هل الوزن شرْط شعريّ؟
حين نزل القرآن الكريم تغيّر مجرى اللغة العربية. كان القرآن بحسب عبارة الإمام جلال الدين السيوطيّ: " مفجّر العلوم". من رحم القرآن خرجت العلوم كلها، الجغرافيا، الفلك، التاريخ، الهندسة، تدوين الشعر الجاهليّ، النقد الأدبيّ ...إلخ.
هنا أود الاشارة السريعة الى الشعر. هل من علاقة بين الشعر الحديث والقرآن؟
ألا يمكن لنا ان نرى بذور الشعر الحديث في القرآن؟
"نظرية التلقي" في النقد تبيح مثل هذه التساؤلات. من يصنّف النص؟ القارىء أم الكاتب؟ ثمّة اتفاق على ان الحضارة الاسلامية هي حضارة نصّ إلهيّ بهيّ، نص مميّز، ومعجز ومختلف.
كيف تلقّى الانسان العربيّ القرآن؟ جزء من العرب تلقاه على اساس انه شعر. والقرآن ينقل ذلك اي ينقل وجهة نظر من قال ان القرآن من فصيلة الشعر. ان مجرد اعتبار القرآن شعرا لا نثرا من قبل بعض أقحاح العربيّة يعني ان العربيّ لم يكن ينظر الى الشعر من باب الوزن. لم يكن الوزن او البحر هو من يحدد هوية النص او هوية الشعر والا لما خطر ببال عربي واحد ان يقول ان القرآن شعر. "وما علمناه الشعر، وما ينبغي له" ، الا تتضمّن هذه الآية الكريمة ان بعض العرب رأى في القرآن شعرا؟ والآية الكريمة تريد دحض أقاويل من قال بشعريّة القرآن عن طريق نفي نسبة الرسول الى قول الشعر.
العرب كانوا يعرفون جيدا ما يميز الشعر من النثر. هذا ما تقوله لنا كتب الأدب والشعر، ولكن مع معرفتهم التامّة بذلك الحقوا صياغة القرآن بالشعر، وهذا يعني ان قوام الشعر في نظر العرب القدامى في العصر الجاهليّ لم يكن الوزن ولا التفاعيل ولا البحور.
شيء آخر غير الوزن يجعل من الشعر شعرا. فالقرآن ليس موزونا ولا على اي بحر. ومع هذا أحسّ سامعه ان روح الشعر مبثوثة في آياته.
الا يفترض ذلك ان نبحث عن الشعر في الوزن وفي غير الوزن.
المدخل الى الشعر الحديث يمكن ان يكون من باب آخر غير باب الوزن هو باب"الشعريّة" بحسب وجهة نظر ياكوبسون.
ويمكن للشعر الحديث ان يجد سندا له من القرآن نفسه.
الشعر لا يقيم دائماً في " بيوت" الشعر.
في بلاد الانتشار
اللبناني فخور انه متواجد في كل اقطار العالم. لا انكر روعة ان تكون متصلا بكل العالم. ولكن الاسباب هي التي تحدد الأمور. دلالات الاشياء خفية، وعليه يسهل اللعب بالمقاصد.
لماذا اللبنانيّ موجود في كلّ مكان؟ هل لأن " جينات" السفر مرتفعة في جسمه وروحه من وقت جدّه الأوّل ذلك البحّار القديم؟
ليس انتشاره بسبب انه من هواة السفر، وانما لأنّ بلده لم يعرف كيف يشكّل كيانا سياسيّا مستقرّا قابلا للحياة.
الانتشار في العالم يفصح عن واقع سياسي فاجع في لبنان. كلما انتشر المواطن اللبناني في العالم اكثر يعني ان الفساد في بلاده مستشرٍ بشكل اكثر.
الغربة معيار حضاريّ.
نزداد غربة وهجرة لاننا، في الداخل، نزداد انهيارا وفساداً وقلّة حيلة.
الانتشار في العالم نتيجة "قرف" من وضع لبنان.
الافتخار بالانتشار افتخار بما هو عار.
محزن أن تتحوّل فلذات أكبادنا وأرواحنا إلى كتل لحمية للتصدير!
ايديولوجيا على الطريقة اليابانية
قرأت كتاباً للكاتب الياباني كاتو شوإيتشي بعنوان: "اليابان رؤية من الداخل"، نقله الى العربية محمد عضيمة ونشرته دار التكوين، دمشق. وردت في الكتاب عبارة يقول فيها المؤلف انه يتعامل مع الايديولوجيا كما يتعامل مع الملابس، المعطف الذي يصلح للشتاء ليس بالضرورة ان يكون صالحا في الصيف. يقول الكاتب اليابانيّ: " ان الايديولوجيا، في نظرهم، شيء مثل معطف المطر، نلبسه اذا امطرت ونخلعه اذا صحت، بايجاز شديد، الايديولوجيا ليست سوى شيء يمكن صنعه، تحويله، تبديله أو تغييره، وذلك حسب جدواه، بهذا المعنى، لا علاقة بين الاشخاص انفسهم وبين الايديولوجيا التي ننسبها اليهم، او التي يدعونها" (ص110).
الايديولوجيا متحركة.
كل ايديولوجيا لا تتحرّك، هي ايديولوجيا تخنق الانسان.
اعجبتني الليونة في التعامل مع الايديولوجيا.
لا يوجد انسان يصبر على طعام واحد او لباس واحد. ولكن لماذا يصبر على ايديولوجيا واحدة؟
كنت أسمع عن انّ ثقافة الشرق الأقصى ترفض الانغلاق في ايديولوجيا صارمة، كما كنت أسمع عن استغراب الغربيين والشيوعيين الأوروبيين والروس لطريقة الصينيين في ممارسة الشيوعية،. عبارة الكاتب اليابانيّ كاتو شوإيتشي هي جواب عن حيرة غربية بخصوص مسألة شرقيّة.
فضل الأقدام على كلام الأنام
ان كلمة قدم من الكلمات الخصبة في العربية. الكلمات كالناس، هناك الكلمات العاقر، وهناك الكلمات المنجاب. القدم من الكلمات المنجاب، فهي لها فضل على الشجاعة، ومن خطوات القدم جاء "الإقدام" بمعنى قوّة القلب، كما لها فضل على دلالات "التقدّم" البشريّ، فهل كان للفظة "تقدّم" ان تبصر النور لولا حركات "القدم"؟ وقل الأمر نفسه في " الفكر التقدميّ" و"الأحزاب التقدّمية"! وماذا نقول عن "مقدّمة ابن خلدون" لولا القدم؟د و"مقدّمات" الكتب؟ ومن لا يحبّ ان يكون في الطليعة أو "المقدّمة"؟ وهل كان لرتبة "مقدّم" العسكرية وجود لولا القدم؟ وكيف كنّا سنتعامل مع السنة " القادمة" التي تصل في كلّ عام على "قدميها"، ولكن نحتفل برأسها لا بقدميها!
وهل صار الانسان انسانا منتصب القامة homo erectus الاّ حين انتصب على قدميه، فانكشفت له الابعاد، وتغيّرت نظرة عينيه إلى الموجودات؟
وكيف كنت ستفعل حين تريد ان "تقدّم" هديّة بمناسبة ما من المناسبات؟ والشيء "القديم" لم يحظ بالتسمية لولا "القدم"، ومن لا يحنّ إلى "قديم" الذكريات أو الأوقات؟
شاءت "القدم" أن تبرز نفسها في وجه الانسان العربي في مناسبات كثيرة! حتى لا ينسى فضلها عليه، وهنا سأشير مجرّد إشارة عابرة الى صلة جذريّة، بين القدم والرجولة عن طريق كلمة " رجل" أترك للقراء حريّة البحث عن العلاقة بين الرجولة والقدم؟
دع عنك، في الأخير، الاحتفالات بالقدم، في ملاعب كرة القدم. هل ينكر لاعب كرة قدم ماهر فضل قدميه على جيبه وحياته وعيون جمهور الكرة؟
بلال عبد الهادي
حين نزل القرآن الكريم تغيّر مجرى اللغة العربية. كان القرآن بحسب عبارة الإمام جلال الدين السيوطيّ: " مفجّر العلوم". من رحم القرآن خرجت العلوم كلها، الجغرافيا، الفلك، التاريخ، الهندسة، تدوين الشعر الجاهليّ، النقد الأدبيّ ...إلخ.
هنا أود الاشارة السريعة الى الشعر. هل من علاقة بين الشعر الحديث والقرآن؟
ألا يمكن لنا ان نرى بذور الشعر الحديث في القرآن؟
"نظرية التلقي" في النقد تبيح مثل هذه التساؤلات. من يصنّف النص؟ القارىء أم الكاتب؟ ثمّة اتفاق على ان الحضارة الاسلامية هي حضارة نصّ إلهيّ بهيّ، نص مميّز، ومعجز ومختلف.
كيف تلقّى الانسان العربيّ القرآن؟ جزء من العرب تلقاه على اساس انه شعر. والقرآن ينقل ذلك اي ينقل وجهة نظر من قال ان القرآن من فصيلة الشعر. ان مجرد اعتبار القرآن شعرا لا نثرا من قبل بعض أقحاح العربيّة يعني ان العربيّ لم يكن ينظر الى الشعر من باب الوزن. لم يكن الوزن او البحر هو من يحدد هوية النص او هوية الشعر والا لما خطر ببال عربي واحد ان يقول ان القرآن شعر. "وما علمناه الشعر، وما ينبغي له" ، الا تتضمّن هذه الآية الكريمة ان بعض العرب رأى في القرآن شعرا؟ والآية الكريمة تريد دحض أقاويل من قال بشعريّة القرآن عن طريق نفي نسبة الرسول الى قول الشعر.
العرب كانوا يعرفون جيدا ما يميز الشعر من النثر. هذا ما تقوله لنا كتب الأدب والشعر، ولكن مع معرفتهم التامّة بذلك الحقوا صياغة القرآن بالشعر، وهذا يعني ان قوام الشعر في نظر العرب القدامى في العصر الجاهليّ لم يكن الوزن ولا التفاعيل ولا البحور.
شيء آخر غير الوزن يجعل من الشعر شعرا. فالقرآن ليس موزونا ولا على اي بحر. ومع هذا أحسّ سامعه ان روح الشعر مبثوثة في آياته.
الا يفترض ذلك ان نبحث عن الشعر في الوزن وفي غير الوزن.
المدخل الى الشعر الحديث يمكن ان يكون من باب آخر غير باب الوزن هو باب"الشعريّة" بحسب وجهة نظر ياكوبسون.
ويمكن للشعر الحديث ان يجد سندا له من القرآن نفسه.
الشعر لا يقيم دائماً في " بيوت" الشعر.
في بلاد الانتشار
اللبناني فخور انه متواجد في كل اقطار العالم. لا انكر روعة ان تكون متصلا بكل العالم. ولكن الاسباب هي التي تحدد الأمور. دلالات الاشياء خفية، وعليه يسهل اللعب بالمقاصد.
لماذا اللبنانيّ موجود في كلّ مكان؟ هل لأن " جينات" السفر مرتفعة في جسمه وروحه من وقت جدّه الأوّل ذلك البحّار القديم؟
ليس انتشاره بسبب انه من هواة السفر، وانما لأنّ بلده لم يعرف كيف يشكّل كيانا سياسيّا مستقرّا قابلا للحياة.
الانتشار في العالم يفصح عن واقع سياسي فاجع في لبنان. كلما انتشر المواطن اللبناني في العالم اكثر يعني ان الفساد في بلاده مستشرٍ بشكل اكثر.
الغربة معيار حضاريّ.
نزداد غربة وهجرة لاننا، في الداخل، نزداد انهيارا وفساداً وقلّة حيلة.
الانتشار في العالم نتيجة "قرف" من وضع لبنان.
الافتخار بالانتشار افتخار بما هو عار.
محزن أن تتحوّل فلذات أكبادنا وأرواحنا إلى كتل لحمية للتصدير!
ايديولوجيا على الطريقة اليابانية
قرأت كتاباً للكاتب الياباني كاتو شوإيتشي بعنوان: "اليابان رؤية من الداخل"، نقله الى العربية محمد عضيمة ونشرته دار التكوين، دمشق. وردت في الكتاب عبارة يقول فيها المؤلف انه يتعامل مع الايديولوجيا كما يتعامل مع الملابس، المعطف الذي يصلح للشتاء ليس بالضرورة ان يكون صالحا في الصيف. يقول الكاتب اليابانيّ: " ان الايديولوجيا، في نظرهم، شيء مثل معطف المطر، نلبسه اذا امطرت ونخلعه اذا صحت، بايجاز شديد، الايديولوجيا ليست سوى شيء يمكن صنعه، تحويله، تبديله أو تغييره، وذلك حسب جدواه، بهذا المعنى، لا علاقة بين الاشخاص انفسهم وبين الايديولوجيا التي ننسبها اليهم، او التي يدعونها" (ص110).
الايديولوجيا متحركة.
كل ايديولوجيا لا تتحرّك، هي ايديولوجيا تخنق الانسان.
اعجبتني الليونة في التعامل مع الايديولوجيا.
لا يوجد انسان يصبر على طعام واحد او لباس واحد. ولكن لماذا يصبر على ايديولوجيا واحدة؟
كنت أسمع عن انّ ثقافة الشرق الأقصى ترفض الانغلاق في ايديولوجيا صارمة، كما كنت أسمع عن استغراب الغربيين والشيوعيين الأوروبيين والروس لطريقة الصينيين في ممارسة الشيوعية،. عبارة الكاتب اليابانيّ كاتو شوإيتشي هي جواب عن حيرة غربية بخصوص مسألة شرقيّة.
فضل الأقدام على كلام الأنام
ان كلمة قدم من الكلمات الخصبة في العربية. الكلمات كالناس، هناك الكلمات العاقر، وهناك الكلمات المنجاب. القدم من الكلمات المنجاب، فهي لها فضل على الشجاعة، ومن خطوات القدم جاء "الإقدام" بمعنى قوّة القلب، كما لها فضل على دلالات "التقدّم" البشريّ، فهل كان للفظة "تقدّم" ان تبصر النور لولا حركات "القدم"؟ وقل الأمر نفسه في " الفكر التقدميّ" و"الأحزاب التقدّمية"! وماذا نقول عن "مقدّمة ابن خلدون" لولا القدم؟د و"مقدّمات" الكتب؟ ومن لا يحبّ ان يكون في الطليعة أو "المقدّمة"؟ وهل كان لرتبة "مقدّم" العسكرية وجود لولا القدم؟ وكيف كنّا سنتعامل مع السنة " القادمة" التي تصل في كلّ عام على "قدميها"، ولكن نحتفل برأسها لا بقدميها!
وهل صار الانسان انسانا منتصب القامة homo erectus الاّ حين انتصب على قدميه، فانكشفت له الابعاد، وتغيّرت نظرة عينيه إلى الموجودات؟
وكيف كنت ستفعل حين تريد ان "تقدّم" هديّة بمناسبة ما من المناسبات؟ والشيء "القديم" لم يحظ بالتسمية لولا "القدم"، ومن لا يحنّ إلى "قديم" الذكريات أو الأوقات؟
شاءت "القدم" أن تبرز نفسها في وجه الانسان العربي في مناسبات كثيرة! حتى لا ينسى فضلها عليه، وهنا سأشير مجرّد إشارة عابرة الى صلة جذريّة، بين القدم والرجولة عن طريق كلمة " رجل" أترك للقراء حريّة البحث عن العلاقة بين الرجولة والقدم؟
دع عنك، في الأخير، الاحتفالات بالقدم، في ملاعب كرة القدم. هل ينكر لاعب كرة قدم ماهر فضل قدميه على جيبه وحياته وعيون جمهور الكرة؟
بلال عبد الهادي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق