تْشْوانْغ تزه وقد يكتب دجوانغ تزه كما قد يكتب تشوانغ تسي أو تشوانغ تسو فليس هناك صيغة واحدة لكتابة اسم هذا الفيلسوف الصينيّ 庄子 Zhuang zi ، وهو فيلسوف عاش في القرن الرابع قبل الميلاد، وهو من أهمّ فلاسفة الطاويّة ، ويعتبر الشخصيّة الثانية بعد لاو تزه صاحب كتاب الطريق والفضيلة أو كتاب الطاو والفضيلة، وهو في نظر الصينيين من أهمّ من استخدم اللغة الصينية بشكل مذهل، كلّ لغة لها كبارها، ففي العربية لنا ابن المقفّع ولنا الجاحظ ولنا أبو حيّان التوحيديّ، ولفرنسا موليير، حتى أن اللغة الفرنسية نسمّى لغة موليير، وللإنكليزية شكسبيرها، وللألمانية غوته صاحب فاوست وآلام الفتى فرتر، وللإسبانية سرفانتس، يمكن أن نقول لغة تشوانغ تزه أو لغة كونفوشيوس لنحيل إلى اللغة الصينية.
لتشوانغ تزه كتاب واحد اسمه كتاب تشوانغ تزه، وإن كان له تسميات أخرى، هناك كتب كثيرة لا تعيش باسم واحد، كما الناس، فبعض الناس يعيشون طورا بأسمائهم ، وطورا بكناهم، وطورا بألقابهم، فالمتنبي ليس اسم المتنبي، والجاحظ ليس اسم الجاحظ، وابن المقفّع ليس اسم ابن المقفّع... ، وهكذا، وهذا طبيعيّ.
كتابه مترجم إلى اللغات العالمية، ومنها العربيّة، وترجم أكثر من مرّة على العربية، وأنا عندي ترجمتان للكتاب، واحدة منهما قام بها الراحل هادي العلوي ووضعها في ذيل ترجمته لكتاب لاو تزه، وهي ترجمة مقتطفات من فصول الكتاب وليس كلّ الكتاب، وترجمة أخرى ثنائية اللغة نشرت في الصين، وقام بنقلها إلى العربية السيّد حسن إسماعيل حسين، وهو في ما أظن مدير تحرير مجلة الصين اليوم في نسختها العربية.
وللكتاب أكثر من ترجمة فرنسية، وأكثر من ترجمة إنكليزية، وألمانية، وإسبانية، أشرت إلى ذلك لأظهر مدى أهميّة الكتاب، أوّل مرّة علق بذاكرتي اسم تشوانغ تزه كان عن طريق هادي العلوي، وذلك منذ بدء اهتمامي بالفكر الصيني واللغة الصينيّة ، وكانت أوّل عبارة له ترنّ في ذهني هي : أهمّ من معرفة منفعة ما ينفع هو أن تعرف منفعة ما لا ينفع"، لفتني في قوله الاهتمام بما لا ينفع لمنافعه الكثيرة، غيّر نظرتي لأشياء كثيرة، فاجأني قوله في البداية: كيف أنتفع بما لا ينفع؟ وراح ضباب فكرته ينقشع من أمام ناظريّ شيئا فشيئا، ورحت أبحث عن كتب تتناول فلسفته ورؤيته للأمور ، ففهم ما يطرحه ليس سهلا دائما، وكان آخر ما قرأته عنه كتاب ليو دان، بعنوان " السعادة من منظور تشوانغ تزه".
استوحيت من كتابه أكثر حكاية كتبتها ونشرتها في غير مكان، ولعلّ أشهر حكاياته هي حكاية معروفة في العالم ب " حلم فراشة"، والأحلام تكثر في كتابه، كما في كتابات غيره من الكتاب الصينيين، علاقة الصينيّ بالأحلام علاقة تسترعي النظر، وتستحقّ أن يفرد لها كتاب، الأحلام في كتب المفكرين، وفي الشعر، وفي الروايات. وهناك عدّة أحلام في كتابه: حلم جمجمة، حلم شجر البلّوط، وحلم الحكيم العظيم. ضع عبارة " حلم فراشة" على موقع غوغل وسترى أمامك جدولا طويلا حول ما كتب عن هذا الحلم في كل اللغات.
اليوم سأكتب عن حكاية قصيرة له باسم "المرهم".
تعود الحكاية إلى عهد سلالة سونغ، كان هناك رجل يعمل في تبييض خيطان الحرير، والعمل في خيطان الحرير، مهنة شاقة، تشقّق الأصابع، وكان قد اخترع هذا الرجل مرهما لمداواة أصابع العاملين في تبييض خيطان الحرير، كانت عائلة تعمل في هذه المهنة منذ أجيال قديمة، وتعيش عيشة فيها شظف، إلى أن سمع ذات يوم مسافر بأمر هذا المرهم، فقرّر شراء الوصفة ، ودفع مائة ذهبية، انقلبت حياة العائلة أمام هذا الغنى المباغت، وراح المسافر وعرضها على الأمير وو الذي كان يخوض حرباً ضدّ مملكة يويه، كان هذا المرهم تغييرا جذريا في مآل المعركة، فأيدي الجنود كانت تتشقق ، فتشلّ نجاعتهم في المعركة، وحين استعملوا هذا المرهم شفيت أياديهم وصار بإمكانهم متابعة الحرب، وصولاً على تحقيق نصر مؤزّر، فكافأ الأمير ذلك المسافر الذي بفضله تمّ الانتصار بعطائه قطعة من الأرض المحتلة تعادل مئات المرات ما دفعه ثمنا للوصفة الطبية. هنا، يمكن الوقوف عند تغيير وجهة الأشياء، كان المرهم للأيادي التي تتشقق من تبييض الخيطان، ولكنّها حين انتقلت إلى مداواة أيدي الجنود غيّرت مصيرها، وغيّرت مصير المعركة، وغيّرت مصير من اشترى الوصفة!
فكرة الحكاية عدم حبس الأشياء في وظيفتها، تحرير الشيء من وظيفته يعطيه فرصا أخرى، أليس هذا ما يحدث في الوظائف؟ كم شخصا طرد من وظيفته فكان طرده دافعاً له لتحسين وظيفته؟
يمكن استلهام أشياء كثيرة من هذه الحكاية البسيطة، وبساطتها مخادعة، فلو كانت بسيطة لما خطر ببال تشوانغ تزه أن يدرجها في كتابه، وفي الفصل الأوّل من كتابه، الذي يحمل عنوانا دالا: الطواف في حرية مطلقة 逍遥游 .
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق