الجمعة، 30 نوفمبر 2012

القناع كنز لا يفنى

القناع كنز لا يفنى
فللمنافقين ولع بالأقنعة

المحن منح

بعض المحن منح، وبعض المنح محن.

الإرادات إيرادات

الإرادات إيرادات

الشاشة غشّاشة

الشاشة غشّاشة.

سؤال الأطفال

من فضائل الأطفال انهم يطرحون أسئلة يخاف طرحها الكبار.

المليان الفاضي

من يفكّر في بلادنا، يقولون عنه: " بالو فاضي"، وعليه يمكننا ان نستنتج بأنّ الفاضي مليان! والمليان فاضي!
والله أعلم.

الحلال البغيض

بعض الحلال مثل بعض الحرام يخرب البيوت

نظرة

يكفي ان تغيّر نظرتك الى الأشياء حتى تتغيّر الاشياء

الاختصار ابتكار

الاختصار ابتكار.
هذا ما اكتشفه صاحب كاميرا بولارويد حين اختصر انتظار تظهير الصورة مثلا. وهذا ما فعلته طنجرة الضغط التي اختصرت زمن نضج الطعام.
وهذا ما فعله محوّل الحليب من سائل الى مجفّف.
تجفيف السائل ابتكار، تسييل الجاف ابنكار.
تقصير الزمن ابتكار، تطويل الزمن ابتكار.
اللعب بالزمن مطّا وزمّا ابتكار.
الزمان مثل اللسان يلعب بحجمه.

مسودة الربيع العربي

الربيع العربي مسودّة تحتاج الى تبييض وتنقيح.

مقاس الجنّة

كلّ طائفة تفصّل الجنّة على مقاسها بخلاف ما كانت تفعله رابعة العدويّة رحمها الله.

الشهداء فرصة ذهبية

الشهداء فرصة ذهبية

من طرائف العرب

وجد رجل مع امه رجلا، فقتل امّه، فقيل له: الا قتلت الرجل؟ فقال: اذن كنت احتاج في كل يوم ان اقتل رجلا.

من أروع ما قيل في المسكتات

ما هي المسكتات؟

هي مهارة في افحام من يريد ان يفحمك. هي ان يجد نفسه من اراد ان يضعك في الزاوية انه يكلمك من الزاوية. هي لعبة مرايا، ردّ افاعي "ميدوس" الى نحرها. هي ببساطة ان تملك قدرة لغوية تستطيع بوساطتها من غير افتراء ان تسحب البساط من تحت اقدام خصمك كما تسحب الشعرة من العجين.

وفي تراثنا الادبي كمّ هائل من المسكتات تجده مبعثراً ومفرّقاً في كتب ذات قيمة لا نكران لها، تجدها متناثرة في كتب الجاحظ وابي حيان التوحيدي والآبيّ في ّ نثر الدرّ". كانت تلفت نظري تلك المقدرة اللغوية والبلاغية في تغيير مسار المصائر بلفظة او جواب مسكت.

كان تصنيف "المسكتات " من اوائل التصانيف التي اضفتها الى مدونتي، حيث رحت اجمع في طياته ما اراه مبثوثا في كتب التراث من اطايب الاجابات البديعة من قبل الانبياء والخلفاء والبلغاء والشعراء ورجال السياسة، كانت فكرتي في البداية تجميع ما اراه فيس كتب التراث الا اني وجدت انني بدأت اخرج من حيّز التراث لاتناول واضع كل ما اراه موصولا بهذه الفكرة.

وهكذا عزيزي القارىء بنقرة بسيطة على "المسكتات " تجد انك دخلت عالما جميلا وبهياً، يعلّم الحكمة والحنكة والدفاع عن النفس بلفظ "يصيب المحزّ" كما يقال.

قراءة ممتعة لك عزيزي القارىء.

وارحّب بما ترغب ان تضيفه الى هذا التصنيف من طرائف وفكر ومسكتات.

وأنهي بواحدة من هذه المسكتات" الكنية والاسم " التي تجدها في المدوّنة:

"رأى أحد الصالحين الخليفة هارون الرشيد , فصاح به : يا هارون , لقد أتعبت الأمّة , ولم يستقم أمرك. فأمر الحراس فأحضروه ، فسأله بحنق : ما حملك على أن تناديني باسمي دون كنيتي !؟ فقال : إن الله كنّى أعداءه، فقال : ( تبّت يدا أبي لهب وتبّ )، و سمّى أولياءه فقال : ( يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ), ( يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا ) . فعفا عنه .."

تجد " تصنيفا " عن المسكتات في مدونتي على ياهو:

الإرادات إيرادات

الإرادات إيرادات
 
 

الخميس، 29 نوفمبر 2012

التذكرة الحمدونية/ الباب الثالث والثلاثون/ في الحجج البالغة والأجوبة الدامغة./المسكتات

في الكتاب العزيز من الحجج البالغة ما يكون غايةً لمن تمثل به، وكيف لا يكون ذلك وهو برهان الشريعة ودليلها، ومحجة الهداية وسبيلها، فمن ذلك قوله تعالى: وضرب لنا مثلاً ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميمٌ، قل يحييها الذي أنشأها أول مرةٍ يس: 78 وقال تعالى: أيحسب الإنسان أن يترك سدىً، ألم يك نطفةً من منيٍّ يمنى، ثم كان علقةً فخلق فسوى، فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى، أليس ذلك بقادرٍ على أن يحيي الموتى القيامة: 36 - 40 وقوله عز وجل: وهو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده وهو أهون عليه الروم: 27 أي في تقرير عقولكم وقياس ظنونكم المأخوذين من معارفكم. وقوله عز وجل حكاية عن إبراهيم عليه السلام: وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطاناً، فأي الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون الأنعام: 81.
ومن آيات الحجاج القاطع في إقامة التوحيد وتوهين الشرك قوله سبحانه: قل لو كان معه آلهةً كما يقولون إذن لابتغوا إلى ذي العرش سبيلاً الإسراء: 42 وقوله تعالى: ما اتخذ الله من ولدٍ وما كان معه من إلهٍ إذن لذهب كل إلهٍ بما خلق ولعلا بعضهم على بعضٍ سبحان الله عما يصفون المؤمنون: 91 وقوله تعالى في تفرده بخلق البرية: إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب. ما قدروا الله حق قدره، إن الله لقويٌّ عزيزٌ الحج: 73- 74 ومن الحجة في أمر كتابه: وإن كنتم في ريبٍ مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورةٍ من مثله البقرة: 23 وقال في الدلالة على إثبات نبوة رسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وسلم بتأمل أحواله وتدبر ما جاء به: أفلم يدبروا القول أم جاءهم ما لم يأت آباءهم الأولين، أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون المؤمنون: 68- 69 فإنه كان صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعرف في قريشٍ قبل البعثة بالصادق والأمين. وقوله تعالى: قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمراً من قبله أفلا تعقلون يونس: 16.
ولما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم قام فقال: يا معشر قريشٍ، لو قلت لكم إن خيلاً تطلع عليكم من هذا الجبل أكنتم مصدقي? قالوا: نعم قال: فإني نذيرٌ لكم بين يدي عذابٍ شديدٍ. فلما أقروا بصدقه خاطبهم بالإنذار ودعاهم إلى الإسلام.
والآن نذكر ما تحاور به الناس فيما بينهم، وتحاجوا به بعضهم على بعض في خطابهم ومقاصدهم.
ثم ذكرت ما كان من أمري وأمر عثمان: ولك أن تجاب عن هذه لرحمه منك: فأينا كان أعدى له وأهدى إلى مقالته? أمن بذل له نصرته فاستقعده واستكفه? أم من استنصره فتراخى عنه وبث المنون إليه، حتى أتى قدره عليه? كلا والله. لقد علم الله المعوقين منكم والقائلين لإخوانهم هلم إلينا ولا يأتون البأس إلا قليلاً، وما كنت أعتذر من أني كنت أنقم عليه أحداثاً، فإن كان الذنب إليه إرشادي وهدايتي له، فرب ملومٍ لا ذنب له.
وقد يستفيد الظنة المتنصح وما أردت إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب هود: 88.
وذكرت أنه ليس لي عندك ولأصحابي إلا السيف: فلقد أضحكت بعد استعبارٍ: متى ألفيت بنو عبد المطلب عن الأعداء ناكبين، وبالسيوف مخوفين? فالبث قليلاً يلحق الهيجا حملٌ، فسيطلبك من تطلب، ويقرب منك ما تستبعد، وأنا مرقلٌ نحوك في جحفلٍ من المهاجرين والأنصار والتابعين لهم بإحسان، شديدٌ زحامهم، ساطعٌ قتامهم، متسربلين سرابيل الموت، أحب اللقاء إليهم لقاء ربهم، قد صحبتهم ذريةٌ بدرية، وسيوفٌ هاشمية، قد عرفت مواقع نصالها في أخيك وخالك وجدك وأهلك، وما هي من الظالمين ببعيد.
كان قبيصة بن جابر ممن كثر على الوليد بن عقبة لما ولي الكوفة، فقال معاوية يوماً والوليد وقبيصة عنده: يا قبيصة، ما كان شأنك وشأن الوليد? قال: خير يا أمير المؤمنين في أول وصل الرحم وأحسن الكلام، فلا تسأل عن شكرٍ وحسن ثناء، ثم غضب على الناس وغضبوا عليه، وكنا منهم، فإما ظالمون فنستغفر الله، وإما مظلومين فيغفر الله له، وخذ في غير هذا يا أمير المؤمنين فإن الحديث ينسي القديم. قال: ولم? فوالله لقد أحسن السيرة وبسط الخير وكف الشر، قال: فأنت أقدر على ذلك منه يا أمير المؤمنين، فافعل، قال: اسكت لا سكت. فسكت وسكت القوم، ثم قال له معاوية: ما لك لا تتحدث? قال: نهيتني عما أحب فسكت عما أكره.
قال معاوية للأحنف حين وبخه بتخذيله عن عائشة ومشهده صفين: فعلت وفعلت. فقال: يا أمير المؤمنين لم ترد الأمور على أعقابها? أما والله إن القلوب التي أبغضناك بها بين جوانحنا، وإن السيوف التي قاتلناك لها لعلى عواتقنا، ولئن مددت يداً بشرٍّ من غدر لنمدن باعاً من خترٍ، وإن شئت لتستصفين كدر قلوبنا بصفو حلمك، قال: فإني بها أفعل.
روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قدم إلى الشام ومعه عبد الرحمن بن عوف رحمه الله وهما على حمارين قريبين من الأرض، فتلقاهما معاوية في كبكبةٍ حسناء، فثنى وركه فنزل وسلم عليه بالخلافة فلم يرد عليه، فقال له عبد الرحمن أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين أحصرت الفتى فلو كلمته، فقال: إنك لصاحب الجيش الذي أرى? قال: نعم، قال: لأنا في بلادٍ يكثر فيها جواسيس العدو، فإن نحن لم نتخذ العدة والعدد استخف بنا، وهجم على عوراتنا، وأنا- بعد- عاملك، فإن وقفتني وقفت، وإن استزدتني زدت، وإن استنقصتني نقصت؛ قال: فوالله لئن كنت كاذباً إنه لرأي أريبٍ، وإن كنت صادقاً إنه لتدبير أديب، ما سألتك عن شيء قط إلا تركتني منه في أضيق من رواجب الضرس، لا آمرك ولا أنهاك. فلما انصرف قال أبو عبيدة أو عبد الرحمن: لقد أحسن الفتى في إصدار ما أوردت عليه، قال: لحسن إصداره وإيراده جشمناه ما جشمناه.
روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يعس بالمدينة في الليل، فسمع صوت رجلٍ في بيته فارتاب بالحال، فتسور فوجد رجلاً عنده امرأةٌ وخمرٌ، فقال: يا عدو الله، أكنت ترى أن الله يسترك وأنت تعصيه? فقال لارجل: لا تعجل علي يا أمير المؤمنين، إن كنت عصيت الله في واحدة فقد عصيته في ثلاثٍ، قال الله سبحانه وتعالى: ولا تجسسوا الحخجرات: 12 وقد تجسست، وقال: وأتوا البيوت من أبوابها البقرة: 189، وقد تسورت، وقال: فإذا دخلتم بيوتاً فسلموا النور: 61 وما سلمت. فقال عمر: فهل عندك من خيرٍ إن عفوت عنك? قال: بلى والله يا أمير المؤمنين، لئن عفوت عني لا أعود لمثلها أبداً، فعفا عنه.
خطب رجلٌ إلى عبد الله بن عباس يتيمةً كانت في حجره، فقال: لا أرضاها لك، قال: ولم? قال: لأنها تشرف وتنظر، وهي مع ذلك بذيئة، قال: فإني لا أكره ذلك، فقال ابن عباس: أما الآن فإني لا أرضاك لها.
قيل وقع بين عليٍّ وعثمان كلامٌ فقال عثمان: ما أصنع بكم إن كانت قريش لا تحبكم وقد قتلتم منهم يوم بدرٍ سبعين كأن وجوههم شنوف الذهب تشرب آنفهم قبل شفاههم.
قدم حماد بن جميل من فارس فنظر إليه يزيد بن المنجاب وعليه جبة وشيٍ، فقال: هل أتى على الإنسان حينٌ من الدهر لم يكن شيئاً مذكوراً الإنسان: 1، فقال حماد: كذكلك كنتم من قبل فمن الله عليكم النساء: 94.
دخل وفدٌ على عمر بن عبد العزيز فأراد فتى منهم الكلام، فقال عمر: ليتكلم أسنكم، فقال الفتى: يا أمير المؤمنين، إن قريشاً لترى فيها من هو أسن منك، فقال: تكلم يا فتى.
قال معاوية يوماً: الأرض لله وأنا خليفته، فما أخذت فلي حلالٌ، وما تركت للناس فلي عليهم فيه منةٌ، فقال صعصعة: ما أنت وأقصى الأمة فيه إلا سواءٌ، ولكن من ملك استأثر. فغضب معاوية وقال: لقد هممت، قال صعصعة: ما كل من هم فعل، قال: ومن يحول بيني وبين ذلك? قال: الذي يحول بين المرء وقلبه.
وجه معاوية رجلاً إلى ملك الروم ومعه كتابٌ تصديره: إلى طاغية الروم، فقال ملك الروم للرجل: ما لذي الفخر بالرسالة والمتسمي بخلافة النبوة والسفه? أظنكم وليتم هذا الأمر بعد إعواز، لو شئت كتبت: من ملك الروم إلى غاصب أهل بيت نبيه، العامل بما يكفره عليه كتابه، لكني أتجالل عن ذلك.
روي أن عائشة رضي الله عنها بعثت إلى معاوية وهو بالمدينة تذكر حاجةً من آل أبي بكر، فأرسل إليها بثلاثين ألف درهم صلةً لها وبمثلها لآل أبي بكر، وبعث إلى أم حبيبة أخته عشرين ألف درهم، فقالت: أتفضل علي وأنا أختك، وحقي ما تعلم? فقال: إني آثرت هوى رسول الله صلى الله عليه وسلم واقتديت به فيكما، فقالت: إن كنت صادقاً فاعتزل ما أنت فيه، وخل بينه وبين من أدخلك في الإسلام، فوالله لهوى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه كان فوق هواه فيك، فقال معاوية: لله در الحق ما أقمعه.
سمع زيادٌ امرأةً تقول اللهم: اللهم اعزل عنا زياداً فقال: يا أمة الله، زيدي في دعائك: وأبدلنا به من هو خيرٌ لنا منه.
قال الأصمعي: ناظر قومٌ من الخوارج الحسن البصري فقال: أنتم أصحاب دنيا، قالوا: وكيف? قال: أيمنعكم السلطان من الصلاة? قالوا: لا، قال: أفيمنعكم من الحج? قالوا: لا، حتى عدد وجوه البر ويقولون لا، قال: فأراه إنما منعكم الدرهم فقاتلتموه.
قال حاطب بن أبي بلتعة: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ملك الإسكنجرية، فأتيته بكتاب النبي صلى الله عليه وسلم فأبلغته رسالته، فضحك ثم قال: كتب إلي صاحبك يسألني أن أتبعه على دينه، فما يمنعه إن كان نبياً أن يدعو الله فيسلط علي البحر فيغرقني فيكفى مؤونتي ويأخذ ملكي? قلت: فما منع عيسى عليه السلام إذ أخذته اليهود فربطوه في حبلٍ وجعلوا عليه إكليلاً من شوكٍ، وحملوا خشبته التي صلبوه عليها على عنقه، ثم أخرجوه وهو يبكي حتى نصبوه على الخشبة، ثم طعنوه حياً بحربة حتى مات- هذا على زعمكم- فما منعه أن يدعو الله فيجيبه فيهلكهم ويكفى مؤونتهم، ويظهر هو وأصحابه عليهم? وما منع يحيى بن زكريا حين سألت امرأة الملك الملك أن يقتله، فقتله وبعث برأسه إليها حتى وضع بين يديها، أن يسأل الله أن ينجيه ويهلك الناس? فأقبل على جلسائه وقال: والله إنه لحكيم، وما يخرج الحكيم إلا من عند الحكماء.
اصطحب اثنان من الحمقى في طريق، فقال أحدهما لصاحبه: تعالى حتى نتمنى، فإن الطريق يقطع بالحديث والتمني، قال: تمن، قال: أتمنى قطائع غنم حتى أنتفع بألبانها وصوفها ولحمها ويخصب معها رحلي، ويشبع أهلي. قال الآخر: أنا أتمنى قطائع ذئاب أرسلها على غنمك حتى تأتي عليها. قال: ويحك هذا من حق الصحبة وحرمة العشرة? وتلاحما واشتدت الملحمة بينهما، ثم قال: نرضى بأول من يطلع علينا نتحاكم إليه، فبينما هما كذلك طلع عليهما شيخ يسوق حماراً، وعليه زقان مملوءان عسلاً، فساقت وقفاه وحدثاه فقال: قد فهمت حديثكما، وفتح رأس الزقين حتى سال العسل في التراب، وقال: صب الله دمي مثل هذا العسل إن كنت رأيت أحمق منكما.
قيل: كان كيسان صاحب أبي عبيدة مضعفاً بليداً يأتي سهواً كثيراً، فسئل أبو عبيدة عن اسم بعض العرب فأنكر معرفته، وكيسان حاضر، فقال: أنا أعرف اسمه، فقال أبو عبيدة: ما هو? قال: خراش أو خداش أو رياش أو حماش أو شيء آخر. فقال أبو عبيدة: ما أحسن ما عرفته، فقال: نعم وهو مع ذاك قرشي، فاعتاظ أبو عبيدة وقال: من أين علمت أنه قرشي? قال: أما رأيت اكتناف الشينات عليه من كل جهة.
قال رجل للحسن: يا أبا سعيد أنا أفسو في ثوبي وأصلي فيه هل يجوز? قال: نعم لا كثر الله في المسلمين مثلك.
سمع رجل من ينشد: من الطويل


وكان أخلائي يقولون مرحـبـا فلما رأوني معدماً مات مرحب

فقال: مرحب لم يمت، قتله علي عليه السلام.
كان الوليد بن يزيد يلعب بالشطرنج، فاستأذن عليه رجل من ثقيف، فسترها ثم سأله عن حاله وقال له: أقرأت القرآن? قال: لا والله يا أمير المؤمنين، قد شغلني عنه أمور وهنات. قال: أفتعرف الفقه? قال: لا والله? قال: أتروي من الشعر شيئاً قال: ولاش، فكشف عن الشطرنج وقال: شاهك، فقال له عبد الله ابن معاوية: مه يا أمير المؤمنين، قال: اسكت فما معنا أحد.
قالوا: استأذن العقل على الحظ فحجبه، قال: أتحجبني وأنا خير منك? قال: وأنت ما تساوي إذا لم أكن معك? قيراط من حظ خير من كر عقل.
قال الأعرابي لابنه: ما لي أراك ساكناً والناس يتكلمون? قال: ما أحسن ما يحسنون. قال: إن قيل لا فقل أنت نعم، وإن قيل نعم فقل أنت لا، وشاغبهم ولا تقعد غفلاً لا يشعر بك.
كانت بربيعة بن عمرو طرقة أي جنون، ولذلك لقب بحوثرة، وهو أبو الحواثر من عبد القيس، فغرس فسيلاً فكان يسقيه بالنهار، فإذا كان الليل اقتلعه وأدخله بيته، فقيل له في ذلك فقال: أخزى الله مالاً لا تغلق عليه بابك.
المتنبي: من المتقارب


لقد كنت أحسب قبل الخصـي ي ان الرؤوس مقر النهـى
فلما نظرت إلـى عـقـلـه رأيت النهى كلها في الخصى

قيل لمعلم: ليس لك درة. قال: وما أصنع بها? أقول من لم يرفع صوته بالهجاء فأمه قحبة، فيرفعون أصواتهم فهذا أبلغ وأسلم.
قال بعضهم: ما أحسن ما قال الله: اقتلوا السفلة حيث وجدتموهم فقيل له: ليس هذا بقرآن، قال: ألحقوه به فإنه آية حسنة.
قال لرجل غلامه: قد سرق الحمار يا سيدي، فقال الحمد لله الذي لم أكن على ظهره.
مدح شاعر أميراً فقال: من الكامل المجزوء


أنت الهمام الأريحي الواسع ابن الواسعة

فقال له: من أين عرفتها? فقال: قد جرتبها، فقال: أسوأ من شعرك ما أتيت به من عذرك.

قحبة في بيت علويّ

أدخل رجل علوي بيته قحبة، فلما أرادها قالت: الدراهم، قال: دعي عنك هذا ويحك مع قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: دع هذا، عليك بقحاب قم، هذا لا ينفق على قحاب بغداد.
من كتاب البصائر والذخائر لابي حيات التوحيدي

القراءة الاولى

第一次读一本书时,就像结识了一位新朋友。第二次读时,就像和故友重逢
 
القراءة الاولى للكتاب تشبه التعرف على صديق، اما القراءة للمرة الثانية تشبه لقاء ثانيا بصديق

منام سيف


 المنامات ليست حكراً على البشر، كما يبدو، في الشرق الأقصى. فلقد وقعت تحت نظري حكاية صينية عن سيف يحلم، وهو ليس سيفاً مجازياً كسيف الدولة الحمدانيّ مثلاً، وإنّما سيف حقيقيّ مصقول، ولكنّه سيف متعب نفسيّاً، يؤنبّه ضميره، وترهقه ذاكرته المليئة بالدم، سيف غير راضٍ عن سيرته القانية، ولا عن بطولاته المزعومة. استغرق السيف، ذات مساء، بعد معركة حامية الوطيس، في نوم عميق، ورأى فيما يرى النائم أنّه لم يعد سيفاً بل أضحى محراثاً. استيقظ السيف مبهوراً بواقعه الجديد، ولكنّه ما إن فتح عينيه حتّى اكتشف أنّه لا يزال أسير شفرته المرهفة، وأنّ المحراث مجرّد منام عابر

الأربعاء، 28 نوفمبر 2012

منامات ومقامات


هل يمكن لأحد أن يدير ظهره للمنامات ويعيش وكأنها شيء لم يكن؟ ومن لا يتذكر مناماً واحداً، على الأقلّ، في حياته لا يكفّ عن ملاحقته ومطاردته ومداعبة يقظته في مناسبات كثيرة؟ أليس من العبث الاستهانة بالمنامات واعتبارها مجرد أضغاث؟ من لا يحلم بأن يحلم بطيف عزيز راحل في غفوة ليل؟ وكيف يكون شعوره حين يفتح عينيه على ضوء الصباح المعطّر بذلك الطيف؟  وكم من منام غيّر مصير فرد أو شعب؟ والأمثلة كثيرة. إنّ الأحلام تحكم يقظتنا في أحيان كثيرة من غير أن ندري أو نشعر. وكما يقوم بعض الناس بتزوير الحقائق وقلب الوقائع ثمة من يقوم أيضا باستغلال طيّب أو خبيث لعالم الأحلام لتحقيق رغبات قد لا يمكن تحقيقها إلا بفضل ما يحتمله عالم الأحلام من خداع للذات أو للآخرين. الأمّ مثلاً قد تعتمد، في لحظة خوف على ولدها الذي يريد أن يسهر إلى أنصاف الليالي بخلاف رغبتها، على منام مزيّف يشبه الكذبة البيضاء لتغيير رغبة ولدها فتقول له: يا ولدي، لقد رأيت مناماً جعلني أتشاءم من مشوارك، برضاي عليك، إلغ السهرة". وثمة أولاد يعصون رغبات أهلهم الحقيقية، ولكن لا يطاوعهم قلبهم في عصيان منامات أهلهم.

عالم المنامات شيّق وطريف، وفي هذه المقالة، أشير فقط إلى ارتباط دلالة المنام بالسياق، بمعنى أن مسألة تفسير أو تأويل الأحلام لا يمكن لها أن تكتفي بالمنام وحده، إنّ المنام الواحد ليس واحداً، ألفاظه واحدة وأحداثه واحدة، إلاّ أن حبسه في تفسير لغويّ فقط لا يمكن له أن يفضي إلى تفسير يرضي شروط المنام. فالدلالات، أية دلالات، لا تقتات فقط من اللغة، إنّ اللغة بمفردها عاجزة عن تفسير أيّ نصّ لغويّ، أو منامي، وهذا ما يقوله في أي حال علماء نفس كثيرون مثل اريك فروم صاحب الكتاب الممتع والخصب" اللغة المنسية".

 انّ الجغرافيا( المنام الواحد في الريف لا يحمل المعنى نفسه في حال تمّت رؤيته في المدينة) والزمان( المنام الواحد أيضاً لا يحمل الدلالة نفسها في حال تمت رؤيته في الصيف أو في الشتاء) والرائي ( الوضع الشخصيّ للرائي يؤدّي دوراً في تلوين دلالة المنام). وكلّها عناصر تحدد مصائر المنامات، وهي التي تسمح للمعبّر، أو المفسّر التقاط الدلالات المضمرة للمنام. كلّ عناصر المنام لا تتحدد قيمتها الا بعلاقة الرائي بها،  إنّ  رؤية الكنيسة مثلاً في منام مسلم قد تجلب له الحيرة، في حين أنّ الكنيسة في منام مسيحي تجلب له المسرّة، من هنا يستحيل التفسير إن كان المعبّر لا يعرف الانتماء الديني للرائي مثلا"، وكذلك الشأن في اللباس أيضا فإنّ  رؤية الفرو في المنام لا يمكن تبيان دلالته الفعلية إذا كنا نجهل الطقس الفعلي لحظة المنام، إن الذي يرى نفسه يلبس معطف فرو لا يمكن أن يدرك دلالة المنام إذا لم يأخذ بعين الاعتبار حالة الطقس الجوّية خلال رؤيته المنام، لأن دلالة الفراء في الصيف غيرها في فصل الشتاء. الطقس، هنا، هو الذي يساهم في تزويد المنام بوقوده الدلاليّ. وقد يرى المرء مناما واحداً بكل التفاصيل، في فترتين متباعدتين، الا انه قد لا يتضمّن الدلالة نفسها، لأنّ ظروف رؤية المنام الأول ليست هي نفسها ظروف رؤية المنام الثاني، وعليه لا يمكن أن يحمل الدلالة نفسها، ومفسرو الأحلام كانوا يأخذون أمر مكان الرؤية بالحسبان، لأن الدلالة ليست واحدة، إن الأمر هنا يشبه إلى حد بعيد ما يحدث في عالم الألوان، فاللون الواحد تتغير درجته تبعا للخلفية اللونية وللإطار اللوني الذي يتواجد فيه،  وهذا ما تشير إليه بعض كتب التراث المناميّ والكتب المناميّة الحديثة على السواء. وثمة حكاية مناميّة تروي أن أحد الأشخاص رأى في منامه أنه اخذ سبعين ورقة من أوراق الشجر، فأتى أبا بكر الصديق مستجلياً دلالة المنام، فقال له أبو بكر تُضرب سبعين جلدة، وبعد عام رأى أيضا تلك الرؤيا نفسها، فأتى أبا بكر، رغم ما لاقاه من جراء الأولى، واخبره انه رأى تلك الرؤية على هيأتها فقال: يحصل لك سبعون ألف درهم، فاستغرب الرجل عبثية الجواب إذ كيف يتغير المعنى واللفظ واحد، ولاحظ أبو بكر حيرة الرجل أمام تناقض الجوابين أو التفسيرين، فبيّن له أبو بكر الصديق أن رؤياه الأولى حدثت والأشجار تنثر أوراقها (مما يدل على العصا)، أما رؤياه الآن فعند نموّ الأشجار واكتساء أغصانها بالأوراق"، (والورق في العربية من أسماء الفضّة والمال!). يبرز بوضوح، في هذا النصّ المناميّ كما في نصوص مناميّة أخرى كثيرة، سلطان الزمان على معنى المنام، وسلطان أحوال الطبيعة على تحوّلات الدّلالات، فمعنى أيّ منام كمعنى أيّ نصّ من حيث إنّ تفلتّه من السياقات المتعددة والمتنوعة يجعل المعنى، مشرّداً، هائماً على وجهه الممحوّ الملامح في براري الظنّ والاحتمالات.

الصبر سبْر أعصاب

الصبر سبْر أعصاب

مفاصل الشعر

النثر مفاصل شعريّة. شعر بلا مفاصل نثريّة، شعر تنقصه الليونة البدنية

الاثنين، 26 نوفمبر 2012

التسمية في الصين




الاسم، في اللغة العربيّة، ملتبسُ الأصْل، ومن نتائجِ التباسِه انقسامُ النظر إلى اللغة العربية نفسها، وإلى كيفيّة معالجة قضاياها أيضاً، وساهم التباسه في إنتاج مدرستين في النحْو، المدرسة البصرية والمدرسة الكوفية. كان واحداً من أسباب هذا الالتباس هو وجود الهمزة في أوّل الاسم، والهمزة صوت ضعيف صحّته على قدّه.  وبسبب ما يلحق الهمزة من "النقص والتغيير والحذف" أسقطها الخليل بن أحمد الفراهيديّ من حسابه حين ألّف معجم "العين"، كما يذكر في مقدمة معجمه، إذ كان من حقّ الهمزة أنْ تحمل عنوان المعجم انطلاقاً من منطق مخارج الأصوات الذي اعتمده. ولكن الخليل يبرّر عدم أخذها بعين الاعتبار بسبب سقوطها أحياناً في مدارج الكلام. ومن مظاهر مرضها وعجز قدميها حاجتها إلى كرسيّ! ولعلّ معاناة طلاّب اللغة العربية في كتابتها أحياناً وليد تقلبّاتها على أكثر من كرسيّ: كرسيّ الياء وكرسيّ الواو. وبسبب ضعفها ووهنها شعر النحويّ العربيّ أنها تحتاج إلى عناية فائقة فخصّص لها فصلاً حول علاقتها مع الكراسي!

 ولأنّ كلمة "إسم" تبتدىء بهمزة فقد بلبلت أذهان النحويّين واللغويّين فاختلفوا حول جذْرها وشجرة نسبها. فذهب البعض إلى أنّ أصلها من " سَمَوَ "، وقال آخرون بل أصلها من " وَسَمَ". ومن قال بالسموّ اعتبر الاسم بمثابة السماء التي تظلّ المسمّى. ولا مفرّ من السماء كما لا مفرّ من الأسماء. لذا رأى البعض أنّ أثر الأسماء في أصحابها شبيه بأثر السماء في أقدارهم. فالاسم يساهم في تشكيل مصير المسمّى. ومن ذهب إلى الوسْم، فقد رأى أنّ الاسم علامة فارقة و"حارقة". فالوسم، لغويّاً، كيّ بالنار. كتابة بالحديد الحامي على الجلد لحمايته من الألاعيب المحتملة، لأنّها كتابة يصعب محْوها وتزويرُها. ومن يتتبّع علاقة الأسماء بمسمّياتها لدى عدد كبير من الشعوب يلاحظ سلطان الاسم الأسطوريّ، إلى حدّ أنّ إحدى القبائل الإفريقية ترى أنّ الإنسان ليس كائناً مركّباً من ثنائية الروح والجسد فقط، لأنها ثنائية، في نظره، ناقصة بلا قسمات واضحة، وإنما هو مركّب من أقانيم ثلاثة هي الاسم والجسم والروح. وتجريد الإنسان من واحد من هذه الأقانيم يجرده حكماً من الحياة. أناس بلا أسماء ليسوا أكثر من أشباح مخطوفة الملامح هائمة على وجوهها الضالّة.

أمّا هنا فإنّي سأتناول نقطة واحدة، ذات صلة بالأسماء، هي أسماء الكتّاب الصينيين. وطريقتهم في كتابة أسمائهم واختيارها. وهي نقطة لا تخلو، فيما أظنّ، من وجاهة. نحن نعرف في عالمنا العربي أنّ كثيرين يعيشون بأسماء مستعارة أو يعيشون باسْمين، وثمّة من يتخلّى عن اسمه ويعيش في ظلّ اسم آخر، كما فعل الشاعر السوريّ "أدونيس" مثلاً. وهناك فنّانون يعيشون بأسماء لا تتطابق مع المكتوب على هويّاتهم. ولكن وجهة النظر الصينية لم أجدها في مكان آخر. ووجهة نظرهم، في أيّ حال، كانت أمنية تراود ذهن الفيلسوف الفرنسي ميشال فوكو في ميدان التأليف لتحرير القارىء من سلطان الاسم وإغواءاته. فالاسم غشّاش وخدّاع. وكم من شخص كان ضحيّة لاسمه! وكثيرون يستثمرون طاقات الاسم لمآربَ تفوق مآربَ عصا موسى عدّاً. لذا اقترح ميشال فوكو حظر استعمال اسم الكاتب على أكثر من مؤلّف واحد وهي رغبة سوريالية تتعارض مع رغبة الناس في عمل "اسم" لحالهم، وخصوصاً أنّ للأسماء أسعاراً! وهي أمنية تمناها فوكو بسبب أنّ القارىء يخضع لسلطان اسم الكاتب، فإذا ما قرأ كتاباً لمؤلِّف ما ولم يرقْ له فإن القارىء قد يقوم بشطب اسم الكاتب ويصير عنده موقف سلبيّ من كتب أخرى للكاتب نفسه من دون ان يتناولها معتمداً على رأيه الأوّل، وعليه فثمّة احتمال في أن يلحق الظلم بالكتاب الثاني. وقد يكون الأمر بشكْلٍ عكسيّ فقد أقرأ لكاتب وينال إعجابي فيصير اسمه فخّاً يسهل السقوط فيه. ولكن "ما كلّ مرّة تسلم الجرّة" فقد يكون الكتاب الثاني فاشلاً، ولكن سلطان الاسم يجعلني أتعامل مع الكتاب الفاشل على أساس أنّه حسن، وعليه أصير أشكّ في حسّي الأدبيّ أو النقديّ. فما الوسيلة التي تحرّرني من فتنة الأسماء وسلطانها على ما أقرأ؟

يبدو أنّ رغبة فوكو كان معمولاً بها منذ زمن قديم، ولا يزال، في الصين وإنْ لم يكن بشكل مطلق. فكثيرون من الكتّاب الصينيّين يغيّرون أسماءهم على أغلفة مؤلفاتهم. وهكذا حين تقع عينك على الكتاب تقع عليه هو، ولا تقع على إسم الكاتب، لأنّ الكاتب مبهم مجهول مختبئ وراء اسم جديد عليك لا تعرف عنه شيئاً. وحين تقتني كتاباً لقراءته لا تدخل إليه مشحوناً برأيك الإيجابيّ أو السلبيّ السابق بالكاتب، تدخل عارياً إلى النصّ ليكون رأيك هو السلطان الأوحد.

انتشرت في الغرب نظرية نقدية في الأدب بشّرت بموت المؤلّف ( وهي النظريّة البنيويّة) بمعنى تحرير النصّ المقروء من سلطان اسم الكاتب الذي قد يشوّش عليك قراءتك، وتسليم زمام النصّ للقارىء. يبدو أنّ الطريقة المعتمدة لدى بعض الكتّاب الصينيين في تجديد أسمائهم مع جديد مؤلفاتهم ترضي ذائقة البنيويّين وترضي، أيضاً، رغبة الفيلسوف الفرنسيّ الراحل ميشال فوكو.


 بلال عبد الهادي

السبت، 24 نوفمبر 2012

العرب والنعاج من وجهة نظر غوغل


 


 
لا اظنّ أنّ أحداً ممّن يتعامل مع الآنترنت لم يسمع بمحرّك البحث الأشهر "غوغل" الذي لم نتفّق على إعطائه تسمية واحدة في اللغة العربيّة، وذلك بسبب رعونة حرف الـ"G" اللعوب المكرّر باسمه اللاتينيّ "Google"، والذي لم نعتمد وجود شكل واحد له في اللغة العربيّة، فقد تراه مكتوباً "غوغل" كما في العنوان الذي اخترته لهذه المقالة، وقد تجده مكتوباً بالجيم "جوجل" كما تلفظ في القاهرة، وقد يقفز اليك في صورة " قوقل" وهي التسمية المغربية ذات الايقاع الغريب على غير معتاد طريقتنا في ترجمة الحروف اللاتينية. وهذا التمزّق في كتابة الكلمة يدلّ على تمزّق الواقع العربيّ في غير الميادين اللغويّة أيضاً. فاللغة كتلك المرآة السحرية في قصص الأطفال والتي لا تعرف ولا تحبّ ممارسة الكذب.
ليس غرض المقال اسم "غوغل" وانما الخدمات الكثيرة التي يقدّمها للقارىء والباحث أيّاً كان مجال اهتمام القارىء او الباحث. اطلب ايّ شيء تجده مثل " عفريت" الفانوس السحريّ يقدّم لك كل المساعدات الممكنة، مساعدات قد لا تخطر حتى لك ببال، ومساعدات غير متوقّعة أو غير منظورة. الانترنت غنيّ بالألعاب، فشاشته ملعب رحيب، ولا احد ينكر فضل الالعاب على نمو الانترنت المذهل. هناك لعب معروفة، وهناك لعب انت تخترعها لتمارس هواية من هواياتك. ومن الطريف أن تحوّل غوغل الى وسيلة لعب وترفيه. وهو يقبل دون تذمّر تحويله الى لعبة.
يحلو لي بين وقت ووقت أن اطرح سؤالاً اعتباطيا على غوغل، أو أن اضع في خانة البحث عبارة او جملة فأجده يقدّم لي معلومات ومقترحات غنيّة، أو يعزّز ما اسعى اليه  من خلال تزويدي بشواهد طريفة ومبتكرة. وضعت ذات يوم عبارة " الربط بين فكرتين" في خانة البحث فقدّم لي معلومة عن مخترع الطباعة " غوتنبرغ" وكيف ان ولادة المطبعة في القرن الخامس عشر كانت بنت فكرتين قد لا يربط بينهما رابط ظاهريّ، إذ ما علاقة معصرة العنب بالطباعة مثلا؟  لقد قام غوتنبرغ بالجمع بين فكرة الضغط في مكبس عصر العنب وفكرة قوالب سكّ المعدن التي شاهدها في دار سكّ النقود في مدينته. كان مكبس الطباعة ذو الأحرف المتغيرة قفزةً اختراقية استندت إلى تقنيتين معروفتين. كان ذلك الإبداع ربطاً بين عمليّتين أو فكرتين بدتا في ذلك الحين متباعدتين كلّ البعد". وهكذا قد يكون الابداع مجرد نظرة على ذلك الخيط الخفيّ الذي لا تراه العين العجول والذي يوحّد بين المتباعدين!
لا تكفّ المعلومات عن التدفّق في خزّان " غوغل" ، ومن هنا فهو دائم الحركة، ودائم التغيّر، ومن حسناته انه يمكن ان يكون مؤشرا على حضور او غياب الاشياء. فهو بورصة أفكار وأحوال. مثلا اذا كنت تريد ان تعرف ايهما اكثر حضورا في فضاء الانترنت اليوم  المتنبي شاعرنا العربيّ القديم أم شاعرنا الحديث أدونيس فلا يمكن لك ان تعرف ولو بشكل ضبابيّ الا من خلال محرّك البحث عبر عدد صفحات كل واحد منهما. فالمتنبي مثلا له 4490000 صفحة بينما ادونيس ليس له الا 266000 صفحة. وهذا يبيّن لك مكانة خارقة للمتنبيّ ، وقد تريد ان تقارن بين المتنبي وابي تمام او ابن الروميّ، على سبيل المثال، فلا يبخل عليك غوغل بتقديم المعونة والمساعدة. كلام الارقام في غوغل مؤشر عن مواقع الأمور.
وقد يفاجئك غوغل بمعلومة جارحة انت لا تقصدها، معلومة البعض يراها واقعية، والبعض يراها تجريحاً بالذات، او اعترافا بالعجز. والمعلومة لها علاقة بحرب غزّة الأخيرة. نتذّكر، والكلام لا يزال طازجاً، كيف ان "النعاج" كمفردة ودلالة دخلت في حيّز الاستعمال على لسان وزير خارجية قطر في مؤتمر الخارجية الأخير الذي انعقد في القاهرة، ثمّ جاء الردّ من امين عام حزب الله حسن نصر الله برفض تعميم التسمية على كل الامة العربية لأنّ الأمّة العربية ليست كلّها نعاجا. وهكذا أدخلت كلمة " نعاج" العالم العربيّ في "كباش" سياسيّ حاد ومحتدمّ. ولا شكّ ان المواطن العربيّ هو " كبش محرقة" في كثير من الأحيان.
بعد ثلاثة او اربعة ايام من تداول كلمة " نعاج" في الخطاب السياسيّ المنبثق من حرب غزّة، وضعت كلمة "نعاج" في محرّك البحث غوغل بحثا عن أمور ذات صلة بالنعاج، وهنا كانت المفاجأة،  لقد أعطاني غوغل ما لا اريد، او لفت نظري على مسألة لم تكن في البال. حضور العرب وحضور النعاج على صفحة واحدة، وكانت السطور الاولى التي وردت في صفحة النعاج هي التالية: "وصف محلل للقناة العاشرة الإسرائيلية، العرب بأنهم ''مجرد نعاج''، وذلك في معرض تحليله الاجتماع الوزاريّ الذي عقده قادة عرب". ثم جاء بعد هذه االسطور التصريح الذي استخدمه الوزير القطري، وبعده التنديد بالتصريح القطريّ على لسان امين عام حزب الله.
ثمّ انتقلت بمؤشر فأرة الحاسوب الى كلمة صور ونقرت عليها، وهنا ايضا، وجدت للعرب حضورا صورياً جارحا إلى جاني صور متعدّدة للنعاج، لقد غيّرت كلمة نعاج التي اطلقها الوزير القطري من واقع الكلمة ومن واقع صور النعاج إذ راحت تنسال أمام ناظريّ في خانة صور النعاج صورا لزعماء عرب موافقين او معارضين على توصيف الوزير القطري جنبا الى جنب مع صور النعاج النعاج، وجدت صورا لزعماء عرب كثيرين : الوزير القطري، والأمير القطري، والأمير الكويتي، والملك السعودي، ورئيس وزراء تركيا، ورئيس سوريا، والعقيد الليبي الراحل، وامين عام حزب الله، وملك الاردن، وملك البحرين، ورئيس السلطة الفلسطينية، ورئيس حركة حماس، ورئيس حكومة غزّة.
اليس من المضحك المبكي ان تدخل الى صورة العالم العربي من حظيرة النعاج؟
وحتىى لا يظنّ ظانّ اني أهرطق بما لا ارى، او الفّق كلاما مختلقا ومخترقا، فاني  ادعوه الى زيارة "غوغل"، وليس من مصلحة " غوغل" أن يكذب، ويمنح أصابعه  حرية  النقر والبحث عن صور "النعاج" في  حظيرة محرّك البحث الدالّة، وهناك سوف يجد، للأسف، ما لا يسرّ الخاطر وما لا يسرّ الناظر.
الكلمات في كلّ زمان أسلحة مرهفة كالشفرة، ومن الحكمة ان لا نستخدمها كيفما اتّفق.
بلال عبد الهادي


الجمعة، 23 نوفمبر 2012

مراسلة بلال عبد الهادي

يمكن للقراء الاعزاء مراسلتي على عنواني الالكتروني التالي، وانني ارحّب بكل التعليقات ، ارحب بالتعليقات التي تعترض على ما اكتب ، كما ارحب بالتعليقات التي تستحسن ما اكتب.
فلا تخلو كتابة من نقص، فالنقص سنّة البشر، وسنة الكتابة، وسنة كلّ ما يقوم به الانسان، والفارق بين نقص ونقص هو في كم النقص لا في وجود النقص.
بل اعتبر ان النقص هو المنخس الذي يدفع بالناس الى مكافحته.
فالصراع بين الانسان ونقصه عمل يوميّ.
اهلا بكم قرائي الاعزاء، واسرّ بتعليقاتكم الكريمة، فهي تفتح حكما شهيتي ايضا على الكتابة ومشاركتكم بافكاري.

الحبّ أعمى ... بلا عكّازة

الحبّ أعمى ... بلا عكّازة

اليين واليانغ بالمفهوم الصيني



hard power
soft power
 
هما اليين واليانغ

الرغبة في نظر كونفوشيوس

無欲則剛
 (无欲则刚 )
 Wúyùzégāng
Pour être fort comme l'acier, il faut vaincre ses désirs.

الخميس، 22 نوفمبر 2012

نعاج غوغل

من المضحك جدّا ، وشرّ البليّة ما يضحك، انك اذا وضعت كلمة " نعاج " على محرّك البحث غوغل ثمّ نقرت على كلمة "الصور" تنسال أمام عينيك صور لزعماء عرب من مختلف الملل والنحل منذ الصفحة الأولى. ولا تظنّ انني أمزح. صور لمن يعتبر نفسه من فصيلة النعاج وصور لمن يعتبر نفسه خارج حظيرة النعاج.
اليس من المضحك المبكي ان تدخل الى صورة العالم العربي من حظيرة النعاج؟
وحتّى لا تظن اني اهرطق بما لا ارى ، دع لأصابعك حرية البحث عن صور النعاج في غوغل.
فلا حول ولا قوّة الا بالله.

غوغل والنعاج

حين تضع كلمة " نعاج" على محرّك البحث " غوغل" تخرج لك في الصفحة الاولى العبارة التالية:"وصف محلل للقناة العاشرة الإسرائيلية، العرب بأنهم ''مجرد نعاج''، وذلك في معرض تحليله الاجتماع الوزاري الذي عقده قادة عرب".
واعتراف بعض العرب بأنّهم نعاج يثير الابتهاج في فكّ الذئب الاسرائيلي.

للشاعر الراحل غازي القصيبي قصيدة الى مخترع الفياغرا!!!



 ياسيدي المخترع العظيم
يا باعث الفرحه
في المخادع المهجوره
ومرسل الرعشه
في الأضالع المنخوره
يا من أثرت في المحيط والخليج
النخوة الأصيله
يا من رفعت الراية الجنسية المنصوره
...

يا سيدي المخترع العظيم
هذا رجاء شاعر ينوح
لا على شباب سيفه
لكن على أمته القتيله

يا سيدي المخترع العظيم
يا من صنعت بلسما
قضى على مواجع الكهوله
وأيقظ الفحوله
أما لديك بلسم
يعيد في أمتنا الرجوله؟

الأربعاء، 21 نوفمبر 2012

من كلمات المبدع ستيف جوبز

هناك في الديانة البوذية ،مصطلح عظيم يدعى (عقلية المبتدئين)، إنه من الرائع أن تمتلك عقلية المبتدئين. ستيف جوبز

المنطق اللعوب

المنطق ولوع بالتمويه لهذا ينتحل أحيانا صفة اللامنطق.
ومن هنا ولدت العبارة التالية: مانو منطقي بس منطقيّ.
الحدود بين الأشياء لعوب!

القاتل الذي لم يقتل

الذي يجوّعك، ويفقرك، ويهجرك هو مجرم حرب حتى ولو لم يمسّ شعرة من جسمك.

团结就是力量

团结就是力量
الاتحاد قوة

الثلاثاء، 20 نوفمبر 2012

الموت يجدّد الحياة

الحياة تحبّ التجديد من هنا فهي تستعين بالموت لتحقيق رغباتها.

تأملات حزينة

التأملات الحزينة خائنة. فجذر التأمّلات ( أمل) لا يحبّ الأحزان.

عرب وفرس

ليش في مشروع ايراني؟
- لأن ما في مشروع عربي.

ما معنى" متلخبط"؟


وصلني السؤال التالي من بعض الصديقات:
سلام يا دكتور..ممكن تساعدني وتقول لي ما معنى متلخبط بالفصحى ..صار لي من العصر افكر فيها..غير التشتت والتبعثر..لخبطة تجمع ولا تفرق؟؟هل هي موجودة في الفصحى المستعملة؟؟

وكانت اجابتي هي التالية، ولا ادّعي انني تناولتها من كل الجوانب وانما اكتفيت ببعض الاضاءات:
اهلا اخت فاطمة. هذه كلمة حلوة جدا. لأن اسباب وجودها كثيرة. واقول عن هذه الكلمات انها كلمات طريفة لأنها خرجت من رحمين او اكثر ويدعي ابوتها اكثر من اب. في العربية قانون لغوي يقبل بتبادل مواضع الحروف. كما نقول: ملعقة ومعلقة. وهناك قانون صوتي آخر يعرف بالابدال الصوتيّ وهو ان ينسحب صوت لصالح صوت آخر، كما في حال الراء واللام، او اللام والنون وهنا تحضرني كلمة " عنوان" التي تتقبل الفصحى  برحابة صدر ان تصير " علوان". وهي مفردة لا غبار عليها كما يقول لسان العرب. وهناك قانونان الاول باسم المخالفة الصوتية والثاني باسم المماثلة الصوتية.

وعلى ضوء هذه القوانين يمكن ان نرى جذور كلمتك الخفية.

قانون المخالفة الصوتية نراه في كلمة "قرنبيط" وفصحاها قنّبيط" مع شدّة على النون، وللتخلص من الشدّة هربت العامية الى استبدال نون الشدّة بحرف الراء.

اشكال "التلخبط" في الافواه.

لخبط.خربط، خلبط، غلبط، لغبط،

يقول الشيخ احمد رضا في قاموسه الجميل:" ردّ العامي الى الفصيح" ان لخبط من " خبّط" بتشديد الباء. وحين تعبت الخبيط من خبط الشدّة على بائه قرر ان يتخلص منها من خلال قانون المخالفة الصوتية، فصارت"  خربط " ، فصارت الاء الاولى راء.  والتخبيط في اساس" هدم الابل الحوض بأخفافها".  ثم حدث ابدال بين الراء واللام فصارت خلبط، ثم حدث قلب بين اللام والخاء او تبادل مواقع فصارت " لخبط".



ارجو ان لا اكون قد " لخبطت" رأسك.

ومن ينظر الى العامية يرى انها تهرب من الشدّة الى اللين، وترتاح من الشدّة في كلمات كثيرة، منها كما يرد الى البال" عربش من عرّش، وخمّش التي تصير خرمش. وفقّع تصير فرقع. وقمّط تصير قرمط. الخ.

اعتذر عن الاطالة.

فوائد اللغة العبرية


بين العربية والعبرية قرابة لا ينكرها أحد. وهذه القرابة يمكن أن تستثمر للعثور على الضائع من دلالات بعض المفردات العربية. فكلا اللغتين تنتميان إلى عائلة لغوية واحدة هي العائلة السامية. ولا ريب في أنّ معرفة العبرية تفيد في معرفة العربية نفسها.

سألني أحدهم مرّة :لماذا تدرس العبرية؟ لم أقلْ له لأنّ المطلوب معرفة لغة الأعداء وإنما أجبت: لأزيد، بكل بساطة، معرفتي بلغتي العربية. استغرب الجواب، وبدا له كأنّي أسخر من سؤاله أو كأنّي تقصّدت إعطاء جواب مراوغ. كنت مقتنعاً أن معرفتي بالعربية تظلّ قاصرة ما دمت لا أعرف اللغات السامية. وأعطيت سائلي مثلاً بسيطاً لإزالة ما سببه له جوابي من التباس. قلت له: في حال كنت تعرف شخصاً ما ثم، بحكم المصادفة، تعرفت على قريب له أليس هناك احتمال من أن تزيد معرفتك بذلك الشخص من خلال ما يقوله لك عنه قريبه؟ الاحتمال وارد، ورود الاحتمال هو ما يبرر درس العبرية والسريانية وغيرهما من اللغات السامية، وان كان للعبرية  فضل الأحياء على الأموات. ولا شكّ في أن تجربة اللغة العبرية تستأهل الدرس بعد أن استطاعت حفنة من اليهود نفض غبار القبر عنها وبثّ الروح في عظامها. ومن الحكمة إعطاء العدو حقّه، ولكن أترك ناحية نهوض العبرية من القبر لوقت آخر.

المعروف أنّ المفردة لا تستطيع أن تعيش بوجه واحد، أو بمعنى واحد. معانيها لا تثبت على حال شأن غيمة في كبد السماء لا تكف عن تغيير شكلها على ما تقول الحكمة الصينية. المفردة من الناحية الصوتية تتغير، افتح لسان العرب مثلا وانظر كيف للزعتر أكثر من شكل: فهي" زعتر" و" صعتر" و" سعتر"، وكذلك من الناحية الدلالية، إنها تبدّل ثوبها الدلالي أحياناً كما تبدّل الحية جلدها.

سأتوقف، في هذا المقال، عند كلمة واحدة، أو بالأحرى عند جذر لغوي واحد هو " هلك " في العربية والعبرية. وهو مثال واحد يعبّر عن قدرة العبرية على إضاءة الدلالات العربية. اللغة تعيش في ثنائيات عدّة منها: اللفظ والمعنى، التذكير والتأنيث، الحقيقة والمجاز. لا يمكن لأي مفردة أن تقتنع أو تكتفي بدلالتها الحقيقية، تحتاج كما الإنسان لوصلات أو امتدادات لها. فالإنسان أراد أنْ يركّب لذاكرته وصلة فاخترع الكتابة، ومن هنا عبارة لطيفة للكاتب الأرجنتيني بورخيس يقول فيها: " إنّ القلم امتداد للذاكرة"، فضلاً عن أنّه لا ينسى، وأراد أن يركب لقدميه وصلات فاخترع الدولاب، وإذا تمعن المرء في كلّ الاختراعات يكتشف أنها وصلات لحواسه وأحلامه. المفردات أيضا تريد أن تركّب لدلالاتها امتدادات فكان المجاز. المجاز روح اللغة، ولا أقصد المجازات الشعرية أو التي يخترعها كبار الكتاب، وإنما مجازات الحياة اليومية.

سأدخل من باب الحقيقة والمجاز إلى المقارنة بين الهلاك العربي والهلاك العبري. سوف يبدو لنا أن الهلاك العربي ليس أكثر من مجاز. مجاز تحول إلى حقيقة . حين أقول "هلك فلان" يعني مات. ولكن الموت ليس أكثر من مجاز كثر استعماله حتى صار حقيقة يبحث له عن مجازات جديدة. ومن جماليات المفردات أنها تنشطر إلى حقيقة ومجاز، ثمّ يبلغ المجاز أشدّه فينفصل عن الحقيقة الأم، ويبني له حقيقة جديدة هي مجازه القديم. قد تبقى الحقيقة القديمة طي القواميس يكتشفها مصادفة من يبحث في أمهات المعاجم وقد لا يعثر لها على اثر لأن الحقيقة اندثرت أو انسحبت من التداول والأفواه قبل ولادة المعاجم والكتابة.

كيف تجد الحقيقة الأولى وهي لم تترك أثراً في معجم أو فم؟ كيف تستطيع العثور على الحقيقة المندثرة؟ الحقيقة التي لا تؤمن بها لأنّك لا تراها في لغتك. ألا يمكن أن تكشف لك مفردات غيرك حقيقة مفردات لغتك؟ هنا تكمن أهمية ناحية من نواحي علم اللغة المقارن وهي التي تدرس أغصان الشجرة اللغوية الواحدة.

لكم أدهشني استعمال فعل " الهلاك " في اللغة العبرية. فهو لا يرتبط ظاهراً بالاستعمال العربي على الإطلاق. في العبرية مفردتان للتعبير عن الانتقال. الانتقال على القدمين أو عبر وسيلة من وسائل النقل. ليس في العبرية عبارة تشبه "رايح ع البيت"، لأنّ كلمة "رايح" هنا لا تعلمني إذا كان الرواح إلى البيت مشياً على الأقدام أو بواسطة وسيلة نقل. اللغة العبرية أحبت هنا أن تستعمل كلمتين. وفعل" هلك" جرى تخصيصه للتعبير عن الذهاب مشياً على الأقدام.

ما علاقة المشي العبري بالموت العربي؟ إنّ المفردة واحدة في العربية والعبرية ولكن بمعنيين مختلفين  فأيّ معنى هو الأول؟ المشي شيء مرئي، بينما الموت شيء لا تراه العين. المعنى المجرد لا ينبت أوّلاً وإنما المادّي. بدايات المجازات مادية. وعليه لا بدّ من أن يكون المعنى العبريّ بمثابة حقيقة اللفظ والعربيّ مجاز اللفظ.

ثمة عبارة في العربية متداولة تربط بين طرفي المعنى وهي "هلكت من المشي" التي تحمل معنى  مجازياً لأنّه يستحيل أن ينطق بها لسان ميت! يولد الهلاك من رحم المشي. المشي والهلاك وجها المفردة الواحدة. وعليه فإنّ العبرية لمّت شمل المعنى لفعل "هلك" العربيّ وأعادت العافية الى  قدميه.