كثيراً ما كنت أستوحي أشياء من سلوك أبي وشخصيته في مقالاتي والحكايات التي كنت أنشرها دون الإتيان على ذكر اسمه، أشياء من كهولته أو صباه أو طفولته ، ففي هذا المقطع من مقال نشرته في كتابي #لعنة_بابل بعنوان : في ملعب اللغة تحدّثت عن ( رجل مسنّ) خلال جزء من المقال، ولم يكن ما كتبته عن ذلك الرجل المسنّ إلاّ بعض ملامح أبي:
" كنت قد قرأت نصّاً لناسك بوذيّ يقول فيه: " من يملك ناصية فنّ الحياة لا يفرق كثيراً بين عمله ولعبه، بين كدحه وفراغه، بين عقله وبدنه، بين تعليمه واستجمامه، لا يكاد يعرف هذا من ذاك، انه ببساطة يتبع رؤيته للتفوّق في أيّ شيء يفعله، تاركاً للآخرين أن يقرّروا ما إذا كان يعمل أو يلعب، أمّا هو فانّه دائماً يفعل كليهما". ولقد استوقفتني في النصّ هذه المهارة الفائقة في محو الحدود بين اللعب والعمل، ولا شكّ في أن النظر إلى العمل على أنّه ضرب من اللعب محاولة بارعة للتعامل معه برحابة صدر. وليس ذلك البوذيّ وحده من كان لا يفرق بين اللعب والعمل، بل إني أعرف رجلاً مسنّاً طوى ثلاثة أرباع القرن من عمره وهو لا يزال يستخدم عبارة "تسلية" قاصداً بها لحظات العمل الجادّ والمثمر الذي يقوم به".
وكان أبي تغمّده الله برحمته الواسعة على هيئة ذلك الناسك البوذيّ وكانت تدهشني طريقته في استخدام كلمة " تسلية" ومشتقاتها في مواطن الأعمال التي تتطلّب شيئاً من المشقّة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق