السبت، 11 أغسطس 2018

سمرقتد والعسل



للناس فـي أُخراهُـمُ جنّـةٌ. وجنّـةُ الدنيـا سَمَـرقنـدُ.

يا مَن يُسـوّي أرضَ بَلْخٍ بها. هل يستوي الحنظلُ والقند؟

قلت: الغزال - في عين امّه - قرد.

الجنة في السماء ، وفي الأرض مدينتان: سودجو، وخانغ دجو.

هذا ما يقوله التعبير الصيني.

والتعبير الصيني هو الذي ذكرني بالبيتين في سمرقند، او في المفاضلة بين بلخ وسمرقند.

وهذان البيتان انظر اليهما من باب لغوي محض احيانا.

وهو عن طريقة استحضار الكلمات، وكيفية تركيبها في سياقات معينة. فالقند وهو من اسماء العسل الشهيرة والتي دخلت حتى الى اللغة الفرنسية. في صيغة "كاندي". ولكن هل كان للعسل حضور لولا اسم سمر قند، اي احتواء اسمها على العسل، المدينة المعسلة، واليس اسمها ايضا هو الذي استحضر نقيض مذاق العسل في الفم، وهو الحنظل الذي صار رمزا للمذاق المرّ.
ليس الكاتب من يكتب حين يكتب، هناك شريك له، شريك فاعل، وسليط، هو اللغة نفسها، في اللحظة التي يظنّ فيها الكاتب انها يلعب باللغة يكتشف انّه لعبة هشّة بين يدي او مخالب اللغة

الاثنين، 6 أغسطس 2018

عن حرف ال F

لا أحد يمكن له أن يتنبّأ بمصير الحروف فما بالك بمصير الكلمات؟
جاء الفايسبوك، مثلاً، فرفع من شأن حرف ال #F المكتوب، وانتبه الناس إلى قدرات في حرف ال F ما كان لها أن تظهر لولا الفايسبوك.
فصرت ترى لهذا الحرف رسومات وأشكال ليست من صلب حرف الF لكن من الآثار التي تركها الفايسبوك في حياة الناس، وهكذا صرت ترى الF على طرفي نقيض بحسب من ينظر إلى الفايسبوك سلبا أو إيجابا. صار حرفا له صور تروي دوراً، تحكي تغيرات أو تصدّعات ، وكنت قد نشرت عدة صور لحرف الF شعار #الفايسبوك.
وما أقوله عن حرف الF يمكن أن يقال عن حرف الW المثلّث #WWW الذي ساهم في تغيير العالم. 
هناك حروف لم تأخذ دورها بعد، ولا أحد يعرف متى يحين نهوضها الكاسح؟
يمكن هو ، في الأساس، رمز #لصوت، والصوت هو في الأساس رمز لصورة الصوت في الذهن، وكان #ابن_خلدون يعتبر الخرف رمز الرمز، أي رمز لمن هو أيضا رمز.
والإنسان يعيش في عالم من #الرموز، يحيط نفسه بالعلامات، ولا يمكن تصور حياة إنسان بلا رموز كان يسميها #رولان_بارت #أساطير: دينية، لغوية، اجتماعية، جنسية، فكرية.
كثيرا ما كانت #الحروف تزيد من قوتها عبر اصطياد دلالات جديدة تحت ضغط معيّن، والقرآن استثمر في فواتح بعض سوره بهذا المخزون الرمزي من قبيل: #ي #س، #أ #ل #م، #ك #ه #ي #ع #ص، #ط #ه، #ق، #ن. كما يمكن النظر إلى الحروف ومنها #الألف في الفكر الصوفي، أو رموز حساب الجمّل.
كان #ابن_عربي مثلا مذهلا في علاقته بالحروف، وله تعبير هو " تناكح الحروف"! أي أنّه جعل للحروف قدرة على التناسل، وتوليد دلالات لا تنتهي.

حياة قلم


كان القلم #حقيقة إلى أن جاء الكمبيوتر فصار القلم يترنّح بين الحقيقة والمجاز.
شخص ما يكتب نصّاً من دون أن تمسّ أنامله أي نوع من الأقلام ثمّ يقول: بقلمي.
القلم هنا لا علاقة له بحقيقة القلم.
حقائق كثيرة تتحوّل بفضل التكنولوجيا إلى مجازات.
ومن الطريف دراسة الكلمات التي تبخرّت دلالاتها الحقيقيّة لأسباب تكنولوجية أو علميّة، أو الكلمات التي كانت مجازية فأنزلتها التكنولوجيا عن عرشها المجازيّ

ما زال أمام الخطّ العربيّ قارّات لم يكتشفها بعد.


ماذا أقصد بكلامي؟
الألفبائيات تتلاقح، ومن تلاقحها تولد حروف جديدة، وأنماط جديدة، فالخطّ الفارسي مثلا له مكونّات الحضارة الفارسيّة، وهذه الحضارة أنتجت حرفا عربيا خاصّاً، كما أنتجت قباباً ومآذن خاصّة، والصين أنتجت حرفاً عربياً خاصا له ملامح صينيّة، وكما يستوحي المرء من حضارات الحاضر يمكن أن يستوحي من حضارات غابرة لم يسبق للعرب أن تعرّفوا عليها أو تعرّفوا عليها ولكنهم لم يفكّروا في توليد حرف عربيّ من وحيها، فالألفبائيات كثيرة وليست فقط لاتينية، والتثاقف بين الحروف يفجّر الطاقات الكامنة في بطن كل حرف، مثلا حرف عربيّ من وحي الأبجدية الجورجية أو الأرمنية أو الهندية أو المسماريّة.... فأمام الخطّاطين ومبدعي الديزاينات ما لا ينفد من قدرات وطرائق لم تسلك من قبل.
تحرير الحرف العربي من التقليد ، والسير في الدروب المطروقة، يفتح أمامه سوق عمل ، ويفتح أمامه فرص عمل، ويعيد الألفة بين الحرف العربيّ الجريح وابمواطن العربيّ المستلب، أو المبهور إلى درجة العمى بالحرف اللاتيني

#النبي_كيكي ورقصة الكيكي


عبارة #النبي_كيكي شائعة في #طرابلس - حتّى لا أعمّم - وإن كنت أعرف أنّ لهذا النبيّ حضورا في غير منطقة من لبنان أو سوريّا.
النبي #كيكي ، في المخيال الشعبيّ، ذو قدرات خارقة على إيجاد حلول للأمور العصيّة، وذلك بحسب السياقات التي ترد فيها هذه العبارة.
وما ذكّرني ، اليوم، بالنبي #كيكي هو رقصة كيكي #kiki التي انتشرت كالوباء الأصفر على مواقع التواصل ، وصارت استعارة، واتسع استعمالها، واستخدمت على المنابر ، فنحن ، اليوم، بحسب ما ورد على لسان شيخ معمّم "#أمّة_كيكي ، وخرجت من أفواه ساسة كالسيسي ، فانتشر بحكم الإيقاع #هاشتاغ ساخر #إرحل_يا_كيكي.
ما قصدته هو أنّ كلمة كيكي ليست غريبة على أسماع وأفواه شريحة كبيرة في عالمنا العربي.
وبالنسبة للنبي كيكي فهناك حوله حكايات وقصص كثيرة يمكن أن يجد المرء أطرافا منها عبر محرّك البحث #غوغل

التقديم والتأخير في اللغة العربية


المفردات في اللغة العربية تؤمن بالكرّ والفرّ ( التقديم والتأخير) وما يمنحها هذه القدرة الفائقة على الحركة هو الإعراب أي ( الحركات)، أو بدائل الحركات أي الإعراب بالحروف والحروف الإعرابية هي امتداد للحركات أي للفتحة والضمة والكسرة ( ا و ي).
وتسمية الحروف الصائتة بالحركات تسمية موفقة فهي التي تحرك الصوامت أي الحروف وتحرك الكلمات.
ولكن هذه الحركة تسبّب البلبلة لبعض الناس ، ويضيّعون البوصلة الإعرابية، وهذا ما نلحظه مثلا في اسم كان وخبرها، واسم ان وخبرها، فكان وإنّ من عشّاق تحريك الاسم والخبر تقديما وتأخيرا. ومن عشّاق اللعب بمستخدم اللغة العربية حيث لا ينتبه أحيانا الى هذه اللعبة فيضيع بين الضمّة والفتحة. 
ولغة الأعاريب صاحبة ألاعيب ! كما كل لغة ، ففي الصينية لعبة لغوية تقام لها حفلات تشبه حفلات الزجل في بلادنا ، وهي عبارة عن لعبة محورها الجناس

عن #القضامة_بالسكر وأشياء أخر



منذ ايام الفينيقيين ولبنان مسكون بالناس. الوطن طرس، والأطراس هي الجلود التي كان يكتب عليها ثم تغسل من الحبر وتعاود احتضان كلمات جديدة ونصوص جديدة. هذه الطريقة من الكتابة على الطرس اوحت للناقد الفرنسي الكبير جيرار جينيت Gérard Genette بنظرية ادبية جميلة فصّلها في كتابه البديع #Palimpsestes التي تعني أطراس جمع طرس. الفكرة على صلة، الى حدّ ما، بفكرة التناصّ #Intertextualité التي وضعت اركانها زميلته #جوليا_كريستيفا. ما قرأته عن الطروس ، وجدته ، ذات يوم، في متحف #فكتور\هيجو، في حيّ فوج في باريس. لا زال المتحف يحتفظ بمكتب فكتور هيجو الخشبي الذي كان يكتب عليه قسما من ابداعاته. حين تدنو من المكتب، ترى آثار حروف على المكتب، تماما كما تترك الورقة التي نكتب عليها اثرا على الورقة التي تحتها في الدفتر، وخصوصا اذا كان الذي يكتب يشدّ على القلم. مددت يدي لملامسة صفحة المكتب فشعرت اني الامس كلمات فيكتور هيجو الطازجة وبشرتها قبل ان تتكون ، هل للكلمات بشرة كبشرة الوجه؟ ففوق الكلمة كلمة ، وفوق الكلمة كلمة اخرى، وعلى طول الكتابة حتى صار على ظهر كلّ حرف كل الالفباء الفرنسية. هذه الطبقات هي التي حوّلها جينيت الى نظرية الأطراس في النقد الأدبي اي السعي الى كل النصوص التي ذابت في النص المنقود، والنصّ المنقود ليس نصا مقطوعا من شجرة انه ذوب نصوص مقروءة من قبل من يكتب النصّ. ان نظرية الأطراس اشبه بالتنقيب في اعماق النص لانتشال القابع في باطن النصّ من نصوص أخرى. بين نصوص كثيرة قنوات جوفية قد لا ينتبه لوجودها القارئ، بل قد ينكر وجودها القارئ العجول والكسول.
أعرف ان التعامل مع النصّ اي نصّ لا يشبه تعامل الشفتين الظامئتين مع #البيبسي او الخرنوب وانما تشبه تعامل شفتين يابانيتين مع الشاي بطقوسه الهادئة والخاشعة التي تعرف ان العجلة في قراءة نص من الشيطان. خطرت ببالي هذه الأفكار وأنا أتأمل وأمضغ بعض حبّات ( القضامة بالسكر). الفكرة التي خطرت ببالي من وراء حبة القضامة بالسكر هي التالية: #السياق يلعب بالنصّ ويلعب بالذاكرة ويجعل علاقتي بالنصّ غريبة رغم الفتي الشديدة له، ولكن الفكرة لن تكون واضحة الا حين احكي قصّة حبّة القضامة بالسكّر. والفكرة ليست بنت خيال وانما بنت قراءة ميدانية وأسئلة طرحتها على اناس في مكانين فاختلفت اجابة الناس بحسب المكانين، مكان يجعل الإجابة صعبة وخاطئة ومكان يزيح الصعوبة من امام شفتيّ المسؤول. غيّر مكان المعنى يتغيّر ليس المعنى وانما ذهن من يسمع المعنى. حين افصل حكاية حبة القضامة بالسكر سوف تبدو الأمور شديدة البساطة. حبّة القضامة بالسكر ملبّسة. واللباس يولّد الالتباس، ويولّد سرّاً لا يكشفه الاّ القاضم للحبّة. بعض النصوص تحتاج لقضم، وهل " التذوّق الأدبي" غير مجاز خفيّ لحاسة الذوق التي مقرّها اللسان؟ المشترك بين النص وحبة القضامة بالسكّر أنتجه تذوق القضامة باللسان وتذوق الأدب باللسان المجازيّ.
ولكن ماذا عن حكاية القضامة بالسكر؟ وما علاقتها بالتناص والأطراس؟
لوالدي مطعم للحمّص والفول، ومنذ طفولتي وأنا على علاقة طيبة مع حبتي الحمص والفول، فأغلب أوقات الفراغ، في الصيف وفي الفرص المدرسية كنت أقضيها في المطعم، وأعمل كأي عامل من العمّال الموجودين في المطعم. ومنذ بداية العقد الثاني من عمري بدأت علاقتي الحميمة مع الكتاب، وصارت أوقات فراغي يتوزّعها المطعم والكتاب.
ومن الدمج بين العملين ولدت هذه الخاطرة. وأنا لا أستهين بالأشياء الصغيرة، ربّما يعود ذلك الى مهنة أبي المتعلقة بحبتين صغيرتين من انواع الحبوب، ومن خير هاتين الحبتين أكلت وشربت وتعلمت، وسافرت الى فرنسا لإكمال دراستي في حقلل اللغة والأدب.
وأنا على يقين بأن العلاقة بين المجالين شديدة الحميمية. مؤمن بالعلاقة الحميمة بين الكلام والطعام، ولا أجد كبير فرق بين العالمين، وجزء من اهتمامي هو لملمة خيوط هذه العلاقة.
البعض يستغرب حين أقول له: الأكل مثل الحكي.
يظنّ اني أتفلسف، أو أحكي لمجرّد الحكي، وتعجبني كثيرا ردود فعل عيون الناس، حيث الاستغراب يلعب بحجم الحدقة.
ولكن أبدأ بتعليل هذه العلاقة من الفم.
فلولا الفم لمات الناس من الجوع، ولولا الفم لما نبس الانسان ببنت شفة.
فالفم معبر للطعام الداخل، والكلام الخارج.
ثمّ أقفز إلى مسألة أخرى، وهي السفرة ( السفرة، السفر بمعنى الرحلة والسِّفْر بمعنى الكتاب) العامرة باطايب الطعام تسمّى مأدبة، والكلام بعد ان يطيّب ويبهّر يسمى أدبا.
والأدب والمأدبة من رحم واحد. فكلاهما من جذر " أ.د.ب".
ومن حسن حظّ الإنسان انهما أي الطعام والكلام ليسا على غرار الإخوة الأعداء، فهما ليسا من عشّاق قطع الأرحام.
ولن أزيد أكثر عن العلاقة بينهما، ولكن اللغة العربية واللغات الأخرى لا يبخلون عليّ بالشواهد لترسيخ هذه العلاقة.
وعن وجه الشبه بين الاثنين ، وهو وجه شبه اغلب الاحيان ، محذوف، أو متوارٍ، أبحث، وأنا أقرأ في كتب #الطبخ أو كتب النقد على السواء

مطبخ الشاعر ابن الروميّ من مقالات كتاب لعنة بابل

اهداء بخط  يد عباس محمود العقاد لكتابه عن  ابن الرومي

دراسة المآكل وآداب الطعام عمل حضاريّ جادّ لا يجوز الاستخفاف به، هذا ما أدركه الباحث الكندي ديفيد وينز( David Waines) من خلال كتابه الصادرة ترجمته عن دار رياض الريّس بعنوان" في مطبخ الخليفة، العصر الذهبي للمائدة العربية"، وهو كتاب طريف جدا ليس بسبب المآكل التي يتضمنها وهي أطباق فاتحة، حكماً، للشهية، ولا سيما أنها أطباق ملوكية مرت على موائد هارون الرشيد والمأمون وغيرهما من الخلفاء وإنما بسبب الفكرة المبتكرة التي كانت وراء تأليفه هذا الكتاب الغنيّ والشهيّ . قرر ديفيد وينز أن يعيد المنقرض من المآكل العبّاسية، أو في الأقلّ المنقرض من أسماء المآكل، أي أنّ عمله يشبه عمل العلماء الذين يسعون إلى إعادة إحياء الديناصور من خلال بقاياه المتحجرة، لعلّ الأمر حلم! ولكن أليس الكثير من أحلام الأمس تحوّل إلى وقائع راهنة مرئيّة نابضة بالحياة؟. الكاتب قرر إعادة إحياء الأطباق التي كانت تؤكل في الزمن العباسي، ويظهر من عمله الجهد الكبير الذي قام به في التنقيب في تضاعيف كتب التاريخ والجغرافيا والرحلات والطبخ وآداب السلوك والملوك وغيرها من الكتب التراثيّة التي ساعدته في العثور على مكونات وتوابل تلك المآكل.

ولكن لا اعرف لماذا قفز إلى ذهني ديوان الشاعر العبّاسي ابن الرومي وأنا أتصفح كتاب:" في مطبخ الخليفة". كنت قد اقترحت، سابقاً، على أحد طلاّبي الباحثين عن موضوع للماجستير أن يكون "مطبخ ابن الرومي" محور دراسته. ومطبخ ابن الرومي كان قد لفت، من قبل، نظر الرحّالة والجغرافيّ المسعوديّ الذي كرس للشاعر صفحات طوالاً في كتابه الغنيّ "مروج الذهب ومعادن الجوهر".

قد يتساءل شخص ما، وهل تسدّ مائدة ابن الرومي نهم الدارس وجوعه؟ الإجابة من وجهة نظري بالإيجاب، فانا أرى انه من المهم لمعرفة أي حضارة معرفة راقية ودقيقة أن تدرس الأمور الصغيرة التي فيها، الأمور التي لا تملأ عين أحد. لماذا نرى الدول المتحضرة لا تترك شأنا مهما صغر أو حقر إلا وتتناوله تناولا جادا ورصينا، ويقوم بذلك علماء أجلاء من طراز  الفيلسوف الأنتروبولوجيّ "كلود ليفي استروس" الذي كرس أكثر من كتاب شيّق لدراسة أكل الناس وطرائق وضع الأطباق على الموائد واستخرج من ملاحظاته الثاقبة " المثلث الغذائي" الذي اعتبره العمدة في تباين الحضارات والثقافات. وهذا المثلث هو المعادل الغذائي لـ"مثلث الصوائت" أي الفتحة والضمة والكسرة، إذ كلّ الحركات الأخرى ليست إلا تنويعات صوتيّة( أو نكهات إضافيّة) على هذه الحركات الثلاث، ويقوم المثلث الغذائي على اعتبار أن كل ثقافة غذائية لشعب من الشعوب تتشكّل من النيئ (كالكبّة النيئة) والمطبوخ والمعفّن( كالجبنة المعفنّة)، ومن السهل الوصول إلى اختلاف الحضارات من خلال اختلاف نسب مكوّنات هذا المثلّث.

ديوان ابن الرومي ضخم جدا ولعلّه من أكثر الشعراء غزارة شعرية ولا اعرف شاعرا عربيا قديما يفوقه إنتاجا. وكان الناقد ابن رشيق قد أدرك مسألة التطويل في قصائده وردّ ذلك إلى مزاج ابن الرومي الولوع بالتفاصيل فيقول عنه في كتابه" العمدة" : "إنّه يقلب المعنى ظهرا لبطن فلا يترك زيادة لمستزيد"، أي انه إذا أردنا الاستعارة من الميدان الذي نحن فيه "كان يقحّط صحنه" على الأخير. حين بدأت تصفح ديوانه لأعرف بشكل تقريبي نسبة الأبيات الغذائيّة الدسمة ذات الصلة بالطعام وأسماء المآكل وأدوات الطبخ ، لاحظت أنّه يفتتح قصيدته الأولى ببيت يتحدّث فيه عن "فواكه أيلول"،  كنوع من المقبّلات الشعرية، فيقول:

لولا فواكه أيلول إذا اجتمعت  من كلّ نوع، ورقّ الجوُّ والماء...

ورأيت في هذا البيت فاتحة خير تبشّر بأطايب الطعام ضمن أجواء صافية برفقة الماء الرقراق! ولكن الأطرف من ذلك أن القصيدة الأخيرة في الجزء السابع والأخير من ديوانه ذات دلالة خاصّة فهي متينة الصلة،أيضاً، بالطعام. وهي قصيدة "مزدوجة" تتناول "مجمع اللذّات"، أي الطعام باعتباره نصّاً فنيّاً يجب إتقان كتابته ووضع النقاط والحركات ( أي الإعجام والشكْل كما ورد في قصيدته) على مفرداته. وهو يعترف بأن لا أحد يفوقه قدرة أو خبرة في الكلام عن  لذيذ الطعام فيقول:

يا سائلي عن مجْمع اللذّات        سألت عنه أنعت النعّات

وهي قصيدة ينهيها بهذا البيت الشيطانيّ من الشعر:

لهفي عليها وأنا الزعيم    لمعدة شيطانُها رجيم.

ويبدو أن شيطان معدته كان رجيماً عن حقّ وحقيق، لأن الموت كان له بالمرصاد في أحد الأطباق وفق ما يقوله الرواة، فلقد رأى الوزير القاسم بن عبد الله أن لسان ابن الرومي "أطول من عقله" لكثرة هجائه وبذاءته، فوضع له السمّ في طبق "لوزينجة" للتخلّص من سلاطة لسانه وحين أحسّ ابن الرومي بسريان السمّ في جسده وهو في مجلس الوزير همّ بالانصراف، فقال الوزير: إلى أين تذهب؟ قال: إلى الموضع الذي وجهتني إليه، قال الوزير: سلّم على والدي، فقال ابن الرومي: ليس طريقي على النار.( ويبدو أنّ ابن الروميّ تخلّى، من خلال جوابه، عن تطيّره المزمن في اللحظات الأخيرة!).

ولعلّ من مصادفات ترتيب الديوان الغريبة أن تكون "معدته" (بيت الداء والطعام) وشيطانها الرجيم  خاتمة ديوانه وأيّامه!

الجمعة، 3 أغسطس 2018

#‏وللمذاق_ذاكرة‬ قدسية الحمص من مطعم الدنون Dannoun

قدسية

تعجبني تسمية تستعمل في عمّان لصحن ‫#‏الحمص‬ الذي توضع فوقه حبّات الفول بدلا من حبات الحمص وهي " ‫#‏القدسيّة‬".
وسبب التسمية هو أن أهل ‫#‏القدس‬ هكذا يأكلون الحمص الناعم أو الحمص المدقوق، ومن اسم القدس اشتقت كلمة القدسية.
وحبات ‫#‏الفول‬ على وجه الحمّص تمنحه مذاقا مختلفا ومميزا وطيّبا، وهناك أناس يحبون مذاقه ، وأناس يجهلون حضوره بين الأطباق!
حبّة الفول سادة فيها شيء خفيف من المرارة، وهذه المرارة هي ما تمنح ‫#‏الفم‬ تجربة جديدة مع المذاقاتء حين ترافق الحمص الناعم

صحن فتة من مطعم الدنون لصاحبه ياسر عبد الهادي وأولادهم

مطعم الدنون طرابلس