1.
نتكلم عن طرابلس الفيحاء ،عاصمة الشمال في لبنان ، نتحدث عن مدينة العلم والعلماء
التي انجبت العديد من الكتاب الذين عُرفوا على مر الايام.
واليوم نشهد ولادة كاتب جديد ادهشنا بما وضعه بين أيدي قرائه؛ هو د. بلال عبدالهادي، الأستاذ بالجامعة اللبنانية والمتخصص في علم اللغة الحديث
نال شهادة الدكتوراه من جامعة السوربون بباريس. يُعلم اللغة والحضارة, مدارس السنية، علم السيمياء، الألسنية والنقد الادبي. ويكتب حاليا مقالا اسبوعيا بعنوان "حكي جرايد" في صحيفة الانشاء الطرابلسية، وكتب في العديد من الصحف كالشرق الاوسط الدولية ومجلة الاسبوع العربي.
عشق اللغة العربية وقرر ان يكون المدافع عنها والداعي لها وحمل على عاتقه الدعوة للقراءة شارحا اهميتها في مجتمعنا وما لها من علاقة في تنمية عقول الشباب.
وكما حدثنا في كتابه الأول "لعنة بابل" أن اللغة الاساسية سميت باللغة الام بسبب ارتباطها بعطاء الام لمولودها منذ بداية التكوين، فأنا ارى ان هذا الكتاب هو ذلك الوليد الذي تكون في فكر والده وخرج للنور لينشر معتقده الذي عاش على حلم ان يرى اللغة العربية هي الرائدة والفعالة.
شدتني كتابات هذا الفارس في ميدان العربية لما فيها من انسانية وحكمة ولا تخلو في بعض الاحيان من الفكاهة لتوصيل فكرته بسلاسة و سهولة متناهية؛ لذلك طمعنا في منتديات شات العنابي ان نُجري معه هذه مقابلة لنتعرف اكثر عليه وليقربنا أكثر من كتابه الذي شغل العديد من النقاد والصحفيين.
هو شخص مدافع عن معتقداته وجذوره ولا يحب التخلي عنها ابدا، فبينما نصحه اصدقاؤه بعدم الكتابة بصحيفة محلية لعدم انتشارها الواسع وهو ما لن يفيده بنشر قلمه لا ماديا ولا معنويا ، ابى هو إلا أن يكون يدا مساعدة تنشر العلم والثقافة بمدينته التي أحب ورفض التخلي عنها.
كتب مقالات كثيرة عن امور شتى وبعد فترة قرر ان يجمع 60 مقالا في كتاب اسماه " لعنة بابل" حاول خلاله ان يحاور القارئ فيه كمن يحاور صديقا له بلغة سهلة ومفهومة ليقول للقارئ ان اللغة العربية بعكس ما تعتقد هي سهلة وجميلة شارحا فيه اصول اللغة وبعض اللغات الاخرى، مستخدما في بعض الاحيان مصطلحات عامية ليشعر المتلقي ان اللغة العامية ليست بعيدة عن الفصحى والعلاقة بينهما متلازمة دوما.
واليوم نشهد ولادة كاتب جديد ادهشنا بما وضعه بين أيدي قرائه؛ هو د. بلال عبدالهادي، الأستاذ بالجامعة اللبنانية والمتخصص في علم اللغة الحديث
نال شهادة الدكتوراه من جامعة السوربون بباريس. يُعلم اللغة والحضارة, مدارس السنية، علم السيمياء، الألسنية والنقد الادبي. ويكتب حاليا مقالا اسبوعيا بعنوان "حكي جرايد" في صحيفة الانشاء الطرابلسية، وكتب في العديد من الصحف كالشرق الاوسط الدولية ومجلة الاسبوع العربي.
عشق اللغة العربية وقرر ان يكون المدافع عنها والداعي لها وحمل على عاتقه الدعوة للقراءة شارحا اهميتها في مجتمعنا وما لها من علاقة في تنمية عقول الشباب.
وكما حدثنا في كتابه الأول "لعنة بابل" أن اللغة الاساسية سميت باللغة الام بسبب ارتباطها بعطاء الام لمولودها منذ بداية التكوين، فأنا ارى ان هذا الكتاب هو ذلك الوليد الذي تكون في فكر والده وخرج للنور لينشر معتقده الذي عاش على حلم ان يرى اللغة العربية هي الرائدة والفعالة.
شدتني كتابات هذا الفارس في ميدان العربية لما فيها من انسانية وحكمة ولا تخلو في بعض الاحيان من الفكاهة لتوصيل فكرته بسلاسة و سهولة متناهية؛ لذلك طمعنا في منتديات شات العنابي ان نُجري معه هذه مقابلة لنتعرف اكثر عليه وليقربنا أكثر من كتابه الذي شغل العديد من النقاد والصحفيين.
هو شخص مدافع عن معتقداته وجذوره ولا يحب التخلي عنها ابدا، فبينما نصحه اصدقاؤه بعدم الكتابة بصحيفة محلية لعدم انتشارها الواسع وهو ما لن يفيده بنشر قلمه لا ماديا ولا معنويا ، ابى هو إلا أن يكون يدا مساعدة تنشر العلم والثقافة بمدينته التي أحب ورفض التخلي عنها.
كتب مقالات كثيرة عن امور شتى وبعد فترة قرر ان يجمع 60 مقالا في كتاب اسماه " لعنة بابل" حاول خلاله ان يحاور القارئ فيه كمن يحاور صديقا له بلغة سهلة ومفهومة ليقول للقارئ ان اللغة العربية بعكس ما تعتقد هي سهلة وجميلة شارحا فيه اصول اللغة وبعض اللغات الاخرى، مستخدما في بعض الاحيان مصطلحات عامية ليشعر المتلقي ان اللغة العامية ليست بعيدة عن الفصحى والعلاقة بينهما متلازمة دوما.
كيف اختار اسم الكتاب ولم هذا الاسم تحديدا وهو بالفعل مثير لمعرفة ما يخفيه؟
- إن كتابي على نقيض العنوان، بل هو في كل مقال من المقالات كان يريد ان يقول تعدد اللغات نعمة وليس لعنة. اي ان يدحض مفهوم اللعنة، فكل لغة وجهة نظر واضاءة جديدة على الموضوع الواحد، ورؤية امر ما من وجهات نظر مختلفة يمنحنا غنى لا يمكن ان تقوم به لغة واحدة. من هنا ضرورة تعلم لغات اخرى الى جانب اللغة الأساس، وخصوصا في زمن العولمة الذي نحن فيه.
ورأيي على نقيض الفكرة القائمة في التوراة، وهو ان التعددية اللغوية اوقفت بناء البرج، وأفشلت الموضوع. انا ارى ان البناء لا يتمّ الا بمؤازرة لغات عدّة، ومن هنا أميل الى النظرة القرآنية التي تحدد ان اللغات آيات من رب العالمين، وليس لعنات:"ومن آياته خلقُ السموات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالِمِين"
ومن يتدبّر هذه الآية البديعة، يلحظ الربط بين اربعة امور حيث وضع رب العالمين اللغات والالوان في مصاف خلق السماوات والأرض.
كما قرات في احدى مقالاتك ان الكتاب هو عبارة عن مقالات نشر اغلبها في جريدة الانشاء هل هذا يدعم الكتاب ام يعطل انتشاره؟
- نعم، الكتاب هو مجموعة مقالات، ولا اظنّ ان هذا يقدّم او يؤخر في قيمة اي كتاب، ومن يتصفح التاريخ، اقصد تاريخ الكتب، يجد ان هناك عدّة انماط من الكتابة
قصدت تشر محتوى الكتاب مسبقا .. فمن قرأ المقال مسبقا لن يفكر في شراء الكتاب؟
- لا اطرح على نفسي سؤالا من هذا النوع امام الكتاب الذي اريد شراءه، وانما اطرح السؤال التالي: هل هذا الكتاب يستحق ان يُقرأ ام لا. بغض النظر عن اصله وفصله، لا تعنيني شجرة عائلة الكتاب بقدر ما يعنيني الكتاب نفسه..
وهنا اشير الى اهمّ كتاب في تاريخ المسلمين، وهو القرآن الكريم، انه كتاب نزل "منجّما" اي على مدى زمنيّ يفوق العقدين من الزمن، وكلمة "منجّم" بديعة جدا، انها كالنجوم المضيئة في سماء حالكة. فالقرآن هو مجموعة سور.
واذا جئت الى كتاب من اهم الكتب العربية في العصر الحدث وهو كتاب "حديث الاربعاء" لطه حسين، فهو مجموعة مقالات كانت تنشر في صحيفة تصدر نهار الاربعاء ومن هنا جاء اسم الكتاب، وكتاب "الايام" ايضا لطه حسين نشر في المجلة على دفعات قبل ان تحتضنه دفّتا كتاب.
وكذلك جزء كبير من كتب العقّاد، وابراهيم المازني، واحمد حسن الزيّات، والمنفلوطي، جزء كبير من كتبهم كانت جمعا لمقالات نشرت فيما مضى.
والأمثلة حول هذه المسألة عديدة في الغرب كما في الشرق.
المقال في جريدة او مجلة مقيّد في الزمان والمكان، فالمقالات التي فيه منشورة في جريدة تصدر في طرابلس، مما يجعل قراء المقالات محدودا بالمكان، الكتاب يحرّر الى حدّ بعيد الكلام المكتوب من مكانه، ويمنحه جواز سفر الى حيث يشاء. اعتبر الكتاب ليس اكثر من خيط سبحة يجمع حبّات المقالات. حياة حبات السبحة في خيطها والا تفقد هويتها ودورها، لا احد يسبّح بحبّات انقصف عمر خيطها.
هل سيكون هذا الكتاب فاتحة لبداية سلسلة كتب تكتبها مستقبلا؟
- هناك كتب أخرى، قيد الاعداد، ولكني مؤمن بالاقدار ، فلا اظن ابا او اما يعرفا كم سينجبا من الاولاد، وهكذا الامر بالنسبة لي.. عندي النية في اصدار كتاب آخر، ولكن متى يصدر ؟ الله اعلم!
ولكني الان قيد الاعداد لكتاب عن الفكر الصيني من خلال حكايات واستراتيجيّات. تغريني الصين في طريقتها في التفكير الشديد الليونة والمرونة والبراغماتية.
ولا يخلو الكتاب بطبيعة الحال من جوانب لغوية، وان كان بطريقة غير مباشرة فاللغة بما تعنيه من حضارة وخلفية هي خلفية كل المقالات التي اكتبها.
انها ثقافة مثيرة جدّا، وذات مخزون معرفيّ هائل، ولكن للأسف لم تثر اهتمام العرب القدامى لما في لغتهم المكتوبة من صعوبات لا يسهل خرقها، ولكنها اللغة الأقدم اليوم
وعليك ان تتخيل ان اللبنانيين لا يزالون الى اليوم مثلا يتكلمون اللغة الفينيقية او المصريين يتكلمون الى اليوم اللغة الهيروغليفية او يكتبون بها.
وما احبه فيهم هو انهم يحبون تراثهم بوعي. وما لفت نظري سؤال طرحه ذات مرة استاذ يُعلم اللغة الانكليزية في الصين: لماذا تتعلمون الانكليزية؟ كان جوابهم رائعا: لأننا نحبّ الصين.
اما نحن في بلادنا، فان من يتعلم لغة فرنسية او انجليزية فإّنه لا يفكر بما تقدّمه المسألة لبلاده من خدمات، هذا اذا لم يفتخر بأنه لا يعرف العربية
وهنا اشير الى مسألة يابانية، وهي ان الياباني يتعلم اللغات الاجنبية ولكن لا يتكلم الا بلغته، يعتبر اللغات الاخرى رافدا لتغذية بلاده.
ومن هنا اجد انه علينا اعادة تأهيل العين العربية للنظر الى اللغة الام بمحبة لا بازدراء, من يحتقر لغته انسان محتقر في عين الآخرين.
ما هو سبب تدهور اللغة العربية برأيك رغم انها لغة القرآن الكريم وجميع الدول العربية تتحدثها؟
- تدهور اللغة العربية في بلادنا عديد الأسباب. ليس هناك سبب واحد لأي مشكلة من المشاكل، وانما جديلة من الاسباب: لغوي، نفسي، اجتماعي، ديني، علمي، تعليمي.
ودائما أقول : فتّش عن مناهج التعليم, مثلا حين تكون علامة اللغة العربية اقلّ من علامة الرياضيات، فحتما هنا سيقول الطالب ان الرياضيات اهم من العربية، وحين يستطيع ان ينجح ويترفع من صف الى صف بغض النظر عن نجاحه او رسوبه في مادة العربية، فهذا يجعله يستهين بدراسة اللغة العربية.
في المانيا مثلا، لا يمكن لطالب ان ينال شهادة البكالوريا، ولو نال اعلى العلامات الا بشرط ان يكون نال علامة نجاح في اللغة الالمانية.
ثمّ اذا نظرنا الى الميزانيات التي تخصصها الدول العربية للغة العربية لوجدنا انها ميزانية ضئيلة.
وهناك كسل على كلّ الصعد، وآخذ مثلا واحدا، ليس في العربية قاموس عصري على غرار قاموس اكسفورد. لا نزال نعيش على اطلال ابن منظور.
والمعجم الرائع الذي يقوم مجمع اللغة العربية في القاهرة باصداره، يحتاج الى اكثر من مائة سنة لإتمامه.
لا توجد دولة حضارية في العالم الا ولها معجم متنوّر، مفتوح، يماشي العصر.
وهنا اذكر ان اسرائيل قامت ببناء معجم تاريخي لها بديع قبل انشاء اسرائيل
قال علماء العبرية: انشاء الوطن اللغوي اهم من انشاء الوطن الجغرافي... بل ان اسرائيل اليوم صاحبة احدى اعظم النظريات في التعليم المكثف للغات بحيث استعانت بها الصين لاقتباس هذه النظريات التعليمية للغات
واللغة صورة عن اهلها، شعب مقسوم على نفسه، متناحر، يترك جراحات كثيرة على جلد لغته.
ان اهتمامي بالعربية هو الذي دفعني الى الاطلاع على تجارب الاخرين اللغوية لأكتشف آلية النهوض بلغتنا، ودفع ابناء الضاد الى حبّها، وعدم الخجل منها.
القداسة وحدها لا تكفي لإبقاء لغة على قيد الحياة، فاللغة الفرعونية كانت مقدسة، وكذلك السريانية، والسنسكريتية.
اوكسجين اللغة هو الاستعمال وليس القداسة, ربّ العالمين قال: انا نحن نزّلنا الذكر وانا له لحافظون. حفظ الذكر شيء، وحفظ اللغة شيء آخر.
فكل النصوص المقدسة لا تزال لغاتها ونصوصها محفوظة، ولكن لغة المقدّس لم تعد متداولة. ولا يعرفها الا اهل الاختصاص.
حفظ اللغة العربية يقع على عاتق اهلها، اهلها فقط لا غير وهذا التواكل اللغوي داء يصيب اللغة العربية في الصميم.
الا تعتقد ان رغبة الشباب بالتكلم باللغات الاجنبية مع اصدقائهم اثر بشكل كبير على استخدام اللغة العربية؟ فهم يعتبرونه تطورا و"بريستيج" ان صح التعبير؟
- اجابتي على سؤالك اطرحه في صيغة تساؤلات...
من جعل من يتكلم باللغة الاجنبية يعتقد عن جهل وقصر نظر انه سلوك حضاري او بريستيج؟ انه النظام السياسي والاجتماعي
كيف نجعل المواطن يحترم لغته اذا كان يرى ان اهل الحلّ والربط لا يحسنون اللغة العربية؟ الناس على دين ملوكهم حتى في اللغة.
كيف تطلبين من المواطن ان يتقن العربية وهي ليست شرطا من شروط التوظيف في الدوائر الرسمية مثلا؟
وكيف تطلبين من المواطن العربي ان يفتخر بلغته وليس هناك برامج توعية على اهمية دور اللغة الأم، وليس هناك مهرجانات لغوية على غرار ما يحدث في دول كثيرة كاليابان مثلا, مهرجان باشراف رؤساء ووزراء.
كيف تطلبين من عربي ان يشعر بانتماء الى العربية وهو لا يرى ضالته العلمية والترفيهية في لغته الام؟
تحتاج اللغة الى ورشة عمل من عدّة طبقات.
الاعلام له الدور الكبير ايضا, ما نراه حاليا هو تدهور كبير للغة في الاعلام من المسؤول برأي
- بالنسبة للإعلام، أعود فأقول هو غياب التخطيط اللغوي والرؤية المستقبلية.
هو وراء هذا التقهقر اللغوي, في الصين مثلا، ممنوع على الاعلاميين في المحطات التلفزيونية التكلم باللغة الاجنبية والا يكون الطرد من الوظيفة هو العقاب لكل من يسوّل له لسانه باستعمال لغة" مخلوطة".
لو كنت وزير اعلام ماذا كنت ستقرر بخصوص هذا الامر؟
- اعطاء مهلة للاعلاميين : الطرد او تقويم الالسنة
تخصيص برامج توعية لغوية, تفعيل لغة الاعلام، ضخّ دم جديد فيها,عقد ندوات شيّقة، ممسرحة عن اللغة, اغراء الاعاميين بالجوائز, كسر رهبة اللغة العربية الفصحى. العمل على تطويع المصطلحات فاللغة تحتاج الى هواء نظيف وفتح ابواب وشبابيك.
لبنان هو اكثر بلد يستخدم اللغة العامية في برامجه هل توافقني الرأي؟
هذه نقطة اخرى,علينا ان نصالح الفصحى مع العامية, ليس هناك لغة في العالم ليس لها فصحى وعامية, انا ضدّ النظرة السلبية للعامية.
اللغة لباس, لا تختلف عن اللباس, فلنعاملها كما نتعامل مع لباسنا.. هناك لباس رسميّ: طقم، ربطة عنق، وهناك الدشداشة وهناك الجينز, وهناك قميص النوم, وهناك المايوه...
ولا اظن انه من المستحب ان يسبح الشخص بالطقم مثلا او يذهب الى جامعته بالمايوه,او يذهب الى عمله بالبيجاما, لكلّ قطعة لباس لغوية وظيفة ودور فلنتعلم استخدام الادوار والوظائف كما يجب, الامر يحتاج الى خيال استراتيجي ومبتكر لاستعادة المصالحة بين العامية والفصحى.
فالعامية يمكن ان تكون منصة اقلاع نحو الفصحى ومن خلال مهارة الطفل للهجته يمكننا ان ندخل الى قلبه حب الفصحى, وهذا يعتمد الى تخطيط لغوي سليم.
الا تعتقد ان من يتقن الفصحى يتكلم العامية بشكل اجمل من ذلك الذي لا يتقنها؟
- جوابا اقول:
صحيح، كلامك سليم، فمن يعرف الفصحى يستطيع ان يضخّ في العامية دما فصيحا، يسمو بها ويقرّبها اكثر واكثر من الفصحى.
الارتقاء بالفصحى هو حتما ارتقاء بالعامية دون الغاء لها فالعامية والفصحى وجهان متلازمان
وكما قلت علينا العمل لا على الغاء الفوارق وانما على تقليصها. اما الغاء الفوارق فهو وهم من الاوهام.
فاللهجات كانت قبل الاسلام وبقيت بعد الاسلام ولكن المسافة بين الفصحى والعامية تزيد او تنقص بحسب مستوى التعليم, فكلما زادت نسبة التعليم تقلصت الفجوة والعكس صحيح.
ارى مؤخرا ان هناك العديد من خريجي الجامعات لا يتقنون حقا اللغة مقارنة مع متوسطي التعليم سابقا, وهذا يعني ان اللغة محبة وليست فقط تعليم والا لوجدنا ان جميع الخريجين الحاليين يتقنون اللغة بامتياز؟
- للأسف جامعاتنا اليوم، تعطي شهادات، والشهادات شيء والعلم شيء آخر، الشهادة شيء والمعرفة شيء آخر.. بعض الشهادات شواهد قبور او شهود زور
نعم، فأنا استاذ جامعيّ، وأقول ما اقول عن معرفة وعلم, ماذا تقولين مثلا عن طالب جامعيّ في قسم الأدب العربي يقول ان الضرائب على الماء والهواتف والكهرباء كانت مرتفعة في العصر العباسي. او يقول: ان السينما ازدهرت في العصر العباسي في زمن المأمون
أجوبة سوريالية لم تخطر ببال حتى صموئيل بيكبت او يوجيت يونسكو
ولقد سألت ذات يوم طلابي عن اعطائي اسما من اسماء شعراء الحداثة في لبنان فقال لي احدهم رافعا يده: الجاحظ يا دكتور.
هل من الممكن ان نرى كتابا عن المرأة بقلمك وطبعا من المعروف انك من المدافعين عن حقوقها وما تعانيه من تقليص لدورها؟
- كتاب عن المرأة، لا اظنّ، ولكن اهتم بالمرأة من حيث هي رحم لغويّ، وانظر الى دورها الفذّ في تحسين علاقتنا مع اللغة، فهي اول مدرسة لغوية يدخل اليها الطفل بل ان الام يمكنها اذا وعت دورها ان تبدأ بتعليم جنينها لغويا بدءا من شهره السادس كما تقول دراسات تتناول علاقة اللغة مع الطفل لغويا, الأم هي مستقبل الانسان العربي سلبا او ايجابا, وعليها ان تدرك هذا الدور.
ولكن هناك كتاب قيد الاعداد ايضا وهو تحبيب اللغة عبر الحكايات وهي حكايات من تراثنا العربي تحمل مخزونا كبيرا من الحصافة التقطها من كتب التراث واحاول اسقاطها على واقعنا العربي.
نعم، انا من المؤمنين ان المجتمع تصنعه المرأة، فالولد في سنواته الاولى يعيش في احضان امه وجدته وخالته وعمته وهنّ يصغن رؤيته للعالم والحياة.
حتى كلمة فصحى لها علاقة بالحليب، وكذلك كلمة لهجة لها صلة لغوية ودلالية بالحليب, ومنهم من يقول ان كلمة لغة جاءت من فعل " نغا" المناغاة، ثم تم تحويل النون الى لام، والمناغاة صورة لغوية حميمة بين الام ورضيعها وفعل " المضارع" له صلة ايضا بالحليب.
ما تلخيصك لكتاب لعنة بابل؟
- حين كنت اجمع مقالات الكتاب، كان عندي هاجس واحد، هو ان احبّب من يقع في يده الكتاب بحبّ القراءة، وحب اللغة العربية، ثم لفت النظر الى الكم الهائل من الاشياء الرائعة في لغتنا التي تستحق ان نحضنها وندرسها ونسلط الاضواء عليها. وكنت وأنا اكتب المواضيع ابحث عن الخفيّ، عن افكار لم تلفت نظر كثيرين على اهميتها.
في الختام نشكر الدكتور بلال على وقته الذي منحنا اياه, مع تمنياتنا له بالنجاح الدائم والى لقاء قادم مع كتاب قادم ان شاء الله.
وكتابه "لعنة بابل" الذي اثار موجة من الإعجاب والدعم والتشجيع بين مثقفي العرب متوفر بالمكتبات اللبنانية وحاليا يُعرض في معرض الرياض للكتاب.. كذلك اصبح متوفرا في باريس بمكتبة.."ابن سيناء".
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق