الثلاثاء، 31 مارس 2015

القراءة على الكمبيوتر

العمر له حقّه ، ولكن ليس دائما. ثمّة من يقف موقفا سلبيا من الكتاب الرقميّ أو سمّه الضوئي. والسبب هو العمر. باغتهم الكتاب في مرحلة عمرية حرجة، ترسخ فيها العادات، فهم لا يعنيبهم الهاتف الذكي، ولا الكمبيوتر، ولا الواتسأب، ولا الفايسبوك، ويفخرون نعم يفخرون بأنّ هذه الخزعبلات المعرفية لا تغريهم ولا تنال من تماسكهم او من عاداتهم الراسخة. مخلصون للورق حتّى عدم القدرة على رؤية حسنات وسائل الاتصال الحديثة، مخلصون حدّ نكران الثورة التي تجري في العالم، الثورة المعرفيّة الكبرى التي تهزّ بعمق أركانا معرفية راسيات كالصخر. علاقة الانسان مع الكلمة يجب ان تنفصل عن الحامل، علاقة الكلمة المكتوبة مع القارىء ليست علاقة بيولوجية مع الورق. الكلمة المكتوبة موجودة في التاريخ قبل اختراع الورق. وعلاقتها مع الورق هي بنت عجر عن وجود البديل الأفضل. تخلت الكلمة المكتوبة عن الطين، كما نرى في الكتابة المسماريّة، والكتابة المسمارية بنت الطين، اي ان الطين هو الذي فرض هذا النمط من الكتابة، كما ان الكتابة الطولية في الصين كانت بنت الحامل الذي كتبت فيه اللغة وهو رقائق قضب الخيزران قبل اكتشاف الورق. كلما ازدادت الكلمة المكتوبة خبرة ذهبت الى حامل جديد. ونحن ، اليوم، في زمن السرعة. الكلمة المكتوبة كجلد الحيّة لها مقدرة عن الانسلاخ عن حاملها والالتصاق بحامل جديد يلائم الزمان الذي هي فيه. في زمن السرعة راحت الكلمة المكتوبة الى الضوء. وراحت تخرح باللون الذي تريد مغموساً بالضوء. الكتابة الضوئية او الرقمية هي بنت هذا الزمن الذي صار على وشك ان نحسبه بالسنوات الضوئية. قلت ذات يوم، من وحي عبارة قالها أفلاطون على ما اظن وهي انه يحمد الله لأنه ولد يونانيا في زمن سقراط. فقلت أحمد الله أني عشت في زمن الإنترنت، بخلاف آخرين يلعنون الإنترنت والكمبيوتر الذي بحسبهم يقضي على القراءة. ولا ينتبهون ان الانترنت زاد من نسبة القرّاء، وزاد أيضا من عدد الكتّاب. وأقصد بالكتّاب ، هنا، كلّ من استعاد نشاطه الكتابيّ بعد طول انقطاع. لقد جرّ الهاتف الذكيّ عددا ضخما من أطراف أصابعهم إلى أزرار لوحة المفاتيح.

مثل سائر

لا تخلو بعض التعابير من جمال ما. عبارة " المثل السائر" مثلاً أتخيّلها أحياناً تتأبّط قولا مأثورا أو بيت شعر ويمشيان معا "سيرا " على الأقدام.

nouveau-nez

Nouveau-né للكلمة الواحدة حياتان على الأقل : منطوقة ومكتوبة. بعض الكلمات تتشابه، صوتيّا، وتختلف كتابيا. قرأت اليوم تعبيرا يختلف جذريا عن عنوان هذه الفسبوكة، ولكنه، صوتيا، لا يختلف في شيء. التعبير له صلة بالأنف، فالكاتب كان يدعو الى ولادة " سيمياء الشمّ" ، فاستخدم عبارة nouveau-nez. لكل لغة من اللغات مجال لعب، فما تسمح فيه الفرنسية هنا لا تسمح به العربيّة الا في مكان آخر. وهنا يحضرني على سيرة الأنف عبارة قالها ابن الجهم . فلقد سئل ابن الجهم عن اكثر ما يدهشه في هذا العالم، فكان جوابه : الشمّ. ومن الشمّ ولد في العربيّة مفهوم " الشمم"، ومن الشمّ ولد " شميم" في عبارة "شميم نجد" في إّحدى قصائد الغزل العربية التراثيبة. أمّا الأنف فلقد أنجب في العربية الكبرياء و"الأنفة". وأنجب الأنف ، أيضا، لنا في تراثنا الشعريّ الشاعرة " الخنساء"، والخنس ذلك الارتفاع الضئيل في أرنفة الأنف، وكان العرب، وهم محقّون، يحبّون هذا النوع من الأنوف.

لا تقتل الذئب حكاية من شاو لان كاتبة صينية

تروي حكاية صينية مقطعاً من حياة طفل يعيش على مقربة من غابة. قرّر الطفل، ذات يوم، المغامرة والتنزّه في الغابة، فغادر منزله وترك باب بيته مفتوحاً، انتهزت بطّة غياب الطفل للتجوّل في المنزل واللعب ببركة الماء الموجودة في بهو المنزل، وبينما كانت البطّة تستحم بمياه البركة مرّ عصفور بجوار البطة وراح يضحك منها، ويسخر من أجنحتها مخاطباً إياها: أيّ صنف أنتِ من الطيور، إذا كنت لا تحسنين إطلاق العنان لأجنحتك؟ فالتفت إليه البطّة وقالت: وانت أيّ نوع من الطيور اذا كنت لا تحسن السباحة؟ لمحت، في هذه الاثناء، هرّة العصفور والبطة وهما يتشاجران، فقالت لنفسها، انها فرصة جميلة للقفز على العصفور الشهيّ، ولكن شاء حظّ الهرة السيّىء أن يعود الطفل، وعلم ما يدور في خلد الهرّة فأنذر العصفور الذي حلّق واستنجد بغصن شجرة بعيداً عن رغبات فم الهرّة . سمع جدّ الطفل صوته فعلم انه كان خارج البيت، فأنّبه وقال له: ألم تفكر في احتمال خروج ذئب من الغابة؟ ولكن الولد، وكان يثق بنفسه، قال لجدّه: الأطفال مثلي لا يخافون الذئاب. وقبل إتمام حديثه كان ذئب يخرج من الغابة متوجّها فوراً الى مصدر الصوت، فدلف الطفل بلمح البرق الى بيته، أمّا البطّة التي لم تحسن الطيران، فإنها سقطت فريسة سهلة بين فكّي الذئب، وحين رأي الطفل المأزق الذي وقع فيه أصدقاؤه، تسلّق شجرة بعد ان أخذ معه حبلاً ، فعقد طرفه واستطاع بواسطته ان يلقط الذئب من ذيله، راح الذئب يقفز يميناً ويساراً محاولاً تخليص ذيله من الأنشوطة، وكانت الأنشوطة كلما تحرّك الذئب تضيق أكثر فأكثر وتلتفّ أكثر وأكثر حول جسد الذئب. مرّ صيّاد ورأى الطفل على الشجرة، والذئب يتلوّى ويعوي، فأراد الصياد إطلاق الرصاص على الذئب، ووضع حد لشغبه، ولكن كان للطفل رأي آخر، وهو أسر الذئب لا قتله ثمّ الذهاب به الى حديقة الحيوانات في القرية المجاورة وإبقائه حيّاً إلى أن يحين أجله الطبيعيّ.

الخصيّ من العلماء

كنت قد قرأت عبارة يصف فيها الناقد البلغاريّ تزفيتان تودوروف Tzvetan Todorov منهج الناقد الروسيّ الشهير ميخائيل باختين Mikhaïl Bakhtine وطريقته في ممارسة تخصّصه في الكتابة النقديّة فكان ممّا قاله: " إنّ تخصّص باختين ... هو أنْ لا يكون متخصّصاً" (وردت العبارة في كتاب "ميخائيل باختين، المبدأ الحواريّ" ترجمة فخري صالح، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، ص15). استوقفتني العبارة ربّما لأنّي لست من المؤمنين إيماناً أعمى بالتخصّص الضيّق، واعتبره نقيصة تؤذي العلم والعالم أكثر ممّا تنفعه، فالعلم، على ما أتصوّر، كالجسد مترابط ومتراصّ، ولكن لا مفرّ، عمليّاً، من التخصّص. كيف تكون متخصّصاً وتتمرّد، في الوقت نفسه، على التخصّص الزمّيت الذي يقيّد عينيك ويكبّل حركات فكرك؟ على المتخصّص أن يكون ماهراً، على شاكلة خيط السبحة، في نظم أكثر من حبّة في خيط تخصّصه.
ولقد ورد في كتاب الراغب الأصفهاني "محاضرات الأدباء ومحاورات الشعراء والبلغاء" ، وهو من الكتب التراثية القيّمة والمؤنسة، عبارة قد تصدم من يقرأها لأوّل وهلة لأنّها تطعن في فحولة أهل التخصّص، وهي:" من لا يعلم إلاّ فنّاً واحداً من العلم سمّي الخصيّ من العلماء". يبدو أنّ ميخائيل باختين لم يكن يريد أنْ يكون من العلماء الخصيان فاضطرّ أنْ ينفذ بجلده من التخصّص إلى آفاق أرحب.
أستعين، هنا، بمفهوم الشجرة لتبيان وجهة نظري في فهم التخصّص وافتراض تشعبّه لإخصابه، والشجرة صفحة من كتاب الطبيعة الذي لا تنفد صفحاته وحكمه، الطبيعة كتاب بكلّ معنى الكلمة، كلّ ذرّة رمل هي درس يمكن أن يكون درساً في الحكمة لا سيّما في زمن " تقنيّة النانو". ومن يقلب صفحات الكون يمكن أنْ يصير مثقّفاً كونيّاً. هناك أناس كثيرون مثقّفون ولكنّهم أميّون في علاقتهم مع الطبيعة ومع العالم ومع الأشياء. ولا يحظى بإعجابي من يتعالى عن مقاعد الدراسة في مدرسة الطبيعة، أو يعتبر نفسه ختم العلم ولا يحتاج إلى مزيد رغم نصوع دلالة الآية القرآنيّة الكريمة:" وقلْ ربّ زدني علماً". ومن لا يعرف قيمة البرغشة ليس أفضل حالاً من البرغشة. الحكمة ضالّة المؤمن يأخذها ولو من جناح بعوضة أو رفرفة فراشة!
أعود إلى الشجرة وأقارن بينها وبين التعليم وبينها وبين العالِم. على العالم أن يكون على شاكلة بنية الشجرة. كلّ شجرة تتألف من ثلاثة أشكال مترابطة. شكلان متشابهان يربط بينهما شكل مختلف. كلّ شجرة هي جذور وجذع وأغصان ( أترك الورق والثمر لما بعد) اتكلم على هيكل الشجرة الخشبيّ لا العظميّ. الداخل إلى المدرسة يشبه حبّة تزرع في الأرض. تبدأ جذورها بالتشكّل قبل أنْ تشقّ طريقها إلى الضوء، أي أنّ الطفل يبدأ باللاتخصّص، يدرس لغته ولغة ثانية ورياضيّات وتاريخا وجغرافيا ورسما ...إلخ، اللاتخصّص، هنا، هو تشكيل للجذور المتشعّبة. هل تكتفي شجرة بجذر واحد يقيم أود جذعها والأغصان؟
المدرسة هي الأساس ولا تختلف عن طبيعة الشجرة في تكوين الجذور. كلّ مادة يتعلّمها الإنسان في المدرسة هي بمثابة جذور له، وبعد المدرسة يبدأ التخصّص في الجامعة. التخصّص الجامعيّ بمثابة جذوع الأشجار أي أنّ التخصّص صلب بصلابة الجذوع، والتخصّص ينبثق من صلب اللاتخصص انبثاق الجذع من تجميع الجذور. ولكن الشجرة بعد الجذع تجد نفسها ليست شجرة مكتملة. الشجرة لا تكتمل إلاّ بأغصانها. والتخصّص عليه أن يكتمل بالتخلّص من التخصّص اي ان تتفرّع من جذع تخصصه أغصان كثيرة لأنّ الثمر ليس في الجذع وانّما في الأغصان.
كلّ الموسوعيين في العالم كانوا يعرفون فضل الشجرة على نمط كتاباتهم. إنّ التخصّص التي لا يطعّم بعلوم بعيدة عنه، في الظاهر، لا يمكن له أن ينضج ويؤتي أكله. وهنا استشهد مجددا بعبارة أخرى لتودوروف عن باختين يقول فيها:" إنّ منظرّاً عبقريّاً في حقل الأدب ينبغي أن يأخذ في اعتباره حقولاً أخرى غير حقل الأدب".
كان للبيولوجيا، على سبيل المثال، فضْل في تطوّر علم اللغة وولادة الألسنيّة، كما كان لمنهج دركهايم في علم الاجتماع فضل على نظرية ده سوسور في كتابه:" محاضرات في الالسنية العامّة". وكان لعلوم الدماغ فضل في تقدّم العلوم اللغويّة ورفع الغلالة عن بعض أسرار اللغة. فهل يحسن بعالم لغة مثلاً أن يقول: " ما لي ولطبّ الأعصاب؟" فيبقى على هامش تفاصيل كثيرة من عالم اللغة العصبيّ والبيولوجيّ الفاتن.
اللغة صرف ونحو وأعصاب وبيولوجيا.
وأجدني مؤمناً كلّ الإيمان بمقولة الراغب الأصفهانيّ التي تربط بين التخصّص والخصاء, وبالمناسبة "الخاء" و"الصاد" قاسم مشترك بين الكلمتين! وكأنّهما يريدان دعم وجهة نظر الراغب الأصفهانيّ.
انهي هذا المقال بطرفة مأساوية كنت قد قرأتها ذات يوم عن شخص يشكو وجعاً في عينه اليمنى فذهب عند طبيب عيون، ولكنّ الطبيب اعتذر عن معالجته لأنّه متخصّص بالعين اليسرى ولا يريد أن يعتدي على تخصّص غيره. طبعاً، لا تخلو الطُّرْفة من مبالغة مقصودة شأنها شأن أغلب الطرف.
مقالي ليس نقداً للتخصّص أو تقليلاً من شأنه وإنّما هو احتفال بالأغصان، ودعوة للتبصّر بهيكل الأشجار المثلّث. في أيّ حال، أشير إلى أنّ الجامعات انتبهت إلى مشكلة التخصّص المحض، الضيّق، وتوجهت إلى إدخال موادّ عابرة للتخصّص هي ما يعرف بالـ"transdisciplinaire" ولا سيّما في هذا الزمن المعولم والذي تحدّد معالمه "شبكة" المعرفة العنكبوتية.
بلال عبد الهادي

الاثنين، 30 مارس 2015

القول المأثور نوعان

القول المأثور نوعان: - نوع معروف قائله - نوع مجهول قائله كتابات رائعة كثيرة لا يعرف لها مؤلف. ولدت على غرار ولادة آدم. كتب موجودة كاللقكطاء لا يعرف لها أب أو أم أو نسب. ولم تفرق معها انها ليست ابنة أصل، بل عاشت حياة فيها من الخصوبة ما لم يعرفه كثير من الكتب ذات الأصل والنسب والحسب العريق. أكتفي بكتاب واحد؟ من مؤلف كتاب ألف ليلة وليلة؟ كتاب بلا أب، بلا أم. ومع هذا فمن يمكنه أن يضم بين دفّتي كتاب كل ما قيل أو كتب عن هذا الكتاب في لغات العالم؟ حتى الموسوعيّ العزيز غوغل ، حاليا، لا يدّعي انه قادر على إنجاز هذه المهمّة. ألف لليلة وليلة نصّ مأثور ومؤثّر ، حرّك الأبجديّات كلّها والرموز الصينية ولا يزال. شهرزاد ليست امرأة من دم، وإنّما هي امرأة من حبر وأحلام وحكايات محوّلات . سمعها شهريار فإذ به يولد من جديد من رحم الحكايات. الحكايات أرحام، والناس أجنّة في أرحام الحكايات. #شهرزاد #بلال_عبد_الهادي

الحياة شاشة سينما

الحياة شاشة سينما. كل المتفرجين يشاركون في مشاهدة الفيلم المعروض. كل المتفرجين شركاء في كتابة السيناريو. كل المتفرجين شركاء في تصوير لقطات من الفيلم. كل المتفرجين مشاركون في تأدية الأدوار. كل المتفرجين لا يعرفون الفيلم ، ولم يشاهدوا كل جلسات التصوير الحياة شاشة سينما يتحكم بحركات فيلمها فن المونتاج. المخرج والمنتج والمُمَنتج ( من المونتاج) ثلاثة في واحد أحد. ثلاثة أقانيم في أقنوم واحد. الفيلم لا يعرف الصدفة، أو قل إنّ صدف الفيلم كلّها هي، عمليّاً، صدف مركّبة. القدر السينمائي قدر مركّب ومُمَنتج ومُنَنهج.

Chinese Radicals - Nature

القتل على الناعم




أخبرني صديق ولوع باصطياد الحكايات الغريبة حكاية عن رجل "فاحش" الثراء, ونادراً ما خلا ثراء من فحش! يجتمع، كلّ مساء، مع نخبة من الأصدقاء في قصره المنيف للسهر والسمر. ولكنّ أحد الأصدقاء لم يحترم حرمة الصداقة ولا "حرمة" صديقه, فضربت عينه على زوجة من فتح له باب قلبه وقصره, وفتن بها, فراح يغري ويغوي من وراء ظهر الصديق على أمل أن يقطف ثمرة شهية من الشجرة المحرّمة.

 انتبهت الزوجة إلى ألاعيب الصديق, نقز قلبها منه, لم يخطر ببالها أن تبادله إغواء بإغواء, إلا أنّها خافت من ألاعيب الفتنة وأحابيلها. فهي تحبّ زوجها ولا تفكّر في تدنيس سمعته أو تدنيس جسدها. طلبت من زوجها أن يبطل عادة السهر في البيت, ويذهب مع أصدقائه إلى أيّ مقهى أو مكان, فأرض الله واسعة, وأماكن السهر غير محصورة بجدران البيت حتى ولو كان قصرا. لم ينتبه الزوج إلى المقصد الخفيّ للزوجة, وهو, في أي حال, مقصد بريء تريد أن تحمي به نفسها من وسوسات الشيطان. كلّ ما أرادته هو أن تطفىء الغواية المنتفضة في عينيّ صديقه, وتخرجه من بيتها بطريقة لا تثير الشبهات. وللمرأة مهارة لا يملكها الرجل في قراءة لغة العين, والحركات, والإشارات. المرأة مدرسة في لغة العيون، ويقال أن الحياة الانسانيّة وليدة عيني المرأة، فهما وسيلة التواصل الوحيدة، في البدايات، بينها وبين وليدها. اعترض الزوج على رغبتها وانتفض لذكوريّته التي لا تقبل أن يمسّها لسان امرأة فرفض تغيير عادته. قال لها: بإمكانك أن تذهبي إلى الجناح الآخر من البيت هرباً من صخب السهر وقهقهات الفرح. الصديق لم ييأس من المحاولة, رغم الرفض الصريح، ظلّ يغري ويغري إلى أن وقعت الزوجة، في الأخير، فريسة نزق عابر.

 صار الصديق يتحيّن فرص غياب الزوج من القصر لاختلاس المتع والملذّات, ولكن كلّ لذّة تنهزم في الأخير. عاد الزوج ذات مرّة على حين غرّة إلى البيت وعن غير قصد كما حدث مع شهريار ومع شقيقه شاه زمان في بداية  حكايات "ألف ليلة وليلة", وشاهد الخيانة، في عقر فراشه، بالبثّ الحيّ. لم تزغ عيناه, أو تغبرّ دنياه, لم ينتفض, لم يثر, لم تظهر على تعابير وجهه علامات الغضب أو الانكسار, امتلك زمام جنونه وجراحه. لم يستعمل وسائل سلفه شهريار في الانتقام. وإنّما طلب من الصديق الغادر وبأعصاب باردة كالثلج مغادرة المكان, وان يتوارى عن الأنظار إن كان يريد لروحه أن تنجو بجلدها,  بينما طلب من زوجته أن تظلّ في البيت, فالبيت بيتها وسيبقى, إلا انه لن يسكن معها, ولن يتلاقيا. انتهت العلاقة، ولكنّه لن يجرّدها من المكان ولن يحرمها من الأولاد أو النفقة.

 تركها وسكن وحده, ولكنه استمرّ في معاملة زوجته بمنتهى الرقّة واللطف. ظلّ مصروفها يصلها في وقته وفوقه حبّة مسك. وكان ينتهز المناسبات والأعياد ليرسل لها الهدايا كما في أيّام الوئام, لم يقصّر معها في كل ما له علاقة بالرخاء المادّي، المرأة لم تفهم تصرّف زوجها. ارتبكت أفكارها، تزعزعت يقينيّاتها. أيّة مكافأة لها بعد ان قلبت حياته ونغّصت أيامه  وجرحت كبرياءه في الصميم؟ راحت تطلب المغفرة منه, كانت المغفرة تطلع من قلبها, ومن أعماق روحها المكسورة والتائبة إلا انه ظلّ متشبّثا بقراره الأوّل وهو الفراق، لا لقاء، لا تظرة، لا جواب على كلّ توسلاتها. استعان بالصمت وعدم الردّ على قضاء مآربه.  بدأ وخز الضمير ينخر في أيّامها وبدأ الضمور يقضم جسدها الواهن وينهش روحها. ومرّت في حالات نفسيّة مرّة ومدمّرة, لم يهدأ ضميرها من تحريك أشجانها وتقليب مواجعها وتذكيرها بسقطتها الكريهة، فلم يعد  يلذّ لها مأكل ولم تعد تستسيغ شرابا, كرهت حالها, وفعلتها, وصديق زوجها, وبدأت تذوي حتى صارت جلدة على عظمة إلى أن لفظت أنفاسها الأخيرة في قصرها المهجور. فتنفّس, ساعتئذ, زوجها الصعداء. فرح، سرّا، بنهايتها التي خطّط لها ببراعة شيطانيّة.

 طبعا, لا يمكن لأحد أن يقول إن زوجها ارتكب جريمة قتلها. لا شيء، في الظاهر، يدينه,  بل على العكس, كان تصرّفه معها في منتهى اللطافة, والدماثة، كان تصرّفه على نقيض تصرّفها معه، تصرّف لا يستوعبه عقل فطريّ. ولكنّه عمليّا قتلها, قتلها ببرود أعصاب ينخر العظم. لم يستخدم مسدّسا أو عبوة ناسفة أو أيّ وسيلة من وسائل القتل التكنولوجيّ الحديث. لا دليل على ارتكابه جريمته. كانت النعومة في ردّ الفعل على سلوكها مرهفة كالشفرة، وهو كان يريد أن يكون لسلوكه الناعم واللطيف هذا المفعول القابض، في المدى الطويل، على روح من خانته.

قد يرى البعض أن تصرّف الزوج كان في منتهى الخبث حتّى ولو لبس ثياب اللطافة النقيّة. ما أكثر الجرائم, في أيّ حال, التي تبدو وكأنّها مجرّد انتحار أو موت طبيعيّ!

تختلط الأمور أحياناً كثيرة على النظر, فيصعب الحكم. العين خدّاعة، والكلام خدّاع . الكلمة لا تقول ما تقول، والسلوك لا يشي بما يبتغيه، يبقى مغلّفا بظاهره العذب الوديع، وما وراء السطور من نوايا مضمرة تعمى عنها العيون.

يمكن لمن يمسك الخيط الأسود, في الليل الحالك, أن يصرخ من أعماق حنجرته مدّعيا أنّ الخيط الأبيض في يده. لن يكذّبه أحد, لأنّ سحنة الليل السوداء تجعل الأبيض والأسود  لونا واحدا بعد أن تصاب العيون بـ "عمى الألوان".

بلال عبد الهادي

Review Previous Chinese Lessons

كتاب “ناسك الأقحوان” عبارة عن مجموعة حكايات شعبية من اليابان

ناسك الاقحوان كتاب من اليابان، وهذه مختارات من حكاياته

نقلا عن أحمد السعداوي من جريدة الاتحاد

كتاب “ناسك الأقحوان” عبارة عن مجموعة حكايات شعبية من اليابان، جمعها ريتشاد غوردون سميث ويأتي ضمن سلسلة من الكتب تجمع تراث الشعوب من الحكايات والأساطير والخرافات الشعبية، منسجمة مع الأهداف والقيم التي اختطتها لنفسها مبادرة “كلمة”، والتي تسعى أبوظبي من خلالها إلى تجسيد ثقافة التسامح والحوار، وبناء جسور التواصل بين شعوب الأرض وحضاراتها، وتعزيز العمق الثقافي الجامع بين مختلف الأعراق والجنسيات والثقافات، وجمعها تحت سقف واحد، هو سقف الثقافة والمعرفة والكلمة التي تجمع ولا تفرّق.
نختار بعضاً من القصص التي وردت في هذا الكتاب، وسنعمل على عرضها كي تنقل لنا صورة حية عن التراث الياباني القديم وما يحتويه من قيم وأفكار، وبدايتنا مع قصة “شبح الثلج”.
الشبح الثلجي
تقول الحكاية «في شمال مقاطعة إشيغو، قبالة جزيرة سادو على بحر اليابان، تتساقط الثلوج بغزارة، وقد يصل ارتفاعها إلى عشرين قدماً، حتى إن كثراً دُفِنوا تحت الثلوج ولم يعثر عليهم حتى فصل الربيع. منذ سنوات غير بعيدة، دُفنَت ثلاث سرايا من الجيش تحت الثلوج في أوموري، ولم ينجُ منها سوى ثلاثة أو أربعة جنود، ولم يتمّ العثور عليهم سوى بعد أسابيع، وكانوا كلّهم أمواتاً.
من الطبيعي أن تثير الاختفاءات الغامضة مخيلة الأشخاص الذين يميلون إلى التوهّم والخيال. وقد لازمت قصص الأشباح الثلجية سكان الشمال، الذين يقول عنهم سكان الجنوب إنهم يكثرون من تناول الساكي، فيرون الأشجار المكسوّة بالثلوج نساءً، وهذا ما يفسرّ ما رآه مزارعٌ اسمه كيوزايمون.
في قرية هوي المؤلّفة من أحد عشر منزلاً يسكنها الفقر، عاش كيوزايمون فقيراً تعيساً وحيداً بعد أن فقد ابنه وزوجته.
عند بعد ظهر التاسع عشر من يناير من العام الثالث من عصر تامبو، أي في العام 1833، هبّت عاصفة ثلجيّة مريعة. أقفل كيوزايمون الأبواب وجلس في كوخه يستريح. عند الحادية عشرة ليلاً، استيقظ على صوتِ الباب يُطرَق طرقاً غريباً منتظماً. جلس في فراشه ينظر إلى الباب غير عارف من قد يكون الطارق. طُرِق الباب ثانيةً وسُمِع صوت فتاة. ظنّ كيوزايمون أنها قد تكون ابنة أحد جيرانه بحاجة إلى المساعدة، فنهض من فراشه لكنه عندما وصل إلى الباب، خشي أن يفتحه. طُِرِقَ الباب وسُمِعَ صوت الفتاة مجدداً فصاح: “من أنت؟ وماذا تريدين؟”.
فأجاب الصوت: “افتح الباب! افتح الباب!”.
http://www.alittihad.ae/styles/images/adverttop.png
http://www.alittihad.ae/styles/images/advertbottom.png
قال كيوزايمون: “أفتح الباب! كيف لي أن أفعل ذلك وأنا لا أعرف من تكونين وماذا تفعلين في الخارج في هذا الوقت المتأخر وفي ليلة عاصفة كهذه؟”.
أجاب الصوت: “يجب أن تدعني أدخل. كيف لي أن أكمل طريقي، والثلج يغطّي الأرض وما زال يتساقط؟ أنا لا أطلب منك الطعام، لا أطلب سوى ملجأ لي”.
قال كيوزايمون: “آسف، لا فسحة لدي، لذا يستحيل أن أدخلك منزلي”.
أجاب الصوت: “لا أريد مرقداً، لا أريد سوى ملجأ”. فقال كيوزايمون: “لا يمكنني إدخالك في كلّ الأحوال فذلك مناف للشرائع والأخلاق”.
قال كيوزايمون كلمته، وأحكم إقفال الباب، ولم يجرؤ حتى على النظر من خلال مصراعي الباب ليرى من كان الزائر. استدار للعودة إلى فراشه، وارتعب لرؤية طيف امرأة متّشحةً بالبياض، وشعرها منسدلٌ على ظهرها.
وجه جميل
ودار حوار بين المرأة الشبح وكيوزايمون نخلص منه إلى أنها جاءت تخبره بأنها روح زوجة إيزابورو الذي يقطن احدى القرى المجاورة وسبق وان ماتت في عاصفة ثلجية وما لبث زوجها أن أهمل ولدها العجوز وتخلى عنه لتفعل به صروف الدهر ما تشاء وبعد هذه المحادثة مع المرأة الشبخ خلد كيوزايمون إلى النوم وصبيحة اليوم الثاني ذهب لقرية فوجد كلاً كيوزايمون وإيزابورو أن المرأة الشبح غادرت بطيفها منزل الأول وظهرت للثاني، بعد نصف ساعة من منتصف الليل، وبقيت معه حتى وعدها بالعودة إلى منزل والدها ومساعدته في شيخوخته.
هذه قصّتي عن الأشباح الثلجية، فكلّ من مات من البرد والثلج تحوّل شبحاً ثلجياً يظهر عندما تتساقط الثلوج.
وحتى اليوم ما زال الكهنة في الشمال يصلّون من أجل راحة نفوس الأموات جراء العواصف الثلجية، ومن أجل ألا تطارد أشباحهم أقرباءهم.
أما ثاني القصص التي نتناولها فهي حكاية «شجرة الكرز المربعة».
شبكة الكرز
في العصور القديمة، وقبل وصول التحول الأوروبي السيئ الذكر إلى اليابان، عاش في كاساماتسو، في ناكاساتاني، قرب شيشيكواي موراشينجي غان، مقاطعة هيتاشي، عجوز إقطاعي حاد الطباع اسمه أوداساييمون. كانت قلعته على هضبة مكسوة بشجر الصنوبر، وتبعد ثلاثة أميال عما يعرف بمحطة كاميتاشي على شبكة حديد نيبون. وقد اشتهر ساييمون بشجاعته كجندي، ولعبه الرديء في لعبة الغو ومزاجه السيئ وفظاظته حين يخسر.
وقد حاول أقرب أصدقائه التابعين له تصحيح طباعه بعد خسارته في اللعبة، ولكنه لم يتوصل إلى نتيجة. كل من يفوز أمامه في اللعبة، يضربه على وجهه بمذرات حديدية ثقيلة مثل التي يحملها المحاربون القدماء، وكان يغضب لدرجة أنه يمكن أن يستل سيفه ويقطع رأس صديقه المفضل إذ تدخّل في هذه المواقف. وأكثر ما كان يخيف المحاربين الشجعان، هو أن يدعوهم سيدهم لمنازلته في لعبة الغو. وأخيراً، قرروا فيما بينهم، تجنب أن يقتلوا على يديه بعد أن يهزموه، وفضلوا أن يدعوه يفوز. لم يشكل الأمر فرقاً حيث إن لا رهان مالياً على اللعبة. ولكن تراجعت طريقة ساييمون في اللعب أكثر فأكثر، لأنه لم يتعلم شيئاً. ومع ذلك، وبسبب غروره، ظل يظن أنه أفضل من الجميع.
يوم الدمى
وفي الثالث من مارس، استضاف أتباعه على مأدبة عشاء، على شرف ابنته الصغيرة الآنسة شييو. يوم الثالث من مارس، هو يوم الدمى، عندما تعرض الفتيات كل ألعابهن. ويجول الناس عادة من منزل إلى آخر للتفرّج عليها، أما المالكات الصغيرات فيقدمن شراب الساكي الأبيض الحلو في فنجان اللعبة. ولاشك، كان ساييمون يختار هذا اليوم للولائم، ويعتبره مديحاً لابنته. فهو كان يقدم شراب الساكي الأبيض الحلو بعد الطعام، لشربه في صحة دمى ابنته، بدلاً من صحة رجاله، الأمر الذي كان يعجب المدعوين أكثر. وكان ساييمون بحد ذاته يكره شراب الساكي الحلو. لذا، وبعد انتهاء الوليمة، نادى سايتو أوكون، هو أحد أقدم محاربيه وأكثرهم وفاءً، ليلعب معه لعبة الغو، تاركاً باقي المدعوين يشربون الساكي. لقد تغلغل الفضول في نفس أوكون، فهو لم يلعب قط مقابل سيدة من قبل، وكان مسروراً جداً لأن الاختيار وقع عليه. لقد قرر الموت الليلة بعد أن يعلم سيده درساً لن ينساه.
في غرفة مزينة بترف، وضعت رقعة اللعب، بالإضافة إلى علبتين تحتوي كل منهما على المحاربين، وهم عبارة عن أحجار باللونين الأبيض والأسود. عادة، يستلم الأحجار البيضاء اللاعب الأول في حين يستلم اللاعب الثانوي الأحجار السوداء. ومن دون اعتذار أو تفسير، أخذ أوكون العلبة التي تحوي على الأحجار البيضاء، وبدأ بصفها على اللوحة، وكأنه بلا شك اللاعب الأول.
بدأ مزاج ساييمون بالتعكر، ولكنه لم يظهر ذلك. لقد لعب مباريات كثيرة في لعبة الغو مع أتباعه الذين تركوه يفوز. وكان واثقاً من أنه سيفوز مجدداً، وسيكون على أوكون أيضاً الاعتذار لاختياره الأحجار البيضاء.
انتهت اللعبة بفوز أوكون.
قال ساييمون: “علي اللعب مرة أخرى. لقد لعبت بلا مبالاة. سأريك كيف أستطيع هزيمتك عندما أحاول ذلك”.
ومرة أخرى هُزم ساييمون. ولكن هذه المرة، لم يسيطر على أعصابه، إذا أحمرّ وجهه، وتطاير الشرر من عينيه، وبصوت صارخ مليء بالغضب، طالب خوض مباراة ثالثة.
وهذه أيضاً فاز بها أوكون. لا يمكن التكهن بمدى غيظ ساييمون. أمسك بمذراته الحديدية، وكان سيضرب أوكون بقوة على وجهه. ولكن أمسك به منافسه بمعصمه وقال: “يا سيدي، ما هي أفكارك حول اللعبة؟ إذ تبدو فكرتك عنها مثيرة للفضول! اللاعب الأفضل هو الذي يفوز، في حين أن اللاعب الثانوي يخسر. إن فشلت في الفوز عليّ في لعبة الغو، فهذا يعني أنك اللاعب الثانوي. هل هكذا تتقبل جلالتك الهزيمة على يد محارب، تماماً كما تعلمنا؟ تقبل نصيحة مني، أنا تابعك الوفي، ولا تدع الغضب يسيطر عليك، فهذا لا يناسب شخصاً في مثل مكانتك”. وبنظرة مليئة بالتأنيب موجهة إلى ساييمون، انحنى أوكون ولامس الأرض.
صرخ ساييمون: “أيها السافل الوقح! كيف تجرؤ على مخاطبتي بهذه الطريقة؟ لا تتحرك! ابق في مكانك، ورأسك منحن، حتى أستطيع قطعه”.
واجاب أوكون: ؛إن سيفك هو لقتل أعدائك لا أتباعك وأصدقائك. أغمد سيفك يا مولاي، أنت لست بحاجة إلى قتلي لأنني قد ضحيت بنفسي لأعطيك النصيحة السابقة، وحماية الباقين. انظر إلى هنا يا سيدي!”. وخلع أوكون ملابسه وكشف عن جرح كبير على معدته.
وقف ساييمون لبرهة مذهولاً، وتوجه أوكون إليه بالحديث مجدداً قائلاً إن عليه السيطرة على غضبه، كما عليه معاملة الأشخاص بطريقة أفضل.
وفاة أوكون
لدى سماعه النصيحة للمرة الثانية، استشاط غضباً. استلّ سيفه، وتوجه مسرعاً إلى أوكون وقال صارخاً: “لن أسمح لنفسي بأخذ نصيحة، حتى من روحك الميتة! وتوجه بالضربة على رأس أوكون. لم يصبه. بل شطر لوحة اللعبة إلى قسمين بدلاً من ذلك. وبعد أن لاحظ أن أوكون يلفظ أنفاسه الأخيرة، انحنى إلى جانبه وقال: “أنا آسف كثيراً لرؤيتك تموت أيها الوفي أوكون! بخسارتك سأخسر أقدم أتباعي وأكثرهم وفاءً. لقد خدمتني بوفاء مطلق وحاربت ببسالة في كل معاركي. سامحني أرجوك! سأخذ بنصيحتك. لابد من أنها إشارة من الآلهة بأنهم غير راضين عن تصرفي، عندما جعلوني أخفق في إصابة رأسك بسيفي، وإصابة لوحة لعبة الغو بدلاً منه”. ارتاح أوكون لرؤية سيده نادماً أخيراً. وقال له: “لن أنسى، حتى في الممات، العلاقة بين السيد والخادم، وسترافقك روحي وتسهر على راحتك طيلة أيام حياتك”.
ولفظ أوكون أنفاسه الأخيرة. تأثر سايمون بوفاء أوكون، فأمر بدفنه في حديقته الخاصة، ودفن معه لوحة لعبة الغو المكسورة. ومنذ ذلك الحين تغير أسلوب سايمون كلياً. فأصبح طيباً مع كل أتباعه، وصار الشعب سعيداً.
وبعد عدة أشهر من وفاة أوكون، نبتت من قبره شجرة كرز. وفي غضون ثلاث سنوات، نمت الشجرة وأزهرت بشكل رائع.
وفي الثالث من شهر مارس، وفي الذكرى الثالثة لوفاة أوكون، تفاجأ ساييمون برؤية الشجرة مزهرة فجأة. كان ينظر إليها، ويفكر في إروائها بنفسه، كما يفعل عادة في هذا اليوم، عندما رأى وجهاً باهتاً على جذع الشجرة. فقال “أنا أعرفك، أنت روح الوفي أوكون”. اختفى الوجه. توجه ساييمون إلى الشجرة لروي الجذور، عندما لاحظ تحول أقسام من جذع الشجرة إلى شكل وحجم مربعات لوحة لعبة الغو! تأثر كثيراً. واستمر ظهور شبح أوكون في الثالث من مارس لسنوات، وحتى وفاة ساييمون. بني سياج حول هذه الشجرة، واعتبر المكان مقدساً. ويقال إن هذا المكان يستحق الزيارة إلى يومنا هذا.
سيف ناتوري نوهوتو
وأخيرا اخترنا قصة «سيف ناتوري نوهوتو» التي تروي أن إدي كاموتسو كان تابعاً لسيد مدينة ناكورا في كيشو. وهو ينحدر من سلالة من المحاربين الشجعان، وقد تميّز هو في معركة في شيزوغاتاكي التي اتخذت اسمها من جبل في مقاطعة أومي. حارب هيديوشي العظيم وانتصر على شيباتا كاتسوي في المكان نفسه في العام الحادي عشر من عصر تانشو الذي بدأ في العام 1573 وامتدّ حتى العام 1592، ما يجعل المعركة في السنة 1584.
كان أجداد إدي كاموتسو رجالاً أوفياء، وقد ذاع صيت واحد منهم دون غيره من المحاربين، فقد قطع رأس زهاء ثمانية وأربعين رجلاً بسيف واحد. ومع مرور الوقت، انتقل سيفه إلى إدي كاموتسو الذي احتفظ به على أنه أثمن كنوز العائلة. كان كاموتسو ما زال شاباً عندما ماتت زوجته تاركة له ابناً اسمه فوجيواكا. شعر كاموتسو بالوحدة القاتلة بعد موت زوجته، فما كان منه إلا أن تزوّج فتاةً اسمها ساداكو. ولدت له ابناً أسمياه غورو. بعد مرور اثنتي عشرة أو أربع عشرة سنة، مات كاموتسو تاركاً ابنيه في عهدة ساداكو، وكان فوجيواكا في التاسعة عشرة من عمره في ذلك الحين.
كانت ساداكو تحسد فوجيواكا لكونه الابن البكر وبالتالي وريث أملاك كاموتسو، فحاولت بشتى الوسائل أن تنقل الوراثة إلى ابنها غورو.
في هذا الوقت، جمع غرامٌ سريٌ بين فوجيواكا وفتاة جميلة اسمها تاي، وهي ابنة إيوازا شيرو. وصارا يلتقيان سراً ليبوحا بما يخالجهما من عواطف حتى إنهما تبادلا نذور الزواج سراً.
اكتشفت ساداكو الأمر وتحجّجت به لطرد فوجيواكا من المنزل وحرمانه من حقوقه من أملاك العائلة.
كانت في البيت مربّيةٌ مخلصةٌ اسمها ماتسوي، اهتمت بتربية فوجيواكا منذ طفولته. وقد حزنت بشدة من الظلم الذي أصاب فوجيواكا، فقررت أن تسرق الصيف من ساداكو بعد آن استولت عليه من أجل أن تعيده إلى مالكه الأصلي فوجيواكا، إلا أن ساداكو اكتشفت الأمر فحبستها ومنعت عنها طعام الشراب حتى ماتت وفي الليلة التي مات فيها، كانت ساداكو جالسةً في زاوية بعيدة من الحديقة بحثاً عن بعض النسيم النعش في تلك الليلة الحارة.
بعد أن مرّ زهاء نصف ساعة على جلوس ساداكو في تلك الزاوية، تراءى لها فجأة طيف امرأة نحيلة منسدلة الشعر. ظهر الطيف من وراء عمود قنديل حجري، واتّجه نحو ساداكو ونظر وأخذ يحملق بها.
تعرّفت ساداكو على الفور إلى ماتسوي وراحت توبّخها على مغادرتها سجنها.
كانت صرخ وتقول: “عودي إلى سجنك أيتها السارقة، فعقابك لم ينتهِ بعد. كيف تجرؤين على مغادرة سجنك ومواجهتي”.
لم ينبس الطيف ببنت شفة، بل توجّه إلى المكان الذي طُمِر فيه السيف وحمله.
كانتس اداكو تراقب ما يجري، وقد كانت شديدة الشجاعة حتى إنها أسرعت إلى ماتسوي تحاول أخذ السيف منها، إلا أنه سرعان ما اختفى طيف ماتسوي مع السيف.
هرعت ساداكو إلى الغرفة حيث كانت ماتسوي مسجونة وفتحت الباب بقوّة لتجد ماتسوي ميتة، ومن الواضح أنه مرّ على وفاتها يومان أو ثلاثة وقد هزل جسمها ونحل.
علمت ساداكو أن ما رأته كان طيف الآنسة ماتسوي فراحت تتمتم نامو أميدا بوتسو، نامو أميدا بوتسو وهي كلمات صلاة بوذية لطلب الحماية والرحمة.
بعد أن طُرِدَ إدي فوجيواكا من منزله، تشرّد في أماكن عدّة متسولاً طعامه. في النهاية حصل على عمل متواضع، وتمكّن من العيش في غرفة صغيرة في معبد أوماماشي أزاكوزا.
في منتصف إحدى الليالي، استيقظ فوجيواكا ووجد طيف مربّيته الهزيلة واقفاً عند سريره حاملاً في يديه السيف الثمين، وهو أثمن ما في الميراث. وكان السيف مغلّفاً بقماش قرمزي وذهبي كهده دائماً، فتقدّم طيف الآنسة ماتسوي ووضعه باحترام عند قدمي فوجيواكا.
قال فوجيواكا” “مربّيتي العزيزة، كم يسرّني...”. وقبل أن ينهي كلامه اختفى الطيف.
السيف العجيب
كانت في البيت مربّيةٌ مخلصةٌ اسمها ماتسوي، اهتمت بتربية فوجيواكا منذ طفولته. وقد حزنت بشدة من الظلم الذي أصاب فوجيواكا لكنها لم تفكر بفقدانه المال أو الأملاك بل انصب همّها كلّه على فقدانه السيف، ذلك السيف العجيب الذي يعود للابن المنبوذ. وانشغل بالهاليل نهار وهي تفكر بطريقة تعيد فيها السيف إلى فوجيواكا. بعد أيام عديدة وجدت الحلّ، وقرّرت أن تسرق السيف من المذبح (وهو عبارة عن صندوق خشبي داخل الضريح، يحمل اسم الجد المتوفي، ويمثّل روحه).
ذات يوم، كانت السيدة ساداكو والآخرون خارج المنزل. فسرقت ماتسوي السيف. لكنه كان من الواضح أنها لن تتمكن من تسليم السيف إلى مالكه الحقيقي إلا بعد مرور بضعة أشهر، وذلك لأن خبراً لم يسمع عن فوجيواكا منذ أن طردته زوجة والده من المنزل. خشيت المخلصة ماتسوي أن تتهم بالسرقة، فحفرت حفرة في الحديقة بالقرب من الدفيئة (وهي غرفة صغيرة تبنى في حديقة اليابانيين الأغنياء ليُقدّم فيها الشاي) وطمرت فيها السيف إلى حين تتمكن من إعطائه فوجيواكا.
في اليوم التالي، توجّهت ساداكو إلى المذبح ولم تجد السيف. فما كان منها إلا أن اتهمت الآنسة ماتسوي بسرقة السيف كونها الخادمة الوحيدة في المنزل. نفت ماتسوي التهمة الموجّهة إليها، فبرأيها أن ما فعلته هو ضرب من العدالة، إلا أنه لم يكن من السهل إقناع ساداكو. فأمرت هذه الأخيرة باحتجاز ماتسوي في غرفة خارجية ومنعت وصول الأرزّ أو الماء إليها حتى تعترف. لم يكن مسموحاً لأحد بالاقتراب من مكان ماتسوي ما عدا ساداكو نفسها التي تحتفظ بالمفتاح، وكانت تزورها مرةً كل أربعة أو خمسة أيام.


Le Jeu de Go

《想你的365天》

"Chopsticks"-- Blissful taste of Chinese culture (CCTV PSA) 央視春晚公益廣告《筷子篇》

من خواطر بلال عبد الهادي



1.  قال لي: لن اعيش بانتظار المهدي المنتظر.


1.  يكبر بعيني من يقتبس، بقدر ما يصغر بعيني من يختلس.


2.  الاقتباس حلال، السرقة حرام. ونحن شعب يعشق ممارسة الحرام.


3.  يصلّي، يصوم، ويسرق " ستاتوس" الآخرين، ألا يشبه زانية تتصدّق؟


4.  العالم العربيّ لا يحتاج إلى قميص عثمان ، يحتاج إلى قميص يوسف.


5.  أميركا تعمي من تكحّله.


6.  عمر البطارية أقصر من عمر القلم.


7.  "الكيماوي " قميص عثمان، البعض يراه " شعرة معاوية"
والبعض يراه شعر شمشون بعد القصّ ،ومنهم من يراه شعر شمشون قبل القص.
وقليلون يرونه شعرة من رأس جيمس بوند.


8.  التماس هلال توماهوك.


9.  كثيرون يرقبون هلال الضربة لمتابعة مسلسل غير رمضانيّ


10.                    هناك من يظنّ ان اللهجات العربية تعيش بلا ضوابط نحوية. وحين تقول لهم ان العامية مثل الفصحى لها نحو وقواعد، ترى عيونهم ترقص بين أجفانهم من استغراب.
الفرق بين اللغة واللهجة ان اللغة لهجة محظوظة أكثر من اللهجة التي لأسباب كثيرة أدارت أذنها الصمّاء للحظّ.
أليست اللغة الفصحى في الأصل لهجة قريش مع بعض التعديلات؟


11.                    ليس للظروف عقل، ولكن للإنسان عقل، ومن غرائب الأمور أن ينتصر ما لا عقل له على من له عقل!
والعربية تقول ان " العقل" حبل، حبل منحك الله اياه لتربط به الظروف وتقودها كما تقود دابتك او سيارتك.
الظروف ليست اكثر شراسة او وحشية من أسد او نمر او فيل، ولكن للإنسان قدرة على ترويض الوحوش الكاسرة، فترى الأسد وديعا كحمل أمام مروِّضه.


12.                    ١١ أيلول على الأبواب؟
الذكرى تسنّ أسنانها وطائراتها وصواريخها .
الذكرى تشمّر عن زنودها الفتّاكة.
ما أغبى القويّ الذي لا يؤمن بقوّة الضعفاء.
ما أقوى مَنْ تجرّده من كلّ قوته!
في التاريح حكايات كثيرة عن ضعفاء افترسوا الأقوياء.
قد يكون الضعيف شجاعا، والقويّ جبانا.
هنا، تختلط المعايير، ويكثر الضباب ، ويمهر الضعفاء في ذرّ الرماد في عيون الأقوياء.
من أقوى ؟ سيّارة أم أربعة مسامير تغرز في عجلات السيّارة، فتشلّ أعصاب العجلات، وتفقدها الحركة؟
المسمار يلعب بالأقدار!
في كتاب " فن الحرب" لصون تزه حكايات كثيرة عن بحصة كسرت خابية.


13.                    علاقة الإنسان بوطنه كعلاقة الإنسان بأمّه. الأقدار تفرض أحيانا على أن يكون الإنسان خارجا من رحم مومس.
الأقدار أحياناّ تكون جائرة مع الولد، ما ذنب ابن مومس؟ لم يرتكب الجنين النامي في رحم مومس أي ذنب، جنين بريء.
ثمّ هل بإمكان ابن مومس أن يتبرّأ من أمّه؟
البيولوجيا لا تعرف ماذا يعني التبرّؤ.
الولد لا يطاوعه قلبه أن ينفصل روحيّا وجسديا عن أمّه.
أقول هذا الكلام لأنّ كثيرين من أهل بلدي يرون في الوطن " أمّاً مهنتها الدعارة".


14.                    الضعف العربيّ لا هو قضاء ولا هو قدر ، إنّه اختيار شخصيّ.


15.                    تريد أن يعيش من تحبّ بأمان من الضربات الأميركية فتجد أن المكان الآمن من ضرباتها هو أن تكون في اميركا.
الهروب من القضاء الأميركيّ إلى الفضاء الأميركيّ.


16.                    سماؤنا ملعب أزرق لصواريخ تنزل لا بردا ولا سلاما في جسد العالم العربيّ الفسيح.


17.                    هالأميركان ح يخلٌو العربان بخبر كان.


18.                    الورق أدّى قسطه للعلا.


19.                    كل الشعر الجاهليّ ابن الشفاه لا الورق.


20.                    تفوح من الفتنة رائحة النفط.


21.                    الفرق بين الباسبور العربيّ والباسبور الغربي كالفرق بين سجن محكم الإغلاق وسجن مفتوح الأبواب.


22.                    أيعقل أن يقوم مستشفى برميّ أعضاء بشرية ( يد، رجل، فخذ، أمعاء) في مستوعب نفايات عامّ؟
أليس من الضروريّ معاقبة مستشفى مهمل، ومنتهك حرمات الأعضاء البشريّة؟
ولكن على من تقرع مزاميرك يا " ابن البلد!!!"، الأصيل، غير " الزحفطاني"؟


23.                    الحريّة جواز سفر غربيّ.


24.                    العرب ليسوا عاجزين لأنهم عاجزون بل هم عاجزون لأنهم مؤمنون ايمانا لا تزعزعه ذرّة شكّ بأنهم عاجزون عجزا بيولوجيّا وتكنولوجيّا.
ليس من السهل أن تقنع نسرا ولد وعاش بين الصيصان ولقنّته الدجاجة كيف ينقر الحبّ مع إخوته الصيصان انه ليس صوصا او كتكوتا!.


25.                    الهاتف المحمول يغيّر من حياة الرقبة.


26.                    أمّة عربيّة مكسرّة كالكلمات الخارجة من الأفواه وهي مخلّعة الحركات، ومخلخلة براغي النحو.


27.                    الملوك مماليك.


28.                    في مقال بعنوان " رفيقتي" ويقصد بها " ربطة العنق". قال ايليا ابو ماضي ما يلي: فوقفت امام المرآة أصلح من شانها، فرأيتها تتدلّى من عنقي كذؤابة الصينيّ" أو ذنب الفرس".لفتني الربط بين ربطة العنق والذؤابة الصينيّة التي لم نعد نراها الا في بعض الأفلام الصينية التاريخية.


29.                    مقال لإيليا ابو ماضي كتبه عام ١٩٣٠، عنوانه:" كتّابتا ووجوه الصينيين".


30.                    بعض التوفير هدر وتبذير.


31.                    لا تقل: ليس لديك وقت للمطالعة.
ايليا ابو ماضي


32.                    العيش في الغربة تبذير في الروح.