كان يكتب رواية بطلها قاتل، وكثيرا ما يلعب القتلة أدوار البطولة!
كان يستهوي بطل الرواية أن يختار ضحاياه من صنف معيّن من الناس. أناس يبلبلون الضوء، فلا يعرف المرء إن كانوا خارج الأضواء أو تحت الأضواء، فبطل في لعبة كرة القدم أو مطرب شهير يعيشون علماً تحت الأضواء. حركاتهم تسيل لعاب الصحافة والإعلام بخلاف ذلك الذي يبتعد عن الأضواء ليحقق ذاته الجوّانية.
كان القاتل يختار لحظات معينة ليرتكب جريمته. ولا يعرف الكاتب لماذا اختار أن يكون القاتل هو بطل روايته! هل يعرف روائيّ الأبطال الورقيين الذين سيسكنون رواياته؟
كان القاتل لا يمارس جرائمه إلا بحقّ الكتّاب، كان يكره عالم الكتابة، والكتب، والصحف، وكان يكره الأقلام والدفاتر والمكتبات.
هكذا أراد الروائي أن تكون شخصية بطل روايته الأخيرة. ولا أحد من حيث المبدأ يستطيع أن يلعب بمصائر شخصيات أبطال رواية ما إلا من يصوغها من حبر وورق وخيال يتفرّد به. فلا يمكن أو تجد شخصين يتمتعان بخيال واحد، الخيال كبصمة الأصابع، بصمات لا تتكرر.
كان بطل القصّة أمّيا.
ولكن هل تبرر الأمية قتل الكتّاب؟
بالنسبة لذلك القاتل، لم يكن يطيق السماع بسيرة الكتّاب، كان يعتبر أنّ أحد أسباب مآسي العالم هو الكتابة و " المكتوب"!
لهذا راح ينتقي ضحاياه من هذا الحقل.ولكنه كان " يمسرح" جرائمه، يختار توقيتا يزيد من وقع الجريمة، فأن تقتل كاتبا وهو يقود سيارته، أو وهو في حديقة منزله يعتني بالأشجار والأزهار ليس كما لو وقع فعل القتل وهو منغمس في عالم الكتابة.
الكتابة عادة تتطلب العزلة، ونادرا ما يقعد الكاتب في مكان مكتظ بالناس ليكتب. الكتابة تحبّ الاستفراد بالكاتب، من هنا وجد ان لحظة الكتابة هي أفضل لحظة لارتكاب الجريمة.
أنهى الروائيّ كتابة روايته، وراح يراجع الأوراق التي كتبها، ويعدّل بعض الجمل، ويضيف بعض الملامح على هذه الشخصية أو تلك.
كانت ملامح تلك الشخصية المجرمة التي وزعها على أكثر من صفحة تتلاحم فيما بينها كما قطع البزل أو قطع الفسيفساء حتّى صار لها ملامح شبح يقف وراء الكاتب الأعزل، وقام الشبح بقتل الكاتب بالطريقة نفسها التي تخيلها كاتب الرواية ثم ذاب كما يذوب دخان سيجارة!
لم تكن رواية المؤلف المقتول هي أوّل رواية ساح دم كاتبها على صفحاتها!