الاثنين، 11 ديسمبر 2017

من ندوة الكتابة على جلدة الرأس










تأمّلات سعد ديب حول كتاب الكتابة على جلدة الرأس

نشر الصديق سعد ديب هذخ التأملات حول كتابي في صفحته على الفايسبوك، فله الشكر.

القسم الأوّل:

عنوان الكتاب الأوّل الذي أتحفنا به الدكتور "بلال عبد الهادي" <لعنة بابل> في السنة الماضية، لم يكن أختيارًا عبثيًا منه، سيما وهو الضليع بالتاريخ واللغة والحضارات القديمة والحديثة، فلا شكّ كان قد اختاره عن سابق إصرار وتصميم، ذلك لكثير من الأسباب الكامنة خلف التراث اللغوي البابلي والذي أدى إلى تعدّد اللهجات التي أصبحت مع تقدّم الأزمنة لغاتٍ مستقلّة تباعدت عن أفواه الأقوام الكثيرة التي كانت متقاربة، رفعتها من الأرض المتواصلة إلى القِمم المنفصلة، عوامل الطبيعة المدمّرة، وخاصة الطوفان الذي تواصل بتقدير التراث العتيق حوالي الستمئة سنة تقريبًا...
"لعنة بابل" أمتعنا فأشغلنا بالتراث اللهجي الذي لا تقلّ لعنته عن نعمته...
كثير من الأمور تحمل في طياتها الكثير من الأضداد...
وكلمات معظم اللغات فيها من الأضداد ما يفوق التعداد...
والفكر الصيني كفيل بالتأكيد والتحقيق...
واليوم ماذا عن عنوان كتابه الثاني الصامد الذي وقّعه مؤخرًا في المركز الثقافي الصفدي، والذي اختار له العنوان "الكتابة على جلدة الرأس"؟ وافتتحه بالمقال الأوّل الذي عرض فيه حادثة حصلت في زمن الخليفة المستعصم وأودت بالرؤوس التي استخدمت أداة لنقل الرسائل السرّية، بالحفر على جلد الرأس بالأوشمة والرسوم، ليأمن المرسل عواقبها ومكرها...
وقبل أن يفكّر أحدنا باختيار عنوان آخر للكتاب ، فلم يغفل د. بلال، عن دفع البلبلة في نفس المقال الافتتاحي، عبر التذكير بالكتابة في الطين والنقش بالحجر وعلى جلود الحيوانات وعظامها، وعلى ورق الشجر أو القصب، وصولًا الى الورق، قبل معاصرتنا للكتابة الالكترونية الحالية... وهو الذي نشر ان النقش على الحجر لا يزال معمولًا به الى اليوم لأسباب فنّيّة أو جنائزيّة... كأنّما يستبق أفكارنا بالإجابة السريعة على اقتراحاتنا...
رغم كل ما تقّدّم، نتذكّر الحكمة "العلم في الصغر كالنقش في الحجر"، والنقش متعب حقّـًا، ولكنه راسخ في الرؤوس كما أنه صامد أمام عوامل الطبيعة والتاريخ...
وهنا لا بد من استذكار التعبير اللطيف والمصيب، "لقد دوّخت حجر رأسي" مما يوحي أنَّ في الرأس حجرًا منقوشًا أو عنادًا كالحجر الصخريّ من الصعب تحطيمه... ولكن الحجر أبعد وأعمق بكثير من ذلك..!
فماذا تقول اللغة؟
الفصل الثاني

حول كتاب "الكتابة على جلدة الراس

لا يمكن أن نتعدّى ونتجاوز صاحبَ الكتاب ورأيَه بعنوان ومضمون مؤلَّفه الذي شرحه بوضوح، ولكنّ لكل كلمة في اللغة، أي لغة، أبعادًا ايحائية ورمزية ولهجيتها تخضع للتحليل الفيلولوجي... اسوة بالفنون والآداب التي لا تعبث في اختيار أسماء الشخصيات والأبطال، منذ البدء في رسم اللوحات في القرون الوسطى وحتّى قبلها، وهي ذات تأثير متواصل في الزمن، ولا تزال محفوظة في اخراج الأفلام والمسرحيات، وكل العمليات الفنية التي تفضّل ألوانًا على ألوانٍ، بما يناسب الظروف والأدوار...
من هنا لا يمكن لنا ان نمرَّ مرور الكرام على "جلدة الرأس" قبل اقتراح أي بديل... ذلك لانَّ جلدة الرأس من الجذر "جلد"، وظاهريّـًا نرى في الأمر جلادة، أي نجد صبرًا وتأنّيًا واصرارًا، في الرأس على انجاز هذا المؤلّف، مما يشكّل انسجامًا مع واقع الكتابة والتفكير والبحث والاخراج، وطبعًا بعيدًا عن عقدة "جلد الذات" البسيكولوجية، بل قد يكون من أمر الكتابة هو التعرّض للجلد بسبب المضامين التي تخالف الحاكم؛ وعلى كلّ حالٍ فإنَّ "الجلد" يبقى اقلّ عقاب من قطع الرأس المذكور بهدف إخفاء المكتوب وكتم لسان حامله الى الأبد... علمًا أنَّ الكتابة كانت تتمّ غالبًا على "جلود" الحيوانات في ذاك العصر؛ وكان <الابداع> من قبل الخليفة بإملاء النصّ على رأس ذاك المملوك المسكين الذي تعرّض للقطع لإتلاف الرسالة وحفظ سريّة المواقف الأميرية...
والجلادة ناتجة عن رغبة في التعبير عن مكنونات الذات، عندما لم تعد هناك قدرة على حجرها في (حجر) الرأس، وإلّا قد تسبّب ما لا تحمد عقباه لصاحب الرأس، الذي قد يدوخ حجُره...
وبالمقابل، قد يحظى الكتاب بغلاف مميّز، وقد يكون هذا الغلاف من جلد الحيوان، الذي يصمد في وجه الأزمنة وعوامل الطبيعة، أكثر مما يصمد الورق المقوّى...
ولكننا نطمئن الكاتب أن في كتابه مما يحول دون قطع الرؤوس، بل يحييها، وفي مقالاته، رسائل علنيّة واضحة مكشوفة للعيان، وقد "وشم" المضامين في الرأس وليس على على جلدته... لذلك هي "منقوشة في الحجر"... وذلك هو موضوع متابعتنا في الفصل القادم..

الفصل الثالث: حول كتاب "الكتابة على جلدة الرأس"

بما أنَّ الكاتب يوّجه مقالاته العلنية، ذات الطابع التعليمي والتربوي والاجتماعي، بالإضافة إلى المواضيع اللغويّة والتراثيّة، والاصرار على الرسائل المكشوفة، عبر أعتى الوسائل المفضوحة في التاريخ البشري، ألا وهي الفاسبوكيّات، والتغريدات، والمدوّنات، الجوجولية، وهي خاضعة كلّيًّا للمراقبة المتواصلة الموثّقة الكترونيّـًا، حيال كل ذلك، فهو ليس بحاجة للكتابة على جلدة الرأس المميتة، بقدر ما حقق فعليّـًا النحت في الرؤوس الصلبة...
يا ترى، أمام هذه المعطيات، ماذا لوِ اقترحنا عنوانًا آخر، وهو "الكتابة على حجر الرأس"..؟ الذي تلمّسنا أهدافه وغاياته القيّمة وتلمسنا أبعادها وفوائدها..! لذلك ليس لنا إلّا العودة الى معبودتنا اللغة العربية وقاموسها الغنيّ لإدراك الفارق بين ما هو على الرأس وما في الرأس، والقاموس ما هو إلّا البحر المحيط، ولغتنا محيط هائل من المعاني...
فماذا سنجد في حِجْرِ الحَجَرِ؟

الفصل الرابع:

تعليقًا على عنوان كتاب د. بلال عبد الهادي. "الكتابة على جلدة الرأس"

وصلنا الى معاني الحجر:
نقدّم أولى معاني "الحجر" على سائر المعاني الاخرى بسبب مناسبته للبحث إيّاه، فالمنجد في صفحته ١١٩: الحِجْر ج حُجُور وحُجورة وأحجار، هو "العقل"، والسبب الذي أورده المنجد، ذلك لأنّه يحجر أي يمنع الانسان عمّا لا يليق به...
وفي تعليقنا نرى أن أن الكتاب هو بدوره يحجر الانسان عمّا لا يليق به.
لذا، ندرك لماذا يقولون "داخ حجر رأسي" لان في الرأس حجر والحجر هو العقل، والعقل من الجذر عقل، والعاقل والرابط الربط والارتباط.. الخ.
وبالتالي فإنَّ الكتابة على الحجر هي نقش في العقل..!
ولنعلمْ أن تعبير "ألقمَه الحجَرَ" يعني أفحمه بجواب مسكت قاطع، فهل يوجد مثل الكتابة الجلودة كي نستطيع الوصول الى حسم وجزم وحكم قاطع في أي نقاش؟!
بل، إنّ الحجارة بين مختلف مواد الطبيعة من بينها حجارة كريمة غالية جدًّا، نذكر منها "الحَجَران" أي الفضة والذهب... دون ذكر باقي الأنواع التي اعتمدت في الطقوس والعلاجات الباقية حتى الآن...
وعند ذلك، إذا كتبنا على الحجارة، فإننا نكتب على "حَرَم"، لأنَّه هو المحجر، وهو أيضًا المحجر الصحي... ففي الكتابة عليه صحة وعلاج..!
أكثر من ذلك هو الحضن الحاضن، والحصن الحصين..!
ونكتفي بذلك، لأنَّ الموضوع "الحجري" ذو أبعاد فيلولوجية رمزية تتجاوز الحديث السريع...

في الخاتمة المبدئية ندعو للكاتب العزيز "انتشارحجرته" أي كثر ماله، وكثرة عطائه.. وبالتوفيق..!

الأحد، 10 ديسمبر 2017

#معرض_بيروت_العربي_الدولي_للكتاب في بيال توقيع كتابي الجديد #الكتابة_على_جلدة_الرأس في جناح #جرّوس_برس_


 #يوم_الأربعاء ١٣ / ١٢/ ٢٠١٧ ( أي اليوم الأخير من المعرض) في #معرض_بيروت_العربي_الدولي_للكتاب في بيال


 توقيع كتابي الجديد #الكتابة_على_جلدة_الرأس في جناح #جرّوس_برس_ناشرون بين الساعة الرابعة والنصف والسابعة والنصف. يقال : ختام الأشياء مسك! أنا على المستوى الشخصيّ أحبّ جدّاً الأشياء الأخيرة، الرشفة الأخيرة، اللقمة الأخيرة، الكبمة الأخيرة التي تغلق النصّ لتسلّمه مفتاح البدايات!

سيكون كتاب #الكتابة_على_جلدة_الرأس وكذلك الطبعة الثانية من #لعنة_بابل بعد نفاد الطبعة الأولى متوفّرَيْن في #معرض_جدّة_الدولي_للكتاب في جناح #جرّوس_برس_ناشرون يبدأ المعرض الخميس القادم الواقع فيع ١٤ / ١٢ / ٢٠١٧.


سيكون كتاب #الكتابة_على_جلدة_الرأس وكذلك الطبعة الثانية من #لعنة_بابل بعد نفاد الطبعة الأولى متوفّرَيْن في #معرض_جدّة_الدولي_للكتاب في جناح #جرّوس_برس_ناشرون يبدأ المعرض الخميس القادم الواقع فيع ١٤ / ١٢ / ٢٠١٧.

كلمة الدكتور محمد الجسر في الكتابة على جلدة الرأس

وأنا أتصفّح شاشة الفايسبوك ، - ومن لا يغريه تصفح الفايسبوك؟ - وقعت عيني على ما كتبه الدكتور الصديق #محمّد_الجسر حول كتابي #الكتابة_على_جلدة_الرأس، فشعرت باعتزاز أن ينال كتابي هذا الاهتمام من عينيه ومن يراعه.
شكرا لك دكتوري العزيز .

الكتابة على جلدة الرأس تأليف: بلال عبد الهادي


المتعة التي تملكتني و انا أقرأ كتابك انستني موعد النوم الذي ألزمت به نفسي سنوات، فأذا الساعة قد ناهزت الواحدة بعد منتصف الليل.
عشقك للغة أخّاذ الى درجة " معدية".
أول البارحة، عندما اعلن ترامب نقل السفارة الى القدس، تذكرت ما كتبته تحت عنوان " العرب و الإنتحار اللغوي"، و كيف ان الصهاينة اليهود إعتبروا، في سعيهم الى إنشاء دولة، أن " اللغة أهم من قضية الارض". فأدركت فداحة إفتتاننا بلغة المستعمر و مخاطر التفريط في لغتنا الجميلة. و إستيقنت من صوابية وجهة نظرك بشأن إرتباط مصير الامم بحفاظها على هويتها، و عماد هذه الهوية اي اللغة، و انا أقرأ خاتمة المقال حول قرار أعلى السلطات القضائية في ألمانيا بترسيب تلك الطالبة المتفوقة في كل مواد الدراسة و الفاشلة في إمتلاك لغتها الأم.
و لقد إستمتعت مضاعفة و انا أعيد قراءة مقالات سبق ان نشرتها على صفحتك المتألقة على الفايسبوك ، مثل " حكاية إنّ" و " وافق شن طبقة" و حكاية أنف الفراهيدي" و " البوركيني" و " دفتر الفسبكة و معشر الفسابكة ".

من قال أن طرابلس لم تعد تستحق لقب " مدينة العلم و العلماء" ؟

لعنة بابل والكتابة على جلدة الرأس في موقع جملون

كتاباي لعنة بابل والكتابة على جلدة الرأس في موقع جملون

السبت، 9 ديسمبر 2017

الانسان حيوان قارىء


كلمة الدكتور #يوسف_عيد في ندوة أمس في #مركز_الصفدي حول #الكتابة_على_جلدة_الرأس. له الشكر والمودّات.


​​​كلمة الدكتور يوسف عيد في
​​​ندوة كتاب : " الكتابة على جلدة الرأس " . ​​​
​هل كتابة على الرأس أو كتابة على كل رأس أو كتابة على رأسي ؟ وصلتني نهارا فأسريت بك ،
​لقد ساهرتك فـتـقـمـــّــرتـك برغم سمائي الملبدة، لأني في الليل أشطف زومـاً وأرشح . وفي النهار أتقسّــم وأتبـــذّل .
​في الليل يجتمع كلّـه فـوق كلّـه ، وفي النهار كثيري قليل وقليلي مع الليل كثير ، قد يستمليني
النهار بضحضاحِــه فَيُـقنعني ، لكن الليل يستعطفني بهالاته فيغلبني لأرشح وأتمنــدل . فالنهار داعر عاهر
والليلُ عفيفُ الإزار ، نقيُّ العِـرض . زبـدة المـَــحضِ أنني قـرأتـكَ ليلا عرضاً وطولاً كما أقـرأ ذاتي في ذاتــي .
قــرأتـك وكلّـنــي ذاك الفعـلُ المقدسُ الذي هو " أقـرأ " ، وقد استنبعـت مِــدادي ولم تبلبلني بالرغم من انك بلال
​مقالك المتـنـوّع ، المتشعّــب ، المتشظــي ، يُشعرنـي في بــداءتـه ، بغرابة عالمك وغروبـه عنـي .
إنـه عالم الدهاليز وأنا لا أحـبّ الدهلـزة ، عالم الجماجم ، ولا أحبّ الجَـمجمَـة ، ، عالـم الطلاسم ولا أحبّ الطلسمة ،
أجل ! عالــمُ غصّــةٍ وخنقـةٍ وإنْ بــدت اللغة مقصـداً في كل مقصـد . لقد استملكتَ ذهنـي ، فرحتُ
أقضـم الكلماتِ وأنهشُ المعاني وألـوك الصفحات . أُرغمت على اللحاقِ بـك في تصوير الأهكومــة
​​​​​1 ​​​​​​​
العظمى ، أهكومـةِ الحياة ، ولا أنكــرُ خـانـوقَ وجودنا في مـآسيـه . أيـن المفّـر من المخطوط في
أعصابنا ؟ وأين الهرب من الذي سُطّــر في لحومنـا ؟ لذلك لا ألومـك ، إنـه عالمك المكتوبُ على
جبينك ، وقد خـرج من يـَـراعــك بحلّــو مجــــازٍ وزُلالِ عبــارة . أشهدُ أنّك من أماثـل أدبائنا في مزاولة
الكلمة الضاربـة ، تداعبها فتأتي من خالص الذهب وقد استعرت لها شبه " سوسير" ( Saussure )
( 186 ) من أنها حجرُ حصان في لعبة الشطرنـج ، والذي يلعبُ بالذهب ليس كمن يلعب بالخشب .
تعطيها القيمة بدلالتها بالسياق وليس قيمتها بـــ " سنكلّيـتها " ( single ) ، فرديّــــتـها ، غازلـــتُ
كلماتِـك فإذا هي لـؤلـؤٌ منضودٌ وتبــْر مسبوك ، ولو أهمَلتَ بعضَ نصوصك في التحريك وحرّكت أخرى ،
لكنك بطـّــاش أخّــاذ . حين قرأتُ عنوانك ، تبـّـرمّـت ، لكن حين تصفحتـك ، وقعت على فجواتك .
ومع ذلك ، فَــنّـك بعيد الغايـة ، رفيع الطبقـة ، دقيقُ السلكِ ، رقيق الحاشية ، يجعلك من حاكة القصة
وصاغتها بلباس لغوي رئيس.
بــــــــــــــــــــــلال :
شخصك ليس من حوك الظنون . فعينك حَيّــزت من زمن "ابن العيد" . وعشرتُك تُدغِمُ وتَحـادثـك يَدمَغْ،
فأنت كمن مَلَك أيماني منذ زمنٍ . نفـنـافٌ ، مشرقٌ ، بــلالٌ ، كلّـه تـناغُـم . كلّـه مَـراوح فوّار .
طَفَحَـت عليك نشوةُ الطرب ، فاستحـرّت بكهـراب الحياة ، وبَــــرقَـت ثناياك ولمعــت أساريرها وهَشَّـــت
​​​​​​2
وبَشَّــت ، فما أعظم الباري في مواجيد البشر . فبـيـنـي وبين لياليك ، ما بين اللطائف والكتائف .
لقد دهشتُ وسررتُ إذْ تحقـقّ خاطـرٌ لـي . كم اجتاحنـي في التـناظـر بيني وبين عيني ،وأنتمنذ كمشة من الزمن عيني .
الاسلوب ليس الإنسان ذاتُـه . الزاعمُ بالعكس كان مخطئاً . الأسلوبُ أخدوعـةٌ كبرى ـــــــــ فالحديث
عن الإعلام ( 196 ) يُسبّـب " l’infobésité " ويعني المكثّـف ، حين أردفت قائلاً إنه يُسبّب
الكولسترول الفكري ولعلّـه يكذّب الواقع ويختصره . يوشّـي ، ينمّـق ، يزخرف ، يطرّز ، يزوّق ، أما انت فتجاوزت
مستعملاً فعل "مـزمـز" للنص أو ارتشف في حديثك عن نصّ التوحيدي ) 202 (
وربما افتريت علينا حين لجأت إلى التكرار في فصل الألوان وحكاية الأعمى كيف يميّز بينها ، غير
أنه لم تلجأ كغيرك الى التحطيب ، بل أبقيت على ذوقك في أراجيحـــــه الهـزّازة ، ولم تتهـــيّــب نــــقــدَ
معاجمنا الكسولـة والجبانـة ، وكأنها تمشي على بيض ( 161 ) .
وبالرغم من حديثي عن تـفييلـيّــة الأسلوب ، غير أنّك لم تكن ذا مودّة كاذبـة مكذوبـة ، تداهـن
وتمالـح وتماكـر ، ولم تنصب للقارىء حبائـل . فقد تـناصرت النصوص على هذه الحقيقة التي عُــــــــدّت
عندي منـزّهـة عن فِطـان الرَّيـب . الأمثلة لا تحصى ولا تُحصر : فاللغة كالأكل وأرحام الأبجديات كأرحام
الأمهات ، وقد نقرت بقولك ان الميتالغة هجينة ، وأسأل : أهي الفسبكة دجينة والميتالغة هجينة ؟ . فقد ينقصك
​​​​​​3
بعض المساند حين ينقل عن أبي حيّـان التوحيدي . ( 165 ) فالكتابة على الرأس يحوجها بعض المساند ليرتاح اليها الرأس. أما عبارة الكلام على الكلام ، فهي
ربما تسيء إلى الكلام باتهامه بالفراغ وبعدم الجدّة والسخافة إذ إنها أضحت عبارة عاميّة للإستهزاء ،
كلام بكلام أي وعود كاذبـة . أو قولك : أين نحن من سفينة معجمية جديدة ؟ ( 168 ) فأسأل:
هل جاء الطوفان ؟ أو أين هو ؟ فَنُــوح كان منقـذاً نبيّـاً ، فأين النبي المؤهّــل اليوم ؟ أو تفتكر انك نوح؟
​في مقطع " عيون من ورق" ، إستـلّ بلال عبارة كونفوشيوس بقوله : "إنّ الصورة الواحدة أبلغ
من ألف كلمة " . نعم ، لقد أصاب بلال في هذا المستلّ ، فنحن في عصر المرئي . لاقيمة للسمع من دون رؤية ،لا قيمة للكلمة من دونفيلم ، لا قيمة للموسيقى من دون عري والشيطان في التفاصيل . ​
​وفي رأيـي ، قد كنت موفقاً جداً في غرابة ما تراه كيف أنّ المآكـل توحّد الأديان ، وَفَاتَـــك توحيـــد
المصطلح بين ( الكوسكوس أو الكسكس ) كالكبسة السعودية والمنسف الأردني . ثم دلـجت لتقول إنّ
الكلمة كالماء ليست من هواة تسلّق الجبال ، تكـرج إلى المنحدرات ، لكنك نسيت أنّ المياه تنبع من الجبال
وليس من المنحدرات . ثم تقارن بين الدين والأكل ، ذاهباً إلى تعداد أنواع الأكل على اختلاف المناطق.
ولعلّـه أنجح نصّ بين النصوص الناجحة لأنه يضرب على عروق هذه الأيام ( 212 ) .
​​​​​​4 ​​
خــلاصـة الملحوظـة :
إنّ الأسلوب ومعيوش حياتنا قد يتخالفان ، ويدور في باب التعزية التي تدور على المفقود . تلك هي
العقدة النفسية وكلّنـا معقّـدون .
العقدة أنّ كياننا مـثـغـور ، من هنا مساحب الهواء في هذا المؤلف ، التي تجعل ظاهرنا المفلوش غير باطننا المكموش .
إنك صاحب رسالة أورفليسيّـة ، لا يختص ببيئة دون أخرى أو شعب دون آخر أو موضوع دون آخر.
إنسان شغوف بمطلقات المطلق الواحد ، المشدود إلى عموميات العام الواحد ، المحدّق بظواهر وبواطن
المظهر الواحد أي الباطن الواحد . كل ذلك هو ذات الهادي بلال عبد الهادي الذي تقصّـد الكتابة على
جلْدة الرأس ليدرك باطن الرؤيا ، ليست كتابة على جلدة المياه أو على جلدة غيمة ، ولربما الكتابة على
الحجر أهون سبيلاً من الكتابة على الرأس . يُعلنها ثورة كوبرنيكيّـة في علم الإجتماع . لذلك ، تتمعّج
كلماتك لتخلد إلى صمت سـاجٍ ، والسجو الى صراخ داج . موضوعات الكتاب فرسـان تــتـصاهل في طرد المسافات والمفازات في
وهج لغة عشق سمندري . عالمك متهدّج ، متطوطح ، نزيل اللغة المتمسكة به ، تدل على أنك قبضت على
مفاصل التغيّر والتحوّل والإنقطاع والانبثاق ، فاندلقت منها شلالات من مراهف المعرفة ونيـط من متألقات
الكشوف . وإن تباعدت العناوين ، ففيها سلك نظيـم يُغنـغنها بـلال المغنغـن الرئيم وكأن ليس كحقله شيء
بل لمثله ليس شيء ، وهذا يعني سحراً حلالاً في الجمال . ​​
​​​​​​5 ​​​​​​
وبيقيـنٍ حازم يا بلال ، إنّ أدبك فيه من السحر الذي لا يحتاج إلى عصا وحبال ، ومرافع وسلالم وأضواء وستائر وراقصين وخفة وخفاف ومسارح .
أدبك ميزان شاهد على الغائب في حاضرك ،
على الباطن في ظاهرك وقد صورخت في رسم الباطن الغائب
كما زوبعْت في يوميات الحاضر الظاهر . وبذلك أعلنك
عميداً لأدبائنا وليس رئيس قسم في اللغة العربية عابـراً ، في هذا المقام . هل عرفت لم قرأتك في الظلام ؟ لأتوجك بياسمين الكلام ، واستعير من فيحائك الليمون والخزام ، وأتقي على من حضر لمحبتك التحية والسلام . ​
​​​*** ​​​*** ​​​***


​​​​​​6