الأحد، 26 أبريل 2020

فتّة مطعم الدنون طرابلس لبنان وللمذاق ذاكرة



#مطعم_الدنون
#وللمذاق_ذاكرة
#دليڤري_دنون في #طرابلس و #الميناء
#هاتف: ٠٦٤٣٣٩٨٧



إذا تأمّلنا الأشياء نراها بأغلبها تعتمد على ما يمكن تسميته بالفكّ وإعادة التركيب. كانت فكرة #Ingvar_Kamprad مؤسس إيكيا #IKEA في جوهرها تعتمد على هذا القانون، قانون الفكّ وقانون التركيب، تشتري خزانة مفكّكة ثمّ تركّبها أنت في بيتك مستعيناً بورقة كتبت عليها مراحل التركيب وتفاصيل التركيب بحيث يشعر المرء وهو يركّبها في بيته بشيء من المتعة وكأنه يلعب في تركيب لوحة بارل.
أشياء كثيرة في حياتي أستمدّها من اللغة، أعتبر اللغة مختبراً لكل ما يمكن أن يخطر ببال أو لا يخطر ببال. ( وهناك تقنيّة لغويّة طريفة لاستدراج ما لا يخطر على بالك إلى بالك، كلمة " ما خطر ع بالي" شديدة الخبث)، وأحاول إيجاد حلول لغوية لأمور غير لغوية!
كنت أفكّر بأمر صحن الفتّة في رمضان، الحرارة جزء من مذاق ما نأكل ونشرب، لهذا أرى الحرارة سوق عمل، يتعدّى المآكل، فلننظر إلى المكيّف وكيف انتعش حضوره وهو ليس أكثر من لعب بالحرارة!

صحن الفتّة يؤكل ساخناً، لذّته بهذا الدفء الذي يشعر به الآكل وتحديداً في رمضان، وعليه لا بدّ من إيجاد وسيلة تحفظ له حرارته، وتحفظ له كرامته، وللمطاعم مكارم!
فهو بخلاف الحمّص الناعم الذي يؤكل بارداً، من دون تغيير رأيك فيه ، يقاوم البرد بل يتحالف مع الحرارة .
يمكننا تصنيف الطعام ليس بحسب نوعه وإنّما بحسب حرارته، فما يؤكل حارّا نضعه في قائمة واحدة، وهكذا يمكننا جمع الحلو والمالح والحامض ضمن تصنيف واحد في حال وحّدت بينهم الحرارة، وكذلك نضع المشارب بحسب حرارتها، وهكذا مثلا نفرّق بين القهوة والبيبسي، ونجمع بين السحلب والقهوة، وهناك مآكل ومشارب عابرة للحرارة.
كما يمكننا أن نميّز بين ما يمكننا أن نعيد تسخينه وبين ما لا يمكن أن يعاد تسخينه، وهنا أحبّ أن أترك حيّزا لأمزجة الناس في الأكل. ( في الأكل لا قاعدة فقد أحبّ بارداً ما تحبّه أنت ساخناً، الحرارة في الأكل ليست معياراً ثابتا).
فالفول مثلا يمكن أن يسخّن دون أن يفقد أي خاصّية من خاصياته، شرط أن نعرف كيف نسخّنه، كلّ شيء فنّ وخبرة حتّى تسخين الأكل، وهناك طريقة بسيطة جدّاً في تسخين الفول، في حال أردت تسخين كميّة نصف كيلو، ووضعتها على النار، لن تكون كما وضعتها، التسخين سيبخّر الماء وعليه سيتخثّر الصوص sauce الموجود في الفولات، ويتكتّل على بعضه، كيف أحافظ على ليونة الشكل وأسخّنه دون أن يتبخّر منه شيء؟ كيف يبقى كما أخذه الزبون من مطعم الدنّون، المسافة بين المطعم ومكان أكل الطبق يقضمان من حرارته، كيف أستعيد الحرارة الضائعة؟ أستعين بالماء لأستعيدها!
كمية نصف كيلو أضعها في الطنجرة ثمّ أضع مقدار فنجان قهوة من الماء ثمّ أضعها على نار هادئة، الطبخ أقول دائما هو مجموعة ألاعيب، وأحد هذه الألاعيب هو اللعب بالنار!
النار الهادئة بالتعاون مع المياه الزائدة لها وظيفة مهمة، هي تسخين ناعم ، سلس، يتغلغل في أعماق حبّة الفول، فالتسخين خداع، فقد تسخن من الخارج ولكن شيء من البرودة يبقى عالقاً أو مترسبا في أعماقها، حين تتبخّر المياه التي وضعتها أكون قد دافعت عن المياه الموجودة سابقاً ويكون الفول عاد كما كان!
ولكن الفتّة لا يمكنني أن ألعب معها أو بها كما حالتي مع الفول، مزاج الفول غير مزاج الفتّة وغير مزاج الحمّص، الحمّص مطواع أكثر بكثير من الفول، رأس الفول عنيد، وقشرة حبّته التعامل معها صعب، جلدة الفول أسمك من جلدة الحمّص رغم أنها، لمساً، أملس بكثير، الملاسة خداعة!
الفتّة طبق رمضانيّ بامتياز، صار كالتبّولة والفتّوش والحساء من ثوابت الموائد الرمضانيّة! ولكنه ليس كالفتّة ولا كالفتّوش من ناحية الحرارة، الفتّة كالحساء تؤكل ساخنة!
عدد من الزبائن يأتون إلى المطعم قبل الإفطار بدقائق لأخذ صحن فتّة ساخن! وهناك من يطلب منّا توصيل طلبات الفتّة إلى المنازل وقت الإفطار، ممّا يجعلنا أسرى للوقت!
كيف تتحرّر من الوقت؟
كيف تفكّ أسرك من الوقت الضيّق؟
كيف توسّع الضيّق؟ كيف تطوّل من عمر الحرارة في صحن الفتّة؟ كانت أسئلة تراودني لإيجاد حلّ لا يحرم من يحبّ أكل الفتّة الدنّونيّة ساخنة ولكن يريد أن يأكلها في بيروت؟ الحرارة، هنا، عدوّ لي! كيف توفّق بين الوقت والحرارة؟
كيف تلغي عامل المسافة؟
قلت إنّني أستوحي أشياء كثيرة في حياتي من عالم اللغة.
قارنت بين الجملة وصحن الفتّة، وتساءلت أين وجه الشبه بين الجملة وصحن الفتّة؟ ما هي الجملة؟ وما هو صحن الفتّة؟
رحت أبحث عن وجه الشبه، وجه الشبه هو التعدّدية! فالجملة هي " مجموعة" كلمات، " والفتّة هي مجموعة مكوّنات ( حمّص، تبلة الفتّة، الخبز) هذه أساسيات الفتّة، يبقى السمنة والقلوبات. لتأليف جملة يمكن أن أعطيك كلمات متفرّقة ثمّ تجمعها أنت في جملة . فلو أعطيتك هذه الكلمات ( فتّة، صحن ، اليوم، أكلت) يمكن أن تجعلها ( أكلت اليوم صحن فتّة). ( ركّبت) ما أعطيتك إيّاه ( مفكّكاً)، وصار جملة تفتح الشهيّة على صحن فتّة.
قلت: فلأحوّل مكوّنات ( جملة) صحن الفتّة إلى ( كلمات) صحن الفتّة، وهكذا أضفت الفتّة المفكّكة إلى قائمة الطعام، وبهذه العملية تحرّرت من الحرارة، وتحرّرت من الوقت، وتحرّر الخبز من التشتشة ، ولم أحرمه من متعة القرمشة. وصار يمكن لمن يشتري الفتة المفكّكة أن يأكلها في اليوم الثاني دون أن تفقد طزاجتها، وهذا ما أقوله حين أتكّلم عن #التفكير_بالمقلوب، ومنه: جعل البائت طازجاً. أطلت من عمر الفتّة، حرّرتها من قيد السخونة.
صار الزبون بإمكانه أن يأتي في أي وقت في رمضان لأخذ علبة فتّة مفكّكة ولم يعد رهينة الوقت، وهكذا صار بإمكانه قبل الإفطار بدقائق معدودة تسخين الحمصات ودلقهم فوق الخبزات ثمّ دلق تبلة الفتّة الدنّونيّة ، ويبدأ بتذوّق فتّة الدنّون التي تتميّز بحبتها، وتبلتها، وخبزها المقرمش!
لم تعد الفتّة بحكم أكلها ساخنةً محكومة بالوقت! صارت محكومة برغبتك أنت.

هناك تعليقان (2):