ما تقوله يقولك. وما تكتبه يكتبك.
على الشاحنة( في الصورة) بيت شعر في مديح
الحسد.
هل يمدح الحسد؟
كل ما يذمّ يمدح، فنحن نذمّ من وجه ما،
ولكن في طوايا المذموم أشياء تستحقّ المدح.
هل تمدح الرذيلة؟
في تراثنا العربيّ مجموعة من الكتب، تحكي
عن فضائل الفضائل كما تحكي عن مساوىء الفضائل، وهي تدرج تحت غرض يمكن أن نسميه المحاسن
والمساوىء، وثمة كتاب للبيهقي يتناول هذه الظاهرة، وهناك أيضا كتاب منسوب للجاحظ يحكي
عن هذه الظاهرة.
ضع أي حسنة تحت المجهر تظهر لك سيئاتها،
وضع أي سيئة تحت المجهر تظهر لك حسناتها. كتب تقلّب الشيء الواحد على جوانبه المتعددة،
تقلبه ظهرا لبطن، تفلفشه، تضعه في سياقات لا يخطر لنا عادة أن ندرجها فيها، فتكشف السياقات
غير المتوقعة عن الوجه القبيح للجمال، والوجه الجميل للقبح. قراءة هذه الكتب رياضة،
تمرين عضلي لخلايا الدماغ، تنشيط للمواطن الخاملة.
الأمن يجعل المرء ينام دون حذر، التوتّر
الأمني يبقيك حذرا، الحذر نشاط، رياضة، تفعيل للحواس، والأفكار.
بيت الشعر الموجود على الشاحنة يحكي عن
الحسد العادل. العدل أساس الملك، هل الحسد أساس الملك؟
يقول البيت:
لله درّ الحسد ما أعدله!
هنا مدح غريب، غرابة الشطر الأوّل تزيلها
دلالة الشطر الثاني
بدأ بصاحبه فقتله.
( بدأ سحبت الألف من تحت همزتها فكتبت بدء).
الحسد عادل لأنّه قاتل.
القتل عدل، والقتل هنا عادل، لا يتجنّى،
يعطي كل ذي حقّ حقّه.
في شعرنا العربي أقوال كثيرة عن فضائل الحسد،
وفضيلة الحسّاد، وكثيرون يعرفون هذه الميزة التي يتمتّع بها الحسد، فيعمدون إلى توظيفها
واستثمارها لصالحهم.
على المرء أن يقاطع ذهنيّة القطيع إذا أراد
أن يرى بطريقة مغايرة، غير مألوفة، الدلالات الخفيّة ، المبطنة، المتوارية خلف معنى
شائع تحمي به معناها غير الشائع.
الشائع حجاب، والمألوف ضباب، والمعهود يضمر
ما لا عهد لك به!
شغلني معنى البيت عن الهمزة، وما أدراك
ما الهمزة!
الهمزة قشرة موزة!
الهمزة لعوب، تبلبل الأصابع ، وتشوّش بحرطقة
كراسيّها! والهمزة متكبّرة، فرضت شروطها على كتب اللغة، وأبت إلا أن تخصص لها أبواب
تليق بسمعتها وخصوصيتها، حتّى أنّها ضيّعت أيضاً علماء الأصوات، وحيّرت معجم الفراهيديّ!