الخميس، 2 أبريل 2015

التربية ليست واحدة

" ربّيتن نفس التربية" عبارة تتلفّظ بها شفتا أم حين الحديث عن تربية اولادها الذين يختلفون طباعا وسلوكا ومزاجا: "مع انّو ربّيتن نفس التربية" الأم لا تنتبه إلى أنّها تعجز عن تربيتهم نفس التربية. لا يمكن لأيّ أم مهما كانت ذكية او غبيّة أن تربّي أولادها نفس التربية. العبارة شائعة، ولكنّها، في ظنّي، من العبارات التي يعتريها الوهن والخطأ من جوانب كثيرة. الأم حين تقول هذه العبارة لا تنتبه إلى أنّها عبارة ليست صالحة وإن كانت صادقة. هل تستطيع أمّ أن تربّي نفس التربية؟ حياتها تفنّد قولها، تنسف معنى العبارة، كيف بمقدور أم ان تربي اولادها نفس التربية ، وهي نفسها ليست نفسها في الزمنين؟ فالولد الأوّل تربيه مثلا وهي في عمر العشرين، والولد الثاني تربيه وهي في الخامسة والعشرين من العمر؟ أين ذهبت بالسنوات الخمس الفارقة؟ هل بقيت هي هي؟ لأفترض حين انجبت ولدها الأوّل وهي في السنة الجامعية الأولى، وأنجبت ابنها الثاني وهي حائزة على الماجستير؟ هل هي في سنتها الجامعية الأولى هي نفسها بعد أن حصلت على شهادة الماجستير؟ ألا يغيّر الكمّ المعرفيّ الذي جنته في السنوات الخمس على تربيتها لطفلها الثاني؟ هل يمكن أن تتغيّر ظروف الانسان دون أن تتغيّر سلوكياتها الفكرية والحياتية؟ وهل التربية وحدها هي التي تلعب دورا؟ حتّى التوائم لا يمكن للأمّ أن تربيهما تربية واحدة، وهنا، تقلص الفارق الزمني من سنوات الى لحظات او دقائق او بضع ساعات! فالتوائم لا يخرجان عادة في لحظة واحدة من رحم الأمّ، يخرجان بالدور، حتّى ولو كانت الولادة قيصرية او شقّ بطن، فالطبيب سيسحب واحدا قبل الثاني. وهذه تخلّف انعكاسات قد تكون جوهرية ومصيرية. وأقول مصيرية بكل معنى الكلمة، وأقصد ما أقول. وسأعطي مثالاً بسيطا ظاهراً. البساطة الظاهرة مرعبة. لا بدّ من منح كل ولد اسما ما، لا نعيش بلا اسماء، حتى ولو كان الاسم اسما فنيا! سيكون للولدين اسمان، لنفترض ان الأوّل وسم بـ " سمير" والثاني بـ " فادي" وبمجرّد أن يصير للولدين اسمان سيصير لها اسما جديدا لم يكن لها من قبل، في مجتمعاتنا، يكّنى الآباء والأمّهات بأسماء ابنائهم البكور إ‘ذا كانوا من الذكور، والكنية كناية، والكناية إخفاء، يختفي اسم الأب من مثلا " رامي" ويصير " ابو سمير"، وبعد الوقت قد يضمحلّ اسم رامي ويهمل لصالح " أبو سمير"، يتوارى، يختفي اسم الأب خلف اسم " ابو سمير" واسم الأم التي كانت " شادية" مثلا وراء اسم جديد هو " أم سمير". أين اختفى "منير"؟ الحظّ كان من نصيب " سمير" الذي التهم اسم أخيه التوأم؟ الا يترك ذلك أثراً في نفس منير الذي لا يتكرّر اسمه كثيرا على الأفواه كما يحصل لاسم أخيه؟ ثمّ الا يمكن أن تعني عبارة " أم سمير" في ذهن الطفل " منير" بأنّها ليست امّه وانما أمّ سمير؟ ثمّ هناك ناحية ثانية، هل يحصل الولد الثاني على اللقب الذي يحصل عليه الأوّل؟ لنفترض ان الأب ملك، الولد الأوّل سيكون " وليّاً للعهد"، والولاية ألا تغير المصائر؟ ألا يفترض على ضوء ما ذكرت إعادة النظر في عبارة " ربّيتن نفس التربية"

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق