#فتّة_فول!!
لا أعرف إن كان
أحد ما قد جرّب، من قبلُ، فتة الفول!
الاسم قد يثير
الغرابة، ولكن ما هي قصّتها؟
الأكل مثل
المسرح التجريبيّ!
يكفي أن يخطر
ببال المرء ما هو أمام عينيه ولكن من منظور جديد.
نعرف أنّ كلمة
فتّة أو تسقية حين تقال تذهب إلى الحمّص، وقد تذهب إلى الكراعين! ولكن أن تذهب إلى
الفول فهذا ما لا يخطر بسهولة إلى البال، وإن كنّا نعرف في أغلبنا علاقة الفول مع
اللبن.
من لا يعرف
علاقة الفول باللبن؟
ستّات البيوت
يعرفونها.
ولكن هل نعرف
كلّ ما نعرف؟
علاقة الفول
باللبن ظاهرة وخفيّة.
الشيء الواحد له
عدّة حيوات.
ويمكن لنا أن
نستعين بالقمح لنكتشف أشياء كثيرة، بل يمكن لنا أن نستعين باللغة لنعرف أشياء
كثيرة من عالم الطعام.
اللغة العربية
في جوهرها تقوم على الاشتقاق أي إنّها لغة اشتقاقيّة بخلاف اللغات الهندو - أوروبية
القائمة على النحت في جوهرها.
ولكن لا تخلو
اللغة الاشتقاقية من نحت، كما لا تخلو اللغة النحتية من اشتقاق.
هل تخلو حبّة
القمح من الاشتقاقات؟
ألا نشتقّ من
حبّة القمح البرغل؟
والبرغل مهنة
دنّونية عتيقة. اشتغل بها جدّي واشتغل بها عمّي وعمّي، وتربّى بين حباتها ابي،
وكان طحن البرغل جزءا من طفولتي في مطحنة عمّي " الحاج محمود الدنّون"
التي كانت على ضفاف نهر أبو علي قبل أن تصير على شاطىء البحر.
أولاد عمّي أخبر
منّي في حياة البرغل، وأودّ لو قام أحد منهم في الحديث عن صنع البرغل، فمعرفتهم
بالبرغل قد تفوق معرفتي بالحمّص.
البرغل من
مشتقّات القمح! واستخدامات البرغل غير استخدامات القمح.
المطبخ اللبناني
بلا البرغل يخسر كثيراً، بل وتتضعضع مكانة
إهدن وزغرتا! لا سمح الله
ومن مشتقات
القمح الفريكة!
والفريكة مفخرة
من مفاخر مطبخ بعض المناطق اللبنانية.
وددت عبر هذه
السياحة القصيرة الإطلالة على فتّة الفول.
ولعلّ غرابتها
تتطلب دعما من مآكل أخرى، واستشهادا بمكونات مآكل أخرى.
هناك من صار
يضحك منّي حين اشتغلت على هذا الطبق.
ولكن قلت إنّ
هذا الطبق ليس من اختراعي!
كان مالارميه
يقول عن نفسه : أنا كائن مركّب! je suis un homme syntaxique!
أي أنه كائن
يقوم بتركيب الكلمات؟ أليست المآكل أيضاً كلمات، وفيها ما في الكلمات من التباسات
وإضمار وتركيبات؟
التركيبات كما
يقول جان ديديه فانسان في كتابه بيولوجيا الأهواء إنّ المذاقات بنت عوامل نفسيّة
وليس مذاقية وحسب.
قلت نأكل في
البيت فول باللبن؟
ولكن ناكل الفول
الأخضر بالأرزّ المفلفل وإلى جانبه اللبن.
إذاً اللبن ليس
غريباً عن الفول؟
علاقته مع الفول
الأخضر عال العال!
لماذا لا تكون
علاقة الفول اليابس مع اللبن أيضاً عال العال؟
ولكن هل علاقة
الفول اليابس مع اللبن علاقة مقطوعة؟
أبدا، هي علاقة
قائمة، ورأيتها بأمّ عيني!
أكثر من مرّة
دخل إلى مطعم الدنّون زبائن من سوريا، كان طلبهم " فول باللبن"، بداية
استغرب الشيف عندنا، واستغرب نادل الطاولة، ولكن مع الوقت اعتادوا على ذلك، وصرنا
نقدّم لمن يرغب الفول باللبن. وكنت بيني وبين نفسي أسرّ بهذا الطلب، وأفرح كثيرا
حين يأتي زبون ويطلب طلباً غريباً في نظر كثيرين. جاء زبون ذات يوم وطلب صحن حمّص
على وجهه بيضتان مقليتان، رحبت به ترحيبا حاراً، وقمت بتلبية طلبه بيديّ، أعرف أنّ
علاقة البيض المقليّ بالحمص الناعم علاقة طيبة المذاق!ولكنّها مجلولة
لدى كثيرين!
قلت لأقم
بمعادلة رياضية بسيطة حول الفول باللبن وفتّة الحمص.
ما هي فتة
الحمص؟ حمص مسلوق ولبن وخبرر مفتوت.
ما ينقص صحن الفول باللبن ليصير مثل رفيق عمره الحمص؟
ألخبز المفتوت.
وهكذا جاءتني
فكرة عمل فتّة الفول باللبن.
ولا أنكر أن
فتّة الفول لاقت اعتراضا من الشيف ومن العمّال.
كل جديد يلاقي
اعتراضا، حتّى الانترنت له الى اليوم معارضون ، وكنت قد كتبت بحثا عن علاقة
المثقفين او بعض المثقفين بالأنترنت، والفايسبوك، وتوتير، والواتسأب، ومنهم من
اعتبر أن هذه الوسائل امتهان للثقافة، وراح الحنين إلى الأوراق والأقلام والكتب
المطبوعة يتدفّق من أسنتهم أو كلماتهم.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق