يكاد لا يخلو معجم من معاجم اللغات الحضارية من المفردات الساميّة لأسباب عديدة منها دينيّة، فالتوراة والإنجيل والقرآن مثلّثٌ سماويّ مقدّسٌ جوّابُ آفاقٍ وقارّاتٍ ولغات. وقد لا تكون المفردات السامية وصلت الى اللغات الأخرى عن طريق العربية او العبرية او السريانية او الفينيقية او الحبشية، وانما من لغات لا تنتمي الى سلالة اللغات السامية. كما انه من حيث المبدأ لا يوجد هناك لغات نقيّة ( الاّ اذا اصابها مسّ من جنون!) ترفض استقبال مفردات من لغات أخرى، وتغلق حدودها وأبواب معاجمها ولا تسمح لأية كلمة غريبة بالدخول الى حرمها اللغويّ.
الكلمات تحبّ السفر، وحبّها للسفر لا يختلف عن حبّ المآكل نفسها للسفر. ولا يختلف مسار اللغات عن مسار الأطعمة، وهو مسار مليء بالتعرّجات والنكهات. فهناك ما يأتيك من طرق مباشرة وهناك ما يصلك من طرق مواربة. فالبندورة، على سبيل المثال، يكشف اسمها عن مصدر لها مزيّف، فكلمة "بندورة " على بساطتها تحمل مكنوناً دامياً في لبنان كلونها الأحمر خلال حرب السنتين، وصار اسمها كميناً قاتلاً، فالفلسطسنيّ يلفظها بتسكين النون " بَنْدورة" بينما اللبنانيّ يميل الى وضع الفتحة على حرف النون " بَنَدورة"، وعدد لا بأس به من الفلسطينيين دفع حياته ثمناً بسبب سكون النون. في اي حال، كلامي عن البندورة يعود الى سبب آخر، هناك من يعرف ماذا تعني هذه الكلمة، وهناك من لا يعرف كيف وصلت الكلمة الينا، ولكن حين وضعها بلفظها الأجنبيّ قد تلوح دلالة هي، في اي حال، مزيفة أيضاً، "pomma dora"، وهي كلمة ايطالية تعني "التفاحة الذهبية". حين يعرف القارىء مصدر اسمها قد يظنّ ان البندورة نبتة ايطالية، لأنّ الأسماء، كأشياء كثيرة في العالم، أفخاخ، وخصوصا ان ايطاليا شهيرة جدّا بالبيتزا، والبندورة مكون اساسيّ من مكوناتها، ولكن واقع الحال والتاريخ يقول ان البندورة هي نبتة لم تعرفها اوروبا الا بعد اكتشاف اميركا، واحضارها الى اوروبا وتدجينها واستعمالها، بداية، كنبتة للزينة لأنّ الناس اعتبروها نبتة سامّة وقاتلة . ماذا نلحظ؟ ان التسمية من احدى لغات القارة الاوروبية بينما المصدر لها هو اميركا، وهكذا كلمات كثيرة منها، على سبيل المثال، كلمة " ديوان"، وتعني، أساساً، في اللغة الفارسية " مجمع الشياطين" ، ولكن الكلمة موجودة في العربية وموجودة في الفرنسيّة مثلاً في صيغة " divan"، من اين أخذتها الفرنسية؟ لم تأخذها من العربية، وأمر البيتزا لا يختلف عن امر الديوان. البيتزا ايطالية، ولكن هل وصلتنا عبر ايطاليا ام اميركا البعيدة عنّا؟ وكذلك أمر الأكلة اليابانيّة الفاخرة "سوشي"، وفي حال طرحنا السؤال: من أين وصلت السوشي الى أفواهنا؟ هل وصلت الينا من اليابان ام من الولايات المتحدة الاميركية؟ بالتأكيد لم تصل الينا الا بعد أن ألقت برحلها ومذاقها في بلاد "العمّ سام" ، هذا العمّ الذي يحسن "عولمة" الأشياء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق