السبت، 30 سبتمبر 2017

كان يكتب رواية بطلها قاتل، وكثيرا ما يلعب القتلة أدوار البطولة!


كان يكتب رواية بطلها قاتل، وكثيرا ما يلعب القتلة أدوار البطولة!
كان يستهوي بطل الرواية أن يختار ضحاياه من صنف معيّن من الناس. أناس يبلبلون الضوء، فلا يعرف المرء إن كانوا خارج الأضواء أو تحت الأضواء، فبطل في لعبة كرة القدم أو مطرب شهير يعيشون علماً تحت الأضواء. حركاتهم تسيل لعاب الصحافة والإعلام بخلاف ذلك الذي يبتعد عن الأضواء ليحقق ذاته الجوّانية.
كان القاتل يختار لحظات معينة ليرتكب جريمته. ولا يعرف الكاتب لماذا اختار أن يكون القاتل هو بطل روايته! هل يعرف روائيّ الأبطال الورقيين الذين سيسكنون رواياته؟
كان القاتل لا يمارس جرائمه إلا بحقّ الكتّاب، كان يكره عالم الكتابة، والكتب، والصحف، وكان يكره الأقلام والدفاتر والمكتبات.
هكذا أراد الروائي أن تكون شخصية بطل روايته الأخيرة. ولا أحد من حيث المبدأ يستطيع أن يلعب بمصائر شخصيات أبطال رواية ما إلا من يصوغها من حبر وورق وخيال يتفرّد به. فلا يمكن أو تجد شخصين يتمتعان بخيال واحد، الخيال كبصمة الأصابع، بصمات لا تتكرر. 
كان بطل القصّة أمّيا.
ولكن هل تبرر الأمية قتل الكتّاب؟
بالنسبة لذلك القاتل، لم يكن يطيق السماع بسيرة الكتّاب، كان يعتبر أنّ أحد أسباب مآسي العالم هو الكتابة و " المكتوب"!
لهذا راح ينتقي ضحاياه من هذا الحقل.ولكنه كان " يمسرح" جرائمه، يختار توقيتا يزيد من وقع الجريمة، فأن تقتل كاتبا وهو يقود سيارته، أو وهو في حديقة منزله يعتني بالأشجار والأزهار ليس كما لو وقع فعل القتل وهو منغمس في عالم الكتابة.
الكتابة عادة تتطلب العزلة، ونادرا ما يقعد الكاتب في مكان مكتظ بالناس ليكتب. الكتابة تحبّ الاستفراد بالكاتب، من هنا وجد ان لحظة الكتابة هي أفضل لحظة لارتكاب الجريمة.
أنهى الروائيّ كتابة روايته، وراح يراجع الأوراق التي كتبها، ويعدّل بعض الجمل، ويضيف بعض الملامح على هذه الشخصية أو تلك.
كانت ملامح تلك الشخصية المجرمة التي وزعها على أكثر من صفحة تتلاحم فيما بينها كما قطع البزل أو قطع الفسيفساء حتّى صار لها ملامح شبح يقف وراء الكاتب الأعزل، وقام الشبح بقتل الكاتب بالطريقة نفسها التي تخيلها كاتب الرواية ثم ذاب كما يذوب دخان سيجارة!
لم تكن رواية المؤلف المقتول هي أوّل رواية ساح دم كاتبها على صفحاتها!

تَرجِموا قبل أن تُرجَموا 巴比伦


أهمّ من أن يمتلك الإنسان النظر هو أن يمتلك بعداً في النظر، فقد يمتلك الكفيف بعداً في النظر لا يتوفّر للمنعّمين بأبصارهم. هذا حال عميد الأدب العربي #طه_حسين الذي اعتبر أنّ "إهمالنا الشنيع للترجمة تقصيرٌ مخْزٍ". ونظرة العميد الراحل كانت ثاقبة ونفّاذة، فالترجمة اليوم ضرورة عربية وحاجة وطنية ومسألة قومية. كما أنّها واحدة من أنجع الوسائل في تغيير الأحوال الباهتة والأوضاع الفاجعة، لذا لا بدّ من إدراج الترجمة في لبّ القضايا العربيّة الكبرى. إنّ العاقل هو الذي يدرس ويسبر سرّ نجاحات الأمم ونهوضها للقبض على آليات الخروج من ورطاته وسقطاته. وليس عبثاً أن ينكبّ ابن جامع الأزهر الشيخ المعمّم المستنير رفاعة رافع الطهطاوي على الترجمة، كما لم يكن من قبيل الافتتان الأجوف بالغرب تأسيسه لمدرسة الألسن عام 1831 بقدر ما كان إحساسه بأنّ الترجمة هي المفتاح السحريّ للخروج من متاهة التردّي الحضاريّ التي كان يعيش العالم العربي في أنفاقها القاتلة.
كنت قد قرأت نصّاً عن الترجمة في اليابان، تلك الدولة التي تدهش كبيرنا وصغيرنا، وتدهش أبناء الشرق والغرب على السواء، مفاد الخبر انها كانت تشتغل في بداية نهضتها، ولا تزال، على الترجمة بهوى يلامس الهوس، إذ تترجم ما لا يقل عن 30 مليون صفحة سنوياً كما انها اعتمدت في نموّها الصناعيّ والتجاريّ على المتابعة الدقيقة والسريعة بل والفورية أحياناً لما يتمّ خارج حدودها من تطور علميّ وتقني، فهي كانت ترصد الكتّاب المهمين وتتفق معهم على ترجمة كتبهم حتى قبل صدورها بلغتهم الأم، فيتزامن نشرها بلغتها الأمّ واللغة اليابانية توفيراً للوقت وإراحةً للقارىء اليابانيّ من وطأة الانتظار. وكانت على الصعيد الدبلوماسيّ لا ترضى، أغلب الأحيان، بإرسال سفير لها إلى دولة لا يتقن لغة أهلها، ألا يكون سفير في دولة ما لا يحسن لغتها " متل الأطرش بالزفّة" على ما يقول المثل في بعض المواقف؟ وقد تجري المياه من تحت قدمي الدبلوماسيّ وهو لا يحسّ. يروي الكاتب الراحل أحمد بهاء الدين أن اليابان أرادت ذات مرة تعيين سفير لها في الكويت إلاّ أنها طلبت منه أن يترجم قبل استلام منصبه "مقدّمة ابن خلدون" إلى اللغة اليابانيّة. قد يقول قائل: وما علاقة الترجمة بنيل رتبة سفير، وقد يردّ القائل المستغرب الأمر الى طبائع الجنس الأصفر الغريبة، إلاّ أنّ تصرّف الحكومة اليابانية لم يكن أخرق أو مزاجيّاً بل إنّها أرادت أن تصطاد بحجر واحد أكبر قدر من العصافير. فهي عن طريق ترجمة هذا الكتاب تحديداً تزوّد سفيرها بخبرة لغويّة وزاد ثقافيّ ومعرفة اجتماعيّة ( مستمدة ممن عجن المجتمع العربي وخبزه) تسمح له بالتواصل المباشر مع المكان والسكّان ممّا يجعله قادراً على استثمار وجوده في البلد استثماراً عظيماً بحكم قدرته على فكّ شيفرة روح تلك الدولة عبر أسرار لسانها، فاليابان تعرف أن من يفصل اللغة عن الثقافة كمن يفصل الروح عن الجسد دون أن يلحظ أنّ الجسد لم يعد جسداً نابضاً وإنّما أصبح جثماناً. وأظنّ أنّ الاطلاع على تقنية #اليابان المبتكرة في الترجمة توفّر على الأمّة العربية الكثير من الهدر في الوقت والحبر، فمن يتابع الأعمال المترجمة إلى العربية يجد أنّ جزءاً لا بأس به من الأعمال المترجمة "بازاريّ" الملامح والتراكيب، وعشوائيّ الأهداف، وفوضيّ المصطلحات لانعدام التنسيق بين الهيئات المشرفة على الترجمة فتجد أحياناً للمصطلح الواحد في اللغة الأجنبية أكثر من عشرة مصطلحات عربيّة فيمتلكك إحساس سكّان مدينة #بابل بعد اللعنة اللسانيّة. 
وإذا انتقلنا إلى إسرائيل، عدوّة العرب الأشرس وقاصمة ظهرهم الجغرافيّ وغير الجغرافيّ، وعقدنا مقارنة سريعة بالأرقام بين ما تخرجه مطابعها من ترجمات وما تصدره مطابعنا لأصابتنا الأرقام بالأسقام. فإنتاج البلدان العربية مجتمعة لا يبلغ أكثر من نصف ما تترجمه إسرائيل، وهذا مؤشر كارثيّ نمّام خصوصاً حين نأخذ بالحسبان الفارق العدديّ بين إسرائيل والشعب العربيّ الهادر! إنّ الترجمة مسألة حياة أو موت للغات لأنّها بمثابة ضخّ دم جديد في شرايين اللغات، وتنشيط تراكيبها الخاملة. إنّ الانهار التي لا تعرف كيف تحتضن روافدها قد تجفّ قبل الوصول إلى مصباّتها. واللغات أنهار وآبار وغيوم. أشير هنا إشارة عابرة الى ولع العرب بوضع عناوين مائيّة لمعاجمهم من "منهل" و"مورد" و"سبيل" و"قاموس" و"محيط".
ورد في "تقرير التنمية العربية" الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أنّ لكل مليون مواطن عربي كتاباً واحداً مترجماً في حين أنّ لكلّ مليون مواطن أسبانيّ 920 كتاباً مترجماً، الفارق في الكمّ مجلبة - كما يرى القارىء - للغمّ. ولكلّ مليون مواطن في النمسا 519 كتاباً. والعالم العربي مجتمعا لا يترجم إلا ما يعادل خمس ما تترجمه اليونان علماً أنّ عدد سكان اليونان لا يتعدّى الـ11 مليون نسمة. وجاء في كتاب " الخطّة القومية للترجمة" الذي نشرته"المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم" ان مجموع ما ترجم في الوطن العربي منذ الخليفة المأمون وحتى يومنا هذا يصل إلى 10 آلاف عنوان، أي ان هذا العدد يساوي ما ترجمته إسرائيل في اقل من 25 سنة أو ما ترجمته البرازيل في أربع سنوات أو ما ترجمته أسبانيا في سنة واحدة، قد لا تكون الأرقام المذكورة في دقّة الساعات السويسرية إلا إنها تعطي فكرة واضحة على أن الترجمة في العالم العربي لم تدخلْ بعد في حيّز الضرورة رغم أن لا قيامة لنا كاملة وواعية إلاّ من طريق استغلال ثمرات الترجمة الجنيّة.
إنّ المأمون الحاكم العبّاسي الحكيم لم يختر عن نزوة عنواناً دافئاً لدار الترجمة الذي أسّسه وهو " بيت الحكمة"، التسمية شديدة الدلالة على الدور الحكيم الذي تنهض به الترجمة.
فهل من الحكمة أن لا نترجم؟ وهل من الحكمة أن نترك "بيت الحكمة" مخلّع الأبواب؟ في القرن الحادي والعشرين نحتاج إلى أكثر من مأمون واحد حتّى لا نبقى "كمّاً مهملاً" على هامش الأمم، وعالّة على أمجاد الأجداد.
#بلال_عبد_الهادي
المقال من كتاب #لعنة_بابل
#اليوم_العالمي_للترجمة

الجمعة، 29 سبتمبر 2017

" مذاقة #الحروف"


" مذاقة #الحروف" عبارة وردت في كتاب #الجرجاني 
" #دلائل_الإعجاز" ، وكان #الفراهيدي قد استخدم في مقدمة معجم العين عبارة " ذوق الحروف".
والمقصود أن تتخيّل الحرف الذي تتلفّظ به كأنه شيء يؤكل وتحاول أن تعرف مكوّناته من خلال " تذوّقه"، أي أن تفكك مكوناته الصوتية من مخرج وصفات.

#أطلبوا_الحكمة_ولو_في_كوريا


عنوان مقال في كتاب " #مساورات_الكلمات " للدكتور #نصر_الدين_لعياضي ، ورد فيه الفقرة التالية:
"الاتهام بعدم النزاهة وعدم إتقان العمل في #الثقافة_الكونفوشيوسية هو أقصى شتيمة وإهانة يمكن أن يتعرّض لهما شخص أو مؤسسة. إنهما تقاربان اتهام شخص بأنّه فرّط في عرضه في #الثقافة_العربية الإسلامية."
ص: ١٨٠

الجمع العربي


نجمع #دار_النشر في لبنان ب " #دور_النشر"، ولكن لفت نظري، اليوم، أن الكتّاب في الجزائر يستعملون صيغة جمع أخرى فيقولون " #ديار_النشر".
والعربية سلسة جدّا في صيغ الجمع. ( جمع مذكر، جمع مؤنث، جمع تكسير) وهي سلاسة يمهر الشعراء، خاصّة، في استثمار دلالاتها. والعربية لا تكتفي بالجمع بل تذهب إلى جمع الجمع كما نرى في جمع رجل، وهو رجال، ثمّ نزوّد الرجولة بزائدة " أنثويّة" فنقول رجالات " رجال ( ات).

#حاسّة_الشمّ والزمن
انتبه العلماء إلى أنّ حاسّة الشم تغيّر علاقة الناس بالزمن، فبدأ الناس استثمار هذه المعلومة ، فالمتجر الذي ينشر عطره في أرجائه يبقي الزبون وقتاً أكثر ممّا يعني أنّ احتمال الشراء تزيد، وفي أماكن الانظار لاحظ العلماء ان ادراج العطر في جوّ الغرفة يجعل تحمّل وطأة الانتظار أكبر، لأنّه يقلص إحساس المنتظر بالوقت الطويل.
ويقال ان العمل على العطر لا يزال في أول عمره، وثمّة عالم سيميائي لعب على الكلام في اللغة الفرنسية فأنتج مفردة جديدة ذات ارتباط بالولادة ولكن أيضا ذات ارتباط بالأنف عن طريق الجناس، والجناس مدخل عذب إلى أفكار طازجة.
كلمة أنف في الفرنسية #nez ، ولهذه الكلمة رنّة صوتية شبيهة بكلمة #né في الكلمة المركبة #nouveau_né ، ومن هذه القرابة ولدت كلمة جديدة ذات صلة بالأنف ، هي: #nouveau_nez وقصد بها واضعها قصدا سيميائيا هو التواصل الشمّي.
وهو تواصل انتبهت إليه الدراسات حديثا، وراحت تبحث عن قواعده الضمنية او الخفية.
والأنف المرهف ألف نادر، ومن يملك أنفاً مرهفا يمكن أن يستثمره في عالم التجارة وعالم الروائح. قرأت ذات يوم أنّ شخصا يعمل في شركة بنّ راتبه خيالي بسبب أنفه الذي يستطيع أن يميّز بين نكهات حبّة القهوة ومفعولها.
ويقال إن الأنوف المرهفة نادرة جدا إذ لا يبلغ عدد مالكيها في العالم أكثر من خمسمائة شخص.
والأنف الخبير أو المرهف يحتاج الى تدريب قاس يستغرق عشر سنوات من الجهد الأنفي المتواصل.
الأنف عملة نادرة!
ولم يكشف بعد عن كلّ أسراره وأدواره!

#حاسّة_الشمّ


تصل رائحة الأشياء الى الدماغ عادة عبر الأنف، ولكن يمكن للرائحة أن تسلك طريقا أخرى هي الفم!
هل الفم كالأنف؟
هل هناك من يستعمل فمه كما لو كان أنفا؟
يبدو هذا ما هو عليه الحال.
وهنا أستعين بتخصص طبّي، فالطبيب الذي يعالج أنفك هو طبيب أذن وأنف وحنجرة. أليس كذلك؟
ويقال العلماء ان #الشم يسلك أيضا طريقا اسمها voie rétronasale اي طريق تسلك دروب الفم وصولا إلى #الحنجرة! عند مفترق الطرق بين الطريق الهضمي والطريق التنفسيّ.
هذا يعني أن بين #الأنف والحنجرة نقطة لقاء!
في أي حال ، #تراسل_الحواس ليس مسألة من خيال بودلير وقبله #ابن_الفارض، وإنما هي مسألة حقيقية كشف عنها علماء الأعصاب.
ويبدو تراسل #الحواس في هذه الأبيات الفارضيّة المذهلة:
فعيني ناجت، واللسان مشاهدٌ، 
وينطق منّي السمعُ، واليدُ أصغتِ
وسمْعي عينٌ تجتلي كلَّ ما بدا،
وعيني سمْع، إن شدا القومُ تنصتِ
كذاك يدي عين ترى كلّ ما بدا،
وعيني يدٌ مبسوطةٌ عند بسْطتي
وسمعي لسانٌ في مخاطبتي، كذا
لساني، في إصغائه، سَمْعُ مُنْصتِ
وأنهي برواية العطر الشهيرة التي كتبها الألماني #Patrick_Süskind ، وهي رواية أنفية عجيبة، وكذلك برواية الأنف القصيرة التي كتبها المبدع الروسي نيقولاي #غوغول.

为仁不富 wéi rén bù fù

تعبير صينيّ قويّ يطعن في " أخلاقيّات" الغني!
كلمة 仁 الصينية تعتبر لبّ الفلسفة الكونفوشيوسيّة ، والرمز بسيط التركيب مؤلّف من مفتاحين : مفتاح الإنسان 亻 ومفتاح عددي يعني ٢.
وهناك من قام بنقل كلام للمسيح ليدلّ على معنى القول الصيني، وهو معنى غير حرفيّ:
”أن يدخل الجمل في ثَقْب الإبرة أيسرُ من أن يدخل الغنيُّ ملكوت الله“

#国宝

قوو پاو إسم علم صيني، ولأسماء الأعلام في الصين خيال مجنّح ، ولكنه خيالٌ يحلّق في فضاء الوطن الصيني الكبير.
فاسم قوو پاو يعني " كنز الوطن"، ولا أظنّ أنّ أحدا في بلادنا العربية المحروسة يجرؤ على تسميه وليده بهذا الاسم إذ قبل يتهم بالجنون أو قد يتهم بمحاولة انقلاب على الدولة، فنرجسية الحاكم قد تخدش هنا.
فالأسماء عادات وتقاليد وموضة، فنحن في بلادنا مثلا نعتبر أسماء كثيرة " دقّة قديمة"، وعندنا مأزق أخلاقي في التسمية أحيانا، إذ من تقاليدنا التي تشير إلى البرّ بالوالدين أن يختار كبير الإخوة اسم والده، فالاسم شكل من أشكال مواجهة الموت، فحتى من لا يؤمن بتقمّص الأرواح يؤمن، في الأقلّ، بتقمّص الأسماء، ومن العقوق أن ينطفىء اسم الأب أو اسم الأم، ومن المعيب أخلاقيا أن يتجنّب الأبناء تجديد نسل الاسم الأبوي.
المهم ، ما لفت نظري في التسميات الصينية ذلك الشعور القوي بالانتماء للوطن من الناحية الاسمية، ولكن ما لفت نظري أيضا تلك الليونة البليغة في التخلي عن الاسم او الاستعانة باسم ثان للمهاجرين الصينيين، واختيارهم لاسم من الأسماء التي يستعملها سكان البلد الذي هاجروا إليه، فلا تستغرب وجود صيني ، في لبنان، مثلا يقول لك: إسمي فؤاد أو عبد الجليل أو قاسم . أسماؤهم تتعدّل وفق المكان ووفق اللسان.

#علم_السيمياء #sémiotique


#علم_السيمياء #sémiotique لا يؤمن بالعبث. ولا يعترف بوجود " اللامعنى"، بل يعرف أنّ " اللامعنى " يكتظّ بالدلالات.
علم #السيمياء هو البحث عن #المعنى، معنى ما هو لغويّ ومعنى ما هو غير لغويّ. وهكذا صار علم السيمياء في نظر كثيرين" علم العلوم".
كل ما تراه عينك هو جزء منه، وكل ما تلمسه يدك هو جزء منه، وكل ما يشمه أنفك هو جزء منه، وكلّ ما يتذوقه فمك هو جزء منه، وكل ما تسمعه أذنك هو جزء منه، وكل ما تتخيّله هو جزء منه.
وقد يحمل الشيء الواحد المعنى وضدّه. والإطار هو ما يفتح للمعنى مجراه.
خذ أي شيء، أو أيّ كلمة تجد أنّك تستطيع أن تدرجها في سياق آخر غير معتاد لإنتاج معنى طارىء، جديد. وقد يكون الإطار هو اللإطار أو غياب الإطار، ألا نعلّق أحيانا صورا بلا إطار على الحيطان فيصير الإطار مديدا ورحيبا؟
الأشياء لا تتشبّث بوظائفها المخصوصة، والكلمات لا تتشبّث بدلالاتها المعجميّة.
ومن هنا فإنّ #السيميائيّ هو أشبه بصيّاد يطارد الدلالات المرئية، وغير المرئية، بل لعلّ خفايا الدلالات هو ما يثير شهيته أكثر من ظاهر الدلالات. تستهويه " #الاستعارة" أكثر ممّا يستهويه " #التشبيه" المكشوف، العاري، يستهويه أن يميط اللثام عن وجه الشبه المحذوف بيديه.

الثقافة

الثقافة قيمة بحدّ ذاتها ، وهذا ما يجعل حتّى غير المثقّف يدّعيها!

كتاب جامعي

عبارة من قبيل " #كتاب_جامعي" أو " #كتاب_أكاديمي" لا تعني بالضرورة أنّه كتاب جيّد أو كتاب محترم أو كتاب يستحق القراءة .
وكتاب مسبوق اسم مؤلفه ب ( د.) أو - أضرب وأفكّ رقبة - مسبوق ب ( أ. د.) لا يعني أنّه كتاب جدير بالقراءة . قد يكون العكس هو الصحيح!

الأربعاء، 27 سبتمبر 2017

فلافل تشيبس falafelchips مشتقات الفلافل

فكرة فلافل تشيبس 

الفلافل اكلة شهيّة من اكلات بلاد الشرق الأوسط  والبعض يقول ان اصلها من الهند. بل ان كلمة فلافل هي كما قرأت ذات يوم ثلاث كلمات فا لا فل دمجت في العربية بكلمة واحدة كما تدمج مكونات الفلافل في قرص واحد او خلطة واحدة.
ولكن لا اريد ان اتكلم على الفلافل وانما عن اكلة خطرت ببالي واحببت تسميتها بـ " تشيبس الفلافل" أو رقائق الفلافل.
اي لا تكون الفلافل على شكل اقراص تؤكل ساخنة وانما على شكل رقائق مثل رقائق البطاطا تؤكل باردة.
تغيير حرارة الطعام جزء من توليد الطعام.
فالطعام نيء ومطبوخ ومعفّن بحسب ما يقول كلود ليفي استروس الانتروبولوجي الكبير.
والمثلث الغذائي ما خطر ببال استراوس الا حين تأمله حركات اللغات من فتح وضم وكسر وما بينهم.


قطعتا تشيبس فلافل من تحضيري على شكل زهرتين
النعومة جزء من الطعام، التنعيم يغيّر من جوهر الاشياء! هذا ما أثبته علم النانو الحديث، قرأت مقالا عن الذهب وانه يمكن ان يكون دواء للسرطان ولكن عبر استخدام تقنية النانو وتفتيت ذراته.
تحطيم الذرّة يغير مفعولها . أليس هذا ما حدث حين توصل العلم الى تحطيم الذرّة.
كما اني كنت قد قرأت ان السيف الدمشقي المصقول والشهير بهذا الاسم هو اعتماد على تقنية النانو  nano قبل اكتشافها.
احيانا النظرية تولد بعد التطبيق بسنوات او قرون
واحيانا يولد التطبيق بعد النظرية بسنوات او قرون!
هناك ظروف تنضج وتحتضن او تتبنى فكرة كانت ملفوظة لسنوات طوال او قرون.
هناك نطف فكرية تبحيث عن ارحام، والارحام للافكار قد تكون التمويل، تعذّر التمويل يؤجل ولادة الفكرة احيانا. وقد يتوفر التمويل ولكن لا تتوفر المادة التكنولوجية.
التكنولوجيا تغير اشياء كثيرة.
أتأمل اشياء كثيرة فأرى تحولاتها بفضل التقدم العلمي والتكنولوجي.
التكنولوجيا ايديولوجيا!
الحليب سائل، هذه طبيعته. هل كان من الممكن ان يتعزز دوره وحضوره لو اكتفى بطبيعة الاشياء اي لو عاش سائلا طوال حياته؟
طبيعة الاشياء تحدّ من قدراتها!
تحرير الاشياء من طبيعتها الاولى يمنحها أجنحة تنين صيني!
سأتكلم هنا عن الفلافل!
نعم الفلافل!
وقد يستغرب القارىء ما علاقة كلامي بالفلافل؟
فلافل خلطة بلال عبد الهادي

الاشياء مترابطة، والكون عبارة عن نصّ واحد من مليارات الفقرات.
ما حدث للحليب السائل؟
تحول الى حليب مجفّف.
الحليب المجفف خفيف ، والخفة تمنح حركة، فتحرك الحليب عبر المكان وعبر الزمان.
كان الحليب السائل ينقذ نفسح بتحولاته الى لبنة وجبنة وشنكليشة او لبن مجفف كما عند المغول.
يروى ان سبب الانتصارات المغوليّة الساحقة والكاسحة كان مردذه الى عنصرين : الحصان والحليب المجفف!
لا احب ان تنحبس الاشياء في مذاقاتها ولا اشكالها!
قرص الفلافل محبوس في قالبه، 
تحريره من قالبه يمنحه احتلال اراض جديدة، ويدفعه الى انتاج سوق جديد له.
خطرت ببالي فكرة تحويل الفلافل الى تشيبس، التشيبس يعيش حياة متعددة، ولا يتطلب الامر الا تحويل مكوناته الى دقيق.
دقيق الحمص، ودقيق الثوم، ودقيق الكزبرة، وهي امور اصبحت متوفرة.
وتصير تتعامل مع الدقيق تعاملك مع الطحين.
تخيّل حبة القمح كبّرت رأسا ورفضت ان تنطحن وتنسحق؟
هل كانت عاشت الحياة التي تعيشها الان؟
اليس طحنها هو الذي منحها هذه القدرة الخلابة؟
هذه فكرة راودتني منذ زمن بعيد، ومنذ عدّة ايام تبين لي ان فكرتي ليست فقط قابلة للتطبيق، فثمّة من يستغرب افكاري حين اذكرها له، ويظنّ احارب بالنظارات والنظريات ولا احارب باللحم الحيّ،
قلت اني منذ عدة ايام وانا ابحث في الانترنت ان شخصا وهو اسرائيلي قام بتحويل فكرتي الى لقمة في الفم، وقام بانجازها وعرضها في الاسواق في اكياس كما يباع التشيبس تماما.
فلافل تشيبس
ولكن الى الان لم ار منها في لبنان، ولم اجد اي منتج تشيبس خطر بباله تحويل فكرتي الى قطع تقرمش.
اختصر كلامي بأنّ الفلافل من مكوناتها الاساسية الحمص والفول، الفول منفردا او الحمص منفردا، او الاثنان معا.
كما انه يمكن انتاج نكهات تفوق العدّ، أليس هذا ما نلحظه!
نكهة حارّة ونكهة غيبر حارّة!
التفنّن في الطعام احترام لمكونات الطعام.
أرى في الحمّص اشياء كثيرة ، واحب مقارنته بأشياء كثيرة.
فالحمّص ينتمي الى عالم الحبوب اي له قرابة مع حبّة الأرزّ، وله قرابة مع حبّة القمح وحبّة الصويا. وأقارِب بينها وبين حبّة البطاطا، وكذلك حبّة الذرة؟
واعتبر ان زمن العولمة سيكتشف مؤهّلات هذه الحبّة الفريدة من نوعها.
ومن سيقوم بإعطاء حبة الحمص حياتها الجديدة أميركا حاضنة العولمة.
اميركا محطة انطلاق واقلاع لأشياء كثيرة: بيتزا، سوشي، فلافل، حمص، واشياء على الطريق...





استاذ صيني


أساتذة كثيرون عبروا حياتي، وأكنّ لكثيرين منهم كثيرا من الودّ: بطرس دويهي ( في الصفّ الثالث التكميلي)، خريستو نجم ( في الصف الثاني الثانويّ).

ولكن لم يفتنني الا استاذي الصيني  لي تزانغ يين الذي علّمني على مدى سنتين ونصف السنة اللغة الصينية ( تولّد لدي إحساس جميل كوني كنت استاذا في الجامعة قبل الظهر، وتلميذا على مقاعد الدرس بعد الظهر).

كان يصل الى قاعة الصفّ قبلنا ليحضّر على اللوح الدرس المطلوب  منا، كان يصل قبل الوقت حتّى لا تأخذ الكتابة على اللوح من حصّة التعليم.

وحين نستفهم عن مسألة لغوية او حضارية عصية  يطلب منا ان نمنحه الوقت، ثمّ يأتي في اليوم التالي وقد حضّر جوابا عن استفساراتنا نعرف انه اخذ منه وقتا طويلا في البيت، وجهدا طويلا.

كنت وانا اتابع الدرس بيني وبين نفسي اقول: ليت اساتذتنا من هذا القبيل لكان مستوى التعليم اختلف كليا.

كان يعلمنا بشغف، لم نشعر للحظة انه كان يقوم بواجبه. كان كمن يحقق ذاته من خلال اعطائه للدروس.

كان يهدينا الكتب، ويقدّم لنا الأشرطة التي تساعدنا على التقاط السمات الصوتية للغة الصينية القائمة على النغمات الفارقة للدلالات.

الطهي والكتابة

بعد أن أنهيت رسالتي للدكتوراه في باريس، خطر ببالي أن أذهب الى معهد يعلّم فن الطبخ والتحق به، ولم يمنعني عن ذلك   الا ضيق ذات اليد في ذلك الوقت، ولو اعلنت لأهلي عن رغبتي لاتهمت بالجنون وقلة العقل. ولقالوا: دكتور ويريد أن يكون عشّيا او شيفا؟ هذا رغم ان لوالدي مطعما يقدّم الحمص والفول في طرابلس. ووالدي حفظه الله استطاع لمهارته وطيب نفسه على الأكل ان يكون الرقم واحد في عالم الحمص والفول في طرابلس. ولا اقول هذا من باب التبجح، وانما من باب توصيف لواقع .
يفتنني المطبخ، ومع الوقت ازداد به تعلقا، رغم عدم شرهي على الطعام.
ولكن احترم من يعرف كيف يقبض على السكين، واحترم من يتقن تقشير البصلة او فرم البندورة او فرم البقدونس، او تدوير قرص الكبّة او تقوير كوساية او تخريط خيارة الخ
والى اليوم، حين ادخل الى سوبرماركت فإن ما يلفتني هو جناح الأدوات المطبخية من صحون وجاطات وشوك وسكاكين او صنوف الطعام في المعلبات وكيفية تعليبها او تغليفها ومكوناتها.
ولعل لهذا السبب يستوقفني كثيرا ذلك الشبه بين الكتابة والطبخ، واعتبر الطبخ ضربا من الكتابة، كما اعتبر الكتابة ضربا من الطبخ.
وفي كتابي لعنة بابل عدّة مقالات عن الربط بين الكلام والطعام، وافكر بجدية في كتابة كتاب عن حبة الحمص، وهي التي ترمز الى علاقتي مع عالم الطعام، واتتبع مكنونها وقدراتها على تلوين النكهات.
ولكن ما يمنعني عن الكتابة عنها هو حبي لها.
فالحب احيانا يربك الكلمات!

الثلاثاء، 26 سبتمبر 2017

قوس قزح الاديان

كل دين مثل قوس قزح . قوس قزح متعدّد الالوان، والدين متعدد المذاهب. وحلاوة قوس قزح انه متعدد الألوان، ولم اسمع بمعارك او حروب لونية أو كونيّة في تاريخ قوس قزح. هل بإمكان الانسان ان يتعلم من قوس قزح درسا في التسامح؟

المطبخ اللبنانيّ

لبنان بلد ضعيف. ومن ينكر ضعفه يشبه من يقود سيارته عكس السير، ويستغرب كثرة المخالفين! ولكن الضعف يمكنه أن يكون مصدر قوّة! لم يكن من قال عبارة " إنّ لبنان قوّته في ضعفه" بعيدا كثيراً عن الصواب! ولكن نعرف أنّ من خبث التعابير أنّها " حمّالة أوجه"، و"حمّال الأوجه" يشبه من يكثر من استعمال الأقنعة!
الضعف القويّ أنواع! وهنا سأحكي عن نوع واحد من قوّة لبنان الضعيف. وهذا النوع يمكن أن يندرج تحت ما يسمى بالقوة الناعمة! وهي شهيّة ودسمة! إنّها المطبخ اللبناني، وهي، في وجه من الوجوه، تشبه أحد أسباب قوّة الولايات المتحدة الأميركية، وأقصد بذلك " الهجنة" وهي على خلاف النقاء العاقر.  من أين يستمدّ المطبخ اللبنانيّ قيمته؟ يستمدّها، بكلّ بساطة، من كونه ليس مطبخاً لبنانياً نقيّاً. ويمكن لمن يحبّ أن يختلف معي، وأن ينسف كلامي من أوّل لقمة! ولم أقصد، في أيّ حال، إهانة للمطبخ اللبنانيّ بل، على العكس، أردت إظهار قيمته وقوّته وحضوره الشهيّ في العالم.
قلت: إنّه مطعم هجين وهذه نقطة قوّته، انظر إلى معجم أسماء المآكل اللبنانيّة ستلحظ أنّه " مطبخ ( جَلَبْ )" ، وتعمّدت استخدام مفردة " جلب" وهي مفردة نلصقها، أحياناً، بالشعب الأميركيّ وتحمل دلالة تحقيريّة. فنحن شعب يؤمن بالأنساب، وبساتين تاريخنا مليئة بشجرات الأنساب، وهي لكثيرين مدعاة افتخار وعراقة، عراقة، في أيّ حال، لا تصل إلاّ بكثير من التمحّل والتعسّف إلى الشجرة الآدميّة. ولكن كل الشجرات، عمليا، ليست أكثر من أغصان هشّة. قلت فلنبدأ من أسماء المآكل، وأسماء المآكل فضّاحة أكثر من أسماء الأعلام، فعندنا ال"شيش برك" ولا أظنّ أحدا سينطّ ويقول لي إنها كلمة " فينيقية"، أو " سريانية" أو " عربية"، وإن نطّ فأهلا بـ " نطّاته"، - لست على خلاف مع من يؤمن بالعنزة الطائرة في بلدٍ يحلم الإنسان أن يكون له فيه "مرقد عنزة"! أرحّب به وبعنزته الطائرة!
وعندنا "المغربية"، وهي شكل من أشكال الكسكس، واسمها صريح الانتماء، وعندك سيخ "الشاورما"، ويكفي الوقوف عند إحدى مفاخر المطبخ اللبنانيّ وهي " المازة " التي تعترف بعظمة لسانها أنّها كلمة "دخيلة" على اللهجة اللبنانيّة أو اللغة العربية بنكهتها اللبنانيّة! فمن يجرؤ على الادّعاء بأنّها كلمة عربية بشحمها ولحمها؟ ولا يمكن نسيان " البرغل" الذي أراد البعض تحطيم نفسيّته واتهامه بالانتحار شنقاً، فهو لا يزال حيّاً يرزق، ولا يزال في كامل زهوه ولياقته من خلال طبقين هما من مفاخر لبنان، وأقصد " الكبة النيّة" و "الكبة المشويّة". والبرغل ليس كلمة عربيّة  وليست من أب وأم لبنانيين.
ولكن ميزة لبنان انه كأميركا. غير أنّه بدلاً من أن يكون مصهراً للأعراق كان مصهراً للأذواق والمذاقات. وإن كان، في مكان ما، مصهراً للأعراق، فهناك مَن أصله خليط من تركيّ وعربيّ، وهناك مَنْ أصلُه كوكتيل كما كان حال أمير الشعراء أحمد شوقي، وليس عيباً أن تكون " كوكتيلاً من الأعراق"، بل ربّما العيب أن لا يكون في عروق المرء إلاّ دم من جنس واحد! وهذا نادر الحدوث في بلد هو معبر لكلّ أقوياء العالم من أيّام الفراعنة واليونان وبني ساسان والرومان وصولاً إلى فرنسا وبريطانيا وانتهاء بقوّات " اليونيفيل"!
من هذه الهجنة ولدت " قوّة المطبخ اللبنانيّ"، قوّته بنت قدرته في "لبننة" المآكل التي حملها معهم "الفاتحون"، بإضافة مكوّن جديد على " أكلة" تركية، أو حذف مكوّن من " أكلة " فلسطينية، أو " تنكهة" مذاق أكلة مسيحية لتلائم المذاق المسلم، أو تنكيه أكلة إسلامية لتلائم المذاق المسيحيّ. وأدّى هذا التفاعل بين المذاقات إلى توليد مذاق المطبخ اللبنانيّ الفريد.
واللبنانيّ لظروف متعددة - ولا تخلو دراسة الأسباب من طرافة ووجاهة - صار " ذِوِّيقاً" في "المأكل " و" الملبس" ، وهذا ما تشهد عليه دور الأزياء من خلال إيلي صعب وأمثاله من رجالات الموضة.
وهذه " الذواقة" انتجت المطبخ اللبنانيّ الذي صار مطبخاً عالميّاً، وما يؤكّد ذلك انتشار المطاعم اللبنانية في أنحاء المعمورة. المطعم اللبنانيّ في العالم رسول سلام يروي الغليل، وترحّب به المعدة ( هناك من يسمّي المعدة االدماغ الثاني)، ولكنّه أيضاً قوة مغذّية ناعمة تفتح الشهيّة. هل كان بمقدور المطبخ اللبناني أن يصبح عالميا لولا مآسيه؟ المآسي عصا سحرية في يد الأقدار. فاللبنانيّ يفتخر أنّه منتشر في العالم، ولكن أليس سبب انتشاره هو أنّه لم يعرف أن يبني وطناً؟ أليس سبب افتخاره بانتشاره هو ترهّل نظامه السياسيّ الأرعن؟
الطعام ثقافة كاملة الأوصاف، والانسان حين يهاجر يحمل معه ثقافته أي يحمل معه أيضاً طعامه. ومن طريف اللغة العربيّة أنّها ربطت السفر بالطعام من خلال كلمة "سفرة "، كما أنّها استخرجت من هذا الجذر معنى الكتاب وهو "السِفْر". جذر ثلاثيّ مثلّث الأبعاد والدلالات. فالطعام كتاب يستهويه السفر،  وتاريخ الأطعمة هو في جزء منه تاريخ أسفار، فطريق "الحرير" هي أيضا طريق " التوابل" .
والمطبخ اللبنانيّ هو في مكان ما قوّة اقتصادية أتته من ضعفه السياسيّ. فما هو المبلغ الذي تدرّه المآكل اللبنانية في العالم؟ وما هو دخل لبنان المباشر وغير المباشر من المطبخ اللبناني المهاجر؟
المطبخ اللبنانيّ قوة اقتصادية ولكنّه أيضاً قوة سياحية، ويحقّ للبنان أن يرفع عالياً رأسه بتبّولته وكبّته ومازته ومنها بالتأكيد " حمّصه"، وهذا الأخير يمكن أن ندرجه ضمن " الطعام المقاوم"، إذ إنّه يخوض في العالم معركة مع إسرائيل ليست ساحتها فقط صفحات "موسوعة غينيس". ويضحكني من يسخر من هذه المعركة وكأنّه لا يدرك أنّ الصراعات هي في مجملها صراعات "رموز" عديدة منها ما ينتمي إلى الدين، ومنها ما ينتمي إلى عالم الأزياء، ومنها ما ينتمي إلى عالم الطعام.


بيغماليون ودوران جراي

  يقال ان اوسكار وايلد استوحى فكرة روايته، والصورة التي تشيخ من اسطورة بيغماليون وغالاتيا. فالصورة التي هي من ألوان تبث فيها الروح، ولكن الروح هنا، في الصورة، ليست كالروح المبثوثة في التمثال. البعد الثالث غير متوفر في الرسم بخلاف النحت.

#حيّ_بن_يقظان شخصية خرافية


#حيّ_بن_يقظان شخصية خرافية خرجت من مخيّلة #ابن_طفيل ، أراد من خلالها أن يقول إن بمقدور الإنسان أن يصل إلى الحقيقة بمجهوده الشخصيّ دون وسيط روحيّ.
روحه هي وسيطه، وعقله هو سراطه!
وقد نقلت هذه الحكاية العربية الفلسفية إلى لغات كثيرة!
النقاط التي تلفت النظر فيها كثيرة، ولكن هنا سأتوقف عند نقطة واحدة، وهي ان الإنسان مستطيعٌ بغيره كما كان يقول المعرّي، والمعري قال كلامه لسبب ظروفه النظرية، فهو أعمى لا يمكنه أن يقوم بتلبية طلبات نفسه بنفسه.
كان عيون الناس عينيه!
ولكن ، في واقع الحال، كلّنا عميان بشكل من الأشكال نحتاج الى الآخرين. و " الجنة بلا ناس ما بتنداس" ، بل تنقلب إلى ما يشبه الجحيم.
كان بمفرده في جزيرة مقطوعة ومعزولة عن كلّ الخلق، ولكنه لا ينكر ان الحيوانات ساعدته، ولولاها لمات من الجوع والعطش والجهل.
دائما تبعث لك الظروف بجسور تمدّها أمام قدميك لتعبر الهاوية بسلام!

#حاسّة_الشمّ في بعض تجلياتها

#حاسة_الشمّ في الكازينو
ان بثّ العطور في #الكازينو تفتح شهيّة اللاعبين. فلقد زاد اللعب بالجاكبوت في أحد الكازينوهات بنسبة ٤٥ بالمائة إثر إدخال العطور إلى أجوائه!
العطر ماهر في فرفكة الأنوف والجيوب!
***
#حاسّة_الشمّ - بحسب علماء الأعصاب - أقدر من غيرها من الحواس على إيقاظ الذكريات الهاجعة في غياهب اللاوعي .
***
سأل ، ذات يوم، #الجاحظ صديقه #ابن_الجهم وهو من علماء الكلام: ما أكثر ما يدهشك؟ كانت إجابته فورية وحاسمة: الشمّ.
وكنت أقرأ نصا عن حاسة الشم في مجلة " science&univers "، ورد فيه أنّ أكثر ما يحيّر علماء الأعصاب : #حاسّة_الشمّ.
أليست الدهشة ( أو بعضها) والحيرة ( أو بعضها) من مقلع واحد؟
***

#الحواسّ في الدراسات السرديّة
ما لم يدرس أكثر بكثير ممّا درس، ولكن على المرء أن يخرج من الدروب المطروقة والتسكّع في دروب مهملة، أو طرق " قادوميّة" في الدراسة.
ولكن لا يمكن للمرء أن يذهب إلى دروب غير مطروقة إلا من طرق مطروقة.
مثلاً يمكنه أن يدخل إلى وجه في قراءة السرد في رواية، أو تشكيل معنى من خلال الكيفية التي يتعامل بها الكاتب مع عالم الحواس.
ما هو الدور الذي تؤديه #حاسة_اللمس مثلا، أو #حاسّة_الشمّ في مفاصل هذه الرواية أو هذه القصيدة؟
أحياناً نذهب الى المضمون فننسى الطريق التي أخذتنا إلى المضمون في حين أن الطريق هي جزء من المضمون، وهذا ما يحدث كثيرا في القراءة، أي انني حين آخذ المضمون وحده بعين الاعتبار تسقط منّي أشياء كثيرة، فحين يقول مثلا ابو نوّاس " #الصهباء" وتصل الى أذني أو عيني أو أنفي! " الخمرة" فهذا يعني أنها لم تصل تماما، أو هذا احتمال وارد. تطير الصاد والهاء والباء والألف والهمزة، وهي حروف اختارها الشاعر ولم يختر غيرها، ولم يقلها اعتباطا. انه اختارها، والاختيار معنى. وكثيرون يقعون ضحايا عبارة " الضرورة الشعرية"، وهي عبارة تعمي الأبصار، فيكفّ القارىء أو الناقد عن مساءلة هذه الضرورة، ولا يحاول القارىء أن يتساءل لماذا اختار الشاعر هذه الضرورة، وهي عمليا، ليست ضرورة، إذ لا احد " يفرض " عليه أن يختار الضرورة إلا تصوّراته.
قلت : ينسى الطريق، والطريق "أسلوب" الرجل.
الاختيار اللغوي للشاعر تحديدا هو من لبّ الشعريّة! 
يمتعني وأنا أقرأ رواية أو قصيدة البحث عن الأبواب التي يمكن الدخول منها الى عالم الرواية او القصيدة، وهي أبواب بعضها يشبه الأبواب السرية. والحواس أبواب الى #المعنى. فهناك شخصية شمية وأخرى نظرية وثالثة ذوقية.
لقد اصطاد #بروست ذكرياته وزمنه المفقود عبر رمي حاسّة الشمّ في أوقيانوس الذاكرة!
وعليه، هل يمكن لنا أن نقرأ بروست ونحن في حالة زكام؟
الأنف بوابة معرفية!
***
٨٠ بالمائة من مذاقنا للأشياء يأتي من #حاسّة_الشمّ وليس من #حاسة_الذوق.
ولكننا لا نشعر بذلك، فحاسّة الذوق غشّاشة، 
طعم الأشياء في فم المزموم غير طعمها في فم غير المزموم، مع الزكام لا أستطعم بالمأكل، لأن الزكام يشوّش حاسّة الشمّ فيرتبك مذاقي.
***

14 h · 
حظوظ جذور الكلمات كحظوظ الناس. وحتّى تعرف حظوظ الجذور يكفي أن تفلفش في صفحات معجم #لسان_العرب، تجد جذرا خصّص له صفحات طوالا، وجذرا لا يشكّل أكثر من فقرة قصيرة!
ومن الجذور الغنيّة جدّا جذر " ع ر ف" الغنيّ والحيويّ، وتتوزّع دلالته على أكثر من حقل دلاليّ، ولكن هنا سأتوقّف عند علاقته بالأنف. 
ف #حاسّة_الشمّ الشمّ هي أوّل حاسّة تظهر في تكوّن الجنين وتنشط قبل غيرها في تشكيل المعرفة لدى #الجنين، ويتعرف وهو اي الجنين في رحم أمه إلى روائح ما تأكل إذ تصل #الروائح الى المياه الأمينية التي يسبح فيها الجنين.
ومن طريف ما قرأت أن الجنين لحظة خروجه من رحم أمّه يمكنه أن يعرفها من رائحتها ويتعرف عليها من خلال " عرفها".
قلت إن جذر " عرف " يتضمن دلالات كثيرة، ومنها الرائحة ، وكان اليازجيان قد كتبا شرحا لديوان #المتنبي ذهبا فيه الى استخدام العرف بمعنى الرائحة واسمه: العرف الطيّب في شرح ديوان أبي الطيّب.
العرف - بفتح العين- معرفة!
***

كل قول حمّال أوجه وحمّال أقنعة!

لا يمكن لأيّ جملة مهما كانت بسيطة أن تكتفي بمعنى واحد. فالمعنى لا يرتبط بالكلمات التي تتشكلّ منها الجملة وحدها إذ يرتبط أيضاً بظروف القول وظروف القائل وظروف السامع وظروف أخرى، مكان القول، زمان القول.
ولعلّ من كلّ هذه الأمور يستمدّ المثل طبيعته المائية حيث ينسكب في نصوص كثيرة تكون أحيانا متعارضة كل التعارض.
كل قول حمّال أوجه وحمّال أقنعة!

خطأ كريستوف كولومبوس

خطأ كريستوف كولومبوس أوصله إلى مكان لم يكن أحد قد سمع به .  الخطأ قد يكون كتزا مخفيّاً!
كلّ الأديان متشابهة من حيث الوظائف والأهداف. وهي في هذا لا تختلف عن اللغات من حيث الوظائف والأهداف.

الأحد، 24 سبتمبر 2017

من دلالات حرف الغين


ل- غ -ر من وجهة نظر الابدال الصوتيّ



هذه الاصوات الثلاثة يمكن لها ان تتبادل الادوار فيما بينها عن طريق الابدال الصوتي. كنا اعرف ان الراء تصير لاما، وخصوصا في اللغات التي لا يشكل حرف الراء فونيما من فونيماتها او من نظامها الصوتي، كما في الصينية واليابانية حيث الراء تخرج من الفم لاما. رنى تصير لنا.
ولكن لفتني بالامس ان الانسان قد يسمع الالم غينا. قلت ان الهاتف طريف لأنه يلفت نظرك الى تشابه في الاصوات قد لا تلحظه. وهذا ما حدث لي امس: سمعت كلمة "طبال"على انها "دبّاغ". ثمة اشياء غير لغوية تتحكم بالاذن. فلقد كنت اسمع في مكان صاخب الى حدّ ما. رحت افكّر في السبب الذي جعلني اسمع " اللام" غينا. انتبهت او استعنت بالابدال الصوتي لافكّ من وجهة نظري الاشكال الصوتي.
قلت في الفرنسية تتحول الراء الى غين. وبمعادلة حسابية اكتشفت انه اذا كان الراء تبدل غينا، والراء تبدل لاما فمن غير المستغرب ان تبدل اللام غينا.
أمّا أمر الطاء والدال فلهما خصائص مشتركة كثيرة (طبال/دبّاغ)، ومن غير المستبعد ان يتبادلا الاصوات.
هذه التدوينة خاطرة سريعة تحتاج الى فضل تأمّل وتنقيب في كتب الابدال الصوتي لاظهار ما يعزز الفكرة او يزعزعها.

The Prophet Official Trailer 2015 | By Kahlil Gibran's | Salma Hayek Movie

#سلمى_حايك لها فضل على #جبران_خليل_جبران.
هناك فضل بمفعول رجعيّ!
سؤالي: ما هي المدارس التي فكرت في ان تنتهز فيلم النبي ليكون طعماً أو طعاما شهيا لطلاّبها، وألم يكن سيزداد عدد قراء الكتاب!
كتبت ذات يوم عن أحلام مستغانمي كظاهرة ثقافية عربية نادرة، ولكن قلت تنجح احلام حقاً حين تستطيع ان تخرج قرّاءها أو قارئاتها إلى عالم القراءة الأرحب من كتبها اي ان تستطيع ان تكون رافعة ثقافية.
أن تحبّب من لا يقرأ بالقراءة هو وظيفة الكاتب الأبهى!

اغنية "الحياة أمل" مع كلمات الاغنية بالعربي





#الحياة_أمل
"هيك لازم يدرسونا بالادب العربي
ما متل يللي عم بدرسونا ياه ، ممل".
هذه عبارة قالتها طالبة مدرسة إثر سماعها لأغنية بحسب ما رواها لي والدها.
ولكن لا بدّ من إضافة كلمات على الأغنية حتى لا يسرح الذهن إلى مطارح بعيدة عن الأغنية. فالأغنية عربية ، وفصيحة.
كنت في محاضرة وضعت لها عنوان: #الثقافة_قامتها_هيفاء قد ذهبت هذا المذهب في طرحي لدراسة الأدب وتحبيب الناس بالأدب ومن ثمّ بالقراءة أيضا. وانطلقت من واقعة تراثيّة لا يمكن لعاقل أو ينكرها.
إذا طرحت سؤالا يتعلّق بأحد أهم الكتب التراثية ، وهو كتاب موسوعيّ، وكتاب حضوره في مكتبة من يدرس الأدب العربي حضور يشبه فرض العين ، إنّه كتاب يحمل عنوان " الأغاني". وكان يثير عنوان هذا الكتاب الكثير من الأسئلة في ذهني.
وكان يدهشني جلد كاتبه أبو الفرج الأصفهاني الذي راح من الأغاني الى ما هو أبعد من الأغاني، إلى السير الغيرية، والعادات الاجتماعية، والدينية، وغيرها من الأشياء.
كنت أتخيّل ان الأصفهاني اتخذ من الأغنية طعما! لتثقيف القارىء ، وتحبيب القارىء، وأخذه من أذنه إلى صفحات كتابه.
واعتبرت انه يمكننا ان نستخدم المغنين كرافعة ثقافية .
ولا أرى فرقا بين المغني ولاعب كرة القدم والمثقف!
ليس المطلوب مو المثقف أن يكون كاظم الساهر، ولا المثقفة ان تكون هيفاء وهبي، ولا استاذ الجامعي أن يكون " ميسي" المنصّات العلمية، ولكن عليه أن يتعلم تقنيات كل هؤلاء لتحويلها إلى خلطة ثقافية.
كنت قد قرأت ان زوكربرغ تعلم تقنيات عمله من طائر الكوليبري!
الولد الصغير يعشق المعرفة لا لأنها معرفة ولكن لأنها لعبة، الغناء لعبة صوتية.
الولد الصغير يمتاز بما يسمّى " التفكير الغازيّ" اي التفكير الحرّ الطليق المنتشر بمعنى انه لا يضع حدودا لولعه بالأشياء، وهذه هي الميزة التي تمنحه ما يسمّى بالفضول، أو الحشرية.
سلاحه عيون زقزاقة، وفم لمّاح، وزوادة تسمنه وتغنيه من جوع ، سلاحه كلمتان: "كيف " و " ليش".
والكبار لجهلهم يسحقون هاتين النعمتين اللتين في جعبة الأطفال.
ان تنتصر على ملل الأطفال في التعليم يعني أن تساعده في شق طريقه نحو مستقبل زاهر وباهر.
والأغنية مستودع للصور، واستوقفني تعبير " ألثم عطرها"، حيث يتحول العطر الأثيرة الذي يتعامل مع الأنف إلى شيء مرئي كالحرير يلثم بالفم!

ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب


ليس هناك أرحب من القاعدة اللغوية التي تقول: ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب.
قاعدة صدرها رحب، تفتح ذراعيها لاستقبال الغريب ومنحه الإحساس أنّه بين أهله وذويه.
وهي قاعدة نحوية وصرفية ومعجمية.
قاعدة عربية تجعل لغات العالم عجينة بين يديها!

IgNobel


لا حدود للعب بالكلام لاختراع كلمات او تركيب تعابير جديدة.
وكان يفتنني أبو تمّام باستعاراته التي بلبلت أذهان النقاد فما كان من عدد كبير منهم الا ان سحبوه من عالم الشعر.
وبعض النقّاد ساديّون!
اليوم وقع تحت نظري اسم جائزة مستوحى من اسم جائزة نوبل.
اسم الجائزة #IgNobel
الطرافة ليست فقط في الاسم وانما في حرف النون الكبير في صلب الكلمة على غرار #eBay التي حطّمت القاعدة الكتابية مرّتين!

عن #القضامة_بالسكر وأشياء أخر

منذ ايام الفينيقيين ولبنان مسكون بالناس. عن الوطن طرس، والأطراس هي الجلود التي كان يكتب عليها ثم تغسل من الحبر وتعاود احتضان كلمات جديدة ونصوص جديدة. هذه الطريقة من الكتابة على الطرس اوحت للناقد الفرنسي الكبير جيرار جينيت Gérard Genette بنظرية ادبية جميلة فصّلها في كتابه البديع #Palimpsestes التي تعني أطراس جمع طرس. الفكرة على صلة، الى حدّ ما، بفكرة التناصّ #Intertextualité التي وضعت اركانها زميلته #جوليا_كريستيفا. ما قرأته عن الطروس ، وجدته ، ذات يوم، في متحف #فكتور\هيجو، في حيّ فوج في باريس. لا زال المتحف يحتفظ بمكتب فكتور هيجو الخشبي الذي كان يكتب عليه قسما من ابداعاته. حين تدنو من المكتب، ترى آثار حروف على المكتب، تماما كما تترك الورقة التي نكتب عليها اثرا على الورقة التي تحتها في الدفتر، وخصوصا اذا كان الذي يكتب يشدّ على القلم. مددت يدي لملامسة صفحة المكتب فشعرت اني الامس كلمات فيكتور هيجو الطازجة وبشرتها قبل ان تتكون ، هل للكلمات بشرة كبشرة الوجه؟ ففوق الكلمة كلمة ، وفوق الكلمة كلمة اخرى، وعلى طول الكتابة حتى صار على ظهر كلّ حرف كل الالفباء الفرنسية. هذه الطبقات هي التي حوّلها جينيت الى نظرية الأطراس في النقد الأدبي اي السعي الى كل النصوص التي ذابت في النص المنقود، والنصّ المنقود ليس نصا مقطوعا من شجرة انه ذوب نصوص مقروءة من قبل من يكتب النصّ. ان نظرية الأطراس اشبه بالتنقيب في اعماق النص لانتشال القابع في باطن النصّ من نصوص أخرى. بين نصوص كثيرة قنوات جوفية قد لا ينتبه لوجودها القارئ، بل قد ينكر وجودها القارئ العجول والكسول.
أعرف ان التعامل مع النصّ اي نصّ لا يشبه تعامل الشفتين الظامئتين مع #البيبسي او الخرنوب وانما تشبه تعامل شفتين يابانيتين مع الشاي بطقوسه الهادئة والخاشعة التي تعرف ان العجلة في قراءة نص من الشيطان. خطرت ببالي هذه الأفكار وأنا أتأمل وأمضغ بعض حبّات ( القضامة بالسكر). الفكرة التي خطرت ببالي من وراء حبة القضامة بالسكر هي التالية: #السياق يلعب بالنصّ ويلعب بالذاكرة ويجعل علاقتي بالنصّ غريبة رغم الفتي الشديدة له، ولكن الفكرة لن تكون واضحة الا حين احكي قصّة حبّة القضامة بالسكّر. والفكرة ليست بنت خيال وانما بنت قراءة ميدانية وأسئلة طرحتها على اناس في مكانين فاختلفت اجابة الناس بحسب المكانين، مكان يجعل الإجابة صعبة وخاطئة ومكان يزيح الصعوبة من امام شفتيّ المسؤول. غيّر مكان المعنى يتغيّر ليس المعنى وانما ذهن من يسمع المعنى. حين افصل حكاية حبة القضامة بالسكر سوف تبدو الأمور شديدة البساطة. حبّة القضامة بالسكر ملبّسة. واللباس يولّد الالتباس، ويولّد سرّاً لا يكشفه الاّ القاضم للحبّة. بعض النصوص تحتاج لقضم، وهل " التذوّق الأدبي" غير مجاز خفيّ لحاسة الذوق التي مقرّها اللسان؟ المشترك بين النص وحبة القضامة بالسكّر أنتجه تذوق القضامة باللسان وتذوق الأدب باللسان المجازيّ.
ولكن ماذا عن حكاية القضامة بالسكر؟ وما علاقتها بالتناص والأطراس؟
لوالدي مطعم للحمّص والفول، ومنذ طفولتي وأنا على علاقة طيبة مع حبتي الحمص والفول، فأغلب أوقات الفراغ، في الصيف وفي الفرص المدرسية كنت أقضيها في المطعم، وأعمل كأي عامل من العمّال الموجودين في المطعم. ومنذ بداية العقد الثاني من عمري بدأت علاقتي الحميمة مع الكتاب، وصارت أوقات فراغي يتوزّعها المطعم والكتاب.
ومن الدمج بين العملين ولدت هذه الخاطرة. وأنا لا أستهين بالأشياء الصغيرة، ربّما يعود ذلك الى مهنة أبي المتعلقة بحبتين صغيرتين من انواع الحبوب، ومن خير هاتين الحبتين أكلت وشربت وتعلمت، وسافرت الى فرنسا لإكمال دراستي في حقلل اللغة والأدب.
وأنا على يقين بأن العلاقة بين المجالين شديدة الحميمية. مؤمن بالعلاقة الحميمة بين الكلام والطعام، ولا أجد كبير فرق بين العالمين، وجزء من اهتمامي هو لملمة خيوط هذه العلاقة.
البعض يستغرب حين أقول له: الأكل مثل الحكي.
يظنّ اني أتفلسف، أو أحكي لمجرّد الحكي، وتعجبني كثيرا ردود فعل عيون الناس، حيث الاستغراب يلعب بحجم الحدقة.
ولكن أبدأ بتعليل هذه العلاقة من الفم.
فلولا الفم لمات الناس من الجوع، ولولا الفم لما نبس الانسان ببنت شفة.
فالفم معبر للطعام الداخل، والكلام الخارج.
ثمّ أقفز إلى مسألة أخرى، وهي السفرة ( السفرة، السفر بمعنى الرحلة والسِّفْر بمعنى الكتاب) العامرة باطايب الطعام تسمّى مأدبة، والكلام بعد ان يطيّب ويبهّر يسمى أدبا.
والأدب والمأدبة من رحم واحد. فكلاهما من جذر " أ.د.ب".
ومن حسن حظّ الإنسان انهما أي الطعام والكلام ليسا على غرار الإخوة الأعداء، فهما ليسا من عشّاق قطع الأرحام.
ولن أزيد أكثر عن العلاقة بينهما، ولكن اللغة العربية واللغات الأخرى لا يبخلون عليّ بالشواهد لترسيخ هذه العلاقة.
وعن وجه الشبه بين الاثنين ، وهو وجه شبه اغلب الاحيان ، محذوف، أو متوارٍ، أبحث، وأنا أقرأ في كتب الطبخ أو كتب النقد على السواء.

المذاق والألوان

يتغيّر إحساسك بمذاق الأشياء تبعا للون الضوء المرافق. فقد أجري بحث حول النبيذ كانت نتيجته ان شاربي #النبيذ تحت الأضواء الحمراء شعروا بزيادة في حلاوة طعمته، وكانت الأجوبة عن مذاقه تتغير بحسب الأضواء! وكنت قد قرأت في كتاب عن الألوان ان كمية الأكل التي يأكلها الإنسان تزيد أو تنقص بحسب لون الصحن!

نحت لغوي بخصوص اللغة الصينية

أحبّ الكلمات الجديدة، الكلمات التي لا أعرفها، ولكن أعرفها بمجرّد قراءتي لها رغم عدم وجودها في معجم. كلمة لم تدخل بعد في المعجم، وقد لا تدخل، ولكنها صارت كلمة موجودة، تعيش في العالم الافتراضي وفي افواه الناس، تطلّ عليك من شرفة غوغل مثلا!
احب المعاجم ولكن اعرف ان المعاجم ليس بوسعها ان تحتضن كل كلمات لغة مهما بلغ الاهتمام اللغوي والشعبي والرسمي، تظلّ كلمات لغوية تعيش حرّة ، طليقة، كعصفور في غابة! لأن اللغة كبطون النساء الحوامل تحمل لنا ولادات جديدة ( في الصين مفردة تتعلمها حديثة اسمها ولادة كلمة، أو كلمة مولودة حديثا، كلمة هي بالنسبة لك رضيع، كلمة رضيع #生词، مفردات جديدة. فالمولود الجديد مولود رضيع.
تفتنني صلة الطفولة بالرضاعة، كما تفتنني صلة كلمة #الفصحى في اللغة العربية بالحليب، وكما تفتنني صلة كلمة " لهجة" العربية أيضا بالحليب!
في أي حال ، عالم اللغة عالم فاتن. وهنا لا احدد اي لغة من اللغات فأنا على يقين بأنّ لكل لغة من لغات الناس فتنتها الخاصة وجماليتها الخاصة. ولست ممن يدّعي ان #اللغة_العربية هي افضل اللغات او اشرفها او اقدسها.
فكون العربية لغة القرآن لا يعطيها ميزة لا تتوفر في كثير غيرها من اللغات، فالعبرية لغة التوراة مثلا، وأنبياء كثر استعملوا العبرية للتعبير عن محمولها المقدّس، وعليه لا فرق من حيث القداسة بين العربية والعبرية على سبيل المثال، فالقرآن كلام الله والانجيل كلام الله والتوراة كلام الله .لا يمكن حبس كلام الله في لغة واحدة. وقرآنيا، في الأقلّ، كل لغة هي آية من آيات ربّ العالمين، واختلاف الألسنة ربطه الله في القرآن وفي الآية المذكورة بخلق السموات والأرض وبألوان الناس من أسمر وأبيض وأشقر وأصفر وأسود. فاتهام لغة من اللغات بالقصور هو عمليا أشبه بالتمييز العنصري بين الأسود والأبيض!
أعود الآن الى كلمة #Chineasy وهي منهاج في تعليم كتابة الرموز ابتكرته التايوانية شاو لان Shao Lan 晓岚 薛// 曉嵐 薛 ، ونشرت فكرتها في كتاب ورسومات كثيرة، الكاتبة تعيش في بريطانيا، واجهتها صعاب في تعليم اولادها الكتابة الصينية، وكان والدها خطاطا، ووالدتها تهتم بالخزف، حاولت الاستفادة من المهارة والجو الذي عاشت فيه في توليد هذه الطريقة او هذا المنهاج في تعلم الكتابة الصينية. وهي طريقة ملونة تعتمد على مدّ المتعلم بمبادىء #اللغة_الصينية والكتابة الصينية القائمة على ابجدية صورية وليس صوتية في تيسير امر تعلم اللغة الصينية، ووفقت في هذا الى حد بعيد.
مهارتها بدت من عنوان طريقتها نفسها، وهي Chineasy والكلمة ليست من المفردات الصينية ولا الانكليزية، كلمة منحوتة من كلمتين ومن الرنة الصوتية للكلمة الجديدة. فاللغة الصينية تلفظ #شاينيز في الانكليزية، من كلمة "شاينيز" ذهبت الى منهجها التعليمي استنادا الى كلمة انكليزية اخرى وهي "easy" اي سهل، والترجمة الحرفية لكلمتها هي " الصينية السهلة"، منهاجها لعبة لغوية، فالكلمة لم تلد او ترد الى خاطرها لولا ولعها بالطريف.
اذا تأملنا كلمتها فهي مؤلفة من شطرين : chine+easy . الشطر الأول ليس من الصين ولا من الصينية، فالتركيبة فرنسية فالصين " china" واللغة الصينية Chinese.
وعليه يمكن القول ايضا ان الكلمة نصفها فرنسي ونصفها الآخر انكليزي ، بينما هي تحكي عن لغة لا هي فرنسية ولا هي انكليزية.
احب الاشارة دائما الى تلك الكلمات الهجينة، وفي العربية بعض منها، مثل كلمة "قهوجي"، أو "عربجي"، او" بلطجي"، فـ" جي" جاءت من التركية واستوطنت في عدد من الكلمات العربية، من غير ان تشعر العربية بإحراج !

الجمعة، 22 سبتمبر 2017

الدين والعقل من محاضرة للأستاذ إلياس عشّي

سمعت من الصديق الياس عشّي أثناء الندوة حول كتابه الصادر حديثا: " السيرة الذاتية لعصفور أضاع طريقه إلى الشام " هذه الحكاية، ولا أنقلها بحرفيتها، وإنما من الذاكرة، والذاكرة أحيانا تغيّب بعض التفاصيل، وتفلت منها بعض الكلمات!
تقول الحكاية:
حين خلق الله آدم أرسل له مع جبريل هديتين ليختار واحدة منهما، ويعيد إلى ربّ العالمين سبحانه الهدية غير المختارة، والهديتان هما : العقل والدين.
أوصل جبريل الرسالة / الهدية إلى آدم كما استلمها. فجبريل أمين في حمل الرسالات.
صمت آدم هنيهة ثم قال لجبريل: لقد اخترت الدين.
فقدّم جبريل الهدية الدينية لآدم ثم طلب من العقل أن يعودا إلى السماء.
هنا، اعترض العقل، وقال لجبريل: أرجو منك المعذرة، لا استطيع الاستجابة لطلبك، ولن أعود معك، فقلبي لا يطاوعني أن أترك الدين بلا عقل!
انتهت الحكاية، وأرجو أن لا أكون أسأت فهمها.
وشكرا للصديق إلياس عشّي.

المرتضى بالله يتوارى خلف ابن المعتزّ


#المرتضى_بالله هو خليفة من خلفاء العباسيين. لم يأته من الخلافة إلا الهمّ والغمّ والسجن. نادرا ما عرفه أحد بهذا الاسم . غلب عليه اسم آخر هو " #ابن_المعتزّ". ويعتبر هذا الخليفة الشاعر من أشهر الشعراء العرب. 
وتأثّر بشعره عدد كبير من الشعراء العرب. وكان من أوائل من ألّف في علوم #البلاغة.

تكفير ابن جرير الطبري

يبدو أنّ التكفير سنّة متّبعة منذ عهد بعيد. كنت ذات يوم أقمّش معلومات عن #أبي_حنيفة_النعمان لكتابة مقال عنه فاستغربت أنّ عددا من العلماء " الأجلاّء" رموه بالكفر، واليوم كنت أقرأ عن المؤرّخ الكبير #ابن_جرير الطبريّ فوجدت ان بعض الحنابلة قاموا بتكفيره وحاولوا منع دفنه في مقابر المسلمين في بغداد.

أخطاء كونفوشيوس

أجمل ما في #كونفوشيوس #رضوان_الله_عليه أنّه لا يخجل من الاعتراف بجهله!

الحلم الصيني


#الحلم_الأميركي تعبير شائع، منذ أن صارت الولايات المتحدة مهوى الأفئدة. ولكن كلامي ليس عن هذا الحلم- وهو حلم حتّى لدى بعض من يراها كابوسا!- وإنّما عن هذا التعبير نفسه الذي اقتبسته #الصين، فشاع في صيغة #الحلم_الصيني.
والحلم الصيني يشبه #الحرف_اللاتيني الذي تستخدمه الصين كمطيّة للوصول إلى الرمز الصيني أي " الخَنْزَةِ".
والخنزة هي الكلمة التي يستخدمها البعض للدلالة على " #الرموز_الصينية" المكتوبة ، وكلمة " #خنزة" محاولة تعريب صوتي للرمزين( #汉字 hànzì ) اللذين يعنيان " كتابة أهل الهان/ الخان".

قوة لبنان في مطبخه!



مآكل حمص وفول من تحضيري ( مطعم الدنون)

#لبنان بلد ضعيف، ومن ينكر ضعفه يشبه من يقود سيارته عكس السير ، وهو يعتقد أن الذين يقودون سياراتهم في الاتجاه المغاير لسيارته يقودون عكس السير!
ولكن الضعف ليس ضعفاً!
وفي الضعف قوّة، ومن قال إنّ لبنان قوّته في ضعفه لم يكن بعيدا كثيرا عن الصواب! ولكن نعرف أنّ من خبث التعابير أنّها " حمّالة أوجه"، و " حمّال الأوجه" كمن يستعمل الأقنعة!
فالضعف القويّ أنواع!
ولكن هنا سأحكي عن نوع واحد من قوّة لبنان الضعيف.
وهذا النوع يمكن أن يندرج تحت ما يسمى بالقوة الناعمة!
وهذا النوع هو نقطة قويّة وشهيّة ودسمة!
إنّها " #المطبخ_اللبناني".
ولعلّ قوّة #المطبخ_اللبناني هي ، من وجه، تشبه أحد أسباب قوّة الولايات المتحدة الأميركية، وأقصد بذلك " #الهجنة"، فالمطعم اللبنانيّ قيمته يستمدّها من أنّه ليس مطبخا لبنانيا. ويمكن لمن يحبّ أن يختلف معي، وينسف كلامي من أوّل لقمة إلى آخر لقمة في المطبخ اللبناني!
قلت : إنّه #مطعم هجين وهذه نقطة قوّته، انظر إلى المعجم المطبخيّ وأسماء #المآكل فتعرف أنّه " مطبخ ( جَلَبْ )".عندك " #الشيش_برك" ولا أظنّ أحدا سينطّ ويقول لي انها كلمة " فينيقية"، أو " سريانية" أو " عربية"، وإن نطّ فأهلا ب " نطّاته"، - لست على خلاف مع من يؤمن بالعنزة الطائرة في بلدٍ يتمنّى الإنسان أن يكون له " #مرقد_عنزة" فيه! أرحّب به وبعنزته الطائرة!
وما تقوله عن " الشيشبرك" يمكن أن تقوله عن " #البرغل"، و " #الكبّة"، و " #الفلافل"، " المغربية"، و"#الشاورما" وغيرها من المآكل، ويكفي الوقوف عند إحدى مفاخر المطبخ اللبنانيّ وهي " المازة"، التي تعترف بعظمة لسانها أنّها كلمة " دخيلة" على #اللهجة_اللبنانية أو اللغة العربية بنكهتها اللبنانية! فمو يجرؤ على الادعاء انها كلمة عربية بشحمها ولحمها؟
ولكن ميزة لبنان انه كان كأميركا، فبدلا من أن يكون مصهرا للأعراق كان مصهرا للأذواق. وإن كان ، في مكان ما، مصهرا للأعراق ، فمن أصله خليط من تركي وعربي، ومن خليط أصله كوكتيل كما كان حال أمير الشعراء #أحمد_شوقي، وليس عيباً أن تكون " كوكتيلا من الأعراق"، بل ربّما العيب أن لا يكون في عروقه إلا دم من جنس واحد! وهذا نادر الحدوث في بلد هو معبر لكل أقوياء العالم من أيّام #الفراعنة والإسكندر والامبراطورية #الساسانية والامبراطورية #الرومانية وصولا إلى #الفرنسية والإنكليزية وصولا إلى " #اليونيفيل"!
من هذه الهجنة ولدت " قوّة المطبخ اللبناني"، قوته بنت قدرته في " #لبننة" المآكل التي حملها معهم "الفاتحون"، بإضافة مكوّن جديد على " أكلة" تركية، أو حذف مكون من " أكلة " #فلسطينية، أو " تنكيه" مذاق أكلة مسيحية لتلائم المذاق #المسلم، أو تنكيه أكلة إسلامية لتلائم المذاق #المسيحيّ. وأدّى هذا التفاعل بين المذاقات إلى توليد مذاق هو مذاق المطبخ اللبناني.
واللبنانيّ لظروف متعددة- ولا تخلو دراسة الاسباب من طرافة ووجاهة- صار " ذِوِّيقاً" في المأكل و " الملبس" وهذا ما تشهد عليه دور الأزياء من خلال #إيلي_صعب وأمثاله من رجالات الموضة في عالم #الأزياء.
وهذه " الذواقة" انتجت المطبخ اللبنانيّ الذي صار مطبخاً عالميّاً ، وما يؤكّد ذلك انتشار المطاعم اللبنانية في أنحاء المعمورة.
المطعم اللبناني في العالم رسول سلام يروي الغليل، وترحب به المعدة، ولكنه أيضا قوة مغذّية ناعمة تفتح الشهيّة.
وأنهي بسؤال: ما هو المبلغ الذي تدرّه المآكل اللبنانية في العالم، وما هو دخل لبنان المباشر وغير المباشر من المطبخ اللبناني خارج لبنان؟
المطبخ اللبناني قوة اقتصادية ولكن ايضا قوة سياحية ، ويحقّ للبنان أن يرفع عاليا رأسه بتبولته وكبّته ومازته ومنها بالتأكيد " حمّصه" مع ما يحمله من صراع مع #إسرائيل !
نعم، #الحمّص ساحة حرب قانونية مع مغتصبة الأرض والمذاقات!
ومأكول العافية للجميع!

معجم الأمثال الصينية شاكر اللعيبي


الإنسان لا يعرف، ولا يمكنه أن يعرف حتّى ولو امتلك قدرات #ميشال_حايك ماذا يخبّئه له الغد من مسرّات أو مضرّات. كما إنّه لا يمكنه أن ما هي الكتب التي سيقرأها، مهما برمج خارطة طريق المقروء.
لا يعلم ما في أرحام الأيّام إلاّ الله!
ولا تدري عين على أي كتاب تقع!
وأستوحي نظرتي من تعبير اقتصادي يقوم على عنصر المباغتة، وغالبا ما نستعمل شطره فقط دون النظر إلى شطره الثاني، فهو اي التعبير كالورقة الواحدة التي لها صفحتان أو وجهان، او #الوجه_والقفا. نحن نتعامل مع قفا التعبير أغلب الأحيان ونغضّ الطرف عن وجهه. والتعبير هو" مصاريف غير منظورة"، ننظر الى اللامنظور من المصاريف، ولكن نادرا ما نلتفت إلى اللامنظور من المداخيل. والمداخيل غير المنظورة هي الوجه، والمصاريف هي القفا. ربما نلتفت الى السلبي ، ونطعج الإيجابيّ جانبا لطبيعة انسانية سمتها الخوف والحذر، ويقال إن هذا الإحساس يعود إلى بداية حياة الإنسان حين كان يعيش في الكهوف ويخاف من الحيوانات الغدّارة والأعاصير التي لا يعرف لها أي تفسير، أي شعور ورثه من أجداده الأقدمين وهو شعور موجود في الطبقة الاولى من طبقات الدماغ الثلاث، اي #الدماغ_الزاحف، البيولوجي، الغريزي !
وأفرح جدّاً بمدخولي الثقافي غير المنظور، هو الذي يأتيني على حين غفلة ، ولا أكون عاملا له أيّ حساب، وجزء كبير مما أعرف هو ابن " مدخولي الثقافي غير المنظور" كما حصل معي اليوم، مع الكتاب الملحق بمجلة #الفيصل، والكتاب الهدية الذي ترفقه بعض المجلات العربية مع عدد المجلة سنّة جميلة، ولكن لا أعرف أي مجلة غارت من أي مجلة، وهي هنا غيرة مستحبّة أو عدوى غير مؤذية، فمجلة #الدوحة تقدّم لك مع كل عدد هدية هي كتاب جيّد وقيم وأنيق. وهكذا مجلة الفيصل وهناك مجلات أخرى تسلك الدرب الجميل نفسه.
مع عدد الفيصل الجديد كان ينتظرني كتاب جميل، ( جميل لأني اهتم بموضوعه، وقد يراه غيري بعين الاستخفاف!). والكتاب عن #الامثال_الصينية مع مقاربة عربية، للكاتب #شاكر_لعيبي ( وهو أديب وشاعر وناقد مرموق) والكتاب يعتمد في مجمله على كتب فرنسية، كما ورد في مراجع الكتاب، ولا أظنّ ان الكاتب على صلة مع اللغة الصينية، ولكن هذا لا يقلص من قيمة الكتاب.
هذا المنشور عربون فرح بالكتاب غير المنظور، وهو بعنوان #معجم_الأمثال_الصينية مع عنوان فرعي: مقاربة عربية للشعريات الصينية، والكتاب عبارة عن دراسة في حدود ٤٠ صفحة متبوعة بالمعجم المثليّ..
كنت أتمنى لو أن امثاله المترجمة مرفقة بأصلها الصيني فيكون مفيدا لدارسي اللغة الصينية في العالم العربي وهم آخذون - ولله الحمد- في الازدياد!

مولانا جلال الدين الرومي على قمصان الأميركان


هل كان يخطر ببال مولانا #جلال_الدين_الرومي ( كانت تخطر بباله الصوفي المجنّح أشياء كثيره!) أنّه سيأتي يوم ويصير فيه ظاهرة أميركية، وتكتب كلماته في زيّها الإنكليزيّ على التيشرتات والقمصان ، وتكون كلماته موضة أجنبية للشباب والشابات الغربيات؟
وتكون صورته ورقصته الصوفية ( #الفتلة_المولوية) ظاهرة غربية؟


هل من شبه بين ولع الناس بجلال الدين الرومي على غرار الولع الغربي ، اليوم، بالبوذية واليوغا ؟
وهل سنقوم - كالعادة- بتقليد الغرب فنرتدي الكلمات الشرقية المغتربة؟
ليس من عبث الأقدار أن تكون أميركا رافعة لصاحب #المثنويّ المدهش.
جولة في #عالم_الموضة الصوفيّة.
حين ينظر المرء إلى #التيشرت #Tshirt نظرته إلى ورقة للكتابة أو دفتر للرسم لا تعود التيشرت تيشرتاً!


ملحوظة: التكية المولوية في #طرابلس مأخوذة من اسمه ( #مولانا) جلال الدين الرومي.

التقدير النحوي


مصطلح #التقدير في #النحو_العربي بلوى مصبّرة!
مع #تقديري الكامل لمؤيّدي #التقدير النحويّ.

عيد ميلاد الامبراطور الصيني

في عصر سلالة تانغ (٦١٨- ٩٠٧) كان الاحتفال بعيد ميلاد الامبراطور لا يخلو من طرافة. 
كان يجمع رؤساء المدارس الدينية للمناظرة .
كان تلاقح الأفكار على مرأى من عينيه أجمل هدية يحصل عليها في عيد ميلاده.

أبو علي الفارسي

‫#‏أبو_علي_الفارسي‬ ( زعيم المدرسة القياسية في القرن الرابع من الهجرة) نحوي من كبار النحاة العرب، وهو أستاذ اللغويّ القدير ‫#‏ابن_جنّي‬. ما لفت نظري أنه وفي احتدام الصراع العراقيّ الإيراني في حرب ‫#‏الخليج‬ الأولى صدرت عدّة كتب في العراق عن هذا النحويّ ولكن بعد تعديل في اسمه ، فصار ‫#‏أبو_علي_البغدادي‬. لأوّل وهلة ظننت أن الكلام حول نحويّ آخر. ما أودّ قوله هو انه لا يجوز أن تقوم الايديولوجيات بتحوير الوقائع أو اللعب بالأشياء والأسماء. ولكن هل بمقدور الايديولوجيّات أن تتمتّع بالموضوعية؟

عن اللغة الأم

مع ليانا حفيدة أختي


 أشياء كثيرة بسيطة لا نستوعبها، ولا نستوعب مفعولها. منها مثلا: ‫#‏طالبة‬ في الرابعة من العمر، وهي قريبة لي. كنت أقرأ في كتاب، فأحبّت أن تظهر لي براعتها اللغوية، فأحضرت قلما وكتبت لي اسمها بالفرنسيّة، فقلت لها: والان اكتبيه بالعربيّ، فردّت علي: ما بعرف.فاستغربت، وقررت ان اعلمها كتابة اسمها بالعربيّ، وصرت أفكفك لها الحروف، وقلت على سبيل اللعب، استخرج اسمها العربيّ من الحروف الفرنسية ما دامت تعرفها، وبقيت معها ، أدربّها على كتابة اسمها بالحرف العربيّ. وهكذا جعلت من حرف E بعد أن قلبته على ظهره يشبه المقطع الأوّل من اسمها، وهو ليا بعد مطّ طرفي ال E، ووضعت تحت حرف الE النائم على ظهره نقطتي ماء. وقلت لها: الحرف بعد ان انقلب عطش، فشربته نقطتي ماء! وهكذا. لا اتخيل طفلا عربيا في مدرسة في الوطن العربي يعرف ان يكتب اسمه بالفرنسية او الانكليزية ولا يعرف ان يكتبه بالعربي. لا ننتبه الى هذه الأمور البسيطة التي نرتكبها ليس بحقّ لغتنا فقط، وانما أيضا بحقّ أفكارنا ، وأدمغتنا. ولا ننتبه الى الأعطاب الروحية والنفسية، ولا نأخذ خطورة الأمر على محمل الجدّ. الا تشبه علاقتنا بلغتنا ولغات الاخرين علاقتنا مع الاشياء المستوردة التي لا نحسن استخدام وظائفها؟ الخلاص البشريّ هو خلاص لغويّ. حين تكون علاقة الانسان مع لغته مزعزعة، متوترة، مكسورة، معطوبة تعطبه وهو لا يدري. ‫#‏اللغة‬ الاجنبية ضرورة، بل اراها اليوم فرض عين، ولكن ليس على حساب اللغة الأمّ. حتّى يوم كنت في فرنسا، وكنت أحضر محاضرات نخبة من المستعربين من أمثال اندري ميكيل، كانت محاضراته تحليل نصوص شعرية لشعراء عرب قدامى من امثال ابي العتاهية وابي نواس، كان يحلل النصّ بلغته الام، بالفرنسية، ولم يكن يحلله بالعربية. تخيّل مثلا في ‫#‏الجامعة‬ اللبنانية استاذ ادب فرنسي يحلل قصيدة لفكتور هيجو مثلا بالعربية، ويتكلم على جماليات هذا الفعل وهذا التركيب بالعربية، سيقولون عنه : مهرطق لغوي. هل كان اندريه ميكيل مهرطقا؟ لا قيمة لمن لا قيمة للغته في نظره. ومن اسباب افتقادنا للقيمة ، اليوم، هو هذه النظرة الدونية للغتنا، وتاريخنا، وحضارتنا. هل ‫#‏التطرّف‬ الا عدم فهم للغة؟ هل هذه الهستيريا الدينية غير صورة للهستيريا اللغوية. اللغة، ولا شيء غير اللغة، منصة اقلاع الى العالم الأرحب. ومن ضيق الأفق ، ايضا، الاكتفاء باللغة الأم. علينا أن نحبّ ، كرمى لعيني العربية، لغات الآخرين. الانغلاق على #اللغة الأمّ خانق للغة الأم. ومن يحبّ العربية حقّا عليه أن يحبّ لغة ثانية وثالثة على ضفاف محبته الأمّ وليس على حساب لغته الأمّ.

محمد الشامي عن لعنة بابل

مساء  الخير دكتور، اعترف بأني لم اقرأ كتاب لعنة بابل حتى الاَن وبصراحة لأن موضوع اللغة و تركيبتها " ايّ لغة كانت ليس اللغة العربية فقط" ليس من المواضيع التي تستهويني قراءتها واشعر بأنها معقّدة الى حدٍ ما و اشعر بأنها مجرّد احرف تشكل كلماتنا المحكية المعروفة نستعين بها فقط لنحفظ نسخ من ما نقول و للتسجيل و و لأيصال اي عمل ما بطريقة واضحة للجميع لذا كنت افكر دائماً انه من الافضل تقبلها كما هي و بدون وجع راس انو خلص هي هييّ اللغة موجودة كما هي و بكل صراحة وبدون ايّ مجاملة اندفاعك و شغفك لهذه اللغة الذي رأيته بك - منذ تعرّفت عليك شخصيا من فترة حوالي الشهرين في جلسة مع الصديق مصطفى العويك في مقهى صَح صِح توب في شارع عزمي - بدء فعلاً يغير لي نظرتي للغة بشكل عام و اللغة العربية بشكلٍ خاص وصولاً الى ان ارى كاتباً يهدي و اشدد على كلمة يهدي ( ايّ يقدم مجاناً دون اي مقابل ) كتاباً هو ثمرة افكاره و ثقافته و تحليله وعلمه وعمله الدؤوب عن اللغة العربية في اليوم العالمي للغة العربية ضارباً بعرض الحائط جميع اسس المردود المادي مؤكداً على انّ الاهمية الكبرى دائماً هي ان تصل الفكرة للجميع.)
( بالعادة هناك مثل اجنبي يقول " ان كنت موهوباً في عمل ما تعلّم الا تقدمه مجاناً " انت كسرت هذا المثل كما كسرت لا مبالاتي تجاه اللغة بشكل عام و اللغة العربية بشكل خاص ) لذى دكتور هديتك هذه ليست مجرّد هدية لأصدقائك في اليوم العالمي للغة العربية، بلّ انها هدية تكريميّه للغة العربي في يومها العالمي . فعلاً لقد صدمني هكذا قرار وهكذا هدية !!! و الاَن اعِدك فعلاً بأني سأقرأ بتمعن كتاب لعنة بابل و تحديداً سأبدأ بقراءته في اليوم الاول من عطلة الميلاد و رأس السنة.
بوركت دكتور بارك الله بك انت فعلاً مفخرة للغة العربية وادامك الله بهذه الروح المعطاءة و هذا الشغف .

النحت اللغويّ في اللغة العربية كنز مهمل

نحت الكلام

النحت اللغويّ مخزونٌ استراتيجيّ للغة العربيّة، وهو مخزون بخلاف النفط لا يمكن  نضوبه. ورد في كتاب " المزهر" للإمام جلال الدين السيوطيّ - وهو كتاب شديد الغنى في المجال اللغويّ- بعض النقاط حول " النحت " اللغويّ، ولا يخلو، فيما يبدو، النحت اللغويّ من قرابة خشبية مع النحت الفنّيّ!. فلقد ورد أنّ المصطلح هو ابن النجارة، بشكل من الأشكال، إذ يقول السيوطيّ عن الكلمة التي ولدت من جذرين لغويين:" يسمّى في كلام العرب المنحوت، ومعناه أنّ الكلمةَ منحوتَةٌ من كلمتين كما ينحت النجّار خشبتين ويجعلهما واحدة". وتستعين العربيّة، بين وقت ووقت، بالنحت لتوليد كلمات، ومن الكلمات الحديثة جدّاً هاتين الكلمتين اللتين تعنيان معنى واحداً وهما: لغة "الأرابيش" و" العربيزيّ". لا يبدو، من حيث الظاهر والمسموع أنّ هناك علاقة دلالية حميمة بينهما بخلاف الواقع اللغويّ. والكلمتان تشيران إلى ما يعرف أيضاً بـ"لغة النتّ" أي كتابة اللغة العربية على مواقع التواصل بالحرف اللاتينيّ بدلاً من الحرف العربيّ مِن قبل بعض مَن لا يقيم لحرمة اللغة وزناً أو اعتباراً، أو لا يعي ماذا تفعل أصابعه الآبقة، وهي علّة من جملة العلل التي نعاني منها في عالمنا العربيّ المأزوم والمتخبّط في الحيرة. والفرق بين المفردتين هو أنّ الأولى منحوتة من كلمتين انكليزيتين، في حين أنّ الثانية منحوتة من كلمتين عربيّة ومعرّبة: عربيّ و(إنكليـ)زيّ.
والنحت اللغويّ قرش أبيض، ومجال حيويّ لتوليد كلمات جديدة في عدّة لغات كالفرنسية والانكليزيّة والصينية، والصينية ذات قدرة نحتية رهيبة غير محدودة. بينما نجد أنّ لجوء العربيّة إلى النحت قليل. فهي، بحسب علماء اللغة، ذات طبيعة اشتقاقيّة بينما الفرنسيّة مثلاً ذات طبيعة نحتيّة.
كنت أقرأ مقالاً عن الطاقات الاقتصاديّة الرقميّة فوقعت تحت نظري كلمة فرنسيّة طريفة هي ثمرة من ثمرات عصر الإنترنت mobinaute، وعصر الهاتف الذكيّ. فـ"موبينوت" هي كلمة أخذت وجودها من كلمتين كما يأخذ الإنسان وجوده البيولوجيّ من والدين إلاّ إذا ادّعى أنّه آدم أو حوّاء!.  فالكلمة منحوتة من  mobile  ومن internaute. وكلمات كثيرة تضحّي ببعض حروفها، وتتنازل عن بعض كيانها لتعيش حياة جديدة، وفي هذا الزمن المعولم تكثر الهجنة اللفظيّة، والهجنة ليست عيباً، كأن تأخذ مقطعاً من لغة ما، ومقطعاً من لغة ثانية لتوليد كلمة جديدة، كما كلمة " nétiquette  " التي ولدت من تزاوج اللغة الفرنسيّة واللغة الإنكليزية، لتعني " آداب السلوك على الإنترنت أو النت"، وقد يظنّ القارىء أنّ اللغة الفرنسيّة أخذت حرفاً واحداً من الإنكليزية هو حرف "N"، ولكنها، فعلياً، أخذت ال " net" ، ولو لم يكن النت موجوداً لما خطر ببال الفرنسيّة أن تنجب هذه الكلمة، أو لكان لها حياة دلاليّة مختلفة. والعربية ليست غريبة عن هذا التهجين اللغويّ الولود الذي أحبّ تسمية المفردات المنسوجة على منواله بـ"المفردات الخُلاسيّة". وبقيت عندنا مفردات خلاسيّة عديدة من الزمن التركيّ لا تزال حيّة ترزق على الأفواه، ومنها: " مصلحجي"، ومنها من يعيش حياة شرعيّة في دوائر النفوس والأحوال الشخصيّة حيث يستحيل إلغاؤها لأنّ ذلك يسبّب خلخلة لشجرات أنساب كثيرة مثل عائلة قائد الجيش اللبنانيّ الحالي" قهوجيّ" المنحوتة من القهوة العربيّة ومن اللاحقة التركيّة " جي". ولا تزال الألسنة تزوّدنا بمفردات جديدة تستعين بـهذه الـ"جي" التركيذة، كما في كلمة " قومجيّ" التي تختلف دلالتها عن "قوميّ"، حيث تمنح الـ"جي" في " قومجيّ" دلالات تظلّلها السلبيّة وعلامات الاستفهام والاستهجان. 
في العربية يندر النحت بسبب طبيعة اللغة الاشتقاقية، ولكن من يمكنه أن يغلق الباب أمام طاقات النحت الكامنة في تضاعيف الحروف؟ بل يمكنني القول إنّ اللغة العربية ذات طبيعة نحتية أيضاً ولكن قلّما انتبهنا إلى ذلك.
الجذر الغالب للكلمات العربية هو الجذر الثلاثيّ. هذا صحيح غير أنّ الجذر الرباعيّ موجود ويطلّ برأسه كثيراً في مناسبات عديدة، ولكن عصا الفصحى بالمرصاد للجذور الرباعيّة الجديدة، إذ تغلق أمامها أبواب المعاجم وأبواب الكتابة الفصيحة. وتدهشني الفصحى في مقدرتها على توليد دلالات فائقة الروعة في الاستخدامات الرباعيّة .ما معنى أن يتحالف الجذر الرباعيّ مع  " النحت"؟ ما معنى أن نستعين بالجذور الثلاثية لدعم وتخصيب الجذور الرباعيّة؟ هذا يعني بكلّ بساطة امتصاص كلّ الكلمات الغربية الوافدة بعدّتها وعديدها وجديدها، ثمّ تدجينها وإلباسها الزيّ العربيّ. وفي العربيّة قاعدة ولود تقول: "ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب"، وهي قاعدة سموح، لا تؤمن بالعنصريّة، ولا تمارسها، قاعدة  لغويّة صدرها رحب. وهناك نظريّة لغويّة أيضاً تقول: " إنّ كلّ جذر رباعيّ إنّما هو ابن جذرين ثُلاثيّين". ولقد ورد نصّ في " مزهر" السيوطيّ عن توليد كلمات لا تخطر ببال، وهي منقولة عن كتاب" المستوفي" لابن الفرحان، تقول العبارة: " ينسب إلى الشافعيّ مع أبي حنيفة شفعنتيّ، وإلى أبي حنيفة مع المعتزلة حنفلتيّ". طبعاً، لا أظنّ أحداً سمع بـ"شفعنتيّ " أو " حنفلتيّ " إلاّ إذا كان متخصّصاً ومتمكّناً من فقه الشافعيّ، أو أبي حنيفة، أو ابن حنبل، وقلب مذهب الاعتزال الكلاميّ ظهراً لبطن.
ويمكن الاستفادة أيضاً من أفواه الناس العاديّين الذين يطاوعهم اللسان ويسلس لهم القياد في تدجين الكلمات الجديدة، وترويض الأصوات الوافدة والتراكيب الشَّموس. وكم أحبّ الإنصات إلى الناس العاديين شبه الأميين، وهم يتلفّظون بالكلمات الأجنبيّة. وأعتقد أنّه يمكن الاستفادة من فطرتهم اللغويّة الساذجة والحصيفة في إيجاد الشكل المناسب للكلمات الأجنبية الرجراجة كالزئبق.
الإنسان الأمّيّ، في بلادنا، يتعرّض سمعه يومياً لأصوات غريبة عليه تأتيه من لغات غربيّة وشرقيّة ( صين، يابان، كوريا)، ولكنه يأخذها ويعيد صياغتها بحسب ما يملكه من رصيد لغويّ. وأحياناً كثيرة  أندهش لمقدرته اللغوية في التقاط المعادل الصوتيّ العربيّ الطريف واللطيف والجديد للوافد من الأصوات الأجنبيّة.
وعلى اللغويّين أن يستعينوا بأفواه العامّة من الناس، فأفواه الناس معاجم حيّة، وحيويّة، وبراغماتيّة، وبارعة في التعامل الذكيّ مع الجذر الرباعيّ أكثر بكثير من رجالات أهل الفصاحة "المُتَفَيْهِقين" الذين لا يحبّون فتح شبابيك اللغة خوفاً على جسدها البضّ والغضّ من أن تصيبه "صفعة هواء"  بارد فتصاب من فرط حبّهم لها بالتكلّس اللغويّ !
بلال عبد الهادي