الثلاثاء، 20 ديسمبر 2016

رسالة الغريب لأبي حيان التوحيدي الواردة في كتابه الإشارات الإلهية



يقول أبوحيان التوحيدي:

سألتني ـ رفق الله بك, وعطف على قلبك ـ أن أذكر لك الغريب ومحنه, وأصف لك الغربة وعجائبها, وأمر في أضعاف ذلك بأسرار لطيفة ومعان شريفة, إما معرضا, وإما مصرحا, وإما مبعدا, وإما مقربا. فكنت على أن أجيبك إلى ذلك. ثم إني وجدت في حالي شاغلا عنك, وحائلا دونك, ومفرقا بيني وبينك. وكيف أخفض الكلام الآن وأرفع, وما الذي أقول وأصنع, وبماذا أصبر, وعلى ماذا أجزع؟ وعلى العلات التي وصفتها والقوارف التي سترتها أقول:


إن الغريب بحيث ما حطت ركائبه ذليل
ويدُ الغريب قصيرة ولسانه أبدا كليل
والناس ينصر بعضهم بعضا وناصره قليل


وقال آخر:

وما جزعاً من خشية البين أخضلت دموعي ولكن الغريب غريب

يا هذا! هذا وصف غريب نأى عن وطن بني بالماء والطين, وبعد عن أُلاَّف له عهدهم الخشونة واللين, ولعله عاقرهم الكأس بين الغدران والرياض, واجتلى بعينه محاسن الحدق المراض, ثم إن كان عاقبة ذلك كله إلى الذهاب والانقراض, فأين أنت عن قريب قد طالت غربته في وطنه, وقل حظه ونصيبه من حبيبه وسكنه!؟ وأين أنت عن غريب لا سبيل له إلى الأوطان, ولا طاقة به على الاستيطان!؟ قد علاه الشحوب وهو في كن, وغلبه الحزن حتى صار كأنه شن. إن نطق نطق حزنان منقطعا, وإن سكت سكت حيران مرتدعا, وإن قرب قرب خاضعا, وإن بعد بعد خاشعا, وإن ظهر ظهر ذليلا, وإن توارى توارى عليلا, وإن طلب طلب واليأس غالب عليه, وإن أمسك أمسك والبلاء قاصد إليه, وإن أصبح أصبح حائل اللون من وساوس الفكر, وإن أمسى أمسى منتهب السر من هواتك الستر, وإن قال قال هائبا, وإن سكت سكت خائبا, قد أكله الخمول, ومصه الذبول, وحالفه النحول, لا يتمنى إلا على بعض بني جنسه, حتى يفضي إليه بكامنات نفسه, ويتعلل برؤية طلعته, ويتذكر لمشاهدته قديم لوعته, فينثر الدموع على صحن خده, طالبا للراحة من كده.

وقد قيل: الغريب من جفاه الحبيب. وأنا أقول: بل الغريب من واصله الحبيب, بل الغريب من تغافل عنه الرقيب, بل الغريب من حاباه الشريب , بل الغريب من نودي من قريب, بل الغريب من هو في غربته غريب, بل الغريب من ليس له نسيب, بل الغريب من ليس له من الحق نصيب. فإن كان هذا صحيحا, فتعال حتى نبكي على حال أحدثت هذه النفوة, وأورثت هذه الجفوة:

لعل انحدار الدمع يُعقب راحة من الوجد أو يشفى نجي البلابل

يا هذا! الغريب من غربت شمس جماله, واغترب عن حبيبه وعذاله, وأغرب في أقواله وأفعاله, وغرب في إدباره وإقباله, واستغرب في طمره وسرباله. يا هذا! الغريب من نطق وصفه بالمحنة بعد المحنة, ودل عنوانه على الفتنة عقب الفتنة, وبانت حقيقته فيه في الفينة حد الفينة. الغريب من إن حضر كان غائبا, وإن غاب كان حاضرا. الغريب من إن رأيته لم تعرفه, وإن لم تره لم تستعرفه. أما سمعت القائل حين قال:

بم التعلل!؟لا أهل ولا زمن ولا نديم, ولا كأس, ولا سكن

هذا وصف رجل لحقته الغربة, فتمنى أهلا يأنس بهم, ووطنا يأوي إليه, ونديما يحل عقد سره معه, وكأسا ينتشى منها, وسكنا يتوادع عنده. فأما وصف الغريب الذي اكتنفته الأحزان من كل جانب, واشتملت عليه الأشجان من كل حاضر وغائب, وتحكمت فيه الأيام من كل جانب وذاهب, واستغرقته الحسرات على كل فائت وآئب, وشتته الزمان والمكان بين كل ثقة ورائب, وفي الجملة, أتت عليه أحكام المصائب والنوائب, وحطته بأيدي العواتب عن المراتب, فوصف يخفى دونه القلم, ويفنى من ورائه القرطاس, ويشل عن بجسه اللفظ, لأنه وصف الغريب الذي لا اسم له فيذكر, ولا رسم له فيشهر, ولا طي له فينشر, ولا عذر له فيعذر, ولا ذنب له فيغفر, ولا عيب عنده فيستر.

أيها السائل عن الغريب ومحنته! إلى ههنا بلغ وصفي في هذه الورقات. فإن استزدت زدت, وإن اكتفيت اكتفيت, والله اسأل لك تسديدا في المبالغة, ولي تأييدا في الجواب, لنتلاقى على نعمته, ناطقين بحكمته, سابقين إلى كلمته.

يا هذا! الغريب في الجملة من كله حرقة, وبعضه فرقة, وليله أسف, ونهاره لهف, وغداؤه حزن, وعشاؤه شجن, وآراؤه ظنن, وجميعه فتن, ومفرقه محن, وسره علن, وخوفه وطن.

الغريب من إذا دعا لم يجب, وإذا هاب لم يُهب. الغريب من (إذا) استوحش استوحش منه: استوحش لأنه يرى ثوب الأمانة ممزقا, واستوحش منه لأنه يجد لما بقلبه من الغليل محرقا. الغريب من فجعته محكمة, ولوعته مضرمة. الغريب من لبسته خرقة, وأكلته سلقة, وهجعته خفقة.

دع هذا كله! الغريب من أخبر عن الله بأنباء الغيب داعيا إليه. بل الغريب من تهالك في ذكر الله متوكلا عليه, بل الغريب من توجه إلى الله قاليا لكل من سواه. بل الغريب من وهب نفسه لله متعرضا لجدواه.

يا هذا! أنت الغريب في معناك.

أيها السائل عن الغريب! اعمل واحدة ولا أقل منها, وإذا أردت ذكر الحق فانس ما سواه, وإذا أردت قربه فابعد عن كل ما عداه, وإذا أردت المكانة عنده فدع ما تهواه لما تراه, وإذا أردت الدعاء إليه فميز مالك مما عليك في دعواه. طاعاتك كلها مدخولة, فلذلك هي ليست مقبولة. هممك كلها فاسدة, فلذلك ليست هي صاعدة. أعمالك كلها زائفة, فلذلك ليست نافعة. أحوالك كلها مكروهة, فلذلك ليست هي مرفوعة. ويلك! إلى متى تنخدع, وعندك أنك خادع؟ وإلى متى تظن أنك رابح, وأنت خاسر؟ وإلى متى تدعي, وأنت منفي؟ وإلى متى تحتاج, وأنت مكفي؟ وإلى متى تبدي القلق, وأنت غني؟ وإلى متى تهبط, وأنت علي؟ ما أعجب أمرا تراه بعينك, ألهاك عن أمر لا تراه بعقلك. الحمار أيضا يرى بعينه ولا يرى بغيرها. أفأنت كالحمار فتعذر؟ فإن لم تكن حمارا, فلم تتشبه به؟ وإن كنت, فلم تدعي فضلا عليه؟ وإذا لم تكن حمارا بظاهر خلقك وصبغتك, فلا تكنه أيضا بباطن نيتك وجليتك. قد والله فسدت فسادا لا أرجوك معه لفلاح, ولذلك ما أدري بأي لسان أحاورك, وبأي خلق أجاورك, وفي أي حقيقة أشاورك, وبأي شيء أداورك؟ سرك كفران, ولفظك بهتان, وسرورك طغيان, وحزنك عصيان, وغناك مرح وبطر, وفقرك ترح وضجر, وشبعك كظة وتخمة, وجوعك قنوط وتهمة, وغزوك رياء وسمعة, وحجك حيلة وخدعة, وأحوالك كلها بهرج وزيف, وأنت لا تحاسب نفسك عليها: هلم, ولا: بلم وكيف. أ هـ

ما أسعد من كان في صدره وديعة الله بالإيمان فحفظها حتى لا يسلبها منه أحد! أتدري ما هذه الوديعة؟

هي والله وديعة رفيعة هي التي سبقت لك منه وأنت بدد في التراب لم تجمعك بعد الصورة, ولم يقع عليك اسم, ولم تعرف لك عين, ولم يدل عليك خبر, ولا يحويك مكان, ولم يصفك عيان, ولم يحطك بيان, ولم يأت عليك أوان. أنت في ملكوت غيب الله ثابت في علم الله, عطل من كل شيء إلا من مشيئة الله. ترشح لمعرفته, وتلحظ في صفوته, وتؤهل لدعوته. فما أسعدك أيها العبد! فهذه العناية القديمة من ربك الكريم الذي نظر لك قبل أن تنظر لنفسك, وأيدك بما لم تهتد إليه همتك, حتى إذا نشر مطويك ورتق مفتقك, وجمع مفترقك, وقوم منأدك, وسوى معوجك وفتح عينك, وطرح شعاعها على ملكوته التي جعلها قبالة بصرك, وعرفك نفسك, ودعاك باسمك, وشهرك بحكمته فيك, وأظهر قدرته عليك, وعجبك وعجب غيرك منك, ولاطفك ولطف لك, وبين لك مكانتك إذا أطعت, ومهانتك إذا عصيت. وثبت على شهواتك فتناولتها, وعلى لذاتك فانهمكت فيها, وعلى معاصيك (لمن هذا حديثه معك) فركبت سنامها, ولم تفكر فيما خلفها وأمامها. ولما قيل لك: اتق الله! أخذتك العزة بالإثم, وبؤت فيما فيك من نعم الله عليك تهر على ناصحك, وتهزأ بالمشفق عليك, وتحاجه بالجهالة, وتقابله بالكبرياء والمخيلة. إنك عندي لمن المسرفين, بل من المجرمين, بل من الظالمين, بل من الفاسقين, بل من المطرودين, بل ممن قد تعرض لأن يسلبه الله ما أعطاه, ويجعل النار مأواه, حتى يصير عبرة لمن وراه. أ.هـ.

يا هذا! أحجر أنت؟ فما أقسى قلبك! وما أذهبك فيما يغضب عليك ربك! أبينك وبين نفسك ترة أو كيد؟ هل يفعل الإنسان العاقل بعدوه ما تفعله أنت بروحك؟ لا ينفعك وعظ وإن كان شافيا, ولا ينجع فيك نصح وإن كان كافيا! اللهم تفضل علينا بعفوك إن لم نستحق رضاك.

ياذا الجلال والإكرام.

ميتالغة الكلام أو ما وراء اللغة


اللغة العربية  كغيرها من اللغات تعتمد عدّة طرق لتوليد كلمات جديدة تلبية لحاجات السوق اللغويّ، وسوق الكلمات مثلُ أيّ سوق متطلّب، وخاضع، في آن، لإرادة العرض والطلب. هناك كلمات جديدة تفرض نفسها بقوّة الأمر الواقع، تأتي مدحّجة بسلطانها، وهناك كلمات شخصيتها ضعيفة تسحقها أفواه المارّة في سوق اللغات. كلمات تجدها في الكتب والمجلات ولكنّها تبقى في حيّز التخصّص، وأنا أفضّل عليها الكلمات التي تنزل إلى السوق وتمشي في أفواه الناس وتكون في الوقت نفسه من كلمات أهل التخصّص. الكلمات التي تبقى حبيسة تخصصها كلمات تعاني من السمنة والترهّل وجسدها يحتاج إلى تمارين كثيرة لتحظى بالرشاقة البدنيّة، وقوامها الممشوق.
هناك كلمات يحاول البعض إنزالها إلى سوق التداول ويختلف ردّ فعل الناس حولها، سواء لغرابة الصيغة مثل بعض المفردات التي يمجّها ذوقي اللغوي - وقد أكون مخطئا- من قبيل " الفكرانية"، و" التاريخانيّة" وما جرّ مجراهما من كلمات لا تعيش إلاّ بالتنفّس الاصطناعيّ، فاللغة كالأكل واللبس أذواق، ولا اعتراض في عالم المذاقات والأذواق!
والنحت باب ضيّق، وواطىء عربياً بحيث إنّ المفردة العربية المنحوتة تزحف زحفاً للوصول إلى أهدافها بخلاف اللغات الهندو الأوروبية التي مهرت في تطويع النحت واستخدامه .
كلامي تمهيد للكلام على كلمة منحوتة. ليس من السهل ايجاد معادل عربي لها من كلمة واحدة. عالم المصطلحات عالم معقد لغوياً، ويبلبل أقلام الكتّاب ما بين تعريب وترجمة، وما بين ترجمة حرفية أو دلالية. ويعاني العربيّ أزمة عارمة في هذا المجال، فالعالم العربي ممزّق جغرافيا وآيديولوجيا( عدد المجامع اللغوية في العالم العربي عدد يظهر هذا التمزّق على الصعيد اللغوي أيضاً، والجامعة العربية ممزقة بين الانتماءات الايديولوجية لأقطابها ما بين تابع ومتبوع، والمجمع اللغوي شكل من أشكال السلطة، وكلّ مجمع يغنّي على ليلاه!).
الكلمة هي ( ميتالغة)، وهذه الكلمة هجينة، بنت الزواج المختلط، ولا نكران في أن الزواج المختلط جيّد على مستوى الصحّة للأجسام، ولكنه زواج غالباً ما يُسلَّط فوق رقبته سيفٌ اجتماعيّ أو دينيّ رهيف الشفرة، بتّار!
ميتالغة هي زواج بين كلمة أو بادئة غربية يونانيّة الأصل لا علاقة لها بالموت! ( ميتا ليست غريبة شكلاً عن اللغة العربية فهي على ألفة مع الموت، والشكل مراوغ يلعب بالدلالات!) ولاحقة هي كلمة "اللغة".
ويضاف إلى المقطع الغربيّ مقطع عربيّ! كلمة من منبعين، وعرقين، ولغتين! فالطريف في هذه الكلمة هو طريقة سبكها الدامج بين نظامين لغويين ( عربي/غربيّ) ، لكلّ منهما طريقته في التعامل مع الأصوات والمفردات والجمل.
فما المقصود بهذه الكلمة وهي كلمة يستعملها أكثر من باحث في شؤون علم اللغة الحديث أو ما يعرف بالألسنيّة؟
المقصود هو ما سمّاه الكاتب العبّاسيّ الكبير أبو حيّان التوحيدي ( الكلام على الكلام) وهي إحدى الوظّائف اللغوية التي لا يمكن للغة أن تستقيم أو تنوجد من دونها بحسب ما يرى العالم الألسنيّ الفذّ ياكبسون. وكلنا نستعمل الكلام على الكلام، نستعمله مع أولادنا ونستعمله في التعليم، ونستعمله في محتلف مجالات الحياة، فلولا الكلام على الكلام لانقطع خيط التواصل، وتعذّر فهم الناس لبعضهم البعض، فحين يسألك طالب مثلاً:  ما معنى هذه الكلمة أو تلك وتقوم بتفسيرها له، يكون كلامك كلاماً على هذه الكلمة، وعليه فالمعجم هو كلام على الكلام، وحين يقول لك شخص ما إعراب هذه الكلمة في هذه الجملة أو تلك فأنت حين تعربها له يكون إعرابك لها كلاماً على الكلام،  فالنحو، من هذا المنطلق، كلام على الكلام، وحين تشرح بيت شعر غامض فأنت حين تشرح تلبس عباءة الكلام على الكلام، وحين تكون تحكي ثمّ يقول لك قائل: ماذا تقصد بقولك؟ فأنت، وقت شرح مقصودك، تكون في حيّز الكلام على الكلام، وأنت حين تضع إصبعك على موطن الجمال أو المجاز او الاستعارة في جملة ما، فأنت تكون في عالم الكلام على الكلام. وعليه، لا مفرّ من الكلام على الكلام، والكلام على الكلام مجبور عليه كلّ لسان، لسان العلماء ولسان الجهلاء على السواء، إذ كلّ عالم هو في مكان ما جاهل، وكلّ جاهل هو في مكان ما عالم.
 والبعض لا يستهويه هذا النحت المركّب من كلمتين ولغتين لا تربط بينهما صلة رحم، ويفضل وضع معادل مركّب من كلمتين عربيتين هما ( اللغة الشارحة)، ومن يتأمّل كلامه أو كلام غيره يعرف أن لا غنى لهذه الوظيفة الحيوية.
وميتالغة هي مرادف لكلمة métalangue
وméta هي بادئة لغوية نراها في اللغات اللاتينية والإنكليزية، وتعنى "وراء" أو "ما وراء" ومن هذه البادئة ولدت " الماورائيات" العربية من حيث هي مصطلح من مصطلحات الفلسفة الميتافيزيقية!
وأختم هذا المقال بالفقرة التي وردت فيها عبارة " الكلام على الكلام"، في الليلة الخامسة والعشرين من كتاب أبي حيّان التوحيديّ " الإمتاع والمؤانسة"، وهي ليلة يدور فيها الحديث عن مراتب النظم والنثر وأـشكال البلاغات، يقول التوحيديّ:
قال- أدام الله دولته- ليلة: أحبّ أن أسمع كلاماً في مراتب النّظم والنّثر، وإلى أيّ حدّ ينتهيان، وعلى أيّ شكل يتّفقان، وأيّهما أجمع للفائدة، وأرجع بالعائدة، وأدخل في الصّناعة، وأولى بالبراعة؟؟
فكان الجواب: إنّ الكلام على الكلام صعب. قال: ولم؟ قلت: لأنّ الكلام على الأمور المعتمد فيها على صور الأمور وشكولها التي تنقسم بين المعقولـ وبين ما يكون بالحسّ ممكن، وفضاء هذا متّسع، والمجال فيه مختلف. فأمّا الكلام على الكلام فإنّه يدور على نفسه، ويلتبس بعضه ببعضه، ولهذا شقّ النّحو، وما أشبه النّحو من المنطق."

بلال عبد الهادي

الأربعاء، 7 ديسمبر 2016

فيروس لغوي


قرأت عن فيروس رقمي اسمه " سترنكنهوايت"، وهو يغار على اللغة الانكليزية، وغير راض عن الأخطاء اللغوية الكثيرة التي يراها تسرح وتمرح على هواها في صفحات الانترنت. فقرر ان يمنع كلّ رسالة ترسل بالبريد الإلكتروني من الوصول الى المرسل إليه في حال كان فيها أخطاء لغوية. حارس رقميّ متشدد يسهر على راحة  الكلمات والتراكيب. لم يكتفِ هذا الفيروس بالجانب اللغويّ بل هو لا يتقبل ارتكاب الأخطاء في علامات الترقيم، يعيد الرسالة إلى صاحبها طالبا منه تصحيح رسالته مع إعلامه بأماكن الخطأ. مدقق لغوي غريب الأطوار، قرصان يستثمر مقدرته في الدفاع  عن اللغة الانكليزية. وماذا لو قام عربيّ بليغ لغويا ورقميا بعمل برنامج عربي ينشر حواجزه الرقمية الطيّارة في فضاء الآنترنت ويمنع أي رسالة عربية غير مطابقة لمواصفات النحو من العبور ويعيدها القهقرى إلى صاحبها؟

فلترة رقمية

هناك برامج فلترة رقمية تتعامل مع اللغة بطريقة غريبة. وعادة ما تستعمل هذه الفلاتر أو المرشّحات أو المصفِّيات لإبعاد المواقع الإباحية عن العيون وهي تنبت كالفطر. ولكن كيف تتعامل هذه المرشحات التي تملك معجماً بالكلمات المحظورة مع الكلمات؟ سآخذ مثالا واحدا يعطي فكرة عن ذلك. كلمة analysis  كلمة لا غبار عاليها لغوياً، وليس في معناها ما يوحي بأنها كلمة خارجة على قانون الأخلاق،  ولكن المرشح لا يعتبرها من الكلمات اللائقة ويقوم بحذفها وذلك أنه رأى في حروفها الأربعة الأولى  كلمة تخدش بشرة الحياء الرقيقة أو يخلّ بالآداب وهي كلمة anal أي الشرج.
عمليا كلمات كثيرة في كل لغات العالم تكون في منتهى الأخلاقية ولكن إذا نظرت إلى مقاطعها مقطعا مقطعا تكتشف أن مقاطعها ليست أكثر من كلمات نابية. هناك برامج " حنبليّة"! ماذا يكون مصير كلمات كثيرة حين تقع بين يدي هذا الجلاّد اللغويّ، والرقيب العتيّ الذي لا يرحم ولا يحترم أصول تكوين الكلمات. لا ريب في أنّ الحاسوب يحتاج إلى فتّ خبز كثير حتى يستوعب أشياء كثيرة من عالم اللغة، فحتّى غوغل محرّك البحث الأضخم لا يزال يقع في فخاخ اللغة، ليس من السهل الانتصار في كلّ الميادين على اللغة، وربّما السبب كما يقول علماء اللغة  وعلماء الذكاء الاصطناعيّ هو الكذب، فالكمبيوتر لا يكذب، ولا يعرف أن يكذب، ولا بدّ من إيجاد طريقة لتلقينه فنون الكذب! وأيّ دور للكذب في المجال اللغويّ؟ نعرف أنّ الحقيقة حقيقتان على الأقلّ، والحقيقة في المجال اللغويّ لها حافظ أمين هو المجاز، فالمجاز عكس الحقيقة بقدر ما الكذب عكس الحقيقة. وعليه فالحقيقة يحيط بها الكذب كما يحيط بها المجاز. ومن لا تزال الترجمة الآلية تحتاج إلى مرشد بشريّ لأنّها لم تبلغ بعد سنّ الرشد. يتبلبل ذهن " الخوارزميّات" حين تضعها على المحكّ مع عالم اللغة المفتوح على شتّى أنواع المجازات والاستعارات.  
هناك كلمات عربية كثيرة بحكم الميتة في اللغة العربية ، ولكنها حيّة ترزق في لغات غير عربية: إسبانية، ايطالية، برتغالية، فرنسية، انكليزية...

مصير كتاب
 الكتاب حين يخرج من المطبعة ينفصل عن كاتبه، تصير له حياته الشخصية، تجربته الشخصية، وعلاقات لا يعرف عنها الكاتب شيئا. أي كاتب يستطيع أن يدّعي انه يعرف سيرة حياة كتابه؟
أين ذهب، مع من تغدّى، على أي طاولة استراح، كيف قضى ليلته الأولى؟ مع من اقتناه؟ الى اي بلد راح مهاجرا؟ والى اي ابجدية التجأ. هل كان يخطر ببال المتنبي انه سيولد في الصين شخص يحبّ العرب، فقرر ان يتخصص في العربية، ويكتب عن العرب ويترجم مجموعة من القصائد إلى اللغة الصينية ومنها قصائد للمتني مثلا؟ حتّى غوغل لا يدّعي انه يعرف سير الكتب التي تملأ صفحاته. حياة الكتاب تؤمن بتقمص الأرواح. وهل الترجمة غير شكل من اشكال التقمّص؟ تخلع الكلمات الفاظها وترتدي أبجديات لا يعلمها كاتب الكتاب، ولا يحسن التعامل معها.
ما هي ردّة فعل نجيب محفوظ رحمه الله وهو يرى مثلا كتابه المترجم الى اليابانية حين يقع بين يديه، هل هو كتابه؟ أليس من المضحك مثلا ان يقع كتاب كاتب بين يديه كتبه كلمة كلمة ولكن يجهل ان يقرأ منه كلمة لأنه يعود اليه من لغة مجهولة؟ لا اعرف ما هي ردّة فعل الكاتب حين يقع بين يديه كتابه وقد ترجم الى لغة لا يعرف كوعها من بوعها! شعور غريب ومريب. يكتشف الكاتب انه يجهل كلّ ما يعرف. يتحوّل إلى اميّ لا يألف الألف من العصا!  بين يدي كتاب كتبه بيديه, فسبحان من جعل من اللغات آيات !

eBay


اللغات التي تستعمل الحرف اللاتيني تملك فرصة لا تملكها العربية ( ولكن هذا لا يعني ان العربية لا تملك فرصا كثيرة) وهي استخدام الحرف الكبير  (M) والحرف الصغير. (m)، ولكلّ حرف شروط استخدام ووظائف استخدام.
الحرف الكبير يكتب في اول الجملة، او يبدأ به اسم العلم، لكن الحاسوب نسف قواعد  كتابية راسخة كثيرة، وأميركا،  على التحديد،  امة تحب المغامرة والمبادرة، وهل اميركا غير ثمرة من ثمرات المغامرات الكولومبية؟
وضعت عنوانا لهذه الفقرة عبارة بالحرف اللاتيني وهي اسم موقع مبيعات شهير، ولكن لا لأتكّلم على عبقرية منشئه في ميدان التسويق وتوليد الأفكار وإنما لسبب لغويّ حيث  نلحظ ان الكلمة eBay بدأت بحرف صغير بخلاف الشائع والمألوف وثنّت بحرف كبير، وكذلك اسم الموقع التالي linkedIn حيث نلحظ ان الحرف ما قبل الأخير (I) كتب بالحجم الكبير بخلاف تقاليد الكتابة. ثقافة الدوت كوم غيّرت من علاقة الأصابع بكتابة الحروف وقواعد كتابية كثيرة.


الثلاثاء، 4 أكتوبر 2016

حجرَ " عَسْرة" !


في العربية بعض الأصوات التي يتطلب النطق بها وضع طرف اللسان بين الأسنان، وتسمى هذه الأحرف بالأسنانية، أي لا يمكنك أن تخرجها المخرج الحسن الا بأن يغامر اللسان بروحه ويضع طرفه بين الأسنان. وهي، في العربية، ثلاثة حروف: ث، ذ، ظ.
ماذا يفعل اللسان في هذه الحالة؟ هل يترك طرفه عرضة للعضّ ؟ وكيف يأمن مكر الأسنان ؟ وهو حرف حذر ، لا يملك روح المغامرة! لم يطاوعه قلبه الثائيّ الضعيف أن يستسلم للقدر المسنون. والأصوات كرّ وفرّ!
لقد تراجع اللسان، من باب الاحتياط، إلى الخلف وفضّل أن تتشوه صورته المسموعة على أن تتشوه خلقته، وتحمّل لذلك انفصام شخصه الكريم، فصار حرفين، صار تاء! وصار سينا! وراح يلبس لكلّ حال صوتيّة لبوسها.
فثلاثة في بعض اللهجات تتحول إلى " تلاتي"، طارت نقطة من نقاط الثاء الثلاث، وصار في أماكن أخرى سيناً كما نسمعه في أفواه كثيرة.
لم يزعجه أن يتخلّى عن شخصيته المنطوقة ولكن تشبّث بشكله المكتوب. المكتوب رأسه يابس أكثر من المنطوق! ولكن هناك من يربكه صوته فيكتب كما تخرج الكلمات من بين شفتيه.
وهذا ما يجعلنا نقرأ أحيانا كلمات ثائية وكأنّها كلمات سينيّة. كأن يكتب أحدهم " حجر عسرة" بدلاً من " حجر عثْرة"، وها غيض من فيض الثاءات اضائعة حقوقها على الأفواه والأقلام.


وما يعزّي حرف الثاء هو وجود أصحاب له في أبجدية العرب تعاني معاناته، فالذال حرف يُزال لصالح الدال أحيانا، ولصالح حرف الزاي أحيانا أخرى، والضاد مفخرة العربية يتلاشى أحيانا تحت ضربات الدال أو تحت ضربات الظاء ، والظاء أيضا حرف يداعبه حرف الطاء الذي يقف له بالمرصاد، وعينه على نقطته !
وهكذا نرى على هامش الأبجدية الفصحى أبجديات عامية كثيرة تختلف في كثير أو قليل عن الأبجدية الفصحى التي تهبّ عليها رياح اللهجات من جهات الأطلس اللغوي الأربع.
ومن يتصفح كتب " الإبدال" أي كتب تحوّلات الأصوات والحروف يكتشف هشاشة الأصوات أو قل سيولتها المائية، ومن هذه الهشاشة تتوّلد حروف جديدة وكلمات جديدة ودلالات جديدة.

ديباج لغويّ

قد ينوجد " الشيطان" في أمكنة غير متوقعة! التعريب فيه شيء من الشيطان الرجيم أحياناً! أين الشيطان الديباجيّ؟ كيف يعثر المرء على الشيطان المتواري خلف هذا اللفظ؟
الكلمة كلمتان، وهذا يحدث كثيرا في عالم اللغات. حين تنتقل لغة من جوّ إلى جوّ تتغيّر ملامح وجهها الصوتيّة أو تتغيّر أزياؤها الدلالية أو تتفتّت الكلمة الواحدة إلى كلمتين أو تندمج كلمتان في كلمة واحدة كما حال كلمة " شاي" على سبيل المثال. فالشاي، عربياً، كلمة واحدة. لا شيء يدلّ في ظاهر لفظها على انها كلمتان كما " زنود الست" تلك الرقائق المقليّة المحشوّة بالقشطة والمشبعة بالقطر. فالشاي، صينيا، هو رمزان " تشا" و " يه" ، الرمز الأول يعني الشاي، والثاني يعني "ورقة"، توارت في التعريب الحدود الفاصلة بين الكلمتين أو الرمزين! فالكلمة الغربية يضيع صاحبها لدى سماعها إن كان من غير الملمّين بلغة مصدرها، وليس من الضروري أن يعرف أين بدايتها وأين نهايتها، فيقطعها وفقا لمزاجه أو وفقا لطبيعة لغته الأمّ. أليس هذا ما نجده في مفردات اسبانية كثيرة ذات أصل عربيّ؟
في العربية كلمات دخيلة عديدة الواحدة منها هي أكثر من كلمة في الأصل، مثل كلمة " ديوان" ومثل " ديباج" . وديباج كلمة شيطانية. نعرف، في التعابير، نستعين بالشيطان لتبرير وجود شيء، وكان النابغة قديما حين لم يصدّق أن بإمكان الإنسان أن يبني ما رأته عيناه في تدمر قد نسب الى جنّ سليمان بناء مدينة تدمر.
وديباج كلمتان فارسيتان تعنيان "صنع الجنّ" ! في الأصل، ثم صارا يعنيان الصنع العجيب والنسج القشيب! أمّا كلمة ديوان الفارسية الأصل والعابرة للغات فتعني في الأصل " مجمع الشياطين". وغالبا ما يغيب الأصل ويتوارى خلف طبقات كثيفة من الدلالات الجديدة !
وأضيف ما أضافه العرب على الديباج وهو التاء المربوطة في " ديباجة" لنخرج من عالم الأزياء إلى عالم الخطاب والكلام، فيقال " ديباجة الكتاب" أي فاتحته أو مقدّمته.
وفي العربية تواصل ، في أيّ حال،  دائم ما بين الكلام والهندام. ألا نقول "نسيج النصّ"، وكأنّ الحبر نول ننسج به الكلام المكتوب!

مدونّة Blog
كلّ انسان يدافع عن لغته بحسب استطاعته أو حسب رغبته أمام مدّ اللغة الانكليزية، وفرنسا تشعر أنها مستهدفة من قبل اللغة الانكليزية، وتحاول جهدها أن تنتصر ولو بالنقاط. ومن جملة ما قرأت اقتراح باستعمال فعل carneter كبديل عن فعل bloguer وهو ما يعني التدوين على المدونة او كتابة تدوينة في البلوغ blog كما تكتب "تغريدة" على "تويتر" مثلاً ) وهي كلمة إنكليزية منحوتة من web log ، وطريقة نحتها طريفة فهي أخذت الحرف الأخير من كلمة web ووضعته كبادئة لكلمة log فولدت كلمة انكليزية جديدة هي blog . وهنا نلحظ كيف تتغير مصائر الحروف في الكلمات، فحرف "B " بين ليلة وضحاها تحوّل من حرف كان في المرتبة الأخيرة إلى حرف له حقّ الصدارة في كلمة لم يكن لها من قبل وجود!
ولكن لا أحد يلعب دور الاستعمال، الاستعمال هو قضاء اللغة وقدرها. ولا يمكن لأحد أن يتنبّأ بمصير الكلمات. القدر اللغويّ لا يستشير أحداً من جهابذة اللغة أو سدنتها، والاستعمال اليوميّ لا يستشير أحداً فهو لا يحبّ الانتظار. والانتصار للاستعمال مهما حاول المتشدّقون والمتنطّعون والمُتفيهقون ان يقفوا في وجه السيل اللغويّ العرم. كلامي لا يعني ان نترك اللغة فوضى بلا رقيب أو حسيب. كلامي يعني ان نتفهم وجهة نظر اللغة، وللغة وجهة نظر شخصية حكيمة تفوق أحياناَ حكمة لقمان الحكيم او سليمان الحكيم أو حكمة سيبويه!
أشير إلى أنّ الاقتراح باستخدام فعل " carneter" بدلا من فعل " bloguer " جاء من مقاطعة كيبيك الفرنسيّة في كندا وليس من موطن اللغة الفرنسية الأم. وهذا بحد ذاته دالّ!
فالفرنسيّة الكنديّة تعاني الأمرّين من الإنكليزية التي تحاصرها من كلّ جانب، وتعيش الفرنسية ذعرا يفوق عشرات المرّات ذعرها في عقر دارها الباريزيّ.


الاثنين، 26 سبتمبر 2016

التداعي الحرّ


التداعي الحرّ هو اختيار مفردة ما كيفما اتفق، ثمّ تترك لهذه المفردة حرية الحركة في المعجم دون تدخّل منك، دون رقابة على ما يخرج من رحم هذه الكلمة.
كل مفردة هي منجم كلمات!
وقد تأخذك هذه المفردة إلى ما لم يكن يخطر ببالك من خواطر أو أفكار أو مشاريع عمل

اكتب


اكتب اي شيء، اكتب ما يخطر ببالك. مارس مع ذاتك العصف الذهني والفكري والروحي والجسدي.
ألذّ صنوف الكتابات هي ان تترك للكلمات ان تكتب نفسها بلا رقيب وبلا حسيب.
ثق بكلماتك ودعها.
تعامل معها بديمقراطية مجنونة وستكتشف ان كلماتك ليست بالجنون الذي تتصوره.
هذا ما يعرف بتداعي المعاني. 
وهو طبق لذيذ بين يدي عالم نفس.
سوف تكتشف ان الأمور التي كنت تظنها متماسكة تبدو لك رخوة كحلاوة الأرزّ. وترى بأم عينك ان الأمور التي كنت تظنها رخوة ومتشظية شديدة التماسك

الأربعاء، 21 سبتمبر 2016

الكلمات المهاجرة / عن كلمة الباقلاء


هناك ‏كلمات عابرة للغات والقارات. كلمة تولد من فم ثمّ تتحوّل إلى كلمة مألوفة على الأسماع في كلّ الأصقاع. وأغلب هذه الكلمات أسماء، فللاسم قوّة تفوق قوّة الأفعال والحروف، فحرف الجرّ " في" مثلاً، حرف لا يحبّ الغربة، ولا التشرّد في لغات الآخرين، يعيش حيث تعيش ‏اللغة العربية، لا ينفصل عنها ولا تنفصل عنه، فحروف الجرّ من أكثر الكلمات إخلاصاً للغاتها الأمّ! بخلاف كلمات هي أسماء سواء كانت أسماء علم أو أسماء جنس، فالأسماء تحمل روح ‏ابن بطوطة الجوّال في الأمصار. والطريف ببعض الكلمات أنّ اهلها يتخلّون عن خدماتها، ولكن تستمرّ حرّة وطليقة في لغات أخرى، أو قل إنّ بعض الكلمات يتخلّى عنها أهلها فتتبّناها لغات أخرى وترعاها وتمدّها بأسباب البقاء، فكلمة " فول"، على سبيل المثال،  كانت كلمة غير مألوفة عند العرب لا لأنّ الفول غير مألوف ولكن لأن اسمه لم يكن " ‏الفول" ، وإنما كان "‏الباقلاّء"، وأحد كبار علماء الدين الاسلاميّ صاحب كتاب " ‏إعجاز القرآن" كان يدعى الباقلاّنيّ أي بائع الفول أو الفوّال بلغة اليوم، ولكن كلمة ‏باقلاّء تقلّص استعمالها العربيّ ويكاد أن يتوارى عن السمع، ولكن كلمة " باقلاء"  لم تصب بانهيار عصبي جرّاء استغناء العرب عن استعمالها. حملت كلمة الباقلاء أصواتها رحلت إلى لغات أخرى، استقرّت في إيران، وتحوّلت إلى مفردة ايرانية حيّة ترزق في الأفواه تحت صيغة " باقلا" ، وإلى مفردة تركية بحرف لاتينيّ bakla، وإن تتبعت مسارها ومصيرها يتبين لك أنّ تجربتها غير العربية هي أغنى من تجربتها العربية من حيث عمرها الزمنيّ، فلا تدري مفردة في أي لغة تعيش، ولا في أي لغة تموت!
الغربة تمنح الناس كما تمنح الكلمات فرصاً لا تتوفر في مسقط الرأس، وما تقوله عن الناس يمكن أن تقوله عن الكلمات.

في مهب مواقع التواصل الاجتماعي


في مهبّ مواقع التواصل
مواقع التواصل الاجتماعيّ زعزعت حياة الناس، أربكتهم، غيّرت عوائدهم، وفي مكان ما فضحتهم، وفضحت قدراتهم اللغويّة والفكريّة. وهنا سلأتكلم عن نقطة واحدة، هي الكتابة والنشر.
 كان للنشر، قبل زمن الأنترنت، شروط بخلاف  الكتابة. فبإمكان كلّ من يريد أن يكتب أن يكتب. الورقة البيضاء لا تمارس الإرهاب. لا أحد يتدخّل بدفاتر الناس ولا بيومياتهم المكتوبة. فبال الورق طويل، وصبره على عيوب الناس اللغويّة لا حدود له. ولا يتمرّد الدفتر على أي كلمة، يرحّب بالخطأ والصواب على السواء.
ولكن النشر أمر آخر. فيما مضى، كانت شروط النشر قاسية فلا تصل الكلمات المكتوبة إلى أماكنها على الصفحات المطبوعة إلاّ بشقّ النفس والتعب على النفس. فالمطبوع لا يرحّب بكل مكتوب. أمّا اليوم اختلط الحابل بالنابل. والهيبة أمام الكلمة المطبوعة سقطت تماماً كما سقطت هيبة الأب في العصر الحديث، وتوقير الكبار. فكرة " التوقير" كمفهوم تستحقّ التدبر والمتابعة، متابعة تحوّلاتها وتحوّلات دلالاتها. لم تعد الكلمة المكتوبة ذات وقار. سقطت هيبتها، وسقطت الرهبة منها.
مواقع التواصل الاجتماعيّ أسقطت أشياء كثيرة، هدمت أسواراً ولكنّها بنت، في الوقت نفسه، جسوراً، جسوراً هشّة، لا تأمن الأقدام دائماً السير فوقها أو عبورها. فلا تخضعك وسائل التواصل الحديثة إلى امتحان دخول أو امتحان أهليّة لتعرف مستواك اللغويّ أو الفكريّ.
غيّرت هذه المواقع من أشياء كثيرة، غيّرت من المشاعر على سبيل المثال: مشاعر الشوق والحنين، وبدّلت أحاسيس كثيرة: إحساسك بالغربة لم يعد هو نفسه. فالـ" فايس تايم" ومترادفاته يبقىى وجهك وصوتك في متناول العين والأذن. أتخيّل في هذه اللحظة أبا حيّان التوحيديّ وهو يكتب نصّه الفريد عن " الغربة". ما هي التعديلات التي كان سيدخلها لو أنّه عاد إلينا وفتح لنفسه حساباً في الفايسبوك؟
يعيش المكتوب بفضل مواقع التواصل الاجتماعيّة حياة جديدة، واللغة نفسها تعيش تجربة جديدة، فريدة لم تألفها من قبل لا في زمن المخطوط، ولا في زمن المطبعة.
ولكن المعروف أنّ للغة قدرة تفوق قدرة الناس على التأقلم مع الجديد.  فاللغة طيّعة كجسد تنين صينيّ، أو جسد قنديل بحريّ!
وما نراه اليوم من " تعكير" لغويّ إنما هو تعكير مياه الأنهار حين هطول الامطار! وهو " تعكير" لغويّ عام، تعكير تجده في اللغة الفرنسية ، وتجده في اللغة الانكليزية، والألمانية، والصينيّة، وسيكون لمواقع التواصل الاجتماعي عبء توليد لغة جديدة بأساليب جديدة على غرار ما فعلت الجريدة. فالجريدة غيّرت من أساليب الكتابة، ومن يقرأ كتاب ابراهيم اليازجي المُعنون بـ"لغة الجرائد" يعرف كيف حرّكت الجريدة مياه اللغة الراكدة، وأنقذتها من جمودها وبرودها، رغم الموقف السلبيّ الذي اتخذه اليازجيّ وغيره من لغة الجرائد، وهو موقف نجده أيضاً في ذلك التعبير السلبيّ الآخر الذي ألحق بالجريدة، وسحب مفعول "الكلام" من حبر الجرائد، وترك لها " الحكي". والكلام  ليس كالحكي! الكلام من طبقة عالية بخلاف الحكي، ومن هنا، يمكن أن نستشفّ موقع المجتمع الذكوريّ أيضاً من خلال اختيار تعبيرين لا يحملان الدلالة نفسها، وهما " كلام رجال" إزاء " حكي نسوان"!
   ولكن ثمّة نقطة إيجابية كبيرة أنجبتها مواقع التواصل الاجتماعيّ،  فهذه المواقع ستكون قادرة على إنجاز ما عجزت عنه أذكى المناهج التي اعتمدت إلى الآن لمحو الأمّية، وأغلب هذه المناهج أصيب بخيبة أمل. وسيكون فضل الهاتف الذكيّ على محو الأمّيّة غير منكور بفعل شاشته الساحرة! رغم كلّ ما نراه ، راهناً، من " عَوْكَرَةٍ " لغويّة.
صحيح أنّنا في زمن الصورة، زمن الصورة المكثّف، ومن الدالّ جدّا ما نراه عند شركة أبل من اعتراف صريح بقوّة الصورة حين أنزلت، مؤخرا، إلى سوق الهواتف الذكيّة هاتفاً لا يكتفي بكاميرا واحدة! ولكننا أيضاً في زمن الكتابة والقراءة. فالصورة لا تحبّ أن تكون بكماء.
لقد ازداد بشكل مذهل عدد من يكتب، صارت الكتابة عدوى! صارت الكتابة تغري حتّى من لا يعرف أن يكتب.
صارت الكتابة، وهذا ليس سيئا!، في متناول كلّ من هبّ ودبّ. جرّ الهاتف الذكيّ جمهور الناس من رؤوس أصابعهم إلى لوحة المفاتيح، واكتسبت الأصابع جرأة لم تكن تملكها قبل " فانوس علاء الدين" بملامسه السحرية. هذه الجرأة هي منعطف في تاريخ الكتابة وأساليبها.
 فلكلّ زمان بيان!



بلال عبد الهادي





#وادي_الحجارة في المكسيك


حين ذهب الإسبانيّون إلى أميركا حملوا معهم لغتهم، أي حملوا معهم أيضا بطريقة غير مباشرة مفردات عربية.
لقد وصلت بعض المفردات العربية إلى أميركا قبل أن تطأ القدم العربية الأرض المكتشفة حديثا.
وترسخت جذور بعض الكلمات العربية في العالم الجديد عبر " تعميد" الأماكن المكتشفة بأسماء جديدة بلكنة اسبانية.
ففي #المكسيك منطقة اسمها #وادي_الحجارة ( #غوادالاخارا / #Guadalajara ).
ولا تدري مفردة في أيّ لغة تعيش!

تضحية صوتية

هناك ضريبة صوتيّة أو تضحية صوتية تدفعها الكلمات حين تنتقل من لغة إلى أخرى.
قد تنخدع العين حين تجد أنّ كلمة بقيت محافظة على كلّ حروفها حين انتقلت من لغة إلى أخرى. وذلك أنّ الشكل الواحد لا يعني صوتا واحدا، فكلمة #nation ، كتابة، هي واحدة في اللغة الفرنسية والإنكليزية، ولا يفصح عن اختلافهما الصوتي إلاّ الفم والسياق!
الكتابة، أي كتابة، خيانة للصوت!

يقين

قد لا يكون اليقين اكثر من شراك ينصبه الوهم!

قال #أبو_جهل_الفيحاوي: #الجهل #جهاد #في_سبيل_الله.

قال #أبو_جهل_الفيحاوي: #الجهل #جهاد #في_سبيل_الله.

لا يزال #الروبوت ( الإنسان الآلي/ #الإنسالُ #Robot ) يعيش في #العصر_الحجري!

لا يزال #الروبوت ( الإنسان الآلي/ #الإنسالُ #Robot ) يعيش في #العصر_الحجري!

ما خاب من استشار الموتى!

ما خاب من استشار الموتى!

القراءة ليست كتابا

القراءة ليست كتابا، لا بدّ من الفصل بينهما.
القراءة لا ترتبط ارتباطا عضويا بالورق.
هناك علاقة ملتبسة بين القراءة والكتاب، سببها ما حدث مؤخرا من فكّ ارتباط مذهل بين هذين المكونين.
لا اتكلم على الكتاب الرقمي.
الكتاب الرقميّ يبقي علاقتنا بالقراءة اسيرة مفهوم الكتاب الا اذا اعتبرها ان الكون مجرد كتاب كبير، متعدد، موسوعيّ.
فالشجرة فقرة من كتاب، والسيارة فقرة من كتاب، والرصيف فكرة من كتاب. والمقال فقرة من كتاب.
الخ.
احب القراءة جدا، واحب الكتب جدا، ولكن علاقتي بالكتاب ليست علاقة بالكتاب، علاقة بالكلمات، ولكن حتى الكلمات ليست الفبائيات!

الثلاثاء، 20 سبتمبر 2016

يعتبر سي ما تشيان #司马迁 أكبر وأخصب ! مؤرّخ أنجبته #الصين


يعتبر سي ما تشيان #司马迁 أكبر وأخصب ! مؤرّخ أنجبته #الصين ( عاش بين القرنين الأوّل والثاني قبل الميلاد)، وألّف كتابا ضخما بعنوان ( السجلات الداخلية) ، إنّه شبيه #هيرودوت أبي التاريخ الغربي.
يروي في كتابه هذه الحادثة:
كان اللورد بنغ يوان عضوا في حكومة الملك جاو ، وكان متميّزا قديرا، ومن مشاهير القادة الذين لهم آلاف الأتباع. كان رئيسا لوزراء الملك هوي فين والملك شياو جنغ . استقال ثلاث مرّات من منصبه، ولكنهم أعادوه اليه. كانت اقطاعيته تدعى تنغ فو جنغ ، وكان يقابل أحد بيوت عامّة الناس.
خرج من ذلك البيت يوما رجل أعرج ليرمي الماء خارج البيت، فضحكت عليه محظية اللورد بنغ يوان.
في اليوم التالي جاء الرجل الأعرج إلى اللورد ، وقال له: إني سمعت بأنّك قائد كبير، وإن الرجال يقصدونك من الأماكن القاصية لاهتمامك بهم، ولكن لسوء حظي أن أكون أعرج لتضحك عليّ محظيتك، لذا فأنا أريد منك رأس تلك المحظيّة.
كان جواب اللورد على طلبه ابتسامة، وغندما خرج الأعرج قال اللورد ضاحكا: يا له من أحمق يريد مني قطع رأس جميلتي بسبب ابتسامة، يا للسخف، ولم يقتلها اللورد.
وخلال عام واحد أو نحو ذلك، ترك اللورد أكثر من نصف أتباعه واحدا بعد الآخر.
- لم أعاملكم معاملة سيئة أيها الرجال النبلاء، فلماذا تتركوني؟ سأل اللورد باندهاش.
تقدّم أحدهم للإجابة قائلا: ان عدم قتلك تلك المرأة التي ضحكت من الرجل الأعرج، أثبت أنّك تهتمّ بجمال الإناث وتزدري الرجال، لذلك فإنّ أتباعك يتركونك.
بعد ذلك قطع اللورد رأس المحظية ، وقدّمه بنفسه إلى الرجل الأعرج، واعتذر منه، فعاد إليه أتباعه.
من كتاب #السيرة_الذاتية ، #مؤيّد_عبد_الستار، #دار_المنفى، #بيروت، ١٩٩٦

الاثنين، 19 سبتمبر 2016

عن صعوبة اللغة العربية


هناك من يريد أن يمدح اللغة العربية، ويمنحها هالة من القداسة والتمايز فيقول عنها أنّها "لغة صعبة"، وكأنّ الصعوبة معيار للجودة أو الفضيلة.
ومن يقول عن العربية أنّها صعبة بغرض الرفع من شأنها إنّما هو رجل دعاية فاشل لا يحسن الترويج لبضاعته أو يعرف شيئاً من فنون التسويق.
إن من يقول أن هذه اللغة أفضل من تلك اللغة يشبه من يقول ان الذهاب الى كورنيش البحر في طرابلس من طريق الميناء أفضل من الذهاب إلى كورنيش الميناء من طريق المائتين!

الحجّاج وبائع الفول


لمّا تولى الحجاج شؤون العراق، أمر مرؤوسه أن يطوف بالليل، فمن وجده بعد العشاء ضرب عنقه، فطاف ليلة فوجد ثلاثة صبيان فأحاط بهم وسألهم: من أنتم، حتى خالفتم أوامر الحجاج؟
فقال الأول:
أنا ابن الذي دانت الـرقاب له ما بين مخـزومها وهاشــمها
تأتي إليه الرقـاب صاغـــرة يأخذ من مـــالها ومن دمها
أمسك عن قتله، وقال: لعله من أقارب الأمير
وقال الثاني:
أنا ابن الـذي لا ينزل الدهر قدره وإن نزلت يـــوماً فـسوف تعود
ترى الناس أفواجاً إلـى ضـوء نـاره فمنهم قيام حولـــها وقــعـود
تأخر عن قتله وقال: لعله من أشراف العرب
وقال الثالث:
أنا ابن الذي خـاض الصفوف بعزمه وقوّمها بالســــيف حتى استقـامت ركابـاه لا تنفـك رجـلاه عنـــهما إذا الخيل في يوم الكـريهة ولّت
ترك قتله وقال: لعله من شجعان العرب
فلما أصبح رفع أمرهم إلى الحجاج، فأحضرهم وكشف عن حالهم،
فإذا الأول ابن حجام،(حلاق)
والثاني ابن فوّال،(بائع الفول)
والثالث ابن حائك(خياط)
فتعجب الحجاج من فصاحتهم، وقال لجلسائه:
علّموا أولادكم الأدب، فلولا فصاحتهم لضربت أعناقهم
ثم أطلقهم وأنشد:
كن ابن من شئت واكتسب أدبـا يغنيـــك محـمـود عن النسبِ
إن الفـتى من يقــول هـاأنــذا ليس الفـتى من يقـول كان أبـي

حضرة الفاسد المحترم


الفاسد محترم، تجد من يصفّق له، ويفتح له باب السيارة الفارهة، وباب المصعد، ويحرسه برموش العين، ويكتب عن انجازاته العظيمة، وأعماله الخيريّة المتمادية، وتفتح له الصحف ذراعيها وصفحاتها، ويسيل في مديحه لعاب الأقلام ولعاب الكتّاب، وتخصص له مقاعد الصفّ الأوّل في المناسبات السعيدة والحزينة.
الفاسد نجم اجتماعيّ لامع كحذاء طازج، صوره الملونّة تملأ الجدران وتعمر الشرفات وقد تراها على زجاج السيارات ومفارق الطرقات!
الفاسد أنيق الهندام، رشيق القوام، فصيح الكلام حتى ولو كانت كلماته تعاني من " #البروستات" اللغويّ!
الفاسد مهيوب ، محبوب، مطلوب، مرغوب، مبجّل، معبود الجماهير، تنحني له القامات والهامات، يفتديه الناس بالروح والدم، وتزمجر الحناجر باسمه في الميادين والمهرجانات، وله أتباع تشرى وتباع، وأنصار يذّيلون أسماءهم البهيّة على اليافطات المنشورة كالغسيل المهفهف !
الفاسد لا يرضى بأيّ نمرة سيارة ، يحب النمرة المؤلفة من ثلاثة أرقام، ويعشق الزجاج " المفيّم" الغامق الذي يخفيه عن أعين المعجبين والحاسدين، وهو يمتطي سيارته المسيلة للشهوات والنزوات والحسرات!
الفاسد محسود، ومنشود!
الفاسد مثال يحتذى!
الفاسد ثروتنا الوطنيّة! وسفيرنا إلى النجوم.

سن المراهقة

 كان في سنّ الطيش والمراهقة يحلم بإصلاح العالم. ولكن بعد أن بلغ سنّ الرشد قرّر أن يعكف على إصلاح ما أفسدته سنوات طيشه.

مصير #إسرائيل .

لن يكون مصير #إسرائيل أفضل حالاً من مصير #العرب في #الأندلس! أو مصير #الإفرنجة في #بلاد_الشام.

hummus


التخلف اللغوي


التخلّف ذو مكوّنات كثيرة، أحد هذه المكوّنات اتهام #اللغة_الأم بالقصور. هذا ما حدث لليابانيين إبّان عصور انحطاطهم، وهذا ما حدث في الصين عهد إحساسهم بالتخلّف.
وأغلب الذين يطعنون في #العربيّة يشبهون #الثعلب الذي رأى #العنب حصرما!
كره #اللغة_الأمّ سنّة المتخلّفين.
ولن تجد لسنّة التخلّف تبديلا

جنة فرجينا وولف


قرأت ذات يوم للروائية #فرجينا_وولف عبارة تقول فيها : إنّ #الجنّة #مكتبة.
نقلت ما قرأت لأحد #المؤمنين الذين لا يقطعون #صلاة، ولا يحبّون #القراءة، فقال لي: العمى، إذا كان صحيح، بيكون أكلنا هوا

إعدام


حُكم عليه بالإعدام فتنفّس الصعداء، وراح يدوّن كلّ ما كان يخاف أن يكتبه أو يقوله. لم يكن يتخيّل أن الموت قلم ومحبرة وأوراق بيضاء وحرّيّة لا حدود لها.
تحوّل خوفه من الموت إلى كلمات لا تعرف الخوف. تحرّر من التورية والكنايات!
شعر أنّ الموت كالإيمان يمنح أحساسا بالأمن لا يعرفه إلاّ من ارتوى من شراب لا غول فيه!

" الإسهالُ اللفظيُّ " من عوارضِ " الإمساكِ الفكريّ " !

" الإسهالُ اللفظيُّ " من عوارضِ " الإمساكِ الفكريّ " !

الأعمار بيد الله


لا أحد يعرف متى يموت، ولا كيف يموت، ولا أين يموت. كثيرون يرعبهم الموت، إذا مرّوا في شارع ووقعت عيونهم على نعوة ملصقة على حائط نكسوا وجوههم خوفا من كلماتها، وأسرعوا الخطى. من فرط خوفهم من الموت ألغوه من حياتهم رغم عبوره في حياتهم.
الفجيعة بعزيز تنتظر الجميع، لا أحد بمأمن من هذا الحزن المنتظر إلا في حالات نادرة كأن يموت الابن شاباً أو صغيرا قبل أمّه وأبيه وإخوته، وما يمنعه من الحزن على الموتى هو أنّه مات طريّ العود والعمر.
ولكن أن يمتدّ العمر بشخص ويفلت حزنه من شباك #عزرائيل فهذا من سابع المستحيلات.
كان صاحبنا الذي أريد أن أتحدث عنه الآن، يحبّ الموت، يحبّ رؤية الميت على المغسل، ويشارك في حمل الميت إلى مثواه الأخير، ويختلس النظر إلى رفات من سبق الميت الحديث ، بقايا عظام ، لم يكن يحبّ النظر إلى العظام لأنها عظام بل لأنها عظامه الشخصية.
لم يكن ولعه بمتابعة أخبار #الموتى يمنعه من متابعة حياته كأيّ إنسان آخر لا تعنيه شؤون الموت، وشجون الموتى.
يعرف أن الموت هو ختام طبيعيّ، فكل شيء يموت مع اختلاف في شكل الموت. 
وكان يؤمن أنّ كل ما هو طبيعيّ لا يفترض به أن يبلبل البال.
كان ما يضنيه شيء واحد، أن يلفظ أنفاسه قبل أن يتلفّظ بالكلام الأخير الذي يخطر بباله.
فقرّر أن يكتب وصيته وهو بعد فتى.
كان يتخيّل أن والدته في حال باغتته المنية سيحترق قلبها فاعتبر وصيته بمثابةإطفائية روحية لحزنها الوليد.
كان وصيته تتغير مع كل عشيّة، تحولت وصيته إلى ما يشبه كرسيّ اعتراف يوميّ.
كانت وصاياه تتكدّس مع العمر، وصية تلو #وصيّة. أحيانا يتصفّح وصاياه القديمة فيضحك على سذاجة فكرة هنا، أو جراءة فكرة هناك.
كبر وكبرت معه وصاياه.
ولم يكفّ عن ممارسة طقسه اليوميّ في كتابة وصيته كلّما شعر أنّ هناك تعديلا طرأ على حياته.
لم يفكر ما إذا كانت وصيته قابلة للتطبيق أم لا؟
ما كان يهمّه هو أن يقول ما كانت تمنعه حياته من قوله! لياقات اجتماعيّة، مجاملات، مسايرات.
لم يكن في وصيته محتاجا أن يساير أحدا.
وهذا ما كان يمتعه، إحساسه بأنّه حرّ كروح لم تسكن بعد في جسد!
إحساسك الدائم بالموت وهشاشة الحياة يمنحك قوّة لا تمكن للحياة نفسها أن تمنحك إياها.
تصغر الأشياء في عينيك دون أن تزهد في الحياة.
الزهد احتقار للموت قبل أن يكون احتراما للحياة.
#الزهد بالحياة ضرب من الهرطقة.
ولم يكن يحب ذلك الشخص هذا النوع من الهرطقة!
الدنيا مزرعة ، ومن الطيش أن يتعامل معها المرء وكأنها الربع الخالي.
#الوصية لؤلؤة مكنونة تنطق حين نفقدالقدرة على النطق ، فتصير أشبه بصدى مرنان لكلمات تعجز عن البيان.

#Biscolata et #Cronuts


#Biscolata et #Cronuts
لا تكفّ أي لغة من اللغات عن توليد كلمات جديدة بالاتكاء على كلمات قديمة.
لفت نظري كلمة قرأتها أمس لصنف من الحلوى ، والكلمة بنت كلمتين: #biscuit و #chocolat.
وهي كلمة #biscolata.
النحت اللغويّ ميدان واسع لا يمكن لأحد أن يحصر الكلمات التي يمكن ان تنتج عبر هذا النمط من تركيب الكلمات.
والكلمتان غير العربيتين كلمتان مستعملتان بكثافة في اللغة العربية.
وكلمة شوكولا بالتحديد كلمة عابرة للغات مع تعديلات صوتية تفرضها ألفبائيات اللغات ، وقد نسمعها في اللسان العربي بصيغ مختلفة حسب اللهجات ضمن البلد الواحد وحسب اللهجات ضمن العالم العربي الواسع.
ومثلها كلمة " كرونات" وهي مفردة من #كرواسان و #دونات