الثلاثاء، 20 فبراير 2018

طينة آدم




طينة آدم
هناك اناس لا ينتبهون الى سنة الحياة، ولا الى سنة أجسادهم أو أرواحهم. كنت قرأت نصّاً عن طريقة ربّ العالمين في تكوين جبلة آدم في كتاب "قصص الانبياء" للثعلبيّ وهو من كتاب القرن الرابع للهجرة. ولا تخلو كتب الانبياء من كرامات يضفيها الخرّاص من القصّاص على النصوص. والتخريص نوع من الأفاويه لجذب القرّاء، الكذب ملح الرجال وملح الحكايات، وللكذب دلالتان، في الأقل، دلالات حياتية ودلالة شعرية أو سردية والعرب انتبهوا الى ذلك قديما، فقالوا: أعذب الشعر أكذبه"، وليس بالضرورة ان يكون الكذب كذباً! وهنا سأستأنس بالحقيقية اللغوية، فما يناهض الحقيقة اللغوية ليس دائماً الكذب فقد يكون أيضاً المجاز. ويعتبر ابن جنّي في عبارة صريحة أنّ حيّز الحقيقة في اللغة ضئيل فيقول:" أغلب اللغة المجاز".
المهم في رواية طينة آدم ان الله امر الملائكة في احضار قبضة رمل من كل انواع التراب. فهناك التراب الأحمر والأخضر والأصفر والأسود والأبيض. ومن هذه الألوان المتنوعة أو المكونات المختلفة الألوان والطبائع صاغ آدم. من هنا نرى الانسان الواحد وريث آدم له خصائص متنوعة بحسب حالات الأوقات. فالانسان الكريم بخيل في أوقات، والمتسامح لئيم في أوقات، والجبان شجاع في أوقات، والوفي غدّار في أوقات. سياقات الأوقات تفصح عن مكونات هذه الطينة المتنوعة.
من هنا أجد إكراه الناس على منطق واحد أو نمط واحد ضرباً من البهتان والهذيان.
الأضداد المتكاملة سرّ الخلق.
والاختلاف سرّ انبثاق الحياة.
التشابه لا يثمر غير العقم، لم اسمع عن حالة إنجاب من شبيهين جنسيّاً.
والاختلاف تكامل  خصب لا أكثر.
الصيف ليس اعتداء على حقوق الشتاء أو نقيض الشتاء، إنّه تتمة الشتاء أو وليده. ولو كانت الفصول أضداداً غير متكاملة لما سار الكون على الوتيرة التي نعرف. لم أسمع يوماً عن خصومة بين فصل وفصل، أو فصل ينكر جميل فصل ّآخر عليه، ولم أسمع عن سماء صيفيّة تعكّر مزاجها بسبب غيمة شتوية عابرة في سمائها، ولم أسمع عن شتاء استشاط غضباً من الشمس لأنّها قرّرت أن تحلّ زائرة في سمائه بعد إمطار أو إعصار، وما تناهى إلى سمعي أنّ نبعاً جوفيّا يجحد فضل غيمة عليه!
أودّ أن أصل في خلاصة كلامي جبلّة آدم إلى التساؤلات التالية:
لماذا في بلادنا العربية لا نفقه سرّ طينة آدم وطينة الفصول؟
لماذل لا نتعلم من دلالة حكاية "خلطة آدم" الطينية؟ ولما لا نكتسب من الفصول مهارة التعامل مع الآخر، النقيض، المختلف، المغاير؟
لماذا لا يحتمل السنّيّ الشيعيّ، والمسيحيّ المسلم، والعلويّ الوهابيّ، والوهابيّ العلمانيّ.
حتى الكفر له مبرّر وجود، فما بالك بمتعبّد على طريقة تخالف طريقتي. وكنت قد سمعت عبارة قالها أحد المتصوّفة عن طرق الوصول التي تفوق الحصر، وهي: الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق.
من الحماقة أن تدفع الديموغرافية المتنوعة ثمناً باهظاً ودامياً بسبب قصر نظر البشر!
أليس هذا ما نستشفّه من الآيات القرآنية التالية: " وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ" (هود: 118، 119) ، "وَلَوْ شَاءَ رَبّك لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْض كُلّهمْ جَمِيعًا" )يونس :99)
التعدّدية مشيئة إلهيّة، وليس من الحكمة الامتعاض أو الاعتراض على مشيئة الله سبحانه وتعالى.
بلال عبد الهادي
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق