الأحد، 29 يوليو 2018

الحمص والانسان العاقل / ‪#‎Homo_sapiens‬ ‪#‎Hummusapien‬ ‫#‏الإنسان_العاقل




هناك موقع طريف على الفاسيبوك يختصّ بالطعام، اسمه عبارة عن لعبة لغوية ذات علاقة بالحمّص!
في علم الإنسان هناك تعبير شائع هو homo-sapien ويقصد به المرحلة الأخيرة التي وصل اليها الانسان ، كلمة homo لا تحتاج الا الى حرف s لتصير تلفظ حمص، ومن يطّلع على حركات بعض المفردات يعرف ان هناك كلمات تخترق حدود لغتها وبيئتها وتصير مفردة عابرة للقارات واللغات، تتغير بعض ملامحها الصوتية دون أن يتغير شيء من جوهرها او نكتها.
وهذا حال كلمة حمّص التي صارت مفردة من لغات كثيرة في العالم .
فالمعدة صلة رحم!
والمآكل جسور او جدران.
فالخنزير مثلا جدار من جهة، وجسر من جهة أخرى!
جسر بين طرفين يستسيغان أكل الخنزير.
المآكل قيم حضارية، وفي العالم يمكن ان تصنّف الحضارات والثقافات بناء لما يأكلون، فهناك ثقافة الارز وهناك ثقافة الذرة مثلا، وهناك ثقافة الأرز وهي غير ثقافة القمح الخ
لأعود الى اسم الموقع hummusapien ، وهو اسم يعلي كثيرا من شأن الحمص، وما يؤكد هذا الإعلاء، هو امكانية ابدال الانسان بالحمص، بل هو التشابه الصوتي هنا بين الانسان والحمّص، فضلا عما تحمله كلمة sapien من دلالات تشير الى الحكمة، ويمكن ترجمة الكلمة حرفيا هنا على الشكل التالي: الحمّص الحكيم!
أشير الى ان كلمة حمّص تغيرت معالمها الصوتية بسبب الحاء التي تتحول الى h في لغات لا يوجد فيها حرف الحاء، والصاد تحولت الى حرف s للسبب نفسه، بينما الميم بقيت حيث هي لم يزعزعها تبدل الالفبائيات من يوم ان وضع الفينيقيون حروف الابجدية فهي في كل اللغات في الترتيب الالفبائي او الابجدي حلفظت على موقعها بعد الكاف واللام ملحوقة بالنون ك ل م ن klmn. 
هل لأنها عنصر من جذر الكلمة؟
والفروقات بين الحركات تحصل في اللغة الواحدة فما بالك حين تختلف اللغات ؟
وعليه نجده في صيغ متعددة مع الحفاظ على hms، كما في ‪#‎hommos‬, ‪#‎homos‬ , ‪#‎humus‬, ‪#‎hummus‬ , ‪#‎houmous‬, ‪#‎hoummous‬# .اة!

السبت، 28 يوليو 2018

بلال في مطعم الدنون






قالت لي #سوسن رفيقة القلب والدرب والكلمة: أريد أن تحضر لي صحن حمّص ولكن من يديك، وهذا ما كان.
أحببت تسجيل هذه اللحظة.
لا أنكر أنّي أحبّ جدّاً أن أدقّ صحن الحمّص بيديّ، وأتأمّل تحوّل الحبّات إلى طحين معروك بالطحينة والحامض، وأتأمّل ميل لون الحمّص بفضل الطحينة إلى البياض مع كلّ رشّة حامض.
في الفيديو المرافق مقتطف من تحضير الصحن.
والبقيّة تأتي..

حارسُ المقبرة قصة للكاتب الصيني: لي جيان وو ترجمتها عن الصينية: يارا المصري




كان حارسُ المقبرة هذا مثل زهرةٍ صفراء أعلى القبر توغلت في حياتي بدون جهد، ونشرت عطرَها المثيرَ الفواح، وسلبت روحي المدينية. وفي هذا الربيع المزهر، كان هذا الشيخ القروي الأحمق وكأنه أذابَ نهراً جليدياً، مُبدداً كآبتي بخفة وسرعة، وبغموضٍ أيضاً. كان غريباً عني تماماً، لكن الأمر بدا وكأننا عملنا معاً منذ سنوات ولنا إيقاعٌ واحد.

 لم أقترب منه بل تفحصته بنظري وكأنني أتأملُ شجرةَ سرو، تأملتُ رفيقَ المقابر الذي يشبه شجرة السرو في تمايل عوده المستقيم، وكأنَّه لا يرى بعينيه، بل ينصتُ بقلبه، ينصتُ إليَّ أنا الذي أشبه عصفورَ صباحٍ هائم، يترك أنشودةً صامتةً في غابات الصنوبر والسرو. وهو، شجرة السرو العتيقة، قال بلا مبالاة وفتور، كما لو كان يستقبلُ زيارة العصفور كل صباح، وبحرارة ذلك، وكأنه يحيِّي سمساراً يرتاد القرية دوماً:
ــ صباح الخير!
 بدت تحيته وكأنها أطولُ فاصلةٍ في جُملةٍ في حياته، انسابت بلطفٍ من بين شفتيه. لم يكن في حاجة لأن أجيبه، ولم أجبه كذلك، بل أومأتُ إليه برأسي وتركته إلى حيث يقبع قبرٌ صغيرٌ لا تزال تربته مائلةً إلى الصُّفرِة، ثم انحنيت تجاه القبر متأملاً شاهده القصير، فقال لي الحارس هامساً:

ــ لقد نمت الحشائش ولم يُدفن إلَّا العام الماضي فحسب!
صبيٌّ عمره أربعة عشر عاماً، لم يُحفر على شاهدِ القبر غيرُ اسمه. مات في نضارةِ صباه ولم يتذوق طعمَ الحياة، لأنه ما أن بدأ يختبرها حتى وافته المنية، تاركاً خلفه بضع كلماتٍ ـــ بضعَ كلماتٍ مُعمَّمةٍ بعاطفةٍ إنسانية لا حدود لها، وحزن والديه، ودموع إخوته، إشارةٌ لتخميناتنا. ثم ما الأقل صلابة من شاهد القبر؟ ما الأقل خلوداً من الكلمات؟ ما الذكرى الأقل قسوة من الولع؟ “نمت حشائش!” هذه أخبارُ الحياةِ الوحيدة. وبعد أن تمر العديد من السنوات، سيتآكل شاهدُ القبر، وستفنى الكلمات، ويتبدد الولع، إلَّا العشب الأخضر لن يتوقف عن النمو، سينمو سنةً تلو الأخرى، إلى أن يحجب تآكلَ الشاهد، ويحلُّ محلَّ قوةِ الإنسان كلها.

لقد أطاح ذلك بقبعاتنا المختالة ذات الشُّرَّابةِ الحمراء، وكشفت عن كون الحياة شيئاً ما أجرد. وربما يُضيِّع المرءُ سنواته عبثاً في صخب الحياة، لكن حين تأتي ساعةُ الموت، يلومُ السماءَ والناسَ ويصبح كثيرَ التذمر، قائلاً إنَّه لم يحقق شيئاً في حياته، ومن ثم يسكب دموعاً مُرَّة. ثم ما أن يلفظ أنفاسَه الأخيرة ــــ ولذلك يُدفن هنا، يكون تلك المَرَّة وحيداً حقاً، ولكن قبل أن يمر عامٌ على موته، تغطى قبره الحشائش، وكأنها تخبرنا بدلاً عنه، أنَّ له أهميةً الآن. والطبيعة قادرة على فعل أي شيء، أي إنها قادرة أن تحول قبحها إلى لطفها، وتشكل وقاراً ذا منزلةٍ سامية. وفي سكينة لا يمكن وصفها، أحسستُ بسلام الطبيعة، وهدأت روحي وكأنني خرجت من حفلٍ موسيقي مهيب.
ثم هل ثمة ما يبعث على السكينة أكثر من هذا كله؟ هل ربما حارس المقبرة الغامض ذاك؟ الذي يحرس مقابر غيره وهو على وشك أن يتحول إلى كومة من تراب، وسيموت بهدوء كما عاش حياته. ولعله عديم فائدة، مثل شجر الصنوبر، وشواهد القبور، والعشب الأخضر، وضوء الشمس، تلك الأشياء التي تزين المقبرة الكئيبة. ربما عمل طوال حياته مثل الجاموس في الحقل إلى أن شاخ، ولم يتذكره أحد وكأنه صديق قديم مات منذ سنوات عديدة حقرناه ووضعناه في خانة الأموات. أما هو فقد تقبَّل حظَّه العاثر، ورضي بقدره، لأنه كان في البدء مثل الحيوان، أو، لا، مثل النباتات، تعيش فجأة، وتموت فجأة. ثم هل هناك مَن هو أقرب من الطبيعة منه؟ أليس هو الطبيعة بذاتها؟
هو ليس بحاجة إلى الحكمة، ولا إلى النتاج الثانوي التي تخلفه الحكمة ـــ الوجاهة الزائفة. وهو كمثل المخلوقات الأخرى، له القدرة على الاعتناء بنفسه، لكن القدرة والزمن يتلاشيان في الوقت ذاته، أو كمثل المخلوقات الأخرى أو الأمواج، تتبدد تدريجياً في تيار الطبيعة، تبدد في تيار الطبيعة الهادئ العظيم! هو ليس موجوداً، فالطبيعة تمثل وجوده. وإن عاش، فهو يمثل أعجوبة الطبيعة، وإن مات، فهو يُكمِلُ جمالها. وهو يقوم بمهامه مثل حركة الشمس والقمر والنجوم في مدارها، مثل تعاقب الليل والنهار، بدون أن يترك أي أثرٍ في العالم.
لهذا تقدمتُ نحوه وجلست على المذبح إلى جانبه، وشرعت أتفحص وجهه الأسمر وكأنني أتفحص كائناً غريباً. لم يكن ثمة شيء ما مثير في ملامحه، كان مثل غيره من كبار السن الكادحين في الريف؛ وجهه مسكون بالتجاعيد العميقة، له عينان حزينتان ذات نظرةٍ لا مبالية، ووجه نحيل ذو ملامح حادة. ماذا يمكنني أن أستشف من هذه الملامح الفجة؟ هل يخبئ حزن رجل وحيد مثلي أنا القادم من المدينة؟ نبهتني حركته أنه أكثر من تجسيد للطبيعة، أنَّ له خبرةً روحية، وأنني وهو نملكُ درجةَ تَقَبُّلِ الفرح والألم ذاتها، لهذا لم أتمالك نفسي وسألته:
ـ أين تعيش؟
نظرت إلى جهة الغرب حيث أشارت يده، إلى قطعة أرض قريبة من المقبرة، بها كوخ من القش مربع بعض الشيء، وثمة سور منخفض من أعواد الذرة الرفيعة والذرة يحيط به.
ــ هل تعيش بمفردك؟
تردد برهة، من ثم حكّ رأسه وأشار إلى رسمة بقرة وغمغم قائلاً:” أعيش معهما.”
كان ثمة بقرة صفراء عجفاء تسحب جرافة عريضة وتُقلِّب تربة الشتاء المتجمدة، وصبيٌّ عمره ثلاثة أو أربعة عشر عاماً يتبعها.
ــ أليس هذا ابنك؟
ــ ليس لدي أبناء.
ومن نبرته الجافة أدركت أنني كنتُ متطفلاً، وجرحت إحساسه الذي جاهد في كتمانه قدر ما استطاع، لذا لزمنا الصمت، وكأن كلَّاً منا يضمرُ عداوةً للآخر، متربصاً بالفرصة ليظهر انتصاره على الآخر. وشيئاً فشيئاً شعرت بالتعاطف يغمرني ، ولم أشأ أن أُظهره، بل التفتُ وتأملتُ الكوخ قبالتي المُعرض للتهدم في أي وقت.
يا له من انسجام! حيث كل شيء خلاب ونابض بالحياة. لكن حزن المرء لا يمتدُ إلى إشقاء نفسه فحسب، بل يمتزج حزنه بالطبيعة ويخلق  حزناً باهتاً مُكتملاً. لم أجرؤ على سؤاله مرة أخرى، فقد كنت أعلم على كل حال أنَّ الروح ستظل هائمةً أبداً، والجسد الذي تكمن فيه الروح سيظل جميلاً أبداً، مثل الطبيعة ستكون في انسجام أبداً. أما الإنسان، هذا الذي يهيم وحيداً في الكون وسط غيره، فليس ثمة فرق بينه وبينهم. وإذ أغادر حارس المقبرة الخرف، شعرتُ أنني انتكهت خصوصيته، أنا الغريب الذي أنتمي إلى عالم آخر.

العرب وعصر المعلومات



ليست القوة اليوم في العالم لمن يملك أكثر، وإنما لمن يعرف أكثر. ومن الأمور اللافتة للنظر ان أثرى أثرياء العالم اليوم هم من أولئك الذين يعملون في ميدان البرمجيات وعلى رأسهم بيل غيتس رئيس شركة ميكروسوفت. وهذه القوة يفتقدها العالم العربي بل بيننا وبينها فجوات كثيرة لا بدّ من ردمها للقبض على "قوّة العصر"و"روح العصر". هذا ما يصرح به كتاب "الفجوة الرقمية، رؤية عربية لمجتمع المعرفة" الصادر عن سلسلة "عالم المعرفة" في الكويت، للدكتور نبيل علي والدكتورة ناديا حجازي.
الكتاب شامل وعميق وغني بالمعلومات والإحصاءات والرسومات البيانية التي تظهر مدى الوهن في الجسد العربي. يرى البعض ان انتقاد الذات هو بمثابة جلد لها في حين يرى الكاتبان ان عدم نقد الذات هو أشبه بدفن الرؤوس في الرمال، وابقاء الحال على ما هو عليه. والمعركة الأهم اليوم التي يجب ان يخوضها العرب هي المعركة الرقمية، فثمة تعاون بين الموساد ووكالة الاستخبارات الأمريكية لتفخيخ معدات تكنولوجيا الاتصالات والمعلومات ببرامج التلصص الالكتروني التي يتم تصديرها للمنطقة العربية، مما يعني ضرورة التخلص من التبعية الرقمية. ويشير الكاتبان إلى تخلّفنا الرقمي الشديد بالنسبة لإسرائيل التي تأتي بالمرتبة الأولى في العالم من حيث نسبة حجم الإنفاق على البحوث العلمية وتطوير التقنيات الرقمية، وفي المرتبة الثانية في عدد المهندسين بالنسبة إلى عدد السكان بعد ألمانيا والمرتبة الأولى في تطوير نظم حماية امن البيانات وتحصين مواقع الانترنت ضد الاختراق، وفيما يخص النشر العلمي فان إسرائيل تنشر ما يعادل 12 بحثا لكلّ عشرة آلاف شخص بينما يبلغ هذا المعدل ثلث بحث لا أكثر لكل عشرة آلاف شخص في العالم العربي. وعلى صعيد الترجمة، وهي من الأسلحة الضرورية لردم الفجوات المعرفية والرقمية، فان عدد الكتب المترجمة لكل مليون شخص يبلغ 100 كتاب في إسرائيل بينما ينحدر هذا الرقم إلى ثلاثة كتب مترجمة لكل مليون شخص في العالم العربي. كما ان إسرائيل اليوم من أوائل الدول في استغلال الانترنت معرفيا واقتصاديا وإعلاميا.
وبالنسبة لهجرة العقول العربية أو نزيف الأذهان العربية، يشير المؤلفان إلى الفارق الجوهريّ بين إسرائيل والعرب من حيثُ استثمار رأس المال البشريّ المدرّب الخلاّق القادر على توليد المعرفة، وعدم تركه لمغريات الهجرة. ورغم ان إسرائيل تعاني اليوم من تخمة العناصر البشرية ذات المهارات العالية إلا أنها لا تفرط فيهم على شاكلة الدول العربية، بل تحتفظ بهم كرصيد استراتيجي عملا بقول حاييم وايزمان:"ان العلم هو سلاحنا، ومصدر قوتنا ودرعنا " بانتظار ان تنجح في اختراق مؤسسات البحوث والتطوير العربية، بينما بعض الدول العربية تغري على هجرة الرؤوس لتمويل الخزينة بالعملة الصعبة متجاهلة ما يستتبع ذلك من "فقر دم" فكريّ.
كما انها أدخلت تعليم الكمبيوتر على كلّ مراحل التعليم الرسميّ من الحضانة انتهاء بالجامعة، وإدخال مفهوم التعليم المستمر، على امتداد مراحل العمر من خلال التعلّم عن بعد والبثّ الإذاعيّ والتلفزيونيّ.كما ان إسرائيل التفتت إلى المعلّم وشجعته على مواصلة التعليم وفتحتْ أمامه الطريق ويسرت له السبل للحصول على أعلى الدرجات العلمية حتى درجة الدكتوراه،بخلاف ما نرى في بلادنا من تقليص العلم إلى شهادة ضامرة تطلب لغايات وظيفية أكثر مما تطلب لغايات علمية، مع ما ينتجه ذلك من ضرر فادح من خلال ما يسمى بالأمية الوظيفية.
ويشير الكاتبان إلى تجارب بعض الدول النامية التي لم تكن إلى زمن قريب أفضل حالا منا إلا أنها صنعت المعجزات في فترة زمنية قصيرة كالهند ويذكر الكاتبان مشروعها الطريف والذكي وهو ما يسمى ب "ثقب في الجدار" الذي يقوم على نشر مجموعة من الكمبيوترات في القرى النائية تثبت في الجدران وتزود بعصا تحكم شبيهة بتلك المستخدمة في برامج الألعاب لكسر الرهاب من الكمبيوتر لدى البسطاء والأطفال والتعلّم بالاكتشاف من خلال التجربة والخطأ وفي غضون ساعات قليلة كان أطفال القرى المتحمسون يتصفحون الانترنت، ويبحرون في فضاء العصر.
ويستعرض الكاتبان تجربة ماليزيا التي انتقلت من تصدير المطاط إلى تصدير منتجات التكنولوجيا المتقدمة، من خلال اتباع سياسة حكيمة ومبتدعة حيث اعتمدت على المحلي والعولمي بشكل متكامل، وربطت بين الحضري والريفي، وبيت الاقتصادي والثقافي، مع إعطاء عناية فائقة للعنصر البشري من خلال التعليم والتدريب، في حين ان الفجوة التعليمية التي يعاني منها العالم العربي بسبب سياسة التلقين والتدجين المعرفي واستراتيجية التعليم القائم على التسلسل الخطي بدلا من ان يكون شبكة مفتوحة من مسارات التعلم وتداخلها، بعد ان ظهر مجددا التخصص البينيّ الذي هو على نقيض التخصص الضيق والبربريّ كما يسميه المؤلفان. والكاتبان يريان ان بناء جدار عازل بين العلوم الإنسانية والعلوم المحضة ما هو إلا من قبيل بناء جدار بين شقي الدماغ البشري في حين أننا نحتاج إلى علماء جدد في العلوم الإنسانية ذوي ميول علمية والى علماء ومهندسين وبيولوجيين ذوي صلة بالعلوم الإنسانية، بعد ان أضحى الفصل بين الاثنين مضرّا بالطرفين معا.
ويتوقف أيضا عند المعلم الذي لا بد من ان يغير استراتيجية التعامل مع الطلاب من خلال حثه على التعلم الذاتي المستدام، لا ان ينغلق في كتب التعليم، يقول بصوت عال ما يقوله الكتاب بصوت خفيض، وبإكساب مهنته طابعا بحثيا، وان لا نعطيه منهجا سابق التجهيز ومنهجيات صارمة لا تسمح بالتفلت منها.فالمدرسة بعقليتها الراهنة هي بنت العصر الصناعيّ،ولا بد من تغيير استراتيجياتها لتلائم العصر الرقمي حيث المعلومة متحركة ومتجددة باستمرار. ويتوقف الكاتبان عند استثمار التعلّم العرضي وهو غير متوفر بشكل سليم في بلادنا كالمتاحف والمكتبات والمعارض. ومن مساوىء التعليم عندنا عدم التنسيق والتكامل بين أدوات المعرفة في المجتمع كالأداة الإعلامية والثقافية، وعدم الاهتمام بتعريب التعليم، والاهتمام بمحو الأمية الأبجدية دون الالتفات إلى محو الأمية الوظيفية مع ما يسببه ذلك من خسائر مادية لا يستهان بها.
كما ان الكتاب يتناول فجوة العقل الرازح تحت تبعية مزدوجة: تبعية للماضي أو للغربيّ. فالعقل العربي اليوم إما انه صنيعة السلف وإما انه صنيعة الغربي. فالعقل العربي أوكل مشاريع تنميته إلى مقاولي الخارج، كما أوكل تعريب نظم معلوماته إلى الشركات المتعددة الجنسيات مما يعنى ازدياد الفجوة الرقمية اتساعا، واعتمد إلى خبراء أجانب لإيجاد حلول له مع جهلهم للواقع العربي الثقافي والانتروبولوجي مما يجعل اقتراحاتهم غير قابلة للتحقق، كما انفصلت نخبه عن عامته تاركة إياها لقمة سائغة للقوى الرمزية الضارية، وللإيمان بحلول خرافية، أو للاستكانة والرضوخ للفكر الغيبي، وتظهر العمليات الإحصائية لقياس فجوة العقل ان العربي دون المعدل الوسطي العالمي. ويعتبر المؤلفان ان اغلب الفجوات التي يعانيها الإنسان العربي نتيجة واقع لغوي أيضا، والإنسان هو الذي يقرر تحويل لغته إلى حصن أو إلى سجن. ويبدو ان العالم العربي لم يستطع إلى اليوم تحويل لغته إلى حصن علمي. وان كان التعليم هو المنطلق لرأب الفجوة الرقمية، فلا بدّ من أن يكون التعليم باللغة الأم بخلاف ما عليه الحال في أغلب الدول العربية حيث الجفوة بين العربيّ ولغته تعمق من الفجوة العلمية. ويعتبر المؤلفان ان التعليم باللغات الأجنبية للمواد العلمية لا ينم عن ذكاء بقدر ما ينم عن جهل بأهمية اللغة الأم. والمجتمع العربي بنخبه التربوية والفكرية والسياسية منقسم على نفسه حول هذه القضية انقساما ندفع ثمنه علميّا. فالبعض يرى ان العربية قاصرة عن تعريب المواد العلمية (وكأنّ العجز في اللغة وليس في مستعمل اللغة)، أو ان تعريب التعليم سوف يفصل بين العربي ومراكز التطور العلمي، إلا ان ما ورد في تقرير التنمية الإنسانية لعام 2004 يظهر بالأرقام ان الإنتاج العلمي ممثلا بعدد براءات الاختراع لكل مليون فرد يزيد في الدول التي تعلم بلغاتها القومية عن تلك التي تعلم باللغات الأجنبية، ويؤكد الكاتبان ذلك بالإشارة إلى تقارير عن تفوق الأطباء السوريين في امتحانات التأهل في الجامعات الأوروبية والأمريكية على أقرانهم العرب ممن تلقوا الطب باللغات الأجنبية. قد يفترض القارىء ان الكاتبين يخففان من دور اللغة الأجنبية وهما يتكلمان عن التعريب الا أنهما يردفان كلامهما عن فجوة الترجمة بل يقترح الكاتبان بأن تقوم الجامعات العربية بتكليف طلاب الدراسات العليا، ترجمة كتاب إلى العربية كلّ في مجال تخصّصه، ويرى المؤلفان ان توطين المعرفة في العالم العربي لا يمكن تحققه إلا بالاهتمام الكثيف بالترجمة, وهي لا تزال ضامرة إلى اليوم، حيث ان ما يترجمه العالم العربي من كتب قد لا يزيد على خمس ما تترجمه دولة أوروبية صغيرة مثل اليونان التي يقلّ عدد سكانها عن 5% من سكان الوطن العربي.
قد يظنّ القارىء ان الكاتبين متشائمان بسبب تسليط الأضواء على الخلل المعرفي العارم، إلا انه سرعان ما يلحظ ان أغلب العلاجات التي يقترحانها هي اقتراحات ليست عصية ولكنها تحتاج إلى إرادة واعية كفيلة بتغيير ملامح الوجه الباهت للراهن العربي، إذا كنا لا نريد ان نبقى مجرد رقم مبهم وغفل في هذا الزمن الرقميّ.

الملاك والشيطان

قرأت ما يلي:
يــحكى أن حاكم ايطالي دعا فنانا ً تشكيليا شهيرا و أمره برسم صورتين
مختلفتين و متناقضتين عند باب اكبر مركز روحي ف ي البلاد
امره أن يرسم صوره ملاك و يرسم مقابلها صوره الشيطان

لرصد الاختلاف بين الفضيله و الرذيله...


و قام الرسام بالبحث عن مصدر يستوحي منه الصور ..وعثر على طفل بريء وجميل

تطل السكينة من وجهه الأبيض المستدير وتغرق عيناه في بحر من السعادة

ذهب معه الى أهله و استأذنهم في استلهام صوره الملاك من خلال جلوس الطفل أمامه كل يوم حتى ينهي ذلك الرسم مقابل مبلغ مالي
و بعد شهر أصبح الرسم جاهزا و مبهرا للناس

و كان نسخه من وجه الطفل
و لم ترسم لوحه أروع منها في ذلك الزمان

و بدأ الرسام في البحث عن شخص يستوحي منه وجه صوره الشيطان

و كان الرجل جادا في الموضوع

لذا بحث كثيراً
و طال بحثه لأكثر من اربعين عاما
و أصبح الحاكم يخشى ان يموت الرسام قبل ان يستكمل التحفه التاريخية

لذلك أعلن عن جائزة كبرى ستمنح لأكثر الوجوه إثارة للرعب

و قد زار الفنان السجون و العيادات النفسية و الحانات .و أماكن المجرمين

لكنهم جميعا ً كانوا بشرا ًو ليسوا شياطين

و ذات مره
عثر الفنان فجاه على(الشيطان!)

و كان عبارة عن رجل سيء يبتلع زجاجه خمر في زاوية ضيقه داخل حانه قذرة

اقترب منه الرسام وحدثه حول الموضوع ..و وعد بإعطائه مبلغ هائل من المال .. فوافق الرجل
و كان قبيح المنظر ..كريه الرائحة ..أصلع وله شعرات تنبت في وسط رأسه كأنها رؤوس الشياطين!
و كان عديم الروح و لا يأبه بشيء ويتكلم بصوت عال ٍو فمه خال ٍمن الأسنان

فرح به الحاكم لان العثور عليه سيتيح استكمال تحفته الفنية الغالية
جلس الرسام أمام الرجل و بدأ برسم ملامحه مضيفاً إليها ملامح ( الشيطان !)

و ذات يوم
التفت الفنان الى الشيطان الجالس أمامه و إذا بدمعه تنزل على خده
فاستغرب الموضوع

و سأله إذا كان يريد ان يدخن أو يحتسي الخمر!
فأجابه بصوت اقرب الى البكاء المختنق

(أنت يا سيدي زرتني منذ أكثر من اربعين عاما حين كنت طفلا صغيرا

و استلهمت من وجهي صوره الملائكة وأنت اليوم تستلهم مني صوره الشيطان

لقد غيرتني الأيام و الليالي حتى أصبحت نقيض ذاتي! بسبب أفعالي ..
و انفجرت الدموع من عينيه و ارتمى على كتف الفنان
و جلسا معا يبكيان أمام صوره الملاك

*

الاثنين، 23 يوليو 2018

أمثال وأقوال


ثمّة شيء يجمع بين بعض ابيات الشعر والأمثال وهو السير.أقدام الأمثال لا تتعب. وبعض بيوت الشعر تمشي كبيوت الشَّعر! بيت العربي القديم خيمة من "وبر " الجمال تنصب في المضارب. ففي القول المأثور شيء من الشعر. انه مما خفّ حمله وغلا ثمنه. يخفّ حمله على الذاكرة لطبيعته الصوتية ووجازته. قلت السير هو جامع بينهما. والسير على الأقدام أو على الأفواه لا يختلف كثيرا. فنحن نقول "الأقوال السائرة"، وعليه فإن مفهوم مفردة السير ليست من عندياتي. كان العربيّ القديم يسكن في الحركة. ومن الطريف تسمية الفتحة والضمّة والكسرة، في العربية، بالحركات! وللمتنبي وصف للجمال مميّز، يقول في بيت غزليّ :
" تَناهى (سُكونُ) الحُسنِ في ( حَرَكاتِها)
فَلَيسَ لِراءٍ وَجهَها لَم يَمُت عُذرُ".
هذا السكون المتحرك، هذا الحسن الحاضن للأضداد هو في الوقت نفسه من خصائص الأمثال المتحركة، ولكنّه أيضا في العصر الحديث خصيصة هندسيّة عند المهندس المبدع #سانياغو_كالاترافا #Santiago_GALATRAVA الولوع بتشييد أبنية متموّجة تخالها على وشك الإقلاع أو الإبحار!
#بلال_عبد_الهادي

الكتابة في زمن الانترنت


كثيرون كانوا مرتاحين من همّ الكتابة، إلى أن جاء الهاتف الذكيّ وجرّهم مجدّداً من رؤوس أصابعهم إلى مضمار الكتابة. فاجأهم، جاء على حين غرّة، فشمّروا عن أصابعهم وراحوا يتعاملون ليس مع القلم وإنما مع نمط جديد من الكتابة هو لوحة المفاتيح.
فصارت أصابعهم أقلاماً، ( وهذا ما أراده #ستيف_جوبس رحمه الله )، يغمسونها في لوحة المفاتيح التي تشبه الرمال المتحرّكة.
منهم من قال: بلا فضايح يا ولد، كفّ عن الكتابة وأنت لا تملك من أدواتها إلاّ أصابعك، فاكتفِ بالتشيير، أو بالصور، أو بالشواهد المنقولة كما هي.
ومنهم من قال: هذه فرصتي لأستعيد همّتي وأبجديّتي فراح يكتب وعينه على تجويد ما يكتب، فراح يترصد أخطاءه، ويتصيدها كي لا يقع في شباكها الشائكة، فتحسّن أسلوبه، وتقلصّت رقعة أخطائه، وهذا جهد قام به، وعاونه على تحقيق بغيته الأخ غوغل المليء بالمعاجم والتصويب.
الكتابة ترعب بعض الأصابع بخلاف الفم، ولقد أوجدت وسائل التواصل الرسائل الصوتية التي تريح الأصابع من النقر، ومن الأخطاء!
لمن يخطىء أقول: لا أمل لك إلاّ بالقراءة!
من يقدر أن يحصي عدد الكتب الموجودة في هاتفه؟
#إقرأ_تبرأ
الكلّ يقرأ ، اليوم ، حتّى ذلك الذي لا يفكّ حرفاً
مثلا من المعروف والمفهوم أن يخطىء المرء بين #الزاي والذال ولكن ليس في كل المطارح، مثلاً من المعيب والشائن والمثير لمليون علامة تعجّب أن يخطىء بين الزاي والذال في كلمة مثل " الذي" لأنّ " الذي" من الكلمات التي يكثر استعمالها وكتابتها ، ( أتساءل : هل يخلو نصّ من الذي؟ وعليه من المستحيل على شخص يقرأ أن يقف حائرا - وهو يكتب " الذي" بين الزاي والذال- ، إلاّ إذا كان يقف حائراً وهو يقوم بجمع ١+١ فيتردّد بين أن يكون جمعهما ثلاثة أو اثنين!

اورفيوس



#أورفيوس رجل أسطوريّ من أساطير الإغريق. كان موسيقاراً لا يهزّ مشاعر البشر فقط، بل كانت تطرب له الحيوانات، وتهتز لأنغامه مشاعر الأشجار فتتحرّك من أماكنها وتنتشي طربا وتتمايل لأنغامه الأعشاب كما تتمايل تحث تأثير النسائم الناعمة.
علماء كثيرون يثبتون اليوم أنّ للنباتات قدرة على الاستماع والاستمتاع بالموسيقى ويظهر ذلك من خلال تجارب كثيرة على زيادة ثمار من تمنح أغصانها فرصة الاستماع للألحان!
بعض الأساطير ( لا كلّها) علوم سابقة لأوانها!
ومن يهزأ من كلّ الأساطير بحجّة العقلانيّة إنّما يظهر ، من غير أن يدري، قصور عقلانيته!

نشأة_اللغة


العلماء حائرون أمام نشأة اللغة، هناك فريق يقول إنّ الإنسان بدأ اكتساب اللغة يوم حرّر يديه وشفتيه!
قبل أن ينتصب الانسان على قدميه كان فمه يقوم بوظيفة اليدين.
كان الفم له مهمة التقاط الأكل بشفتيه كما يفعل الحيوان الحقيقي تماما. وقلت الحيوان الحقيقيّ لأنّ للحيوان حياة أخرى هي حياة خرجت من خيال الإنسان ، حياة مؤنسنة، كما نراها في الرسوم المتحركة مثلاً، حيث يسلك في طريقة طعامه ما يسلكه الإنسان .
ألم نر حيواناً يستعمل الملعقة والشوكة والسكّين وهو يأكل؟'المهمّ كان الفم يقوم بدور اليدين كما لو أنّ كلّ شفة يد!
وهذا أمر يعيق عملية الحكي، وحين انتصب الانسان على قدميه حرّر يديه فقامتا بما كان يقوم به الفم في التقاط الثمار، كان يقطف بفمه صار يقطف بيديه، صار للفم متّسع من وقت!
اعفاء الفم من مهمّة اللقط قلّص مع الأزمان حجم الفكّ فتراجع إلى الوراء، والانتقال من الشكل الأفقي إلى الشكل العموديّ غيّر أيضا من موضع الحنجرة فامتلكت مقدرات كانت تعوزها وهي في اتجاه أفقي !
طبعاً هذه نظرة تناقض النظرة التي تبنتها بعض الأديان لا كلّها

مكتبة الراحل باسم ميقاتي

مع الصديق الدكتور زياد منصور

الراحل #باسم_ميقاتي رحمه الله كان عاشقاً للمعرفة، هذا ما تقوله مكتبته التي أحبّ أن يهبها بعد رحيله للجامعة اللبنانية.
وهكذا تبقى مكتبته تقوم بخدمة كل راغب في المعرفة.
فيها كتب يعود زمن إصدارها إلى نهايات القرن التاسع عشر يوم كان العرب يحلمون بالنهوض وبدأوا يقومون بما يمهّد لهذا النهوض.
مكتبة الراحل متنوعّة الأغراض: سياسة، دين، فلسفة، تصوّف، لغة، نقد، أدب، تاريخ، جغرافيا، طبّ، زراعة، علم نفس، لا أظنّ باباً من أبواب المعرفة إلاّ ويجد السائل شيئاً عنه. أعداد مجلات لعبت دورا رياديا في زمن النهضة: المقتطف، الرسالة ، المجلّة.، العربي، الطريق، المعرفة، الكاتب، الآداب، عالم الفكر، الوقت، الطريق، عالم المعرفة، كتاب الهلال الذي سرق أرشيفها في القاهرة مؤخرا للأسف، كتاب إقرأ ، سلسلة ذخائر العرب الراقية.
ستقوم #الجامعة_اللبنانية- كلّيّة الآداب- الفرع الثالث- بهمّة المديرة النشيطة الدكتورة العزيزة #جاكلين_أيوب في تخصيص قاعة لها.
هنا نقوم الدكتور الصديق #زياد_منصور وأنا في إخراج الكتب من الصناديق، وتصنيفها تصنيفاً أوّليّاً تبعا لمواضيعها قبل أن يصار إلى وضعها في القاعة التي ستحمل اسم الراحل لتكون مرجعا علميّاً ثميناً ونفيساً للطلاّب والأساتذة.
أحببت في هذه العجالة البسيطة الإشادة بعمل الراحل الذي خصّ الجامعة الأمّ بفلذة معرفته .
رحمه الله بعدد الحروف التي تضمّنتها مكتبته العطرة والثريّة

تروى هذه الواقعة عن الشاعر الصيني تاو يْوان مينغ #陶渊明.


كان يملك آلة وترية تدعى تْشين ولكنها مقطعة الأوتار بالكلّية ، فكان من عادته، اذا اشتاقت نفسه للموسيقى، أن يتناول هذه الآلة العجماء، ويداعبها بأنامله ، حتى إذا سئل في ذلك قال: إنّي أتذوّق نكهة الموسيقى، فما حاجتي إلى الأصوات التي تنبعث من الأوتار

#المثّنى


كتابة المثنّى تعرّض الكثير من الأصابع إلى وجع الرأس.
هنا لا يمكن للمرء أن يلجأ إلى القاعدة الحريرية، أي وضع سكون على الحرف الأخير من الكلمة هروباً من الإعراب.
التسكين مع المثنّى ضحك على الذقون كتقبيل الأيادي! يترحّم المرء على الإعراب بالحركات حين يأتيه على حين ضرورة الإعراب بالحروف.
لا يسهل قصف رقبة الحرف كما هو الحال مع الحركات أو مع أغلبها.المثنّى يريحك من الواو. ويقول لك : انا المثنّى أحبّ الثنائيات لا الثلاثيّات، لهذا قررت الاستغناء عن الواو، وصرفتها من الخدمة، ووكّلت الألف أن تقوم بمهمتها في رفع الأثقال الإعرابية. أتعامل فقط مع الألف والياء. واوي ألف!
الألف والواو تكشف عضلات المرء النحويّة في أمور لا علاقة لها بالمثنّى، تكشف علاقته السليمة أو السقيمة مع الغائب، مع المتواري عن الأنظار!
ممّا تراه تعرف ما لا تراه، أو بالأصحّ، ترى ما لا تراه.

كل فكرة هي حبّة قمح تصير سنبلة .


كل فكرة هي حبّة قمح تصير سنبلة .
قصدت لا توجد فكرة إلاّ وتولد منها أفكار متعدّدة ، وكل واحدة منها تعيش حياتها الذاتية.
والفكرة قد تكون روحية أو غير روحية.
فالبوذيّة صارت بوذيّات، والطاوية طاويّات، والدين الواحد أديان.
هذه طبيعة الأشياء، وهذه هي الضريبة التي تدفعها الفكرة الواحدة.
فالبعث صار بعوثاً، والشيوعية شيوعيّات، والرأسمالية رأسماليّات.
ليس أمام الفكرة لتعيش إلاّ أن تصير أفكاراً، الفكرة العاقر هي وحدها الفكرة التي لا تنجب أفكاراً ، تماما كما الرحم العاقر تماما الذي لا يثمر إلاّ خيباتٍ موجعة!
اتركوا للفكرة أن تعيش حيواتها المتعددة، إلاّ إذا قررتهم أن تقوموا بعمليّة إخصاء لها.
وإخصاؤها حرمانها من التناسل أي الحكم عليها بالموت وهذا ما يمكن أن يقع تحت ما يسمّى في التعبير العربيّ " ب #الحبّ_الجحّاشي

النصّ #حرباء


النص المكتوب نصّ مفتوح على دلالات عدّة. ومهما كان النصّ بسيطا فإنّه ليس من السهل اكتشاف مراميه. حين لا تعرف كاتب النصّ لا يمكنك معرفة النصّ. ولا يكفي أن تعرف كاتب النصّ لتلقط معنى النصّ. لسانيّات الخطاب من أعقد الدراسات اليوم. عليك أن تعرف خلفيّات من كتب النصّ، حالته النفسية، ظروفه الاجتماعية، ميوله السياسية والروحية.
عبارة واحدة يختلف معناها باختلاف قائلها: اعزب، متزوج، أرمل، مطلّق، مصاحب، عاشق، استاذ، تلميذ، غني، فقير، صغير ، كبير، بنت، صبي. عبارة " المال ليس كلّ شيء" تخرج من فم فقير لا تحمل المعنى نفسه الذي تحمله لو خرجت من فم غنيّ. وعبارة " أنا جائع" تقال من فم مسلم في رمضان لا تحمل المعنى الذي تحمله في الايام العادية، وقد تخرج من فم مسلم صائم، ولكنّها يمكن ان تخرج من فم مسلم غير صائم في رمضان. كيف اعرف ما تحمل العبارة على بساطتها؟ فقد يكون الناطق بها مسنّا ومريضا ويعجز عن الصيام، أو طفلا صغيرا غير مطلوب منه الصيام، وقد يقولها المسلم الصائم في صباح اليوم الرمضاني فيكون معناها غير ما تعنيه قبل الافطار بقليل بعد أن يكون الجوع قد فعل فعله معه. وقد يقولها الشخص كنوع من الاستفزاز. هل اعرف معنى العبارة اذا كنت ايضا لا اعرف الى من هي موجهة، ومن هو السامع لها؟
احيانا اجد عبارة مكتوبة على " تويتر" أو " الفايبسبوك" " وأتفاجأ أنّها نالت إعجاب شخصين وهما على طرفي نقيض فكري او سياسي او ديني. طرفان ؟ ما الذي وحّد بينهما غير ان كلّ واحد منهما رآها من منظاره الخاصّ، وفهمها على طريقته الخاصّة.
الإبهام قوّة للعبارة. الإبهام إيهام بالوضوح. ومن هنا قوّة الأمثال والأقوال المأثورة التي تتجرّد من سياقها، وتحرّر من ظروف القول، فيصير " جسمها لبّيساً" بسبب " الالتباس" الذي تحتمي به.
في علم اللغة الحديث درس جديد، شديد الحيوية، هو ما يسمّى بالدراسة البراغماتية او التداولية ويقصد به دراسة الكلام على ضوء استخدامه. من استخدمه؟ اين استخدمه؟ كيف استخدمه؟ لماذا استخدمه؟ مع من استخدمه؟ في اي وقت استخدمه؟ كل هذه الأسئلة هي الإطار الذي يبلور المعنى، بل يبلور حيّزا من المعنى ولا يفرج عن كلّ مراميه.
وهذه الدراسات اللغوية البراغماتية جمعت بين كلّ العلوم اللغوية، فالنحو وحده لا يقول شيئاً، والمعنى المعجمي وحده قد يكون أبكم، هي دراسات أزالت الحدود المصطنعة بين العلوم اللغوية والبلاغية والنفسية والاجتماعية.
اللغة بهلوان، وهي تحتاج الى علم يملك القدرات البهلوانية نفسها التي تمتلكها اللغة، علم متمرّس بألعاب الخفّة، والمشي على الحبال، علم يمتلك جسد حيّة، وشفافية قنديل البحر، وليونة اخطبوط.
أذكر في الختام كلمة كان ينهي علماؤنا القدامى الأفاضل بها كلامهم، وهي " والله أعلم"، والعبارة تليق بهذا العلم اللغويّ الذي لا يزال على فتوحاته المذهلة في السنوات الأخيرة يحبو على يديه وركبتيه.
فاللغة سرّ كالنفس البشرية، سرّ يزلق كالزئبق من بين أصابع اللاقط.
والمعنى روح القول، والروح من أمر ربّي!

#Schengen #شنغن



لا أحد يعرف كيف تكتسب الكلمات دلالات جديدة، ولا كيف أو في أيّ لحظة يتغيّر مصير كلمة.

هكذا كلمة شنغن التي تعني فيزا عابرة لأغلب الدول الأوروبية. تأشيرة دخول إلى البيت الأوروبي من أي باب أحببت.

وشنغن هي ، في الأساس، قرية من قرى لوكسنبورغ واقعة على الحدود بين فرنسا وألمانيا، وبما أن الاتفاق حول طبيعة الفيزا حصل في هذه القرية بين دول المنطقة الأوروبية منحت اسمها لهذه الفيزا، فنالت بفضل التأشيرة شهرة عابرة للحدود، ومفردة عالمية تخرج من فم كل راغب في رحلة إلى بلدان الوحدة الأوروبية.
كلمة انفتحت لها أبواب اللغات كلّها وليس فقط أبواب اللغات الأوروبية.
هناك كلمات حظّها يفلق الصخر

#الإنجاب



هناك كلمات لفرط استعمالها ننسى ماذا تعنيه. وكلمة #إنجاب تخفي وراءها أمنيات وأحلاما وتطلّعات.
لا يمكن حين نحفر عميقاً في دلالة الكلمة الأولى الا العثور على معنى متوار، غطّاه غبار الاستعمال.
والاستعمال لا ينفض الغبرة عن المستعمل بل يزيد من كثافته.
الإنسان كائن يتخيّل ولأنّه يتخيّل يتوهّم. ومع الوقت يعتاد ما يتوهمه حتى يصير يقينا لا تزعزعه أعتى الحقائق المعارضة. ولعلّ الموت هي المياه التي تسقي نبات أوهامه .
الوهم رحم ولود.
لماذا أدخلت الأمنيات والتطلعات على مفردة بيولوجية فيما يعتقد كثير من الناس.
الإنسان يتأمّل، وأحلام كل الناس لا يمكن فصلها عن الأرحام.
النجابة هي أصل معنى الإنجاب، هنا النظرة الى عقل الجنين لا الى جسده، تحلم الأم بأن تكون لثمرة بطنها حياة مليئة بالنجابة والعزّة والنجاح وكل الصفات الحميدة والانجازات العظيمة.
وهكذا مع كلمة انجاب صار كل حمل مشروع تغيير مصير نحو الأحسن.
للأسف الانجاب لا يحقق أحلام كل الأرحام!
كم من رحم عاش خيبة أمل!
وكم من رحم شعر بالندم!
وكم من رحم كانت ثماره مهلكته!
طبعا، المعنى الراهن للإنجاب هو الولادة، فأنجبت المرأة تعني وضعت حملها.
ولكن الكلمة في أساس معناها تخفي أملا.

الواقعية


#الواقعية

مفردات كثيرة في بلادنا نلعب بمعناها، كلام نحرفه عن معناه السليم والقويم.
كل كلمة مفردة ذات وجهين على الأقلّ، وتخفي في قبعتها ما طاب لها من أقنعة. ولكن الكلمة كالظلّ أو كالغيمة لا تتوقف عن التشكّل، وما يحدد معناها في لحظة راهنة هو الاستعمال والسباقات التي تضع لها أطراً، وترسم لها حدودا.
ما أشعره وأنا أقرأ هذه الكلمة في استعمالاتها أنّها كلمة مريبة، تسعي إلى تحويل الأسد العائش في البراري إلى أسد يعيش في السيرك، حيوان، مروّض، تعيس، يتصرّف وفق مشيئة المروّض.
الواقعية ، في الاستعمال العربي، ترويض للناس، تدجين للأحلام، قبول بالرضوخ، بل الإقلال عليه. الواقعية في الحقيقة هي مغامرة، تدرّب على ركوب الأمواج، أي انقلاب للأدوار من أن تكون مروِّضا بدلا من أن تكون مروَّضا.
ما هي الواقعية العربية اليوم؟
كيف يعيشها المواطن العربي العادي، البسيط؟
كلمة الواقعية، اليوم، تستعمل لغسل الأدمغة بل مسحها أو طمسها!
ما علاقة الواقعية بهذا الكمّ المرعب من اليأس، واللامبالاة، والاستهتار، والانكباب على العبث؟
الواقعية الجميلة هي الواقعية التي تكون منصة اقلاع إلى عزلم أفضل وأجمل!
هل هذه هي الواقعية التي يعيشها العربيّ؟
هل الواقعية التي تفتح شهيتك على فيزا هجرة هي واقعية حميدة؟
هل الواقعية التي تخلخل كل المعايير هي معايير تعمل لواقع منتظر أفضل؟
الواقعية المشغول عليها اليوم هي واقعية تسحب منك كل أسلحتك الروحية والفكرية ، واقعية تريد منك أن تستسلم لقدرٍ مزيّف، كتبه أوغاد، ويريدون محو أميتك المفترضة عن طريق تحفيظك الفبائيته الرعناء، ونصوصه القامعة

التناقض الصيني


التناقض مفهوم متغيّر تبعا للثقافات، فما يعنيه التناقض في الغرب ليس هو نفسه الذي يعنيه في الصين.
وماو تسي تونغ الماركسي له كرّاس عن التناقض يدرك القارىء من خلاله كيف ان تفسير #ماو_تسي_تونغ للتناقض مغاير في مطارح كثيرة للتفسير الماركسي وذلك لأنّ ماو تسي تونغ نظر إليه أي إلى التناقض نظرة صينية، براغماتية!
ولا يزال قول ماو تسي تونغ قادرا على تفسير السياسة الصينية الراهنة التي تثير حيرة الكثير من الدول، وكنت قد قرأت منذ فترة عبارة للفيلسوف الصيني #لين_يوتانغ الذي عاش الحضارتين الغربية والصينية يقول فيها: التناقض أمر عاديّ لدى الصيني

#الفكر_اليدوي


كثيرون لا ينظرون إلى الصناعات نظرة فكرية، وهذه كانت نظرة العرب القدامى. تأمّل كلمة #مهنة!
وانظر إلى نظرة العرب الراهنة الى المهن، هل اختلفت عن نظرة العرب القدامى؟
الكلمات المستعملة هي وجهات أنظار.
من أين جاءت كلمة مهنة؟
ماذا يقول عنها المعجم؟
إنّها ولدت من رحم عاق؟
هناك أرحام لغوية عاقّة، ومن الطريف العمل عليها، واكتناه دلالاتها.
فبين المهنة و #المهانة في العربية صلة قرابة!
والعرب سلبوا المهنة حقوقها، وابعدوها عن مملكة الفكر، ولهذا لم ينظروا الى الصناعات نظرة راقية.
#المهنيّة متروكة لمن نعتقد انهم غير قادرين على التفكير، ولهذا لا يرغب الأهل أن يسلك أبناؤهم دروب المعاهد المهنية، والمهنة ضحية تدفع من لحم اسمها مواقف الناس منها.

تحولاّت كلمة 禅 زنّ.


الكلمات تسافر، وكما يغير الناس ملابسهم بسبب صعوبة تغيير جلودهم كذلك تغير الكلمات ملابسها الصوتية.
كثيرون حين ينتقلون من محل إلى آخر يغيّرون أسماءهم!
يمكن النظر الى تغيير الاسم كالنظر الى تغيير الجلد، هناك أماكن يجبر المرء فيها على تغيير اسمه ليحفي نفسه من الطرد أو القتل.
الاسم أيديولوجيا، ومن هنا، يقع كثير من الظلم على الناس بسبب الاسم، كما يقع الظلم على بعض آخر بسبب لون الجلد!
ولننظر الى تعريف الأعراق أحيانا من منطلق لون الجلد: أصفر، أبيض، أسود، أحمر...
عودة إلى كلمة زن التي اشتهرت بهذه التسمية في أنحاء المعمور من اللغات.
من أين جاءت هذه التسمية؟
الكلمة جزء من طقوس العبادات في البوذية التي صارت بوذيّات. أخذها الغرب من اليابان رغم انها ليست كلمة يابانية. فاليابان أخذتها من الصين، ولكن الكلمة ليست صينية وإنّما ذات جذور سنسكريتية، ولكن اليابان هي التي قامت بنشرها في العالم. اليابانية تعتمد على مجموعة من الرموز الصينية في كتابتها، حوالي ألفي رمز صيني يعيشون في نظام الكتابة الياباني المتعدد تحت اسم كانجي والكلمة تعني حرفيا رموز الهان أو الخان تزه أي رموز العرق الصيني الغالب، وانتقالها الى الياباني غيّرها صوتيا كما تغيرت أصوات رمز الزن الياياني الذي يلفظ تْشْهان 禅 المأهوذة من دهيانا السنسكريتية.
وكان مو حظّ هذه الكلمة أن تعيش في ملابسها اليابانية وليس الصينية.
وكلمات كثيرة في كلّ اللغات لا يختلف مصيرها عن مصير كلمة الزن

#الواشي و #الوشاة


الواشي مزوّر ومزوّق، ومن التزويق جاءت التسمية، فالوشي نعرفه في اللباس. والشيء الموشّى هو الذي تداخله زركشات وتطريزات.
من هنا فإنّ الواشي يزخرف الخبر، يزركشه، يحلّيه في عين السامع لتمريره.
ثمّ انفصل معنى الواشي عن مصدره.
واللباس منبع لكثير من المفردات التي استقلّت عنه، وغاب عن الناس صلة هذه المفردات باللباس!
أكتفي عنا بكلمة #التباس!
والالتباس وسواس خنّاس يلعب في أفكار الناس، يبلبل العيون! 
وكذلك بشاعرنا العربيّ القديم #المهلهل، وصلة لقبه باللباس المهلهل

مخطوطة


الماضي مخطوطة تحتاج إلى تحقيق،بعض حروفها مطموس، بعض صفحاتها نخرتها الأَرَضَة، وبعض الصفحات نالت منها الرطوبة، وبعضٌ من صفحاتها سقطت وضاعت. الماضي مخطوطة تتطلّب جهدا بشريّا جبّارا. أحياناً بالمصادفة السرنديبيّة ( وفي المصادفات خيرٌ كثير، فربّ صدفة خير من ميعاد كما يقال في الأمثال) نكتشف ورقات من هذه المخطوطة مطمورة تحت الرمال. فالقشرة الأرضيّة أرشيف وأسرار تشبه الوصايا التي لا تزال مغلقة. متحجرة هنا تكون بمثابة شمعة في ليل المخطوطة الطويل، قطعة من عظم تكون بمثابة اعتراف بين يدي كاهن، قرأت ان المجاعات التي عصفت بأناس كثيرين في ما مضى من زمان، وأمراض كثيرة وأوبئة نالت من البشرية في العهود القديمة وأنواع الطعام التي كان يأكلها الناس في غابر الأوقات قد تفصح عنها جميعا قطعة من هيكل عظميّ، وهكذا يكون اكتشاف عظمة مثلا كشفا عن سرّ كان مكنونا. كم سنة ظلّت الكتابة الهيروغولفية سرّا من الأسرار وهي في متناول الأنظار؟ أو كم سنة بقيت اللغة السومرية طلّسما من الطلسمات حتى جاء العصر الحديث وكشف لنا حياة غابرة كانت في طيّ الكتمان فقلبت معالم التاريخ وملامح الأخبار وأعادت #جلجامش الى حيّز الوجود بعد عدم دام لقرون؟ أحيانا السرّ يتوارى في المرئيّ، فما بالك باللامرئيّ؟
#بلال_عبد_الهادي

ابو حيّان التوحيدي ومقاطع من " الإشارات الإلهية"


المنطق اللعوب

قراءة كتاب " الإشارات الإلهيّة" لأبي حيّان التوحيديّ متعة للروح والقلب والعقل. فهو من " مرقصات" التوحيديّ، و" مسكراته". وفي العربية كتاب بعنوان "المرقصات والمطربات" لابن سعيد الأندلسيّ  وهو عبارة عن مختارات من تراث العرب تسكر قارئها بخمر لا غول فيها تشبه خمر ابن الفارض!

ومن حسن حظّ الأدب العربيّ والفكر الإسلاميّ أنّ رغبة أبي حيّان التوحيديّ لم تتحقق من وراء حرقه لكتبه إذ إنّه قام بحرقها ضنّاً بها على من لا يعرف قدرها، ولكنّه قد أحرق النسخ التي لديه غير أنّ ما فرّ من يديه قد سلم بحمدالله من عبث النار الأكول.

وفي كلّ كتب أبي حيّان متعة كاملة الدسم، بدءا بـ" الإمتاع والمؤانسة" مروراً بـ "المقابسات"، و"البصائر والذخائر" فـ"الصداقة والصديق" و"الهوامل والشوامل" ( بالشراكة مع مسكويه)، و"أخلاق الوزيرين". ولكن سأقتبس، في هذا المقال، فقرة غير قصيرة من كتابه البديع "الإشارات الإلهيّة" بغية الكلام على شيء آخر هو أشبه بتفصيل لما تناوله التوحيديّ. وما سأتكلّم عنه وارد في كتاب فرنسيّ طريف بعنوان "الاستراتيجيّات العبثية Les stratégies absurdes" للكاتبة مايا بوفاليه Maya BEAUVALLET. وأرجو أن يُقرأ ما سأحكيه عن عبثية الاستراتيجيّات على ضوء كلمات التوحيديّ، فهي، في ظنّي، حفر وتنزيل. إليك عزيزي القارىء، بداية، نصّ التوحيديّ، وهو نصّ يُرتشف ويُمزمز:

" أيّها السامع الحبيب! ليس كلّ من رقد حلم بما يريد. ولا كلّ من مدّ يده نال ما طلب، ولا كلّ من ادعى سُلّم له دعواه.  ولا كلّ من دعا أُجيب. ولا كلّ من قرع الباب دخل. ولا كلّ من استعُفيَ أُعفي. ولا كلّ من قال: بدا لي تُركَ. ولا كلّ من استرحم رُحم. ولا كلّ من تعرّض استُخدم. ولا كلّ من وصل ودّ. ولا كلّ من سأل حُرم. ولا كلّ من ألحف أُعطي. ولا كلّ من بكى أُرضي. ولا كلّ من خطب زُوّج. ولا كلّ من ملك تُوّج. ولا كلّ من رجا أدرك. ولا كلّ من مُنِع  خاب. ولا كلّ من قُدِّمَ  فقد أُكرم. ولا كلّ من أُخِّرَ فقد أُهين. ولا كلّ من سبح غرق.  ولا كلّ من خُوِّفَ  فرِق. ولا كلّ من توسّل قُبل، ولا كلّ من التمس نُوّل. فلا العلم باختلاف الأحوال نافع، ولا الجهل به ضارّ، بل ربّما ضرّ العلم، وربّما نفع الجهل، وربّما بعد الداني، وربّما قرب النائي. فليس لشيء ممّا تراه عينك منهاج، ولا لذي لبّ به سرور ابتهاج. وهذا كله لقدرة صادرة عن غيبِ مشيئةٍ، ولمشيئة نافذة واردة عن شهادة قدرة، ولحكمة خافية في آفاق المملكة، وأحكام جارية على اصناف الخليقة، واسرار مجهولة عند البحث والحقيقة. والأقوال في وصف تشاكلها وتباينها مختلفة. فلا جرم، لا سرّ الاّ وهو متّهم، ولا قائل إلاّ وهو متوهّم ]...[ ولا عالم إلاّ وهو جاهل، ولا عاقل إلاّ وهو ذاهل، ولا آمن إلاّ وهو واهل".

متأمّل النصّ يجده يعطيك عكس ما تتوقّع، فـ" الفرحات مطوية في الترحات، والترحات مبنيّة على الفرحات" كما يرد في مكان آخر. الحياة تهزأ بالمنطق، وتسخر، أحياناً من الخطط المحكمة. وقد تحمل لك العلل العاتية صحّة نائية، كما قد يُؤتى الحذر من مأمنه، وللمتنبيّ في أحد أبياته ما يصبّ في هذا الغرض إذ يقول:

لعلّ عتْبك محمود عواقبه   وربّما صحّت الأجسام بالعلل

أعود الى مايا بوفاليه التي تنقل لنا أخباراً عن أمور كثيرة تخيّب ظنّ الاستراتيجيّين رغم ان الظاهر يدعو للتفاؤل أو وقطف الثمرات المتوخّاة. تقول مايا بوفاليه ان البروفسير في الاقتصاد ريتشارد تيتموسRichard TITMUSS  قارن بين نظام التبرع بالدم في اميركا وفي بريطانيا، الملاحظة الأولى هي ان التبرع بالدم، أغلب الاحيان، في اميركا، كان مقابل مكافأة مادية، بينما التبرع بالدم في بريطانيا كان مجانيا، ومع هذا فإنّ اميركا كانت تشكو من نقصان الدم باستمرار بخلاف بريطانيا. قد يظنّ البعض أنّ المال يغري بالتبرّع، إلاّ أنّ الحقيقة بخلاف ذلك، فحين تعطي بدلاً مادياً للتبرّع بالدم، فإن التبرع يتقلّص. الانسان تدفعه انسانيته، أخلاقه، تضحياته، تعاطفه إلى التبرّع بالدم ولكن حين تعطيه بدلاً فأنت بذلك تحرمه من ممارسه هذه الرغبة الإنسانية المكنونة في كثير من الناس. فالحبّ سخاء، والتبرّع بالدم نوع من الحبّ الإنسانيّ. إنّما نتبرّع ، يقول لسان حال المتبرّع، لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكوراً. الجزاء يهدم، لهذا وجدت اميركا ان سحب البدل المادي هو الحلّ لعدم نقصان الدم.

وتنقل الكاتبة حكاية ثانية عن مركز حضانة كان يعاني موظفوه من تأخر الأهل في استحضار ابنائهم، لذا قرّرت الإدارة وضع عقوبة مالية على كلّ عشرة دقائق تأخير لحثّ الأهل على الوصول في الوقت الموعود لأخذ ابنائهم، الاّ انّ النتيجة كانت خلاف المتوقّع، لاحظت الإدارة زيادة عدد من يتأخّر من الأهل. النتيجة كانت عكسيّة تماماً، والسبب المشاعر. لا أحد يمكن أن يتنبّأ بشكل آلي ومنطقيّ بردود أفعال المشاعر. كان باسكال يقول: للقلب منطق لا يعرفه منطق العقل، اي ان المنطق، عملياً، منطقان بل قد يكون أكثر من ذلك، فللمزاج أيضا منطق خاص به، منطق متلوّن، متغيّر خاضع للسياقات والأوقات. كان الأهل يأتون مسرعين معتذرين للتأخر، تغير حالهم، صاروا يأتون متأخرين من غير حاجة للاعتذار او شعور بتأنيب الضمير في تأخير الموظفين، فالتأخير له ثمن، وهذا الثمن أراح الأهل بدلا من أن يزعهجم صاروا يتأـخرون على راحتهم ما دام الأجر مدفوعاً. لقد وقعت ادارة المدرسة في ما هربت منه. انتبهت الإدارة الى ما ارتكبته من خطأ في التقدير فعادت سيرتها الأولى إلا أنّ الأهل لم يعودوا سيرتهم الأولى، اعتادوا التأخير ولكن هذه المرّة من دون شعور بالإحراج!

وتروي الكاتبة حكاية مدير شركة قرّر تحسين عمله فقام بتنظيم منافسة بين موظفيه ومنح الفائز في المنافسة مكافأة. كانت النتيجة ان الشركة بدأت بالتعثّر والسبب ان بعض الموظفين صاروا يضعون عصيّاً في دواليب الموظفين المرجّح فوزهم بالمنافسة. ان الفوز في سباق ركض، مثلاً، متعدّد الطرق، فقد تفوز بطريقة مشروعة وهي ان تكون أسرع من غيرك، ولكن هذا وحده لا يكفي، فقد يفوز عليك من ينصب أمام قدميك الفخاخ الخفيّة.

كثيرا ما يحدث ما هو غير متوقّع فيقلب الأمور ظهراً لبطن. لم يكن أحد يتوقّع غرق التايتانيك ولكنّها غرقت، وكذلك لم يخطر ببال أحد أن تغرق البارجة الحربية " فازا" التي أمر ببنائها عام 1628 ملك السويد غوستاف الثاني، وكانت أعظم ما شيّد من بوارج حربية في ذلك الوقت. وقد استغرق العمل عليها ستّ سنوات من الجهد المتواصل، ولكنّها ما إن وضعت في الماء حتّى لعبت بأشرعتها الرياح وأغرقتها، وبقيت تحت الماء في مرفأ استوكهولم حوالي أربعمائة سنة. الحياة لها منطق يثير غيظ المنطق الأرسطيّ " فليس لشيء ممّا تراه عينُك منهاج" كما ورد على لسان أبي حيّان!

بلال عبد الهادي

الأحد، 22 يوليو 2018

سوء تفاهم



قد يولد نصّ ما من مشهد عاديّ، بسيط، مؤلم أو مفرح، كما نصّ نجيب محفوظ القصير هذا، لمّا رأى طفلاً يبيع الحلوى عند إشارة المرور، فبكى ثمّ كتب :
"وأحلامُ الأطفالِ قطعة حلوى، وهذا طفلٌ يبيع حُلمه!"
نجيب محفوظ بارع في التقاط لحظات مرئيّة من هذا القبيل، وإدراجها في نصوصه الكبرى، أو إبقائها منفردةً كخواطر عوابر تشبه تلك التي كان يلتقطها المصوّر الفرنسيّ ( روبير دوانو Robert Doisneau ) من وراء عدسته البسيطة والأخّاذة.
كان الجاحظ يقول: " المعاني مطروحة في الطريق يعرفها العجميّ والعربيّ والبدويّ والقرويّ، وإنّما الشأن في إقامة الوزن، وتخيّر اللفظ، وسهولة المخرج، وكثرة الماء، وفي صحّة الطبع، وجودة السبك. فإنّما الشعر صناعة، وضرب من النسج، وجنس من التصوير". وكلام الجاحظ، هنا، يسمح لي أن أجمع بين الكاتب والمصوّر، بين نجيب محفوظ الذي صوّر القاهرة وعوالمها بقلمه، وبين دوانو الذي صوّرعوالم باريس بعدسته المبدعة. فالجاحظ لم يغب عن باله (التصوير) وهو يحكي عن المعاني والكتابة وصياغة الشعر. ولا ننسى عبارة ( "الصورة" الشعريّة).  
قد يكون خبر صغير من عدّة سطور في جريدة ضمن زاوية أخبار متفرقة كنزاً تقع عليه عين أديب متمّكن فيصير رواية.  ويقال إنّ غوستاف فلوبير استوحى من خبر في جريدة قصّة مدام بوفاري. وكثير من الكتّاب عبر مقابلات معهم يروون  فضل الأخبار المتفرقة على إبداعاتهم وتدفّق خواطرهم.  وقد تقع عين مخرج حصيف على هذه الرواية الخارجة من وحي الخبر فتصير فيلماً أو مسلسلا تلفزيونيا طويلا عريضا، أو تلفت نظر مخرج مسرحيّ فتصير حياة نابضة تمشي على خشبة مسرح، بل قد لا يكون نواة قصّة ما غير منام خارق رآه الكاتب في نومه. من أشياء صغيرة تنبثق أحياناً الأعمال الكبيرة. والكتابة لا تختلف، في أحيان كثيرة، عن بناء مدينة قرطاجة بحسب ما تقوله الأساطير!
ومن طرائف الأخبار المتفرّقة ما كتبه ألبير كامو في روايته "الغريب" عن قصاصة من جريدة، صارت فقرة من الرواية،  سردها  ألبير كامو على لسان بطل الرواية مرسو. وهي الفقرة التالية: " الواقع أنّي عثرت، ما بين فراشي من القشّ وخشب السرير، على قصاصة جريدة قديمة ملصقة تقريباً بالقماش، وقد اصفرّ لونها وشفّت. وكانت تسرد حادثاً كانت بدايته ناقصة، ولكن لا بدّ أنّه جرى في تشيكوسلوفاكيا. إنها قصة رجل غادر قرية تشيكية سعيا وراء الثروة. وبعد خمس وعشرين سنة عاد غنيا بصحبة زوجة وابن. وكانت أمه تدير فندقا مع اختها في مسقط رأسه، ولكي يفاجئهما. فإنه ترك زوجته وابنه في مؤسسة أخرى، وقصد أمّه التي لم تستطع أن تتعرف عليه حين دخل عليها. وعلى سبيل المزاح، خطر له أن يأخذ غرفة في الفندق، فأراها ماله. في الليل قتلته أمّه وأختها بمطرقة حديدية لتسرقاه، ورمتا بجسمه في النهر. في الصباح ، أقبلت الزوجة، وكشفت ، من غير أن تعرف بالحادث، عن هوية المسافر، فشنقت الأم نفسها، وألقت الأخت بنفسها في بئر. كان لا بدّ لي من أن أقرأ هذه القصة آلاف المرّات. لقد كانت، من جهة غير محتملة الوقوع، وكانت من جهة أخرى طبيعية. وأياً ما كان، فقد كنت أجد أنّ المسافر قد استحقّ ما أصابه بعض الاستحقاق، وأنّ على المرء ألا يمثّل أبدا". ( الغريب، ترجمة عايدة مطرجي إدريس ، دار الآداب، ص ١٠٠-١٠١).
لم يكتف ألبير كامو بما ورد على لسان مرسو. ظلّ ذلك الخبر الفاجع يراوده ويقضّ مضجع أفكاره إذ وجد فيه ضالّته العبثية المنشودة، فلقد قرأ القصّة آلاف المرّات كما ورد في نصّ "الغريب". كان كامو يعيش في أجواء الحرب العالمية الثانية، ومن عبث الحرب الحارق نبتت وترعرعت فكرة العبث التي تناولها في ثلاثيّته ( الغريب، سوء تفاهم، وغاليغولا). وكانت مسرحيته "سوء تفاهم" هي الامتداد للخبر الذي التقفه من الجريدة، موسّعا فيه، وواضعاً فيه جوهر فلسفته العبثية الدامية. وصارت هذه المسرحية حمّالة دلالات وأفكار على غرار الأساطير التي عاشت في كنف التحليل النفسيّ والأدب من قبيل أسطورة نرجس، أو أسطورة عوليس ( أوليس/ Ulysse)، أو أسطورة أوديب، أو أسطورة بروميثيوس، أو أسطورة سيزيف الذي كرّس ألبير كامو له كتابا في فلسفة العبث. فـ"سوء تفاهم" صارت بمثابة صورة عن القدر الأرعن والعابث الذي لا يمكن إيقافه أو تعديل وجهة سيره. وهناك من يقول ، ربّما، لتبرئة اميركا إن إلقاءها للقنبلة النووية على اليابان كان وليد "سوء تفاهم" ظهر من سوء فهم في الترجمة. وهنا أتوقف قليلاً عند كلمة سوء تفاهم الفرنسية malentendu  التي يمكن أن نلعب بمعناها ونحولّها إلى كلمتين بمعنى مختلف mal entendu  ، وكلمة mal  الفرنسية تحمل من جملة ما تحمل معنى الشرّ، وعليه يمكن أن نضمر معنى " الشرّ المسموع (الكلمة)" في تضاعيف معنى سوء التفاهم!. وفي رقبة "سوء التفاهم" الكثير من الدم بحيث يمكن أن يكتب المرء " تاريخ سوء التفاهم الدامي" عبر الأزمنة والأمكنة المختلفة وما خلّفه من منعطفات تاريخيّة حادّة. والقدر يستخدم " سوء التفاهم" كمحبرة يغمس ريشته في حبرها الأحمر ليكتب سيناريوهات المصائر القانية.
ولقد تلقّفت مسرحية " سوء تفاهم " السينما العربية أيضاً، فظهر فيلم "المجهول" الذي مثّلته نجلاء فتحي  مع عزّت العلايلي  وسناء جميل  وعادل أدهم في العام 1884.
 ولم تنته قصّة تلك القصاصة التي التقطها ألبير كامو من خبر عابر في جريدة، وجعلها علامة على عبث الأقدار والأعمار. فمن يدري ما هو عدد الأفلام والنظريّات التي قد تخرج من رحمها المنجاب.

بلال عبد الهادي