الخميس، 12 ديسمبر 2019

تقرير عن رسالة نسرين شلهوب عن شعر جوزيف حرب



ظلّت دراسة الخطاب بعيدة عن متناول الدرس إلاّ في حالات شديدة الندرة على امتداد فترات طويلة من عمر الخطاب إلى أن جاءت الألسنية بعتادها ومدارسها وتياراتها، ونظرت إلى النصّ باعتباره كتلة واحدة، أو جملة واحدة .  كانت ثمة دراسات طفيفة حاولت النظر إلى النصّ باعتباره كياناً واحداً شديد التماسك والتفاعل ، كالمحاولة التي قام بها الباقلاّني في كتابه "إعجاز القرآن"  حين درس معلّقة امرىء القيس ولكن، للأسف، بهدف تفنيدها لا بهدف إعلاء شأنها، بخلاف ما كان عليه الحال مع المحاولة الفذّة التي  قدّمها ابن حازم القرطاجنّي في كتابه "منهاج البلغاء وسراج الأدباء" حين تناول بائية المتنبي في كافور الإخشيدي " أغالب فيك الشوق، والشوق أغلب". كانت الدراسات اللغوية والنقدية تعمد الى تمزيق النصّ وتقطيع أوصاله، بينما الدراسات الحديثة عمدت الى ترتيق النصّ ولمّ شمله إذا صح التعبير، أي إعادة اللحمة بين عناصر النصّ الواحد أو أعضاء النصّ الواحد. فخرجت من مفهوم الجملة الى مفهوم النص او من مفهوم الجملة إلى مفهوم "الملفوظ".
وهذا من فضائل الألسنية التي لا يمكن نكران حسناتها الفكرية والأدبية والجمالية لأيّ دارس مهما حاول التفلّت من الرؤية الألسنية للنصّ.
وانتهى المطاف بالألسنية الى التعامل مع النصوص تعاملاً براغمياتيا، وخيرا فعلت. فالبراغماتية هي النظر إلى اللغة في حياتها اليومية، أو في حياة الناس اليومية أي ربط الكلام بالقائل والمتلقّي والزمن والمكان ، وهنا أشير إلى مسألة شديدة الخصوبة في الدراسات القرآنية، والتي تسمى بأسباب النزول في علوم القرآن، وأحيل هنا إلى ما ورد في كتاب السيوطيّ " الإتقان في علوم القرآن"، وهناك دارسون جادّون يحاولون استلهام ما ورد من أسباب النزول  كما فعل على سبيل المثال محمد الخطّابي في كتابه "لسانيّات الخطاب"، وتبني فكرة أسباب النزول كأدوات عمل وتشريح لتلك العلاقات التي تربط بين أعضاء النصّ والإحالات إلى ما هو من خارج النصّ. لكأنّ المعنى نكرة لا يأخذ ال تعريفه إلاّ من أمور ليست منه. فما هو غير لغويّ طريقك الى ما هو لغويّ.
كانت قراءتي للرسالة حول شعر جوزيف حرب التي تقدمها الطالبة نسرين، اليوم، ممتعة. قراءة شعر جوزيف حرب بحد ذاتها نعمة فنية، عينه عدسة مصوّر محترف ومقتدر وأنيق. حتى أن الأناقة التي يتمتع بها ديوانه على مستوى الشكل، من حيث نوع الورقة ولون الورقة، وجلدة الغلاف ورسمة الغلاف كأنها كلّها  ليست إلاّ مؤشّرات على مضامين قصائده وأناقتها الدلالية وهي من منظور جيرار جينيت عتبات وارفة الدلالة . قرأت رسالتك بمتعة، ولم تخل قراءتي لرسالتك من بعض التعب الذي فرضته على نفسي، في الوقت نفسه، خصوصا في الفصلين الأولين اللذين يتناولان مطولات جوزيف حرب ، ولكنه تعب حلو. في الفصلين الأولين كان الكر والفرّ في رسالتك  دائمين بين ما تقولينه عن القصائد الطويلة حين تعالجين مسائل جزئية أو مقاطع شعريّة والعودة الى ملاحق القصائد لتتضّح صورة هذه الجزئية ضمن اللوحة الفنية الكاملة للقصيدة، دنوّ وابتعاد مستمران بغية التقاط شبكة القصيدة بكامل خيوطها.
مقدّمة الطالبة مقدّمة ضافية، واضحة، تعرض فيها المنهج الذي اختارته ، وتعرض لأعمال كبار في هذا الاختصاص الذين وضعوا أسس لسانيات الخطاب، كما قامت بعرض للمصطلحات التي كانت أدواتها في تشريح النصوص وهي مصطلحات براغماتية أو سيميائية، والمصطلحات أشبه بخارطة طريق إلى النصّ.  ولعلّ من أشق ما يعترض أيّ باحث في بدء مسيرته البحثية هو هضم المصطلحات،  والتمرّن على استعمالها، فالمصطلحات خطيرة خطورة سكّين بيد صغير، يحتاج ترويضها إلى وقت وجهد وصبر ، ويبدو أنّ الطالبة أعطت الوقت والجهد  والصبر حقّهم. ولا أظنّ أحدا منّا لم يعان أو لم يتصارع مع المصطلحات وهو صراع لا ينتهي فيما أعتقد . وهذا ما نلحظه في أي حال في قاعات المحاضرات ونحن ندرّس الموادّ الألسنية أو النقديّة على وجوه الطلاّب حيث تكون بعض المصطلحات كالضباب الذي يشوّش النظر؟
وإن كنت لا اوافق الطالبة في بعض حالات التعميم كعبارتها مثلا " وللبراغماتية مفاهيم أساسية كانت قد تجاهلتها كلّ من فلسفة الكلام والألسنيّة"( ص 8)، فلا أظنّ أنّ فلسفة الكلام قد تجاهلت البراغماتيّة، ولا أظنّ أنّ الألسنية قد تجاهلت أيضاً البراغماتية، فبذور البراغماتيّة يمكن ان نراها في فلسفة الكلام وفي الألسنية، وفي ما قبل الألسنية كشذراتـ وأقول كشذرات، وهنا أتوقف عند عبارة وردت في كتاب الخصائص لابن جنّيّ  عن لغويّ وردت وردت على لسانه الجملة التالية: "أنا لا أحسن أن أكلّم الناس في الظلمة" فالظلمة تمحو بعض دلالات القول، أو بعض سياقات القول. عبارة بسيطة ولكنّها مكتنزة بالدلالات وخصوصاً أنّ من استشهد بها شخص عالي الكعب في المجال اللغويّ.
ومشكورة الطالبة في وقوفها عند مفاهيم كثيرة، معتمدة في تفسيرها وتوضيحها على مراجع حديثة ، فالعلوم اللغوية تشبه في تسارعها الى حد ما التطوّر التكنولوجيذ السريع بحيث إنّ العالم اللغويّ يشعر أنّه ملحوق دائماً، وأنّه يحتاح إلى تحديث معلوماته. واختيار الطالبة للبراغماتية والسيميائية كمدخل إلى بهو جوزيف حرب الشعريّ هو اختيار حيويّ يخصّب المقروء ويجمع الخيوط العديدة التي تشكّل الشبكة الدلاليّة الغنية والعفيّة لشعر جوزيف حرب، فالبراغماتية تتعامل مع اللغة بليونة خارقة تشبه ليونة اللغة نفسها.
كان المدخل الذي قدمته الطالبة غنيّا ومكثّفاَ، ولم يبق في الإطار النظريّ المحض بل عمدت الطالبة الى توضيحه بالأمثال والشواهد والحجج كما فعلت على سبيل المثال حين تناولها لمفهوم "الملفوظة الإنجازية" أو الدلالات الإنجازيّة".
ومن الأمور التي تستحقّ التنويه في عملها هو وضع المصطلح الذي تستعمله مع مقابله الفرنسيّ. فالمصطلحات الحديثة المنقولة عن لغات أجنبية يبقى بعضها كالطلاسم في حال لم نعرف مقابله الغربيّ، رغم بساطته، وهكذا صار بإمكان القارىء للمصطلح في تركيبته العربية أن يفقه بلا مشقّات أو تخمينات الدلالات التي يحيل إليها المصطلح. وأزمة المصطلحات العلمية في عالمنا العربيّ أزمة دالة على ما يعيشه عالمنا العربي على الصعيد العلميّ والفكريّ والاجتماعيّ.
ويتمتّع المدخل الذي كتبته الطالبة بكثافة في المعلومات، ولكنّها كثافة دسمة وغنيّة بالمعلومات النظرية البراغماتية لدى أقطاب هذا العلم ، ولن أذكر أسماء كلّ الأعلام الذين وردوا في هذا المدخل ، وأكتفي بما عرضته من أفكار غريس البسيطة والعميقة في آن واحد، بسيطة بحيث لم يخطر لكثيرين تبيان دورها الفعّال في عملية التواصل، وكثيراً ما تكون البديهيّات ضحيّة اسمها. كتحديده للفوارق بين الجملة والملفوظة والتضمين بأنواعه وتبسيط مفاهيمه عبر ترسيمات وأمثلة، وتناوزلها لمبدأ التعاون ومبادىء التبادل وآلية الاستدلال.
الفصل الاول
اشكال الخطابات النمطية وتضافرها في قصائد حرب.
كان المبحث النظريّ  في فاتحة الفصل الأوّل  مفيدا لمعرفة الطريقة التي ستعتمدها الطالبة في قراءة مطولة جوزيف حرب : لتوضيح معنى التماسك أو الاتساق، ولعبة الضمائر في تمتين روابط النصّ، وأسماء الإشارة، والمقارنة، من استبدال وحذف، وأظن ان المحذوف قد يكون هو الحاضر الأبرز، فالغياب مثير ودال ومبهج في أحيان كثيرة،  وأستعير كلمة " مبهج" من عبارة قالها الزمخشريّ هي "بهجة الحذف". كما شرحت دور الوصل في عملية لم شمل أوصال النصّ بأشكاله المختلفة من وصل إضافي أو عكسيّ أو سببيّ،  ، والتكرار عبر اختلافاته،  فالتكرار قد يكون عبر الترادف أي عبر التكرار المعنوي لا التكرار اللفظي مع ما لهذا من مكتسبات على الصعيد الدلاليّ أو الجماليّ كما تكراتر كلمة الأم مثلا في قصيدة " مدرستي الأولى"( 195)، ولفتت إلى الدور الذي يؤدّيه تكرار البنية  أو التكرار المتوازي، ومفهوم التضامّ في تعزيز صلابة النصّ، والحقل المعجميّ، الانسجام والترابط،
لقد كانت كل هذه الادوات كفيلة بالشروع في المبحث التطبيقي في دراسة المطولة التي شرعت الطالبة في تشريحها وتبيان دلالاتها الوارفة، وكنت اتخيل وأنا أقرأ هذه الفصل انني امام شجرة تنمو في اصيص من زجاج فجذورها الخفية لم تعد خفية وكنت ترى كيف قام الشاعر بكتابتها وتفريخ أغصانها وأوراقها وثمارها.
وفي الفصل الثاني، تتعمل الطالبة مع مسألة شديدة الحداثة والثقل، وهي الدور الذي يوديه الايقاع في تمتين أواصر الدلالة، فالايقاع جزء من المعنى، بل ترجمان له عند الشاعر المقتدر، فالايقاع يستعين بكل ما هو صوتي وزمني ، من تنسيق صوتي وهندسة موسيقية من توازن وتواز وتكرار، كما تستعين بالمستوى الاسلوبي الذي توخاه الشاعر جوزف حرب في التشكل الابداعي للنماذج الذهنية والحدثية عبر استخدام الرموز والانزياحات والتضمينات.
اما الفصل الثالث فهو اقل الفصول ارهاقا في القراءة ربما لأنه لم يعتمد الى دراسة المطولات الشعرية ، وهو الفصل الموسوم بعنوان الخطاب الدرامي في شعر حرب، حيث تبدأه الطالبة بمبحث نظري لمفردات هذا الغرض ومكوناته من فعل وصراع وحوار ومن ما هو مأساويّ وهزلي، والهزلي كما يبدو في شعر حرب هو هزل جارح، سخرية موجعة تثير الضحك بمقدار ما تفتق من جروح مبعثها التضاد كما فعلت الطالبة في قراءتها للمثقف العربي في الزمن الراهن، كما تبدى ايضا في عبارة " درامية الهزلي في شعر حرب"  حيث درست الطالبة قصيدة المثقف
" مثقف
له رأس كيقطين يعلقه بمطبخه
كبير القوم.
وريشة حبره بيضاء فوق بياض صفحته
تكفّر عن خطاياها بطول الصوم.
ويمضي اليوم
بعد اليوم.
ويبقى مثل مسمار على حائط
قديم، موحش، ساقط،
تعلق فيه أفكار ممزّقة، قبيل النوم".
ولا أعرف لماذا خطر ببال الطالبة وهي تدرس هذه القصيدة قصيدة ابن الرومي في هجاء لحية. ص 427.
وهل هناك ما يبرر فكرة التناص؟ أترك مهمة ذلك للطالبة.
وفي الختام، لا انكر أنني تمتعت بقراءة هذه الرسالة عن شاعر يستحق شعره أكثر من دراسة وأطروحة.  فهو شاعر يتمتع بشخصية شعرية خاصّة، على المستويين الفصحى والعامية الراقية والباذخة وشاهدي على ذلك اختيارات فيروز لعدد من  كلمات قصائده كإسوارة العروس:
اسوارة العروس مشغولي بالدهب
و انت مشغول بقلوب يا تراب الجنوب
و
حبيتك تنسيت النوم يا خوفي تنساني
حابسني براة النوم و تاركني سهراني


الأحد، 24 نوفمبر 2019

من أين يأتي المعنى؟


تسمع عبارة ، أيا كانت هذه العبارة، فتظن أنّك فهمت معناها. وشيء من الظن في فهم المعنى إثم.
والسبب في ذلك أنّ المعنى ليس ابن الكلمات التي تسمعها وإنّما ابن أشياء أخرى غير لغوية، اللغة تفهمني شيئا من المعنى ولكن لا تيسّر لي فهم معنى المعنى بالتأكيد.
الإشكال لا يأتي من الكلمات.
فالكلمات قد تكون بسيطة ، شديدة البساطة، والجملة قد تكون واضحة كل الوضوح. ومع هذا تبقى عصية على المعنى، يتفلّت منك المعنى كما يتفلّت الزئبق.
والسبب في ذلك ان المعنى لا يرتبط بالكلمات، ولا تكنّه الجملة.
وسآخذ جملة بسيطة، شديدة البساطة، لا أظنّ انها نجت من فم لبنانيّ، وهي:
كلّن يعني كلّن.
هل كلّن يعني كلّن تعني كلّن يعني كلّن؟
هل هناك ابسط من هذه الجملة ؟
هل هناك، في الوقت نفسه، أعقد من معنى هذه الجملة المراوغة؟
جملة نكرة، معناها في أل تعريف متوارية.

كلمة بالصوت والصورة


استشارات نيابيّة


ثمّة شيء مضحك .
الثوّار يطالبون باستشارات نيابيّة، ولكن في الوقت نفسه يعتبر الثوار ان هذا البرلمان لا يمثلهم، فقد أسقطت صلاحيته الثورة .
فكيف أطلب ممّن لا يمثّلني أن يمثّلني.
وكيف أطلب ممّن فقد الشرعيّة أن يأتي بالشرعيّة؟
هل اللاشرعية هي الطريق الوحيد للوصول إلى الشرعيّة؟

حكومة تكنوقراط!


أوّل شروط حكومة تكنوقراط أن يكون رئيسها تكنوقراطيّا.
الحلال لي حلال لغيري، والحرام عليّ حرام على غيري.
ثمّة حلقة مفرغة يدور حولها الثوّار وأهل السلطة،

من خواطر بلال عبد الهادي



1.  كان لأنفه قدرة على شمّ الأشياء التى يرى أسماءها. يكفي أن يكتب كلمة " زنبق" حتى يعبق المكان برائحة الزنبق.

ويكفي أن تعبر خاطره ذكرى على صلة بوردة حتى يفوح عطرها وكأنّها وردة حقيقية لا تنتمي الى عالم الذكريات.
كان يعتبر حبره صيّاد عطور، وذاكرته قارورة طيب أو مخزن عطّار!

2.  العصافير تمرّن أجنحتها في الأعشاش قبل أن تطير.


3.  وحشيّة الانسان لا تأتيه من طرف غرائزه بقدر ما تأتيه من طرف عقله.

فالحيوانات ليس متوحشة بخلاف البشر.
لم أسمع عن مجزرة ارتكبت في عالم الحيوان!
أمّا المجازر التي ارتكبها البشر بحقّ البشر وحقّ الشجر وحقّ الحيوان فحدّث ولا حرج.

4.  إنّو شو إلها طعمة واحد يسمّي حالو " بروفيسور"؟

ما بيكون عم بطقٌ حنك ؟
وما بيكون عم بيكتّر من استعمال الشراطيط؟

5.  من المفردات الجميلة في اللغة العربية كلمة " مطالعة".

حين نردّها الى جذرها الثلاثيّ نكتشف علاقتها مع العلوّ.
المطالعة تعني ان تطلع،، لكأنّ المطالعة سلّم !
والمكان العالي يمنحك مدى أرحب ويسمح للعين أن تتحوّل الى عين نسر.

6.  ما بحبّ شغلتو بس كمان ما بيعرف يشتغل بالشي يللي بحبّو.


7.  أسمك الشي واحد بيعرفك بس بيعمل حالو ما بيعرفك وبس يصير بدّو منك شي بيصير بيعرف إنّو بيعرفك وبيعرف إنّك بتعرفو بس ما بيعرف إنّك ما عدت تعرف إنّك بتعرفو.


8.  في كتير ناس قد مانن اذكيا صاروا اغبيا.

الذكاء ذو دهاء، سيف ذو حدّين .
على الذكيّ أن لا يتكّل كثيراً على ذكائه.
عليه أن لا يمحضه ثقة عمياء.
ثمّة أناس كثيرون كان ذكاؤهم سبب مآسيهم.
الذكاء يحتاج الى دهاء معاوية!

9.  للموتى سلطان يفتقده الأحياء.

التاريخ مليء بمعارك يخوضها أموات ضدّ أحياء، ويكون ختامها انتصار الموتى.
الحيّ يخاف على حياته من الموت ، اما الميت فحياته لا تعنيه.

10.            Ani...mots = طرائف عن الحيوانات

قرأتها اليوم في كتاب بعنوان:
L'officiel de l'humour
لا تختلف الكلمة صوتيا عن كلمة الحيوانات باللغة الفرنسية

11.            ليس هناك أسهل من أن تستفزّ من يستفزّك وهو أن لا تُستفزّ .

يتحوّل استفزازه الى استفزاز مضادّ.
تعلم من الثلج البارد جدّا فنّ الإحراق.

12.            ثمّة أناس خيالهم مثل كافور الإخشيديّ.


13.            اغتصبها ، أثمر اغتصابه لها طفلا غير شرعيّ.

وبعد الانجاب عقد قرانه عليها - على سنّة الله ورسوله - واعترف بالمولود.فصار ابن الحرام حلالاً.
هكذا هي علاقة السلطان مع السلطة في بلادنا.
يلفّق لها الحلال تلفيقاً.
هكذا كان الحال مع الخلافة الأمويّة، فالعباسية، فالعثمانيّة.
الحرام ، مع الوقت، يصير حلالاً مرغوبا ومطلوبا.
ما هو عدد الانقلابات المشرعنة؟
ولكن أغلب الانقلابات غير الشرعية هي على أنظمة غير شرعيّة.
حرام يطيح بحرام.
وكلّ حرام يسعى إلى تبييض حرام على طريقة تبييض الأموال.
السلطة البيضاء كالاموال البيضاء.

14.            كل انسان " يطبخ" حياته على ذوقه.

والمشكلة ان بعض الناس لا يستهويهم فنّ الطبخ.

15.            ليس من اهداف الصين الدخول في حروب ولكنها تعمل الى ايجاد بيئة تنتهي بمن يريد محاربتها الى الانهزام قبل خوض المعركة.

وهذه الاستراتيجية واحدة من الاستراتيجيات التي تظّر لها سون تزه منذ اكثر من الفين وخمسمائة عام في كتابه في الحرب.
وعلى اساس هذه الفكرة تقوم لعبة الشطرنج الصينية .

16.            قراءة ما لا تحبّ مدخل جميل الى ما تحبّ، مثلا: اسأل نفسك: ما الذي لا أحبّه من المواضيع، وقد يكون جوابك لا احبّ القراءة عن الحيوانات، فتنزل الى مكتبة وتشتري كتابا عن الحيوانات، كأن يكون كتاب بعنوان: كيف تدافع البرغشة عن نفسها، او كتاب " حياة الحيوان الكبرى" للدميريّ وهو من كتب التراث العربيّ، سوف تكتشف في داخل الكتاب امورا كثيرة ما كان يخطر ببالك انك تحبّها.

من يعرف ماذا يحبّ وماذا يكره؟
من يعرف اذا كان يحب ما يحبّ ويكره ما يكره؟

17.            حين لا تقرأ الاّ ما تحبّ سيصيبك ما لا تحبّ بما لا تحبّ.


18.            ليس لك أي فضل إذا كنت تفكّر بالطريقة التي يفكّر بها غيرك. ولو أراد الله ان تكون نسخة عن غيرك لما كان ميّزك ببصمة مختلفة عن غيرك، بصمة خاصّة بك.

فليكن فكرك على شاكلة بصمات أصابعك.
التقليد مضيعة للوقت وهدر لنعم الله عليك.
بين الأبيض والأسود ملايين الألوان!

19.            تحرير الجامعة اللبنانيّة من السلطة السياسيّة مطلب أكاديميّ.

ولكن المشكلة ان عددا لا بأس به من أساتذة الجامعة اللبنانية ينظرون الى المسائل الأكاديميّة نظرة سياسيّة ويقبلون أن يكونوا أبواقا لرجالات السياسة.
قد أتفهّم نقطة ضعف المتعاقد، ولكن ما مبرّر من هو في الملاك وما سبب رغبته الرعناء في أن " يتزلّم" لهذا السياسيّ أو ذاك؟
الأستاذ الجامعيّ الحقّ هو الذي يعتبر الطالب أهم من كلّ رجالات السياسة.

20.            اذا كان الدين معاملة فهذا يعني اننا سنكون في الدرك الأسفل من النار.


21.            إيقاف النهب المنظّم والمدروس في الدوائر العقاريّة، وإيقاف اختلاسات المتعهّدين التي تتقنّع بقناع التلزيمات كفيلان بتمويل سلسلة الرتب والرواتب.

المشكلة أنّ محمد شكري يقول في روايته البديعة (الخبز الحافي) :" سرقة ابناء الحرام حلال!"

22.            للشمس وظائف كثيرة منها تحلية مياه البحار.


23.            روى لي شيخ جليل حكاية من طفولته، قال:

كنت طفلاً صغيراً، فعثرت على صرّة مليئة بالنقود. خفت أن ألمسها فتضيع منّي، فلبطتها بقدمي لبطة بعثرت ما فيها ( التفريق) وقعدت في الأرض ورحت أبكي، زاعما انّها سقطت مني وتبعثرت. فجاء الناس الكبار وراحوا يلملمون ما تفرّق وأعادوه إليّ.
تأبطّتها وتابعت طريقي وأنا أحبس فرحا ليس هنا مكان فكّ أسره.

24.            على الفايسبوك ، ضع الغرابة خلف ظهرك قبل الدخول الى بهوه.

فلا تستغرب رجلا له وجه امرأة ولا تستغرب امرأة لها وجه رجل او زهرة او ما يخطر ببالك.
تتوه في كتاب الوجوه من لعبة الوجوه!
ولا تستغرب عجوزا فتيا او فتيا عجوزا، ولا تستغرب سمراء شقراء، او عجوزا في سنّ المراهقة.
وكل هذه الأمور تمتح الفايسبوك جاذبية خاصة.

25.            اذا سألني أحدهم، ما سبب حبك لستيف جوبز؟ لأجبت: هوسه بأمرين: البساطة والإتقان.


26.            اذا سألت شخصا يكره النحو عن سبب كرهه للنحو لقال لك في أغلب الأوقات : استاذ النحو.

اصلاح النحو يبدأ بإصلاح استاذ النحو، وحين أقول استاذ النحو أقول في الوقت نفسه كتاب النحو، فكتاب النحو لم يضعه استاذ جغرافيا او استاذ ريّاضة.

27.            تدهشني عبارة الجاحظ رضوان الله عليه الذي كان يقول: المعاني مرمية في الطريق.

ما على المرء الا أن يمشي في الطرق ويروح يُلَقوِط المعاني بأطراف الاصابع او اطراف العيون.
وحين يقول المرء ان المعاني في الطريق فهذا يعني ايضا ان الأفكار مرمية في الطريق.
واذكر اني قبل زمن الهواتف المحمولة كنت احمل دفترا صغيرا اضعه في جيبي وسميته: أفكار الطريق.

28.            رجل متزوّج من أربع نساء له من الأبناء ثلاثون وعينه على الزوجة الخامسة لو سمح له الشرع، ولكن الشرع يسمح له بالخامسة في حال استغنى عن خدمات واحدة من الأربع.

وحالته المادية على قدّه، اظن ان العقوبة الناجعة لأمثاله هي الخصاء لا الفياغرا.
والله أعلم!

29.            مالك بن نبي كاتب اسلاميّ متنوّر ومميّز يروي انه كان يرتاد مكتبة ويستعير منها كتبا. وتصدف انه حين كان يطلب كتابا للإعارة يجده معارا من قبل سيّدة.

أثار الأمر فضوله فأحبّ ان يعرف من هي تلك التي يوافق مزاجها القرائي مزاجه القرائيّ
هذه المرأة صارت بعد ذلك زوجته.

30.            يفترض وضع قانون يمنع من يحمل جنسية غير جنسية بلده العمل في السياسة.

تخيّل وزيرا او نائبا او رئيسا لبلد ولاؤه لبلدين!
السياسة تضحية، ومن اراد ان يشتغل في السياسة عليه أن يضحّي ويتنازل عن الجنسية الأخرى.

الأحد، 13 أكتوبر 2019

الكلمات قيود وأجنحة



#اللغة التي نستعملها تفصح عن طريقتنا في التعامل مع الحياة ومع ذواتنا. في اللغة أدوات كثيرة: أل #التعريف، #الضمائر، #الصفات، #المترادفات ...الخ. وكل كلمة يستعملها المرء تشير الى حالة ما من حالاته #النفسية أو #الشخصيّة. في العربية عبارتان تشيران الى ذلك، وهما: " اذا فتحت فاك عرفناك "، و" ما فيك يظهر على فيك". الكلام #حجاب شفّاف وإنْ ظنّه البعض معتماً أو صفيقاً. لنفترض أنّ شخصاً يقول: " حياتي #جحيم"، وآخر يقول : " الحياة جحيم"، فهل يحملان المعنى نفسه، وهل يدلاّن دلالة واحدة على حالة الشخص الذي ينطق بهذه العبارة او تلك؟
يقول #Dave_Logan وهو متخصّص في فنّ #الإدارة : ان العبارة التي تحتوي على ضمير المتكلم أخف وطأة من تلك التي تحمل أداة التعريف، أي ثمّة ما هو عام وما هو خاصّ. ومن ينظر الى العبارتين من باب التشاؤم يدرك ان شكل التشاؤم ليس واحدا، ضمير المتكلم في "حياتي جحيم" ، على حلكة #حياة الناطق بها، يترك مجالاً للتغيير والتحسّن بخلاف " الحياة جحيم"، ال التعريف هنا تغرق انماط #الحياة كلها بالجحيم.
ويعمل علم اللغة النفسي بمعونة علم #الأسلوب على مطاردة هذه التفاصيل الصغيرة التي يمكن من خلال تغيير استعمالها الى تغيير سلوك المرء سلبا أو ايجابا. فالإنسان، بشكل من الأشكال، اسير الكلمات التي يتفوّه بها، وبمقدورها أن تلعب في حياته دور #الأجنحة الجامحة كما يمكنها أن تقوم بدور الأغلال الكابحة.
استوقفني ذات مرّة #اسلوب شخص في استعمال عبارة بسيطة، ولكن تنمّ عن طريق ذلك الشخص في العيش. حين يريد ان يغادر المكان الذي هو فيه وقد يكون عند صديق له يختار عبارة من احتمالات ومترادفات كثيرة، #عبارة تشير الى علاقته المقيّدة مع نفسه: لا يقول: " صار لازم روح"، مثلاً أو " بدّي روح" او "استأذن"، أو أيّ عبارة أخرى تحمل هذه المضمون، وانّما يختار عبارة : "اتركني روح". العبارة المختارة تدلّ على قيد خفيّ، هذا القيد اللغويّ البسيط تجد له مترادفات في سلوك ذلك الشخص، وهذا النمط من التراكيب نعرف انّه يكثر في #لغة #الأطفال الواقعين تحت #سلطان #الأهل والكبار أكثر ممّا هو موجود في تراكيب البالغين.


الأحد، 6 أكتوبر 2019

لغتنا العربيّة الجميلة إلى أين؟ دراسة لكتاب "لعنة بابل" للدكتور بلال عبد الهادي بقلم الدكتورة هلا الحلبي


                    
لعتة بابل


من نِعَمِ الله علينا أن جعل لنا لسانًا وميّزنا به عن غيرنا من الكائنات، نعبّر به عن ذاتنا وننقل علومنا وفنوننا لتعمر البسيطة بنا، فنكون خليفة الله على الأرض مثلما وُعد جدّنا آدم عليه السلام عندما علّم الأسماء كلّها. ولعلّ اللغة العربيّة خير ما يميّزنا نحن العرب دون سائر أبناء المعمورة، وقد جاوز عدد الناطقين بها سبع مئة مليون نسمة. أولسنا أمّة لسان، والشعر ديواننا؟ ولكن يبدو وقد أصبح العرب يتمنطقون بغيرها من لغات لحضارات مهيمنة، وكأنّ لعنةً قد حلّت بأهل هذه اللغة على قداستها، فهل هي لحظات لا حضاريّة عكرة وطائشة تمرّ بها لغة الضاد؟ ليأتي ناقد لغويٌّ في كتابه " لعنة بابل" الصادر عن دار الإنشاء في طرابلس عام ٢٠١٣، ويكشف عن هذه المشكلة ويسجّل دويّ لعنةٍ أصابت أمّتنا وجعلتنا نستحي بلغتنا؟
ستون مقالًا منشورًا في كتاب، جمعت لتظهر مدى حرص الكاتب على هذه اللغة العبقريّة وخوفه من أن نصحو يومًا على وقع اندثار لغة الضاد بعدما استبدّ بها الطغيان حتّى كادت تفرّ إلى غير رجعة، ولعلّه يجد نفسه وهو الأستاذ اللغويّ في الجامعة اللبنانيّة في كلّيّة الآداب الفرع الثالث في طرابلس مسؤولًا في هذه المعمعة اللغويّة الحاصلة. لذا ركّز في تجواله اللغويّ في لعنة بابل على أربع نقاط، وهي:
أوّلًا: جمال اللغة العربيّة: أضاء الكاتب على جمال اللغة العربيّة كإرثٍ وطنيٍّ علينا أن تعتزّ به، فكان بحثه الحصيف عن الجذر اللغويّ لها وربطه بالماء وهو أصل كلّ شيءٍ حيٍّ، فهي المورد والمنهل والبحر والمحيط الذي ينهل منه الإنسان لتنطق بلسان حاله. وهو يثمّن اللغة لكي نتمسّك بها ويضرب مثل الكلمة: فقد تحمل برمزيّتها الموت أو الحياة، وقد تحيي الموتى رمزيًّا (١٦٢) وهي غيمة تتشكّل في السماء باستمرار ولا تهدأ على شكل (١٣٥) وقد ينتقل المهمل منها إلى حيّز الاستعمال بطرفة عينٍ، لذلك فهي تفرّ من أي قوانين قد توضع لها وترفض بمعانيها الزئبقيّة أن تكون أسيرة في القواميس البكماء (٥٩) ولا تتحمّل صرامة القوانين الوضعيّة (١٨٤). إنّها مرآة للناطقين بها، لذلك أتى الكاتب بأمثلة مستحدثة طريفة مثل" أرني لغتك أقل لك من أنت" على شاكلة قل لي من تعاشر أقل لك من أنت.
والكاتب إذ يحترم مسيرة الكلمة على مرّ التاريخ ويرى في تقلّبات معانيها مع تغيّر ترتيب الحروف فيها لعبةً آسرة، حتّى إنّه يجد في قراءة سيرة الكلمات إمتاعًا لا يختلف عن قراءة سير الناس (٥٩) وكأنّنا في حضرة الكلمة وسيرتها نكون في حضرة روائيّة للتاريخ البشريّ وطريقة تفكير الأقدمين وتطوّر نظرتهم في الأمور، إذ تنطلق الكلمة من مهد معناها الحقيقيّ نحو معانيها المجازيّة (٢٠٢) لذلك علينا تتبّع مسيرتها، مسجّلًا الكاتب لشهرزاد سابقة فتح شبابيك اللغة على هواء الحياة اليوميّة (٧٩).
ومع إيمان الدكتور بلال الظاهر باللغة العربيّة إلّا أنّه لا يجد غضاضة من الاعتراف بجمال غيرها من اللغات عبر استعراض بعض كشوفاته اللغويّة فيما يتعلّق باللغة الصينيّة المعجب بها كما يبدو، ومنها التفريق بين اسم الأخ الأكبر والأصغر، مثلما هو العم في اللغة العربيّة يختلف عن الخال، في حين هو ذاته في اللغة الفرنسيّة مثلًا. فلم يكن متعصّبًا للعربيّة قطّ بل ثمّن لغات العالم داحضًا مقولات كثيرة ومنها أنّ العربيّة هي اللغة الأفضل، رافضًا أن تتّهم أيضًا بالصعوبة، مفرّقًا بين المحبّة والتطرّف غير المبرّر، مطبّقَا مقولة: "من مدحك بما ليس فيك فقد ذمّك". فالمديح الزائد ذمٌّ لا ضرورة له. محذّرًا من مغبّة أن تقتلنا الكلمات مثلما قتلت ابن المقفّع بأفكاره الثوريّة، نظرًا لما قد تحمله العبارات من بيانات إنقلابيّة خطيرة (١٨٣). ولقد كان رؤوفًا باللغة ومجازاتها، فاعتبر البلاغة صديقًا نلجأ إليه وقت الضيق، مركّزًا على حاجتنا إلى لغاتٍ أخرى شبّهها بالسيّارات، رافضًا الدونيّة اللغويّة المنسحبة من العربيّ إلى لغته ومحذّرًا من التخلّي عن اللغة الأصيلة التي اعتبرها بمنزلة البيت الآمن.
 ثانيًا: العربيّ ولغته: اهتم الكاتب بتحليل شخصيّة العربيّ ولم يخفِ إعجابه بالحذق الذي أخرج لغةً مميّزة بالضمائر التي حرمت منها لغاتٌ أخرى، إلا أنّه مع إيمانه بقيمة اللغة العربيّة يجدها غير محظوظة بأبنائها، معترفًا بمعادلة أنّ الإنسان مزيج رهيبٌ من العوالم المكانية والزمانيّة والجغرافيّة (١٨١) التي تترك أثرًا كبيرًا على القيم التي تشرّبها عبر الأجيال (١٢٥) حتّى إنّها قد تصبح صورة عن مستقبله (١٤٠).
وهنا يبرز السؤال: هل بانفتاح المرء على غير لغته يعتبر خائنًا للغته؟ أو أن نطقه بلغةٍ جديدةٍ، يتقمّص روح شعبها ويعيش ماضيه ويلبس حضارته، ويشرئبّ لمستقبلٍ يطمح إليه؟ وقد يتخلّص من لعنةٍ واقعٍ وجد فيه ويريد التحرّر منه؟، لا ينفي الكاتب الحاجة الشديدة إلى ترجماتٍ تعرض أفكار الآخرين وتعتصر تجاربهم الفلسفيّة والنفسيّة والاجتماعيّة، ليستفيد منها الشرقيّ الذي شغل ربّما عنها بحاجاتٍ معيشيّةٍ أكثر إلحاحًا.
والدكتور بلال في بحثه عن العربيّ أدخلنا عالم الأذكياء والأغبياء مع ابن قيّم الجوزيّ، كما أدخلنا مقامات الحريريّ فكانت بالنسبة له سجّادة فاخرة حريريّة متقنة الصنع (١٢٠) وجذبنا إلى خرسان وانصت للأقدمين برهافةٍ ومتعة، واستطاع بمهارةٍ أن يربط القديم بالجديد، فكان عالم نفسٍ يتوغّل في الأحلام ويقف عند رموزها الدلاليّة المرتبطة بأصول الكلمة، ويسوق في ذلك أمثلةً كثيرةً محاولًا ولوج هذا العالم الساحر، عبر التأويل اللغويّ ( من١٨٩ حتى ١٩٢). كما بحث في لغة الجسد: اليدين والشفتين والعينين والرأس، وبحث في لغة الصمت: فكان مع الخرسان في إيمائهم وإنصاتهم، كما نفى عنهم صفة حوار الطرشان السائدة في عالم الناطقين، عكس الأخرس الذي ينصت بكلّ جوارحه كيلا تفوته إشارة. ولقد سجّل الدكتور موقفًا واضحًا من السرقات العلنيّة التي يلجأ إليها بعض المتطفّلين أو اللصوص كما سمّاهم، لذلك كان موقفه واضحًا ضدّ للسطو على نصوص الآخرين، كما فرّق بين العلم والمعرفة رافضًا اللهاث وراء السعي المادّيّ الرخيص والتشرّد اللغويّ في غياهب الآخر الأكثر تقدّمًا (١٧٧).
ثالثًا: الخطر المهدّد: يجد الكاتب أنّ حال اللغة العربيّة يعكس حال الناطقين بها، حتّى إنّ العربيّ قد يتحاشى التحدّث باللغة الأمّ مخافة أن تحمل ما وضع على وزره من أعباء التراجع الحضاريّ، وفي هذه النقطة توغّلٌ في علم النفس، فالكاتب  يذكّر أنّه من لا يحترم لغة أجداده "لا يمكن أن يُحترم"(ص٣٣) ولا نهضة لشعبٍ باستعارة ألسنة الآخرين، فاللغة تحمل روح الشعب الناطق بها وتعكس رمزيّة كياناته الناطقة. ولقد ربط بين تخلّفنا وتعاملنا مع لغتنا، إذ يفسّر سبب رغبتنا عن لغتنا ويردّها إلى التخلّف الذي يحتّم انهزاميّة الموقف وقلّة الثقّة بالموروث اللغويّ، فهو يجد أنّ الآخر المهيمن حضاريًّا يستحوذ علينا ويدفع بنا إلى ركوب موجه من غير غضاضة. وبناءً عليه فهو يرى بأنّ العربيّ مأزوم حتّى النخاع الشوكيّ (٢٧) وما هربه من لغته سوى صورة تململه من التخلّف اللصيق به.
ويجد الخطر كامنًا في أذهان بعض المتشدّدين لذلك لا يخفي الكاتب خوفه من أن يتحوّل اللغويّ إلى حارس مقابر من غير اهتمامٍ بالمستجدّات وتصبح اللغة العربيّة الفصحى قريبة من اللغة اللاتينية المندثرة والمتحلّلة في اللغات الأوروبيّة الحديثة.
رابعًا: الحلول: قد يكون من السهل أن نرثي اللغة العربيّة في وضعها الراهن الذي لا تحسد عليه، من أن نخطو خطوةً واحدة باتّجاه تحريرها من انحدار نحو الهاويةٍ، ولم يقتصر عمل الدكتور عبد الهادي على عرض الأزمة اللغويّة وإطلاق صرخة التحذير، بل حاول إرساء هيولى حلولٍ مناسبة لنجدتها، وأولى الخطوات كانت بدفعنا نحو حافّة القرار: هل نعلن خبر نعي لغتنا؟ أو نسعى للعبّ من جمالها واستدراك هذا الإرث العظيم؟ كما أوضح أنّنا لن نستعيد ثقتنا بأبجديّتنا إلّا عندما نستعيد ثقتنا بذاتنا المشروخة والمسحوقة في ذوات الأخرين الأكثر تحضّرًا. لذلك لا بدّ من أن نتخلّص من فتنة الغرب وسلطانه على أذهاننا. مع العلم إلى أنّه لا يرى خطورةً في غوغل بل يجده عاملًا مساعدًا للعربيّة، إذ لا يتعارض مع عشقنا للغتنا، فالقارئ بانفتاحه على الانترنيت مستعدٌّ لأن يُشبع أيّ نهمٍ لغويٍّ من غير تقليبه بين صفحات القواميس فليس فيه كبير عناءٍ. وهذه نظرة منفتحة للعالم الحديث الذي لا يجده معاديًا للغة العربيّة بل على العكس يجده عاملًا مساعدًا وداعمًا لما قد يوفّر عليه الوقت والمال ويركّز اهتمامه على ما قد يجهله من لغتنا. ويحذر الدكتور بلال أيضًا من الوقوع في شرك البداهة التي لا تكترث بطرح الأسئلة الضروريّة للكشف عن الحقيقة والتوغّل في جذر المعاني المتقلّبة مع تقلّب الزمن وتطوّر الحضارات، لا التركيز فقط على المعاجم البكماء (٥٩) وذلك من أجل أن نعي قيمة لغتنا الجميلة، التي تميّز حضورنا الكونيّ.
مع هذه النقاط الأساسيّة التي ترافقنا في لعنة بابل لن تطلّ علينا اللغة العربيّة وكأنّها كابوسٌ رابضٌ على الصدور، بل يدخل المرء في حضرتها مزهوًّا بها وبجمالها غير عابئٍ بما قد ينثره هنا هناك لغويٌّ من سمومٍ تودي بالأصيل وتترك الحديقة الغنّاء وقد أكلها الهشيم وأصبح جمالها أثرًا بعد عين. لقد صحبنا بلال في لعنة بابل ليكشف بحنكة الرائي عن غور الأزمة التي تمر بها اللغة العربيّة ويدوّن رؤيا ثوريّة للكائن العربيّ ولغته التي خصّه بها الله لتكون لغة الجنّة ويدقّ ناقوس الخطر، رفضًا وبالفم الملآن أن تكون لغتنا العربيّة لعنةً يفرّ منها أبناؤها: نطقًا وعلمًا فيلجأون إلى لغاتٍ أخرى أكثر سهولةً وديناميكيّة، وقد اكتظّت الحياة بمفردات الحضارة الغربيّة حتّى كادت تغرّبنهم عن لغتهم الأم، ويضع مخطّطًا مبدئيًّا لكي نسترجع قامتنا الحضاريّة وحضورنا اللغويّ.
وما علينا سوى أن نصعد برج بابل اليوم مع بلال عبد الهادي لنهدأ نفسًا ونقرّ عينًا بلقاء لغويّ يكشف عن جمال اللغة العربيّة من غير تعصّبٍ، ونرى كم هي لغةٌ أصيلة، وإلّا فالويل من أن نصحو يومًا فنجدنا وقد وضعنا لغتنا جانبًا وتخلينا عن هذا الإرث العظيم.
في لعنة بابل تطلّ علينا اللغة الربيّة حبيبة صديقة وحيّة بشخوص ناطقيها وحاجتهم المستجدّة، ومع هذه الإطلالة المريحة يمكننا قراءة اللغة من شرفة الحياة الواسعة المعطاء والمتجدّدة من غير تنكّرٍ  للقديم ، ولكنّها تأبى أن تُحفظ في قوارير وتوضع أسيرةً في خزانات الكتب العتيقة لتكون شاهدًا حيًّا متغيّرًا ومتجدّدًا لا تزمّت يحكمها ويسدّ عليها المنافذ ولا من يحزنون، فهل تطلع لغتنا بكتابات الدكتور بلال عبد الهادي من هذه المعمعة وبلبلة اللغات الأخرى المهيمنة، وتثب إلى برّ الأمان؟         
                                                         طرابلس الخميس ٣ أيلول ٢٠١٩         

الخميس، 11 يوليو 2019

مديح الحسد


ما تقوله يقولك. وما تكتبه يكتبك.
على الشاحنة( في الصورة) بيت شعر في مديح الحسد.
هل يمدح الحسد؟
كل ما يذمّ يمدح، فنحن نذمّ من وجه ما، ولكن في طوايا المذموم أشياء تستحقّ المدح.
هل تمدح الرذيلة؟
في تراثنا العربيّ مجموعة من الكتب، تحكي عن فضائل الفضائل كما تحكي عن مساوىء الفضائل، وهي تدرج تحت غرض يمكن أن نسميه المحاسن والمساوىء، وثمة كتاب للبيهقي يتناول هذه الظاهرة، وهناك أيضا كتاب منسوب للجاحظ يحكي عن هذه الظاهرة.
ضع أي حسنة تحت المجهر تظهر لك سيئاتها، وضع أي سيئة تحت المجهر تظهر لك حسناتها. كتب تقلّب الشيء الواحد على جوانبه المتعددة، تقلبه ظهرا لبطن، تفلفشه، تضعه في سياقات لا يخطر لنا عادة أن ندرجها فيها، فتكشف السياقات غير المتوقعة عن الوجه القبيح للجمال، والوجه الجميل للقبح. قراءة هذه الكتب رياضة، تمرين عضلي لخلايا الدماغ، تنشيط للمواطن الخاملة.
الأمن يجعل المرء ينام دون حذر، التوتّر الأمني يبقيك حذرا، الحذر نشاط، رياضة، تفعيل للحواس، والأفكار.
بيت الشعر الموجود على الشاحنة يحكي عن الحسد العادل. العدل أساس الملك، هل الحسد أساس الملك؟
يقول البيت:
لله درّ الحسد ما أعدله!
هنا مدح غريب، غرابة الشطر الأوّل تزيلها دلالة الشطر الثاني
بدأ بصاحبه فقتله.
( بدأ سحبت الألف من تحت همزتها فكتبت بدء).
الحسد عادل لأنّه قاتل.
القتل عدل، والقتل هنا عادل، لا يتجنّى، يعطي كل ذي حقّ حقّه.
في شعرنا العربي أقوال كثيرة عن فضائل الحسد، وفضيلة الحسّاد، وكثيرون يعرفون هذه الميزة التي يتمتّع بها الحسد، فيعمدون إلى توظيفها واستثمارها لصالحهم.
على المرء أن يقاطع ذهنيّة القطيع إذا أراد أن يرى بطريقة مغايرة، غير مألوفة، الدلالات الخفيّة ، المبطنة، المتوارية خلف معنى شائع تحمي به معناها غير الشائع.
الشائع حجاب، والمألوف ضباب، والمعهود يضمر ما لا عهد لك به!
شغلني معنى البيت عن الهمزة، وما أدراك ما الهمزة!
الهمزة قشرة موزة!
الهمزة لعوب، تبلبل الأصابع ، وتشوّش بحرطقة كراسيّها! والهمزة متكبّرة، فرضت شروطها على كتب اللغة، وأبت إلا أن تخصص لها أبواب تليق بسمعتها وخصوصيتها، حتّى أنّها ضيّعت أيضاً علماء الأصوات، وحيّرت معجم الفراهيديّ!


الاثنين، 10 يونيو 2019

Your personality and your brain | Scott Schwefel | TEDxBrookings

阿拉伯东方学



巴拉勒·阿卜杜·哈迪

首先,请允许我向各位与会者表示诚挚的问候;其次,我要特别感谢上海外国语大学科研处处长王有勇教授,让我有机会与大家分享我对阿拉伯东方学的观点
我今天的发言内容实际上是受到了沙特举办的主题为“保护亚洲文化多样性暨亚洲文明文化对话”大会的启发,是我作为一个来自充满纷争地区的阿拉伯人个人经历的产物。我不敢妄称,我的研究较为详尽全面,但它却表达了我的个人思考,或许也是古老亚洲的思考。尽管这种思考尚未成为阿拉伯社会的主流思潮,但是,其中的一些先兆将会对阿拉伯社会的经济、思想和精神产生影响,如沙特已率先将汉语教学纳入其教学大纲
1西方的诱惑
我像其他东方人一样曾经受到西方的影响,并长期为之痴迷,痴迷于西方经济和思想的繁荣。但是,我热爱阿拉伯语,热爱我的阿拉伯语语言文学专业,但是,我并没有在我的祖国黎巴嫩,也没有在埃及这样的阿拉伯文化之都,完成我的研究生阶段学习,而是在巴黎开启了我的研究生之旅,并在那里获得了我的硕士和博士学位。巴黎曾经代表了我的文学梦,这是出于两个原因:其一是巴黎有慈母的美誉,深深地印刻在黎巴嫩人的集体无意识之中,仿佛前往巴黎是命中注定的选择;其二是我十分欣赏阿拉伯文学巨匠塔哈·侯赛因,他与法国的关系体现在他的妻子是法国姑娘苏珊,所以,我也想走塔哈·侯赛因的学术之路
但是,当我从1983年到1993年在西方度过十年之后,我开始了解西方,同时也开始了解东方。前往西方为我打开了了解东方的大门。令我惊讶的是,西方对东方的语言、方言、文化、品味都进行了极为细致的研究。巴黎图书馆到处都是关于东方事务的书籍,巴黎的东方语学院教授各种东方语言,既教授活的东方语言,也教授死的东方语言。我在西方开始探究东方,不仅仅是阿拉伯的东方,而是整个东方。我不禁自问,为什么我的祖国没有类似的学术圣殿?而在西方,我却看到了西方对东方的关注,探究东方的古迹、东方的思想、东方的语言,但是,在东方,我却没有看到东方对东方的关注。东方在东方被忽视了,显得如此苍白,而在西方却显得那样辉煌。我在东方也没有看到对另一个东方的重视,一个我们视之为我们东方延伸的另一个东方。我们阿拉伯东方不重视自己的过去,所以,我们阿拉伯东方的语言,如楔形文字、象形文字、腓尼基文字依然像沉睡的公主,等待着王子的亲吻,然而,却不是东方王子的亲吻,而是来自法国、意大利、德国的西方王子的亲吻。我们的语言是我们的遗产,是我们的历史起点,是我们的现实基础,也是我们思想生活、精神生活、文学生活、宗教生活的一部分,但是,我们从未思考如何对这些语言符号进行解码,探寻其中的丰富知识内容,尤其是楔形文字和象形文字
我曾经受到西方的影响,对在东方求学的人不屑一顾,认为在东方求学不会带来任何附加值,反而是一种价值损耗,或者说一种知识退化。这种看法不仅仅是我的个人观点,而且也是阿拉伯世界的主流观点,这就是陶醉于西方所造成的负面影响,仿佛我们所属的东方只是一个残缺的字母。可以说,陶醉于西方让我们东方头晕目眩,甚至失去了视觉
2日本经验
我们不仅被西方弄得眼花缭乱,也被一些东方或远东国家弄得晕头转向,确切说就是日本。日本的复兴、日本吸收西方科技和西方工业的能力令我们羡慕,但是,这种羡慕是肤浅的、幼稚的,因为它源于东方而不值得我们倾心去学习和研究,我们对之加以否认,是因为我们认为日本是一个遥远的国度,与我们的事务没有关系,以至于称之为“日本行星”,好像日本是属于太空,不属于地球。所以,我们当中有多少人专门从事日本语言、文化、宗教和政治研究呢?与赴法国、意大利、德国、美国留学的人相比,又有多少人赴日本留学呢?又有多少人出于好奇去学习日语呢?我们是用西方的眼光来看日本,却没有追随西方的步伐去了解日本星球辉煌的科技成就
因此,创建一门专门研究东方问题的阿拉伯学科,这一想法一直萦绕在我的脑海。这个阿拉伯东方学将吸收西方的东方学有益成果,以科学客观的方法摒弃西方的东方学糟粕。我认为,我们不能否定西方对认识东方的功劳,西方的东方学给我们提供大量的东方知识,包括我们的国家、我们历史和我们的遗产
今天的东方学应该是阿拉伯人原创的东方学,是以阿拉伯为起点的东方学,是以阿拉伯为目标和旨圭的东方学
那么,阿拉伯东方学到底是什么?它要制订立足于阿拉伯东方、研究非阿拉伯东方的规则和基础
非阿拉伯的东方是阿拉伯东方的知识宝藏、经济宝藏和艺术宝藏
东方学是西方的产物,有其产生的特殊条件,其目的不一定考虑到被研究的东方世界的利益。但是,我们可以从西方的东方学中汲取灵感,创建具有阿拉伯特色、阿拉伯立场、阿拉伯宗旨的阿拉伯东方学。阿拉伯东方学在筹建时可分为两种东方学:其一是具有目的性的东方学,正如任何学科一样,以学术性为目的,这是一把双刃剑。其二是具有客观性的东方学,作为阿拉伯人,我们应该努力建设具有崇高目标的阿拉伯东方学,使之成为西方学的补充。阿拉伯东方学旨在构建东方国家,如印度、日本、中国,菲律宾、韩国、越南、蒙古、柬埔寨、印度尼西亚、马来西亚、新加坡、泰国等东方国家相互了解的桥梁
3在东方了解东方
无需绞尽脑汁,我不就会提出一个问题,一个部分反映阿拉伯世界现状的问题。我们这样才能了解我们与柬埔寨的关系现状?我们可以以任何一个亚洲国家为例,但中国除外,因为它不在这个问题的范围之列
假如来自某一阿拉伯国家的阿拉伯人进入某一阿拉伯国家首都的图书馆,想找一本关于柬埔寨文化、语言、食品、文学、宗教的图书,你让他告诉我,图书馆工作人员会对他说什么,会给他展示什么,图书馆工作人员的反应如何?图书馆工作人员极有可能会非常疑惑地注视着借书者。这里,我想提几个简单的问题,却是在知识上令人尴尬的问题
我们了解幅员辽阔、土地肥沃的亚洲东方有多大吗
关于东方,我们知道什么
阿拉伯世界精通东方语言、研究东方文明、东方宗教、东方文学、东方传统习俗的阿拉伯籍东方学家有多少?从事东方文明和阿拉伯文明比较研究的学者有多少
因为对亚洲东方的无知,阿拉伯人蒙受的物质损失和精神损失有多大
阿拉伯东方和非阿拉伯东方有什么不同
除汽车、手机外,我们对韩国了解有多少?我们对日本、菲律宾、印度、泰国、越南、斯里兰卡、哈萨克斯坦、印度尼西亚有多少了解
除廉价商品外,我们对中国的了解有多少
我无法列举没有得到应有研究的所有非阿拉伯东方国家
我们对非伊斯兰教的东方有多少了解?如佛教徒、印度教徒、锡克教徒、道教徒、儒家徒、神道教徒......
未来的阿拉伯东方学是具有不容缺失的阿拉伯面貌的东方学
每个阿拉伯国家都应该创建“东方语言与文明学院”,让每个希望研究东方的阿拉伯人都有可能在其中得到学习的机会
3 / 3