الثلاثاء، 30 يناير 2018

حمص من مطعم الدنون


نباتات تلتهم اللحوم!

نبات لاحم

الإنسان لا يمكنه أن يعيش، فيما يبدو، بعيداً عن عالم الأساطير. الأسطورة متعة الجهلاء والعقلاء على السواء. وحين يعترض على قولي " عقلانيٌّ" متمرّسٌ أحيله إلى كتب كثيرة، ليس منها كتب الأساطير القديمة، ككتاب "كليلة ودمنة" مثلاً أو "ألف ليلة وليلة"، أو "عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات" للقزوينيّ وإنّما أحيله إلى أساطير شديدة الحداثة، فأفلام هاري بوتر بنت الحضارة الحديثة، وأفلام الرجل العنكبوت ليست من مخترعات العصور السحيقة. شبابيك التذاكر أفواه لا تكذب، فالأساطير التي ينتجها الخيال الهوليوديّ تمسّ ناحية إنسانيّة لا يزال العلم يقف مكتوف الأيدي أمامها.
هناك أساطير لا تزال متشبّثة بأسطوريتها، ولكن هناك أساطير كشف العلم المحض عن واقعيتها وحقيقيتها وانتزعها من عالم الأساطير بعد أن أثبت إنّها كانت كالحدوس السابقة لأوانها.
الانسان لا يكف عن انتاج الأساطير، وكثيرا ما كنت أتساءل ما السبب الذي دفع الكاتب الفرنسي اللامع رولان بارت الى وضع كتاب اختار له عنوان " أساطير" وهو يتناول أموراً أبعد ما تكون من حيث الظاهر عن الأساطير، كالملاكمة، والدمية، والحليب، والنبيذ، والبفتيك، والبطاطا المقلية، والدعاية، والصورة. أشياء من حياة الناس اليومية ولكن تعامل معها باعتبارها أساطير، وقد تنظر العين العجول إلى هذه العناوين "البارتيّة" نظرة ساخرة، هل لإيمان بارت بأنّ الإنسان بلا أساطير  يفقد "  أغذيته الماديّة" نكهتها الروحيّة والماورائيّة؟
فاتحة كلامي على الأسطورة أسبابه نباتيّة محض. في الإعلام كانوا يدرسون جملة بسيطة لإظهار الفارق بين الخبر العادي والخبر غير العادي. فجملة " عضّ الكلب رجلا" جملة عادية، ليست غريبة عن أشداق الكلاب ومسامع الناس، ولكن جملة " عضّ الرجل كلبا" ليست عادية، وهي فضلاً عن ذلك تنسف سؤالاً كان قد قاله احد الشعراء القدامى في معرض الهجاء:
يَشْتُمُنِي عَبْدُ بَنِي مِسْمَعِ فَصُنْتُ عنهُ النّفْسَ وَالْعِـرْضَا               
       وَلَمْ أجِبْهُ لاحْتِقَارِي لَهُ وَمنْ ذَا يَعَضُّ الْكَلْبَ إنْ عضَّا
فالضرورات ، في أي حال ، تبيح المحظورات وتبيح أيضا العضّ.  هناك تعابير تعبر الآذان دون أن تثير الاستغراب، فلن يستغرب أحد عبارة "بقرة تأكل العشب"، ولكنّه قد يستغرب عبارة " نبتة تلتهم ضفدعة"، أو " زهرة تفترس فأرة"،  وقد يظنّ انها عبارة سوريالية، أو من كتاب خياليّ، أو من فيلم خيالي، ولا يزال عالقاً من أيام الطفولة في ذاكرتي مشهد سينمائيّ عن نبتة متوحّشة عملاقة تلتهم الرجال كما تفعل الحيّة العملاقة التي لا تغصّ بغزال أو تمساح!
كان دارون من أوائل من تحدّث عن ظاهرة غريبة في عالم النبات، وهي متعة بعض النباتات في التهام اللحم،  وكتب عنها بحثا بعنوان " النباتات آكلة الحشرات" واعتبرها من عجائب الدنيا. وأطلق عن هذا النوع اسم النبات اللاحم. ووقع بين يدي، ذات يوم ،كتاب بالفرنسيّة عن هذا النبات المفترس، ورحت أقرأه كما لو أنّه رواية بوليسيّة، ولم أكن أعرف شيئا عن هذا الموضوع، ظننت بداية أنّ العنوان مجرّد لعبة لإيقاع القارىء في شراك الشراء، ولكن سرعان ما بدا لي أنّ الأمر حقيقة. فالنبتة صيّاد، صيّاد ماهر، وله ألاعيب وأساليب في الصيد تفوق أحياناً ألاعيب صيّاد محترف.
والفريسة التي تسيل لعاب النبتة تنتمي الى عالم النمل، الذباب، والبعوض، والعناكب، والفراشات، والعصافير الصغيرة، والضفادع وصولا إلى الفئران. ويعتبر البعض ان فيلم "  Little Shop of Horrors" الذي أخرجه في العام 1986 فرانك أوز هو من وحي نبتة تمّ اكتشافها في بريطانيا لقطت وهي تلتهم فأراً. تعتمد هذه النباتات على حيل متعددة لخداع فريستها، والحرب خدعة، وخداع حواسّ الحيوانات إحدى المكائد التي تعتمدها النباتات لإغواء الطرائد بالمجيء، الشهوة شبكة صيد، والنباتات تعتمد على إثارة شهوة الحيوانات الجنسية، ولهذه الحيوانات قدرة على تبديل روائحها كما تبدّل الحية جلدها، وكما تبدّل الحرباء لونها، بعض هذه النبابات لها شكل الأكواب أو الأقماع كالزنابق. تملأ هذه النباتات جسمها المفتوح بسائل تفوح منه رائحة ذكر حيوان ما أو انثى حيوان ما،.وتكون هذه الرائحة الأخّاذة والنفّاذة أشبه بنداء شبقيّ أحمر يجذب الحشرة المطلوبة أو الضفدعة المرغوبة التي أسكرتها الشهوة أو الرغبة فتقفز الى النبتة ولكن لا يكون بانتظارها الا ذلك السائل الذي يقوم بدور الانزيمات الهاضمة فتلفظ الضفدعة أنفاسها في هذا السائل الشره، ثمّ تقوم النبتة بعصر الفريسة لتأخذ خواصّها ثمّ تمتصّ الماء الدسم كما الحساء، ومن ثمّ تعيد فرز سائل يدفع ببقايا الجثمان خارج النبتة، وقد تقوم النبتة باستراتيجية أخرى هي إبهار الحشرات بالألوان. ويبدو أن بعض الحشرات تفتنها الألوان، فتقوم هذه النبابات بعرض عضلاتها اللونية كما تفعل بعض ذكور الطيور حين تعرض ريشها الملوّن لجذب الإناث، أما النباتات فليس همّها جذب الإناث وإنما جذب الفريسة لتحويلها إلى طبق شهيّ، ويكون بدنها أشبه بالصمغ، فما إن يلمس طرف من أطراف الحشرة بدن النبتة حتّى يلصق جسد الحشرة الغضّ ومن ثمّ تطبق النبتة فكّيها وأشواكها التي تنشب كالأنياب في أجساد الحشرات وتضغط على جسد الضحية لتشرب ما يقيم أودها.
الحاجة أمّ الاختراع، والجوع كافر، ولكنه، في الوقت نفسه، ذو خيال واسع يسمح له باختراع مآكل جديدة. كنت قد قرأت، ذات يوم، في كتاب يدرس انتروبولوجيا الطعام، واستوقفني فصل طريف عن المآكل التي اخترعها الجوع. الجوع " شيف" من طراز رفيع، ألا يقال " الجوع أمهر الطباخين؟".  الجوع مكتشف مذاقات جديدة كما الصيام . هل يمكن نكران دور الصيام المسيحيّ في إنجاب مآكل نباتية مثلا، أو إنكار دور الديانة الهندوسية في توليد مذاقات نباتيّة هي بنت الموقف من اللحوم. وثمّة نباتات تعيش في تربة فقيرة بالنيتروجين والأملاح المعدنيّة ممّا يعني أنّها ستبتكر وسائل جديدة أو مآكل جديدة تبعد بها عن أغصانها شبح الجوع ، وهذا ما دفعها إلى الاستعانة بأجساد الحشرات الدسمة لتأمين حاجتها من البروتيّنيّات.
ولا تخلو حياة هذه النباتات من صراعات ودسائس أيضاً في ما بينها، فحين يكثر عددها تتقلّص حصّة النبتة من المواد الغذائية فتقوم برسم خطط  ونصب مكائد لإزاحة خصومها من طريقها عبر تسميمها.
أدّى اكتشاف هذه النباتات إلى تكليفها بوظيفة منزليّة جديدة، أو قل إلى تعاون مشترك بينها وبين الإنسان، إذ باتت في أمكنة كثيرة تستخدم كنباتات منزلية يتمّ الاعتناء بها لاصطياد البعوض والذباب بدلا من المبيدات الكيماويّة.

بلال عبد الهادي




#蒲松龄 Pú Sōnglíng ( ١٦٤٠- ١٧١٥) كاتب صيني،


#蒲松龄 
Pú Sōnglíng ( ١٦٤٠- ١٧١٥)
كاتب صيني، كان يلتقط الحكايات الغريبة من أفواه الناس، إذ كان يحلو له أن يأخد إبريق شاي وعلبة تبغ ويقعد على رصيف المارة في الأسواق ويدعو الناس إلى شرب الشاي وسماع حكاياتهم، كان صياد حكايات، وفي المساء كان يعيد صياغة أغرب ما سمع من حكايات لينشرها على الناس، ولاقت حكاياته هوى في نفوس القراء، ونشرها في كتاب بعنوان" حكايات مقصورة الفراغ الغريبة".
كانت شفاه الناس مصدر إلهام لريشته!

#الخيزران


أوّل مرة قرأت عن هذا الخيزران كانت في كتاب لستيفن كوفي، ومن حياة الخيزران السفلية استوحيت نصا عن الإرهاب الذي استيقظ فجأة ونما بشكل خرافي في عالمنا العربي، فلقد كان الارهاب والفكر المتوحش يتمدد تحت الأرض ويعزز وجوده تحت الأرض قبل ان يشق التربة ويسمق على هذه الشاكلة.
كنا على امتداد لا خمس سنوات بل حوالي خمسة قرون نقوم بإسقائه عبر وسائل الحكم، ومناهج التعليم، وتشجيع الفساد، وإذ به اليوم كالأخطبوط ينشب مخالبه اللزجة في خوانيق عالمنا العربي.
الإرهاب لم يأت من فراغ، ولم يأت من وراء البحار، ولم ينزل بالمظلة الغربية، وانما نبت من اعماق اراضينا، من طريقتنا في التعامل مع تاريخنا

الشاعر والكلاب



 ثمّة حكاية طريفة من عصر المماليك بطلها لحّام اسمه أبو الحسين "الجزّار"، وهو من أبناء القرن الثامن للهجرة. ابتلى الله هذا اللحّام بحبّ الشعر ونظمه، فالشعر ديوان العرب. ولكن الوقت الذي كان يقضيه في ملحمته لم يكن يسمح له بتكريس وقته للشعر كما كان يتمنّى ويهوى. والهواية تكون أحياناً قاتلة، ولعلّ دنوّ لفظها من الهاوية له ما يبرّره. وكانت علاقته" بالساطور والوَضَم" - كما يقول الناقد الراحل شوقي ضيف- تتقلّص كلّما اشتدّ عود ملكته الشعرية. اللحّام يبني علاقة طيبة مع أدوات مهنته وزبائنه، كما تبني الكلاب أيضاً معه علاقة تشبع المعدة.


يعرف أبو الحسين الجزّار أنّ الكلاب بحاجة إليه، فهو يعني لها الكثير. ولكنه كان يتبرّم من عمله. شيطان الشعر أغواه، بلبل لبّه وفتن لسانه، فراح بينه وبين نفسه يقول:"أنا شاعر، وعليّ أن أعيش حياتي الشعريّة، الجِزارة لا تليق بكلماتي، السطور ميداني وليس الساطور!". قدم استقالته من المهنة التي ورثها عن أبيه وجدّه والتي منحته اسمه، فهو عرف طوال حياته بأبي الحسين "الجزّار". ولا تزال، إلى اليوم، رائحة اللحم تفوح من اسمه وشعره.


 ولكن ماذا يفعل بموهبته؟ من يتكفّل برعايتها؟ لم يكن الشعر في زمانه ينعم بالسيادة والاستقلال. فالشعر ليس مهنة، وقد لا يطعم لحماً! لا بدّ له من حاضن أو أب يتبنّاه. ونحن نعرف علاقة الشاعر القديم بالجغرافيا، فالمدح أدمى لسانه وقدميه! إنه كان أشبه بالبدويّ في الصحراء الذي يفكّ أوتاد خيمته في موسم الجفاف ويرحل بحثاً عن الماء والكلأ.


الشاعر العربيّ القديم لم يكن بعيداً عن أجواء جدّه البدويّ الرحّال (استهلال القصيدة الكلاسيكية بالرحلة كان شائعاً ودالاّ). البعض لم يكن يرى فرقاً بين "بيت الشِّعر" و"بيت الشَّعر". ينتقل الشاعر إلى حيث يجد شخصاً يعيره سمعه لإلقاء قصيدة لقاء حفنة من الدراهم أو الدنانير تهطل عليه كالغيث فتنعش أود أيّامه. فالشاعر بدوي يترحّل من مكان إلى مكان. يمدح ويهجو. يسلّط على البخيل سيف لسانه البتّار. الأمراء والوزراء والكبراء كانوا يقطعون لسان الشاعر بالعطايا، فـ"عداوة الشعراء بِئْسُ المقتنى" على ما قال الشاعر الخبير أبو الطيّب المتنبّي. وكلّ من له إلمام بالشعر العربيّ القديم يعرف أنّ المديح يأتي، في نظر النقّاد، في الطبقة الأولى من الشعر. وهذا ما حدا ببعضهم الى عدم الاعتراف بعمر بن أبي ربيعة أو اعتباره شاعراً ناقصاً ( غير مكتمل "الفحولة" الشعريّة) لأنّه لم يَرد كثيراً مورد المديح. الغزل وحده لا يكمل نصاب الشاعر للحصول على لقب( الشاعر "الفحل")، ولا شعر الحكمة وحده يسمح لكفّ الناظم بالقبض على "الفحولة" الشعريّة.


ترك أبو الحسين الجزّار وراء ظهره مهنة الجزارة وسواطيرها وكلابها. وراح يطرق أبواب الممدوحين المحتملين، لكنّه سرعان ما انتبه إلى أمر لم يكن قد حسب له حسابا، أو دار في خلده، وهو أن الوقوف على أعتاب الممدوحين لا يخلو من ذلّ السؤال، وان الاكتفاء بالشعر كان يفرض على الشاعر شروطاً قد لا تتقبّلها كرامته الشخصيّة أو الشعريّة.


شعر أبو الحسين الجزّار بصدمة نفسيّة وشعريّة قاسية، وبإهانة كاسرة تغرز أنيابها في لحم قصائده. هنا أدرك انه أخطأ في حقّ الجِزارة فندم على عقوقه المهنيّ، فأن يكون قصّاباً يقرض الشعر خير له من أن يكون مدّاحاً يتسوّل العطايا. طوى دواوينه وعاد إلى مهنته بعد أن اكتشف القيمة التي تمنحها له، حتى ولو كانت نظرة العرب القدامى إلى "المهنة" نظرة احتقار لا تزال عالقة بمفردة "المهنة" إلى الآن. إن ممارسة "مهنة" عند البدوي القديم عمل "مهين" ومجلبة للهوان. فـ"المهنة" من سلالة "المهانة" بحسب ما يفصح عن ذلك المعجم العربيّ.


عاد الشاعر الجزّار إلى ملحمته وهجر الآداب بعد أن اشتهى مضغ اللحم على أبواب الممدوحين، ودوّن تجربته المدحيّة في أبيات شعر يقول فيها:




لا تلمني يا سيّدي شرف الدين إذا ما رأيتني قصّابا
كيف لا أشكر الجِزارة ما عشت وأهجر الآدابا
وبها صارت الكلاب ترجّ
يني وبالشعر كنت أرجو الكلابا



 من هو شرف الدين سيّد الشاعر الذي يطلب منه عدم لومه على كونه قصّاباً؟ هل هو شخص من لحم ودم أم أنّه مجرّد اسم شعريّ اختاره أبو الحسين الجزّار لأنّه اسم مركّب من مفردتَي "الشرف" و"الدين"؟ إنّ التحليل السيميائيّ للنصوص لا يؤمن كثيراً باعتباطيّة الاختيار. والله أعلم!


بلال عبد الهادي





الاثنين، 29 يناير 2018

كان للحيطان آذان قبل الهاتف المحمول ، وصار لها بعد الهاتف المحمول آذان ولسان وعيون.

كان للحيطان آذان قبل الهاتف المحمول ، وصار لها بعد الهاتف المحمول آذان ولسان وعيون.

حياة الأشجار السرية

منطق الأشجار
ثمّة سرّ وراء نجاح كتاب ما أو فشله، والطريف في أمر الكتب أنّ سيرها الذاتية ذات خطّ بيانيّ متعرّج، خطّ فيه الكرّ والفرّ، والمدّ والجزر، ولا أظنّ أنّ علما واحدا يكفي لدراسة دلالات خطّه البيانيّ. معرفة أسباب النجاح تتطلّب مشاركة مجموعة  من العلوم: نفسيّة، إجتماعيّة، إقتصاديّة، إعلانيّة، لغويّة، روحيّة، بيئيّة. والكتاب الذي أتناول بعضا من محتوياته العلمية  يعود نجاحه المستطير في قسم منه فيما أظنّ إلى الخوف على البيئة التي نشوّهها، ونلوّثها، ونفتك بنظامها البديع، وننهش في لحمها، ويعود أيضاً إلى الوعي البازغ بضرورة إعادة النظر في تعاملنا الذي لا يخلو من عنجهية نافرة مع الكائنات التي تشاركنا حياتنا على الأرض، وتحدّد أيضاً مصيرنا النهائيّ.
 كتاب لم يخطر ببال مؤلّفه نفسه أنّه سيكون له صدى يتعدّى حدوده اللغويّة والجغرافيّة. فهو يحمل عنواناً جاذباً لكلّ من يهتمّ بعالم الأسرار وعالم الأشجار: " حياة الأشجار السرية"، مع عنوان فرعيّ أو متمّم : " ما تحسّ به الأشجار، وكيف تتواصل فيما بينها". لاقى كتاب الألمانيّ بيتر فولبين Peter Wohllben  رواجا عظيما، فبيع منه أكثر من 650 ألف نسخة في ألمانيا وحدها كما ترجم إلى أكثر من ثلاثين لغة، وصار من الكتب الأكثر مبيعا في الولايات المتحّدة. صاغه الكاتب وكأنّه حكواتيّ ماهر يروي حياة الأشجار الاجتماعية في الغابة،  معتمداً على أسلوب لغويّ حيويّ وسلس فيه أنسنة مترفة للطبيعة، فالأشجار كائنات حيّة تعيش كالآدميين، تفكّر وتخطّط لتأمين مستقبلها ومستقبل أبنائها وتسعى لتأمين لقمة عيشها، من دون أن تمنع أنسنة الغابة بأشجارها ونباتها وفطرها من قيمة الكتاب العلمية.
المؤلّف يعمل في غابة. نعرف ان الغابات والمحميات تحتاج إلى من يرعاها ويهتمّ بها. ولم يكن المؤلّف في بداية عمله يعرف، كما يقول، عن الأشجار إلاّ ما يعرفه الجزّارعن الحياة العاطفية للحيوانات. ولكن سرعان ما انتابه، مع الوقت، شغف آسر، والشغف سرّ اكتشافات كثيرة، شغف ولّد في نفسه فضولاً أدّى به إلى وضع مكتشافاته العلميّة في هذا الكتاب حول تفاصيل حياة الأشجار في الغابة. وما يقوله عن الأشجار كنت قد قرأت نصّا عنه بلسان هندي أحمر جاء فيه:" هل تعلم أنّ الأشجار تتكلّم؟ نعم، انها تتكلم، تتكلّم فيما بينها، وتتكلّم معك إن كنت ممّن يتمتّع بحسن الإصغاء. المشكلة هي أنّ الإنسان الأبيض لا يحسن الإصغاء. لم يسمع صوت اخوانه الهنود، فكيف يسمع صوت الطبيعة؟ تعلمت كثيرا من الاشجار، فهي تخبرني عن الزمان والحيوان وقوى الكون الخفيّة". هذا النص وجهه احد زعماء الهنود الحمر واسمه ولكينغ بوفالو إلى الرجل الأبيض الذي انتهك بشجعه حرمة الطبيعة.
الكتاب وليد عشرة عمر بين المؤلف بيتر فوليبن وأشجار الغابات. اكتشف أشياء كثيرة، اكتشف أنّ الشجرة ليست أنانيّة، فأنانيتها تجعلها لقمة سائغة للريح أو للأمطار أو للشمس الحارقة، فالأشجار تدرك أنّ التعاون فيما بينها شرط لمقاومة مزاج الطقس ونزق المناخ، واكتشف أنّ للشجرة عواطف تشبه عواطف البشر، فهي تحبّ وتعشق، تفرح وتحزن، وتحتفظ بذكرياتها ، وتتألّم إن أصابها جرح، وتعرف كيف تضمّد جراحها، أو تصرخ  مستغيثة من وجع ، ولكن موجات صراخها تحت صوتية ultrasonore يتعذّر على أذن البشر سماعها،  واكتشف أن الشجرات الراشدة تحنو على الشتلات ذات العظم الطريّ أو الجذوع الطرية، وحين تمرض شجرة ولا تقوى على القيام بإطعام نفسها وتأمين حاجاتها تقوم زميلاتها بتزويدها بالطعام والشراب إلى أن تستردّ صحتها أو تقضي نحبها. وقد لا تعيش شجرة طويلا بعد أن تموت صديقتها التي عاشت معها، على الحلوة والمرّة ، حتى بلغت من العمر عتيا، فتموت حزنا عليها.
يروي الكاتب إحدى الطرق التي تعتمدها الأشجار للدفاع عن نفسها،  فيقول إنّ مجموعة من العلماء لاحظت في العام ١٩٧٠ سلوكاً طريفاً للزرافات في السهوب الإفريقية. كانت الزرافات تقضم أوراق شجرة أكاسيا ثمّ تتوقّف عن الأكل وتذهب إلى شجرة أخرى غير تلك المجاورة لها لتتابع وجبتها الورقية.
تساءل العلماء عن سرّ انتقال الزرافة من شجرة إلى أخرى رغم وفرة الأوراق في الشجرة التي كانت تأكلها. كشف هذا التساؤل البسيط عن سرّ سلوك الزرافة، وعن سرّ كانت تخفيه الأشجار. فالشجرة تعتبر ان التهام أوراقها بمثابة اعتداء شخصيّ ، ومن حقّها الدفاع عن نفسها بما أوتيت من وسائل ، ولا يخلو كائن حيّ نباتي أو حيواني من وسيلة دفاع عن النفس، وسلاحها الذي تملكه للدفاع عن نفسها هو سلاح كيماويّ فتّاك بالأفواه! تبين للعلماء ان الشجرة تبدأ بفرز مادة سمية تنشرها في عروقها وصولا إلى أوراقها فتصير خطرة على الزرافة، وهذا ما يجعلها تكفّ عن التهام الأوراق ولكنها اي الزرافة لا تذهب الى الشجرة المجاورة للشجرة الأولى، وانما تذهب مسافة مائة متر تقريبا عن الشجرة الأولى .
هل أوراق الشجرات المجاورة لا تفتح شهية الزرافات؟ ما الذي يدفع الزرافة الى تجنب الشجرات الواقعات في محيط الشجرة الأولى؟ يبدو ان الشجرة ليست أنانية، فهي تدافع عن نفسها وتدافع ايضا بحسب المستطاع عن بنات جنسها إذ تقوم بإبلاغ جارتها بخبر الهجوم عليها لتقوم جارتها بتبديل تركيبة نسغها وتسميمه. وتتوسل الشجرة الهواء كوسيلة نقل للمعلومة الشمّية. فالشجرة تبث رائحة تحملها الريح عن طيب خاطر الى الشجرات الأخريات، والزرافة ليست غبية، ولا تسمح للشجرة أن تتذاكى عليها أو تضحك على شفتيها فتمشي أحيانا عكس مجرى الريح وتتابع الطعام مطمئنة لأنّها تعرف ان الريح لن يكون بمقدورها حمل الخبر المشموم أو الرسالة الشمية التي تحسن الأشجار فكّ شيفرتها.
  وفي الكتاب فصل طريف عن الفطر الذي يؤدّي، كما يقول المؤلف،  دور الشبكة العنكبوتية التي تربط بين جذور الأشجار لتعزيز التواصل، وإرسال الرسائل الكيميائية وأجوبتها بين الأشجار، فالفطر ذو طبيعة مغايرة للنبات وللحيوان على السواء، فمادّة الكيتين chitine  تشكّل الهيكل الصلب الذي يغطي أجسام الحشرات والعديد من مفصليات الأرجل وبعض الحيوانات، ولكنّها أيضاً تشكّل المركّب الأساسيّ لخلية الفطريات، أي أنّ الفطر هو الوحيد في مملكة النبات الذي يحتوي على مركّبات حيوانيّة، ويروي المؤلّف أشكال التحالفات بين الفطر والشجر، والتعاون المثمر بين الطرفين، فالفطر همزة وصل  لنقل الأخبار بين الأشجار عبر شبكة عنكبوتيّة عملاقة تلعب فيه الجذور دور الألياف الضوئية.
يطوي القارىء صفحات الكتاب الأخيرة، ولسان حاله يقول: من الغباء اتّهام الشجر بالغباء!

بلال عبد الهادي

مرجانة #علي_بابا من مقالات كتاب لعنة بابل
















ما من أحد، فيما أتصور، لا يعرف حكاية علي بابا الواردة في الكتاب الفاتن "ألف ليلة وليلة" الذي لم يعترف به العرب، إلى الآن، كما يجب، ( كأغلب الكتب الشعبية، من سيرة عنترة إلى سيرة الزير سالم، وغيرهما من الأدب الموسوم بالشعبيّ، أي الأدب من الدرجة الثانية) باعتباره ينتمي إلى الأدب الهابط أو المكشوف. من هنا فإن عين الرقيب دائماً عليه، تعمل فيه حذفاً وتهذيباً، لأنّه، في نظرها، كتاب لقيط مجهول النسب، ليس له أمّ أو أب، وغير مهذّب، فيه بذاءات يعفّ عنها، حسب ظنّها، الأدب الرسمي. وهذا ما يدحضه، في أيّ حال، الأدب الرسميّ نفسه. ولكنّ المسألة كانت مسألة لغوية، فأسلوب الليالي "الركيك"، من منظور الطبقيّة اللغوية، هو الذي حرّم على "الليالي" الملوّنة الارتقاء إلى مصافّ الأدب الرفيع. والعرب أرغموا، فيما يبدو، على الاعتراف به ليس لأنّه " ألف ليلة وليلة"، ولكن فقط لأنّه أثار إعجاب الغربيين حيث قاموا بترجمته وتحويل بعض حكاياته إلى أفلام ومسلسلات ورسوم متحركة. هل تخلو، حاليّاً، لغة حضارية من حكايات "ألف ليلة وليلة"؟
والكتاب منجمٌ لغويٌّ فضلاً عن قيمته الحكائية الرائعة. إنّه لحظة نزول اللغة إلى الشارع وتبني لغة الناس العادية وتراكيبهم المرنة والخياليّة الفذّة في عملية السرْد. إنّه، لغوياً، على نقيض مقامات بديع الزمان والحريريّ. يطلق اللغة من عقالها "العاجيّ"، ولا يكتّفها أو يكبّلها بالكلمات التي لا تفضي بمدلولاتها إلاّ عن طريق راشد أو مرشد لغويّ. (هل يمكن، مثلا، قراءة مقامات الحريريّ بلا وجود هوامش لغويّة تقوم بدور الدليل الذي يمهّد درب القراءة في ذيل الصفحات؟). وظيفة "ألف ليلة وليلة" ليست في تحويل القارىء إلى قاموس للمفردات الغريبة، وإنّما تخصيب خياله وتدريبه على ممارسة حقوقه الطبيعية من خلال تركيب أجنحة لقرّاء لا يتقنون التحليق بأجنحتهم الذاتية.
أشياء كثيرة في "ألف ليلة وليلة" تستحق القراءة. وهنا أتوقف عند نقطة من حكاية "علي بابا" هي دور جاريته مرجانة في إنقاذ حياته، عبر زرع الضباب الكثيف في عيون الأربعين حراميّاً، بفضل ما تمتلكه من حنكة باهرة، ودهاء سيميائيّ ( أي قدرة على تحويل الأشياء إلى نصوص قابلة للقراءة وفق أبجدية خاصّة).
حين علمت العصابة أنّ علي بابا هو من قام بسرقتها، على اعتبار أنّ "سرقة أولاد الحرام حلال" على قولة أديب طنجة محمد شكري في كتابه "الخبز الحافي"، أرادت الانتقام منه واسترداد ممتلكاتها السليبة. ولكن مكان إقامته بالنسبة لها مجهول، لا بدّ من التحري لمعرفة بيته. عرفت العصابة، بعد طول بحث، مكان إقامته، ولكن لا تريد العصابة أنْ تثير الانتباه والشبهات، فما كان منها إلا أن "علّمت" باب بيت علي بابا بعلامة فارقة تميزه من بقية البيوت الكثيرة المتشابهة كوجوه الصينيّين! لتقوم بالانتقام في جنح الظلام. انتبهت مرجانة للعلامة، ودور مرجانة في الحكاية هو دور المساعد. ولا تخلو حكاية من مساعد، بحسب تحليل فلاديمير بْرُوْبْ المميّز في كتابه: "مورفولوجيا الحكاية". الإنسان مستطيع بغيره على ما كان يردّد أبو العلاء المعرّي، و"اليد الواحدة لا تصفق" كما يقول المثل، وكانت مرجانة يد علي بابا اليمنى التي تصفّق وتكتب تفاصيل الحكاية. كيف تنقذ مرجانة باب بيت وليّ نعمتها من العلامة، وتنقذ بالتالي سيدها، ولحم كتفيها من خيره؟
إزالة العلامة ليست حلاًّ مأمون العاقبة، وإن كان من المعروف أنّ فقدان العلامة، على قول النحاة، علامة. وكلّ إنسان يتعامل بالفطرة مع العلامة الغائبة على أنّها علامة حاضرة ودالّة. هذا ما نراه حتى في اللغة أيضاً، فالسكون هي علامة على غياب الحركات بمعنى العلامات، أيْ أنّها علامة سالبة وغائبة. هل تعمد مرجانة إلى محو العلامة لتضليل الحراميّة؟ لم تلجأ مرجانة إلى استراتيجية المحو، فقد يترك محو العلامة آثاراً ظاهرة لا تغيب عن عيون الحراميّة تكون بمثابة علامة توصل اللصوص بالهيّن إلى رأس علي بابا. لقد اتبعت مرجانة خطّة بسيطة هي محْو العلامة من غير اللجوء إلى أيّ عملية محْوٍ، أي المحْو عن طريق استنساخ العلامة. قامت مرجانة بتقليد عمل اللصوص فراحت ترسم العلامة نفسها على كلّ باب في حارة علي بابا. حين عاد اللصوص إلى بيت علي بابا مسترشدين بالعلامة الفارقة، وجدوا أنّ كلّ بيت هو بيت علي بابا، لأنّ على كلّ باب علامة، أي أنّ الوصول إلى بيت علي بابا صار أشبه بالخروج من متاهة مضلّلة كالسراب لتناسل العلامة وتكاثرها.
وهكذا أنقذت مرجانة علي بابا من انتقام الحراميّة. ولكن للحكاية تتمّة، فاللصوص لم ييأسوا، وكانت مرجانة في كلّ مرّة تفكّ أحابيلهم عن طريق إيقاعهم في ما نصبوه من أحابيل.
لولا مرجانة لتغيّرت ملامح وجه الحكاية. وفي حكايات كثيرة تغيّر امرأة ( وهنا، امرأة ناقصة! بحكم كونها جارية أو حجراً كريماً وهي "مرجانة" - والاسم نمّام- تباع وتشترى، أي لا تملك مقادير أمرها) مسير حكاية ومصير رجل هو، هنا، على نقيض تامّ لها، حرّ، كامل الحرية والسيادة.
ولكنْ حين يكون خلاصُ حرٍّ على يد غيرِ حرٍّ فأيٌّ منهما يكون، عمليّاً، الحرّ ؟ لم تكن من هموم الحكاية هذه المسألة التي لم تدر في بال مرجانة الجارية الوفيّة التي كان كلّ همّها إنقاذ وليّ نعمتها علي بابا من لصوص المغارة.

كلمة بلطجيّ



تصاريح معيّنة تغيّر واقع الكلمات، ومنسوب استعمالها. ومن الكلمات التي قفزت أسهمها كلمة #بلطجي.
وهي كلمة هناك من يكتبها على شكل مبمتين #بلطة_جي.
واللاحقة جي التركية ولجت إلى العالم العربي من باب الأسماء، فمعجم جي كثير المفردات العربية.
وعادة ما يجرّ استخدام كلمة ما تراكيب جديدة تتعدّى الواقع أو الواقعة.
فالبلطجة يمكنها أن تبني علاقات حميمة مع كلمات كثيرة!

الثلاثاء، 23 يناير 2018

قارىء جريدة!

 اخبرني صديق حكاية شخص كبير في العمر كان يشتري يوميا جريدة l'orient le jour، ويتأبطها سحابة يومه، رغم انه لم يكن يفقه حرفا من لغة #موليير.

نباح طفولي

ثلاثة أطفال لا يتعدّى عمر الواحد منهم العشر سنوات، يلعبون بأصواتهم، ويقلدون نباح الكلاب، وكلّ واحد منهم اختار طريقة نباح مغايرة للأخرى بحيث يظنّ السامع أنها كلاب تتنابح وتتقاتل.
لفت نظري براعتهم في النباح بحيث أنّي ظننت لو لم أرهم بأنّهم كلاب حقيقية تتنابح وتتعارك!

أستاذ الكاراتيه


في أحد أفلام #الكاراتيه استوقفني مشهد تعليم الأستاذ فنون القتال لتلميذه الفتى. أقبل التلميذ متحمسا للبدء في التدريب، وتفاجأ التلميذ حين كان الدرس الأول عبارة عن مسح السيارة، وطلب منه أستاذه أن يمسحها وفق طريقة معينة، لبّى التلميذ رغبة أستاذه متأففا، وكان الأستاذ اشترط على التلميذ عدم الاعتراض، الدرس الثاني كان مسح الأرض، وأيضا بطريقة معينة، لم يكن أمام الطالب الا الاذعان مع تأفف ملحوظ، الدرس الثالث كان طلاء السور الخشبي للحديقة، نهاية المطاف قال التلميذ: جئت للتعلم وليس لأن اكون خادما ، ولكن اكتشف التلميذ انه تعلم وهو يمسح ويدهن أهم وسائل القتال، حين قال له استاذه: دافع عن نفسك بنفس الطريقة التي كنت تمسح بها وتدهن. وبالفعل استطاع التلميذ عبر حركات يديه التي كان يقوم بها وهو يمسح ويدهن أن يتجنّب الضربات التي كان يوجهها إليه معلمه.

الاثنين، 22 يناير 2018

حبة علكة

ما علاقة حبة العلكة بالصابونة؟
تستحق حكاية العلكة ان تروى. كما جرت ولادتها على يد وليم ريغلاي William Wrigley Junior , كان ريغلاي يعمل مع والده في صنع الصابون وبيعه. ولكنه اراد ان يكون تاجرا مختلفا، قرّر ان يعطي مع كلّ صابونة تباع حبة علكة.

كان الهدف من حبة العلكة المهداة ان تنتصر على الصابونة.

ما علاقة الصابون بالعلكة؟

وليم ريغلاي كان على علم بواو العطف.

#الشغف وراء الكثير من الكشوفات.

ليس هناك أجمل من أن يمتلك إنسان ما الشغف.
فالشغف يشبه اللمسة السحرية التي تغيّر الأشياء.
علّموا أبناءكم الشغف، أبجدية الشغف بالأشياء.
لا شيء يقضي على الضجر، والملل، والرتابة، والحزن، والكآبة، والسأم، وإضاعة الوقت كالشغف.
الشغف يمنحك عينين تريان ما لا يراه غيرك، ويمنح أذنيك مقدرة على سماع صوت ما لا صوت له.
وما أكثر الأصوات في هذا الكون التي لا تزال تنتظر آذاناً صاغية لتفضي إليها بأسرارها!

السبت، 20 يناير 2018

طلاق لأسباب لغويّة ( من مقالات كتاب لعنة بابل)


















أسباب الطلاق كثيرة قد تكون بعدد أسباب الموت، هناك أسباب تدخل في الرأس، ولكن بعضها يفوق الخيال، ويلامس الخبال. قد يكون ما يرد في هذا المقال من قبيل الرسم الكاريكاتوري، إلاّ أنّه رسم مأخوذ حبره من مداد هذا العالم العربي، ومأخوذة ملامح وجهه من صور كثيرة تنبت من أطراف شفاه عربية.
معروف على مستوى العالم أنّ إنساناً لا يحترم لغته لا يمكن أن يُحترم، وأمة لا تتعامل مع لغتها بودّ لا تستحق الحياة، ولكن، في الوقت نفسه، ثمة أمم كثيرة في لحظات من تاريخها تعيش فترة فقدان التوازن وضياع البوصلة، والأمة العربية بقضها وقضيضها تمرّ بمرحلة فقدان التوازن، على الأقل التوازن اللغوي. يكفي أن ترى الأفواه الملوثة التي لا تحسن نطق الحروف حتى بالعامية اللبنانية فما بالك بالفصحى! تفخّم المرقّق وترقّق المفخّم، أفواه لا ترى الحدود التي تفصل بين التاء والطاء، وبين الدال والضاد، ولا تعرف أين تنتهي حدود القاف وأين تبدأ حدود الكاف. أفواه كثيرة لا تعرف حرمة اللهجات! تسمع "بدّي روح جيب ابني من الإيكول Ecole"، "اشتريت بلانت Plante"، "ما بقرا إلا فرانسيه Français". والعبارات من هذا القبيل تفوق الحصر.
إنّ من يعود إلى عصر النهضة يرى أنّ الاهتمام الأول انصبّ على اللغة، لأنه يستحيل أن تنهض أمة باستعارة ألسنة غيرها، أو تحلّق في أجواء التطور والتحضر بأجنحة غيرها.ادرك رجالات النهضة ذلك، وحاولوا أن ينهضوا. فشلت النهضة، في العمق، وما الواقع العربي اليوم إلاّ صورة من صور إخفاقات النهضة، لأننا لم نعرف كيف نتعامل مع لغتنا. ولكن الفشل لا يعني اليأس.الدنيا دولاب لا يكف عن الدوران.واليأس عاجز عن إيقاف دولاب الدنيا.
هل هناك أمة تحترم نفسها وتنتمي إلى العالم المتحضر لا تحترم لغتها ولا تعمل على نشرها وتثبيت أقدامها في الأرض؟ هل أميركا التي يراها البعض رمزاً للتحضر لا تحترم لغتها؟ هل تدير فرنسا ظهرها للغتها ولفرنكوفونيتها؟ لا ينتقص من لغته إلا ناقص، وعقد النقص عندنا كثيرة، ويصل البعض من بني جلدتنا إلى الافتخار بعدم معرفته العربية. هل يعرف نفسه من لا يعرف لغته؟
سأحكي حكاية لغوية، دارت أحداثها في مصر، مقرّ الأزهر، وجامعة الدول العربية، ومجمع اللغة العربية. والحكاية تناولتها الصحف المصرية في شهر تشرين الأول من العام الماضي.
امرأة لا تريد أن تعيش مع زوجها، حياتها الزوجية لم تعد تطاق، ليس لأنّ زوجها خانها، أو ضربت عينه على غيرها، أو لأنّه يضربها ويعذبها، أو لأنه خارج من صفحات "بخلاء" الجاحظ، سيد النثر العربي، ولا لأنه عاقر سوف يحرمها من متعة الأمومة، ولا لأنّه سكّير أو مدمن على الميسر. كلّ هذه الأسباب ليست وجيهة في رأيها للطلاق، والزوجة لا تنكر أنّ زوجها رجل لطيف المعشر وكريم المحتد واليد.
الزوجة خريجة الجامعة الاميركية، وهي تحبّ اللغة الإنجليزية، حبّ اللغات ليس عيباً! بل هو مشروع وضروريّ. علينا أن نحبّ لغات الآخرين ونتعمّق أسرارها، لأنّ في ذلك غنى معرفياً ممتعاً. وليس هناك من لغة في العالم لا تحمل مخزونا كبيراً من الشعر والمجازات والاستعارات والإبداعات اللطيفة. إنّ الله لم يحرم لغة من نعمة الجمال، ومن لا يرى في لغات الآخرين مسحة من جمال عليه أنّ يشكّ في أذنيه وليس في اللغات. إنّ الزوجة خرّيجة الجامعة الأميركية، كان من الممكن جدّاً أن تكون متخرجة من الجامعة الأميركية وأن تكون طبيعية. وبالمناسبة، في حفلة تخرج طلاب الجامعة الأميركية في بيروت، قام جون واتربوري رئيس الجامعة بعملية توازن دالّة يشكر عليها وهو أنّه ألقى خطابه بالعربية والإنجليزية على السواء! الغريب أن يحترم رئيس الجامعة الاميركية لغة لبنان ولا تحترمها ممثلّة خرّيجي الجامعة الأميركية.
إنّ الزوجة طلبت الطلاق فقط لسبب واحد أحد هو أنّ زوجها العربيّ يرفض أن يحكي معها، وهي العربية أباً عن جد،ّ بالإنجليزية. كانت تثور وتغضب لأنّه يتكلم معها أمام زميلاتها بالعربية، فكانت تتقلص وتنكمش وتشعر بعار لا يطاق أمام أعين زميلاتها، وخصوصاً أنها اشترطت عليه قبل الزواج أن تكون علاقتهما اللغوية إنجليزية. طيش الهوى سحب من فم الرجل الموافقة، ولكنه لم يستطع أن يلتزم بالشرط، خانه لسانه، عاد إلى طبيعته اللغوية العربية. قالت الزوجة:"تحاملت على نفسي شهرين كاملين وكلماته العربية تفتك بصدري و تمزّق قلبي، إلا أنني سئمت الحياة معه بسبب إصراره على الحديث باللغة العربية". الطريف في الأمر أن الزوجة خريجة كلية الترجمة، أي انه يفترض بها أن تعرف ما معنى اللغات وما دور اللغة الأم في التوازن النفسي.
حكمت المحكمة بالخلع، ربحت المثقفة العربية خريجة الجامعة الاميركية في القاهرة لسانها الإنجليزي وخسرت زوجها بعد شهرين فقط من الزواج. شعرت أنها كانت في جحيم لغوي عربي لا يطاق، أين منه جحيم الخيانة الزوجية، أو جحيم التعايش مع ضرة تحت سقف واحد؟
حالة فردية بالتأكيد، حالة نادرة، شاذّة، ولكنها حالة لا أظنّ أنها تحصل إلاّ في عالم مهزوم، يشكو ضعفاً شديداً في النظر لأنّه يرى سحنته السمراء، في المرآة، شقراء بلون بشرة كلوديا شيفر.


الجمعة، 19 يناير 2018

السجع في حياة #الصاحب_بن_عبّاد



قلت للمسيّبي: أين يبلغ في عشقه ( اي عشق الصاحب بن عباد) للسَّجع، قال: يبلغ به ذلك أنه لو رأى سجعة تنحلّ بموقعها عُروة الملك، ويضطرب بها حبلُ الدولة، ويحتاج من أجلها إلى غُرْمٍ ثقيل وكلفةٍ صعبة، وتجشّم أمور، وركوب أهوال، لكان يخفّ عليه أن لا يفرج عنها ويخلّيها، بل يأتي لها ويستعملها، ولا يعبأ بجميع ما وصفت من عاقبتها.
وقال علي بن قاسم الكاتب: السجع لهذا الرجل بمنزلة العَصَا للأعمى، والأعمى إذا فقد عصاه فقد أُقعد، وهذا إذا ترك السّجع فقد أُفحِم.

عن #التوحيديّ

#instapoet//#روبي_كور #Rupi__Kaur شاعرة كندية من أصل هندي.


اعتمدت وسائل التواصل لنشر أعمالها الشعرية، وتحديدا الآنستغرام، ونالت من وراء مقاطعها الشعرية شهرة مستطيرة ، وجمعت بعض أعمالها الآنستغرامية في ديوان أسمته " حليب وعسل" فبيع منه حوالي مليونين وخمسمائة ألف نسخة.
أنتجت وسائل التواصل كلمات جديدة منحوتة كما نرى في كلمة instapoet أي شاعر الانستغرام.
الورقة الرقمية منصة إقلاع إلى الورقة الورقية.
قصيدتها قصيرة ، خاطفة، أشبة بلمعة فلاش، تضيء بها مسائل نسائيّة، عاطفية.
وتشهد امسياتها الشعرية كثافة لافتة في الحضور.
الشعر بخير حين يكون الشاعر بخير!

الأحد، 14 يناير 2018

جلال الدين أكبر، أحد أباطرة المغول في الهند.

أنا مسلم، ولكن أحني رأسي لكلّ دين.

جلال الدين أكبر، أحد أباطرة المغول في الهند.
من فيلم جودا أكبر.

لغة الأشجار


في العام ١٩٧٠ لاحظ مجموعة من العلماء سلوكاً طريفاً للزرافات في السهوب الإفريقية، كانت الزرافات تقضم أوراق شجرة أكاسيا ثمّ تتوقّف عن الأكل وتذهب إلى شجرة أخرى لتتابع وجبتها الورقية.
تساءل العلماء عن سرّ انتقال الزرافة من شجرة إلى أخرى رغم وفرة الأوراق في الشجرة الني كانت تأكلها.
كشف التساؤل عن سرّ سلوك الزرافة.
فالشجرة تعتبر ان التهام أوراقها اعتداء عليها شخصيا، ومن حقّ النفس الدفاع عن النفس، ويبدو ان الشجرة مزودة بوسائل للدفاع عن النفس، عمليا، وإذا نقّب المرء عن وسائل الدفاع عن النفس في عالم الطبيعة، وجد ان كل كائن حيّ يملك وسيلة للدفاع بها عن نفسه، وللشجرة وسيلة دفاعية كيميائية لطرد من ينهش في جسمها الخشبيّ.
تبين للعلماء ان الشجرة تبدأ بفرز مادة سمية تنشرها في عروقها وصولا لأوراقها فتصير خطرة على الزرافة وهذا ما يجعلها تكفّ عن التهام الأوراق ولكنها اي الزرافة لا تذهب الى الشجرة المجاورة للشجرة الأولى وانما تذهب مسافة مائة متر تقريبا عن الشجرة الأولى .
هل اوراق الشجرات المجاورة لا تفتح شهية الزرافات؟
ما الذي يدفع الزرافة الى تجنب الشجرات الواقعات في محيط الشجرة الأولى؟
يبدو ان الشجرة ليست أنانية، فهي تدافع عن نفسها وتدافع ايضا بحسب المستطاع عن بنات جنسها إذ تقوم بإبلاغ جارتها بخبر الهجوم عليها لتقوم جارتها بتبديل تركيبة نسغها وتسميمه.
وتتوسل الشجرة الهواء كوسيلة نقل للمعلومة الشمّية.
فالشجرة تبث رائحة تحملها الريح عن طيب خاطر الى الشجرات الأخريات.
والزرافة ليست غبية، ولا تسمح للشجرة أن تتذاكى عليها أو تضحك على شفتيها فتمشي أحيانا عكس مجرى الريح وتتابع الطعام مطمئنة لأنها تعرف ان الريح لن يكون بمقدورها حمل الخبر المشموم او الرسالة الشمية التي تحسن الأشجار فكّ شيفرتها .

الاثنين، 8 يناير 2018

لسان هندستان


أحدث تعريف لعلم اللغة الحديث لم يحد قيد أنملة عن التعريف الذي وضعه ابن جنّي بقوله: " اللغة أصوات يعبّر بها كلّ قوم عن أغراضهم"، وهو تعريف حصيف وكثيف ورد في كتاب " الخصائص" وهو أحد أهمّ كتب التراث في اللغة العربيّة. والأصوات صور لما يجول في الأذهان من أفكار، أو كما يقول ابن خلدون إن الأصوات اللغوية هي رموز لترجمة ما في الأفكار، وحين ينتقل إلى المجال الكتابي يتساءل ابن خلدون ما إذا كانت الحروف المكتوبة رموزا للأفكار أم رموزا للأصوات؟ فيعتبر أنّ الحرف،  وكلمة حرف تحيل في أغلب الأحيان إلى الشكل المكتوب للصوت اللغوي الواحد، فـصورة صوت الباء في العربية مثلاً هي حرف " ب" بتجلّياته المختلفة. فالحرف العربيّ الواحد يتغيّر، كتابة ، بتغير السياق الذي هو فيه، فحاله في أوّل الكلمة ليس كحاله في وسطها، وليس كحاله في آخر الكلمة. ويسمّي ابن خلدون الحرف " رمز الرمز"، فالصوت رمز الفكرة، والحرف رمز الصوت، من هنا ينتقل الحرف الى كونه رمزا من الدرجة الثانية، وليس رمزا من الدرجة الأولى، وهذا ما يقوله ابن جني حين يأتي الى تعريف اللغة إذ به يذهب الى ذكر الصوت وليس الى ذكر الحرف في تعريف اللغة.
تستطيع اللغة أن تقوم بواجباتها على أكمل وجه دون أن تستعين بالكتابة. الكتابة حالة طارئة على اللغة. وإلى الآن فإنّ اللغات غير المكتوبة هي أكثر بكثير من اللغات المكتوبة، فهناك بحسب تقديرات علماء اللغة ما يزيد عن خمسة آلاف لغة في العالم، ويعيش أهل اللغات غير المكتوبة دون مشاكل كلامية. هذا طبعا لا ينفي على الإطلاق أهمية الكتابة، بل انّ ما رسم الحدود بين التاريخ وما قبل التاريخ هو الكتابة التي كانت منعطفا في مسار الإنسان.  ولكن أردت فقط الإشارة إلى أنّ الكتابة شيء، واللغة شيء آخر. الصوت شيء، والحرف شيء آخر.
وعالم الكتابة يدخلنا في عالم الطرافة، وعالم النزاعات، وعالم الأيديولوجيّات، وأقصد بعالم الكتابة، هنا، الشكل الذي تعتمده اللغات في التجسيد المرئيّ لأصواتها، قد تقرّر لغة من اللغات أن تجسّد المعنى وليس الصوت كما حال الكتابة الفرعونية أو الكتابة الصينيّة التي لم تعتمد على الألفباء في الكتابة، وكثيراً ما يخطىء المرء في التعبير وهو يسأل عن عدد حروف اللغة الصينية، ولا يكون سؤاله حول حروف اللغة الصينية وإنما حول كلماتها. الجهل بالشيء يبلبل التصوّرات. فحروف كلّ لغة من اللغات عدد محدود جدا، كعدد حروف الأبجدية العربية يزيد أو ينقص قليلاً بخلاف عدد الكلمات الفائق الذي يفيض دائما على دفّتي المعجم. ولا أظنّ أن هناك معجما يمكنه الادعاء أنه يحتضن كلّ مفردات لغة. وكان اللغويّ العربي ابن فارس يقول لا يعرف اللغة العربية إلاّ نبيّ، أي لا يمكن لأيّ امرء أن يعرف اللغة بكل مفردتاتها وأشكال تراكيبها إلاّ إذا كان مزوّدا بمقدرة خارقة هي النبوّة، وهو اعتراف منه، بشكل من الأشكال، أن الإنسان أعجز من أن يستوعب اللغة بكل طاقاتها، وما يقوله عن العربية يمكن ان يقوله المرء عن أية لغة أخرى.
داخل كلّ لغة نظامان: نظام مفتوح ، ونظام مغلق، وفي كل لغة ثنائيات كثيرة. ولا تختلف اللغة في هذه المسألة عن الطبيعة نفسها، فالطبيعة تكتظّ بالثنائيات: ليل ونهار، أنثى وذكر، كبير صغير، وهكذا..، النظام المفتوح هو نظام الكلمات، فليس لمفردات لغة حدّ أو عدد تقف عنده، فهي تزيد باستمرار، فدار التوليد اللغوية دار لا تهدأ! والنظام المغلق في اللغة، هو ما نراه في حروف الجرّ مثلا، إذ لا يمكن لنا أن نضيف حروف جرّ جديدة لأنّ التطوّر فرض علينا أن نزيد حرف جرّ جديد، وكذلك الأمر في النظام الألفبائيّ، ويقال أنّ مقتل اللغات هو في اللعب بأنظمتها المغلقة وليس بأنظمتها المفتوحة، فاقتراض مفردة لا يزعزع أركان اللغة.
كلّ لغة مكتوبة تختار شكلاً ألفبائيا أو صوريا ليكون صورتها ومرآتها ورمزاً لأصواتها.  وهكذا تصير الكتابة ميدانا لغويا وايديولوجيا.  ومن هنا تدور حول الكتابة صراعات واغراءات تترجم الواقع غير اللغويّ لشعب من الشعوب. وهنا سأتوقف عند حالة طريفة، وهي ليست حالة خاصة يتبعها شعب واحد، فاللغة الكرواتية واللغة الصربية هما لغة واحدة، وكانتا تكتبان بشكل واحد في زمن الوحدة بينهما، ولكن لأسباب غير لغوية بعد الانفصال بينهما وتفتت الاتحاد اليوغسلافيّ اختارت كل واحدة منهما شكلا لتجسّد فيه أصوات لغتها ، فالكرواتية اختارت الحرف السيريليّ بينما اختارت الدولة الصربية الحرف اللاتيني، والاختيار لم يكن عبثيا. وهكذا صار للغة الواحدة شكلان مكتوبان : شكل سيريليّ ( الروسيّ) وشكل لاتينيّ، وهذا التغيير على مستوى الشكل اللغويّ هو تغيير أيضا على مستوى الانتماء السياسيّ او المعتقد الدينيّ.
تستخدم الشعوب الكتابة كمجال لتجسيد الخلاف السياسي او الديني او الايديولوجيّ، وما حصل في صربيا وكرواتيا حديثا هو نفسه ما حصل في الهند، فاللغة الهندية واللغة الباكستانية هما لغة واحدة في الأساس، ولكن لأسباب دينية وليس لأسباب لغوية صار لهما شكلان مختلفان، فالكتابة الهندية تعتمد الحرف ذا الأصول السسنسكريتية، بينما اللغة الباكستانية ( الأرديّة) اعتمدت الحرف العربيّ لتعلن انتماءها الى عالمها الاسلامي، والدين كان مبرّر انفصالها عن محيطها الهندوسيّ، باعتبار الحرف العربيّ رمزاً اسلاميا بامتياز وهذا ما أعطى الحرف العربيّ فرصة ذهبية للانتشار خارج حدوده اللغوية. وعدد من الدول الاسلامية في الاتحاد السوفياتي بعد انهياره عاش لحظة حيرة كتابية، وبعض هذه الدول فكّر في تبني الحرف العربي على غرار باكستان أو إيران، ولكن العرب لم يتلقفوا هذه الفرصة التي تعزّز من حضور حرفهم في العالم. وهو حضور ناصع، فالحرف العربي يحلّ في المرتبة الثانية، عالميّا،  بعد الحرف اللاتيني، وأنا هنا اتكلّم على الحرف العربيّ لا على اللغة العربية. وحيث يوجد الحرف العربيّ يكون حكماً حضور اللغة العربية مختلفاً ويكون الباب أمام مفردات اللغة العربية، أيضا، مفتوحاً للدخول في لغات الآخرين. فمن ينكر أن عدد المفردات العربية قد تقلّص في اللغة التركية بعد انقلابها على الحرف العربيّ لصالح مفردات الكلمات التي تكتب بالحرف اللاتيني؟
الحرف بوّابة لغويّة أو مرفأ لاستيراد وتصدير الكلمات.
بلال عبد الهادي