الخميس، 27 فبراير 2014

الحوريّات لا يقبلن بالسيّارات المسروقة


 

1.               صديقي عمّار حدّاد صيّاد أمثال وأقوال، ومن الأمثال التي لقطها من الأفواه مثل ذو علاقة بفنّ التسويق والعمل من بائع موز على عربة، وهذا يعني ان فم بائع العربة كنز في الماركيتينغ.
والمثل: بيع منشان اسمك ما يضيع.
وتعزّز المثل بآخر، ورد على لسان أبي عمّار، وهو:
شيل قبل ما يْشيلوك.
ثمّ أردفه بمثل ثالث:
قَلِّب ( أو قْلاب) قبل ما تنقِلِبْ.
وأضيف : حسب السوق بنسوق.
بمعنى ان التجارة تتطلّب الليونة، وجء من الليونة الابتسام، وعليه اختم بقول للحكيم الصيني يقول فيه: اذا كنت لا تعرف أن تضحك لا تفتح دكّانا‍!
الأمثلة تشبه"
ADN/DNA" الحضارات والشعوب، أو هكذا اتعامل معها.

2.               المواضيع التي لم يُكتب عنها أكثر بملايين المرات من المواضيع التي كتب عنها.

3.               ليس هناك أمتع من التجوال في عوالم الديانات والتقاط الجواهر التي تختزنها.
أذكر اني حين قرأت كتاب " حدائق النور" لأمين معلوف في نسخته الفرنسية وهو سيرة غيرية لماني شعرت انه ذو شخصية مليئة بالنبل.
وكانت كتب الملل والنحل من أوائل الكتب التي دخلت مكتبتي.
وقلت بيني وبين نفسي: يا بلال، تعلّم من النحلة فنّ الانتقاء، انتقباء الرحيق الدينيّ.
وأذكر عبارة صوفيّ عربي يقول: الطرائق الى الخالق بعدد أنفاس الخلائق.

4.               كلّ الأديات تحترم، كلّ الأديان مليئة بالقيم الروحية الراقية، من الديانة البوذية الى الشنتوية الى الطاوية إلى .....

5.               نسمة تعني في التعداد شخص. نقول مثلا عدد سكان لبنان ٤ ملايين نسمة.
للنسمة صلة بالريح، وللريح صلة بالروح والنفس، والانسان يتنفس من فمه وأنفه.
في #الصين لا يقولون نسمة وانما يقولون " فم"!
مثلا الصينيون مليار و٣٠٠ مليون فم!
يقال ان اختيارهم لكلمة فم هو همّ اطعام الأفواه
افواه بالملايين منذ القدم حيث الطعام لم يكن ، بسبب المجاعات، في متناول كلّ فم.

6.               هناك من يظن ان البونزاي 盆景bonzaï مولود ياباني، ولكنه في الأصل صيني في عصر سلالة تانغ ً
وهي تعني مشهد في أصيص زهر

7.               #盘古
بان كو شخصية ميتولوجية في التراث #الصيني وهي التي فصلت الأرض عن السماء، واستغرقت عملية الفصل او الفتق زهاء ١٨ الف سنة.

8.               الطريف من التحريف:
بعض الناس يخلطون بين الأحرف المرققة والأحرف المفخمة، فلا يميزون في الكتابة او الكلام بين الطاء والتاء مثلا.
وردت في مسابقة لأحد الطلاب في صف الريفيه عبارة ، ومفاد العبارة انه لا يحب ان يستيقظ باكرا.
وردت العبارة على الشكل التالي:
أنا لا أحبّ النهود باكرا، وهو يقصد طبعا النهوض من الفراش لا شيء آخر.

9.              
هذه الكلمة الصينية مؤلفة من مفتاحين: الفم
، ومن العدد عشرة .
وتلفظ كو، وتعني ما هو قديم.
ما السبب الذي دعا الصينيين الى اختيار هذا التركيب الطريف لتوليد معنى القدم.
القديم في العربية ابن القَدَم!
تولد المعنى في الصينية لأن عشرة افواه توارثت نقل خبر ما اي عشرة اجيال.
الانتفال من فم الى فم انتقال ايضا في الزمان.

10.          ما يعجبني في الكتب الصينية هو ان الناشر يضع تفاصيل الكتاب التي تضعها عادة دور النشر مع اضافة شيء لا يخطر ببال الناشرين العرب والأجانب هو عدد كلمات الكتاب.
وهكذا لا تغرّك الصفحات البيضاء.

11.          ما تعرفه تجهله، فما بالك بما لا تعرفه؟

12.          كان الحريري يصنع مقاماته كما تصنع الأنامل الفارسية السجادة العجميّة.

13.          شلّت يمين من قال إنّ مهر الحوريّة أشلاء؟

14.          الآدميّ الأصيل هو الذي يعرف متى يكون " أزعر".

15.          في بلادنا فلتان أمنيّ وفلتان إيمانيٌ.

16.           يمكن بكرا يعملوا موضة بنطلون نصّو شورت ونصّو طويل.
هيدا اذا كان ما عملوها اسّا!
خيال الموضة ما إلو حدود.
الفكرة من رأس وحدي، شقفة من شعر راسا محلوق ع الزيرو، وشقفة الشعر فيها طويل.
يعني من شعرا فيّين يستوحو بنطلون.

 

الأربعاء، 26 فبراير 2014

صيد الخاطر


1.   نعيش في حالّة تسيّب روحي، وديني، وفكريّ.
تسيّب ايديولوجي استباح كل الحرمات.

2.   ليس من المستغرب أن تقرأ العبارة التالية في مسابقة ذات صلة بالعصر العبّاسي:

ارهقت الدولة العباسية المواطنين بفواتير الماء والكهرباء والهاتف.

طبعا، ليس في العبارة اي خطأ لغويّ، ولكن البلبلة الزمنية فاقعة.
طرائف الامتحانات على غرابتها متعة لعين من يصحح!

3.   كلّ مبالغةٍ لغوٌ.

4.   الخطأ الشائع نبوءة لغويّة.

5.   القدر مسوّدة. تبييضها يقع على صاحبها.

6.   استعانت نقطة ماء بالشمس لتحقيق طموحها. والطموح ليس حكرا على البشر!كانت ترى الغيوم تعبر السماء، فاستحلت ان تلتحق بركب السحب. ولكن مع الوقت حنّت الى صديقاتها في النهر، فإذ بالغيمة تتأثر من هذا الشوق وتنهمر بالبكاء.
كان بكاء الغيمة فرحة نقطة الماء التي راحت تخبر صديقاتها عن مغامراتها الجوية.

7.   ليس هناك دين تختلف وظيفته عن وظيفة دين آخر.
الانسان لا يحبّ أن يموت، لا تزال تفاحة آدم حسرة في حلقه!
الانسان يحلم بالخلود، والمقبرة تهزأ من حلمه.
كيف أخرج من المقبرة؟
وظيفة الدين ان تقول لك كيف تخرج من المقبرة.
كيفية الخروج تختلف من دين الى آخر.
والأديان التي لم تحسن الاجابة عن هذا الجواب كانت قصيرة العمر.
هنا اشير الى عنوان كتاب للغزالي : الدرّة الفاخرة في علوم الآخرة.

8.   ما هي حسنات ما لا احب؟
ما هي سيئات ما أحبّ؟
سؤالان يحلو لي طرحهما على نفسي في كل الاوقات.
ففي ما لا احبّ أشياء احبها، وفي ما احب اشياء لا احبّها.

9.   الوطن في " مؤخرة" اهتمامات المسؤولين.

10.               التفاؤل برنامج عمل، وكذلك التشاؤم.

11.               واقعنا العربيّ بكلّ خضاته وويلاته هو ابن القمع العربيّ: القمع الديني والسياسي والفكري والاجتماعي والروحي والنفسي.
اقرأ كلمة " قمع" بالمقلوب تجد الجواب.
القمع عقم.
في لغتنا العربية كثير من الحلول الذكية!

12.               بدّو يربح باليانصيب بس ما بدّو يشتري ورقة يانصيب. وبقللك ما عم اربح!

13.               ثمة أناس من بؤسهم المتمادي يسلّمون زمام أحلامهم كلّها لورقة يانصيب..
يدمنون على شراء ورقة الحلم... يبنون قصورا من رمال اساسها حلم ورقيّ، حلم من مجموعة ارقام.
يفلفشون في كتاب الجفر لمعرفة الارقام التي تحقق لهم الاحلام.
يعيشون على حلم اسبوعي او نصف اسبوعيّ.
يمزقون اوراق احلامهم كل اسبوع.
احلامهم ورقة في مهبّ الأكر...

14.               لا يزال الإنسان في كل المجالات العلمية على الشاطئ.
الثورة الجينية لا تزال في بداياتها
الثورة النانوية لا تزال في بداياتها،
سنٌة المعرفة أن نبقى على الشطآن.

15.               يحتوي جسم الانسان على ٣ تريليون خلية تقريبا، واذا تم وصل الجينات ( adn/dna). بعضها ببعض فان المسافة تماثل المسافة بين الارض والقمر جيئة وذهابا حوالي ٨ الاف مرة.
د. محمد عفيفي
من كتاب الثورة الجينية.

16.               أقبلت نحوي طالبة بعد ان انتهت من تقديم مسابقة مادة " مدارس ألسنيّة"، وسألتني:
- حضرتك الدكتور بلال؟
فكان جوابي من كلمة واحدة:
- لا.

17.               قال لي: آخرتنا تحت التراب.
قلت له: ليس أكيداً.
قال: كيف؟
قلت: هناك من يموت في طائرة تسقط في أعماق البحار، فيصير طعما للأسماك، أو تتبخر جثته في انفجار فلا يبقى من جثمانه شيء، فالمحظوظ هو من تكون آخرته تحت التراب.، الجثمان الذي يحصل على قبر في البلاد التي تدفن موتاها يكون حظّه حلوا.
قال: العمى، أوف، يا لطيف، والله صحيح.

18.               هيدا حكي!

قالت الوجه الإذاعي بولا يعقوبيان في برنامج " هيدا حكي" : إن أسوأ هدية يمكن ان تقدّم لها هي الكتاب.

19.               قال لي صاحب مكتبة في طرابلس: ان هناك زبونا كان يدخل الى مكتبته ويشتري الكتب ذات التجليد الجميل بغض النظر عن محتوياتها ليضعها في بيته للزينة.

20.               بعض الطلاب يتركون الدرس لآخر شهر، تتراكم عليهم المعلومات، ثمّ يقولون لك: ما عم بنلحّق.
لا اظنّ ان بمقدور امرأة ان تحبل وتولد من اوّل شهر ولدا كامل الاوصاف. لا اقول تحتاج الى تسعة اشهر فقد يأتي الولد " سْباعي"!

21.               قالت لي مرّة طالبة جامعية في القسم العربي: ان الجاحظ من شعراء الحداثة في لبنان، وحين سمع الجاحظ بالخبر جحظت عيناه من قبره.

22.               سألني مرّة استاذ جامعي حاصل على دكتوراه في الأدب العربي: هل عباس محمود العقاد لا يزال عائشاً؟

23.               صورة في محفظة صديقي:

أتذكر ،بين وقت وآخر، حكاية حصلت معي عام 1973، وكنت في الرابعة عشرة من العمر. كان صديقي يحمل محفظة جيب، وفي داخل المحفظة صورة فتاة من عمرنا، كان يخرج الصورة ويقول لي هذه " حبيبتي"، ويروح يتغرّل بها، ويحكي لي عن لقاءاته وغرامياته. كنت أغبطه على هذه المغامرة والعلاقة. مرّت الأيام واكتشفت ان صورة حبيبته التي كان يغيظني بها انما هي صورة أخته. وحين عرف اني عرفت زمّ وصار بحجم صورة شمسية. ولم يعد يسحب الصورة من المحفظة. كنت استفسر منه ، بين وقت وآخر، قائلا: ما أخبار حبيبتك؟

24.               المفرد والجمع
تسحرني هذه المفردة القرآنية في حالة الإفراد
وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا
فالنعمة هنا نعمة واحدة ومع هذا لا تعد ولا تحصى، فما بالك بالنعم في حالة الجمع؟
فسبحان الله!

 

الاثنين، 24 فبراير 2014

الرجل الذي حسب نفسه بقرة وكيف عالجه ابن سينا؟


 

كنت قد كتبت، ذات يوم، مقالاً عن رجلّ ظنّ نفسه دجاجة، وهناك من يستغرب حين احكي له حكاية ذلك الرجل، ويظنّ اني اقول ما اقول من باب المزاح. لا ريب في أنّ الهلوسات التي قد تصيب بعض البشر لا حدود لها. ولعالم النفس الشهير " اوليفيه ساكس Olivier Sacks " كتاب قد يعتقد المرء أنّ عنوانه مجرّد وسيلة غريبة للفت عين القارىء، وعنوان الكتاب " الرجل الذي حسب زوجته قبّعة"، ويروي فيه حالات نفسية عصيّة وسورياليّة يتعرّض لها بعض الناس، وهي حالات مؤلمة ومأساوية، تقلب حياة الفرد رأساً على عقب.

لن اتكلم، هنا، على من حسب نفسه دجاجة، ولا على من ظنّ زوجته قبعة، وانما على من ظنّ نفسه بقرة! ولا أعرف لماذا لم يظنّ نفسه عجلاً او ثوراً؟ والحكاية التي سأسردها حصلت مع الشيخ الرئيس ابن سينا. ومن يقلّب صفحات حياة ابن سينا يكتشف قدرات فذّة عند هذا الرجل، فهو خبير بطوايا النفس، ولقد شغلته النفس فاشتغل عليها شعراً ونثراً، وقصيدته العينية البديعة في النفس غيض من فيض كتاباته النفسية والنفيسة، ومطلعها:

هبطت عليك من المكان الأرفـــع  ورقـــــاء ذات تعــزُّزٍ وتـمنــّــعِ

محجوبةٍ عن كلِّ مقـلـة ناظــــــٍر  وهي التي سفرت ولم تتبرقــعِ

حيث سمّى النفس " ورقاء" مع ما تحمله هذه المفردة من دلالات متعددة وغنية، كما أشار الى تناقضاتها ان شئت حين اعتبرها "محجوبة" رغم انها "لم تتبرقع"! ولقد نقل التاريخ سيرته التي كتبها بنفسه، ويجدها القارىء منشورة في كتاب ابن أبي أُصَيْبعة في كتابه القيّم: " عيون الانباء في طبقات الاطباء".

كان لابن سينا طريقة طريفة في معالجة الأمراض النفسية وذلك باستثمار قدرات الوهم. تروي لنا كتب التراث هذه الحيلة السينيّة في فكّ العقد العصية كتلك العقدة التي واجهت الاسكندر المقدونيّ في مقتبل عمره. ولقد نقل الكاتب أمين أسعد خير الله في كتابه: " الطب العربي / مقدّمة لدرس مساهمة العرب في الطب والعلوم" ، هذه الحكاية السينيّة.

يروي ابن سينا أنّه شفى مريضاً كان يحسب نفسه بقرة، ويطلب بإلحاح أن يذبح، ويطبخ لحمه. ولما رفض أهله إجابة طلبه - تخيّل ان يذعن الأهل لرغبة ابنهم البقرية - انقطع عن الطعام، وضعف كثيراَ، وأقلق الأهل والجيران بصوته الذي يحاكي خوار البقر. وقد عالجه عدّة أطباء دون نتيجة. فرجا أهله ابن سينا أن يعالجه. فأرسل إليه يقول إنه قادم لذبحه، حسب طلبه، ويجب عليه أن يكون فرحاً مسروراً. وبعد أيام حضر ابن سينا، وفي يده سكين طويلة، وأمر بربط يدي المريض ورجليه، وطرحه على الأرض، لأجل ذبحه، والفتى مستسلم بفرح عظيم، ولمّا همّ ابن سينا بالذبح، جسّ عضلات المريض جسّاً دقيقاً، ثمّ التفت إلى أهله، وقال لهم: إنّ البقرة ضعيفة جدّا، لا ينتفع بلحمها، ويجب علفها جيّداً تسمينها قبل الذبح. فأخذ المريض من تلك الساعة يأكل بشهية حتّى لا يتأخّر ذبحه، فقوي جسمه، وتركه وهمه، وشفي تماماً، وتنتهي الحكاية هنا. كان من الطريف ان نعرف ردّة فعل المريض بعد أن شفي، وما هو رأيه بتجربته البقريّة؟ الا ان الحكاية تركت الخاتمة مفتوحة على احتمالات ونهايات متعددة.

ومن طرائف الحيل الوهمية المستخدمة في علاج أمراض الوهم ، ما حكاه، أيضا، ابن أبي أصبيعة في "عيون الأنباء في طبقات الأطباء" عن الطبيب أوحد الزمان أبي البركات هبة الله المُتوفّى سنة 547 للهجرة ، حيث يقول: "ومن نوادر أوحد الزمان في المداواة أنّ مريضا ببغداد كان قد عرض له علّة الماليخوليا( المزاج السوداويّ)، وكان يعتقد أن على رأسه دنّاً، وأنه لا يفارقه أبدا. فكان كلّما مشى، يتحايد المواضع التي سقوفها قصيرة، ويمشي برفق، ولا يترك أحداً يدنو منه، حتى لا يقع الدنّ عن رأسه. وبقي هذا المريض مدة، وهو في شدّة منه. وعالجه جماعة من الأطباء، ولم يحصل بمعالجتهم تأثير ينتفع به. وانتهى أمره إلى أوحد الزمان، ففكر أنه ما بقي شيء يمكن أن يبرأ به، إلاّ بالأمور الوهمية، فقال لأهله: إذا كنت في الدار، فأتوني به. ثمّ أنّ أوحد الزمان أمر أحد غلمانه بأن ذلك المريض إذا دخل عليه، وشرع في الكلام معه، وأشار إلى الغلام بعلامة بينهما، أنه يسارع بخشبة كبيرة، فيضرب بها فوق رأس المريض على بعد منه، كأنه يريد كسر الدن الذي يزعم أنه على رأسه. وأوصى غلاما آخر، وكان قد أعد معه دنا في أعلى السطح، أنه متى رأى ذلك قد ضرب فوق رأس صاحب الماليخوليا، أن يرمي الدن الذي عنده بسرعة إلى الأرض. ولما كان أوحد الزمان في داره، وأتاه المريض، شرع في الكلام معه، وحادثة، وأنكر عليه حمله الدنّ. وأشار إلى الغلام الذي عنده، من غير علم المريض، فأقبل عليه، وقال: والله، لا بدّ لي أن أكسر هذا الدنّ، وأريحك منه. ثم أدار تلك الخشبة التي معه، وضرب بها فوق رأسه بنحو ذراع. وعند ذلك رمى الغلام الآخر الدنّ من أعلى السطح، فكانت له جلبة عظيمة، وتكسّر قطعاً كثيرة. فلما عاين المريض ما فعل به، ورأى الدنّ المنكسر، تأوّه لكسرهم إياه، ولم يشكّ أنه الذي كان على رأسه بزعمه، وأثّر فيه الوهم أثراً برئ من علّته تلك.

والعلاج بالايهام قديم قدم الطبّ، ولجالينوس "كتاب حيلة البرء"، وهو الطبيب الذي ذكره المتنبّي في أحد أبياته كرمز للطبيب الماهر:

يموت راعي الضأن في جهله    ميتة جالينوس في طبِّه

ويحكي جالينوس في كتابه عن العلاج بالوهم، والوهم داء ودواء، وقد يكون دواء ناجعاً جدّا! ومن ذلك ما حكاه الرهاويّ في كتابه "أدب الطبيب" عن جالينوس عندما دعي لعلاج مريض توهّم أنه بلع حيّة! حيث يقول: "وذلك أن جالينوس سمع أنّ إنساناً توهّم أنه قد بلع حيّة، فعولج بكلّ دواء، فلم ينجح فيه. فلمّا وقف جالينوس على خبره، سأله: هل تعرف لون تلك الحيّة؟ فقال: هو اللون الفلانيّ، ومقدارها المقدار الفلانيّ. فأمر سرّاً بمن صاد له حيّة بتلك الصورة. وأخفاها بلطيف الحيلة، وسقى المريض دواء قذفه (استفرغه)، وشدّ عينيه حين أخذ يقذف، وسرح الحيّة المذكورة مع القذف. وأمر من حضر أن تعلو أصواتهم بالتباشير بخروج الحيّة بالقذف. فحين فضّ عن عيني المريض، قال: هذه هي الحيّة التي ابتلعتها بعينها، وقد وجدت الراحة، فبرئ برءاً تامّاً من توهمّه.

ثمّة مثل عربيّ يقول: لا يفلّ الحديد إلاّ الحديد، ويبدو أنّ بعض الوهم على غرار الحديد لا يعالج إلاّ بوهم من معدنه، أو كما يقول أبو نواس: ودَاوني بالّتي كانَتْ هيَ الدّاءُ!

 

 

بلال عبد الهادي