الأحد، 22 يناير 2017

كوستا برافا

منذ عدّة أيّام كانت النوارس ومطمر كوستا برافا حديث الصحف، وأمس تمّ القبض على " الانتحاريّ" الذي كان ينوي الصعود إلى عالم الحوريات من بوابة مقهى كوستا. فعلّق أحد الأشخاص شاكرا للقوى الأمنية مجهودها بالقول: #كوستا_برافو حرف علّة غيّر المعنى المحوّم كالنوارس فوق العبارة!

قصة خرافة العذريّ // االرجل الذي صار خرافة


هناك أناس تبقى، حين يغادرون الدنيا، أسماؤهم على قيد الحياة، وتعيش هذه الأسماء حياتها الشخصية منفصلة عنهم، وتنال نوعاً من الاستقلال الذاتيّ. ينسى الناس، مع تعاقب الأوقات، دلالة الأسماء الأولى وارتباطها بأصحابها، فمن يعرف مثلاً أن الـ "بيجاما" أي ثوب النوم هو، في الأصل، اسم رجل؟ وقد يعرف البعض أنّ كلمة "سندويش" هذه التي نأكلها على الماشي هي، أيضاً، اسم رجل كان لا يطيق الانفصال عن لعب الميسر مما جعله يخترع طريقة في الأكل لا تمنعه من متابعة اللعب بمصير ممتلكاته. وهكذا الأمر، فيما يبدو، بالنسبة لكلمة "خرافة" التي كانت، بحسب ما يرى العرب، اسم رجل من  بني عذرة القبيلة التي أنجبت الكثير من العشّاق. قد تكون التاء المربوطة في اسم "خرافة" من الأسباب التي ساهمت في إبعاده عن عالم الذكورة لأنّ التاء من علامات التأنيث، وان كانت هذه التاء، في العربية، على علاقة طيبة مع بعض أسماء الرجال كما في "عنترة" ولكن الاستعمال العاميّ، رغم ذلك، حذف تاءه احتراماً لرجولته الفائضة والفائقة، ولفروسيته التي تطعن التاء المربوطة في فحولتها! نرى التاء المربوطة تختم أسماء شخصيات أخرى لا علاقة لها بالأنوثة مثل "معاوية" أو "طلحة" أو "طرفة" وغيرهم من الرجال، مما يعني أنّ العرب القدامى لم يجدوا غضاضة في تطعيم أسماء بعض رجالاتهم بـ "تاء التأنيث".

لا أعرف لماذا خطرت ببالي شهرزاد وأنا أقرأ حكاية "خرافة". فهما، في مكان ما، متشابهان من حيث إنّ حياتهما كانت معلقة على طرف حكاية. الحكي أو الموت، الحكاية تفتدي من يحكي وتطيل عمره. شهرزاد أنقذت روحها على امتداد ألف ليلة وليلة قضتها في سرد عدد كبير من الحكايات على مِسْمعي شهريار إلى أن انطوت رغبته في سفك الدم. كانت شهرزاد مغامرة وواثقة بقدرة الحكاية على تحديد مصيرها، وعلى إبعاد كأس الموت عن شفتيها المكتنزتين بالكلام. والحكي، أيضاً، أنقذ "خرافة" من موت كان يترنّح على شفاه الجنّ.

تروي كتب الأمثال والأساطير العربية حكاية رجل من قبيلة "عُذْرَةَ" اسمه "خرافة"، اعترضت حياته، ذات يوم، كائنات من عالم الجنّ (العربي ربط، قديماً، بين الشِّعر والجنّ، ورسالة "التوابع والزوابع" لابن شُهََيْد، وكذلك "رسالة الغفران" للمعرّي لا تخلوان من ذكر بعض طرائف هذه العلاقة السحرية). أنقل هنا بعض ما ذكره التراث العربيّ النثريّ من سيرة "خرافة" الذي وقع ، ذات يوم، أسيراً في قبضة ثلاثة نفر من الجنّ واحتاروا ماذا يفعلون به، منهم من رأى قتله، ومنهم من اقترح استعباده، ومنهم من طالب بنفيه، وكان أن مرّ رجل، في لحظة تشاور الجنّ، ورأى حيرتهم فقال لهم: إنْ حدثتكم بحديث غريب أتشركونني فيه؟ أغرت الأحاديث الغريبة الجنّ بالموافقة، فبدأ الرجل بسرد حكايته قائلاً: عطشت، ذات يوم قائظ، فصرت إلى بئر، فنزلت لأشرب، فصاح بي صائح من أعماق البئر، فخرجت مذعوراً ولم أشرب. غلبني العطش فعدت، فصاح الصائح مجدداً فخرجت ولم أشرب، ولكن في المرة الثالثة لم آبه، من فرط عطشي، بالصوت فنزلت البئر وشربت فقال قائل من البئر: اللهمّ إنْ كان الشارب رجلاً فحوّله امرأة، وإن كانت امرأة فحوّلها رجلاً، فإذا أنا امرأة. فأتيت مدينة فتزوجني رجل فولدت منه ولدين، ثم غلبني الشوق إلى دياري فعدت ومررت بالبئر التي شربت منها فنزلت وشربت فصاح الصوت، كما في المرّة الأولى، فعدت رجلاً. وحين استقرّ مقامي في بلدي تزوجت امرأة فولدت لي ولدين، فلي ابنان من ظهري، وابنان من بطني. فقال نفر الجنّ: سبحان الله! إنّ هذا لعجب! أنت شريكنا فيه. وحين عاودوا المشاورة في مصير خرافة، ورد عليهم ثور يطير وفي إثره رجل بيده خشبة يجري خلفه فلما رآهم توقف واستفسر فردّوا عليه مثل ردّهم على الأوّل. فقال: إنْ حدثتكم بحديث أعجب من هذا أتشركونني فيه؟ قالوا: نعم. فقال: كان لي عمّ وكان موسراً، وكانت له ابنة جميلة. وكنا سبعة إخوة فخطبها رجل وكان لعمّي عجل يربّيه، فأفلت العجْل ونحن عنده، فقال: أيّكم ردّه فابنتي له. فأخذت خشبتي وركضت في إثره وأنا في مقتبل العمر، وقد شبت فلا أنا ألحقه ولا هو يقف فأشركوه، لعجيب حكايته، في تقرير مصير "خرافة". وهناك حكاية ثالثة يرويها رجل ثالث من نفس طينة الحكايتين الأوليين أشركوه، بعد أن روى غريب ما حدث له، في البتّ في مصير "خرافة"، أجمعوا بعد سماع الحكايات الغريبة على إطلاق سراح "خرافة".

عاد خرافةُ إلى أهله بعد تجربته الغريبة مع الجنّ، وراح يحكي ما حدث له وما سمعه من حكايات كان لها الفضل في استعادته حرّيته، وكان من الطبيعيّ أنْ لا يصدّق حكاياته أحد، لأنّ ما يتفّوه به لسانه لا يخرط في عقل عاقل. وصار، منذ ذلك الحين، كلّ كلام غريب، وحديث عجيب غير قابل للتصديق ينسب إلى "خرافة". ولو لم تحتفظْ لنا كتب الأمثال ونوادر الأخبار ببعض تفاصيل ما حدث لخرافة في دنيا الجنّ لظنّ الناس أنّ حكايته من "تخاريف" من ناهز "خريف" العمر!

الأربعاء، 18 يناير 2017

شعر الهايكو في اليابان

في اليابان شعر يعرف بشعر " #الهايكو"، ويمتاز هذا الشعر بأنّه أشبه بفنّ " التوقيعات" ، موجز، خاطف، أشبه بضربة فلاش على مشهد. ويقال إنّ الشعر الحديث هو ابن شعر الهايكو اليابانيّ. اكتشف الغربيّون حين احتلوا اليابان هذا النوع من الشعر الفريد، الشبيه بانخطاف الصوفيين فترجموه الى لغاتهم. شعر هو ابن العين التي تلقط مشهدا عابرا تماما كما تفعل عدسة الكاميرا. ومن الطريف أن اغلب مبدعيه اليابانيين لهم صلة روحية عميقة ببوذية الزنّ تلك التي تجلب الى عينيك الدهشة ب " كواناتها" المحيّرة ! لن يبخل عليك غوغل بتفاصيل حول ارباب هذا الفنّ اليابانيّ البديع. طبعا الترجمة تغتال تفاصيل كثيرة صوتية منه ( وأي ترجمة لا ترتكب جريمة صوتية ودلالية؟) ولكن تبقي لك شيئا من ذلك المعنى المراوغ! #يابانيات

بائعات الهوى

لا يمكن للهوى أن يباع، ومع هذا اخترع الناس طريقة لغوية لبيع الهوى، وإلاّ ما مبرّر وجود عبارة " بائعات الهوى"؟

صورة

نفض الغبار عن صورة من صور طفولته فاستوى الغبار طفلا!

مآرب اللغة هي مآرب موسى من عصاه!

مآرب اللغة هي مآرب موسى من عصاه!

الثلاثاء، 10 يناير 2017

ببغاء الفتى الهندي وأرض المتنبي

ببغاء الفتى الهنديّ
يحضر في ذاكرتي بيتان من الشعر العربيّ كلما رأيت ببّغاء، بيتان قديمان عمرهما أكثر من ألف عام، يصفان حال الخليفة العربية الأسير، الألعوبة بين يدي الفرس طورا، والأتراك طورا آخر. ومن يقرأ في سير الخلفاء العبّاسيين على سبيل المثال، وأكتفي هنا بالإحالة الى كتاب الإمام جلال الدين السيوطيّ "تاريخ الخلفاء"، وهو تاريخ موجز نسبيا لسير الخلفاء، يرسم فيه السيوطي بإيجاز الخطّ البيانيّ للخلفاء بوهاده وهضابه ومرتفعاته ووديانه، وفي هذا الكتاب كما في غيره من الكتب نجد ذكرا لهذين البيتين حيث يشبّه الخليفة بالببغاء، وهما:
خليفة في قفص بين "وصيف" و"بغا"
يقول ما قالا له كما تقول الببغا
وصيف وبغا شخصيتان عسكريتان كانا يرفعان ويخفضان من شاءا من الخلفاء ، ويلعبان على ذوقيهما في شؤون الخلفاء لوقتهم. والبيتان قيلا في الخليفة العبّاسي المستعين بالله الذي ولي الخلافة بين عامي ( 248-252 للهجرة)  . ومن أحبّ أن يعرف أكثر عن هذين البيتين فيمكنه الاستعانة بمحرّك البحث غوغل للكشف عن أحوال وأهوال ذلك الوقت، ودور هاتين الشخصيتين في بلاط الحكم. ولكني هنا سأتناول نقطة لها علاقة بالببغاء من باب آخر، من باب شخص هنديّ في العشرين من عمره، كان الببغاء مدخله إلى بهو الثراء العريض.
فالشاب الهندي يعيش في مدينة لاس فيغاس، شاب ولوع بالخوارزميّات، ولكنه يبحث في الوقت نفسه عن مصدر دخل متوار عن الأنظار. راح يبحث عن الغائب، عن الخفيّ، عمّا يعيش بيننا ولا نراه، قال: الغائب فرصة لا تعوّض. الغائب أشبه بأرض غير مزروعة ولكنها أرض خصبة. الشاب فقير، ولكنّه فكّر بطريقة لاصطياد الملايين، استعان بالخوارزميات وهي سلاح فتّاك في هذا العصر، فـ " غوغل" ، على سبيل المثال، ليس أكثر من معادلة خوارزميّة بسيطة، ولكنّنا نعرف كيف غيّرت حياة مؤسّسَيْها لاري بايج وسيرجي برين . وضع خوارزميّة بسيطة لتكشف له الغائب، النادر، راح يبحث في كومة المعلومات عن إبرة الإبداع، كان يعرف انها بانتظاره.
خطرت بباله فكرة ألغوريتميّة، معادلة رياضية بسيطة، الألغوريتم يلبي له حاجته المادية. والألغوريتم وليد سؤال بسيط، الأسئلة مفاتيح على اللامنتظر! ما هو الشيء الذي يبحث عنه الناس في صفحات غوغل ولا يجدون عنه معلومات متوازية مع الطلب؟. السؤال الذي لا يجد عنه المرء جوابا يكون طعمه مرّ المذاق، لذا أراد الهندي سحب المرارة من فم السائل. كشف له الألغوريتم عن جواب لم يكن يعرف عنه شيئا، أعطاه الألغوريتم مفتاحا سحرياً ومفاجئاً، وهو أن المعلومات عن الببغاء قليلة، نادرة، لا تشفي الغليل. لقط طرف الخيط، وطرف الخيط يشبه الخطوة الأولى من رحلة الألف ميل كما ورد في المثل الصينيّ. برمج خطّته، وبدأ من حديقة الحيوانات رحلته في الفضاء الرقميّ.  في حديقة الحيوانات راح يبحث عن لحم وعظم لفكرته، فتح باب قفص الفكرة ليمنح أجنحتها القدرة على الطيران. هناك التقى بالمسؤول عن  " جناح" الببغاوات، وكان ذلك المسؤول خبيرا يعرف هذا الطائر بأصله وفصله ريشةً ريشة، ولكن هذا المسؤول لا يعرف مكانة الببغاء في الانترنت، ولا يعرف كيف يرفرف الببغاء في الفضاء الرقميّ، معرفة المسؤول عن الببغاوات الموسوعية محصورة خلف أسوار الحديقة. طلب الهندي من المسؤول أن يكتب له كتابا عن عالم الببغاء، لم يخطر ببال المسؤول من قبل تحويل معرفته إلى حبر وورق، كان مكتفيا بممارسة عمله، لا غير، لا يملك أي فكرة عن الخوارزميات ومفعولها السحريّ. نال الهنديّ منه ما ارتجى، حصل بعد وقت على كتاب، فقام بفتح موقع على الانترنت عارضا فيه بالمجّان الفصل الأوّل من الكتاب، بينما بقية الفصول كانت يمكن تحميلها لقاء مبلغ زهيد.
 محبّو هذا الطائر الملوّن الثرثار ليسوا قلّة في العالم، صار الكتاب مرجعاً في بابه،  يقصد صفحاته من لهم صلة حميمة بالببغاء، ويسخون بسعر الكتاب الرقميّ بعد أن أغراه الفصل الأوّل المجاني العميق والجميل.
 انهالت عليه مئات الآلاف من الدولارات في الشهر الأوّل، وواصل الكتاب اصطياد الدولارات بنجاح منقطع النظير. صار الكتاب أشبه بالغصن الذي يرتاح عليه الببغاء في شجرة الفضاء الرقميّ.
كانت فكرته بسيطة  هي تزويد السائل بجواب كاف وشاف، جامع ومانع، لقد اكتشف "محيطه الأزرق"، لم يكن ذلك الشخص الذي استثمر الببغاء مثل الببغاء يكرّر ما سمع، بل راح ينصت إلى تلك الأصوات التي لا تتفوّه بها الشفاه.
أحلام كثيرة تترعرع في ربوع الفضاء الرقميّ، هذه السوق الحرّة المفتوحة، ولكن الأحلام تحتاج إلى أجنحة، والأفكار هي الأجنحة والعملة الصعبة.

أرض المتنبّي
الجمع، في العربية، جمعان: مألوف وغريب.
 هذان النوعان من الجمع يمنحان الشاعر فرصة التنويع وتوزيع الأدوار بين الصيغ الحاضنة لحالات الجموع، وأستعين هنا بالمتنبي لتوضيح فكرتي حول هذه النقطة.
 إذا سألت أي شخص عن جمع كلمة " أرض"، ستكون كلمة " أراضي" هي أوّل ما يتبادر إلى الذهن، وأوّل كلمة تصل إلى اللسان، جمع حاضر وناضر في الفم، جمع بديهيّ، فوريّ، والبديهيّ قد يحجب أشياء كثيرة، البداهة متاهة!. وقد لا تخطر بالبال أو بالفم جموع أخرى. ولكن ما الذي اختاره المتنبي؟ هناك من يقول ان الشاعر يختار هذه الكلمة بدلا من تلك لضرورات شعرية، الضرورات الشعرية ليست في نظري ضرورات  هي اختيارات أيضاً، الشاعر يختار بملء فيه ووعيه وإرادته الضرورات ليس لأسباب عروضية وإنما لأسباب فنية ودلالية وبلاغية.
 اعتبار الشاعر انه خاضع للضرورة ليس أكثر من انتقاص لمقدرة الشاعر اللغوية والشعرية التي تستثمر دلالات الضرورة بل وتلعب بالضرورة كما يلعب محرّك الدمى بالخيطان!. عبارة " للضرورة الشعرية" عبارة تعلّم الكسل والخمول، عبارة تقتل الأسئلة، وتقتل روح البحث عن لطائف المعنى. ليس في كلامي نكران لمفهوم الضرورة الشعرية، وانما نكران للمعنى الذي نعطيه للضرورة! المعنى الأبكم الذي لا يفصح عن معنى مفتوح.  يقول المتنبي ما يلي:
أروض الناس من تــرب وخــــوف
وأرض أبــي شجاع من أمــان.
الغريب مريب، ومخيف. نجد ان المتنبي استعمل " أروض " ليجمع بين ما هو عاديّ وغير عاديّ. أرضٌ  من تراب، وأرض أخرى ولكنها من خوف، كما استعمل المفرد " أرض" المألوف، والمألوف أمين! أرض مفرد أليف، بسيط، والبساطة تليق بالأمان الذي يزرعه " أبو شجاع"!

بلال عبد الهادي