يعود تاريخ الأدب الصيني الى العصر الذهبي في عهد سلالة التانغ بين عامي 918 و957 وإنجازاته الرائعة في الشعر. لم يكن المثقفون والمهتمون بالأدب وحدهم الذين حققوا تلك الانجازات، بل كان هناك أشخاص من مختلف الطبقات بينهم الأباطرة والوزراء والمحظيون في القصور الامبراطورية والتجار الصغار والحمّالون والمهرّجون والراقصون والبوديون والتاويون. كان هناك أشخاص من كل هذه الطبقات بارعون في كتابة الشعر وكان الشعر مستخدماً في معظم ميادين الحياة، وفي المناسبات التذكارية للعرش وفي الرسائل الرسمية والخاصة والقصص الرمزية ومفكّرات السفر والغناء والأدب الشعبي، ما دعا الشاعر والعالم الحديث ون يدو الى القول: الناس يميلون الى الحديث عن {قصائد التانغ» لكنني أود الحديث عن هذه القصائد (اي مرحلة ازدهارها وموقعها في تاريخ الشعر).
إن ازدهار الشعر وانجازاته الفريدة في عهد سلالة التانغ يظهر أولاً في العدد الهائل لهذه القصائد إذ تبدّلت أشياء كثيرة منذ ذلك العصر، لكن أكثر من خمسين ألف قصيدة لألفين وثلاثماية شاعر لا تزال متداولة حتى يومنا.
يشمل شعر التانغ عدداً كبيراً من الموضوعات ويتميز بالمعاني الضمنية (الرمزية) والصور المشعّة والأسلوب المنمّق. برع الشعراء في عهد سلالة التانغ في توليد المعاني والمفاهيم الفنية وتصوير المشاعر المفعمة بحب الطبيعة.
كثيرٌ من قصائد التانغ الجميلة لا يزال على كل شفة في الصين ويتحول ليصبح جواهر فريدة في كنوز الآداب العالمية.
الرسوم الصينية التقليدية أيضاً دخلت عصرها الذهبي في تلك الفترة فعبّرت عن المفاهيم والقيم الاجتماعية والدينية والفلسفية السائدة. وتناول الرسامون (عامة) الموضوعات والحكايات الشعبية. أما الرسّامون الملكيون فطلب إليهم رسم صورٍ ذاتية للأباطرة وزوجاتهم وللوزراء وأبناء الطبقة الحاكمة.
هنا مختارات من شعر التانغ.
أغنية في الطريق
عابراً نهرَ الخريف قُدت جوادي ليشرب. المياه باردة والريح تجعلني أشعر بأنني أُقطعُ بالسيف.
الشمس فوق المُنبسط الرملي لم تغب.
مشهدٌ غامضٌ لـ»ليناتو» النائية يتراءى لنا
قُرب السور العظيم هنا، دارت رحى حروب قديمة
إنها فخورة بأولئك المحاربين الذين بنوا أمجادهم.
الرمال الصفراء طمرت الحاضر والماضي.
فقط العظام البيضاء مبعثرة بين الأعشاب التي تنمو سريعاً.
(وانع شانغلنغ)
الشروع في الرحيل
حزيناً قلتُ لصديقي العزيز وداعاً
وفي السديم الشاسع عبرت سفينتي.
إلى موطني «ليويانع» أتجه الآن، صوت أجراس ضعيف لا يزال يتردّد من غابات «غوانغلنع».
في هذا الوقت وهذا المكان دعونا إلى حفلٍ وداعي.
من يعلم أين يمكن أن نلتقي ثانية؟
حياة الإنسان كسفينة في أعلى الموج.
من يمكنه أن يوقف انزلاقها في هذا الاتجاه أو ذاك؟
(وي ينغوُو)
حُزن القلب
إلى أعلى وأعلى ترفع السيدة الجميلة الستار اللؤلؤي.
تُرى وهي تجلسُ صامتة بحاجبيها المعقودين.
الدمع يلطّخ خديها ـ كما يبدو.
لا أحد يعرف. من يمكن أن يكون الذي تكرهه.
(لي باي)
قصر إمبراطوري موقّت
هو قصرٌ امبراطوري هُجر منذ زمن بعيد،
حيث لا تزال الأزهار تنمو بهدوءٍ نضرةً وحمراء،
حيث تجلس وصيفة بشعرها الأشيب،
تروى حكاية الإمبراطور الذي مات منذ زمن بعيد.
(يوان زن)
صيد سمكٍ في الثلج
حيث تلتقي ألوف الجبال العالية
والعصافير تهمّ بالعودة الى أوطانها
حيث الممرات الصخرية لا تُعدّ ولا تحصى
وخطوات الانسان توقفت لفترةٍ
رجلٌ مسنٌ وحده في قارب
بقبّعة من القش و»كاب» على كتفيه
يصطاد وحيداً على النهر البارد،
الذي يغطّيه الثلج الابيض
أغنية ليلٍ خريفي
أشرق القمر، ويمكن للمرء ان يرى الندى الخريفي الخفيف.
ما زالت ترتدي ثوبها الحريري، رغم انه، في الحقيقة، رقيق جداً.
لفترة طويلة ليلاً كانت مستغرقة في العزف على عودها الفضّي،
كانت تخاف كثيراً الرجوع الى غرفتها الموحشة
(دانغ وي)
مُبحراً الى جيا نغلنغ
من الصباح الباكر تركت «بايدي» في الغيوم العالية
وعدتُ الى جيانغلنغ في يوم واحد مجتازاً ألف «لي» (3)
على طول الضفتين كانت تسمع أصوات القرود المتواصلة
ومجتازاً ألوف الجبال أأبحر زورقي السريع بسهولة
(لي باي)
فشل العثور على الناسك
تحت شجرة الصنوبر أسأل ولداً عن صديقي،
يقول: خرج المعلّم ليلتقط الاعشاب
وفي هذه الجبال وحدها عليه ان ينطلق
الى مكان مجهول حيث الغيوم كثيفة
(جيا داو)
رسوّ في نهر كينهواي
المياه الباردة والرمال المستحمّة بضوء القمر مغطاةٌ بالضباب،
خلف حانة شراب قرب نهر كينهواي رسا قاربي ليلاً
عن القدر الردئ للوطن المحتل الفتيات لا يعرفن شيئاً،
على الضفة الثانية للنهر أزهار الساحة الخلفية للدار لا تزال تغنّي.
علامة الحب
في جنوب بلادنا تنبتُ داليةُ الحب.
أغصانها تكبرُ مع قدوم الربيع.
يمكنك أن تجمع منها ما تشاء.
لأنها العلاقةُ الأفضل لحنين العشّاق.
(وانغ وي)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق