كتبت هنادي الديري في النهار:
يتحرّك بعضنا في اضطراب وحذر في إتجاه اللغة العربيّة ويتعامل معها بخوف وكأنها أشبه بسيدة فائقة الجمال ومُعتدّة بنفسها، تُزخرف إطلالتها الجميلة بغطرسة مُربكة وجذّابة في آن واحد. هي قصاص للذين لم يتذوّقوا طعمها الشهيّ ولكل من لم يتنبّه إلى قدرة الكلمات على أن تتخذ شكل العناقيد البرّاقة التي تجعلنا نتوق إلى لمسها وإلى إرتدائها زيّاً أنيقاً نواجه من خلاله التقاليد الصارمة. وهي نَسمة مُنعشة لكل من إقتحم برجها العالي ومن قرّر أن يقوم برحلات صغيرة ومُتكررة في أروقتها لمجرّد المتعة.
بعضنا فهم أنها قادرة على جعل الَمشاهد اليوميّة تبدو أكثر أهميّة وأكثر جمالاً إذا ما توسّل بكلماتها على نحو مُترف، وإذا ما غضّ الطرف عن القوانين الراعبة التي تُحاصر إطلالتها البهيّة. وهذا بالفعل ما قام به الدكتور بلال عبد الهادي، الأستاذ المتفرّغ في كليّة الآداب في الجامعة اللبنانية. ففي عطلة نهاية الأسبوع وقّع كتابه الأول:"لعنة بابل - مقالات في اللغة" في "مركز الصفدي الثقافي" في طرابلس، بدعوة من "مؤسسة الصفدي" و"مركز محمود الأدهمي الثقافي للتوثيق والبحوث والمعلومات"، لصاحبه وناشر صحيفة "الإنشاء" الطرابلسية الإعلامي مايز الأدهمي. وتميّز حفل التوقيع بحضوره اللافت والمتنوّع بين أكاديميين وطلاب جامعيين وباحثين وشخصيات فكرية واجتماعية وثقافية وبلدية من طرابلس والشمال.
وعلى قول المسؤولة الإعلامية في مؤسسة الصفدي، نهلة المنير: "رغم الظروف الأمنية العصيبة التي تمر بها طرابلس، إلا ان الحضور كان حاشداً ولافتاً ومنوعاً، الامر الذي يؤكد ان إرادة الحياة والعيش بمحبة وفرح لدى المجتمع الطرابلسي، إلى وجود فئة كبيرة جداً من أهل طرابلس والشمال ترفض تشويه صورة طرابلس الحقيقية، وهي تدعو إلى السلام". وفي كلمته روى عبد الهادي: "أقول لطلابي أننا نفتح المعجم عادة للبحث عن معنى كلمة نجهله، وهذا ممتع بلا ريب، ولكني أقول لهم: الأمتع هو أن نفتح المعجم على الكلمات التي نعرفها. وما أمتع أن نكتشف أننا لا نعرف ما نعرف". وأكد في مداخلته: "أعرف ان البعض قد يستعيذ بالله من شيطان اللغة، فكلمة لغة منفّرة، تذكّر بالنحو ومشقّات الإعراب وألاعيب الفتحة والضمّة والكسرة بأفواه الناس. كان هذا البعض يلوح في خاطري وأنا أختار مواضيع مقالاتي".
وختم: "كنت، بيني وبين نفسي، أسعى إلى إيقاع من لا يحب اللغة في حبّ اللغة - فأنا من المؤمنين بأن كره الانسان للغته هو وليد سوء تفاهم لا أكثر ولا أقل".
وفي كلمته قال الدكتور مصطفى الحلوة ممثلاً "مؤسسة الصفدي": "بدءاً من مقالته الأولى "الماء إن حكى" وحتى مقالته الأخيرة "كلام الخرسان" وما بينهما من مقالات يصطحبنا الكاتب في رحلة لغوية سندبادية، هي أقرب ما تكون إلى المغامرة الممتعة، حيث نتسلق وإياه قلاع بابل، وإذا بنا بإزاء فوضى لغوية خلاقة! نقف مشدوهين، سواء أكنا متخصصين أم غير متخصصين في علوم اللغة، أمام باحث يُتقن أساليب الكر والفر لغوياً. بل هو يُحسن إستخدام سائر الأسلحة اللغوية: خفيفها ومتوسّطها وثقيلها!".
ثم قدم أستاذ الترجمة في الجامعة اللبنانية - الفرع الثالث، الدكتور بسام بركة، قراءة عن كتاب "لعنة بابل" جاء فيها: "عندما يقرأ أحدنا هذا الكتاب يُخيّل إليه أن بلال عبد الهادي لم يكن لوحده عندما كتب كلماته. يُخيّل إليه أن هناك من كان يُشاركه في خط كل سطر من سطوره. أو بالأحرى يشعر بأنه عندما كان المؤلف يكتب، كانت هناك عينان تنظران من وراء كتفه إلى ما يخطه، لا بل عينان تحدقان النظر في عينيه تارة وفي قلمه تارة أخرى. إنهما عينا القارئ. أعني بذلك ان القارئ موجود في الحكاية - فكتاب عبد الهادي حكايات - وهو يحاوره ويلاطفه وفي معظم الاحيان يفاجئه".
وتوجه بعدها مايز الأدهمي إلى الحضور بكلمة إستهلها بتوجيه الشكر إلى "مؤسسة الصفدي" شاكراً للدكتور بلال الذي إقتنع بعد إصرار كبير على إصدار الكتاب الذي جمع نصوصاً نُشرت على
مدار أكثر من عام في صحيفة "الإنشاء" ليضعها في كتابه الاول الذي حمل عنوان "لعنة بابل"، عسى ألا "تتبلبل" لغتنا.
hanadi.dairi@annahar.com.lb
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق