حين كنت أقمّش المعلومات التي أوردها شمس الدين بنُ
عبد الله بن محّمد بن ابراهيم اللواتي الطنجيّ المعروف بابن بطّوطة عن الصين، لكتابة هذه الورقة
التي لي شرف تقديمها أمام أسماعكم، وجدتني، وأنا ابن طرابلس المحروسة، أتوقّف عند
ما قاله هذا الرحّالة الفاتن عن مدينتي التي زارها عام 726 هـ / 1326 م ( أي منذ
ما يقرب من سبعمائة سنة) . كتب عنها نصّاً قصيراً - أحبّ أن يشاركني سماعه الحضورُ
الكريم، فحضراتكم وحضراتكنّ على علاقة
حميمة، مثلي، مع هذه المدينة. وما يجسّد هذه الحميميّة، هو تواجدكم في قاعة غرفة
التجارة والصناعة والزراعة في طرابلس، بدعوة كريمة مشتركة من الغرفة والمجلس
الثقافيّ للبنان الشمالي في آن واحد. وطرابلس هي مدينة طامحة، والطموح حقّ مشروع للمدن
كما للناس، طامحة إلى أن تستعيد دورها التجاريّ، والثقافيّ، والاجتماعيّ، والاقتصاديّ،
( والزراعيّ ) وأضيف السياحيّ ( ولا أحد
ينكر أنّ تاريخ المدينة يمكن اعتباره مخزوناً استراتيجيّاً فيّاضاً على صعيد
السياحة يؤمل حسن استخدامه) .
وكلّي أمل أن لا نخيّب ظنّ ابن بطوطة في حال كتب
له أن ينهض من رفاته ويتأبط مجدّداً عصا
التسيار والأسفار، حتى ولو كانت نهضته وعودته على غرار عودة " الباشا"
الى الحياة في رواية طريفة جدا بعنوان
دالّ وذي مغزى على بساطته المراوغة هي رواية "حديث عيسى بن هشام" لأحد
رجالات النهضة في مصر، وهو محمّد المويلحيّ ، والرواية تستحقّ أن تقرأ، وكانت قد
نشرت عام 1912[1].
ما
يقوله ابن بطوطة يدعو للشجن، في حال عقدنا مقارنة بين ما قاله وبين ما نراه، ولكنّ
قوله لا يدعو إلى الإحباط بقدر ما يدعو الى استنفار الهمم الطرابلسيّة وبثّ الروح
فيها، وتوليد تطلّعات إلى غد أجمل، وأنضر، وأعطر. يبدو إنّ ابن بطّوطة زار المدينة
في زمن الأمير "طيلان" أو كما
في التسمية الشائعة "طينال"،
ولا يزال الى اليوم أحدُ جوامع طرابلس القديمة يحمل اسم هذا الأمير الذي امتد
سلطانه على فترات زمنية متقطعة . ( هنا أحبّ الإشارة إلى "لطيفة لغوية"
تعرف بـ"التقليب الصوتيّ" أي
استبدال مواقع الحروف في الكلمة تقديماً وتأخيراً، وهذا ما نراه في لهجاتنا
العامية كأن تتحوّل السجّادة الى سدّاجة، أو الملعقة الى معلقة وهكذا. وما كنت
أتيت إلى هذه الخصيصة في اللغة العربية لو لم تكن موجودة في كتاب ابن بطوطة ، فمن
يقرأ في صفحات الرحلة يجد أنّه لا يقول "دلهي" حين يأتي على ذكر تلك المدينة
الهندية العريقة، وإنّما يقول دِهْلي، وهذه المدينة مشهورة ، اليوم، بتطعيم لغوي آخر هو " نيو دلهي" أي أنّها
كلمة أضافت إلى اسمها الهنديّ مقطعاً إنكليزيّاً هو مقطع "استعماريّ" أو
من بقايا آثار الاستعمار. وأسماء المدن شكل من أشكال تأريخ المدن!
نصّ ابن بطوطة الطرابلسي يدلّ على حيويتة
المدينة في عهده، وازدهارها الاقتصاديّ، وعلى خضرتها الوارفة، وبساتينها التي لم نحسن،
للأسف، أنْ نحافظ عليها . يقول ابن بطوطة:
"ثمّ وصلت إلى مدينة طرابلس، وهي إحدى قواعد
الشام، وبلدانها الضخام، تخترقها الأنهار (تتشوّق المدينة، اليوم، لهذا الاختراق
النهريّ!)، وتحفّها البساتين والأشجار، ويكتنفها البحر بمرافقه العميقة، والبرُّ
بخيراته المقيمة. ولها الأسواق العجيبة، والمسارح الخصيبة، ( طبعاً كلمة مسارح ،
هنا، لا تعني المسارح بمعناها الشائع اليوم)، والبحر على ميلين منها، وهي حديثة
البناء. وأمّا طرابلس القديمة ( نلحظ هنا اعتباطية التسميات،
فالاعتباطية مسألة لغوية لا يمكن التغافل عنها، وكان المفكر اللسانيّ ده سوسير قد أعطى
هذا الجانب حيّزا مهمّا في نظريته اللغوية الشهيرة)، فكانت على ضفّة البحر، وتملّكها الروم زماناً.
فلما استرجعها الملك الظافر خربت، واتخذت هذه الحديثة. وبهذه المدينة نحوٌ من
أربعين من أمراء الأتراك. وأميرها طيلان الحاجب المعروف بملك الأمراء، ومسكنه منه بالدار
المعروفة بدار السعادة. ومن عوائده أن يركب في كلّ يوم إثنين وخميس، ويركب معه
الأمراء والعساكر، ويخرج إلى ظاهر المدينة. فإذا عاد إليها وقارب الوصول إلى
منزله، ترجلّ الأمراء ونزلوا عن دوابّهم ومشوا بين يديه حتى يدخل منزله، وينصرفون.
وتُضرب الطبلخانة ( أي تعزف الموسيقى) عند دار كلّ أمير منهم بعد صلاة المغرب من
كلّ يوم، وتوقد المشاعل.( ...)، وبهذه المدينة
حمّامات حسان، ( يذكر عدّة حمامات)، ومنها حمّام سندمور[2].
حمّام الأمير سندمور
وتذكر عن هذا الأمير أخبار كثيرة، ويقول
ابن بطوطة إنّ هذا الامير كان شديدا على "أهل الجنايات"، أي شديد العقاب، ويروي لنا خبراً من اخباره
القاسية مع أهل الجنايات. فيقول: " ان امرأة شكت إليه بأن أحد مماليكه تعدّى
عليها في لبن تبيعه فشربه، ولم تكن لها بيّنة. فأمر به فوسّط ( والتوسيط هما ليس
شكلا من أشكال الواسطة، وتتمة الجملة تظهر معنى التوسيط) فخرج اللبن من مصرانه.
ولن تكون المقارنة بين طرابلس البطّوطيّة
وطرابلس اليوم لصالح طرابلس اليوم. حيث لا أنهار ( والجمع في نصّ ابن بطوطة ليس
أكثر من مفرد ، حاليّا، بسيط ووديع، ومكتومٍ على نفسه بسبب تسقيف مقطع من مجراه!)
ولا أشجار، ولا بساتين وإنّما هناك جبل من النفايات يترعرع رغم أنوف الشامّين، عند
مصبّ ما تبقّى من نهر "أبو عليّ " على شاطىء البحر الملوّث!
ولو لم يكن الكلام عن ابن بطوطة، ولو لم
يكن مكان هذه المحاضرة طرابلس الفيحاء، لما وجدت ضرورة في إدراج ما ذكره ابن
بطوطة، بل يمكن القول إنّ نصّ ابن بطوطة يمكن أن يكون برنامج عمل مكثّف تحضيريّ
لاحتفاليّة طرابلس عاصمة للثقافة العربيّة عام 2023.
وثمّة مبرّر ثانٍ لحضور طرابلس في محاضرة
تحمل نكهة ابن بطوطة الصينيّة. وهذا
المبرّر هو طريق الحرير، وطرابلس حبّة من السبحة التي ينتظمها سلك الحرير أو طريق
الحرير التي يقوم الرئيس الصينيّ الحالي شي دجين بينغ بالعمل على إحيائها، وإعادتها إلى سابق نشاطها، وهذا ما يلمّح
إليه عنوان الكتاب الذي وضعه الرئيس الصينيّ : " الحزام والطريق". ويقصد
بالحزام المرافىء التي تستريح فيها المراكب لشحن البضائع أو تفريغها على موائىء
الأنهار والبحار والمحيطات، بين الصين وأوروبا. وتسمّى، راهنا، هذه المرافىء بـ
" عقد اللؤلؤ"، فكلّ مرفأ هو، عمليّا، حبّة لؤلؤ في نظر الصين. كما أنّ
هناك استراتيجية صينيّة باسم "استراتيجية عقد اللؤلؤ"، وهذه
الاستراتيجية اللؤلؤية هي المحرّك للسياسة الصينية في مساعدة الدول على توسعة
مرافئها أو فتح مرافىء جديدة بمساعدة لوجستيّة سخيّة من الصين بهدف تأمين وصول
البضائع الصينية إلى مختلف دول العالم. ( هل يخلو بيت، اليوم، من عبارة “ made in china”؟ ) . ويقصد بالطريق ما نعرفه بطريق الحرير البرّيّة.
وبالنسبة لتعبير" طريق الحرير" أحبّ
الإشارة إلى أنّ هذه التسمية لا هي تسمية صينيّة، ولا هي تسمية عربيّة، بل هي
تسمية ألمانيّة، حديثة، وضعها الجغرافيّ الألماني فرديناند فون رايختوفن في أواخر
القرن التاسع عشر وتحديداً في عام 1877، ليشير إلى شبكة المواصلات الأخطبوطيّة التي
كانت القوافل تتبعها في سيرها من الشرق الأقصى إلى الغرب على امتداد مئات السنين.
سأتناول بعض النقاط التي تطرّق إليها ابن
بطوطة خلال إقامته في الصين، وستكون وقفتي الأولى عند فنّ التصوير الصيني.
1- النقطة
الأولى أو اللقطة الأولى التصوير:
وسيكون المفكّر الفرنسيّ المرموق Régis Debray رجيس دبريه ( وهو كان أحد مستشاري الرئيس
الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران) مدخلي إلى
عالم التصوير، وإلى رأي ابن بطوطة في الرسم الصينيّ. ينقل دبريه في مقدمة كتابه
الجميل " حياة الصورة وموتها"
(Vie et mort de l’image) حادثة طريفة وقعت في قصر أحد
أباطرة الصين إذ طلب الإمبراطور من أحد رسّامي القصر محو الشلاّل من إحدى اللوحات
الجدارية المرسومة في حجرة نومه لأنّ خرير مياه الشلال الهادر المتدفّق من اللوحة
الجدارية يؤرق عينيه ويضجّ في مسمعيه ويمنعه من النوم!. هذه النادرة الإمبراطوريّة
مع الصورة لها أشباه ونظائر كثيرة في التراث الصينيّ، تشير إلى تلك العلاقة
الحميمة التي تعقدها حواسّ الصينيّ الخمس - وليس حاسّة النظر وحدها - مع الصورة.
فحاسة السمع، هنا، كما
نرى لم يكن غائبة في سلوك الامبراطور.
أردت ان تكون هذه الطُّرفة مدخلاً لحكاية
وردت في رحلة ابن بطوطة التي توارى اسمها الفعليّ من الاستعمال، وصرنا نكتفي
باستخدام عبارة «رحلة ابن بطوطة» للإشارة إلى كتابه، ولا بأس من التذكير بعنوان
الرحلة الأساس الذي يوجز فحواها، وهو: «تحفة النظّار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار».
العناوين ليست مجرّد ديكور، وعنوان الرحلة المسجّع ليس مجرّد زخرفة أو لعبة لغويّة بل هو تكثيف لما في الكتاب، فهو تحفة بصريّة،
تحفة، فعلاً، للنظّار، إذ في أمكنة كثيرة،
يجد القارىء أن حاسّة النظر تنشط وهي تتبّع السرد الوصفيّ بتفاصيله المشوّقة،
وترسم صوراً ذهنيّة للمَشاهد التي يصفها ابن بطوطة أحياناً بدقّة عدسة كاميرا بين
يدي محترف، ( ورحلة ابن بطّوطة، في أي حال، من الكتب التي أغرت الرسّامين. فنحن
نعرف أنّ هناك مخطوطات استعانت بفنّ المنمنمات، اي تلك الصور الصغيرة الملونة، ذات
الألوان البهيّة، التي ترافق الكلمات في الكتب، وتحوّل الكلمات إلى لوحات مصوّرة. والمخطوطات
ذات المنمنمات تعني أنّها مخطوطات محظوظات نالت نصيباً من الاهتمام والرواج ، فهي
كتب مكلفة ماديا، والكتب كالناس منها من يكون حظّها يفلق الصخر كما يقال، ككتاب
كليلة ودمنة مثلاً الذي نجد له عدّة نسخ منمنمة أو مقامات الحريريّ التي قام
الرسّام الكبير الواسطيّ في تزيين صفحاتها برسومه، أو بعض كتب الإسراء والمعراج
الغنيّة بالمنمنمات. ورحلة ابن بطوطة لها بعض النسخ المنمنمة مما يعني أنّ لها بعض الحظّ والحظوة.
ولا يخلو الكتاب من غرائب وعجائب، وهو لا
يخفي ذلك، فغرائب الأمصار من موضوعاته، وعجائب ما شاهده ابن بطوطة في الأسفار،
أيضا، جزء من موضوعات الرحلة. الكتاب،
بالفعل، سيرة مغامر، ورحلة مشوّقة لجوّاب آفاق لا تتعب قدماه (يقال إنّ ابن بطوطة
قطع مسافة 120 ألفَ كلم على امتداد 28 سنة، وهي مسافة ليس من السهل قطعها، في
زماننا هذا مع توفر كلّ أسباب الراحة، فكيف بزمن كان السفر فيه على ظهور الخيل
والجمال أو متون السفن الشراعيّة التي تخضع لمزاج الرياح، وجنون الأمواج).
ويستفيد علماء الإناسة والاجتماع ودارسو عادات وسلوك
الشعوب والجغرافيون والمؤرّخون من محتويات حكاياته التي تشبه الوثائق الحيّة
النادرة. فثمّة في رحلته من أمور الهند مثلاً ما لا نجده عند غيره، وبعض مجاهل
افريقيا كانت كتاباته في وصفها هي أوّل شيء يكتب عنها. ولقد ترجمت رحلته الممتعة،
لأهميتها الوثائقية، الى أكثر من أربعين لغة كالفرنسية ( ترجمت الرحلة عام 1858
بقلم المستشرقين C. Defremery et B.R. Sanguinetti ، والإنكليزية، والألمانيّة (وصدر كتاب حديثا في الألمانية عن ابن بطوطة
وخطّ رحلته) ، والصينية على يد المستعرب البروفيسور
فريد لي قوانغ بين الذي يقول " ترجمة
هذا العمل استغرقت مني 20 سنة كاملة، عبر العودة إلى مائتين وأحد عشر نوعاً من
المراجع، أضفت للنسخة المترجمة أكثر من 1100 ملاحظة، لمساعدة القارئ على فهم صعوبات
الكتاب. وبعد نشر العمل، أرسل إليّ ملك المغرب رسالة شكر خاصة، أثنى فيها على
المعاني الهامّة لنشر هذا الكتاب في الصين، حيث قال أي الملك : "انّ هذا
بمثابة تأسيس سفارة دائمة لإبن بطّوطة في الصين."
وقد نظمت لجنة
بلدية مدينة تشوان تشو ( أول مرسى دخلها ابن بطوطة في الصين وسمّاها مدينة الزيتون)
حفلاً بمناسبة صدور الترجمة حضره قادة إقليم فوجيان والبلدية وسفراء عرب وأعضاء من
جمعية دراسة تاريخ المواصلات البحرية. كما تمّ بالمناسبة وضع تمثال للرحّالة
المغربيّ الذي يرمز للصداقة بين الصين والبلدان الإفريقية والعربية والإسلامية .
كان ابن بطوطة يتكلّم حين حديثه عن عالم
التصوير في الصين على الصناعة الصينيّة. ونظرته مغايرة تماماً لنظرة العرب الراهنة
إلى الصناعة الصينية التي ترمز الى الرخص وعدم الإتقان. فعبارة " صناعة
صينيّة" المستخدمة والشائعة، لها دلالة اقتصادية، ودلالة لغوية، ولكن لها
أيضا دلالة " تضمينيّة" ، والدلالة التضمينية مصطلح لغويّ يقصد به ما
يضعه الإنسان من خلال تجربته الشخصيّة في العبارة. وأغلب الصراعات التي تعاني منها
الشعوب والحضارات يمكن أن ينظر إليها من باب الدلالات التضمينيّة. فماذا نقصد حين
نقول " بضاعة صينيّة"؟ ( ومن الطريف جمع الحكايات التي يتناولها الناس
حول عبارة " بضاعة صينية" وهي عبارة صادقة، ولكنها، في الوقت نفسه،
مخادعة. الخداع ماهر في استخدام أقنعة كرنفال البندقيّة! ). إنّ مقارنة عبارة
" بضاعة صينيّة" بعبارة "بضاعة ألمانيّة" أو " بضاعة
يابانيّة" تفصح عن المعنى الذي تحمله العبارة، إذ تأتي البضاعة الصينية من
خلال المعنى التضمينيّ في الدرجة الثالثة. و"الثالثة أو الثالث" كلمة
أيضاً شبيهة بعبارة " البضاعة الصينية " من حيث سوء الحظّ اللاحق بها،
فالعالم الثالث عالم لا يحسد على وضعه، وقد استعانت العربية بكلمة تعني "الثالث"
من إيطاليا، وصارت من الشيوع بحيث فقدت دلالتها الحقيقية، وصارت تعني الرديء، السيّء،
وهي كلمة " تارسو"، أي "عدم شرعيّ" كما يقال. ولكن الصناعة الصينية، بدأت فيما يبدو، تستعيد
ما كانت عليه في الماضي القديم أيام ابن بطوطة وقبل أيام ابن بطوطة ، حيث كانت
تعني "بضاعة صينية" ما تعنيه اليوم عبارة " بضاعة
ألمانية" أو "يابانيّة". يقول ابن بطوطة: «إن الصين من أعظم الأمم
إحكاماً للصناعات، وأشدّهم إتقاناً لها، وذلك مشهور من حالهم، قد وصفه الناس في
تصانيفهم فأطنبوا فيه». وهذا ما يقوله، أيضاً، صاعد الأندلسيّ صاحب كتاب «طبقات
الأمم»، والثعالبيّ في كتابه " ثمار القلوب في المضاف والمنسوب" يقول : " أهل
الصين مختصون بصناعة اليد، والحذق فى عمل الطرف. يقولون: أهل الدنيا ما عدانا عميٌ
إلاّ أهل بابل فإنّهم عور، ولهم الإغراب فى خرط التماثيل، والإبداع فى عمل النقوش
والتصاوير حتى إنّ مصورّهم يصوّر الإنسان، ولا يغادر منه شيئا ثمّ لا يرضى بذلك
حتى يصوّره ضاحكاً أو باكياً ثمّ لا يرضى بذلك حتى يفصل بين ضحك الشامت وضحك الخجل،
وبين المبتسم والمستغرب، وبين ضحك المسرور وضحك الهازىء فيركّب صورة فى صورة".
وكان ثمّة شبه إجماع لدى الكتاب العرب حول مهارة الصينيين الخارقة في التصوير،
فهذا ما نجده أيضا عند الجاحظ، وعند المسعوديّ الذي يقول:" وأما أهل الصين
فمن أحذق خلق الله كفا بنقش، وصنعة، وكلّ
عمل لا يتقدّمهم فيه أحد من سائر الأمم".
ومن له إلمام بالفنّ الصينيّ يعرف مهارتهم
في الرسم وقيمته الروحية في طقوس حياتهم اليومية، حتّى يمكن القول إنّ الرسم، في
الصين، عبادة. وثمة عبارة عربية تقول: «فضيلة العرب في لسانهم وفضيلة الصينيين في
يدهم»، وهذه الفكرة تظهر بوضوح في كلام لأبي حيّان التوحيديّ، فيلسوف الأدباء
وأديب الفلاسفة بحسب العبارة التي أطلقها عليه ياقوت الحمويّ حيث يقول التوحيديّ
بلسان أبي سليمان المنطقيّ أستاذِه في ميدان الفلسفة ما يلي:"نزلت الحكمة
على رؤوس الروم، وألسن العرب، وقلوب الفرس، وأيدي
الصين". ( حين نتكلّم على ألسنة العرب فإنما نقصد بها " فصاحة
العرب"، وما يعادل فصاحة العرب هو الصناعة الحرفية او اليدوية لأهل الصين، أي
اننا امام نوعين من الفصاحة أو البيان: بيان اللسان، وبيان البنان إن شئنا) ، فهم حرفيّون من الطراز الأول، ولأصابعهم
فصاحة ألسنة العرب وبيانُها! يقول ابن بطوطة: «وأما التصوير فلا يجاريهم أحد في
إحكامه من الروم، ولا من سواهم، فإنّ لهم فيه اقتداراً عظيماً».
ولكن التصوير لم يكن لمجرّد الرسم، بل كان له
مآرب أخرى، كعصا موسى، أمنيّة وتوثيقيّة وعمليّة. ولا يمكن لنا أن ننسى القول
الصينيّ المأثور الوارد في كتاب "المختارات أو الحوارات " الذي جمعه
تلامذة كونفوشيوس من حواراتهم معه: «الصورة تساوي عشرة آلاف كلمة». فالصورة، من
المنظور البلاغيّ، إيجاز، بينما الكلمة إطناب وإسهاب. يروي ابن بطوطة حكايته مع
الصورة في الصين، فيقول: «ومن عجيب ما شاهدت لهم من ذلك، أنّي ما دخلت قطّ مدينة
من مدنهم ثم عدت إليها، إلاّ ورأيت صورتي وصور أصحابي منقوشة في الحيطان والكواغِد
- أي الورق - موضوعة في الأسواق. ولقد دخلت الى مدينة السلطان فمررت على سوق
النقّاشين ووصلت الى قصر السلطان مع أصحابي، ونحن على زيّ العراقيين، فلما عدت من
القصر عشيّا مررت بالسوق المذكورة، فرأيت صورتي وصور أصحابي منقوشة في كاغدٍ قد
ألصقوه بالحائط، فجعل كلّ واحد منّا ينظر إلى صورة صاحبه لا تخطئ شيئاً من شبهه.
وذُكر لي أنّ السلطان أمرهم بذلك وأنهم أتوا الى قصره ونحن به، فجعلوا ينظرون
إلينا ويصوّرون صورنا، ونحن لا نشعر بذلك. وتلك عادتهم في تصوير كلّ من مرّ بهم.
وتنتهي حالهم في ذلك إنّ الغريب إذا فعل ما يوجب فراره عنهم، بعثت صورته الى
البلاد وبُحث عنه، فحيثما وجد شبه تلك الصورة أُخذ".
ولعلّ ما يقوله الرحّالة ابن بطوطة يؤكد
مقولة كنت قد قرأتها عن التجسّس الصينيّ ومفادها: «إن الصينيّ يتجسّس كما يتنفّس».
وللتجسّس
في الصين شأن عظيم، نظّر له صون تزه في كتابه "فنّ الحرب"، وخصّص له
الفصل الثالث عشر من كتابه. وهو الفصل الأخير، وإن كان ختام الأشياء مسكاً، فإنّ
التجسّس بمثابة "مسك الاستراتيجيا". وهذا الكتاب مستطير الشهرة على ضآلة حجمه،
ويعتبر أوّل كتاب في الاستراتيجيا والخطط الحربية، عمره ألفان وخمسمائة سنة على
وجه التقريب، بل هو كتاب مقرّر ليس في الكليات والمعاهد الحربية فقط، بل في أقسام
إدارة الأعمال في كثير من الجامعات الأميركية وغيرها من جامعات العالم. وكتب إدارة
الأعمال المستوحاة من كتاب صون تزه المكثّف يصعب تعدادها. ولا يمكن فصل اهتمام
الصينيين بالتصوير عن الاستراتيجيا الحربية، ومفهوم الأمن الوطنيّ. والتجسّس، في أية حال، ضرورة أمنية ووسيلة دفاعية، والدولة التي لا
تُعير جهاز تجسّسها الرعاية الكافية لا بدّ من الشكّ في حُكمها وحكمتها معاً! ولا
أعتقد أنّ أحداً يشك في حكمة بلد نسبت، منذ القدم، إلى أهله الحكمةُ المشرقية
الثاقبة.
ولكن ثمّة نقطة لم يتناولها ابن بطوطة في
حديثه عن الصورة إذ لم يذكر لنا هل اشترى هو وأصحابه صورهم أم أبوا ذلك تجنّباً
لإثم قد يلطّخ أياديهم المؤمنة باعتبار أنّ التصوير محرّم في الإسلام بحسب ما يذهب
إليه بعض الفقهاء العرب من المسلمين؟. فالنظرة للتصوير ليست
واحدة لدى كلّ المسلمين.
ومن الطريف، في أية حال، البحث عن صورة وجه
الرحّالة ابن بطوطة، (ثمة روايات عديدة تكون حبكتها الأساسية البحثَ عن مخطوطة!) في
أسواق الصين ومتاحفها أو في سجلاتها التاريخية التي كانت تقيّد كلّ شاردة وواردة
داخل أراضيها الشاسعة، فقد يتمّ العثور عليها، والدنيا لا تخلو من المصادفات
والأعاجيب! وتكون بذلك أول وأقدم صورة «منقوشة في الكاغِد» لرجل عربي، فاتن
السيرة، تصل إلينا من وراء أسوار الصين وتكون - اذا استعرنا مقطعاً من عنوان كتابه
- «تحفة النظّار»، نتعرّف من خلالها على ملامح وجهه الحقيقية بدل الاكتفاء بتأمل
ملامحه المتخيّلة.
والتنقيب لا يبخل، في أحيان كثيرة، بإطلاق
سراح المفاجآت الثرية والسارّة!.
ولقد ورد في رحلة ابن بطوطة، ولكن في غير
مجال الصين، كلام عن صورة رآها في كنيسة روسيّة، يقول ابن بطوطة: " ورأيت كنيسة
فقصدتها فوجدت بها راهباً، ورأيت في أحد حيطان الكنيسة صورة رجل عربي عليه عمامة
متقلداً سيفا، وبيده رمح، وبين يديه سراج
يوقد، فقلت للراهب: ما هذه الصورة؟ فقال : هذه صورة النبيّ عليّ، فأعجبت من قوله،
وبتنا تلك الليلة بالكنيسة". التعجّب هنا ليس من صورة النبيّ عليه السلام،
وإنّما من عدم تمييز الراهب بين صورة النبيّ، وصورة الإمام عليّ. والتباس أمر
النبوّة على الراهب. وبخصوص صورة النبيّ عليه السلام، أورد المسعوديّ في كتابه
" مروج الذهب ومعادن الجوهر" خبراً عن لقاء قرشيّ من أحفاد الصحابيّ ابن
الهبّار مع الامبراطورالصينيّ، ويروي القرشيّ كيف أنّ الامبراطور عرض أمام ناظري
القرشيّ صوراً لعدد من الأنبياء، وذكر منهم: نوح، وعيسى وموسى، وصورة للرسول عليه
السلام. فيقول المسعودي نقلا عن ابن
الهبّار: "رأيت صورة نبينا محمّد على جمل، وأصحابه محدقون به، في أرجلهم نعال
عربية من جلود الإبل، وفي أوساطهم حبال الليف، قد علقوا فيها المساويك". وكان
الدكتور ثروت عكاشة وزير الثقافة في عهد عبد الناصر، قد تلقّف خبر الصورة، وذهب إلى
بكين باحثاً في الأرشيف الصينيّ عساه يجد تلك الصورة، ولكنّه لم يعثر عليها، ونحن
نعرف أنّ الحروب والفتن تأكل الكثير من الأرشيف البشريّ.
النقطة الثانية
العملة الورقية
نحن نعرف أنّ
الورق هو صناعة صينيّة، تماماً كما الحرير، ولم يكشف سرّ صناعة الورق كما يذكر
المؤرخون العرب إلاّ بسبب وقوع صينيّ في الأسر في سمرقند، وأسر الصينيّ أفرج عن سرّ الورق. ومن سمرقند انتشرت صناعة الورق في العالم
العربيّ، ومن العالم العربيّ دخلت صناعة الورق الى أوروبا. ومن الشائع ان غوتنبرغ
هو من اخترع الطباعة، لكن الحقيقة العلمية تقول ان الطباعة ولدت في الصين قبل ذلك
بعدّة قرون، وهذا ما سيتبين لنا من كلام ابن بطوطة عن العملة الورقيّة، وكانت
الصين أوّل دولة في العالم تستعمل العملة الورقية على غرار ما نستعملها اليوم بدلاً
من الذهب والفضة أو بدلاً من الدنانير والدراهم. يقول ابن بطوطة: "أهل الصين
لا يتبايعون بدينار ولا درهم، وجميع ما يتحصّل ببلادهم من ذلك يسبكونه قطعا كما
ذكرناه، وإنما بيعهم وشراؤهم بقطع كاغَد (
وهي فارسية معربة بمعنى الورق) كل قطعة
منها قدر الكفّ مطبوعة بطابع السلطان وتسمّى الخمس والعشرون قطعة منها بالِشْت ( بباء
موحدة وألف ولام مكسور وشين معجمة ساكنة وتاء معلوة وهو يعني الدينار عندنا) وإذا تمزقت تلك الكواغد في يد إنسان حملها إلى
دار كدار السكّة عندنا فأخذ عوضها جددا، ودفع تلك ولا يعطي على ذلك أجرة ولا سواها
لأنّ الذين يتولون عملها لهم الأرزاق الجارية من قبل السلطان. وقد وكل بتلك الدار
أمير من كبار الأمراء، وإذا مضى الإنسان إلى السوق بدرهم فضّة أو دينار يريد شراء
شيء لم يؤخذ منه، ولا يلتفت إليه حتى يصرفه بالبالشت ويشتري به ما أراد.".
ولا يمكن تصوّر وجود عملة ورقيّة الاّ بوجود طباعة
قادرة على نسخ كثيرة متطابقة تعجز عنها
أيادي الناسخين. والفارق في الطباعة بين طريقة غوتنبرغ والطريقة الصينية هو ان
طريقة غوتنبرغ كانت متحركة بسبب طبيعة الفارق بين الكتابة الألفبائية المحدودة
الحروف والكتابة الصينيّة ذات الرموز الكثيرة.
بين القطن والحرير
في الصين
وبالنسبة
للحرير، فابن بطوطة يشير الى رخصه في الصين، فهو عندهم كثير جدّا لأنّ الدود تتعلق
بالثمار، وتأكل منها فلا تحتاج إلى كثير مؤنة، ولذلك كثر، وهو لباس الفقراء
والمساكين بها. ولولا التّجار لما كانت له قيمة، ويباع الثوب الواحد من القطن
عندهم بالأثواب الكثيرة من الحرير. ولفت نظره الرفاه الذي يعيش فيه الصينيّون،
فيقول: هم أهل رفاهية وسعة عيش إلا أنهم لا يحتفلون في مطعم ولا ملبس، وترى التاجر
الكبير منهم الذي لا تحصى أمواله كثرة، وعليه جبة قطن خشنة.
الأمن في الصين
استرعى الأمن
انتباه ابن بطوطة فيقول :" بلاد الصين آمن البلاد وأحسنها حالا للمسافر، فإنّ
الانسان يسافر منفرداً مسيرة تسعة أشهر، وتكون معه الأموال الطائلة فلا يخاف
عليها، وترتيب ذلك أنّ لهم في كلّ منزل ببلادهم فندقاً عليه حاكم يسكن به في جماعة
من الفرسان والرجال، فإذا كان بعد المغرب أو العشاء الآخرة جاء الحاكم إلى الفندق
ومعه كاتبه فكتب أسماء جميع من يبيت به من المسلمين وختم عليها، وأقفل باب الفندق
عليهم فإذا كان بعد الصبح، جاء ومعه كاتبه فدعا كلّ انسان باسمه، وكتب بها تفسيراً،
وبعث معهم من يوصّلهم إلى المنزل الثاني له، ويأتيه ببراءة من حاكمه أنّ الجميع قد
وصلوا إليه، وإنْ لم يفعل طلبه بهم، وهكذا العمل في كلّ منزل ببلادهم.
وفي هذه
الفنادق جميع ما يحتاج إليه المسافر من الأزواد وخصوصا الدجاج والإوز، وأما الغنم
فهي قليلة عندهم".
الشعوذة فاصل
ترفيهي
وذات يوم كان
ابن بطوطة مدعوا إلى حفل عند الأمير، وكان يتخلل هذا الحفل مشاهد ترفيهيّة، فيصف
لنا مقطعا من الحفل: "وفي تلك الليلة حضر أحد المشعوذين وهو من عبيد القان
فقال له الأمير: أرنا من عجائبك! فأخذ كرة خشب لها ثقب، فيها سيور طوال فرمى بها
إلى الهواء فارتفعت حتى غابت عن الأبصار، ونحن في وسط المشور أيام الحرّ أي الخان الشديد،
فلما لم يبق من السيور في يده إلاّ سير أمر متعلّما له، فتعلق به وصعد في الهواء
إلى أن غاب عن أبصارنا، فدعاه فلم يجبه ثلاثا فأخذ سكينا بيده كالمغتاظ وتعلق
بالسير إلى أن غاب أيضا! ثم رمى بيد الصبي إلى الأرض، ثم رمى برجله ثم بيده الأخرى
ثم بجسده ثم برأسه ثم هبط وهو ينفخ وثيابه ملطخة بالدم، فقبّل الأرض بين يدي
الأمير، وكلّمه بالصينيّ، وأمر له الأمير بشيء، ثم إنّه أخذ أعضاء الصبي فألصق
بعضها ببعض وركله برجله فقام سويا! فعجبت منه، وأصابني خفقان القلب (...) حين رأيت
مثل ذلك، فسقوني دواء أذهب عني ما وجدت.
وكان القاضي
فخر الدين إلى جانبي، فقال لي: والله ما كان من صعود ولا نزول ولا قطع عضو، وإنّما
ذلك شعوذة."
الاسلام في
الصين:
ويتبيّن لنا من
كلام ابن بطوطة ان المسلمين لم يكونوا قلّة في الصين، فهو يقول: " ولا بدّ في
كلّ بلد من بلاد الصين من شيخ الإسلام تكون أمور المسلمين كلّها راجعةً اليه، وقاض
يقضي بينهم". وفي مكان آخر يقول: "لكل مدينة من مدن الصين شيخ المسلمين". وكان
لهم جاليات مهمة، فيما يبدو، بشهادة ابن بطوطة فـ " في كلّ مدينة من مدن
الصين مدينة للمسلمين ينفردون بسكناها، بمعنى ان المسلمين كان لهم " سلام تاون" من وحي ما يسمّى بـ " شاينا تاون" في عواصم
العالم الغربيّ الآن. ولهم فيها المساجد لإقامة الجمعات وسواها وهم معظّمون
محترمون". وهذا له دلالات عن مدى انفتاح الصين الاجتماعيّ والدينيّ في ذلك
الوقت، أي في عهد سلالة يوان المغوليّة .
وإذا قدم
التاجر المسلم على بلد من بلاد الصين خيّر في النزول عند تاجر من المسلمين
المتوطنين ، أو في الفندق، فإن أحبّ النزول عند التاجر حصر ماله وضمنه التاجر
المستوطن، وأنفق عليه منه بالمعروف، فإذا أراد السفر بحث عن ماله، فإن وجد شيء منه
قد ضاع أغرمه التاجر المستوطن الذي ضمنه، وإن أراد النزول بالفندق سلم ماله لصاحب
الفندق وضمنه، وهو يشتري له ما أحبّ ويحاسبه، فإن أراد التّسري اشترى له جارية
وأسكنه بدار يكون بابها في الفندق، وانفق عليهما.
والجواري
رخيصات الأثمان إلا أن أهل الصين أجمعين يبيعون أولادهم وبناتهم وليس ذلك عيبا
عندهم، غير أنهم لا يجبرون على السفر مع مشتريهم ولا يمنعون أيضا منه إن اختاروه،
وكذلك إن أراد التزوّج تزوّج، وأمّا إنفاق ماله في الفساد فشيء لا سبيل له إليه!
ويقولون: لا نريد أن يسمع في بلاد المسلمين أنهم يخسرون أموالهم في بلادنا فانّها
أرض فساد وحسن فائت!!
ونرى من خلال كلام
ابن بطوطة ان التعاضد بين المسلمين المقيمين والوافدين من التجّار المسلمين كان
متيناً ومفعما بروح الأخوّة الدينيّة، وهؤلاء التّجار لسكناهم في بلاد الكفار كما
يقول ابن بطوطة إذا قدم عليهم المسلم فرحوا به أشدّ الفرح، وقالوا: جاء من أرض
الإسلام، وله يعطون زكاة أموالهم فيعود غنياً كواحد منهم. أي كما نول في عاميتنا
" بيتروحن فيّن".
ولكن يبدو أن
الإقامة لم تطب له في الصين ( Nanchang (la Kadjenfu d’Ibn Battûta)
التي يسميها ابن بطوطة قنجنفو ) يقول: بلاد
الصين على ما فيها من الحسن لم تكن تعجبني، بل كان خاطري شديد التغيّر بسبب غلبة
الكفر عليها،( فهو ليس في دار الإسلام)، فمتى خرجت عن منزلي رأيت المناكير الكثيرة ومن
هذه المناكير (وكفار الصين يأكلون لحوم الخنازير والكلاب ويبيعونها في أسواقهم،)،
فأقلقني ذلك حتّى كنت ألازم المنزل فلا أخرج الاّ للضرورة. وقوله هذا لم يمنعه من
أن يكون موضوعيا في وصفه ما رأى.
خاتمة
وأختم كلمتي بشهادة الرحّالة الألمانيّ
الشهير ولريش ياسبر زيتْسن (Ulrich Jasper
Seetzen ) (1767 - 1811 م) يقول:
أيّ مسافر أوروبي، في هذا العصر، يمكنه
الافتخار بأنّه خصّص قدر هذا الزمن، الذي يبلغ نصف حياة الانسان، في سبيل ارتياد
مثل هذا العدد من البلدان السحيقة، وذلك بشجاعة لا يزعزعها شيء، وبتحمّل المشقات
العديدة؟ بل أية أمّة أوروبية كان يمكنها، لخمسة قرون خلت، إيجاد مسافر يجوب
المناطق الأجنبية، بمثل هذا الاستقلال في الحكم، وبمثل هذه المقدرة على المراقبة،
وبمثل هذه الدقّة في كتابة الملاحظات، التي اتصف بها هذا الشيخ المغربيّ المشهور.
بلال عبد الهادي
Esentemur al-Gurdji (le Géorgien), gouverneur de
Tripoli en 1301, de Hama en mai 1310, d’Alep en novembre de la même année,
arrêté et exécuté quelques mois plus tard.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق