اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون ) [يس 35] فلا عذر لكافر ولا لعاص أصلاً ، ولا كلام لهم . وأما الجدال الذى ذكر الله تعالى حينئذ عن نفسها ، فإنما هو فى طلب الناس مظالمهم بعضهم من بعض ، فإن الله تعالى لا يضيع شيئاً من ذلك ، على ما صح عن النبى صلى الله عليه وسلم من أن يوم القيامة يقص الشاة الجماء من الشاة القرناء .

وبيان هذا الذى قلنا أن المعذرة إنما هى إلى الله تعالى ، ولا عذر يوم القيامة لمن كفر بالله تعالى أو بنبى من أنبيائه وخالف الإسلام ، وهذا هو الذى يكون يوم القيامة ، ولا يعذر عليه أحد ، وإنما هو مصدر جادل يجادل جدالاً ، وجادل هو فعل من فاعلين لا ينكر أحد هذا من أهل اللغة ، فالله تعالى لا يجادل ، وإنما يجادل الناس بعضهم بعضاً ، فكل أحد حينئذ يجادل من ظلمه ليقتص منه ، وهذا ما لا يعرى منه مؤمن ولا كافر ، فاستبان معنى الآيتين بظاهرهما دون تكلف تأويل ، وبطل ما ظنه هذا الجاهل ، والحمد لله رب العالمين .

* * * * *


قال أبو محمد : ليس فى حماقاتهم المبدلة التى يسمونها ( التوراة ) ذكر أجر ولا ثواب لمحسن بعد الموت ، ولا عقاب لمسىء فى الدنيا أصلاً ، ولا فى الكتب التى ينسبونها إلى أنبيائهم من هذا قليل ولا كثير .

فلو نظر هذا المجنون فيما ينسبونه إلى سليمان ـ عليه السلام ـ فى تصويبه دعاء امرأة دعت له فقالت : ولا زالت أرواح أعدائك يدور بها الفلك .

وهذا إبطال الثواب والعقاب إلا على معنى التناسخ ، ومضاد لما ذكروه عن غيره من الأنبياء أن هنالك ناراً ونعيماً .

ومثل ما ينسبونه إليه أيضاً عليه السلام من أنه قال مرة : إن العالم لا أول له . وأنه قال مرة أخرى : أنا كنت مع الله تعالى حين خلق الأرض والسماء .

فلو أن هذا الجاهل الشقى اشتغل بمثل هذا وشبهه من كذبهم وافترائهم لكان أولى به من تكلف ما لا يحسن ولا يدرى ، مما قد فضحه الله فيه عاجلاً ، ويخزيه آجلاً ، والحمد لله رب العالمين .

 

 


الفصل الخامس

ثم ذكر هذا الزنديق الجاهل قول الله تعالى ( فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ) [الرحمن 39] .  قال : ثم قال فى آية أخرى ( فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين ) [الأعراف 6] . قال : وهذا تناقض .
قال أبو محمد : لو فهم هذا المائق الجاهل ـ أدنى فهم ـ لم يجعل هذا تعارضاً .

أما قوله تعالى ( فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان ) فإن ما بعد هذه الآية متصلاً بها قوله تعالى ( فبأى آلاء ربكما تكذبان . يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصى والأقدام . فبأى آلاء ربكما تكذبان . هذه جهنم التى يكذب بها المجرمون . يطوفون بينها وبين حميم آن . فبأى آلاء ربكما تكذبان ) [الرحمن 40 ـ 45] . فصح بهذا النص أن هذا إنما هو فى حين إيرادهم جهنم التى هى إن شاء الله دار هذا الخسيس ذى الظهارة اليهودية والبطانة الدهرية ، ولا ريب فى أنه إذا أخذ بناصيته وقدميه ليهوى بها فى النار ـ نار جهنم ـ فإنه لا يسأل عن دينه يومئذ .
وأما قوله تعالى ( فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين ) ، فإنما ذلك فى أول وقوفهم يوم البعث وحين المسألة والحساب .
فارتفع التناقض الذى لا مدخل له فى شىء من القرآن ، ولا فى كلام النبى صلى الله عليه وسلم .

* * * * *

ولكن هذا الوقاح المجنون لو تدبر ما فى كذبهم المفترى الذى يسمونه ( التوراة ) فى السفر الثانى منه أن الله تعالى قال لموسى بن عمران : إنى أرى هذه الأمة قاسية الرقاب ، دعنى لأعقب غضبى عليهم لأهلكهم وأقدمك على أمة عظيمة . ثم ذكروا أن موسى عليه السلام دعا ربه تعالى وقال فى دعائه : تذكر إبراهيم وإسرائيل وإسحق عبيدك الذين حلفت لهم بذلك وقلت لهم : سأكثر ذريتكم حتى تكونوا كنجوم السماء وأورثهم جميع الأرض التى وعدتهم بها ويملكونها أبداً . فحن السيد ، ولم يتم ما أراد إنزاله بأمته من المكروه .

قال أبو محمد : هذا نص هذا الفصل عندهم ، وهذه صفة لا يوصف بها الإنسان ضعيف النفس ، وفيه البداء ، وأنه تعالى لم يتم ما أراد أن يفعل ، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً .

وفى السفر المذكور إثر هذا أن الله تعالى قال لموسى عليه السلام : من أذنب عندى سأمحوه من مصحفى ، فاذهب أنت وهذه الأمة التى عهدت إليك فيها وسيتقدمك ملك . ثم بعد شىء يسير ذكر أن الله تعالى قال لموسى : اذهب واصعد من هذا الموضع أنت وأمتك التى خرجت من أرض مصر إلى الأرض التى وعدت بها مقسماً لإبراهيم وإسحق ويعقوب لأورثها نسلهم وأبعث بين يديك ملكاً لإخراج الكنعانيين والأموريين والبرزيين والحيثيين واليبوسبين ، وتدخل فى أرض تفيض لبناً وعسلاً ، لست أنزل معكم لأنكم أمة قاسية الرقاب لئلا تهلك بالطريق . فلما سمع العامة هذا الوعيد الشديد عجت تبكى ولم تأخذ زينتها . فقال لموسى بن عمران : قل لبنى إسرائيل : أنتم أمة قد قست رقابكم ، سأنزل عليكم مرة أهلككم فضعوا زينتكم لأعلم ما أفعله بكم . ذكروا جواب موسى عليه السلام لله تعالى على هذا الكلام فقال : وكان يكلم السيد موسى عليه السلام فماً لفم ، كما يكلم المرء صديقه . فقال موسى بن عمران للسيد : أتأمرنى أن أقود هذه الأمة ولا تأمرنى ما أنت باعثه معى . فقال له السيد : سيقدمك وجهى وأروح عندك . فقال موسى عليه السلام : إن لم تتقدمنا أنت فلا ترحلنا من هذا الموضع ، وكيف أعرف أنا وهذه الأمة أنك عنا راض إذا لم تنطلق معنا ونتشرف بذلك على جميع من سكن الأرض من الأجناس ؟ فقال له : سأفعل ما قلت لأنى عنك راض .

قال أبو محمد : ففى هذا الفصل من السخف غير قليل ، وبيان لا يحتمل تأويلاً ، لأن فيه البداء ، وأنه ـ تعالى عما يقولون علواً كبيراً ـ قال : إنه لا يمضى معهم ، لكن يبعث معهم ملكاً يبصرهم بأمر الله تعالى ، فلم يزل به موسى حتى رجع عن ما قال عز وجل وقال : سأمضى معكم ، ولم يقنع موسى بمسير الملك معهم إلا بمسير البارى عز وجل معهم ، وفى هذا تحقيق النقلة على البارى فى الأماكن ، وليست هذه صفة الله تعالى وإنما هى صفات المخلوقين . وفيه التكليم فماً لفم وتحقيق التجسيم ، والتناقض على البارئ تعالى فى كلامه وفعله دون تأويل ، ولا مخرج لهم من هذا .

فلو فكر هذا الوقاح الزنديق فى مثل هذا وشبهه ، لزجره عن التعرض لما لا سبيل له إليه ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .

ولو أن هذا الزنديق المائق كان له أقل تحصيل ، لما أقدم على المظاهرة بهذا الدين الخسيس طرفة عين ، ولكن لم يقره الشيطان من كل ما استبان له من هذا البهتان إلا انسلاخه من جميع الأديان ، وبالله تعالى نعوذ من الخذلان .

 


الفصل السادس

ثم ذكر هذا الزنديق الجاهل قول الله تعالى مخاطباً لنبيه عليه السلام ( فإن كنت فى شك مما أنزلنا إليك الكتاب فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك ، لقد جاءك الحق من ربك ) [يونس 94] قال هذا المجنون : فهذا محمد كان فى شك مما ادعاه .

قال أبو محمد : كان يلزم هذا الخسيس أن لا يتكلم فى لغة لا يحسنها ، ولكن أبى الله تعالى إلا أن يكشف سوءته ويبدى عورته .

وليعلم أن ( إن ) فى هذه الآية ليست التى بمعنى الشرط ، لأن من المحال العظيم الذى لا يتمثل فى فهم من له مسكة أن يكون إنسان يدعو إلى دين يقاتل عليه وينازع فيه أهل الأرض ويدين به أهل البلاد العظيمة ثم يقول لهم : إنى فى شك مما أقاتلكم عليه أيها المخالفون ولست على يقين مما أدعوكم إليه وأحققه لكم أيها التابعون .. إلى مثل هذا السخف الذى لا يتصور إلا فى مثل دماغ هذا المجنون الجاهل .
وإنما معنى ( إن ) ها هنا الجحد ، فهى هنا بمعنى ( ما ) وهذا المعنى هو أحد موضوعاتها فى اللغة العربية ، كما قال تعالى آمراً نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقول : ( إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون ) [الأعراف 188] بمعنى : ما أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون ، كما ذكر الله عز وجل عن الأنبياء أنهم قالوا : ( إن نحن إلا بشر مثلكم ) [إبراهيم 11] وكما قال تعالى مخبراً عن النسوة إذ رأين يوسف عليه السلام فقلن : ( إن هذا إلا ملك كريم ) [يوسف 16] بمعنى : ما هذا إلا ملك كريم ، وكما قال تعالى : ( لو أردنا أن نتخذ لهواً لاتخذناه من لدنا إن كنا فاعلين ) [الأنبياء 17] أى ما كنا فاعلين .

فعلى هذا المعنى خاطب نبيه عليه السلام : فإن كنت فى شك مما أنزلنا إليك ، ثم قال تعالى فاسأل الذين يقرأون الكتاب من قبلك ، لقد جاءك الحق من ربك . بمعنى : ولا أعداؤك الذين يقاتلونك من الذين أوتوا الكتاب من قبلك ما هم أيضاً فى شك مما أنزلنا إليك ، بل هم موقنون بصحة قولك وأنك نبى حق رسول الله صلى الله عليه وسلم لا شك عندهم فى أن الذى جاءك الحق .

ومثل هذا أيضاً قوله تعالى ( وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال ) [إبراهيم 46] تهويناً له ، وكذلك قوله تعالى ( قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ) [الزخرف 81] بمعنى ما كان للرحمن ولد فأنا أول الجاحدين لا يكون له ولد .

فوضح جهل هذا المعترض وضعف تمييزه ، والحمد لله رب العالمين .

* * * * *


ولو أن هذا الجاهل الأنوك تدبر ما فى باطلهم المبتدع وهجرهم الموضوع الذى يسمونه ( توراة ) إذ يقول : إن موسى عليه السلام راجع ربه إذ أراد إرساله وقال : من أنا حتى أمضى إلى فرعون ، أرسل من تريد أن ترسل . وأغضب ربه تعالى بذلك .

وأن يعقوب عليه السلام صارع ربه ليلة بتمامها وهو لا يعرف من هو ، فلما انسلخ الصباح عرف أنه الله ، تعالى الله عن هذا الحمق من الكفر علواً كبيراً . قالوا : فلما عرفه أمسكه ، فقال له ربه : أطلقنى . فقال له يعقوب : لا أطلقك حتى تبارك على . فقال له ربه : كيف لا أبارك عليك وأنت كنت قوياً على الله فكيف على الناس ! ثم مس مأبضه ، فعرج يعقوب من وقته ، فكذلك لا يأكل بنو إسرائيل من عروق الفخذ لأن الله تعالى مسه . ولا يجرؤ منهم أحد فيقول : إن المصارع ليعقوب كان ملكاً ، فإن لفظ اسم المصارع له فى توراتهم ( إلوهيم ) وهذا هو اسم الله تعالى وحده بالعبرانية .

فلو أن هذا الجاهل تفكر فى مثل هذا وشبهه ، لعلم أن الحق بأيدى غيرهم ، وأنهم فى باطل وغرور وعلى ضلال وزور ، والحمد لله رب العالمين ، وحسبنا الله تعالى .

 


الفصل السابع


ثم ذكر هذا المائق الجاهل قوله تعالى فى وصف العسل : إن فيه شفاء للناس . فقال : وكيف هذا وهو يؤذى المحمومين وأصحاب الصفاء المحترقة ؟

قال أبو محمد : لو كان مع هذا الجاهل الأنوك أقل معرفة بطبائع الإنسان أو فهم مخارج اللغة العربية لم يأت بهذا البرسام .

أما اللغة ، فإن الله تعالى لم يقل : العسل شفاء لكل علة . وإنما قال تعالى : فيه شفاء للناس . وهذا لا ينكره إلا رقيع سليب العقل والحياء أو موسوس ، لأن منافع العسل وشفاءه فى إسخان المبرودين ، وتقطيع البلغم ، وتقوية الأعضاء ، حتى صار لا يطبخ أكثر الأشربة إلا به ، ولا يعجن جميع اللعوقات إلا به ، وما وصف جالينوس وبقراط ـ وهما عميدا أهل الطب ، طبخ شىء من الأشربة إلا به جملة ، وما ذكرا قط أن يطبخ شراب بسكر .

وكيف ينكر هذا الأنوك أن يكون العسل شفاء محضاً ، وهى أغلب أموره ، فكيف أن يكون به شفاء !

* * * * *


وهم يصفون عن نبى من أنبيائهم أنه شفى أكَلةً فى عضو إنسان بتين مدقوق وجعله عليه .. فإذا كان فى التين شفاء من بعض العلل ، فكيف ينكر هذا الخسيس أن يكون فى العسل أشفية كثيرة ؟

وقد وجدنا فى اختلاطهم الذى يسمونه ( توراة ) عن الله تعالى فى عدة مواضع أنه إذا بلغ الغاية فى مدح أرض القدس التى وعدهم بها قال : إلا أنها أرض تنبع عسلاً ولبناً . ووعدهم فيها بأكل عسل الصخور .

أفترى إذ ليس فى العسل شفاء أصلاً ، إنما وعدهم تعالى بما فيه الداء والبلاء ، لا بما فيه الشفاء ، هذا مع إنكار العيان وجحد الضرورات فى منافع العسل .

 

 


الفصل الثامن



ثم ذكر هذا الزنديق الجاهل قول الله تعالى ( ونزلنا من السماء ماء مباركاً ) [ق 9] . وقال : كيف يكون مباركاً وهو يهدم البناء ويهلك كثيراً من الحيوان ؟

قال أبو محمد : من لم يكن مقدار فهمه وعقله إلا هذا المقدار ، لقد عجل الله له العقوبة فى الدنيا والحمد لله رب العالمين !

وليت شعرى أما درى هذا الجاهل أنه لولا شرب الماء لم يكن فى الأرض حيوان أصلاً لا إنسان ولا ما سواه ؟ وأن عناصر جميع المياه الظاهرة على وجه الأرض والمختزنة فى أعماقها إنما هى من مواد القطر النازل من السماء ؟!

أما رأى هذا الأنوك أن الأمطار إذا كثرت غزرت العيون وفهقت الأنهار وطفحت البرك وامتلأت الآبار وسالت السيول وتفجرت فى الأرض ينابيع ؟ حتى إذا قل الأمطار وضعفت العيون ونقصت الأنهار وخفت البرك والآبار وانقطعت السيول وغارت الينابيع ، خشنت الصدور وفسد الهواء ؟!

أما رأى أنه لا نماء لشىء من النبات كله منزرعه وصحراويه وجميع الشجر بساتينها وشعرائها إلا بالماء النازل من السماء ؟!

أما قرأ فى هذيانهم الذى يسمونه ( توراة ) امتنان الله تعالى فى صفة الأرض المقدسة بأنها لا تسقى من النيل ، كما تسقى مصر ، لكن من ماء السماء ؟!

أتراه إنما من عليهم بضد البركة لا بالبركة ؟!

إن هذا لعجب !

أما علم أن الأمطار ترطب الأجسام ، وتذهب بقحلها ، وأن بالماء الذى عنصره ماء السماء تزال الأوضار وتطيب الروائح ، ولولاه ما عمر العالم ؟!

فحسبكم أيها الناس بمقدار هذا الخسيس وجهله وهو عميد اليهود وعالمهم وكبيرهم ، وهذا مبلغه من الجهل والسخف ، ونستعيذ بالله من الجهل والضلالة ، والحمد لله رب العالمين .

 

ها هنا انتهى كل ما ظن المائق أنه اعترض به ، قد بان كله زوره وجهله واغتراره ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم .

ثم نحن إن شاء الله تعالى ذاكرون بحول الله تعالى وقوته قليلاً من كثير من قبائحهم يديرونها وينسبونها إلى البارى تعالى فى كتبهم التى طالعناها ووقفنا عليها ، وتضاعف بذلك شكرنا الله تعالى على عظيم ما منحنا من نعمة الإسلام والملة التى ابتعث بها محمداً صلى الله عليه وسلم تسليماً كثيراً وعلى آله الطيبين والحمد لله على ما أولانا من فضل الإسلام وشرف الإيمان .

* * * * *


اعلموا أيها الناس ـ علمنا الله وإياكم ما يقربنا منه ويزلف حظوتنا لديه ـ أن اليهود أبهتُ الأمم ، وأشدهم استسهالاً للكذب ، فما لقيت منهم أحداً قط مجانباً للكذب القبيح على كثرة من لقينا منهم ، إلا رجلاً واحداً فى طول أعمارنا ، فطال تعجبى من ذلك ، إلى أن ظفرت بسرهم من ذلك فى هذا الباب ، وهو أنهم يعتقدون بسخفهم وضعف عقولهم أن الملائكة الذين يحصلون أعمال العباد لا يفقهون العربية ، ولا يحسنون من اللغات شيئاً إلا العبرانية ، فلا يكتب عليهم كل ما كذبوا فيه بغير العبرانية ، فحسبكم بهذا المقدار من الجهل العظيم والحمق التام !

* * * * *


فمن طوامهم أن علماءهم يقولون : إن الله عز وجل إنما ستر عن يعقوب أمر يوسف وكونه فى مصر ثلاثة عشر عاماً كاملاً ، لأن أولاد يعقوب لعنوا كل من ينقل إلى أبيهم أن يوسف حى . قالوا : فدخل الله تحت هذه اللعنة إذا أطلع يعقوب على حياة يوسف ، تعالى الله عن إفك هؤلاء المجانين وكفرهم .
واغوثاه من عظيم هذا الحمق !

أفيكون فى البقر والحمير أو الكلاب أضل من قوم هذا مقدار عقولهم ، أن يجيزوا أن تكون لعنة مخلوق تلحق الخالق ؟

اللهم فإنا نحمدك على توفيقك إيانا للإسلام وهدايتك إليه ، ونسألك الثبات عليه إلى أن نلقاك مسلمين ، برحمتك آمين .

ثم العجب أنهم قالوا فى إخوة يوسف : إنهم كانوا المخبرين ليعقوب بحياة يوسف ، فهكذا فى نص الكتاب المسمى عندهم ( التوراة ) ، فما ترى اللعنة إلا قد لحقتهم .

* * * * *


ثم نجدهم لا يستحيون من أن ينسبوا إلى الأنبياء ـ عليهم السلام ـ أنهم زنوا ، وأنهم من نسل الزنا ، فإن فى السفر الأول من كتابهم ذلك المسمى ( توراة ) : أن يهوذا زنى بامرأة ولده ، ورشاها على ذلك جديا الغنم ، ورهنها بالوفاء بذلك عصاه وزناره وخاتمه .

وقد وقفت بعضهم على هذا فقال لى : كان ذلك مباحاً عندهم . فقلت له : إنك تقول الباطل ، إذ إن فى توراتهم أن يهوذا الذى جامعها أمر بها أن تحرق إذا ظهر حملها ، فإن كان ذلك فلم أمر بحرقها ؟

ثم لا يستحيون أن يقولوا : إن من ذلك الزنا حملت بفارص بن يهوذا الذى من نسله كان داود وسليمان ـ عليهما السلام ـ وكثير من الأنبياء كعاموص وشعيا وغيرهم .

* * * * *


ومن عجائبهم أنهم يقولون : إن كل نكاح كان على غير حكم التوراة فهو زنا ، والمتولد منه ولد زنا ، حتى إنهم يبيحون لمن تهود من سائر الأديان أن يتزوج أخته من أبيه . ثم لا يستحيون أن يقولوا : إن موسى وهارون أخاه تولدا من نكاح عمران بن قاهث بن لاوى عمته أخت أبيه يوخابد بنت لاوى ، وأن سارة أم إسحق كانت أخت إبراهيم أبيه من والده تارح ، وأن سليمان كان ابن امرأة زنى بها داود ، وولدت منه ابناً من النا وتزوجها أو زنى المحمى حتى لم يطلقها .

* * * * *


ويقولون : إن الجمع بين الأختين زنا ، وأن وطء الإماء بملك اليمين زنا ، والمتولد من هذه النكاحات زنا ، هم يقرون أن جميع ولد يعقوب ـ عليه السلام ـ كانوا من أختين ، نكحهما معاً ، وهما : ليا وراحيل ابنتا لابان ، فولدت له ليا ستة ذكور ، وولدت له راحيلُ يوسف وبنيامين ، وأن الأربعة الباقين من ولد يعقوب ولدوا له من زلفاء وبلها ، أَمَتَى راحيل وليا ، وطئهما بملك اليمين لا بزواج أصلاً ، لأن فى توراتهم أن لابان أخذ عليه العهد عند كوم الشهادة أن لا يتزوج على ابنته ، فكلهم من أبناء هذه الولادات .
وهاتان مقدمتان تنتج أن جميع بنى إسرائيل وجميع اليهود أولاد زنا !
فإن قالوا : كان ذلك حلالاً قبل أن يحرم . أقروا بالنسخ !
وإن قالوا : إن ذلك خاص لبنى إسرائيل مذ أنزلت التوراة . لزمهم ترك قولهم : إن كل مولود فى الأمم بخلاف حكم التوراة فهو ولد زنا .

وعلى كل حال يلزمهم أن أولاد سليمان ـ عليه السلام ـ كانوا أولاد زنا بَحْت ، لأنهم مقرون أنهم كانوا من أبناء العمونيات والموآبيات وسائر الأجناس ، ورءوس الجواليت إلى اليوم من أبناء من ذكرنا .. تعالى وتنزه أنبياؤه عليهم السلام عن هذه المخازى .

وإسحق ـ أبوهم ـ وهارون وموسى وداود وسليمان ويوسف ، على قول هؤلاء الكفرة ـ لعنهم الله ـ وُلدوا لغير رشدة .. لعن الله قائل هذا معتقداً له ومصدقاً له .

* * * * *


ومن عجائبهم أنهم يقرون فى كتابهم المسمى بالتوراة أن السحرة فعلوا بالرقى المصرى مثلما فعل موسى بن عمران ـ صلى الله عليه وسلم ـ من قلب العصا حية ، ومن قلب ماء النيل ، ومن استجلاب الضفادع ، حاشا البعوض فلم يقدروا عليه .

قال أبو محمد : لو صح هذا ، وأعوذ بالله ، لما كان بين موسى ـ عليه السلام ـ والسحرة فرق ، إلا قوة العلم والتمهر فى الصناعة فقط ، ونحن نبرأ إلى الله تعالى من أن يكون آدمى يقدر بصناعته على خرق عادة أو قلب عين ، وننكر أن الله تعالى يولى ذلك أحداً غير الأنبياء ـ صلى الله عليهم وسلم تسليماً كثيراً ـ الذين جعل الله تعالى ظهور المعجزات عليهم شاهداً لصدقهم .

* * * * *

ومن عجائبهم قولهم فى نقل أحبارهم الذى هو عندهم بمنزلة ما قال الأنبياء : إن فرعون كان بنى فى المفاز صنماً يقال له باعل صفون ، وجعله طلسماً باستجلاب بعض قوى الأجرام العلوية ، ليحير به كل هارب من أرض مصر ، وأن ذلك الطلسم حير موسى وهارون وجميع بنى إسرائيل حتى تاهوا أربعين سنة فى فحص التيه ، إلى أن ماتوا ملوكهم فى المفاز ، أولهم عن آخرهم ، حاشا يوشع بن نون الافراهيمى ، وكالب بن يوفنا اليهوذانى .
فتباً وسحقاً لكل عقل يزعم صاحبه أن صناعة آدمية وحيلة سحرية غلبت قوة الله تعالى ، وأعجزت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ حتى مات تائهاً فى المفاز حائراً فى القفار .

* * * * *

ومن تكاذيبهم قولهم فى الكتاب الذى يسمونه ( التوراة ) : إن الله تعالى قال لهم : سترثون الأرض المقدسة وتسكنونها فى الأبد .
ونحن نقول : معاذ الله أن يقول الله تعالى الكذب ، وقد ظهر كذب هذا الوعد ، فما سكنوه فى الأبد ، وما عمروه إلا مدة يسيرة من آباد الأبد ، ثم أخلوه وأخرجوا عنه وورثه الله أمة محمد صلى الله عليه وسلم .

* * * * *


ومن عجائبهم قولهم فيه : إن الله ـ عز وجل ـ قال لموسى : إذا أراد بنو إسرائيل الخروج عن مصر أن يأخذ أهل كل بيت من بنى إسرائيل خروفاً أو جدياً ويذبحونها مع الليل ، ويأخذون دمائها ، ويمسون بها أبوابهم وعتب بيوتهم . ثم قال : قلت سأمسح بأرض مصر هذه الليلة ، وأهلك كل بكر ولد بأرض مصر من أبكار الآدميين وبكور نتاج المواشى ، وأحكم فى مصر أنا السيد ، وعند ذلك يكون الدماء ، الدم لكم فى البيوت التى تكونون فيها ، فإذا نظرت إلى ذلك تجاوزكم ولا يصل إليكم ضر . ثم قال بعد أسطار حاكياً عن موسى أنه قال لبنى إسرائيل : اذهبوا وليذبح أهل كل بيت منكم الضأن ، وعيدوا ، واصبغوا فى دمائها رانا ، ورشوا به أبوابكم وأعتابكم ، ولا يخرج أحد عن باب بيته إلى الصبح ، فإن السيد سيمسخ ويهلك المصريين ، فإذا نظر إلى الدم على العتب وفى الأبواب لم يجاوز الباب ، ولا يأذن القاتل بالدخول إلى بيوتكم وقتلكم .

قال أبو محمد : أفيكون أسخف من عقول من ينسبون إلى الله تعالى مثل هذا الكلام الفاسد ؟ أو ترى الله ـ عز وجل ـ لا يعرف أبوابهم حتى يجعل عليها علامات ؟!

إن هذا لعجب !
لو عقل هذا المجنون لشغله هذا السخام الذى فى دينه الذى يباهى به عن التعرض للحقائق يروم إبطالها ، فكان كما قال الله عز وجل ( يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ، والله متم نوره ولو كره الكافرون ) [ الصف 8 ] .

* * * * *


ومن عجائبهم أنهم يلتزمون أكل الفطير فى مرور الوقت المذكور فى كل عام ، ولا يلتزمون أكل الخروف ، على ما ذكرنا ، وهم يقرون فى كتابهم أنهم مأمورون بذلك كله .

فإن قالوا : إنما أمرنا بذلك ما دمنا فى أرض القدس . قيل لهم : اتركوا أيضاً استعمال أكل الفطير حتى تكونوا فى أرض القدس ، فلا فرق فى كتابكم بين الأمر بالفطير والخروف .


ومن عجائبهم فى الكتاب المسمى عندهم ( التوراة ) أن موسى ـ عليه السلام ـ مجد الله تعالى يوم أغرق فرعون ، فقال فى تمجيده : ذلك قولى ومديحى للسيد الذى صار لى مسلماً ، هذا إلهى أمجده وإله آبائى أعظمه ، السيد قاتل كالرجل القادر .

أفيسوغ لذى عقل أن ينسب لنبى الله تعالى أنه شبه قوة ربه عز وجل بقوة الرجل القادر ؟ وهل فى الافتراء أعظم من هذا لو عقلوا ؟

* * * * *

ومن عجائبهم قولهم فى السفر الثانى من كتابهم : ثم صعد موسى وهارون وناداب وأبيهو وسبعون رجلاً من المشايخ ، ونظروا إلى إله إسرائيل ، وتحت رجله كلبة زمرد فيروزى . وفى بعض الفصول أن موسى عليه السلام قال أو يعقوب : رأيت الله مواجهة وسلمت نفسى . مع قولهم إن الله تعالى قال لموسى عليه السلام : من رأى وجهى من الآدميين مات ، ولست تقدر ترانى ، لكن سترى مؤخرى .

فهل فى التناقض أعظم من هذا : مرة يقول من رأى وجهى مات ، ومرة يقول رأيته مواجهة وسلمت نفسى .

وكل ما ذكرنا ففى كتابهم الذى يسمونه ( توراة ) لا فى نقل ضعيف ولا غيره .

* * * * *


ومن عجائبهم قولهم فى السفر الثانى : إن هارون أخا موسى بإقرارهم قال لبنى إسرائيل فى مغيب موسى : اقلعوا أقراط الذهب عن آذان نسائكم ومواليكم وأولادكم وبناتكم ، ايتونى بها . ففعلت العامة ما أمر به وأتوا بالأقراط إلى هارون ، فلما أقبضها أفرغها وجعل لهم منها عجلاً ، فلما بصر به هارون بنى مذبحاً بين يديه وصرخ مسمعاً : غداً عيد السيد . ثم ذكر بعد فصول بأن موسى ـ عليه السلام ـ وجد بنى إسرائيل عراة بين يدى العجل ويتغنون ويرقصون ، وكان عراهم هارون بجهالة قلبه .

هذه نصوص كتابهم .. أفيسوغ فى عقل من له أدنى مسكة أن يكون نبى يعمل عجلاً للعبادة من دون الله تعالى ويأمر قومه يعبدوا له ، ويرقص هو وهم تعظيماً للعجل على أنه إلههم الذى من مصر ؟ وإذا جاز أن يكون عجلاً وثناً ويعبدوه جاز لنى آخر أن يزنى ، فكيف يصدق فى شىء من كلامه ، وما الذى جعل سائر كلامه أولى بالقبول من كلامه وأمره فى العجل ؟ وما الذى جعل سائر عمله أصح من زناه وفتحه بيوت الأوثان وتقريب القرابين لها ؟ ولعل سائر ما أمر به وما عمل مفتعل كل ذلك من جنس عمل العجل والزنا .

والذى لا شك فيه عندى أن من بدل توراتهم وأدخل فيها مثل هذا ، إنما قصد إلى إبطال النبوة جملة ، وبالله تعالى التوفيق .

* * * * *


ومن عجائبهم قولهم فى السفر الرابع : إن بنى إسرائيل إذ طلبوا أكل اللحم وضجوا من أكل المن ، أن الله تعالى قال لموسى : تقدسوا غداً تأكلون اللحمان ، فأنا أسمعكم قائلين من ذا الذى يعطينا ، قد كنا بخير ، يعطيكم السيد اللحمان فتأكلون ، ليس يوماً واحداً ولا اثنين ولا خمسة ولا عشرة إلا حتى تكمل أيام الشهر ، حتى يخرج على مناخركم وتصيبكم التخم . فقال له موسى : هؤلاء هم ستمائة ألف رجل وأنت تقول : أنا أعطيكم اللحوم طعماً شهراً ، أترى تكثر ذبائح الغنم والبقر فيقتاتون بها ، أو تجمع حيتان البحر معاً لتشبعهم ؟ فقال السيد : ماذا يهم السيد ؟ أتى السيد عاجزاً ؟ فالآن ترى إن تم قوله . ثم ذكروا أن الله تعالى أنزال السمانى حول العسكر ، فاكلوا حتى تخموا ومات كثير منهم بالتخمة ، فسمى ذلك الموضع قبور الشهوات .

قال أبو محمد : فلو تدبر هذا اللعين الجاهل كذبهم فى هذا الفصل ، لردعه عن أن يظن بقول الله تعالى لنبيه عليه السلام ( فإن كنت فى شك مما أنزلنا إليك ) ، وليعلم أن الشك المجرد قد نسبوه إلى موسى ـ عليه السلام ـ فى هذا الفصل ، فإنه لم يثق بقول ربه ولا صدق قدرته على إطعام بنى إسرائيل اللحم شهراً كاملاً ، وهذا مع ما فيه من الشك المكشوف الذى لا يجوز أن يخرج له تأويل يبعده عن الشك ، ففيه من السخف غير قليل ، لأن من رأى شق البحر ، وإنزال المن المشبع لهم ، فواجب عليه أن لا يستعظم إشباعهم بلحم ينزله عليهم . ولكن الكذب والتوليد لا يكون إلا هكذا ليفضح الله تعالى به أهله . والحمد لله على ما من به علينا من طهارة الإسلام ، ووضوح حجته ، وله الشكر على ما كفانا من دنس الكفر وتناقض عمراه .

وبعد هذا الفصل أيضاً فى السفر الرابع ما ذكره من قول الله تعالى لموسى عليه السلام إذ ضج بنو إسرائيل من دخول الأرض المقدسة ، قالوا : فقال السيد لموسى بن عمران : حتى متى تتناولنى هذه الأمة التى لا يؤمنون بى على ما آتيتهم من العجائب التى فعلت أمامهم ، سأضربهم بالوبأ حتى أمسخهم ، وأجعلك مقدماً على أمة عظيمة أشد قوة من هذه . وأن موسى لم يزل يرغب إلى الله عز وجل حتى قال : قد غفرت لك كما سألتنى . ففى هذا الفصل من إطلاق الكذب فى الحلف على الله عز وجل ما لا يجوز أن ينسب مثله إليه تعالى .

* * * * *

وقد ذكرنا فى كتابنا الموسوم بـ ( الفصل فى الملل والنحل ) الفصل الذى فى توراتهم فى ذكر أنسابهم ، وبينا عظيم الكذب فيه : وهو أنهم ذكروا أن سبعة نفر من بنى إسرائيل من ولد قاهث بن لاوى نسلوا ثمانية آلاف ذكر قبل موتهم فى التيه ، وأولئك السبعة أحياء قائمون وهم حينئذ أكثر ما كانوا .

وقد قال بعضهم : إن هذا من المعجزات . فأجبناه بأن المعجزات إنما تكون للأنبياء عليهم السلام ، وأما لكفار عاصين فلا .

* * * * *

هذا سوى ما فى توراتهم من شرائعهم التى يلتزمونها الآن كالقرابين ، وكمن مس نجساً فإنه ينجس إلى الليل ، ومن حضر على مقبرة ينجس إلى الليل حتى يغتسل كله بالماء ، وأما الصلوات التى يصلونها الآن فمن وضع أحبارهم ، فيكفيهم أنهم على غير شريعة موسى عليه السلام ولا على شريعة نبى من الأنبياء .

ومن طرائفهم قولهم فى كتاب لهم يُعرَف ( بشعر توما ) أن تكسير ما بين جبهة خالقهم إلا أنفه كذا وكذا ذراعاً . وقالوا فى كتاب لهم من ( التلمود ) ـ وهو فقههم ـ يسمى ( سادر ناشيم ) ومعناه ( حيض النساء ) : أن فى رأس خالقهم تاجاً من كذا وكذا قنطاراً من الذهب ، وأن صديقون المَلَك هو يُجلس التاج على رأس خالقهم ، وأن فى إصبع خالقهم خاتماً تضىء من فصه الشمس والكواكب .

* * * * *


ومن طوامهم قولهم عن رجل من أحبارهم الذين يريدون ، أن من شتم أحداً منهم يقتل ، ومن شتم أحد الأنبياء لا يقتل . فذكر عن لعين منهم يدعونه إسماعيل أنه قال لهم ، وكلامه عندهم والوحى سيان ، فقال : كنت أمشى ذات يوم فى خراب بيت المقدس ، فوجدت الله تعالى فى التلك الخرب يبكى ويئن كما تئن الحمامة ، وهو يقول : ويلى هدمت بيتى ، ويلى على ما فرقت من بنى وبناتى ، قامتى منكسة حتى أبنى بيتى وأرد بناتى وبنى . قال هذا الكلب لعنه الله : ثم قبض الله على ثيابى وقال لى : لا أتركك حتى تبارك على . فباركت عليه وتركنى .

قال أبو محمد : أُشهد الله تعالى خالقى وباعثى بعد الموت والملائكةَ والأنبياء والمرسلين والناس أجمعين والجن والشياطين أنى كافر بربٍ يكون بين الخرب ويطلب البركة من كل من كلاب اليهود . فلعن الله تعالى عقولاً جاز فيها مثل هذا .

* * * * *


ومن عجائبهم قولهم فى السفر الخامس من توراتهم أن موسى عليه السلام قال لهم : إن الله تبارك وتعالى يقول لكم : إنى لم أدخلكم البلاد لصلاحكم ولا لقوام قلوبكم ، ولكن لكفر من كان فيها . ثم يقولون فى عيدهم الذى يكون فى عشر تخلو من أكتوبر ، ومن تشرين الأول ، ساخطين على الله تعالى غِضاباً عليه تعالى إذ قصر بهم ولم يؤدهم حقهم الذى يجب لهم عليه ، فيقولون لعنهم الله : إن الميططرون ـ ومعناه الرب الصغير تحقيراً لربهم تعالى وتهاوناً به ـ يقوم هذا اليوم قائماً وينتف شعره ويقول : ويلى إذا أخربت بيتى وأيتمت بنى ، قامتى منكسة لا أرفعها حتى أبنى بيتى .

فهم كما ترى يعلنون ربهم ويصغرونه ويقولون ذلك بأعلى أصواتهم فى أكبر أعيادهم وأعظم مجامعهم . فكيف يجتمع هذا الحق العظيم الذى يحبونه لأنفسهم ، لعنهم الله ، ويرونه واجباً على خالقهم ، مع ما ذكرنا آنفاً من قوله لهم فى توراتهم : ( لم أدخلكم البلاد لصلاحكم ولا لقوام قلوبكم ) ؟ فهل التناقض الفساد والتبديل الظاهر إلا هذا كله لو عقلوا ؟

* * * * *

وفى السفر الخامس أيضاً أن موسى عليه السلام قال لهم : إن السيد إلهكم الذى هو نار آكلة . وفى موضع آخر من كتبهم أن الله تعالى هو الحمى المحرقة . وفى الذى يسمونه ( الزبور ) : احذر ربك الذى قوته كقوة الجريش .
فهذا وشبهه هو الحمق والتناقض وتوليد زنديق سخر منهم وأفسد دينهم .

* * * * *

وهم يحققون على سليمان عليه السلام أنه بنى بيوت الأوثان لنسائه وقرب لها القرابين ، وهو عندهم نبى . وقد مضى الكلام فى بطلان كل كلام وعمل يظهر ممن هذه صفته ، وأنه ليس مأموناً ولا صادقاً ، لعنهم الله فإنهم كذبوا على أنبياء الله وافتروا .

* * * * *


ويقرون فى السفر الرابع من توراتهم أن الله تعالى أمرهم أن يضربوا القرن ضرباً خفيفاً ، حتى إذا لقوا العدو فليضربوا القرن بشدة ليسمعه فيبصرهم ، وفى هذا من السخف والكفر غير قليل ، ولكن حق لمن غضب الله عليه وتبرأ منه وألحقه لعنته وألحقه سخطه أن يكون مقدار علمهم وعقولهم التصديق لكل ما أوردنا ، والحمد لله رب العالمين على مننه علينا بالإسلام ، ومحمد صلى الله عليه وسلم .

* * * * *


وهم معترفون بأن التوراة طول أيامهم فى دولتهم لم تكن عند أحد إلا عند الكاهن وحده ، وبقوا على ذلك نحو ألف ومائتى عام ، وما كان هكذا لا يتداوله إلا واحد فواحد ، فمضمون عليه التبديل والتغيير والتحريف والزيادة والنقصان ، لا سيما وأكثر ملوكهم وجميع عامتهم فى أكثر الأزمان كانوا يعبدون الأوثان ويبرأون من دينهم ويقتلون الأنبياء ، فقد وجب باليقين هلاك التوراة الصحيحة وتبديلها مع هذه الأحوال بلا شك . وهم مقرون بأن يهوآحاز بن يوشيا الملك الدارودى المالك لجميع بنى إسرائيل بعد انقطاع ملوك سائر الأسباط ، بَشَرَ من التوراة أسماء الله تعالى وألحق فيها أسماء الأوثان . وهم مقرون أيضاً أن أخاه الوالى بعده وهو الياقيم بن يوشيا أحرق التوراة بالجملة وقطع أثرها ، وهو فى حال ملكه قبل غلبة بخت نصر عليهم . وهم مقرون بأن عزرا الذى كتبها لهم من حفظه بعد انقطاع أثرها ، إنما كان وراقاً ولم يكن نبياً ، إلا أن طائفة منهم قالت فيه : إنه ابن الله ، قد بادت هذه الطائفة وانقطعت .
فأى داخلة أعظم من هذه الدواخل التى دخلت على توراتهم ؟!
وأما القرآن ، فإنه لا يختلف ملىُّ ولا ذمى أنه لم يزل من حين نزوله إلى يومنا هذا مبثوثاً عند الأحمر والأسود لم ينفرد به أحد دون أحد ، بل أبيح نسخه لكل من مضى وجاء ، فنقله نقل كواف لا يحصرها عدد كنقل أن فى الدنيا بلداً يقال له الهند ، وسائر ما لا يجوز للشك فيه مساغ ولا مدخل . والحمد لله كثيراً ، وصلى الله على سيدنا محمد وسلم تسليماً .

* * * * *


قال أبو محمد : إن أملى لقوى ، وإن رجائى مستحكم ، فى أن يكون الله تعالى يسلط على من قرب اليهود وأدناهم وجعلهم بطانة وخاصة ما سلط على اليهود ، وهو يسمع كلام الله تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدى القوم الظالمين ) [المائدة 51] ..
وقوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفى صدورهم أكبر ) [آل عمران 118] ..
وقوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوى وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة ) [الممتحنة 1] ..
وقوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزواً ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين ) [المائدة 57] ..
وقوله تعالى ( وضربت عليهم الذلة والمسكنة ) [البقرة 61]
..
وقوله تعالى ( لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ) [المائدة 62] ..
فمن سمع هذا كله ، ثم أدناهم وخالطهم بنفسه من ملوك الإسلام ، فإنه إن شاء الله تعالى قمين أن يحيق الله عز وجل به ما أحاق بهم من الذلة والمسكنة والهوان والصغار والخزى فى الدنيا سوى العذاب المؤلم فى الآخرة .

وإن من فعل ذلك لحرى أن يشاركهم فيما أوعد الله تعالى فى توراتهم فى السفر الخامس إذ يقول لهم تعالى : ستأتيك وسيأتى عليكم هذه اللعنة التى أصف لكم فتكونون ملعونين فى مدائنكم وفدادينكم وتلعن أجدادكم وبقاياكم ويكون نسلكم ملعوناً ، وتكون اللعنة على الداخل منكم والخارج ، فيبعث الله عليكم الجوع والحاجة والنصب فى كل ما عملته أيديكم حتى يهلككم ويقل عددكم لتخليكم منه . ثم يلقى الوبأ على أنفسكم ليقطع آثاركم من الأرض التى أورثكموها ويبعث الرب عليكم الجدب ويهلككم بالسَّموم والثلوج ويحيل آثاركم ويطلبكم حتى يندركم ويجعل سماءه فوقكم نحاساً وأرضكم التى تسكنونها حديداً ، فتمطر عليكم الغبار من السماء ، وينزل عليكم الدماء حتى تهلكوا عن آخركم ، ويُظفر الرب بكم أعداءكم فتدخلون إليهم على طريق واحدة وتنهزمون على سبعة ، ويفرقكم فى آخر أجناس الأمم ، فتكون جيفكم طعم السباع وطيور السماء ولا يكون لهم عنكم رافع ، ويبتليكم الرب بما ابتلى به المصريين فى أدبارهم من الحكة والأكال الذى لا دواء له ويبتليكم الرب بالبلية والغم حتى تماسكوا بالحيطان القليلة كتماسك العميان ، ولا تقوموا على إقامة سبلكم فتكونوا فى هضيمة طول دهر وفى صخرة لا يكون لكم منفذ . ويتزوج أحدكم امرأة فتخالفه إلى غيره ، ويبنى أحدكم بيتاً ويسكنه غيره ، ويغترس كرماً ويقطفه غيره ، ويذبح بين قدمى أحدكم ثوره ولا يطعم منه ، وينزع من أحدكم حماره معاينة ولا يرد إليه ، وتعطى مواشيكم الأباعد ، ولا تجدون ناصراً على ردها وتغلب على أولادكم وبناتكم ، ولا يكون فيكم قوة للدفع عنهم ، وتأكل حبوبكم أجناس تجهلونها وفواكه أرضكم ، وتكونون مع ذلك فى هضيمة أبداً وفى جزع منهم ، فيبتليكم الرب بأجناس الأمراض وأضرها التى لا دواء لها من أقدامكم إلى رءوسكم ، ويذهب بالملك الذى تقدمونه على أنفسكم إلى قوم لم تعرفوهم ولا آباؤكم ، لتجدوا عندهم أصنامهم المصنوعة من الخشب والرخام ، وتكونون مثلاً لمن سمع من جميع الأجناس التى أنذركم فيها ، فتزرعون كثيراً وترفعون قليلاً ، لأن الجراد يأتى عليه ، وتعمرون كرومكم وتحفرونها ولا تقطفون منها شيئاً ، لأن الدود يأتى عليها ، ويكثر زيتونكم ولا تدهنون لأنها لا تعقد ، ويولد لكم الأولاد والبنات ولا تنتفعون بهم لأنهم يساقون فى السبى ، ويأتى على جميع فواكه بلدكم القحوط والجدب فلا تنتفعون بها ، ومن كان بين ظهرانيكم من أهل القرى يلعنونكم ولا يشفقون عليكم فتتواضعون ويكون الأرذال يشتمونكم وتكونون لهم ساقة فيأتى عليكم جميع هذه اللعنات وتتبعكم حتى تخزوا ، إذ لم تسمعوا للرب إلهكم ، ولم تحفظوا رسالاته التى عوهدت إليكم ، وتكون فيكم العجائب والمسوخ فى ذريتكم فى الأبد ، إذ لم تقفوا عند أمر الرب إلهكم بطيب أنفسكم ، فتخدمون أعدائكم الذين يبعث الرب عليكم فى الجوع والعطش والعرى والحاجة ، وتحملون على رقابكم أغلال الحديد وتجرونها ، ويأتى الرب عليكم بجيش من مكان بعيد فى سرعة العقبان من الذين لا يكرمون شيخاً ولا يرحمون صغيراً ، فيأكلون نتاجكم وما أنبتت أرضكم ، ولا يدعون لكم سمناً ولا خمراً ولا زبيباً ولا ثوراً ولا شاة حتى يأتوا عليكم ويخرجوكم من جميع مدائنكم التى يورثكم الرب إلهكم وتضيق عليكم حتى تأكلوا وسخ أجوافكم ولحوم أولادكم وبناتكم الذين يولدون لكم فى زمان حصاركم ، فمن كان منكم مترفاً أو متملكاً يمنع أخاه وامرأته لحوم بنيه شحاً عليها إذ لا يجد ما يقتات به سواه من شدة الحصار من أعدائكم لكم ، ومن كانت فيكم رخصة البنان التى لا تقوى على المشى من رخوصتها تحد زوجها على أكل لحوم أولادها ، والسلى الذى يخرج من فرجها ، إذ لا تجد مطعماً سواه .

قال أبو محمد : هذه بشارة من الله تعالى لهم ، ومنحته التى خصهم بها بإقرارهم ألسنتهم ، وفى كتابهم الذى يقرأونه ، فليتق الله تعالى امرؤ آتاه الله نعمة من نعمه ، ومنحه عزه ، وليجتنب هؤلاء الأنجاس الأنتان الأقذار الذين أحاق الله تعالى بهم من الغضب واللعنة والذلة والقلة والمهانة والسخط والخساسة والوسخ ما لم يحق لأمة من الأمم قط .

وليعلم أن هذه الكُسَى التى كساهم الله تعالى إياها أعدى من الجرب ، وأسرع تعلقاً من الجذام ، وبالله تعالى نعوذ من الخذلان ، ومن معارضة الله تعالى فى حكمه بإرادة إعزاز من أذله الله تعالى ، ورفعة من حطه الله ، وإكرام من أهانه الله ، وحسبنا الله ونعم الوكيل .

* * * * *


قال أبو محمد : قد أوردنا فى هذا الكتاب من شنعهم أشياء تقشعر منها الجلود ، ولولا أن الله تعالى نص علينا من كفرهم ما نص كقوله تعالى عنهم : إنهم قالوا : عزير ابن الله ، ويد الله مغلولة ، وأن الله فقير ونحن أغنياء ، لما استجزنا ذكر ما يقولون لشنعته وفظاعته . ولكننا اقتدينا بكتاب الله عز وجل فى بيان كفرهم ، والتحذير منهم ، والحمد لله رب العالمين ، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وسلم .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق