الخميس، 14 يونيو 2018

محمّد رجب السامرّائي//الأجوبة المُسْكِتَة ·· إجَابَاتٌ بليغةٌ وأقوالٌ مُحْكَمَةٌ السَبْك


الجواب المُسْكِتُ فنّ من الفنون فأكثر ما ينطلق كالسهم النافد على القائل المُخطئ الذي لا يُقدِّر الرجال فيخطئ عليهم فيأتيه بجواب سريع يلقمه حجراً كما يقول العرب، وهو خيرٌ من السكوت لأنّه يُلقِّن المازح والمتماجِنَ درساً ويجعله عبرةً للغير، وللجواب المُسكِت قيمته في بديهته وسرعة جوابه لكونه يأتي عفوياً ناقداً وعلى السليقة دون تكلّف أو تجميع أفكار.

فقد ازدهر التأليف الموسوعي عند المُصنفين العرب إبّان القرن الثالث الهجريّ، حين عَمَد مؤلفوها إلى الأخذ من كلِّ شيءٍ بطرفٍ. وقد أختار المؤلفون العرب مادة مُصنفاتهم الموسوعيّة تلك من مصادر مكتوبة أو من سماعهم، ثم قاموا بعد ذلك بترتيب تلك المواد المجموعة لديهم وتبويبها بحيث تتفق والخطّ الثقافيّ والفكريّ الذي تبنوه، وهناك من الموسوعيين الذين وجهوا كتبهم وجهة دينية كابن أبي الدنيا البغدادي في كتابيه ''مكارم الأخلاق'' و''ذمّ الدنيا''، أو اتجه صوب الأدب نحو المُبَرِّد في مُصنّفه المعروف الكامل في اللّغة والأدب، أو مِن اتجه نحو تناول موضوعات مختلفة في الاجتماع والسياسة والأخبار كما فعلها الأديب البصريّ الجاحِظ في البيان والتبيين، أو ابن قتيبة في عيون الأخبار.

الحياة الفكريّة



وهناك ثمة مؤلفات جامعة للأجوبة قبل كتاب ابن أبي عون الموسوم بـ''الأجوبة المُسْكِتَة'' ولكنّها لم تصل إلينا، وتأتي أهمية الكتاب كونه أقدم كتاب جامع لهذا اللون الأدبي، ولأنّه حفظ لنا عدداً من النصوص والأقوال ترد فيه لأول مرة، خاصة في نقوله من الكتب المترجمة عن اليونانية والفارسية والهندية، وعن كتاب أبي عون هذا نقل من جاء بعده شذرات مُتفرقة من هذه الأجوبة مثل ما ورد في أمالي أبي علي القاليّ والأغانيّ للأصفهانيّ وغيرهم. وتظهر أهمية الأجوبة المُسْكِتَة من كونهِ يمثل مظهراً من مظاهر الحياة الفكريّة في عصره، فقد جاء الاهتمام بالأجوبة المُسْكِتَة المُفحمة مُتوازياً مع نشاط علم الجدلّ والكلام، وكان مظهراً من مظاهر احتفال العرب بقدرتهم البلاغيّة وفصاحتهم على البديهة وسرعة الجواب المُرتجل المُفْحِم المصيب والجميل في الوقت نفسه.
كتاب ابن أبي عون

ويأتي كتاب الأجوبة المُسْكِتَة لأبي إسحاق إبراهيم بن محمد بن أبي عون (ت 322هـ)، ليضُمّ مادّة متنوعة غنيّة من أجوبة بليغة وأقوال مُحكمة لعدد من الحكماء والزهاد والأعراب والنساء والفقهاء والفلاسفة من يونانيين وفرس، مع أجوبة لعدد من أصحاب الظرف والدعابة. وقد جاءت أجوبة الكتاب في معرض سرد لبعض الأخبار والقصص والنوادر والأمثال العربيّة الشائقة مُتعددة الألوان والأغراض والتي تمتاز بظرفها وخِفّة روايتها وأدبها وبرشاقة أسلوبها ونصاعة لغتها.

ويتألف الكتاب من أبواب عدّة يحمل كل واحد منها عنواناً خاصّاً يُستدلّ منه على فحواه، وأوّل موضوعاته: فِقَر مِن جوابات الفلاسفة والحكماء والزُّهاد، ومِن أمثال اليونانيين، ومِن جوابات الزُّهاد، ومِن جوابات المُتكلمين، ومِن أجوبة الأعراب، ومِن جوابات النساء، ومِن جوابات المدينيين والمُخنثين، ومِن الجوابات الهزليّة. كما ويشمل الكتاب على طائفة من القصص التي تتضمنُ أخباراً وأحاديث ونوادر معروضة في شكل أجوبة ذكية، كلّ جواب منها يحتوي على معلومة تُفيد خبراً أو تحمل إشارات إخباريّة، ويمكن تصنيف القصصّ الإخباريّ في كتاب ''الأجوبة المُسْكِتَة'' إلى أنواع منها: القصصّ الإخباريّ السياسيّ والثقافيّ والأدبيّ والدينيّ الوعظيّ، ومنها القصص الإخباريّ الفُكاهيّ المُسلِّيّ الذي يُطلَق عليه اصطلاحاً ''النَادِرَة'' وهي نوادر سياسيّة وتاريخيّة ولُغويّة.

ومن الأجوبة المُسْكِتَة في كتاب ابن أبي عون ما جاء من جوابات الفلاسفة، الذي يُعَدُّ من أهم أبوابهِ كونه مِن أوائل المصادر العربيّة التي كان لها دور كبير في نقلِ جزء مهم مِن التراث الفلسفيّ اليونانيّ الذي وصل إلينا. وأوّل الأجوبة فيه أنّه قيل لفيلسوف: لا تنظر فغمضّ عينيهِ، وقيل لهُ: لا تسمع فسدَّ أُذنيهِ، وقيل له: لا تتكلّم فوضع يدهُ على فمِهِ، وقيل لهُ: لا تعلم، قال: لا أقْدِر. وقيل لفيلسوف: أتموتُ في أرض الغُرْبَة ؟ فقالَ: ليس بين الموت في الغُرْبَةِ والوطنِ فضلٌّ، لأنّ الأخذ إلى الآخرة مِن جميع المواضِعِ واحدٌ. وسُئِلَ حكيم: ما الشيء الذّي لا يُحْسِن أن يُقال وإن كانَ حقّاً؟ قال: مدح الإنسانِ نفسه.



مع الزُّهاد والأعراب
وفي باب جوابات الزُّهاد ذكر المؤلف أجوبة مُسكتة عديدة منها: أنّهُ قيل لعابد: فلانٌ رجع عن القراءة؟ فقال: دعُوهُ فإنّهُ لا يرجع إلى شيءٍ أحلى مِن طاعةِ الله. وقال سليمان بن عبدالملك لأبي حازم: ما بالنا نكره الموت؟ قال: لأنّكم أخربتُم آخرتكم وعمّرتُم دُنياكُم فكَرِهْتُم أن تنتقلُوا مِن العمران إلى الخراب. ومن الجوابات الأخرى أنّه دخل رجل على النبيّ داود عليه السلام وهو يأكل خبزاً يابساً قد بَلّهُ في الماء بملحِ جريش ـ خشن ـ فقال لهُ: كيف تشتهي هذا؟ قال: أدعهُ حتّى أشتهيه. وقيل للحسن: ما بالُ المُجتهدينَ أحسن وجوهاً؟ قال: لأنّهم خَلوا بربِّهم فكَسَاهُم مِن نُورِهِ. وهاكم من جوابات الأعراب عند ابن أبي عون حيث قيل لأعرابيّ: أنتَ راعي هذه الإبل؟ فقالَ: الله راعيها وأنا مُرْعِيْها. وقد خطب أعرابيّ إلى قوم، فقال لهُ أهلها: إنّ لها مِن المال والأثاث والماشيّة كذا وكذا فما مَالُكَ؟ قال: إن كان كلّ ما ذكرتُم لها يكفيني وإيّاها ما بقينا، فما حاجتكم إلى مالِي. وقيل لأعرابي آخر: إنّك لتُكثر لبسَ العمامة؟ فقال: إنّ شيئاً فيه السّمع والبصر لجديرٌ أن يُصان مِن الحرِّ والقَرِّ.

الجوابات الهزليّة

أما من الجوابات الهزليّة في الأجوبة المُسْكِتَة فهو باب جدير بالوقف عند جواباته السريعة ودونكم بعضها: قيل للجاحِظ: لِمَ هربتَ في نكبة ابن الزيّات؟ قال: خِفْتُ أن اكونَ ثاني اثنين إذ هُما في التنُّورِ! وقد صلّى رجل صلاةً خفيفة وقال: اللّهُمّ زوجنِّي الحُور العِيْن؟ فقال لهُ رجل: أسأت النقد، وأعظمتَ الخطبة. وقيل لبعض الفقراء وقد مرض: عليك بالحِمْيَة. فقال هي دائي! وقيل للجمل الشاعر: لِمَ تُقصِّر شِعْرُكَ؟ قال: أو ليسَ قليلٌ ما أجيء بهِ كثيرٌ في جنبِ ما يعطون. ووقف رجلٌ على جماعة فسأل عن رجلٍ فقيل لهُ: ليس هو هاهُنا، فقال: ولو كان هاهُنا ما كان ها هُنا!

لِمَ لا تَنَام؟

وقد حشّد المؤلف في باب ''من جوابات الزُهاد'' من الأقوال والأفعال الوعظيّة التي تدعو إلى الإيمان والإعْرَاضِ عن الدُّنيا الزائلةِ الفانيّةِ والاهتمامِ بالحيّاة الآخرة لأنّها خيرٌ وأبقى، وذلك على لسان كِبار الزُهاد المسلمين نحو: سفيان الثوري، ومالك بن دينار، والحسن بن يسار، وطاووس بن كَيسان الخولانيّ، ومُطْرِف بن عبدالله. ومن أجوبة الزُهاد الواردة في هذا الباب، قال سليمان بن عبدالملك لأبي حازم: مالنا نكرَهُ الموت؟ قال: لأنّكم أخربتُم آخرتكُم وعَمّرتُم دُنياكُم، فكَرِهْتُم أن تنتقلُوا مِنَ العُمرانِ إلى الخَرَابِ؟ وقيل لزَاهدٍ: كيفَ سَنَحَت نفسُكَ أن تترُكَ الدّنيا؟ قال: أيقنتُ أنّي أخرُجُ منها كارِهَاً فأحببْتُ أن أخرُجَ منها طائِعَاً، وقيل لعُمر بن عبدالعزيز: لِمَ لا تَنَام؟ قالَ: إن نِمْتُ ليلي ضيّعتُ نفسي، وإنْ نِمْتُ نهاري ضيّعتُ الرّعيّة؟

يلقاكَ إلاّ في زورق

وهناك العديد من الأبواب الأخرى لا يتسع المقام لذكرها، ولكن نقف عند الباب الأخير لكتاب ابن أبي عون وهو ''الجوابات الهزليّة'' ويتألف من 276 نادرة وطُرْفَة هزليّة منها ما يرجع إلى القرون الثلاثة الأوّلى الهجريّة، ولكنّ أغلبها تعود إلى الثالث الهجري قرن المؤلف. ومنها ما قاله رجل أعمى: ما أشد ذهاب البصر. فقال له رجل أعور: عندي نصف الخبر؟ وقال رجل لغلام: بكم تعمل معي؟ قال: بطعامي، قال: فأحسن قليلاً: قالَ: فأصوم أثنين وخميس؟ ولقي رجل رجُلاً، فقال: ما اسمُك؟ قال: بحر، قال: أبو مَن؟ قال: أبو الغيض، قال: ابنُ مَن؟ قال: ابن الفُرات، قال: ما ينبغي لصديقك أن يلقاكَ إلاّ في زورق!!

الأجوبة المُسْكِتَة للتوحيدي

الذكاء موهبة يمنحها تعالى لخلقهِ وهو: ''تمامّ الشيء، ومنه الذكاء في السّنّ وهو تمام السِّنِّ، ومنه الذكاء في الفهمّ، وهو أن يكون فهماً تاماً سريع القبول عند ابن الجوزيّ في أخبار الأذكياء. وهناك حدّة للذهنِّ في النفس المُهيأة لاكتساب الآراء، لأنّ الذكي يعي معنى القول عند سماعه، وقد قيل عن حدِّ الفهمّ كما ذكره أبو حيّان التوحيدي في الإمتاع والمؤانسة: ''العلم بمعنى القول عند سماعه''. وقال بعضهم: ''حدّ الذكاء سرعة الفهم وحدته''.

وقد توزعت تلك النوادر في كتاب ''الإمتاع والمؤانسة'' لأبي حيّان التوحيديّ فيلسوف الأدباء وأديب الفلاسفة وأعظم كُتّاب النثر العربيّ بعد الجاحِظ في الليلة الثامنة عشرة إلى تسع نوادر، وقد امتازت بإيجازها ودقة الإجابة فيها، لأنّ قائليها يتّصفون بحّدة الذكاء والفطنة وسرعة البديهة، كقول جحظة: حضرت مجلساً فيه جماعة من وجوه الكتّاب، وعندنا قَيّنة مُحْسِنة حاضرة النادرة، فقال لها بعضهم: بحياتي غنِّي لي:

لستَ مِنِّي ولستُ منك فَدَعْني

وامضِ عَنِّي مُصَاحَباً بِسَلامِ

فقالت: أهكذا كان أبوك يغنِّيك؟

ومن النوادر التي تفصح على توقد الذهنِّ والإجابة الحاضرة المُسْكِتَة ما حدث للمدينيّ عندما اشترى رُطباً، فلما أراد البائع أن يكيل بكيلجته الصغيرة نظر المدينيّ اليها وقد استصغرها لقلّة ما يحصل عليه من رطب فيها، فما كان منه إلاّ أنْ خاطَب البائع قائلاً: ''واللّه لو كِلتَ بها حَسنات ما قَبِلتُها''.

جواب حاضر

وأجاب التوحيدي الوزير ابن سعدان في ''الإمتاع والمُؤانسة'' على طلبه: ''حدّثنيَ بشيءٍ فيه جواب حاضر، وللبديهة فيه توقُّدَ ظاهر''، فلّبى أبو حيّان ذلك الطلب في الليلة الرابعة والثلاثين، وأتى بجملة من تلكم النوادر المطلوبة، أوّلها عن رجل قدم إلى الُزّهْرِيّ ليحدثه ويروي لهُ، فلما امتنع، قال الرجل لهُ: ''إنّ اللّه لم يأخذ الميثاق على الجُهّال أنْ يتعلَّموا حتى أخذ الميثاق على العلماء أنْ يُعلِّمُوا؛ فقال: صدقت، وحدَّثَه. فأجابه الرجل الذي يريد طلب العلم للزُّهري العالم قد أفحمته واسكتت لسانه لأنّه يعرف نفسه إنّه صاحب رسالة في إفشاء العلم: ''لأنّ العلماء ورثة الأنبياء''، كما جاء في حديث رسول اللّه صلى الله عليه وسلم، وهكذا رضخ العَالِم للُمتعلم وقبل أن يُحدِّثه إثر ما أسكته جوابه.

وذكر التوحيدي نادرة مُماثلة عن قاضٍ تصادف مع رجل في جامع البصرة، ومن الأجوبة المُسْكِتَة التي عدّها أبو حيّان تحزّ الكبد وتنقب الفؤاد ما حدث بين اثنين. إذ مدحه بصفة الذم والاستهزاء فقال: ''أنت واللّه شمامةُ ولكنّها مسمومة. فقال الثاني: على النَّفَس لكنّك أيّها الشريف شمامة مشمومة، عطرت الأرضُ بها، وسارت البُرُدُ بذكرها''.

وكانت كلتا الإجابتين مُسكتة، فقد مدح الأول ووصفه بأنّه شمامة ذات رائحة لكنّها مسمومة لا يستطيع أحد أكلها، ثم مدحه وذمه في الوقت نفسه، فردّ الثاني على إجابته بذكاء مُسكت بأنّه شمامة مشمومة فغيّر مسمومة إلى مشمومة، بتغيير حرف السين فقط، فصارت بموضع المدح. وإذا كانت مشمومة فإنّ رائحتها وعطرها يضوع في الآفاق فتسير البُرُد ـ البريد ـ بها ليتنسمها الجميع في كل مكان!

ومن الأجوبة المُسْكِتَة الأخرى التي ساقها التوحيديّ ما رُوي في الليلة التاسعة والثلاثين، عن امرأة من قبيلة نمير كانت قد مرّت على مجلسهم فتعرّض لها رجل من قومها مُستهزئاً بجسمها فأجابته بجواب مُسكت بآية كريمة وبيت شعر كي يغضّ بصره عن النظر إلى المحارم فتعرض الرجل للمرأة قائلاً: ''أيتّها الرسحاء، فقالت المرأة: يا بني نُمير، واللّه ما أطعتم اللّه، ولا الشاعر، قال اللّه عزّ وجل: ''قل للمؤمنين يغضُوا من أبصارهم'' *، وقال الشاعر:

فغضّ الطرفَ إنّكَ من نُميرٍ

فلا كَعباً بلغتَ ولا كِلَابا

كذلك كانت إجابة بثينة صاحبة الشاعر جميل بن مَعْمَر مُسكتة للخليفة عبدالملك بن مروان عندما شاهدها وهي داخلة عليه أدماء طويلة وقد كبرت، فقال لها: ''ويحك ما رَجا فيَك جميل؟ قالت: الذي رجت منك الأُمة حين ولَّتْـكَ أمرها''! هكذا طرح أبو حيّان هذهِ النادرة في مجلس الوزير مُعرضاً بالحاكمين مثلما أسكتت بثينة الخليفة الذي استهزأ بمنظر إحدى رعاياه، لكنّ جوابها المُسكت لم يَحِر الخليفة جواباً عليه! ثم ساقَ أبو حيّان نادرة عن غياب مولىً للزبير بن العوّام رضيّ الله عنهُ عن المدينة لفترة وأخرى عن الشاعر الأمويّ جرير بن عطية، الذي مرّ على الشاعر الأحوص وهو راكب على بغلٍ، فأدلى البغل وخاطب جرير يريد التعريض به لكِبَر سِنّه فقال: ''بَغْلُك يا أبا حَرْزة على خمس قوائم? قال جرير: والخامسة أحبُّ إليك''!

الأبشيهي وخشب السقف؟

''المستطرف في كل فنّ مستظرف'' من مشاهير كتب الرقائق والأدب استظرفته العامة والخاصة وحذا حذوه كبار الأدباء من بعده وهو يشتمل على كل فنّ ظريف وفيه الاستدلال بآيات من القرآن وأحاديث شريفة وحكايات حسنة عن الأخيار وفيه لطائف عديدة من منتخبات الكتب المفيدة

وأودعه من الأمثال والنوادر الهزلية والغرائب والدقائق والأشعار والرقائق وجعله مشتملاً على أبواب عدتها أربعة وثمانون.

وقد روى الأبشيهي في الباب الثامن من كتابه ''في الأجوبة المُسْكِتَة والمُستحسنّة ورشقات اللسان وما جرى مجرى ذلك''، طائفة من تلكم الجوابات المُسكتات بدأها بأنّ معن بن زائدة قد دخل ذات يوم على الخليفة أبي جعفر المنصور مؤسس مدينة بغداد فقال له: هيه يامعن تعطي مروان بن أبي حفصّة مائة ألف على قوله:

معن بن زائدة الذي زادت به

شرفاً على شرفٍ بنُو شيبان

فقال: كلا يا أمير المؤمنين إنّما أعطيه على قوله:

مَازلتُ يومَ الهاشميّة مُعلناً

بالسيفِّ دونَ خليفةِ الرّحمنِ

فَمنعتُ حوزتَهُ وكنت وقاءَهُ

مِن وقْعِ كُلِّ مُهنّدٍ وسِنَانِ

فقال المنصور: أحسنتَ واللهِ يا معن، وأمر له بالجوائز والخُلَعِ.


وممّا رواه صاحب المُستطرف مِن كلّ فنٍّ مُستظرف، أنّ رجلاً قال لصاحب منزل: أصلِح خشب هذا السقف فإنّهُ يُقرقِع؟ قال: لا تَخَف فإنّهُ يُسَبِّحُ. فقال لهُ: إنِّي أخافُ أن تُدْرِكُهُ رِقّة فيَسْجدُ! وقال الخليفة المعتصم بالله العباسي مؤسس مدينة سرّ مَن رأى ـ سامرّاء اليوم شمال بغداد ـ للفتح بن خاقان وهو صبيّ صغير: أرأيت يا فتحُ أحسن مِن هذا الفُصِّ، لفُصٍّ كان في يدِّهِ. قال: نعم يا أمير المؤمنين اليدُّ التي فيها أحسنُ مِنْهُ. فأعجبهُ جوابُه وأمرَ لهُ بِصِلّةٍ وكِسْوَةٍ. ونختم أجوبة الأبشيهي بذكر هذا الجواب المُسكت حين سأل رجُل العباس رضيّ الله عنهما عمّ النبي الأكرم صلّى الله عليه وسلّم: أأنتَ أكبر أم رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم؟ فقال: رسول الله صلّى اللهُ عليه وسلّم أكبرُ وأنا وُلِدْتُ قَبْلَهُ!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق