ثمّة حديث نبويّ شريف لا يعترف باليقظة التي
نعرفها، وهو حديث فاتن، بعيد الغور، يستحقّ التأمّل من جوانب مختلفة، يقول:" الناس
نيام فإذا ماتوا انتبهوا"، وهو كما يلحظ القارىء يقوّض مفاهيم اليقظة والانتباه
الرائجة، ويزعزع الحدود اللزجة بين عالم اليقظة وعالم المنام. لا
أدري سبب ورود هذا الحديث على بالي وأنا أقرأ هذه الحكاية الصينية التي وردت في
كتاب الطاويّ
الصينيّ دْجْوَانْغْ تْزِهْ، وهذا الكاتب سيّد من أسياد النثر الصينيّ بإجماع
النقّاد وخبراء اللسان الصينيّ، وصاحب تعابير "تخرق العقول" اذا استعرت القول الذي
قاله العكبريّ عن بعض شعر المتنّبي. الحكاية نثرية ولكن الطريف أنّ البعض يتعامل
معها باعتبارها قصيدة، وهذا الالتباس في هويتها لدى القرّاء يعزّز من طبيعتها
القائمة على حدود اليقظة والمنام.
يقول دجوانغ تزه: " رأيت مرّة في منامي
أنّي فراشة ترفرف بجناحيها في هذا المكان وذاك، أني فراشة حقاً من جميع الوجوه. ولم
أكن أدرك شيئاً أكثر من تتبعي لخيالاتي التي تشعرني بأني فراشة. أما ذاتيتي
الإنسانية فلم أكن أدركها قط، ثم استيقظت على حين غفلة وها أنذا منطرح على الأرض
رجلاً كما كنت، ولست أعرف الآن هل كنت في ذلك الوقت رجلاً يحلم بأنّه فراشة، أو
أنّني الآن فراشة تحلم بأنّها رجل؟".
تنتهي
الحكاية هنا، في هذه اللحظة المراوغة بين عالمين، وحياتين، وحقيقتين. حين يريد
البعض شرح الفكر الطاويّ
يستعين بهذه الحكاية التي تسمح لخيال القارىء أن يرفرف على ذوقه في عالم الأفكار
والتخامين على حدود الظنّ واليقين.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق