الخميس، 24 نوفمبر 2022

كيف تتعامل مع الروتين؟

 


الحياة أحداث. حياتك الشخصية مجموعة من الأحداث  الصغيرة التي تتراكم مع مرور الوقت.

والأحداث متعددة، متنوعة، لا تعرف الرتابة، حتّى في الأعمال الرتيبة. 

"العمل الروتيني" عبارة مخادعة، وفصيحة، وتملك موهبة الإقناع ، لهذا يقتنع بها كثيرون،  ولكن عند التعمق في ما نسمّيه " العمل الروتيني" نكتشف أنّها عبارة مخادعة، تضحك علينا فتستسلم لها، واللحظة التي تستسلم  فيها  نفقد متعة الحياة، فنرى الدنيا بعيون   تعوّدت على المشهد الواحد.

فكّر في أي عمل روتيني  تجده غير روتيني، لأنّ الحدث لا يتكرّر مرّتين، تظلّ هناك علامات فارقة بين المتشابهات، والعلامات الفارقة هي التي تصنع الفرق بين من يعيش في الروتين، وبين من يلعب بالروتين!

الأحداث التي أتحدث عنها تشبه أحجار لعبة الليغو، أشكال لا حصر لها تولد من   قطع الليغو، ودلالات لا حصر لها تولد من الأحداث التي تمرّ معك كل يوم.

حتّى اللاحدث حدث.  

يمتعني تأمّل المتحوّلات،  شكل غيمة في الجوّ لا تكفّ عن التغيّر، مرور نسمة على أوراق شجرة،  يجعل الشجرة في كلّ لحظة تعيش حياة جديدة، فمسارب الريح  تداعب في كل لحظة الورقة بطريقة مختلفة.

الأحداث المفككة التي لا رابط فيما بينها تحتاج إلى خيط ينظم حباتها، هذا الخيط هو تعليقك أنت على الأحداث.

المعنى ليس في الحدث بقدر ما هو في التعليق على الحدث. 

التعليق على الحدث هو الذي يميّز إنسانا من آخر، موقفك من الحدث هو الذي  يمنح الحدث المعنى الذي نراه.

وليس لأي حدث معنى واحد!

الحدث كأي كلمة تحمل دلالات كثيرة بحسب السياقات التي تدرج فيها:

اليأس، الفرح، النجاح، الفشل،  القبح الجمال،  تتشابه، ما يعطيها الفروقات هو الموقف منها:  القبح فرصة مثلما الجمال فرصة!

النجاح فرصة، وقد يكون الفشل فرصة أكبر.

كيف نتعامل مع الأحداث هو الذي بصنع الفروقات البشرية.

مثلا التعليق على من يفشل  في أميركا يسمّى : جريء، بينما في فرنسا: مذنب.

الجرأة ليست ذنباً.

انتبه لطريقتك في التعليق على الأحداث، تعليقاتك هي أنت، سيرتك الذاتية، قدرك الذي ليس أكثر من تعليقاتك على ما يحدث معك.

الحدث نهر، تعليقك مجرى النه

مايسترو الأقدار

 


الحياة وجهة نظر بكلّ معنى الكلمة.

ومن يقلّب النظر في مفردات النظر ومترادفاتها واشتقاقاتها يلحظ الغنى الذي يرافقها.

فالرأي أي ما هو مسألة فكرية مضمّخة أغلب الأحيان بالعاطفة أو أشياء أخر هو ابن العين، ابن شرعيّ للعين،  فالرأي من الرؤية.

سكنت في بداية إقامتي  في باريس في استديو مؤلّف من غرفة ومطبخ صغير وحمّام صغير. زارني والدي مع والدتي خلال إقامتي في الاستديو، حين خرج من الحمّام علّق على حجمه بالعبارة التالية:

والله حلو هالحمّام، أكبر  وأوسع من حمّام الطائرة.

رغم أنّ الحمّام صغير جدّاً، إلا أنّه استعمل أفضل التفضيل " أكبر"، و" أوسع"، وتوارت كلمة " ضيّق" أو " صغير" أو " أصغر" ، أو " أضيق" عن الاستعمال.

الغياب، هنا، دالّ على نمط في التفكير.

هذا ما قصدته بأنّ الحياة وجهة نظر.

كان ينظر رحمه الله إلى الناحيّة الإيجابية في الأشياء، حتى في النواحي السلبيّة كان يستخرج منها حسناتها وفوائدها، لم يقارن بين حمّام الاستديو وحمّام بيت وإنّما بين حمّام الاستديو وحمّام الطائرة.

تعجبني تلك النظرة الرحبة التي يمكنها أن تسلّط الضوء على جمال العالم لا على قبحه، على حسنات الحياة لا على سيئاتها.

وكم تعجبني العبارة المأثورة: تفاءلوا بالخير تجدوه.

ما تجده هو ما تبحث عنه ، بوعيك أو بلا وعيك ، في الأخير، وما تعيشه هو ما تتمنّاه حتى ولو أنكرت ذلك.

فكلمات المرء هي، عند التعمّق، مايسترو العمر.