قد نجدُ اليوم أنّ الباحثين في علوم اللغة والدارسين لها هم قلّة بعددهم، غير أنّ الحكم على فكرة الأقلّية بالضعف هو حتى في المجالات الأكاديميّة حكم جائر، فلطالما كان لهذا المصطلح صولاته في إبراز قوّة خاصة لهذه الفئة، قوّة تتميّز عن قوّة الأكثرية بالكيف.
ويعدّ الدكتور بلال عبد الهادي واحداً من الأقليّة التي كان لها شغلها في هذا المضمار الواسع، فأستاذ الألسنية في الجامعة اللبنانية له أبحاث رائدة حول مسائل اللسان ومقارناتها بشؤون الحياة العامة واليوميّة، بالإضافة إلى اهتمامه بالثقافة الصينية وبحثه الطويل فيها، ولعلّ هذه الأبحاث لها شأنها في المشاريع الضخمة اليوم القائمة على إحياء طريق الحرير بين الشرق الأوسط والشرق الأقصى، عدا عن عمله في الصحافة العربية والفرنسية فترة التسعينيات ومطلع الألفية الحالية.
هنا حوار مع عبد الهادي يتطرّق فيه، من ضمن أمور أخرى، إلى الانتفاضة الشعبية في لبنان عبر المقاربة اللغوية فيؤكد أن اللغة في الثورات هي مكوّن من مكوّنات سيمائيّة عديدة: الألوان، الملابس، القبضات، الخيم، وأنه حين تقرأ الشعارات إنّما تقرأ أحلام الناس، انكساراتهم، وسخريتهم. فالإنسان يحارب بالضحكة كما يحارب بالصرخة، ويحارب بالكلمة كما يحارب بالصورة والكاريكاتور.
1- بدايةً ينبغي التطرّق إلى اختيارك
لعلم اللغة الحديث في دراستك الجامعية بادئ الأمر، وفي بحوثك وعملك في الصحافة فيما بعد، ما الدافع الأساسي لاختيار هذا المضمار عن غيره؟
لعلّ الجراحة هي ما أخذني إلى اللغة. كنت أودّ أن أدرس الجراحة، فجاءت الحرب الأهلية، واختلت الحياة والمسارات والأحلام والمشاريع إلى أن حطّ بي الترحال في عالم الأدب، أو عالم القراءة، ولكن لم أنس رغبتي الأولى في دراسة الجراحة، لولع بما لا تراه عيني، فالجراحة علاقة مع الأحشاء، ووجدت أن علم اللغة شكل من أشكال الجراحة اللغويّة ، شقّ اللفظ بمبضع لغويّ للوصول إلى المعنى، المعنى أحشاء اللفظ.
2- من الواضح أنّك تهتمّ باللسان اليومي من خلال مقاربتك للكلام المحكيّ اليومي بالألسنية، وكأنّك تكرس صفة القناص للباحث اللغوي الهاوي لصيد عبارات هي مرآة المجتمع. كيف تفسّر الصلة بين اللسان الناطق وتطوّر اللغات والألسن؟
تفتنني العبارات الشائعة في لغة ما، العبارات التي نكتبها أو نحكيها، العبارات الشائعة تحكي، تروي لنا سيرة شعب أو سيرة شخص، والعبارات الشائعة لها خطّ بياني يرافق المجتمع صعودا وهبوطا، هي إلى حدّ ما تشبه الموضة، فالموضة لا تؤمن بالثابت، ولا بالتواري ، فما يتوارى اليوم قد يعود إلى الظهور في فترة ثانية، وطريف مطاردة العبارة، واستخدام الكاميرا الخفية في تصوير سيرها، ألا نقول: الأمثال السائرة؟ كلمة " السائرة" هنا بحرفيتها فتحت لي درباً لغوياً محبّبا إلى قلبي، فلقد قرأت مثلا عبارة " نعود بعد قليل" التي يعلقها البعض على باب محلّه، كلمة بسيطة ولكنّها حمالة دلالات على طريقة استخدامنا للوقت. وكلمة " ما بأثّر" التي تطفر من الأفواه في لحظات تواصلية وسياقية متعددة. ماذا يفعل بنا هذا التعبير؟ إلى أي مكان يأخذنا؟ ما الدور الذي تؤدّيه هذه العبارة في اضطهاد الإتقان مثلا. أنظر إلى هذه التعابير نظرتي إلى ال ADN ، فهذه التعابير هي ADN الشعوب والأرواح والمجتمعات.
أما بالنسبة للسان الناطق فهو اللسان الحيّ، الكلام سيّال كما الأنهار ، ومن الطبيعي أن يتغيّر، فاللعة الواحدة كما الشخص الواحد على مستوى الشكل وعلى مستوى المضمون. وجهي اليوم ليس هو وجهي قبل ثلاثين عاما، بشرة وجهي تغيّرت، وبشرة اللغة كبشرة الوجه، هل ألوم بشرتي لأنّها تغيّرت؟ وهل ألوم طريقتي في التفكير اليوم لأنّها اختلفت عن طريقتي في التفكير السابقة؟ أتعامل مع اللغة كما أتعامل مع جسدي، وأتعامل مع لغتي كما أتعامل مع أفكاري. وكلّ إنسان يلحظ تطوّر اللغة الواحدة في بيته نفسه، فلهجتي في الكلام غير لهجة ابني ، ولهجة ابني بخلاف لهجة ابنتي، هذا طبيعيّ . ومن اللاطبيعيّ التعامل مع اللغة كما كان يتعامل المجتمع الصيني مع أقدام المرأة!
3- في مقالك "الفراهيدي والقرصان الرقمي" تحدّثت عن تدوير المصطلحات عبر الزمن من خلال تحوّل مصطلحٍ مهمل في "كتاب العين" إلى مستعملٍ وبالعكس، ما هي المعايير التي يمكن وضعها لدراسة المصطلحات من خلال اهمالها واستعمالها؟
المعيار الأوّل هو الاستعمال، ولكن علينا عدم ترك الاستعمال على حلّ شعره، علينا أن نراقب حركة الاستعمال، وحركة الاستعمال حركات، فحركة استعمال مفردة في لبنان هو غير حركتها في المغرب أو مصر أو الأردن. ودراسة الاستعمال يحتاج إلى جهود جبّارة ورصد يوميّ، وهذا لا يمكن أن تقوم به مجموعة صغيرة أو فرد بعينه. هناك دول كثيرة تهتمّ بالتخطيط اللغويّ كالصين واليابان وإسرائيل وغيرهم من بلدان، فالصين مثلا تقوم سنويّا بما يمكن أن أسمّيه دراسة حركة البورصة اللغوية. فالكلمة لا تغرّد خارج السرب، ولا تعيش في عزلة، يدرسون أسباب ارتفاع أسهم كلمة أو انخفاض أسهم تعبير، وهذا يساهم في تكوين الشبكة اللغوية التي تحيط بالمجتمع. فكل مجتمع هو شبكة لغويّة. المجتمع ليس أخرس. والمفردة الواحدة قد تنام دهراً من الزمان كنومة أهل الكهف أو كنومة الأميرة التي أيقظتها قبلة أمير، وقد يجيء ظرف يشبه قبلة الأمير فيوقظ كلمة ويسند إليها مهامّ جديدة، ودلالات جديدة. قوّة أيّ مفردة تكون في قدرتها الخارقة على حمل أكثر من بطيخة دلالية في يد واحدة. وعلى اللغويّ أو يكون براغماتيا في علاقته مع اللغة وليس دكتاتوراً، ولعلّ كتب " قل ولا تقل" هي شكل من أشكال الدكتاتورية اللغوية، فاللغة كالمدن. هل وجدت مدناً بلا مقابر؟ ولكن الفرق بين المقبرة اللغوية والمقبرة البشريّة هو أن لا أحد يعرف متى تنفض مفردة الرفات عن روحها وتعود لممارسة حياة طبيعية ومعاصرة وحيوية. مصير المفردة عن عين الراصد مغيّب!
٤- تتنوّع مصادرُ بحثك بين المصادر اللغوية التراثية (إبن منظور، ابن جني...) والمراجع الحديثة العربية والأجنبية (عبد السلام المسدي، فرديناند لوسوسير...). ما هي الأسس التي تبني عليها قراءاتك بشكلٍ عام؟
قرّرت أن أستوحي طريقتي في القراءة من جملة أمور نلحظها في الحياة:
طريقة النحل في صيد الرحيق.
طريقة الناس في الأكل.
طريقة النهر في تعامله مع الروافد الوافدة إليه.
الطبيعة درس محنّك في الحكمة، ولعلّ من شروط الحكمة البراغماتيّة وامتلاكها ليونة تشبه ليونة جسد هرّ. وهنا يحضرني نصّ لابن المقفّع عن طريقة تعلمّه حتّى ممّا لا يخطر لنا أحيانا أن نتّخذه أستاذا لنا، يقول:
"أخذت من كلّ شيء أحسن ما فيه حتّى من الخنزير والكلب والهرّة، أخذت من الخنزير حرصه على ما يصلحه وبُكورَهُ في حوائجه، ومن الكلب نصحه لأهله وحسن محافظته على أوامر صاحبه، ومن الهرّة لطف نغمتها وحسن مسألتها، وانتهازها الفرصة في صيدها".
وهكذا تعلّمت من النحلة التي لا تكتفي بنوع واحد من الزهور لاصطياد الرحيق، فقلت عليّ أن لا أحبس نفسي في تخصّصي. الانحباس في تخصّص واحد يلوّث أوكسجين الفكر. فتعدّدت قراءاتي ولكن كنت أتعامل مع ما أقرأه من منظور لغويّ، أي كنت حتّى ولو كنت أقرأ كتاباً عن التواصل بين الأشجار في الغابات أبحث عن وجه الشبه بين الشجرة واللسان. وإن كنت أقرأ كتاباً عن ثقافة الطعام في حضارة ما أبحث عن وجه الشبه بين الطعام والكلام، وإن كنت أقرأ كتاباً في إدارة الأعمال كنت أعقد مقارنة بين إدارة الأعمال وإدارة الكلام، وهكذا، فوجدت أنّه انفتح أمامي باب يشبه باب خزانة أليس في بلاد العجائب، واللغة عجيبة ، بل آية إلهيّة . كلّ الكتب بشتّى تخصصاتها تأخذك إلى مكان يشبه شبكة، فكتاب في البيولوجيا هو خيط من شبكة المعرفة الكبرى، كل كتاب فراشة. وتعرف المصطلح الذي يرفرف بأجنحة الفراشة وهو " أثر الفراشة". وفي كتابي " الكتابة على جلدة الرأس" عدّة مقالات عن دور البيولوجيا في توليد نظرية فلاديمير بروب في السرد، أو دور علم الاجتماع في توليد نظرية دوسوسير، وعن الرياضيات في توليد معجم العين للفراهيدي. الاكتفاء بتخصص واحد واحد يسبب الترهل الفكري والجسدي والروحي. الاكتفاء بتخصص واحد يشبه نوع واحد من الطعام بشكل يومي في الوجبات الثلاث. ويعجبني اللون الداخل في الطعام، فنحن نقول ألوان الطعام، ولا يصبر الواحد منّا مهما كان متقشّفاً على لون واحد من الطعام. التنوّع علامة من علامات الصحة، وهذا أحد أسباب قراءتي صباحاً للجاحظ، ومساء لرولان بارت مثلا، وقراءة كونفوشيوس ظهرا. ولعل أفضل ما يترجم طريقتي في القراءة، هو ما قالته لي ذات يوم ابنتي حين كانت تتجوّل في مكتبتي:
"يا بابا يللي بفوت ع مكتبتك ما بيعرف شو دارس أو شو تخصّصك".
اكتشفت ان من يدخل عالم اللغة يدخل عالم الأشياء كلّها، فالدنيا نصّ مديد، وارف الأغصان، نصّ نظلّ في بداياته.
ويمكن القول إنّ طريقتي في القراءة هي نفسها طريقتي في الكتابة.
٥- تعودُ إلى التراث العربي من خلال الحكاية والنادرة، كما في مقاليك "خرافة العذري" و"كلب الشاعر ابن جهم" على سبيل المثال. أمن الضروري اليوم، من وجهة نظرك الخاصة، استعادة التراث العربي القديم؟ كيف؟
التراث جزء من حاضرنا، لا يمكن لأيّ زمن أن يعيش كغصن مقطوع من شجرة. التراث ضرورة. التراث تاريخ، هل نلغي دراسة التاريخ، الجغرافيا من يشكّلها؟ أليس الزمن الماضي يعيش بين ظهرانينا ؟ التراث لا مفرّ منه. مشكلتنا ليست مع التراث وإنّما في طريقة نظرتنا للتراث. الحاضر نظرة. والنظرة ليست مسألة بيولوجية وإنّما في جزء كبير منها نظرة ثقافيّة. البيولوجيا أداة ثقافيّة. الانحباس في الحاضر احتضار، الانحباس في الماضي احتضار، العيش في المستقبل احتضار، الإنسان الطبيعيّ جوّال في الأزمنة. فكلّ إنسان هو إبن لأب ، وأب لإبن. أنت ككائن حيّ همزة وصل أو جسر بين أب وحفيد. إدارة الظهر للأب عقوق، وإدارة الظهر للماضي عقوق. ولا تخلو أحوال بعض الناس من عقوق ، كما لا تخلو الدنيا من عزّاب، ولكنّها حالات استثنائية. الزواج حالة طبيعية، والتزاوج بين الأزمنة حالة طبيعيّة. الصين اليوم بعد أن استعادت زمام نفسها استعادت تاريخها، فاختارت لمعهادها في تسويق لغتها وثقافتها حكيمها العريق كونفوشيوس وليس ماو تسي تونغ. في حين أنها في فترة الخلل قامت بتحطيم ما أسمته دكاكين كونفوشيوس. انظر إلى اليابان هل تخلّت عن ماضيها وأساطيرها المؤسسة؟ أبدا! اعتبرت ماضيها منصّة إقلاع إلى المستقبل. الأزمنة الثلاثة أشبه بمكوّنات طبخة. ماذا تفعل إذا كنت تملك كلّ مكوّنات الطبخة ولكنّك لست طبّخاً؟ ستنتج طبقاً لا يؤكل. فلا بدّ من الأزمنة الثلاثة ولكن ذلك يتطلّب أن تحسن فنّ الطبخ الحضاري. مشكلة العربيّ اليوم أنّه لا يحسن الطبخ.
لست على خصام مع الماضي. ولكن لا أريد حبس الماضي في الماضي. الماضي متحرّك، وكثيرا ما أستلهمه في تناولي لأشياء حديثة. أوديب شخصيّة خرافية قديمة، ولكن هل حبسها فرويد في ماضيها أم أحضرها إلى علم النفس الحديث. لعبة الأقنعة لا تنتهي! والماضي قناع. أليس هذا ما فعله صلاح عبد الصبور في الحلاّج أو أدونيس في أغاني مهيار الدمشقيّ. التعصب بحدّيه الماضويّ والحداثويّ مضرّ بعافية اللغة، وعافية الفكر، وعافية الحاضر. ما أكتبه عن الماضي لا يزال حاضراً وفاعلاً في حاضرنا، فالإنسان واحدٌ مهما تقلّبت الدنيا. على سبيل المثال ، الإسكندر كان لا يستغني عن ملحمة الإلياذة في حلّه وترحاله، كانت الإلياذة كتاب وسادته كما لو أنّ التاريخ هو قوقعة السلحفاة التي تحميك وتنير لك الطريق، ولكن في الوقت نفسه علينا أن نتعامل مع الماضي كما لو كان كتاباً مفتوحاً على التحولات والتغيرات والتأويلات. التاريخ ليس نصا حجريا، وليس نصاً نهائيا. طريقتنا في قراءة التاريخ قد تجعله أجنحة ولكن قد تجعله أصفادا.
٦- تشدّد على ضرورة التمسكّ باللغة العربية ناسفاً بالمقولة الشائعة عن صعوبتها، وتقول بتساوي اللغات مستنداً لعبارة ابن حزم الأندلسي "العربية ليست أفضل اللغات" في كتابه "الإحكام في أصول الأحكام". أيمكن أن نضع هذه المقاربة في خانة العولمة اليوم؟
يقال " اللغة الأمّ" ، آخذ هذه العبارة بمعناها الحرفيّ، ومنها انطلق إلى بناء علاقتي مع اللغة العربيّة. لا أطيق العقوق، من الطبيعيّ أن يحبّ الانسان أمّه، وعليه من الطبيعيّ أن يحبّ لغته. حين تجد شخصاً لا يحبّ أمّه تتساءل، تستغرب، تدين، تتهّم. وتعرف أنّ ثمّة مشكلة ما، مشكلة نفسية عاتية، أزمة معيّنة. الصعوبة مسألة نسبيّة كما كلّ شيء. كل طفل أيّا كانت لغته يكتسبها في وقت قياسي ويتقنها في وقت قياسي. الصعوبة في نظري ليست بنت اللغة وإنّما بنت تعليم اللغة. على سبيل المثال ، عندي موقف سلبيّ من الشواهد النحويّة، وهي شواهد شعريّة، لا نزال نكررها هي نفسها في المقررات النحوية في الجامعة. سؤالي : هل اللغة شعر أم نثر؟ في نظري الشعر هو استثناء لغوي ، فهل ننطلق من الاستثناء في تعليم لغة ما أم ممّا هو عام، شائع، مألوف. نرهق الطالب بالاستثناءات. صعوبة العربية آتٍ من مناهج تعليم اللغة. وإلا ما معنى أن يقضي الإنسان عدّة سنوات في تعلّم النحو والقراءة ثمّ تراه يرتكب الأخطاء المتعددة حين يقرأ نصّاً عربيّاً بسيطاً في جريدة أو مجلّة؟ لا يمكنني إحالة الأمر إلاّ على خلل منهجيّ في تعليم اللغة.
اللغة العربيّة على ضعفنا لا تزال لغة مطلوبة في العالم، وهذه فرصة ذهبيّة لا تصحّ لأيّ لغة. فاللغة العربيّة، اليوم، تأتيها قوّتها من عنصرين: ديني واقتصادي أي من عنصرين قديم وحديث. القديم دينيّ، والحديث نفطيّ. الطاقة رافعة لغوية، والدين رافعة لغوية. النفط مسوّق لغويّ بامتياز، وكذلك الإسلام. ما عدد الذين تربطهم بالعربية علاقة روحية وحميمة؟ كل مسلم هو طالب بالقوّة للغة العربيّة، فتخيّل السوق اللغويّ الكبير للغة العربيّة. ولكن ماذا نفعل؟ كيف ندير هذه الفرص؟ للأسف، العربيّ يعيش في زمن إضاعة الفرص، ويعيش في زمن الاستهلاك اللغويّ والفكري والاقتصادي والصناعي والتكنولوجي. ولكن رغم كلّ هذه الإعاقات لا تزال العربيّة قادرة على التأقلم مع الأزمات، ولعلّ ذلك بفضل الثورة المعرفيّة في هذا الزمن المعولم. ولي كل الثقة بالهاتف الذكي الذي لا يزال في مطلع شبابه، وسيكون له من التأثير على مختلف المستويات أكثر بكثير ممّا كان عليه تأثير الورق والطباعة على صعيد الأفكار وإنتاج التغيّرات الاجتماعيّة والسياسيّة والروحيّة. العولمة هاتف ذكيّ بين يديك، أنت لست حيث أنت وإنّما حيث تحبّ أن تكون. بلمسة زرّ تنتقل من قارّة إلى أخرى، ومن زمن إلى آخر، ومن لغة إلى أخرى. يقع على عاتق الهاتف مهمّة وهي محو الأمّية. هل زاد أم نقص عدد القراء بوجود الهاتف الذكي؟
٧- بالحديث عن العولمة لك مقولة مهمّة في هذا المضمار "غوغل سلطانٌ لغوي"، وكأنّك بشكل أو بآخر تقوم بتصويب أدوار وسائل التواصل والبحث العنكبوتية وتنادي بإحسان استخدامها في البحث والدراسة والعمل. ترى كيف تجد علاقة العربي بهذه الوسائل، هل ثمّة تطوّر في هذه العلاقة أم جمود؟
لغوغل سلطان لغويّ لا يستهان به، وسلطان غير لغويّ أيضا. غوغل يضع العالم بين يديك لكأنّه فانوس علاء الدين السحريّ. نحن، اليوم، على علاقة لمسيّة مع العالم. ألم تكن علاقة علاء الدين ، في أيّ حال، مع الفانوس علاقة لمسيّة؟ غوغل مسرح يعجّ بالحياة والأحداث اللغوية وغير اللغويّة. ومن الأشياء المهمّة في غوغل أنّه ليس دكتاتوراً لغويّاً، ولا يقمع أصابع أحد، يستقبل كلّ شيء، ويترك للاستعمال مهمّة الغربال. والاستعمال غربال فطنّ ومتحرّك ، عقليته ليست متحجّرة، عقليته تشبه عقلية اللغة نفسها، عقلية براغماتية، ولكن العقليّة البراغماتية لا ترضي كلّ الناس، لأنّها عقليّة غير ثابتة، يقينيّاتها محلّ تساؤل، وثمّة أناس يعتبرون اليقينيّات فراشاً وثيراً، وهؤلاء يعتبرون غوغل " مشاغباً لغويّاً"، و " مهرطقاً لغوياً". أنظر إلى غوغل نظرتي إلى البورصة، فهو يخبرني عن ارتفاع أسهم مفردة أو انخفاض أسهم مفردة، يحدّثني عن شعبيّة هذه المفردة أو شعبية تلك العبارة، يرسم لي الخطّ البياني بكلّ تشعباته للحراك اللغويّ في الشبكة اللغويّة، وهو في نظري يقوم بما عجزت عن القيام به مجامع اللغة العربيّة، المجامع تسير سير السلحفاة، وغوغل يقفز قفز الأرانب. ونحن، اليوم، في زمن السرعة. وأحبّ عقد مقارنة بسيطة بين العربية في زمن الجريدة الورقية، والعربية قبل زمن الجريدة الورقية، والعربية في ظلّ الجريدة الرقمية، انتقلت العربية في زمن الجريدة الورقية من الجمود إلى الحيويّة، الجريدة حرّرت العربيّة من الألاعيب اللفظيّة إلى حدّ بعيد، والجريدة الرقميّة حرّرت العربيّة من الورق وربطتها بالضوء، والضوء يلائم عصر السرعة. لا نزال في بداية التغيرات العاصفة والجذريّة التي أدخلها العصر الرقميّ إلى عالم اللغة، وهو تغيّر يعمل في نظري لصالح اللغة. ووسائل التواصل الحديثة أعادت عددا كبيراً ممّن غادروا عالم القراءة والكتابة إلى عالم القراءة والكتابة. للورقة هيبة لا تعرفها شاشة الهاتف، والهيبة ليست دائماً شيئاً إيجابيّاً. ولهذا نرى انبثاق الجرأة من كثير ممّن يكتبون بأصابعهم على خلاف الكتابة بالأقلام.
أليس الكتاب الورقيّ اليوم هو نسخة من الكتاب الرقميّ؟
انقلبت الآية كما يقال ولكن لصالح حيويّة اللغة لا لصالح جمودها.
٨- تتحدّث أحياناً كمن يبدو منبهراً بالثقافات الأجنبية وتبعاتها وآثارها على شعوبها كافة، فيما تشجع طالب العلم والدارس لتعلم لغاتٍ غير لغته الأم لما فيها من فوائد على اللغة الأم نفسها. هل تحاول إرساء دعوة لاقتداء الثقافة العربية بتلك الثقافات؟ ما هي النقاط التي ينبغي على الأولى العمل عليها لأجل ذلك؟
يقول العالم اللغويّ الشهير بلومفيلد صاحب المدرسة السلوكيّة في اللغة أنّ أحد أسباب ولادة الفلسفة في اليونان هو أنّ الشعب اليونانيّ كان يتميّز بالاندهاش، والاندهاش هو اعتراف بالجهل. هل رأيت طفلا لا يندهش؟ ولكن الاندهاش - وأفضّل كلمة الاندهاش على كلمة الانبهار- يجب أن يكون مقترناً بالفضول. هل رأيت طفلاً لا يتمتّع بالفضول؟ الفضول فضيلة، الفضول أمرٌ فطريّ، وكان الخليل بن أحمد يعطي تعريفاً طفولياً جميلاً للإنسان، فيقول: الإنسان سؤول عقول. والطفل يولد وفي عينيه دهشة، وما إن يبدأ بالكلام حتّى تقفز على شفتيه الأسئلة عبر أداتي استفهام " كيف"، و " لماذا" ( كيف وليش)، هل رأيت طفلاً لا يسأل؟ العالم لا يتخلّى عن طفولته، ولهذا تراه يستغرق في مسألة علمية بالطريقة نفسها التي يستغرق فيها طفل باكتشاف لعبة جديدة. العالَم في نظر العالم لعبة.
ولهذا السبب أحبّ الاطلاع على ما لا أعرف لتسمرّ دهشتي، الحياة بلا دهشة تضرّ بالعافية، حتّى العمل الروتيني يمكن أن يمارسه المرء بطريقة غير روتينية. الإنسان يعيش في عالم مليء بما هو مدهش. واللغة شيء مدهش، واطلاعي على لغات الآخرين يمنح لغتي الأمّ مناعة معيّنة، ويسمح لي الاطّلاع على لغتي الأمّ من منظور مختلف. علم اللغة الحديث هو ابن شرعيّ للغات الآخرين، قاضٍ انكليزيّ هو وليم جونز تستهويه اللغات تعرّف خلال إقامته في الهند على اللغة السنسكريتية فانكشفت له قرابة لغوية وصلة رحم بين الإنكليزية والهندية واللاتينية وغيرهم من اللغات . الآخر ليس جحيماً، الآخر هو النعيم بخلاف ما يقوله الفيلسوف الفرنسيّ جان بول سارتر. اللغة المختلفة عن لغتك تضيء لغتك من زوايا لا تخطر ببالك، وعليه اطلاعي على لغات الآخرين هو في جزء منه تعميق علاقتي بلغتي الأم. وأعطي دائماً مثالاً بسيطاً، معرفتي بالفرنسيّة زوّدني بالقدرة على قراءة عشرات الكتب باللغة الفرنسيّة التي تتناول الحضارة العربيّة أو اللغة العربيّة فازدادت معرفتي بلغتي وحضارتي لأنّ العين الأجنبيّة ترى ما لا أراه فتريني ما لا أراه. وعلى المرء أن لا يقع في فخّ الاستلاب. لأنّ الاستلاب جذّاب ولكنّه مدمّر للإنسان من الداخل. الانبهار يعمي الأبصار بخلاف الاندهاش الذي يفتّح العيون على أسئلة بديعة. وحين أدعو إلى تعلّم اللغات أدعو في الوقت نفسه إلى علاقة حميمة وسويّة مع اللغة الأم. ما قيمة المرء إذا ربح لغات العالم وخسر لغة نفسه؟ أحبّ السياحة في لغات الآخرين ولكن لا أحبّ الإقامة إلاّ في لغتي الأم.
٩- تبدي مؤخراً اهتماماً عميقاً باللغة والثقافة الصينية، في وقت تُلحظُ حركة نشطة لبعض العرب من باحثين لكتّاب لفنانين بالعملِ على دراسة الثقافات الأخرى ولغاتها. هل تعدّ هذه الحركة موازية لحركة الاستشراق الأوروبي التي حصلت بين القرنين الثامن عشر والتاسع عشر؟ كيف؟
اهتمامي باللغة أخذني إلى لغات الشرق الأقصى، واللغة الصينيّة بالتحديد. واختصاصي بعلم اللغة الحديث جعلني سائحاً في لغات العالم. يبدو أنّ اللغة لا تكتفي بنفسها، والدرس اللغويّ يغريك بالبحث فيما هو غير لغويّ. وبما أنّ اختصاصي في الأساس هو اللغة العربيّة، وجدت أنّه من الضروريّ أن أبحث عن تلك الشعوب الشبيهة لنا والتي نظرت إلى لغتها في مرحلة ما نظرة دونيّة. فمن يقرأ في أسباب ضعف العرب الراهن يجد أنّ عددا من المفكرين العرب وجدوا أنّ مشكلة العرب هي لغتهم العربية الفصحى. الضعيف الذي لا يريد الاعتراف بضعفه يحيل أسباب ضعفه إلى عوامل ليست من نفسه. فالعربي يضع الحقّ في تقهقره على الاستعمار طورا، وعلى المؤامرة طوراً آخر، وعلى لغته طوراً ثالثاً. ولا يتفرّد العربيّ بهذه النقيصة، قل إنّها نقيصة كل من لا يريد أن يعترف أن تقهقهره هو من صنع يديه. هذا ما فعلته اليابان في زمن ضعفها، وهذا ما فعلته الصين في زمن ضعفها. لكلّ أمّة ضعيفة سعيد عقل، فهناك سعيد عقل صيني، وسعيد عقل كوري، وسعيد عقل ياباني. فبعض المفكرين الصينيين مثلا اعتبروا أنّ سبب تخلف الصين في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين هو طريقة الصينيين في الكتابة، أي الرمز الصيني، ولكن حين تطوّروا استعادوا اعتزازهم بلغتهم، واعتزازهم برموزهم المكتوبة. وشيئاً فشيئاً وجدتني أنجذب إلى اللغة الصينية والفكر الصينيّ وما جذبني أكثر فأكثر هو غياب الصين في تراثنا العربي وتاريخنا العربيّ، فنحن ترجمنا عن السريانية واليونانية والهندية والفارسيّة ولكننا لم نترجم شيئاً عن التراث الصيني رغم ثراء الصين المدهش في مجال التأليف، بقيت علاقتنا بها علاقة تجارية ولم ترق إلى مستوى العلاقة الفكريّة، ولم يبدأ إلاّ حديثاً اهتمامنا بحضارات الشرق الأقصى ومنها الصين طبعا. ولا أنكر أنّ علاقني باللغة الصينية أعطاني فرصة لأطلّ على لغتي من منظور آخر وطريف، فصرت أنتبه لأمور ما كان يخطر ببالي أن أتعامل معها، علاقتي مع الصينية حررني من علاقتي البديهيّة مع لغتي الأم، كما زوّدني بموادّ دسمة أستثمرها في مقرّر أعلمه في الجامعة هو اللغة والحضارة، وكيف تلعب اللغة دوراً عظيما في تشكيل الحضارات. فاللغة، بكل معنى الكلمة، وجهة نظر أي طريقة خاصّة في النظر إلى العالم. الحضارة أشبه بعجينة في يد اللغة التي تشكّل الحضارة أي تعطيها شكلاً. فهي على صعيد الكتابة تمتاز بأنّها تتعامل مع المعنى وليس مع الصوت على غرار اللغات الأخرى.
١٠- تظهرُ اهتماماً بثقافة الطعام (تحديداً بالحمص والفول) ومآثر الطعام وقصصه مع الشعوب المختلفة، في وقت يظهر بعض المثقفين نفوراً من تخصيص حقلٍ خاص لهذا المجال بل يحاولون استيعابه عبر بوابة الأنثروبولوجيا بدهاليزها العديدة. ما هي الأسباب لهذا النفور؟ أتعتقد أنّه نوعٌ من "الانهزام الثقافي"؟
لا أعرف لماذا نحتقر أو نستهين بثقافة الطعام؟ فالمداخل إلى الحضارات تكون إمّا من باب اللغة وإما من باب الدين وإمّا من باب الطعام وإمّا من باب الهندام. وكان دافعي إلى النظر في الطعام دافعاً لغويّاً، فكلمة أدب لا تنكر علاقتها الحميمة مع المأدبة، فالكلمة الطيّبة ما جاءتها طيبتها إلاّ من حاسة الذوق، وخلال تحضيري للدكتوراه في المجال الألسنيّ في باريس ، رحت أقرأ في المراجع الألسنيّة واستوقفني نصّ عند العالم اللغوي الكبير رومان ياكبسون عن زميله الانتروبولوجيّ كلود ليفي استراوس الذي استوحى نظريته الانتروبولوجيّة حول الطعام تحت مسمّى المثلّث الغذائيّ من جانب لغويّ وهو الحركات أي الفتحة والضمّة والكسرة، دهشت في بادىء الأمر ولكن سرعان ما جذبني إلى وجه الشبه المديد بين الطعام والكلام، ورحت أتخيّل الكتابة وكأنّها تحضير طبخة مكوّناتها حروف الأبجدية، وعلى ضوء كتابات استراوس حول الطعام رحت اكتشف كيف يمكنك دراسة الدخيل في الغذاء على غرار الدخيل في الكلمات. وتوسّع اهتمامي في هذا المجال ورحت أدرس الطعام على ضوء علم السيمياء، فالطعام علامة، ولغة، ويمكن دراسة ألف ليلة وليلة مثلا من خلال الموائد والأطباق، ورحت أدرس المآكل ووظيفتها في السرد الروائيّ.
على سبيل المثال هناك كتاب عن مآكل رواية الزمن المفقود لبروست، وهي دراسة تتيح لك الدخول إلى السرد البروستيّ من مدخل شهيّ. للأسف الكتب التي تتناول الطعام من منظور اجتماعيّ أو فنّي أو أدبي في العربيّة شديد الندرة. لا أنكر أن مكتبتنا العربية من هذه الناحية تعاني ، للأسف، من جوع وسوء تغذية. وكأنّ الكلام على الطعام حرف ناقص!
١١- تشهد الساحة اللبنانية مؤخراً حراكاً ثورياً شاملاً كان لمدينتك "طرابلس" حصة الأسد منه، وقد كان لك مواقف داعمة لهذه الثورة ومن خلالها استحضرت مقاربات لغويّة جميلة من خلال الشعارات المرفوعة فيها. تاريخياً كيف للّغات أن تصنع الثورات وبالعكس؟
لا يوجد ثورة خرساء. فم الثورة أفواه الناس ، وشعارات الناس، وهتافات الناس، ولا شكّ في أنّ كلّ ثورة تبتكر خطابها. ومن الأمور التي تثير اهتمامي اللغويّ العبارات التي تكتب على الحيطان وزجاجات السيارات واليافطات. اللغة في الثورات هي مكوّن من مكوّنات سيمائيّة عديدة: الألوان، الملابس، القبضات، الخيم. حين تقرأ الشعارات إنّما تقرأ أحلام الناس، انكسارات الناس، وسخريّة الناس. الإنسان يحارب بالضحكة كما يحارب بالصرخة، ويحارب بالكلمة كما يحارب بالصورة، والكاريكاتور. ولعلّ ما ساهمت فيه الشعارات المكتوبة والمنطوقة هي كسر المحرّمات، وكسر الهيبة التي كان يتوارى خلفها رجل السياسة كما يتوارى خلف زجاج سيارته المعتم. تهشّمت هيبته كما يتهشّم الزجاج. كما نلحظ التفاعل بين الأحداث والشعارات، فهناك شعارات ترافق الحدث، وشعارات عابرة للحدث تتلوّن بتلوّناته فعبارة " هيلا هيلا هو.." أصبحت تلعب دور المبتدأ في جملة اسميّة خبرها متغيّر، متنقّل من مدح إلى هجاء، إلى سخرية، إلى تحبّب. وهناك شعارات ظرفيّة، قصيرة العمر، وشعارات كقطرة الماء اللحوح التي تحفر في الصخر.
١٢- إلام تتّجه مؤخراً في عملك؟ وما الجديد الذي تنوي الشغل فيه؟
أشتغل حاليّاً على كتابين: كتاب عن الفكر الصينيّ من خلال بعض الأشياء التي يتميّز بها الصيني، وكيف أنّ فكره يشبه لغته من ناحية الليونة، فاللغة الصينية شديدة اللين إلى حدّ أنّ الكلمة الواحدة قد تكون اسما أو فعلا أو حرفاً، فالحدود بين الأسماء والحروف والأسماء صارمة في كثير من اللغات، من شكل الكلمة تعرف إن كانت اسما أم فعلا أم حرفا بينما في الصينية الحدود غير واضحة بل في أحيان كثيرة غير موجودة، أو قل متحركة لا يحدد هويتها ويعطيها ملامحها إلا مكانها في السياق اللغويّ. لغة سياقية بامتياز، والسياق براغماتيّ ليّن يشبه جسد التنّين الرمز الجامع الذي نرى سور الصين بتعرجاته وكأنّه ظلّ أرضيّ للتنّين السماويّ.
والكتاب الثاني كتاب في التحفيز، وهو عبارة عن حكايات واقعية لشخصيّات مكافحة ، بدأت من الصفر، لا تعرف اليأس ولا الاستسلام، ولا حدود لطموحها وأحلامها، وأظنّ هذا الكتاب أشبه بحبّة بروزاك لمن تعتعه اليأس أو ضعضعه الفقر، حكايات ناس تقول لك إنّ الانتصار قدرك حين تتأبّط الإصرار والحنكة والحكمة، وهي شخصيات متنوعة عربية وغربية وصينية ويابانيّة تختصرها ربّما عبارة: حياتك فكرة، ابحث عنها.
https://www.alaraby.co.uk/diffah/interviews/2019/12/20/%D8%A8%D9%84%D8%A7%D9%84-%D8%B9%D8%A8%D8%AF-%D8%A7%D9%84%D9%87%D8%A7%D8%AF%D9%8A-%D8%B4%D8%B9%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA-%D8%A7%D9%86%D8%AA%D9%81%D8%A7%D8%B6%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%84%D8%A8%D9%86%D8%A7%D9%86%D9%8A%D9%8A%D9%86-%D9%83%D8%B3%D8%B1%D8%AA-%D9%87%D9%8A%D8%A8%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%B3%D8%A7%D8%B3%D8%A9?fbclid=IwAR1YNRezyYsN1tksX_wQjiu0WW1WLzRyBG4D81FPst-4p_7LkttydxOhZd4
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق