وإذ فرغت من تصنيف هذا الكتاب، وحررت القول في تفصيل أقسام الفصاحة والبلاغة والكشف عن دقائقهما وحقائقهما، فينبغي أن أختمه بذكر
فضيلتهما فأقول:
أعلم أن هذا الفن هو أشرف الفضائل وأعلاها درجة، ولولا ذلك لما فخر به رسول اللهفي عدة مواقف، فقال تارة :" أنا أفصح من نطق بالضاد " . وقال تارة " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي ، كان كل نبي يبعث في قومه، وبعثت إلى كل أحمر وأسود، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طيبة وطهورا، ونصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر وأوتيت جوامع الكلم " .
وما سمع بأن رسول الله افتخر بشيء من العلوم سوى علم الفصاحة والبلاغة، فلم يقل أنه أفقه ."الناس، ولا أعلم الناس بالحساب ولا بالطب ولا بغير ذلك، كما قال : " أنا أفصح من نطق بالضاد "
أعلم أن هذا الفن هو أشرف الفضائل وأعلاها درجة، ولولا ذلك لما فخر به رسول اللهفي عدة مواقف، فقال تارة :" أنا أفصح من نطق بالضاد " . وقال تارة " أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي ، كان كل نبي يبعث في قومه، وبعثت إلى كل أحمر وأسود، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض طيبة وطهورا، ونصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر وأوتيت جوامع الكلم " .
وما سمع بأن رسول الله افتخر بشيء من العلوم سوى علم الفصاحة والبلاغة، فلم يقل أنه أفقه ."الناس، ولا أعلم الناس بالحساب ولا بالطب ولا بغير ذلك، كما قال : " أنا أفصح من نطق بالضاد "
وأيضا فلو لم تكن هذه الفضيلة من أعلى الفضائل درجة لما
اتصل الإعجاز بها دون غيرهافإن كتاب الله تعالى نزل عليها ولم ينزل بمعجز من مسائل
الفقه ولا من مسائل الحساب ولا من مسائل الطب ولا غير ذلك من العلوم
ولما كانت هذه الفضيلة بهذه المكانة صارت في الدرجة العالية والمنثور منها أشرف من المنظوم لأسباب من جملتها أن الإعجاز لم يتصل بالمنظوم وإنما اتصل بالمنثورالآخر أن أسباب النظم أكثر ولهذا نجد المجيدين منهم أكثر من المجيدين من الكتاب بل لا نسبة لهؤلاء إلى هؤلاء ولو شئت أن تحصي أرباب الكتابة من أول الدولة الإسلامية إلى الآن لما وجدت منهم ممن يستحق اسم الكاتب عشرة وإذا أحصيت الشعراء في تلك المدة وجدتهم عددا كثيرا حتى لقد كان يجتمع منهم في العصر الواحد جماعة كثيرة كل منهم شاعر مفلق وهذا لا نجده في الكتاب بل ربما ندر الفرد الواحد في الزمن الطويل وليس ذلك إلا لوعورة المسلك من النثر وبعد مناله والكاتب هو أحد دعامتي الدولةفإن كل دوله لا تقوم إلا على دعامتين من السيف والقلموربما لا يفتقر الملك في ملكه إلى السيف إلا مرة أو مرتين وأما القلم فإنه يفتقر إليه على الأيام وكثيرا ما يستغني به عن السيف وإذا سئل عن الملوك الذين غبرت أيامهم لا يوجد منهم من
ولما كانت هذه الفضيلة بهذه المكانة صارت في الدرجة العالية والمنثور منها أشرف من المنظوم لأسباب من جملتها أن الإعجاز لم يتصل بالمنظوم وإنما اتصل بالمنثورالآخر أن أسباب النظم أكثر ولهذا نجد المجيدين منهم أكثر من المجيدين من الكتاب بل لا نسبة لهؤلاء إلى هؤلاء ولو شئت أن تحصي أرباب الكتابة من أول الدولة الإسلامية إلى الآن لما وجدت منهم ممن يستحق اسم الكاتب عشرة وإذا أحصيت الشعراء في تلك المدة وجدتهم عددا كثيرا حتى لقد كان يجتمع منهم في العصر الواحد جماعة كثيرة كل منهم شاعر مفلق وهذا لا نجده في الكتاب بل ربما ندر الفرد الواحد في الزمن الطويل وليس ذلك إلا لوعورة المسلك من النثر وبعد مناله والكاتب هو أحد دعامتي الدولةفإن كل دوله لا تقوم إلا على دعامتين من السيف والقلموربما لا يفتقر الملك في ملكه إلى السيف إلا مرة أو مرتين وأما القلم فإنه يفتقر إليه على الأيام وكثيرا ما يستغني به عن السيف وإذا سئل عن الملوك الذين غبرت أيامهم لا يوجد منهم من
حسن اسمه من بعده إلا من حظي بكاتب خطب عنه وفخم أمر دولته وجعل ذكرها
خالدا يتناقله الناس رغبة في فصل خطابه واستحسانا لبداعة كلامه فيكون ذكرها في
خفارة ما دونه قلمه ورقمته أساطيره وليس الكاتب بكاتب حتى يضطر عدو الدولة أن يروي
أخبار مناقبها في حفله ويصبح ولسانه حامدا لمساعيها وبقلبه ما به من غله ولقد أحسن
أبو تمام في هذا المعنى حيث قال
( سَأجْهَدُ حَتَّى أُبْلِغَ الشِّعْرَ شَأْوَهُ ... وإِنْ كَانَ طَوْعاً لِي وَلَسْتُ بِجَاهِدِ )
( فَإِنْ أَنَا لَمْ يَحَمْدْكَ عَنِّي صَاغِرَاً ... عَدُوُّكَ فَاعْلَمْ أنّني غَيْرُ حَامِدِ ) وهذا الذي ذكرته حق وصدق لا ينكره إلا جاهل به وأنا أسأل الله الزيادة من فضله وإن لم أكن أهلا له فإنه هو من أهله
ووقفت على كلام لأبي إسحق الصابي في الفرق بين الكتابة والشعر وهو جواب لسائل سألهفقال إن طريق الإحسان في منثور الكلام يخالف طريق الإحسان في منظومه لأن الترسل هو ما وضح معناه وأعطاك سماعه في أول وهلة ما تضمنته ألفاظه وأفخر الشعر ما غمض فلم يعطك غرضه إلا بعد مماطلة منه
ثم قال بعد ذلك ولسائل أن يسأل فيقول من أية جهة صار الأحسن في معنى الشعر الغموض وفي معاني الترسل الوضوحفالجواب أن الشعر بني على حدود مقررة وأوزان مقدرة وفصلت أبياتهفكان كل بيت منها قائما بذاته وغير محتاج إلى غيره إلا ما جاء على وجه التضمين وهو عيب فلما كان النفس لا يمتد في البيت الواحد بأكثر من مقدار عروضه وضربه وكلاهما قليلاحتيج إلى أن يكون الفصل في المعنى فاعتمد أن يلطف ويدق والترسل مبني على مخالفة هذه الطريقإذ كان كلاما واحدا لا يتجزأ ولا يتفصل إلا فصولا طوالا وهو موضوع وضع ما يهذهذ أو يمر به على أسماع شتى من خاصة ورعية وذوي أفهام ذكية وأفهام غبيةفإذا كان متسلسلا ساغ فيها وقرب فجميع ما يستحب في الأول يكره في الثاني حتى إن التضمين عيب في الشعر وهو فضيلة في الترسل
ثم قال بعد ذلك والفرق بين المترسلين والشعراء أن الشعراء إنما أغراضهم
( سَأجْهَدُ حَتَّى أُبْلِغَ الشِّعْرَ شَأْوَهُ ... وإِنْ كَانَ طَوْعاً لِي وَلَسْتُ بِجَاهِدِ )
( فَإِنْ أَنَا لَمْ يَحَمْدْكَ عَنِّي صَاغِرَاً ... عَدُوُّكَ فَاعْلَمْ أنّني غَيْرُ حَامِدِ ) وهذا الذي ذكرته حق وصدق لا ينكره إلا جاهل به وأنا أسأل الله الزيادة من فضله وإن لم أكن أهلا له فإنه هو من أهله
ووقفت على كلام لأبي إسحق الصابي في الفرق بين الكتابة والشعر وهو جواب لسائل سألهفقال إن طريق الإحسان في منثور الكلام يخالف طريق الإحسان في منظومه لأن الترسل هو ما وضح معناه وأعطاك سماعه في أول وهلة ما تضمنته ألفاظه وأفخر الشعر ما غمض فلم يعطك غرضه إلا بعد مماطلة منه
ثم قال بعد ذلك ولسائل أن يسأل فيقول من أية جهة صار الأحسن في معنى الشعر الغموض وفي معاني الترسل الوضوحفالجواب أن الشعر بني على حدود مقررة وأوزان مقدرة وفصلت أبياتهفكان كل بيت منها قائما بذاته وغير محتاج إلى غيره إلا ما جاء على وجه التضمين وهو عيب فلما كان النفس لا يمتد في البيت الواحد بأكثر من مقدار عروضه وضربه وكلاهما قليلاحتيج إلى أن يكون الفصل في المعنى فاعتمد أن يلطف ويدق والترسل مبني على مخالفة هذه الطريقإذ كان كلاما واحدا لا يتجزأ ولا يتفصل إلا فصولا طوالا وهو موضوع وضع ما يهذهذ أو يمر به على أسماع شتى من خاصة ورعية وذوي أفهام ذكية وأفهام غبيةفإذا كان متسلسلا ساغ فيها وقرب فجميع ما يستحب في الأول يكره في الثاني حتى إن التضمين عيب في الشعر وهو فضيلة في الترسل
ثم قال بعد ذلك والفرق بين المترسلين والشعراء أن الشعراء إنما أغراضهم
التي يرمون إليها وصف الديار والآثار والحنين إلى الأهواء والأوطار
والتشبيب بالنساء والطلب والاجتداء والمديح والهجاء وأما المترسلون فإنما يترسلون
في أمر سداد ثغر وإصلاح فساد أو تحريض على جهاد أو احتجاج على فئة أو مجادلة
لمسألة أو دعاء إلى ألفة أو نهي عن فرقة أو تهنئة بعطية أو تعزية برزية أو ما شاكل
ذلك هذا ما انتهى إليه كلام أبي إسحق في الفرق بين الترسل والشعر
ولقد عجبت من مثل ذلك الرجل الموصوف بذلاقة اللسان وبلاغة البيان كيف يصدر عنه مثل هذا القول الناكب عن الصواب الذي هو في باب ونصى النظر في باب ؟ اللهم غفرا وسأذكر ما عندي في ذلك لا إرادة للطعن عليه بل تحقيقا لمحل النزاع فأقول
أما قوله " إن الترسل هو ما وضح معناه والشعر ما غمض معناه " فإن هذه دعوى لا مستند لها بل الأحسن في الأمرين معا إنما هو الوضوح والبيان على أن إطلاق القول على هذا الوجه من غير تقييد لا يدل على الغرض الصحيح بل صواب القول في هذا أن يقال كل كلام من منثور ومنظوم فينبغي أن تكون مفردات ألفاظه مفهومة لأنها إن لم تكن مفهومه فلا تكون صحيحة لكن إذا صارت مركبة نقلها التركيب عن تلك الحال في فهم معانيهافمن المركب منها ما يفهمه الخاصة والعامة ومنه ما يفهمه إلا الخاصة وتتفاوت درجات فهمه ويكفي من ذلك كتاب الله تعالى وتتفاوت درجات فهمه ويكفي من ذلك كتاب الله تعالىفإنه أفصح الكلام وقد خوطب به الناس كافة من خاص وعام ومع هذا فمنه ما يتسارع الفهم إلى معانيه ومنه يغمض فيعز فهمه والألفاظ المفردة ينبغي ان تكون مفهومة سواء كان الكلام نظما أو نثرا وإذا تركبت فلا يلزم فيها ذلك وقد تقدم في كتابي هذا أدله كثيرة على هذافتؤخذ من مواضعها
وأما الجواب الذي أجاب به في الدلالة على غموض الشعر ووضوح الكلام المنثور فليس ذلك بجواب وهب أن الشعر كان كل بيت منه قائما بذاته فلم كان مع ذلك غامضا ؟ وهب أن الكلام المنثور كان واحدا لا يتجزأ فلم كان مع ذلك
ولقد عجبت من مثل ذلك الرجل الموصوف بذلاقة اللسان وبلاغة البيان كيف يصدر عنه مثل هذا القول الناكب عن الصواب الذي هو في باب ونصى النظر في باب ؟ اللهم غفرا وسأذكر ما عندي في ذلك لا إرادة للطعن عليه بل تحقيقا لمحل النزاع فأقول
أما قوله " إن الترسل هو ما وضح معناه والشعر ما غمض معناه " فإن هذه دعوى لا مستند لها بل الأحسن في الأمرين معا إنما هو الوضوح والبيان على أن إطلاق القول على هذا الوجه من غير تقييد لا يدل على الغرض الصحيح بل صواب القول في هذا أن يقال كل كلام من منثور ومنظوم فينبغي أن تكون مفردات ألفاظه مفهومة لأنها إن لم تكن مفهومه فلا تكون صحيحة لكن إذا صارت مركبة نقلها التركيب عن تلك الحال في فهم معانيهافمن المركب منها ما يفهمه الخاصة والعامة ومنه ما يفهمه إلا الخاصة وتتفاوت درجات فهمه ويكفي من ذلك كتاب الله تعالى وتتفاوت درجات فهمه ويكفي من ذلك كتاب الله تعالىفإنه أفصح الكلام وقد خوطب به الناس كافة من خاص وعام ومع هذا فمنه ما يتسارع الفهم إلى معانيه ومنه يغمض فيعز فهمه والألفاظ المفردة ينبغي ان تكون مفهومة سواء كان الكلام نظما أو نثرا وإذا تركبت فلا يلزم فيها ذلك وقد تقدم في كتابي هذا أدله كثيرة على هذافتؤخذ من مواضعها
وأما الجواب الذي أجاب به في الدلالة على غموض الشعر ووضوح الكلام المنثور فليس ذلك بجواب وهب أن الشعر كان كل بيت منه قائما بذاته فلم كان مع ذلك غامضا ؟ وهب أن الكلام المنثور كان واحدا لا يتجزأ فلم كان مع ذلك
واضحا ؟ ثم لو سلمت إليه هذا فماذا يقول في الكلام المسجوع الذي كل فقرة
منه بمنزلة بيت من شعر ؟
وأما قوله في الفرق بين الشاعر والكاتب " إن الشاعر من شأنه وصف الديار والآثار والحنين إلى الأهواء والأوطار والتشبيب بالنساء والطلب والإجتداء والمديح والهجاء وإن الكاتب من شأنه الإفاضة في سداد ثغر أو إصلاح فساد أو تحريض على حياد أو احتجاج على فئة أو مجادلة لمسألة أو دعاء إلى ألفة أو نهي عن فرقة أو تهنئة بعطية أو تعزية برزية " فإن هذا تحكم محض لا يستند إلى شبهة فضلا عن بينة وأي فرق بين الشاعر والكاتب في هذا المقام ؟ فكما يصف الشاعر الديار والآثار ويحن إلى الأهواء فكذلك يكتب الكاتب في الاشتياق إلى الأوطان ومنازل الأحباب والإخوان ويحن إلى الأهواء والأوطارولهذا كانت الكتب الإخوانيات بمنزلة الغزل والنسيب من الشعر وكما يكتب الكاتب في إصلاح فساد أو سداد ثغر أو دعاء إلى ألفه أو نهي عن فرقة أو تهنئة أو تعزيةفكذلك الشاعرفإن شذ عن الصابي قصائد الشعراء في أمثال هذه المعاني فكيف خفي عنه قصيدة أبي تمام في استعطاف مالك بن طوق على قومه التي مطلعها
( لَو أَنَّ دَهْراً رَدَّ رَجْعَ جَوَابي ... ) أم كيف أخل بالنظر في ديوان أبي الطيب المتنبي وهما في زمن واحد فما تأمل قصيدته في الإصلاح بين كافور الإخشيدي وبين مولاه الذي مطلعها
( حَسَمَ الصُّلْحُ مَا اشْتَهَتْهُ الأَعَادِي ... ) وكذلك لا شك أنه لم يقف على قصيدة أبي عبادة البحتري في غزو البحر التي مطلعها
وأما قوله في الفرق بين الشاعر والكاتب " إن الشاعر من شأنه وصف الديار والآثار والحنين إلى الأهواء والأوطار والتشبيب بالنساء والطلب والإجتداء والمديح والهجاء وإن الكاتب من شأنه الإفاضة في سداد ثغر أو إصلاح فساد أو تحريض على حياد أو احتجاج على فئة أو مجادلة لمسألة أو دعاء إلى ألفة أو نهي عن فرقة أو تهنئة بعطية أو تعزية برزية " فإن هذا تحكم محض لا يستند إلى شبهة فضلا عن بينة وأي فرق بين الشاعر والكاتب في هذا المقام ؟ فكما يصف الشاعر الديار والآثار ويحن إلى الأهواء فكذلك يكتب الكاتب في الاشتياق إلى الأوطان ومنازل الأحباب والإخوان ويحن إلى الأهواء والأوطارولهذا كانت الكتب الإخوانيات بمنزلة الغزل والنسيب من الشعر وكما يكتب الكاتب في إصلاح فساد أو سداد ثغر أو دعاء إلى ألفه أو نهي عن فرقة أو تهنئة أو تعزيةفكذلك الشاعرفإن شذ عن الصابي قصائد الشعراء في أمثال هذه المعاني فكيف خفي عنه قصيدة أبي تمام في استعطاف مالك بن طوق على قومه التي مطلعها
( لَو أَنَّ دَهْراً رَدَّ رَجْعَ جَوَابي ... ) أم كيف أخل بالنظر في ديوان أبي الطيب المتنبي وهما في زمن واحد فما تأمل قصيدته في الإصلاح بين كافور الإخشيدي وبين مولاه الذي مطلعها
( حَسَمَ الصُّلْحُ مَا اشْتَهَتْهُ الأَعَادِي ... ) وكذلك لا شك أنه لم يقف على قصيدة أبي عبادة البحتري في غزو البحر التي مطلعها
( أَلَمْ تَرَ تَغْلِيسَ الرَّبِيعِ المُبَكِّرِ ... ) ولو أخذت
في تعداد قصائد الشعراء في الأغراض التي أشار إليها وخص بها الكاتب لأطلت وذكرت
الكثير الذي يحتاج إلى أوراق كثيرة وكل هذه الفروق التي نص عليها وعددها فليست
بشيء ولا فرق بين الكتابة والشعر فيها والذي عندي في الفرق بينهما هو من ثلاثة
أوجه
الأول من جهة نظم أحدهما ونثر الآخر وهذا فرق ظاهر
الثاني أن من الألفاظ ما يعاب استعماله نثرا ولا يعاب نظما وذلك شيء استخرجته ونبهت عليه في القسم الأول المختص في اللفظة المفردة المقالة الأولى من هذا الكتاب وسأعيد ههنا منه شيئافأقول قد ورد في شعر أبي تمام قوله
( هِيَ العِرْمِسُ الْوَحْنَاءُ وَابْنُ مُلِمَّةٍ ... وَجَأْشُُ عَلَى مَا يُحْدِثُ الدَّهْرُ خَافِضُ ) وكذلك ورد في شعر أبي الطيب المتنبي كقوله
( وَمَهْمَهٍ جُبْتُهُ عَلَى قَدَمِي ... تَعْجِزُ عٌه الْعَرَامِسُ الذُّلُلُ ) فلفظة المهمه و العرامس لا يعاب استعماله في الشعر ولو استعملا في كتاب أو خطبة كان استعمالها معيبا وكذلك ما يشكلها ويناسبها من الألفاظوكل ذلك قد ضبطته بضوابط وحددته بحدود تفصله من غيره من الألفاظفليأخذ من المقالة الأولى ولولا خوف التكرار لأعدته ههنا
الثالث أن الشاعر إذا أراد أن يشرح أمورا متعددة ذوات معاني مختلفة في شعره واحتاج إلى الإطالة بأن ينظم مائتي بيت أو ثلثمائة أو أكثر من ذلك فإنه لا يجيد في الجميع ولا في الكثير منه بل يجيد في جزء قليل والكثير من ذلك
الأول من جهة نظم أحدهما ونثر الآخر وهذا فرق ظاهر
الثاني أن من الألفاظ ما يعاب استعماله نثرا ولا يعاب نظما وذلك شيء استخرجته ونبهت عليه في القسم الأول المختص في اللفظة المفردة المقالة الأولى من هذا الكتاب وسأعيد ههنا منه شيئافأقول قد ورد في شعر أبي تمام قوله
( هِيَ العِرْمِسُ الْوَحْنَاءُ وَابْنُ مُلِمَّةٍ ... وَجَأْشُُ عَلَى مَا يُحْدِثُ الدَّهْرُ خَافِضُ ) وكذلك ورد في شعر أبي الطيب المتنبي كقوله
( وَمَهْمَهٍ جُبْتُهُ عَلَى قَدَمِي ... تَعْجِزُ عٌه الْعَرَامِسُ الذُّلُلُ ) فلفظة المهمه و العرامس لا يعاب استعماله في الشعر ولو استعملا في كتاب أو خطبة كان استعمالها معيبا وكذلك ما يشكلها ويناسبها من الألفاظوكل ذلك قد ضبطته بضوابط وحددته بحدود تفصله من غيره من الألفاظفليأخذ من المقالة الأولى ولولا خوف التكرار لأعدته ههنا
الثالث أن الشاعر إذا أراد أن يشرح أمورا متعددة ذوات معاني مختلفة في شعره واحتاج إلى الإطالة بأن ينظم مائتي بيت أو ثلثمائة أو أكثر من ذلك فإنه لا يجيد في الجميع ولا في الكثير منه بل يجيد في جزء قليل والكثير من ذلك
رديء غير مرضي والكاتب لا يؤتي من ذلك بل يطيل في الكتاب الواحد إطالة
واسعة تبلغ عشر طبقات من القراطيس أو أكثر وتكون مشتملة على ثلثمائة سطر أو
أربعمائة أو خمسمائة وهو مجيد في ذلك كله وهذا لا نزاع فيهلأننا رأيناه وسمعناه
وقلناه
وعلى هذا فإني وجدت العجم يفضلون العرب في هذه النكتة المشار إليهافإن شاعرهم يذكر كتابا مصنفا من أوله إلى آخره شعرا وهو شرح قصص وأحوال ويكون مع ذلك في غاية الفصاحة والبلاغة في لغة القوم كما فعل الفردوسي في نظم الكتاب المعروف بشاه نامه وهو ستون ألف بيت من الشعر يشتمل على تاريخ الفرس وهو قرآن القوم وقد أجمع فصحاؤهم على أنه ليس في لغتهم أفصح منه وهذا لا يوجد في اللغة العربية على اتساعها وتشعب فنونها وأغراضها وعلى أن لغة العجم بالنسبة إليها كقطرة من بحر اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وآله وصحبه الطيبين الطاهرين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين
وعلى هذا فإني وجدت العجم يفضلون العرب في هذه النكتة المشار إليهافإن شاعرهم يذكر كتابا مصنفا من أوله إلى آخره شعرا وهو شرح قصص وأحوال ويكون مع ذلك في غاية الفصاحة والبلاغة في لغة القوم كما فعل الفردوسي في نظم الكتاب المعروف بشاه نامه وهو ستون ألف بيت من الشعر يشتمل على تاريخ الفرس وهو قرآن القوم وقد أجمع فصحاؤهم على أنه ليس في لغتهم أفصح منه وهذا لا يوجد في اللغة العربية على اتساعها وتشعب فنونها وأغراضها وعلى أن لغة العجم بالنسبة إليها كقطرة من بحر اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وآله وصحبه الطيبين الطاهرين وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق