الاثنين، 31 ديسمبر 2012

أعزائي القراء

كل عام وانتم بخير، عبارة فرّغها الواقع العربيّ من حبرها، ومضامينها، عبارة تكرر في رأس كل عام. ولكن لن نملّ من تكرارها، او نؤمن ببطلان فحواها.
فالأمل رغم كلّ شيء يظلّ الحاكم بأمره.
اتمنى لزوّار مدونتي حياة لا يتنكر لها الفرح، ولا تدير لها ظهرها الغبطة.
الحياة متعة رغم كلّ شيء، فرصة لا تتكرر لكي نقول قناعاتنا، ونمارس قناعاتنا ورغابنا بكلّ حرية.
اتمنى للجميع عالما خاليا من الحقد العرقي او المذهبي او الطائفي.
فالاحقاد لا تعرف الا التدمير والقتل .
اتمنى لزوار مدونتي ان يعيشوا زخم العمر، وزخم المعرفة.
فبالمعرفة ننهض بمجتمعاتنا نحو ضوء الحياة.
وبالمعرفة وحدها التي تعرف كيف تفتح ذراعيها لكل مثمر نقلب صحراء العمر فردوسا ارضيا.
كل عيد وانتم بخير، وعالمنا العربي بخير. ولغتنا العربية بخير.
 

كتب الابراج واسامة بن لادن

-  ماذا تتمنى لكتب الأبراج؟
- طائرات أسامة بن لادن.

كتب الابراج الفلكية

بعض كتب الابراج الفلكية تجني لاصحابها مبالغ فلكية.

ابراج بن لادن الفلكية

الم يكن من الأفضل لو ان بن لادن وجّه طائراته الى الابراج الفلكية ؟

الفساد فرض عين ام فرض كفاية؟

يكاد الفساد ان يصير فرض عين.

من ظهر دارون

الآدميّ هو الانسان الآتي من صلب آدم. وغير الآدميّ يعني انه ليس من صلب آدم، وقد يكون من صلب نظرية دارون.

الفساد سنة متبعة

-  ما رأيك بالفساد في بلادنا؟
- سنّة متّبعة.

حقيقة الوهم

ليس بالحقيقة وحدها يحيا الإنسان.

دلالات عبارة " بدنا نعيش".

" بدنا نعيش" تعني احيانا في بعض السياقات:" لازم نسرق"، " ناخد رشوة"، " نغشّ"، "نضحك ع العالم"، " نزحف"، " ننذلّ"، الخ... وهكذا تنقلب العبارة في زمن الفساد الى ما يشبه الموت السريريّ.

مو يان الاديب الصيني

«خشية» مو يان
فخري صالح
الثلاثاء ١٨ ديسمبر ٢٠١٢
أثار الكاتب الصيني مو يان في رحلته إلى العاصمة السويدية ستوكهولم لتسلم جائزة نوبل للآداب، ضجة في الأوساط الثقافية الأوروبية. فقد صرّح، في مؤتمر صحافي عقد قبل حفل الجائزة، أن الرقابة يجب ألا تقف حائلاً دون التعرف على الحقيقة، مقارناً الرقابة على الأعمال الأدبية والفنية بأمن المطارات الذي يقوم بتفتيش المسافرين حتى لا يتسرب إرهابي ويقوم باختطاف طائرة! وأضاف ان على السلطة أن تفرض رقابة على عمليات تشويه السمعة والإشاعات. وكان الكاتب البريطاني من أصل هندي سلمان رشدي وصف مو يان قبل أيام من حفل تسلم نوبل بأنه «ألعوبة في يد السلطة الحاكمة في الصين» لرفضه التوقيع على بيان يطالب الحكومة الصينية بإطلاق سراح الصحافي والناشط الصيني السجين ليو زياوباو، الحاصل على جائزة نوبل للسلام. كما أن الكاتبة الرومانية - الألمانية الحاصلة على نوبل للآداب عام 2007 هيرتا مولر هاجمته قبل أسبوعين قائلة إنه شديد القرب من النظام الصيني الحاكم وإنها شعرت بالصدمة لمنح نوبل جائزتها لكاتب متحالف مع الديكتاتورية.
مو يان، الذي أبدى سعادته بحصوله على نوبل، قال في خطاب تسلّم الجائزة إن «التحديات العظيمة التي واجهتني في كتابة رواياتي تتمثل في الواقع الاجتماعي الذي صورته مثلما حدث في رواية «أنشودات الثوم»، لا بسبب خوفي من نقد الجوانب المظلمة في المجتمع على نحو مباشر، بل لكون العواطف الحارّة الملتهبة والغضب تمكّن السياسة من إضعاف الأدب وتحوّلُ الروايةَ إلى نوع من الريبورتاج وتوثيق الأحداث الاجتماعية. إن الروائي، ولكونه فرداً من أفراد المجتمع، مطالب باتخاذ مواقف وحمل وجهة نظر تجاه ما يحدث في المجتمع؛ لكن عليه عندما يكتب أن يتخذ موقفاً إنسانياً، ويكتب انطلاقاً من هذا الموقف. في تلك اللحظة بالذات يمكن الأدب أن يتجنب التطابق مع الأحداث فقط، إذ إن عليه أن يعمل على السموّ بتلك الأحداث. إن على الكاتب ألا يقيّد نفسه إلى عالم السياسة بل أن يكون أكبر من السياسة».
لكن توضيحات مو يان لموقفه من العلاقة بين السياسة والأدب، والزاوية التي ينظر منها الكاتب إلى عالم السياسة والسلطة والرقابة وحرية التعبير، لم توقف الهجوم الشرس الذي شنّته الصحافة الغربية عليه بعد تسلّمه نوبل من ملك السويد، وحضّه الأكاديمية السويدية على عدم الالتفات إلى المواقف السياسية للكتّاب كواحد من معايير منح الجائزة، لأن المعيار الوحيد الذي يمكن الاستناد إليه هو الأدب ولا شيء غير الأدب.
دافع عن مو يان الكاتب والروائي الهندي بانكاج ميشرا (مواليد 1969) الذي هاجم النخبة الثقافية الغربية متهماً إياها بعدم إدراك العلاقة الفعلية القائمة بينها وبين المؤسسة السياسية في بلادها، وكون تلك النخبة عاجزة عن اتخاذ مواقف ناقدة للسلطات الغربية كما تفعل عندما تنتقد الدول غير الديموقراطية، أو توجه سهام نقدها الى كاتب مثل مو يان يعيش في ظلال الديكتاتورية الصينية. إن الكاتب الغربي، وفق ميشرا، لا ينتقد سياسة التدخل الأميركية والغربية خارج حدودها، ولا يتحدث عن الجرائم البشعة وقتل الأطفال والمدنيين من خلال إرسال باراك أوباما طائرات بلا طيار تقصف اليمن والصومال وأفغانستان وباكستان. كما أنهم لا ينتقدون الكاتب البريطاني إيان ماك إيوان الذي كان ضيفاً على مائدتي لاورا بوش وشيري بلير، في الوقت الذي تسبب فيه زوجا هاتين المرأتين في قتل عشرات الآلاف من البشر وتشريد الملايين. يقول ميشرا في مقالة نشرتها صحيفة «الغارديان» البريطانية: «لم يقابل صول بيللو أي فلسطيني في روايته «الذهاب إلى القدس والعودة منها». وقد عبّر عن إعجابه بإسرائيل بعد عقد كامل من تحولها إلى دولة استعمارية في الضفة الغربية. كما أن بيللو، الذي ينظر إليه في الدوائر الثقافية الإنكليزية والأميركية بوصفه من عظماء الكتاب الذين يمثلون النزعة الإنسانية، امتدح واحداً من الكتب التافهة التي تقول إن الفلسطينيين شعب لم يوجد أبداً».
دفاع ميشرا المقيّد عن مو يان، وفهمه الشروط التي يعيشها الكاتب في مجتمعات العالم الثالث وتحت حكم الأنظمة الديكتاتورية، والتي تجعل الكاتب يستعين بالحيلة وبعض الرقابة الذاتية ليستطيع العيش والكتابة، تفتح الباب للنظر إلى كتابات مو يان التي تتضمن نقداً شديد الوضوح للتجربة الصينية منذ بدايات ثورة ماو تسي تونغ الثقافية والتي تسببت في كوارث وجرائم في المجتمع الصيني. إن روايات مو يان، في مجملها، هي إعادة قراءة للتجربة السياسية والاجتماعية والثقافية الصينية المعاصرة. وهي تكشف عن الفساد والبيروقراطية والوحشية التي ميزت تعامل السلطات مع جماهير واسعة من الشعب الصيني. وقد استخدم مو يان، خصوصاً في رواياته «أنشودات الثوم» و «جمهورية الخمر» و «نهود كبيرة وأرداف واسعة» و «الضفدع»، نقداً عميقاً للصين المعاصرة في ظل النظام الشيوعي. في رواياته، التي تَجدِلُ الوصف الواقعي مع الواقعية السحرية وعالم الهلوسة وأحلام اليقظة، يعرض الكاتب الصينيّ المتميز للقسوة والفساد والتهتك التي تميز السلطة الصينية. إنه كاتب شجاع في نصه الروائي والقصصي، حتى لو رفض التوقيع على بيان يطالب الحكومة بالإفراج عن زميله النوبليّ السجين ليو زياباو. إنه يتخفّى في كتابته وراء الشخصيات، لكنه يخشى في حياته الواقعية من بطش السلطة وتضييقها على عيشه وكتابته.
http://alhayat.com/Details/462964

تعلم جدول الضرب بسرعة

اذا ما سألتك الآن : ما حاصل ضرب 2×3 ؟



ستجيب بكل سلاسة : 6 !

...


وإذا ما سألتك في كم ثانية حللت هذه المسألة ؟؟ .. ستجيب في أقل من ثانية !!

حسناً.. هل تستطيع ( بنفس السرعة ) أن تحسب حاصل ضرب 12×13 ؟


ستتردد وربما استخدمت الآلة !!.. لا لا بدون آلة..!

هناك طريقة رياضية صاروخية تضمن لك دقة النتيجة المتناهية مع سرعة رهيبة الآداء , مختصرا



بذلك الكثير من الوقت .. الهدف منها هو الحصول على نواتج ضرب الأعداد من 11 إلى 19



بنفس السرعة والكفائة التي نضرب بها الأعداد من 1 إلى 9



أكمل معنا بقية الموضوع حتى تشاهدها !



إليك الحل :



12 × 13

خذ الرقم(2) واضربه في(3) وضع أول ناتج : 6

نفس الرقم(2) اجمعه مع (3) وضع ثاني ناتح :5

ضع الواحد الأخير : 1

فتصبح النتيجة : 156



فلنجرب مثال آخر :

14×12 = ؟

4×2 = 8 وأيضا 4+2=6 . مع الواحد الأخير إذا ً الناتج هو : 168



كما ترى , نحن نأخذ الرقمين من خانة العشرات , ونضربهم في بعضهم.. ونأخذ نفس الرقمين



من خانة العشرات.. ونقوم بجمعهم.. بعد ذلك نضع الواحد لأن مضروب أي رقمين في



بعضهم يكون الناتج ثلاثة أرقام ورقمنا الثالث طبعا هو الواحد .



مثال للتثبيت :



11×13 = ؟

1×3 = 3 وأيضا 1+3=4 . مع الواحد الأخير فالناتج : 143



مثال أخير :



17× 12 = ؟




7×2= 4 وأيضا 7+2(+1)=0 , الواحد الأخير(+1) يكون الناتج 204



كما رأيت , في حالة كان هناك ناتج ضرب أو جمع فوق العشرة فنتعامل معها كما نتعامل مع مسائل الجمع ..



مع الوقت والتعود .. ستصبح مسألة بديهية جدا وستضرب جميع الأرقام من 11إلى19 في أقل من ثلاث ثواني !!



هل رأيت سرعتها ؟؟

الآن بعد أن تعلمتها بإمكانك تطبيقها كما تشاء ! فمن منا لم يتعامل مع الضرب في أي تطبيق من حياته

الأحد، 30 ديسمبر 2012

لبناني حاف

 هل انت لبناني؟
- لبنان لا يسمح لك ان تنتمي الى لبنان. كل لبنانيّ هو ربع لبناني او نصف لبناني او تلت لبناني. لبناني لبناني ما في. ممنوع يكون فيه.
- ليش ممنوع؟
لأن اذا كنت لبناني لبناني بطفشوك. بدك تكون لبناني ايراني، أو لبناني روسي، او لبناني سعودي، او لبناني اميركي، او لبناني فرنسي، او لبناني تركي، او لبناني سوري، او لبناني اسرائيلي او لبناني قطري، او لبناني حريري، او لبناني عوني، او لبناني بري، او لبناني حسنيّ او لبناني مبندق مانك معروف مع مين.
وما بس هيك، لازم تكون لبناني سني او لبناني علوي او لبناني شيعي او لبناني درزي او لبناني ماروني او لبناني روم او لبناني كاتوليك .
لبناني حاف بياكلوك حاف.
كيف ما بدّك ع وطنك تخاف. هالوطن يللي اسا ما عرف كيف يكون وطن ابن عالم وناس؟

جاسوس صيني

er mù  耳目 من الكلمات الطريفة فهي مؤلفة من رمزين: الأذن والعين ولكنها لا تعني الأذن ولا العين وانما تعني الجاسوس.

السبت، 29 ديسمبر 2012

الملك الصيني وشروط الزواج

حوالي العام 250 قبل الميلاد , في الصين القديمة , كان أمير منطقة تينغ زدا على وشك أن يتوّج ملكًا , ولكن كان عليه أن يتزوج أولاً , بحسب القانون.

وبما أن الأمر يتعلق باختيار إمبراطورة مقبلة , كان على الأمير أن يجد فتاةً يستطيع أن يمنحها ثقته العمياء. وتبعًا لنصيحة أحد الحكماء قرّر أن يدعو بنات المنطقة جميعًا




عندما سمعت امرأة عجوز , وهي خادمة في القصر لعدة سنوات , بهذه الاستعدادات للجلسة , شعرت بحزن جامح لأن ابنتها تكنّ حبًا دفينًا للأمير.

وعندما عادت إلى بيتها حكت الأمر لابنتها , تفاجئت بأن ابنتها تنوي أن تتقدّم للمسابقة هي أيضًا.

لف اليأس المرأة وقالت :

(( وماذا ستفعلين هناك يا ابنتي ؟ وحدهنّ سيتقدّمن أجمل الفتيات وأغناهنّ. اطردي هذه الفكرة السخيفة من رأسك! أعرف تمامًا أنكِ تتألمين , ولكن لا تحوّلي الألم إلى جنون! ))




أجابتها الفتاة :

(( يا أمي العزيزة , أنا لا أتألم , وما أزال أقلّ جنونًا ؛ أنا أعرف تمامًا أني لن أُختار, ولكنها فرصتي في أن أجد نفسي لبضع لحظات إلى جانب الأمير , فهذا يسعدني - حتى لو أني أعرف أن هذا ليس قدري-))




في المساء , عندما وصلت الفتاة , كانت أجمل الفتيات قد وصلن إلى القصر , وهن يرتدين أجمل الملابس وأروع الحليّ , وهن مستعدات للتنافس بشتّى الوسائل من أجل الفرصة التي سنحت لهن.

محاطًا بحاشيته , أعلن الأمير بدء المنافسة وقال :

(( سوف أعطي كل واحدة منكن بذرةً , ومن تأتيني بعد ستة أشهر حاملةً أجمل زهرة , ستكون إمبراطورة الصين المقبلة )).




حملت الفتاة بذرتها وزرعتها في أصيص من الفخار , وبما أنها لم تكن ماهرة جدًا في فن الزراعة , اعتنت بالتربة بكثير من الأناة والنعومة – لأنها كانت تعتقد أن الأزهار إذا كبرت بقدر حبها للأمير , فلا يجب أن تقلق من النتيجة- .

مرّت ثلاثة أشهر , ولم ينمُ شيء. جرّبت الفتاة شتّى الوسائل , وسألت المزارعين والفلاحين فعلّموها طرقًا مختلفة جدًا , ولكن لم تحصل على أية نتيجة. يومًا بعد يوم أخذ حلمها يتلاشى ، رغم أن حبّها ظل متأججًا.

مضت الأشهر الستة , ولم يظهر شيءٌ في أصيصها. ورغم أنها كانت تعلم أنها لا تملك شيئًا تقدّمه للأمير , فقد كانت واعيةً تمامًا لجهودها المبذولة ولإخلاصها طوال هذه المدّة , وأعلنت لأمها أنها ستتقدم إلى البلاط في الموعد والساعة المحدَّدين. كانت تعلم في قرارة نفسها أن هذه فرصتها الأخيرة لرؤية حبيبها , وهي لا تنوي أن تفوتها من أجل أي شيء في العالم.

حلّ يوم الجلسة الجديدة , وتقدّمت الفتاة مع أصيصها الخالي من أي نبتة , ورأ ت أن الأخريات جميعًا حصلن على نتائج جيدة؛ وكانت أزهار كل واحدة منهن أجمل من الأخرى , وهي من جميع الأشكال والألوان.



أخيرًا أتت اللحظة المنتظرة. دخل الأمير ونظر إلى كلٍ من المتنافسات بكثير من الاهتمام والانتباه. وبعد أن مرّ أمام الجميع, أعلن قراره , وأشار إلى ابنة خادمته على أنها الإمبراطورة الجديدة.

احتجّت الفتيات جميعًا قائلات إنه اختار تلك التي لم تزرع شيئًا.

عند ذلك فسّر الأمير سبب هذا التحدي قائلاً :

(( هي وحدها التي زرعت الزهرة تلك التي تجعلها جديرة بأن تصبح إمبراطورة ؛ زهرة الشرف. فكل البذور التي أعطيتكنّ إياها كانت عقيمة , ولا يمكنها أن تنمو بأية طريقة )).





لكي يجد الأجدر بينهن.

قصة الممالك الثلاث - من روائع الأدب الكلاسيكي الصيني

بقلم عباس جواد كديمي هناك العديد من الأسباب التي دفعتني للكتابة عن رواية (الممالك الثلاث) التاريخية الكلاسيكية الصينية، وأبرز هذه الأسباب هو كونها في غاية الروعة الأدبية، ولكنها غير معروفة للقراء العرب المتلهفين بطبعهم للإطلاع على روائع الأدب العالمي. أقول متلهفين وأنا واثق من ذلك، لمعرفتي التامة بأن القارئ العربي شغوف بالمعرفة، وهناك الملايين من محبي التراث الأدبي العالمي، يودون الإطلاع على الأدب الشعبي الصيني، وعلى هذه الرواية التي يعتبرها الصينيون لؤلؤة التاج في تراثهم الأدبي. ومرة أخرى، أقول حقاً إنها جوهرة ثمينة في خزانة الأدب العالمي، لما تحتويه من صور أدبية رائعة من أولها إلى آخرها، لا سيما في السرد الروائي المتقن والتسلسل المترابط للأحداث وقوة الشخصيات النابضة بالحياة. منذ أن أطلعت عليها، أعجبت بها كثيرا، إلى الدرجة التي تمنيت مخلصا أن أتشاطر مبررات هذا الإعجاب مع القراء العرب المحترمين. ورغم إدراكي لحقيقة اختلاف النظرة بين القراء لهذا العمل أو ذاك، ولكنني واثق تماما من أن هذه الرواية، ستحظى بنصيب وافر من الإعجاب بين القرّاء محبي الأدب العالمي. وفي غمرة إعجابي بهذا العمل الروائي الكبير، وتمتعي بقوة الأسلوب والوصف ودقة العبارة، تجلّت في ذهني عبقرية رائعة متجددة تتجسد في الحديث النبوي الشريف "اطلب العلم ولو في الصين"، حيث التأكيد على أهمية معرفة علوم الآخرين وأدبهم، مهما بَعُدت المسافة الجغرافية، كما لو أن هذا التوجيه الكريم يوصينا بمواصلة البحث عن المعرفة والحكمة والكلمة الطيبة والأدب الرفيع في كل زمان ومكان. لقد قرأنا وأطلعنا على أدب شعوب وأمم عديدة، كالأدب الإنجليزي والأمريكي والروسي واللاتيني والأفريقي، والمختلط. وكانت لنا مشاعر مختلفة ومتنوعة حول هذا العمل الأدبي أو ذاك، أو حول هذا الكاتب أو ذاك. ونتذكر جيدا أسماءً لامعة فرضت نفسها في عالم الأدب بمختلف فروعه، أمثال همنغواي وشكسبير وغوركي وبيكيت وطاغور ونيرودا وبرنارد شو وجابريل غارسيا ونجيب محفوظ، وغيرهم. ولكن القليل منا سمع بأسماء أدباء صينيين بارعين مميزين في مجال الرواية والقصة والشعر والمسرح، عدا الفيلسوف الكبير كونفوشيوس، والزعيم السياسي الراحل ماو تسي تونغ. هذا ربما بسبب البعد الجغرافي، وبسبب قلة الأعمال الأدبية الصينية المترجمة إلى العربية. وعندما قرأت بعض الروايات الصينية الكلاسيكية، مثل هذه الرواية، شعرت بأنه من الإجحاف بحق المعرفة والأدب والأديب والقارئ، أن تتأخر ترجمتها إلى العربية حتى يومنا هذا. ولمّا طرحت هذه الملاحظة على زملاء وأصدقاء صينيين مهتمين بالتبادل الثقافي مع العالم العربي، قالوا إن الملاحظة صحيحة، وإنهم يشعرون بنفس المشاعر، ولكن سبب التأخير لم يكن إهمالا ولا إجحافا، بل هو ظروف الصين. لقد تأخرت ترجمة ونشر هذه الأعمال المميزة بسبب انشغال الصين بشيء أهم يتعلق بجهود البلاد لعمل شيء يساعد في تعزيز التنمية وانتشال الملايين من هوة الفقر، ورفع مستوى حياتهم إلى حياة كريمة. وها هي الفرصة قد حانت رغم أنها متأخرة، ولكن لا بأس إذا انصبّت الجهود في إطار واحد يستهدف ترجمة ونشر المزيد من الأعمال الأدبية الصينية لإطلاع القارئ العربي عليها. ومما ينعش الآمال كثيرا حاليا هو أن الصين تولي اهتماما كبيرا لمشاريع ترجمة أدبها الكلاسيكي إلى اللغات العالمية، ومنها لغتنا العربية. الممالك الثلاث هي أول رواية صينية طويلة تظهر بشكل فصول متسلسلة، وكل فصل يحمل عنوانا يشبه بيتين من النثر، تحملان إشارة لفحوى أو مضمون الفصل. ولم يكن لأي رواية صينية أخرى، لا قديما ولا حديثا، التأثير الذي تركته (الممالك الثلاث) على المجتمع الصيني الذي ما فتئ يقتطف منها الشواهد والأمثال حتى يومنا هذا. إنها تتناول أحداث فترة تاريخية مهمة جدا في تاريخ الصين القديم ( 184-280 ميلادي) وتصف بشكل حيوي العوامل والخصائص والصفات التاريخية لفترة أكثر من قرن، وتتعمق في شخصيات رئيسية تعكس من خلالها قوة ووحشية ذلك الصراع الذي استمر عشرات السنين بين ثلاث شخصيات رئيسية بالرواية، هي: ليو بَيْ، وهو رجل من نسل العائلة الإمبراطورية آنذاك؛ وتساو تساو، وهو قائد عسكري مشهور، يعتبر النقيض من الشخصية الأولى؛ وسون تشيوان، نجل جنرال وأمير حرب ترك لابنه إرثا مهما، وأرضية تصلح لأن تكون مملكة. هذه الشخصيات الرئيسية الثلاث، نجحت بعد صراعات دموية مريرة، أن تؤسس الممالك الثلاث (شو، وَي، وو) التي حملت الرواية اسمها. هذه الممالك الثلاث كانت تحتل مساحات في مناطق الصين آنذاك؛ فمملكة شو تمد سلطانها على أراضي الأنهار، جنوب غربي الإمبراطورية، وتحمل أيضا اسم (شو- هان) دلالة على ارتباطها بسلالة هان الحاكمة. ومملكة وَي، في السهول الشمالية والوسطى. ومملكة وو، في أراضي الجنوب، جنوبي نهر اليانغتسي العظيم، وامتدادات للشرق. مؤلف الرواية هو أديب صيني اسمه لوه قوان تشونغ(1330-1400 ميلادي)، أبدع فعلا في إحكام حبكة الرواية بشكل بات يشبه شجرة كبيرة متشعبة الأغصان، كثيفة الأوراق، ولكن بدون وجود أي غصن أو ورقة بمكان نشاز أو غير ملائم. ومن الواضح أنه يمتلك موهبة أدبية مقرونة بثقافة واسعة مكّنته من إبداع رواية نابضة بالحياة، أمينة كل الأمانة على متابعة دقيقة لأحداث تلك الفترة التاريخية وما وقع فيها من أحداث ونزاعات ومؤامرات وخطط وخدع وحروب. في كل عبارة، يمكن للقارئ أن يلاحظ الثقافة الواسعة للمؤلف الذي نجح تماما في نقل صور نابضة بالحياة عن تلك الفترة. وأبرز ما يميّز هذه الثقافة والإطلاع الواسع هو استخدام المؤلف لكلمات وعبارات تنقل صور الأبطال والقادة والمخططين والمستشارين والمقاتلين بمختلف الرتب والأصناف. إنه يبدع في وصف الفرسان وبسالتهم بعبارات نكاد نلمس فيها قوة وحيوية الفارس نفسه. ومن خلال وصفه للمعارك وظروفها، يمكن العودة بالذاكرة إلى تلك الفترة وترك المجال للعين أو للأذن لأن تتصور أو تصغي لصليل السيوف وقعقعة الرماح، واحتدام الفرسان والخيول، وحتى استنشاق غبار المعارك. في هذه الرواية، ما أن تضع حرب أوزارها حتى تنشب أخرى أشرس منها. وما يكاد هذا الطرف يخرج منتصرا، حتى تدور الدوائر عليه في الغد. وما تنتهي هذه المكيدة حتى تبدأ أخرى، وهكذا في سلسلة طويلة تكاد لا تنتهي من الأحداث. ولهذا السبب، يقول الصينيون إنها غير محبذة بين النساء"الرقيقات"، ولا تصلح لكبار السن؛ لأنها تضعهم في لجة أمواج متلاطمة من الأحداث القتالية الدموية والمكائد والمؤامرات، بما يؤثر على هدوئهم وصحتهم وسولكهم! في الحقيقة، إن الرواية رجالية بامتياز! ليس فيها ذكر كثير للمرأة، عدا بعض الإشارات التي يمكن عدّها على أصابع اليد. ذلك لأن الأحداث لا ترتبط كثيرا بواقع يومي يتناول العائلة أو الزواج أو الاجتماعيات الأخرى، بل تتركز على شئون بلاط، ثم خطط واستراتيجيات حربية، جميع أبطالها من الرجال. لا بدّ من القول إنه من أجل هذه السلسلة الطويلة من الأحداث المحبوكة جيدا، تعيّن على المؤلف أن يجمع بين الوقائع التاريخية الحقيقية، وبين عناصر خيالية، حتى تكتمل صورة الحدث الدرامي بشكل روائي مشوّق. وإنصافا لمجهودات هذا المؤلف البارع، يتعين الإشارة إلى أن الخيال مقصود به هنا هو لجوء المؤلف لما كان يرويه القصاصون الشعبيون (الحكواتية)، الذين غالبا ما يلجأون للإطالة والمبالغة. يقول المحللون الأدبيون إن نسبة الواقع إلى الخيال في هذه الرواية هي سبعة إلى ثلاثة، وهذا دليل كاف على واقعيتها. هذه الرواية تركز على فترة زمنية شهدت بداية تدهور وأفول نجم إمبراطورية هان الشرقية عام 184 وصولا إلى سقوطها في عام 220 ميلادي تقريبا، نتيجة عوامل سياسية واقتصادية عديدة. وبسبب ضعفها وفساد بلاطها، ظهرت انقسامات كثيرة. لذلك، تبدأ الرواية بعبارة "من هنا تبدأ الحكاية. العالم الذي ظل مُقسّما، يجب أن يتوحد ثانية"، ويبدو هذا هو هدف المؤلف الذي يقف إلى جانب كل ما يوحد الأمة ويعلي شأنها، ويكتسح كافة مظاهر الفرقة والتشرذم والانقسام. وبما أن البلاط الإمبراطوري كان مترنحا تحت وطأة الفساد والمؤامرات، كان لا بدّ من نهوض المخلصين للإمبراطورية، التي تحظى بدعم السماء، كما كانوا يعتقدون. لذلك، وفي ظل هذه الصورة المأساوية، ظهر الحدث الأبرز في الرواية من خلال لقاء ثلاثة رجال ارتبطوا بعهد الأخوّة وبعلاقة مميزة سيكون لها شأن كبير في أحداث الرواية. لقد أرادها المؤلف علاقة وثيقة أقوى من رابطة الدم، تركز على مفهوم الفضيلة والاستقامة والشجاعة؛ ذلك المفهوم المفقود، والمطلوب بإلحاح في تلك الفترة العصيبة. جمعت علاقة الأخوة بين شخصية بطل رئيسي في الرواية هو ليو بَيْ (لقبه شيوان ده) الإنسان الكريم الأصل والمحتد، الذي يعود أصله إلى الأسرة الإمبراطورية، وبين فارس مقدام شجاع نزيه اسمه قوان يوي (لقبه يون تشانغ)، وفارس باسل اسمه تشانغ فَيْ (لقبه يي دَه). منذ اللقاء الأول، حيث الحبكة الأولى للرواية، يبدع المؤلف في وصف العلاقة بشكل يوحي بقوتها وحيويتها وعمقها، بحيث يجذب القارئ لمتابعة دقيقة لكل ما يتعلق بهذه الشخصيات الثلاث وخصائصها. وبما أن المؤلف يقف إلى جانب وحدة البلاد، ممثلة بضرورة دعم وإسناد وإحياء سلالة هان الحاكمة، فإنه يقف إلى جانب هذه الشخصيات، فيظهرها بالشكل اللائق بأبطال يتعاطف معها القارئ تماما، ويجافي خصومها. ومن الشخصيات الرئيسية المؤثرة دراميا في هذه الرواية، شخصية تساو تساو (منغ ده)، القائد العسكري الإستراتيجي المخادع، النقيض لشخصية ليو بَيْ، الإنسان العطوف. هناك عبارة مشهورة في الرواية، ظلت متداولة حتى اليوم، قالها مؤلف الرواية على لسان تساو تساو، وهي"أفضّل أن أبدأ بالأذى للآخرين، على أن يؤذونني"، وأراد بها وصف هذه الشخصية الذكية لكن الانتهازية التي لا تتورع عن ارتكاب أكبر المعاصي مع أقرب الناس. هاتان الشخصيتان، ليو بيْ وتساو تساو، ستؤسسان مملكتين من الممالك الثلاث، عنوان هذه الرواية، هما مملكتا شو ووَي. أما المملكة الثالثة، وو، فيؤسسها غريمهما الثالث سون تشيوان، وهو نجل جنرال أو أمير حرب مشهور في تلك الفترة اسمه سون جيان، كانت له صولات وجولات، ونفوذ ورجال، خلفها جميعا إلى أبنائه، ومنهم سون تشيوان. بصراحة القول، إنها رواية ممتازة جدا، ولكن سيجد القارئ العربي بعض الصعوبة للوهلة الأولى، بسبب تشابك الأحداث وتعقيدات ارتباطاتها، وكثرة أسماء الشخصيات. وهذا قد يكون شعورا طبيعيا في القراءة الأولى لأي رواية ملحمية، أو قصة متشعبة. ومما لا شك فيه أن الكثير من محبي قراءة الأدب، يدركون هذه الحقيقة، ويؤكدون أن القراءة الثانية ليست كالقراءة الأولى، والثالثة أكثر متعة وإدراكا من الثانية، وهكذا. هذه الرواية كثيرة الأحداث بشكل يبدو أنها لا تنتهي؛ ولكن ربط هذه الأحداث جميعا، يتم بشكل حيوي ذكي بارع يؤكد القدرة الإبداعية الفنية للمؤلف. وهذه إحدى الخصائص والمزايا الهامة للرواية. وفي رواية بهذا الحجم الكبير، والأحداث المتلاحقة المترابطة، توجّب على المؤلف أن يلجأ للتاريخ بكل الوسائل المباشرة والرمزية وغيرها، ويلجأ أيضا إلى الخيال والأسطورة بجانب الوقائع التاريخية الحقيقية. وبالإضافة إلى الشخصيات الثلاث الرئيسية لمؤسسي الممالك الثلاث، هناك شخصيات بارزة لامعة كانت وما زالت مضربا للأمثال في القوة والشجاعة والنزاهة وحفظ العهد والأمانة، مثل شخصية قوان يوي، أو الأمير قوان، المشهور بشجاعته المقرونة بالرجولة والأخلاق الكريمة؛ بحيث ظلت هذه الشخصية خالدة إلى يومنا هذا عبر الأشعار والتماثيل بمختلف الأشكال والأحجام أو الصور أو المجسمات الأخرى، حيث يتخذه الصينيون نموذجا مباركا للاستقامة والنزاهة والبسالة والشرف. وهناك نموذج القوة الجريئة المندفعة المتمثلة بشخصية المقاتل الصلب تشانغ فيْ، الذي يحظى بنصيب وافر من الذكر حتى الآن، كشخصية حيوية قوية تقف إلى جانب الحق مهما كانت الصعوبات ومهما بلغ الثمن. لقد أبدع المؤلف شخصيات روايته بشكل بارع جدا ووفقا لغاية في نفسه؛ فهذا ليو بَيْ (شيوان ده) يحمل اسما عائليا إمبراطوريا، ويمثل الإنسان العطوف الكاسب لثقة الناس واحترامهم، بما يؤهله ليكون زعيما وملكا ثم إمبراطورا. لقد أراد المؤلف أن يقول لنا إنه مع أسرة هان، لأنها اختيار السماء وإرادتها، وهي رمز وحدة البلاد والأمة. لا بد من الإشارة هنا إلى أن الصينيين القدامى كانوا يعتقدون أن الإمبراطور هو ابن السماء، يأتي بحكم من السماء، لذلك طاعته واجبة مثل طاعة السماء، وعصيانه يعني التمرد على السماء. هذا المفهوم أخذ حصة كبيرة في هذه الرواية. ورغم هذا المفهوم التقليدي المرتبط بالسماء، أظهرت الرواية لنا شخصية الإمبراطور كرجل ضعيف مغلوب على أمره، غالبا ما يلجأ للبكاء والنحيب، لا شيء إيجابيا آخر، في مواجهة العصيان أو التمرد على العرش. في هذه الرواية بالذات، يبدو مبررا، ولو قليلا، السبب الذي دفع الكاتب ليجعل الإمبراطور بهذه الشخصية الضعيفة، ربما ليؤكد حقيقة واقعية، ويبرز لنا بصورة أوضح قوة الشخصيات الأخرى في روايته، بشتى جذورها ونوعياتها. ومن أجل إبراز حبكة فنية مشوّقة رائعة، كان لا بد للمؤلف من أن يجمع بين الطبيعي والخارق، وحتى فوق الخارق. لنأخذ مثالا في شخصية تشوقه ليانغ (كونغ مينغ- اسمه الطاوي التنين النائم). هذا الناسك الطاوي الشاب، المستشار الكبير لاحقا لليو بيْ، يتميز بإمكانيات غير عادية أبدا! فإلى جانب علمه وأدبه وثقافته، يتمتع بصفات فوق- بشرية مثل إمكانية استدعاء الرياح والمطر، حسبما تقتضيه الظروف. وكانت له إمكانية قراءة الطالع والمستقبل ومعرفة أصناف الرجال، وحتى ما يدور في تفكير الآخرين، وحكمه صائب دائما بلا أدنى هفوة! حتى أنه يدرك الاستشعار عن بُعد! لقد جعله المؤلف بمثابة الملاك الحارس لليو بَيْ، والعصا السحرية التي تنفذ كل شيء لصالح جانب الخير في الرواية، والمتمثل بالمخلِصين لعرش أسرة هان، وعلى رأسهم الإخوة الثلاثة ليو بيْ وقوان يوي وتشانغ فيْ. ومثال آخر على التشويق الدرامي يتجلى في شخصية الفارس المغوار تشاو تسي لونغ. لقد جعل المؤلف هذه الشخصية ذات ميزة خاصة عن كل الفرسان؛ وما أكثرهم في هذه الرواية الحربية! إنه يتمتع بعَمْلقةٍ مرعبة وقوة جسمانية هائلة؛ ضخم الجثة، صوته كالرعد الهادر، وصولته كالصاعقة المدمرة، لا يُشقّ له غبار ولا يمكن مواجهته. هو المرافق الأمين لليو بيْ (شيوان ده)، والمنقذ في كل موقعة حاسمة. وفي معمعة الأحداث، يصل القارئ إلى موقف يحبس الأنفاس، ويشعر بأن الأزمة قد بلغت مدى خطيرا جدا، يتطلب التدخل العاجل لإيجاد حل ينقذ البطل، ويريح القارئ المتلهف للتفاصيل؛ عندها يظهر هذا الفارس الباسل، فيدفع بالأحداث باتجاه يصب في صالح حسم الأمور، ولو إلى حين. هذه الرواية، حالها حال الملاحم الشعبية الكبرى، مثل حرب البسوس أو داحس والغبراء، ومنها قصة أبو زيد الهلالي، وكذلك إلياذة هوميروس، قد ظهرت بأشكال متنوعة على ألسنة الرواة، وتناقلها الناس جيلا بعد جيل. ولكنها ظلت محافظة على جوهرها الأصلي، كقصة صراعات سياسية شديدة ومعارك دموية وحشية، بين عنصري الخير والشر، ومن خلالها التأكيد على مبادئ الفضيلة والأخلاق والاستقامة. لذلك، كان من الواضح أن كاتب الرواية يقف إلى جانب شخصيات متميزة بالفضيلة والأخلاق، لا سيما الاستقامة والشجاعة والبسالة. مما لا شك فيه أن أي عمل أدبي يستحق صفة رائع، يجب أن يحتوي على عوامل الروعة الحقيقية، وأبرزها حيويته وتأثيره كما لو أنه حالة واقعية تتجسد على أرض الواقع، بغض النظر عن الزمان والمكان. وهذا العمل (الممالك الثلاث) يحتوي الكثير جدا من العوامل الحيوية التي يستحق من خلالها أن يوصف بالعمل الكلاسيكي الرائع. هذا العمل الأدبي الرائع(الممالك الثلاث) قد بدأت مساعي ترجمته منذ نهاية القرن السابع عشر. وقد تُرجِم منذ عشرات السنين إلى اليابانية والكورية والإنجليزية والفرنسية والأسبانية والروسية، وصدر بعدة نسخ وأعداد مختلفة من الفصول. ولكن هذه النسخة المكونة من 120 فصلا، هي الأكثر تنظيما وقربا من النص الأصلي. إنه عمل روائي رائع بكل معنى الكلمة، لا يقل روعة ولا مهارة ولا ذوقا فنيا عن الأعمال الأدبية العالمية المماثلة. هناك الكثير جدا من النقاط والمزايا الواجب ذكرها حول هذه الملحمة الروائية المتميزة، ولكن قلة إمكانياتي الأدبية، رغم طموحي المخلص الكبير، تقف حائلا دون ذكرها جميعا. لذلك، اكتفي بهذا التعريف البسيط، ولكن الأكثر والأعمق سيأتي لاحقا عند صدور نسختها العربية، التي هي قيد الترجمة حاليا. وبالتأكيد، ستكون هناك مقدمة وتعريف بالرواية، أكثر دقة وغزارة وملائمة وفائدة إنشاء الله. ومن الأنسب ترك التفاصيل إلى ذلك الحين، الذي ندعو الله تعالى أن لا يكون بعيدا. فريق الترجمة في دار النشر الصينية باللغات الأجنبية في بكين، يبذل جهدا مخلصا قدر الإمكان لإظهار النسخة العربية بالمضمون والمظهر اللائق بالقارئ العربي المحترم. ولكن، ما كل ما يتمنى المرء يدركه، والطموحات كبيرة جدا، ونسأل الله الموفقية للجميع.

خطة " مهاجمة مملكة وي لإنقاذ مملكة تشاو "

كانت ممتلكتا وي وتشاو من الممالك في عهد الربيع والخريف الصيني الذي يرجع تاريخه الى ألفين وأربعمائة سنة. ونجحت مملكة وي أولا تطبيق الإصلاح السياسي والاقتصادي. وحققت بفضل ذلك تطورا سياسيا واقتصاديا وعسكريا. وشنت بعد ذلك حربا على الممالك الصغيرة المجاورة لها في محاولة لضمها اليها. أما مملكة تشاو المجاورة لمملكة وي فكانت أقل قوة من مملكة وي اقتصاديا وعسكريا. ورغم ذلك إحتلت منطقة تابعة لها. وفي يوم من الأيام إستدعى ملك وي أحد قادة جيشه، واسمه بانغ جوآن اليه وأمره بقيادة جيش المملكة لشن الهجوم على مملكة تشاو في محاولة استعادة المنطقة التي احتلتها. فوضع بانغ جوآن خطة حربية كاملة لشن هجوم مباشر على مدينة هان دان/ عاصمة مملكة تشاو من أجل الاستيلاء عليها واعادة تلك المنطقة المحتلة الى مملكة وي في آن واحد، ومن ثم اسقاط مملكة تشاو في النهاية. فوافق الملك على هذه الخطة وأصدر أمرا رسميا بشن الحرب. وبعد أيام نجح جيش مملكة وي بغرض حصار على مدينة هان دان/ عاصمة مملكة تشاو إلا أنه واجه دفاعا قويا. واستمر القتال سنة كاملة لم تشهد إنتصارا نهائيا لأي طرف من الطرفين. الجدير بالذكر أن مملكة تشاو كانت مرتبطة باتفاقية تحالف عسكري مع مملكة أخرى تُعرف باسم مملكة تشي. ووفقا للإتفاقية إذا تعرضت أية مملكة منهما لهجوم من الأعداء ترسل الأخرى جيشها لمساعدتها. فطلبت مملكة تشاو حينئذ فعلا مساعدة عاجلة من مملكة تشي لمواجهة العدوان من مملكة وي. فرأى ملك تشي أنه من واجبه أن يلتزم باتفاقية التحالف العسكري المذكورة ويرسل جيشه لمساعدة مملكة تشاو، إلا أنه كان يعرف في نفس الوقت أن جيشه ضعيف غير قادر على الانتصار على جيش مملكة وي القوي إذا شن هجوما مباشرا عليه. لذلك دبّر خطة أخرى هى أنه يرسل جيشا لشن مهاجمة على أرض مملكة وي التي قد خرج منها معظم جنودها لمهاجمة مملكة تشاو. وإذا وجد ملك وي أن مملكته معرضة لخطر فسيسحب جيشه من ميدان المعركة. وبهذه الخطة يمكن رفع الحصار على مملكة تشاو. طبّق ملك تشي هذه الخطة فعلا. وعندما وصل جيشه الى حدود مملكة وي في محاولة شن هجوم عليها. عرف ذلك ملك وي فتوقف فعلا عن العملية العسكرية ضد مملكة تشاو وإنسحب بجيشه من ميدان الحرب عائدا الى مملكته. وعندما وصل الى مكان يُعرف بإسم " قوي لينغ " تعرض لهجوم من كمين لمقاتلي مملكة تشي وإنهزم. لأن جنوده كانوا جميعا في تعب شديد بعد القتال الطويل. فحقّق جيش مملكة تشي إنتصارا كاملا. ونجح أيضا في رفع الحصار على مملكة تشاو. هناك معركة أخرى أستخدمت فيها نفس الخطة. إسم هذه المعركة معركة قوآن دو التي حدثت قبل أكثر من ألف وثمانيمائة سنة حيث شن ملك يوان شاو هجوما عسكريا ضد ملك تساو تساو من أجل انتزاع سلطة المملكة. وكان جيش يوان شاو قويا حيث بلغ عدد جنوده أكثر من مائة ألف فرد بينما كان جيش ملك تساو تساو ضعيفا نسبيا وكان عدد جنوده حوالى عشرين ألف جندي فقط. ورغم أن المعركة دارت لفترة طويلة في مكان يُعرف باسم " قوآن دو" إلا أنها لم تشهد منتصرا أو منهزما. وفي ذلك الحين قدم أحد مستشاري ملك تساو تساو اليه وقدّم له خطة حربية وقال له إن فريقا لنقل الحبوب الغذائية والامدادات العسكرية لجيش يوان شاو كان يمر حينذاك بمنطقة قريبة من ميدان الحرب. فيجب أرسال كمين لشن هجوم عليه واختطاف كل ما يملكه. وباستخدام هذه الخطة يمكن لجيش ملك تساو تساو أن يتخلص من وضعه الخطير في ميدان الحرب. كذلك يمكنه أن يخطف تلك الحبوب الغذائية والامدادات العسكرية التي يحتاج اليها جيش ملك يوان شاو بشكل عاجل لينتصر عليه في النهاية. فطبق ملك تساو تساو هذه الخطة فعلا وإنتصر في النهاية على ملك يوان شاو، وأصبح بعد ذلك ملكا جديدا في المملكة.

الخطة الحربية - البسمة على ثغره والخنجر خلف ظهره

خطة " البسمة على ثغره والخنجر خلف ظهره " تعني اظهار ملامح متواضعة مهذبة لطيفة خارجيا من أجل تخفيف حذر المنافس والتشويش عليه مع تدبير خطة للهجوم عليه بشكل مفاجئ. وتُستخدم هذه الخطة دائما في السياسة والدبلوماسية لهدف خداع الخصم وتجريده من عنصر المبادرة واليقظة. هناك دليل لتطبيق هذه الخطة أثناء احدى المعارك في الصين القديمة. يحكي أنه في عهد الممالك الثلاث الصينية التي يرجع تاريخها الى أكثر من ألف وثمانيمائة سنة حيث كانت في الصين ثلاث ممالك كبرى هى مملكة شو ومملكة وو ومملكة وي. وكانت مملكة وي أكبر وأقوى من المملكتين حينذاك. لذلك كان ملك وي طموحا يفكر دائما في محاولة ضم المملكتين. وأمام هذا الوضع توصلت مملكتا شو ووو الى اتفاق لعقد تحالف من أجل الدفاع المشترك من هجوم جيش مملكة وي. ومن أجل تعزيز هذا التحالف تزوج ملك شو من أخت ملك وو. ورغم ذلك كان لكليهما طموحات أيضا لانتزاع السلطة الامبراطورية وتوحيد الصين بالقوة. لذلك كانت الصدامات والمعارك دائما ما تحدث فيما بينهما أيضا. وبين حدود الممالك الثلاث هناك مدينة تُعرف باسم جينغ تشو التي تتمتع بموقع استراتيجي هام. لذلك دارت معارك وعمليات عسكرية دائما بين الممالك الثلاث من أجل السيطرة على هذه المدينة. فاستولى عليها أخيرا الملك ليو بي / ملك المملكة شو ثم طلب من ضابط بارز إسمه قوآن يو حراستها. ومنذ ذلك الوقت لم يقم ملك وو وملك وي بأي عملية مباشرة لمهاجمة هذه المدينة لخوفهما من قوآنغ يوي وعدد جيشه الكبير. بعد تعزيز الحراسة لمدينة جينغ تشو فكر قوآنغ يوي في قيادة جيشه لمهاجمة مملكة وي، ولكنه قلق من احتمال قيام مملكة وو بهجوم على مدينة جينغ تشو من خلفه. فطلب من مجموعة كبيرة من جنوده الأقوياء مواصلة حراسة المدينة بعد مغادرته. وبعد ذلك حاول ملك وو فعلا انتهاز هذه الفرصة لمهاجمة المدينة. فبدأ يفكر في حيلة لتحقيق هدفه. وكتب أولا رسالة بعث بها الى قوآنغ يوي أشاد بشجاعته وبسالته بمختلف الكلمات المجاملة. وبعد قراءة الرسالة شعر قوآن يوي بكل السرور والفخر لأنه يحب هذه المجاملة ولكنه لم يعرف أن ذلك هو حيلة تستهدف ازالة حذره ويقظته. بل كان يعتقد أن ملك وو لن يدبر عملية لتهديد مدينة جينغ تشو. فأمر الجنوده الذين كانوا يحرسون المدينة بالخروج منها لتعزيز قواته التي تشارك في معركة ضد مملكة وي. وبذلك أصبحت الحراسة داخل المدينة ضعيفة. وفي الوقت نفسه قام ملك وو بالاتصال مع ملك وي استعدادا لشن هجوم على قوأن يوي من مقدمته ومؤخرته. قاد قوآن يوي جيشه لمحاربة جيش مملكة وي في الجبهة الأمامية دون معرفة ما حدث خلفه بينما أرسل ملك وو جيشا ضخما لشن الهجوم على مدينة جين تشو. وتنكر الجنود بأشكال المدنيين الذين اختبأوا داخل السفن التجارية وتسللوا من طريق المياه الى المدينة ثم شنوا هجوما مفاجئا عليها ولم يمض وقت طويل حتى احتلوها. وبعد أن عرف قوآن يوي وجنوده الخبر وقعوا في اضطرابات ولم يعودوا قادرين على مواصلة القتال مع جيش مملكة وي فإنسحبوا من جبهة القتال وانهزموا في المعركة بعد التعرض لخسائر فادحة. وهكذا إنطلت عليهم خطة " البسمة على ثغره والخنجر خلف ظهره " تستخدم هذه الخطة أيضا ودائما في العصر الحديث وخاصة في المنافسات التجارية. مثلا نلاحظ دائما من خلال المفاوضات التجارية أن طرفا مفاوضا يبدي تراجعا في مسألة مستهدفا بذلك تخفيف حذر ويقظة طرف آخر، ويسعى في نفس الوقت لإيجاد فرصة وامكانية لتحقيق هدفه ولكسب مصالح أكبر وأكثر. والى جانب ذلك يحدث دائما على شبكة الانترنت أن مروّجي الأخبار المزورة أو ما يسمى ب" المهاجم الأسود " يستخدمون بعض الموضوعات الممتعة والمثيرة أو الصور الكاريكاتورية المتحركة المضحكة لجذب المزيد من مستخدمي الشبكة ليزوروا مواقعهم. وبعد دخولهم تكلّفهم الأموال أو تصاب أجهزتهم بالفيروسات التي يصعب عليهم ازالتها. تعتبر خطة " البسمة على ثغره والخنجر خلف ظهره " سلاحا ذا حدين. لذلك نقول هنا أن أي فرد يجب أن يحافظ في أي وقت على الحذر الشديد واليقظة الكاملة وخاصة عندما يقابل مجاملة مجهولة من شخص غريب. لأن هذه المجاملة قد تدفعك الى خسائر أو حتى نكبة كبيرة. أعزائي المستمعين، استمعتم قبل دقائق الى خطة " البسمة على ثغره والخنجر خلف ظهره " وهى الخطة العاشرة من الخطط الحربية الست والثلاثين الواردة في الكتاب الصيني المشهور" فن الحرب لسون وو". وسنواصل تقديمها في الحلقات القادمة، وشكرا على حسن متابعتكم.

الخطط الحربية: قتل شخص بيد شخص آخر

خطة قتل شخص بيد شخص آخر هى أن المقاتل لا يقتل عدوه أو ينتصر على منافسه بقوته الذاتية بل يستخدم فرصة أو يدبر حيلة تجعل شخصا ثالثا يقتل العدو الذي كان يريد القضاء عليه أو الإنتصار عليه. وكانت الخطة في البداية تستخدم دائما في الحرب ضد الأعداء. وإستخدمت بعد ذلك بالتدريج في النزاعات السياسية أيضا نظرا لانها خطة فعالة قابلة التنفيذ وسهلة التطبيق. يذكر أن في عهد ممالك الربيع والخريف الصينية الذي يرجع تاريخه الى أكثر من ألفين وخمسمائة سنة كان في الصين القديمة مملكة تُعرف باسم مملكة تشنغ. يحكمها الملك تشنغ هنغ قونغ. كان الملك يريد شن حرب ضد مملكة كواي المجاورة لمملكته في محاولة لضمها اليها. وقبل شن هجوم رسمي دبّر حيلة أراد استخدامها لبذر بذور الفتنة والشقاق بين ملك كوآي ووزرائه. فقام بتدوين قائمة تضم أسماء العديد من وزراء مملكة كوآي، ثم أدلى بتصريح علني تعهد فيه بمنح المناصب والمكاسب والألقاب لهؤلاء الوزراء بعد سقوط مملكة كوآي. وقام بعد ذلك ببناء مذبح كبير ذهب اليه لإجراء مراسم دينية مهيبة أقسم فيها وأمام جميع الحضور بوفائه بوعده هذا. ثم وضع تلك القائمة تحت أرض المذبح تعبيرا عن وفائه والتزامه بالوعد. وبعد أن عرف ملك كوآي هذا الخبر غضب غضبا شديدا،واعتقد أن الوزراء الذين كُتبت أسماؤهم في تلك القائمة قد خانوه فقتلهم واحدا تلو الآخر، وبذلك إنطلت عليه الحيلة. فقامت مملكة تشنغ بعد ذلك بشن هجوم عسكري عنيف على مملكة كوآي وإنتصرت عليها وأسقطتها في النهاية. هناك قصة أخرى استخدمت فيها خطة: قتل شخص بيد شخص آخر. وهذه القصة ليس في معركة بل لتسوية أزمة سياسية. حدثت القصة في مملكة تشي الصينية التي يرجع تاريخها الى أكثر من ألفي سنة. وكان في المملكة ثلاثة محاربين بارزين كلّهم أقوياء وشجعان للغاية في الحرب. فأحبهم الملك وأعطاهم المناصب والمكاسب والألقاب الشريفة العديدة. إلا أنهم كانوا ينسبون الفضل والمآثر الى أنفسهم ويغترون بها ويستخفون بالآخرين، الأمر الذي جعل الملك يشعر بالقلق والمخاوف. لأنه عرف بوضوح إنه إذا تطورت أوضاعهم هذه فستزداد طموحاتهم ويطلبون أشياءا أكثر حتى يدبرون شغبا ومشاكل من أجل تحقيق طموحاتهم التي قد تهدد سلطته وحتى تهدد سلامته الشخصية. ففكر في حيلة للقضاء عليهم. في يوم من الأيام استدعى الملك هؤلاء المحاربين الثلاثة الى جانبه، وأهداهم خوخة كبيرة. وقال لهم إن هذه الخوخة هى هديتي التي سأقدمها لأقوى وأبرز شخص من بينكم إنتم الثلاثة حيث ستتنافسون فيما بينكم لإظهار قوتكم وشجاعتكم. ومُن يحصل على هذه الخوجة فإنه البطل القوي الحقيقي. ورغم أن المحاربين الثلاثة كانوا جميعا أقوياء وشجعان لكنهم لم يكونوا عقلاء ولم يعرفوا أن الملك يسعى الى القضاء عليهم. فنافس بعضهم البعض وتحولت المسابقة بالتدريج الى قتال عنيف فيما بينهم. وانتهى قتالهم بسقوطهم جميعا صرعى وضحايا لحيلة الملك الذي لم يقتل هؤلاء المحاربين الأقوياء بيده بل بحيلته الماكرة هذه. وتبدو أن حيلة " قتل شخص بيد شخص آخر" مميزة بشئ من المكر الشرس والشر الواضح. ولكنها حيلة فعالة وضرورية تستخدم دائما في الحرب ضد الأعداء، كما تستخدم أيضا في النزاعات السياسية من أجل تحقيق الانتصار على المنافسين. أما في المجتمع الحديث فيفسر الناس هذه الحيلة بمعان جديدة عديدة. منها: إستغلال الفرصة أو استخدام الغير لتحقيق هدف شخصي وانتهاز الفرصة التي قد يتركها له المنافس للانتصار عليه. وجدير بالذكر أن هذه الحيلة تستخدم أكثر فأكثر في قطاع التجارة في المجتمع الحديث بحيث لا تقصد القتل بل لكسب وضع متفوق على المنافسين. الأساليب التي يمكن استخدامها لتطبيق هذه الحيلة لا تقتصر على القوة والعنف بل إنها قد تكون أموالا أو طاقة بشرية أو تكنولوجيا أو مساحة من الأرض أو الوضع الملائم وغيرها. وجدير بالذكر أن الكثير من رجال الاعمال يستخدمون هذه الخطة من أجل حماية مصالحهم أثناء المنافسة الاقتصادية العنيفة لكسب المزيد من الفرص وتحقيق الانتصار على المنافسين من أجل تحقيق المزيد من التطور في أعمالهم.

الخطط الحربية: القبض على اللص بعد محاصرته في غرفة محكمة

" القبض على اللص بعد محاصرته في غرفة محكمة " كان أصلا من الأقوال الشعبية، ومشابها لقول شعبي آخر يقول: القبض على الكلب بعد اخلاق الباب وراءه. تهدف هذه الخطة الى جذب العدو الى مكان محكم تحت سيطرتنا الفعالة للقبض أو القضاء عليه. وتستخدم هذه الخطة في الأعمال العسكرية بهدف مطاردة العدو مع اجباره على الدخول الى كمين محكم دون وجود مفر له من أجل القضاء عليه بشكل كامل، ذلك لأنه إذا هرب من الكمين وتخلص من موقفه الحرج، فسيشفى من إصابته، وستعود اليه الحيوية والقوة وامكانية شن هجوم جديد علينا. هذا من جهة، ومن جهة أخرى إذا هرب العدو من الكمين فمن الصعب مطاردته نظرا الى احتمال تدبيره حيلة أخرى قد تنطلي علينا. وفيما يلي قصة حدثت في الصين القديمة وشهدت تنفيذ خطة " القبض على اللص بعد محاصرته في غرفة محكمة " شهدت الصين في عام 880 الميلادي الموافق عهد أسرة تانغ الملكية القديمة انتفاضة بزعامة هوانغ تشاو – قائد جيش الفلاحين المتمردين – حيث قاد جيشه لمهاجمة مدينة تشانغ آن – مدينة شيآن حاليا – التي كانت عاصمة لأسرة تانغ الملكية، واستولى عليها في النهاية. فهرب الامبراطور من المدينة بينما أمر الجيش الملكي بصد هجوم المتمردين ومنع مطاردتهم له. واستمرت الحرب بالقرب من مدينة تشانغ آن نحو سنة واحدة، شهد الجيش الملكي من خلالها تعزيزا حيث ازدادت قوته بالتدريج حتى أصبح أقوى من جيش المتمردين. عندما رأى هوانغ تشاو أن الوضع قد أصبح في غير صالحه بحيث أن الجيش الملكي سيهاجم مدينة تشانغ آن ويستولي عليها عاجلا أو آجلا، أمر جيشه بالانسحاب من المدينة عائدا الى قاعدته القديمة استعدادا لتدبير خطة حرب جديدة ضد الجيش الملكي. إستولى الجيش الملكي على مدينة تشانغ آن فعلا، وبعد دخوله المدينة أصبح الضباط والجنود في غاية الفرح والمرح حيث يأكلون ويشربون ويلعبون وقد ارتخت معنويتهم ويقظتهم. وفي الوقت نفسه كان هوانغ تشاو يتجسس أخبار المدينة، وبعد أن عرف أحوال الجيش الملكي هذه، رأى أن الفرصة قد جاءت اليه حيث قال لضباطه إن العدو قد دخل الغرفة، وعلينا أن نغلق أبوابها وراءه لتكون محكمة دون ترك أي مفر ليهرب منه. وبعد أيام أمر جنوده بمحاصرة المدينة ثم أحكموا محاصرتها في ليلة مظلمة وبشكل خفي، وفي اليوم التالي شنوا هجوما مباغتا عليها دون أية معرفة واستعداد لدى جنود الجيش الملكي داخل المدينة لمواجهة القتال. وبسرعة فائقة اقتحم الجنود المتمردون المدينة وقتلوا عددا كبيرا من جنود الجيش الملكي، وأسروا البعض الآخر الذي لم يجد أثناء القتال أي مهرب له. وبذلك استولى هوانغ تشاو على هذه العاصمة الكبيرة من جديد باستخدام خطة " القبض على اللص بعد محاصرته في غرفة محكمة " تهدف هذه الخطة الى محاصرة العدو الذي يبدو ضعيفا من حيث الطاقة والعدد داخل مكان محكم نسيطر عليه بشكل فعال بدون وجود أي مفر له. ثم القيام بالهجوم عليه مع القضاء عليه بشكل كامل. لأن العدو إذا هرب فقد يصبح الوضع معقدا نسبيا في المستقبل. أما مبدأ تنفيذ هذه الخطة فهو نصب كمين كغرفة محكمة أولا، ثم تدبير حيلة تجذب العدو الى الدخول في الكمين مع تشديد الحصار عليه وقطع كل اتصالاته مع الخارج. وإذا كشف العدو معلومات عن الكمين فستفشل الخطة بكاملها. لذلك يجب أن تجري كل الأعمال التحضيرية بحذر بالغ وسرية تامة مع تدبير خدعة فعالة تجعل العدو يدخل الى موقع الكمين للقضاء عليه. تستخدم هذه الخطة أيضا في التنافس التجاري والقطاع المالي أيضا. مثلا أثناء التعامل في بورصة الأوراق المالية يبحث بعض المتعاملين بنظرتهم الثاقبة وحكمتهم يبحثون عن فرصة لجني المنافع الأكبر حيث يتركون أحيانا بعض الفرص التي لا تأتي إلا بأرباح صغيرة، منتظرين فرصة كبيرة توفّر لهم نفعا كبيرا بعد تصاعد الأسهم. والى جانب ذلك يستخدم بعض التجار والمستثمرين هذه الخطة لإجبار منافسيهم على التراجع وحتى الانسحاب من حلبة التنافس. ثم يقومون بضم أعمالهم ومؤسساتهم أو شركاتهم بشكل كامل. لذلك نقول إن التجارة تشهد حاليا استخدام هذه الخطة أكثر فأكثر.

الخطط الحربية: الاعتداء على الجار بخدعة العبور من أرضه

جاءت خطة " الاعتداء على الجار بخدعة العبور من أرضه " أصلا من قصة حقيقية حدثت في عهد الممارك المتحاربة بالصين القديمة والموافق القرن السابع قبل الميلاد، حيث كان في خارطة الصين حينذاك عدة ممالك يحارب بعضها البعض خلال سنوات طويلة. ومن بين هذه الممالك مملكة جين القوية اقتصاديا وعسكريا. وكان ملك جين يفكر دائما في ضم مملكتي يوي وقوه الصغيرتين المجاورتين لها. ولكنه قلق من مواجهة دفاعهما المشترك إذا شن هجوما على أي منهما. وإذا هاجم مملكة قوه فلا بد أن يعبر جيشه أرض مملكة يوي التي سوف ترفض طلبه هذا بلا شك. فسأل الملك وزراءه ومستشاريه لبحث حل لهذه القضية. قدم شون شي/أحد وزرائه الى الملك واقترح عليه تقديم رشوة الى ملك يوي، وهى عبارة عن الحسناء والجياد، ويطلب منه مرور جيش مملكة جين من على أرض مملكته للتوجه الى مملكة قوه. إلا أن ملك جين قال بعد أن سمع اقتراحه هذا: إن الحسناء والجياد من أفضل الأشياء المحبوبة لدىّ، ولا أريد إهداءها لغيري، فقال شون شي له: يا مولاى إن هذه الأشياء نادرة ومحبوبة لديك فعلا، ولكن إذا قدمتها لملك يوي فكأنما وضعتها محفوظة داخل بيتك أنت شخصيا. ذلك لأننا بعد أن ننتصر على مملكة قوه، سنعود الي مملكة يوي لمحاربتها واحتلالها. وبعد الانتصار عليها ستعود هذه الأشياء اليك مع الحصول على المزيد من الأشياء والكنوز النادرة الجديدة من هذه المملكة. وما رأيك بهذه الحيلة يا مولاى! " فهم الملك خطته هذه من خلال شرحه كل الفهم، ووافق على تطبيقها، فأرسل مبعوثه لزيارة الملك يوي. بعد أن أوضح المبعوث أمام الملك يوي طلب ملكه تلقى معارضة شديدة من جميع وزراء مملكة يوي حيث قالوا للملك يوي إن هذه هى خدعة تستهدف انتهاز أرض مملكة يوي لمهاجمة مملكة قوه، وسيتبع ذلك شن الجهوم على مملكة يوي والاستيلاء عليها في النهاية. إلا أن الملك يوي لم يستمع الى آرائهم هذه بل سال لعابُه للحسناء والجياد والرشوة الأخرى التي سيقدمها الملك جين له، فوافق على طلب الملك جين وسمح بعبور جيشه من أرض مملكته لمهاجمة مملكة قوه. إلا أنه لم يخطر باله إن جيش مملكة جين بعد الاستيلاء على مملكة قوه سيعود الي مملكته فعلا ويشن الحرب عليها ويحتل كل آراضيها. ويسقط حكمه في النهاية. خطة " الاعتداء على الجار بخدعة العبور من أرضه " تستهدف الانتصار على العدو أو المنافس الضعيف نسبيا بواسطة تشويش فكرته أولا وإغرائه بجميل بسيط أو نعمة صغيرة حتى تنطلي عليه الحيلة، ثم القيام بالهجوم الخفي والسريع عليه والانتصار عليه. هناك قصة أخرى تم فيها تطبيق هذه الحيلة. شهدت الصين في القرن الثاني الميلادي حروبا مستمرة بين مختلف أمراء الحرب. ومن بينهم ليو تشانغ/ حاكم مدينة جين تشو – احدى مدن منطقة سيتشوآن الحالية، وتشانغ لو وليو بي اللذين ذكرناهما في الحلقات السابقة. ومن أجل ضم المزيد من الآراضي طلب ليو تشانغ من ليو بي أن يساعده على محاربة تشانغ لو بشرط منحه الكثير من محاصيل الحبوب والامدادات العسكرية. ولكن ليو بي بعد حصوله على هذه الامدادات لم يرسل جيشه لمساعدة ليو تشانغ بينما أبلغه بأنه تعرض لهجوم من مملكة أخرى مع طلب المزيد من الامدادات والتعزيزات العسكرية منه. بعد أن عرف ليو تشانغ هذا الأمر لم يرسل سوى أربعة آلاف جندي لمساعدة ليو بي لصد الهجوم المعادي المزعوم. فاستاء ليو بي ونشر هذا الخبر بين ضباطه وجنوده مما أثار استياءا شاملا بينهم. وقتلوا أخيرا القائد الوافد اليهم من ليو تشانغ وأسروا جنوده المتبقين وضموهم الى جيشهم. وبعد أن عرف ليو تشانغ هذا الخبر غضب غاية الغضب لتصرفات ليو بي الغادرة، فشن في اليوم الثاني هجوما عليه إلا أنه لم يدبر خطة تكتيكية جيدة، وفشل أخيرا في المعارك التي دارت بينه وبين ليو بي. وبعد فترة غير طويلة تراجع ليو تشانغ مع جيشه الى قاعدته بمدينة جين تشو/ مدينة تشنغدو حاليا فقام جيش ليو بي بمحاصرة المدينة ثم الهجوم والاستيلاء عليها أخيرا. أما ليو تشانغ فسلم نفسه لليو بي، وبعد ذلك أصبح ليو بي ملكا في مملكة شو/ احدى الممالك الثلاث الكبرى في الصين القديمة حينذاك. في هذه الحرب كان الملك ليو تشانغ قويا في البداية حيث امتلك الظروف المتفوقة، إلا أنه أخطأ في التحليل وفي وضع خطة عسكرية خاطئة أيضا بحيث استدعى ليو بي الذي أصبح أخيرا عدوا له لمساعدته على محاربة عدوه. أما ليو بي فقد استخدم خطة " الاعتداء على الجار بخدعة العبور من أرضه " وانتصر على خصمه ليو تشانغ، وحقق هدفه الاستراتيجي بحيلته في النهاية.

الخطط الحربية: محالفة البعيد لمهاجمة القريب

قبل شرح هذه الخطة نقدم لكم قصة حقيقية حدثت في الصين القديمة باعتبارها المصدر الاصلي لهذه الخطة الحربية المشهورة. في عهد الممالك المتحاربة الموافق القرن الثالث قبل الميلاد شهدت الصين القديمة حروبا مستمرة بين مختلف الممالك حيث كانت تحارب بعضها ضد البعض حينا وتحالف بعضها الآخر حينا آخر، كانت الأوضاع متقلبة ومعقدة جدا. ومن بين هذه الممالك مملكة تشين التي كانت أقوى من سائر الممالك في ذلك الوقت. وكان الامبراطور تشين يفكر دائما في ضم الممالك الأخرى بقوة لتوحيد البلاد كلها. إلا أن مملكة تشي الواقعة بشرقي البلاد كانت قوية أيضا وشكّلت أكبر عقبة وأقوى منافس لأمبراطور تشين، فاعتزم ارسال جيشه لمحاربة هذه المملكة. إلا أن مستشاره فان وي لم يكن موافقا على فكرة الامبراطور معتقدا بأن مملكة تشي بعيدة عن مملكة تشينغ، وإذا نفذت فكرة الامبراطور المذكورة فسيقطع جيشه مسافة بعيدة عبر أرض مملكتي هان ووي المتاخمتين لمملكة تشين، الأمر الذي سيكلف الجيش جهودا كبيرة ووقتا طويلا. هذا من جهة، ومن جهة أخرى إذا لم يكن الجيش الذي تم ارساله لمحاربة مملكة تشي قويا وكبير العدد، فمن الصعب أن يحقق النصر، وإذا أرسل الإمبراطور معظم جنوده الى ميدان القتال فسيكون الدفاع في مملكته ضعيفا غير قادر على مواجهة أي هجوم من مملكة أخرى. لذلك اقترح المستشار فان وي اجراء المفاوضات مع مملكة تشي للتوصل الى اتفاق سلام معها، وشن الهجوم في نفس الوقت على مملكتي هان ووي الصغيرتين والمجاورتين لمملكة تشينغ للاستيلاء عليهما أولا. تبنى أمبراطور تشينغ اقتراح فان وي، وتوصل مع امبراطور تشي الى اتفاق التعايش السلمي. ثم أرسل جيشه لمحاربة مملكتي هان ووي وغيرهما من الممالك الصغيرة الأخرى المجاورة، واحتلها جميعا فعلا، واستولى بذلك على مناطق شمالي غربي البلاد. وبعد ذلك أعلن الحرب ضد مملكة تشي في الشرق ومملكة تشو – مملكة قوية أخرى في الجنوب – واحتلهما في النهاية. وأسس بعد ذلك اسرة تشين التي تعتبر أول دولة اقطاعية موحدة في تاريخ الصين القديم. الهدف الرئيسي لخطة "محالفة البعيد لمهاجمة القريب" هو تنظيم عملية عسكرية لمهاجمة العدو القريب أولا في حالة أن العدو الرئيسي المطلوب كان بعيدا نسبيا وصعب الانتصار عليه للسبب الجغرافي. لأن محالفة البعيد تمكّننا من عدم مواجهة خصوم مفترضين، وتساعدنا علي الانتصار على العدو القريب، ومن ثم تركيز القوات لتوجيه الضربات على الأعداء بالمكان البعيد، والانتصار عليهم. هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن محالفة الخصوم بالأماكن القريبة في ظل الحرب غير صالح ضمان السلامة، لأنهم قد يصبحون أعداءا يهددون سلامتنا في أي وقت من الأوقات. لذلك يجب إزالتهم من حولنا. تستخدم خطة " محالفة البعيد لمهاجمة القريب " أيضا في السياسة. مثلا كانت الصين في القرن الرابع العشر الميلادي والموافق عهد أسرة يوان الملكية قد شهدت العديد من الانتفاضات ضد الحكم الملكي. ومن أبرزها انتفاضة الفلاحين المتمردين بزعاية تشو يوان تشانغ. وفي الحروب والمعارك على امتداد سنوات عديدة تعززت قوات المتمردين وتضخمت، وأسقطت أخيرا أسرة يوان الملكية، وأسست مملكة جديدة تعرف باسم مملكة مينغ يحكمها تشو يوان تشانغ باعتباره امبراطورا لها. ومنح المناصب والمكاسب لكبار أنصاره وضباطه الذين كانوا يساعدونه ويرافقونه في الحروب. وبعد سنوات ساورته المخاوف من أن هؤلاء الضباط الذين قد أصبحوا حينذاك وزراءه، قد يدبّرون تمردا ضده ويسقطون حكمه. فاستخدم خطة " محالفة البعيد لمهاجمة القريب " لإضعاف قواهم بواسطة زرع بذور الشقاق وبث الفتنة والتفريق فيما بينهم حتى قام باعتقال وقتل بعضهم بعد كشف مؤامراتهم ومحاولاتهم الخفية ضده. وفي الوقت نفسه استدعى الأكفاء والموهوبين بواسطة الاختبارات والامتحانات ليكونوا وزراء جددا له نظرا لعدم وجود خلفية سياسية لديهم، ولا يشكلون تهديدا لحكمه وسلامته وبالأحرى يشكرونه على ما منحهم من المناصب والنعم والمنافع. تكتسي خطة " محالفة البعيد لمهاجمة القريب " بلون الخداع، إلا أنها فعالة إذا لم يكن بامكاننا تحقيق خطتنا الاستراتيجية في الانتصار على المنافس الرئيسي، ويمكننا في هذه الحالة أن نتفق معه على التعايش السلمي بشكل مؤقت من أجل الحفاظ على مصالحنا المستقبلية.

الخطط الحربية: تبديل العوارض والأعمدة بالأخشاب البالية

العوارض والأعمدة تلعب دور إسناد هاما بالنسبة للمبنى. أما في العمليات العسكرية فتستخدم هذه الكلمات بصفتها قواما أو قوة رئيسية أو قائدا عاما للجيش أثناء الحرب. أما خطة " تبديل العوارض والأعمدة بالأخشاب البالية " فتعني استخدام الخداع لتغيير الأوضاع والظروف من أجل تحقيق الأهداف المخططة. كان الجيش بالصين القديمة يشكّل قبل بدء القتال تشكيلة مشاة معينة في ميدان الحرب. وأما القوام العسكري ضمن هذه التشكيلة فيمثل " العارضة " أو " العمود " للجيش، وغالبا ما يقوم الطرف المهاجم أولا بشن هجمات خادعة على العدو لكشف نقطة ضعفه. وليجبر العدو على تغيير تشكيلة مشاته في ميدان الحرب أو خطته العسكرية لمواجهة الهجوم. ومن خلال هذه التغيرات قد تُكتشف أماكن تواجد قوام الجيش أو تتغير مواقعه حتى يعرفها الطرف المهاجم الذي يحاول تبديل " العارضة المساندة لجانب العدو بأخشاب بالية. وبعد تشويش تشكيلة مشاة العدو يشنّ الطرف المهاجم هجوما مباغتا عليه وينتصر عليه في النهاية. وفيما يلي قصة حقيقية شهدت تطبيق هذه الخطة في احدى المعارك في الصين القديمة. في عهد أسرة تشن الملكية الصينية الموافق القرن الثالث قبل الميلاد. حقق الامبراطور تشن شي هوانغ توحيد البلاد، وأسس مملكة تشن الكبرى. ورغم كبر سنه حينذاك إلا أنه كان على ثقة تامة بصحته معتقدا بأن حكمه سيستمر سنوات طويلة. لذلك لم يفكر في مسألة خليفته. إلا أن إبنيه فو سو وهو هاي وضعا منذ زمن خططا تستهدف انتزاع سلطة الدولة بعد وفاة أبيهما بحيث سعى كل منهما بكل جهوده لتوسيع نفاذه بين الوزراء وفي بلاط العائلة. الأمر الذي جعل أفراد العائلة الملكية والوزراء وكبار مسؤولي الدولة ينقسمان الى مجموعتين مواليتين لكل منهما يهاجم بعضهما البعض بشكل خفي دون أن يعرف ذلك الامبراطور تشن. كان الإبن الأكبر فو سو لطيفا ومتواضعا لدى تعامله مع الناس، فحظى بحب وتأييد من المواطنين. أما أخاه الصغير هو هاي فعاش في اسراف وتبذير فضلا عن أنه قاس وظالم في معاملة الآخرين. فأراد الامبراطور أن يعيّن إبنه الأكبر فو سو خليفة له. وطبّق فكرته هذه بحيث أرسل فو سو الى الجيش متتلمذا على يد ضابط كبير إسمه مون كو ليتعلم منه المزيد من المعلومات العسكرية وكيفية قيادة الجيش وممارسة الأعمال الادارية الأخرى. ذات يوم أصيب الامبراطور بمرض شديد أثناء زيارته التفقدية خارج العاصمة، فطلب من وزيره الكبير لي سي أن يعود الى قصره بمرسومه الملكي بتعيين إبنه الأكبر فو سو وليا للعهد وخليفة له بعد وفاته. إلا أن لي سو بعد عودته الى القصر الملكي اعتقله الوزير الكبير الآخر تشاو قاو لمنع نشر المرسوم الملكي المذكور. ولم تمض أيام حتى توفى الامبراطور، إلا أن المرسوم الملكي لم يُعلن. كان الوزير تشاو قاو طماحا كبيرا. وبعد أن عرف مضامين المرسوم الملكي ذهب الى لي سي وقال له:" إن الإبن الأكبر فو سو إذا اعتلى العرش فسيمنح منصبا هاما لمعلمه مون كو الذي لا تربطك به علاقات جيدة، وإذا أصبح مون كو وزيرا أو مسئولا أعلى منك سيعزلك من منصبك الحالي وحتى قد يقتلك. لذلك يجب أن نفكر في منع الإبن الأكبر من اعتلاء العرش للحفاظ على مصالحنا. فكّر لي سي في كلام تشاو قاو تفكيرا عميقا، ووافق عليه أخيرا انطلاقا من مصلحته الشخصية. فقررا الإثنان مخالفة المرسوم الملكي المذكور بنقل سلطة الدولة الى الإبن الأكبر فو سو. بل صنعا مرسوما ملكيا مزوّرا يأمر الإبن الأكبر بالانتحار مع قتل معلمه مون كوه، بينما يُعيّن الإبن الثاني هو هاي امبراطورا جديدا للمملكة. باستخدام خطة " تبديل العارضة والعمود " قام تشاو قاو ولي سي بانقلاب ناجح في العائلة الملكية، واعتلى الإبن الثاني هو هاي أخيرا العرش. إلا أنه أساء الأعمال الادارية وشؤون الدولة مما جعل الأوضاع الاقتصادية داخل البلاد تتراجع وتتدهور يوما بعد يوم، ولم يمض إلا ثلاثة أعوام حتى انهارت أسرة تشين وحلت محلها أسرة ملكية جديدة تُعرف باسم أسرة هان الملكية الموافقة القرن الثاني قبل المبلاد وعاشت زمنا طويلا.

الخطط الحربية: ضرب الخصم وهو يعاني من مشكلة.

خطة " ضرب الخصم وهو يعاني من مشكلة " أي استغلال وضعه المتأزم للنيل منه. لأن مثل هذا الوقت هو أفضل فرصة للإنتصار على العدو أو المنافس. نشأت الفكرة الأولية لخطة " ضرب الخصم وهو يعاني من مشكلة " منذ زمن بعيد جدا. وجاء في سجل صيني قديم يرجع تاريخه الى أكثر من ألفين وخمسمائة سنة حديث يقول إن أفضل وقت للقضاء على الأعداء هو توجيه الضربة لهم وهم يعانون من أزمة أو مشكلة داخل صفوفهم. وقد تكون هذه المشكلة من الأزمات السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الكوارث الطبيعية. وإذا تعرضت أي دولة لمثل هذه المشاكل مهما كانت دولة قوية في السابق فستعاني بلا شك من الفوضى والإضطرابات الى درجة معينة، الأمر الذي يهيئ فرصة للآخرين الذين يحاولون مهاجمتها والانتصار عليها. كان في الصين القديمة كثير من القصص عن استخدام هذه الخطة في الحرب، منها قصة حدثت قبل ألفين وخمسمائة سنة حيث كانت الصين في عهد الحروب بين مختلف الممالك الصغيرة. ومن بين هذه الممالك مملكة وُو ومملكة يوي المجاورتان والمتساويتان في القوة العسكرية. وكانت كل منهما تحاول الاستيلاء على الأخرى، لذلك كانت الحروب غالبا ما تحدث بينهما. وفي النهاية إنتصرت مملكة وو على مملكة يوي، وأصبح الملك يوي بعد سقوط سلطته أسيرا تمّ سجنُه في مملكة وو ثم أصبح عبدا للملك وو. ومنذ ذلك الوقت بدأ الملك يوي يتحمل كل الاهانات من قبل الملك وو وكان يأكل أغذية رديئة وينام داخل حظيرة الخيول ويقوم بأعمال مرهقة كل يوم. ووصف نفسه أمام الملك وو بأنه إنسان حقير وعبد أبدي للملك وو. وبعد ثلاث سنوات حصل بتصرفاته هذه على ثقة الملك وو الذي أطلق بعد ذلك سراحه. فعاد الملك يوي الى موطنه، وكان يقدم كل سنة قرابين للملك وو تعبيرا عن خضوعه له بينما عمل على تعبئة المواطنين وتعزيز وحدتهم حوله. وفي نفس الوقت إتخذ سلسلة من السياسات التي تهدف الى تنمية الزراعة والاقتصاد الوطني من أجل تحقيق الازدهار والرخاء لمملكته وشعبها. وبعد مرور سنوات عديدة حقق جميع أهدافه هذه فعلا، وأصبحت مملكة يوي قوية. وفي عام 473 قبل الميلاد حدث في مملكة وو قحط شديد وجفّت كل المزروعات بالحقول، الأمر الذي أوقع أبناء الشعب في كارثة شديدة. ولكن الملك وو ظل يعيش حياة الترف والبذخ والفسق والخمول، وأنفق كل أموال المملكة لبناء قصوره. فأثار ذلك استياءا شديدا من أبناء الشعب الذين تمرد بعضهم وقاموا بالانتفاضة ضد الملك. في ذلك الوقت قاد الملك يوي جيشه القوي لمهاجمة مملكة وو. وانتصر عليها وأسقط حكم الملك وو في النهاية. وكانت هذه القصة خير دليل لتطبيق خطة " ضرب الخصم وهو يعاني من مشكلة ". وشهد المجتمع الحديث أيضا استخدام هذه الخطة في الحروب والمعارك. مثلا: في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي بدأت أسبانيا التي كان من أقدم الدول الاستعمارية في العالم تتهاوى قوتها بالتدريج. وقام أبناء الشعب في كوبا والفلبين اللتين كانتا من الدول المستعمرة الخاضعة لحكم أسبانيا قاموا بانتفاضة مسلحة ضد الحكم الاسباني. وفي ذلك الوقت شنت الولايات المتحدة التي أصبحت حينذاك دولة قوية إتخذت عمليات عسكرية واستولت بتكلفة قليلة على بعض المناطق التي كانت تحت الحكم الاسباني كبورتوريكو وغوام والفلبين وغيرها. الى جانب الحروب والمعارك التي تستخدم فيها هذه الخطة شهد قطاع التجارة والاعمال الاقتصادية المختلفة في المجتمع الحديث أيضا الاستخدام الدائم لخطة " ضرب الخصم وهو يعاني من مشكلة ". إلا أن أساليب تطبيقها عديدة ومتنوعة. منها اجبار المنافس الذي يعاني من صعوبة أو مشكلة على قبول الشروط، وفرض الضغوط عليه ليتراجع عند المنافسة أو الانسحاب منها، وحتى تدبير اضطرابات في صفوف المنافسين من أجل أضعافهم والانتصار عليهم. وهناك نقطة مهمة يجب الاهتمام بها وهى أنه أثناء تطبيق هذه الخطة يجب أن نحافظ على الاستقرار داخل صفوفنا ونعمل على تعزيز الوحدة من أجل تجنب وقوع " المشكلة " داخل بيتنا ولتركيز جميع الطاقة والقوة لمواجهة المنافسين.

الخطط الحربية: مشاهدة الحريق عبر النهر

خطة" مشاهدة الحريق عبر النهر" تعني متابعة حريق وقع في معسكر العدو والتريُّث الى حين قدوم فرصة الانتصار عليه بعد تفاقم وضع العدو. وبعبارة أخرى أنه عندما يقع شغب واضطراب داخل صفوف العدو يجب علينا ألا نتخذ عملا بل علينا انتظار الفرصة بالصبر بينما نتابع تطور الوضع الذي قد يتحول الى أزمة خطيرة يسقط فيها العدو. وبهذه الخطة نحقق هدفنا بتكلفة قليلة أو حتى بدون أي تكلفة. أستخدمت هذه الخطة دائما في الحروب في الصين القديمة. وفي عهد الممالك الثلاث الذي امتد تاريخه من عام 220 الى 280. وعندما توفى الملك يوان شاو الذي كان من أهم الشخصيات المتنفذة القوية حينذاك حدثت تناقضات بين أبنائه الذين تخاصموا فيما بينهم من أجل انتزاع السلطة. وأمام هذا الوضع قام تساو تساو وهو ضابط عسكري قوي ورجل متنفذ آخر قام بمطاردة أبناء يوان شاو في محاولة القضاء عليهم. فهرب هؤلاء الأبناء بعد هزيمتهم في معركة مع تساو تساو الى منطقة تُعرف باسم وو هنغ. فقاد تساو تساو جيشه للزحف الى المنطقة لمطاردتهم. فواصل الأبناء الفرار حتى وصلوا أخيرا الى معسكر ضابط متنفذ آخر إسمه قونغ سون كانغ. وبعد سماع تساو تساو ذلك الخبر تشاور مع مستشاريه لبحث تطور الوضع حيث قالوا له: يا مولاى عليك أن تنتهز هذه الفرصة السانحة لمطاردة الأعداء الذين قد أصبحوا الان ضعفاء جدا يعانون من أزمة خطيرة لا تطاق. ولكن تساو تساو ضحك وقال لهم: لا داع الى أي عمل الآن، بل أجلس هنا لانتظار وصول قونغ سون كانغ الى هنا لتقديم رؤوس أبناء يوان شاو الىّ. فتراجع بجيشه فعلا الى قاعدته ليستريح جنوده بينما ينتظر قدوم قونغ سون كانغ اليه. وعندما وصل أبناء يوان شاو الى قونغ سون كانغ للاستسلام له شكّك في نيتهم الحقيقية لأنه عرف أن لديهم طموحات كبيرة. وقد يكون استسلامهم مجرد اللجوء المؤقت اليه. وإذا استقبلهم فسيغضب تساو تساو منه وإذا حالف هؤلاء الأبناء لمحاربة تساو تساو شعر بقلق من أنهم سيخونونه إذا عادت القوة اليهم. فأرسل مستشاريه الى الاطلاع على الوضع ومعرفة المعلومات عن تساو تساو. وبعد معرفة انسحاب تساو تساو الى قاعدته دون اتخاذ أي حركة ضده أصبح مطمئن القلب بينما قرر قتل هؤلاء الأبناء معتقدا أنهم سيغدرون به عاجلا أو آجلا. فقتلهم بعد ذلك فعلا ثم أرسل رؤوسهم الى تساو تساو تعبيرا عن عدم خصومته معه وموقفه المتحالف معه في المستقبل. وبهذه الخطة قتل تساو تساو بيد قونغ سون كانغ أعداءه بدون أية تكلفة. هناك خطة " الجلوس على قمة الجبل لمشاهدة الصراع بين نمرين" وخطة " اشتباك الكركي والمحارة ينتج حظا للصياد، مشابهتان لخطة " مشاهدة الحريق عبر النهر". وكلها تتحدث عن وقوع الصراع بين صفوف الأعداء أو المنافسين مما يتيح الفرصة للطرف الثالث الذي ينتصر عليهم بتكلفة صغيرة. وكل هذه الخطط تؤكد أهمية انتهاز فرصة الأزمة داخل صفوف الأعداء أو المنافسين. وبعد أن تزداد الأزمة شدة وتتفاقم أوضاعهم الداخلية بحيث تنهار قواهم يجب اتخاذ القرار العملي الصائب للانتصار عليهم في النهاية. إن فهم خطة " مشاهدة الحريق عبر النهر " سهل إلا أن تطبيقها صعب نسبيا. لأن الأزمة لا تحدث لدى الأعداء إلا نادرا. فعلينا أن ننتظر الفرصة بكل الصبر والصمود. وبعد وقوع الأزمة لا نستعجل في عمل بل يجب انتظار تدهور الوضع حتى تشتد التناقضات فيما بين الأعداء ويبدأون التشاجر والخصام حتى يتقاتلون فيما بينهم بحيث يصبحون بعد ذلك ضعفاء من خلال الشجار والاقتتال الداخلي. ثم نتخذ عملية لتحقيق الانتصار الكبير بتكلفة ضئيلة. يستخدم التجار هذه الخطة دائما في المنافسات التجارية في العصر الحديث من أجل اضعاف المنافسين وابعادهم عنهم. مثلا حدث قبل سنوات في سوق المشروبات الصينية صراع عنيف بين العديد من المشروبات كمشروبات الشاي والمياه المعدنية والمشروبات الغازية مثل كوكا كولا وغيرها. وعندما اشتدت المنافسة حدة بين هذه المشروبات التي اصبح كل نوع منها مرهقا وحتى انزلق بعضها الى حافة الافلاس شارك نوع جديد من المشروبات إسمه " التوحيد" في المنافسة. وبفضل جودته الممتازة وأسلوب الترويج والتسويق البارز في حملة الاعلانات التجارية الضخمة وخاصة بانتهاز الفرصة التي قد أصبح فيها منافسوه ضعفاء من خلال المنافسة حققت مشروبات " التوحيد " نجاحا وشهدت مبيعاتها ازديادا سريعا ومستمرا واحتلت حصة كبيرة في سوق الصين الداخلية. ويعتبر ذلك خير دليل لتطبيق خطة " مشاهدة الحريق عبر النهر " في الأعمال التجارية.

الخطط الحربية: فداه بنفسه من أجل المصلحة العامة

جاءت عبارة هذه الخطة أصلا من قصة صينية قديمة تحكي أن شجرة برقوق كانت تنمو بجانب شجرة خوخ، وبعد مرور سنوات ظهرت دودة ضارة داخل التراب، واقتربت حتى كادت تصل الى جذور شجرة الخوخ وتهاجمها. إلا أن شجرة البرقوق مدت جذورها نحو شجرة الخوخ لاعاقة تقدم الدودة التي بدأت بعد ذلك تأكل من جذور شجرة البرقوق. وأخيرا ضحت شجرة البرقوق بحياتها لضمان سلامة حياة شجرة الخوخ. وهناك قصة أخرى تحكي أنه في قديم الزمان كانت هناك أسرة فيها خمسة أشقاء كل منهم غنيُ يملك أموالا كثيرة. وذات يوم عاني احدهم من أزمة يصعب عليه حلها بنفسه. ولكن أشقاءه الأربعة الآخرين لم يمد أي منهم يد العون اليه لانقاذه من الأزمة. فتحدث الناس عنهم قائلين: إن شجرة البرقوق، رغم أنها ليس من البشر، إلا أنها أفضل من الانسان كرما وشجاعة وأخلاقا. أستخدمت خطة " فداه بنفسه من أجل الجميع " كثيرا في الأعمال العسكرية. ودائما ما يكون الطرفان المتحاربان قبل القتال متساويين في القدرة، أي لا متفوق قوي ولا ضعيف واهن. وإذا خاضا المعركة فستكون الهزيمة لكلا الطرفين. وأمام هذا الوضع يجب على أحد الطرفين أن يتراجع أو يضحي بالقليل من أجل حماية المصالح العامة وتحقيق النصر النهائي. كانت هذه الخطة دائما ما تستخدم في العمليات العسكرية في الصين القديمة. وهناك قصة تحكي أن مملكة تشاو - وهى احدى الممالك المشهورة بالصين القديمة قبل أكثر من ألفي عاما كانت تعاني دائما من ازعاج مناوشات فرسان المنغول في منطقتها المحاذية لدولة منغوليا، فأرسل ملك تشاو ضابطا كبيرا إسمه لي مو لحراسة مدينة يان مون الحدودية لحماية مواطنيها والدفاع عنها من هجمات الفرسان المنغول. وبعد وصوله الى المدينة لم يضع أي عملية عسكرية بل قبع مع جنوده داخل المدينة واكتفى بمجرد حراستها ولم يحرك ساكنا تجاه الأعداء. فتحيّر الفرسان المنغول ولم يعرفوا الخطوة التي سيقوم بها فتوقفوا عن تحركاتهم العدائية. وبعد مرور أيام استراح الجنود في المدينة بشكل كامل وارتفعت معنوياتهم، أرسل لي مون عددا منهم ليخرجوا من المدينة لمصاحبة الرعاة المحليين الى المروج ، فرأى الفرسان المنغول ذلك وهاجموهم، فتظاهر بالخوف الشديد وفرّوا جميعا الى داخل المدينة تاركين خيولهم والمواشي للأعداء. فأبلغ الفرسان المنغول هذا الخبر لقائدهم الذي صار متأكدا من أن لي مو شخص ضعيف لا يملك القدرة والجرأة لمواجهتهم. فقاد جيشه لشن الهجوم على المدينة. وبعد أن عرف لي مو الخبر نصب كمينا في طريق أعدائه بينما أرسل عددا من جنوده لمواجهة الفرسان المنغول لهدف جذبهم الى موقع الكمين. وبعد أن انطلت الحيلة على الفرسان حيث دخلوا جميعا الى موقع الكمين أمر لي مو جنوده بمحاصرتهم وتقسيمهم ثم شن هجوما قويا انتصر فيه انتصارا كاملا حيث تم القضاء على جميع الاعداء. ومنذ ذلك الحين عادت المنطقة الى وضعها الطبيعي ولم يعد الفرسان المنغول يجرأون على أي عمل عدائي يزعج المواطنين المحليين. تستخدم هذه الخطة في المنافسة التجارية أيضا بحيث يقبل بعض التجار عمدا بخسارة لا بأس بها من أجل كسب أرباح أكثر في المستقبل. مثلا: ان شركة باوتش أند لووب الأمريكية المشهورة لانتاج النظارات استخدمت هذه الخطة في اصلاح الشركة. وفي عام 1981 تم تعيين دانيل جيل مديرا عاما جديدا للشركة التي كانت أوضاعها حينذاك غير جيدة سواء في الانتاج والابحاث التقنية أو في تسويق المنتجات. فقام نانيل أولا باصلاح مختلف المؤسسات التابعة للشركة بنظام " التنافس يعنى البقاء للأصلح " وباع المؤسسات الضعيفة الانتاج والتي كان بعضها يعاني خسائر مستمرة، وبينما عزز وحافظ على أعمال الادارة للمصانع التي تنتج فقط العدسات اللاصقة. ثم استغل الأموال الواردة من بيع تلك المؤسسات الخاسرة لإجراء التجديد التكنولوجي وزيادة الابحاث العلمية مع تبديل معدات الانتاج القديمة بالجديدة داخل ورش الانتاج. وفي المرحلة الاولى بعد تنفيذ هذه الاجراءات شهدت الشركة انخفاضا مؤقتا في الانتاج والمبيعات. الأمر الذي جعل الكثير من الناس يشكون في صحة هذه الاجراءات التي يتخذها دانيل إلا أن دانيل كان مثابرا ومصرا على الاصلاح. وبعد مرور فترة غير طويلة تحسنت أوضاع الشركة حيث بدأت تحقق أرباحا متزايدة، كما بدأت منتجاتها تحظى باقبال متزايد في أسواق الكثير من الدول والمناطق. إن دل ذلك على شئ فإنما يدل أن هذا النجاح لم يأت إلا بفضل تنفيذ خطة دانييل هذه التي جعلت شركته ضمن صفوف الشركات العملاقة المشهورة لانتاج النظارات في العالم.

الخطط الحربية: سحب الحطب من تحت المرجل

خطة" سحب الحطب من تحت المرجل" على حد تعبيرها تعني اخراج الحطب المشتعل من تحت المرجل أو الفرن لوقف تسخين المياه فيه وتبريدها. وبعبارة أخرى أي: تسوية القضية من أساسها. ويرى الناس أن غلي المرجل بما فيه من المياه يعتمد على تعزيز اشتعال الحطب تحته، وطبعا ان كلا من المرجل الساخن وما فيه من المياه الساخنة اضافة الى النيران تحت المرجل لا يمكن لمسها باليد للتجنب من الاحتراق بها، إلا أنه يمكن أن نسحب الحطب من تحت المرجل لإطفاء النار ووقف تسخين المياه وتبريدها. ويمكن تطبيق هذه الخطة في العمليات العسكرية، إذ أن القائد العسكري العاقل غالبا ما يتجنب المواجهة المباشرة مع العدو الأقوى نظرا لعدم امتلاك القدرة على تحقيق الانتصار عليه مهما بذل من جهود وحتى التضحية الهائلة أثناء القتال. لذلك يسعى دائما لاكتشاف نقطة ضعف العدو التي يمكن انتهازها مع ايجاد وقت وفرصة ملائمة يدبر فيها عملية مفاجئة خارج حسبان العدو للهجوم على العدو والقضاء عليه في النهاية، كتنظيم حملة دعائية وحرب نفسية لاضعاف معنوية العدو والهجوم على قاعدته أو مستودعات امداداته في مؤخرته، وقطع طريق نقل الامدادات والتعزيزات له، وما الى ذلك. وكل هذه العمليات تنتمي الى خطة: سحب الحطب من تحت المرجل." هناك قضية حدثت في الصين القديمة استخدمت فيها هذه الخطة تحكي أن في قديم الزمان شهدت احدى المناطق اضطرابا داخل معسكرات الجيش حيث قتل الجنود المشاغبون ضابطهم وأضرموا الحرائق في بعض مباني الحكومة المحلية. وأمام هذا الشغب لزم معظم مسئولي الحكومة المحلية بيوتهم خوفا من التعرض لأخطار وأضرار، فضلا عن اجراء الاتصال مع المشاغبين لاقناعهم بوقف الشغب وتهدئة الاوضاع. إلا أن مسئولا شجاعا إسمه شوي تشانغ روه تقدم وتوجه الى معسكر المشاغبين، وقال لهم إن لديكم عائلات،فيها الأب والأم والإخوان والأخوات، وستواجهون كما سيواجهون أيضا عقابا شديدا ومصيرا سيئا إذا واصلتم المشاركة في هذا الشغب الذي سيبوء بالفشل الأكيد. لذلك آمل ألا تفكروا في مصالحكم فقط بل تفكروا جيدا في مصالح أبائكم وأمهاتكم وأشقائكم في عائلاتكم. وإذا سلمتم أنفسكم طوعا للحكومة وتتركون مثيري الشغب فسنتعامل معكم بالتسامح الأكيد، ولا نحملكم المسئولية عن هذا الشغب. فما رأيكم ؟ بعد الاستماع الى كلامه بدأ الكثير من الجنود المشاركين في الشغب يشعرون بشئ من الندم، لأنهم التحقوا بصفوف المشاغبين تحت اجبار وخداع من مدبري الشغب أو تورطوا فيه بشكل عشوائي غير متعمدين. وبعد أن شاهد شوي تشانغ روه ظهور تغيرات على وجوههم واصل في اقناعهم حيث قال: أطلب ممن لا يريدون المشاركة في هذا الشغب أن يقفوا في جانبي ليبقى مثيروه في جانب آخر. وفور انتهاء كلامه هذا توجه مئات الجنود اليه ليقفوا معه تاركين أفرادا قليلة من مثيري الشغب في أماكنهم. وبعد أن رأوا أن الوضع قد اصبح في غير صالحهم هربوا فورا وفروا الى قرى بعيدة. فقاد شوي تشانغ روه رجاله لمطاردتهم وإلقاء القبض عليهم مع احالتهم للعدالة في النهاية. وأثناء هذا الشغب أستخدم شوي تشانغ روه خطة " سحب الحطب من تحت المرجل " لتهدئة الاوضاع. وبالنسبة له كان المشاغبون المسلحون أقوياء قد يعرضونه لخطر في أي وقت من الأوقات عندما تقدم اليهم وتحدث معهم. إلا أنه ذكي وعاقل، حيث حذر الجنود المخدوعين من مواجهة مصير خطير إذا واصلوا المشاركة في هذا الشغب مع تذكرهم بمصالح أفراد عائلاتهم الذين قد يتعرضون لعقاب بسبب أخطائهم هذه إضافة الى توضيح موقف الحكومة من المستسلمين طوعا. الأمر الذي فرّق صفوف المشاغبين ودفع مثيري الشغب الى العزلة وجعلهم يفرون بعد فشلهم في محاولاتهم، مع القاء القبض عليهم في النهاية. النقطة الحاسمة اثناء تطبيق هذه الخطة هى التمسك بالتناقض الرئيسي القائم لدى العدو أو المنافس لايجاد الفرصة القابلة للتطبيق للانتصار عليه. وهناك أعمال عسكرية مثالية توضح هذه النقطة منها الهجوم المفاجئ على الأعداء من خلفهم، وخطف امداداتهم أو قطع طريق انسحابهم لاضعاف معنويتهم وما غير ذلك. تستخدم خطة " سحب الحطب من تحت المرجل" أيضا في الانشطة الاقتصادية وبالمجتمع العصري. مثلا إذا شهدت دولة ما خلال فترة زيادة مفرطة للقروض الائتمائية التي تستثمر في قطاع العقارات أو الأصول الثابتة. فمن المحتمل أن تظهر بسبب ذلك فقاعات اقتصادية قد تؤدي الى التضخم المالي. وأمام هذا الوضع غالبا ما يقوم البنك المركزي للدولة بتعديل سياستها المالية والنقدية مثل رفع نسبة احتياطي الودائع المصرفية أو أسعار الفوائد لمواجهة احتمال التضخم. وبذلك قد تنخفض السيولة النقدية التي تغذي الأسواق مما يخفض الزيادة المفرطة للاستثمارات التي تستهدف العقارات أو الاصول الثابتة.

الخطط الحربية: تخلص مثلما يتخلص الزيز من قشرته

من المعروف أن حشرة الزيز بعد انسلاخها تترك قشرتها معلقة على غصون الشجرة، وكأنها زيزة حية أخرى. أما تطبيق هذه الخطة في الأعمال العسكرية والتجارية فيعني تدبير خطة تنكرية لخداع العدو أو المنافس مع الانسحاب الخفي من أجل التخلص من خطر أو ضيق. وتستخدم هذه الحيلة دائما في حالة أن القوة الذاتية أصبحت ضعيفة بالمقارنة مع العدو أو المنافس. من بين العمليات العسكرية التي استخدمت فيها هذه الخطة حرب حدثت في القرن الثالث الميلادي الموافق عهد الممالك الثلاث المتحاربة بالصين القديمة. وكان كل من أباطرة ممالك وي وشو ووو يطمح في الانتصار على الآخرَينِ وتوحيد البلاد والاستيلاء على سلطة الدولة. لذلك كانوا يحاربون بعضهم ضد البعض بين حين وآخر. وجدير بالذكر أن في مملكة شو وزير بارز إسمه تشو قه ليانغ، وهو قائد عسكري حكيم ومشهور ليس في عهده فحسب بل ظلت شهرته قائمة حتى يومنا هذا. وبذكائه وحكمته كان دائما ما يحقق الانتصارات في المعارك مع مملكتي وي ووو. لذلك كلما قابله خصومُه في ميدان القتال تسمكوا بالحذر الشديد من انطلاء حيلته عليهم. ذات مرة قاد تشو قه ليانغ جيش مملكة شو متوجها نحو الشمال لمحاربة جيش مملكة وي. فأرسل امبراطور وي جيشه فورا لمواجهة الأعداء. وعندما تقابل الجيشان استعدادا لبدء القتال أصيب تشو قه ليانغ بمرض شديد شعر بأنه لا يشفى منه، كما عرف أيضا أن جيش مملكة وي إذا أطلع على خبر مرضه أو حتى وفاته فسيشن هجوما قويا على جيشه الذي لن يحقق انتصارا على الخصوم بدونه. وإذا إنسحب جيشه فورا أو بعد وفاته من المنطقة فسيطارده جيش مملكة وي. لذلك استدعى قائد الجيش جيانغ وي وعلّمه بتوجيهات كيفية سحب الجيش من المنطقة بعد وفاته. بعد أيام توفى تشو قه ليانغ متأثرا بمرضه فعلا، ووفقا لخطته لم يعلن جيانغ وي خبر وفاته، بل كتم السر بشكل محكم، وفي الوقت نفسه استدعى نجارا ليصنع تمثالا خشبيا مشابها جدا لتشو قه ليانغ قامة وشكلا، وألبسه ملابسه ثم وضعه في عربته القديمة. وبعد إكمال هذه الأعمال أمر جيانغ وي بانسحاب معظم أفراد الجيش الى المملكة مع نقل تابوت تشو قه ليانغ معهم أيضا. بعد أن عرف قائد جيش وي خبر انسحاب جيش شو، قاد جنوده لمطاردته. وعندما إقتربوا منه شاهدوا مجموعة من الجنود بزعامة جيانغ وي قد إعترضت طريقهم، وفي مقدمتهم عربة جلس فيها تشو قه ليانغ. كما شاهدوا أن تشكيلة هؤلاء الجنود منتظمة وكل واحد منهم يبدو في حماسة عالية ومعنوية مرتفعة، فشعروا بحيرة ومخاوف معتقدين أن تشو قه ليانغ قد دبُّر حيلة لجذبهم الى كمين. فأمر القائد بانسحاب جيشه فورا لكي لا تنطلي الحيلة عليهم. وبعد أن شاهد جيانغ وي انسحاب جيش مملكة وي سحب قواته أيضا وبشكل سري. وعندما أطّلع قائد جيش وي على خبر وفاة تشو قه ليانغ مع التأكد من انسحاب جيش مملكة شو أصبح في غاية الندم، لأن الوقت قد سبقه كما فاتته الفرصة السانحة لمحاربة الخصوم والانتصار عليهم. هناك قصة أخرى استخدمت فيها خطة" تخلص مثلما يتخلص الزيز من قشرته " حدثت في عهد أسرة سون الملكية الصينية الموافق القرن الثالث عشر الميلادي، حيث نشبت الحرب بين جيش سون وجيش قومية جين - احدى الاقليات القومية الصينية بشمالي البلاد. وكان الوضع في صالح جيش جين لأن جيش سون أقل منه عددا وقوة. وأمام هذه الوضع أمر قائد جيش سون بانسحاب الجيش من ميدان الحرب من أجل الحفاظ على القوات العسكرية. بدأ الانسحاب في ليلة مظلمة. وكان جنود جيش جين يستريحون داخل مخيمات معسكرهم. وفجأة تعالت أصوات الطبول المزعجة من معسكر جيش سون القريب من معسكر جيش جين، فنهض قائد جيش جين وظن أن الأعداء شنوا هجوما مباغتا على معسكره، وأمر جنوده بمواجهة المهاجمين. إلا أنهم لم يجدوا أي مهاجم. فعادوا الى معسكرهم بعد هدوء أصوات الطبول. ولكن لم يمض وقت طويل حتى عادت الأصوات مرة أخرى فنهضوا ثانية. وتكرر الأمر مرارا وتكرارا حتى أوقع الجنود في فزع وذهول شديدين. وظن القائد أن الخصوم استخدموا هذه الحيلة لازعاج جنوده لإضعافهم وتقويض معنويتهم. فطلب من جنوده ألا ينهضوا مهما كانت الأصوات. وفي اليوم التالي انخفضت أصوات الطبول، واعتقد قائد جيش جين أن الأعداء ربما شعروا بتعب وملل، فأمر جنوده بالهجوم علي معسكرهم، وبعد دخولهم اليه لم يجدوا أي شخص بل شاهدوا فقط عشرات الخراف المربوطة والمعلقة على الأشجار، وتحت أقدامها طبول كثيرة، بحيث كانت تضرب الطبول بأقدامها وتحدث أصواتا. وفي ذلك الحين عرف القائد أنها خدعة قد إنطلت عليه. وهذا هو مثال آخر لتطبيق" تخلص مثلما يتخلص الزيز من قشرته ".

الخطط الحربية: للقبض على اللصوص إقبض على زعيمهم أولا

جاءت عبارة " للقبض على اللصوص إقبض على زعيمهم أولا " أصلا في أحد أشعار الشاعر الصيني المشهور دو فو في أسرة تانغ الملكية الصينية القديمة حيث قال في أحد أشعاره " لإسقاط الفارس إرم السهام على جواده، وللقبض على اللصوص إقبض على زعيمهم أولا " ويقصد هذا الكلام بأن الهجوم يجب أن يستهدف أولا قائد الأعداء. وبذلك يمكن تحقيق الانتصار الكامل على الأعداء كلهم سواء في الحرب أو في المنافسات الأخرى. تطبيق خطة " للقبض على اللصوص إقبض على زعيمهم أولا " في الحرب يهدف الى تركيز أهم وأكبر قوة لتدمير قيادة العدو والقضاء على قائده الأعلى لدفع الأعداء الى الفوضى والاضطرابات ليفقدوا معنويتهم، ومن ثم شن الهجوم السريع عليهم والانتصار عليهم في النهاية. وإذا كان العمل بالعكس أي ترك زعيم الاعداء يهرب، فيكون ذلك كترك النمر يهرب الى غابات الجبل مع منحه وقتا وفرصة يشفى فيها من جرحه، وبعد ذلك يعود للقيام بهجوم جديد بعد نزوله من غابات الجبل. وفيما يلي قصة حقيقية استخدمت فيها هذه الخطة في الحرب في الصين القديمة. شهدت الصين فترة ازدهار، سياسيا واقتصاديا وثقافيا، في القرن الثامن الميلادي الموافق عهد أسرة تانغ الملكية. إلا أن الامبراطور الصيني في أواخر هذه المرحلة التاريخية عاش في غاية الاسراف والتبذير غير مهتم بشؤون الدولة. الأمر الذي جعل الوزراء وكبار المسؤولين مهملين لمسؤولياتهم ومتقاعسين عن أداء واجباتهم فارتكب الكثير منهم الاختلاس والابتزاز مما أثار استياءا متزايدا وشكاوى كثيرة من المواطنين. فوقع في بعض المناطق حركات تمرد وانتفاضة ضد الحكومة الملكية. ومن بين زعماء المتمردين ضابط إسمه آن لو شان الذي كان مسئولا للجيش الملكي باحدى مناطق البلاد. وقاد أنصاره في انتفاضة في محاولة اسقاط الحكم الامبراطوري. وزحفت قوات المتمردين نحو مدينة تشآن آن التي كان عاصمة للصين القديمة. وفي السنة التالية استولوا عليها فعلا بينما فر الامبراطور الى منطقة بعيدة. فاحتل آن لو شان القصر الامبراطوري وأعلن نفسه أمبراطورا جديدا. قاد آن لو شان بعد ذلك جيشه المتمرد لمواصل الزحف الى مناطق آخرى في محاولة احتلال المزيد منها لتوسيع انتصاره. وكان من بين أنصاره ضابط يُعرف باسم يي زي تشي، كان يقود جيشا كبيرا لمهاجمة مدينة وي يانغ التي كانت تعتبر احدى المدن الاستراتيجية الهامة داخل البلاد. ولم يكن بداخل هذه المدينة حينذاك سوى بعضة آلاف جندي بقيادة قائدهم الشجاع تشانغ شون. ورغم قلة عددهم إلا أن كل واحد منهم كان شجاعا يعتزم الدفاع عن المدينة بكل ما يملكه مهما كانت التضحية. وبعد أن طوق المتمردون المدينة شنوا العديد من الهجمات عليها إلا أنهم لم ينجحوا في اسقاطها. وبقى الجانبان في وضع تشبث وجمود. من أجل كسر حصار المتمردين والانتصار عليهم دبر تشانغ شون خطة وأمر جنوده بتطبيقها. وبعد غروب الشمس حيث انتهى المتمردون في أعمالهم العسكرية، وبدأوا بالاستراحة، طلب تشانغ شون من جنوده أن يقرعوا الطبول ويهتفوا بأصوات عالية. فنهض المتمردون جميعا معتقدين أن جنود المدينة سيخرجون منها لمهاجمتهم. فأمسكوا الأسلحة استعدادا لمواجهتهم، إلا أن جنود المدينة لم يخرجوا. وفي اليوم الثاني تكرر المشهد مرة أخرى كما تكررت الحالة أيضا في كل ليلة في الأيام المتتالية العديدة. الأمر الذي جعل المتمردين يشعرون بتعب وغضب وحيرة شديدة حتى ارتخت معنويتهم كما أصبحت قوة مهاجمتهم للمدينة في النهار ضعيفة بكثير. ومن أجل كسر حصار المتمردين على المدينة فكر تشانغ شون أخيرا في تدبير خطة تمكنه من الانتصار عليهم. كانت الخطة بذاتها خطة " للقبض على اللصوص إقبض على زعيمهم أولا " والتي تستهدف زعيم المتمردين يي زي تشي. إلا أن جنود المدينة لم يروه سابقا، ولم يعرفوا شكله وملامحه. ومن أجل تمييزه من بين جنوده أمر تشانغ شون جنوده باطلاق السهام من على سور المدينة. الأمر الذي جعل المتمردين يتجمعون حول زعيمهم يي زي تشي لحمايته، وبذلك عرف تشانغ شون وجنوده الهدف المطلوب. فأطلقوا جميعا المزيد من السهام باتجاه يي زي تشي الذي أصيب أخيرا بجروح عديدة، وسقط من ظهر جواده على الأرض، مما أثار اضطرابا كبيرا وارتباكا شديدا في صفوف المتمردين، وبسرعة إنسحبوا من المعركة. وبذلك انتصر تشانغ شون بجيشه القليل العدد على المتمردين الكثيرين ونجح في الدفاع عن مدينته. يبدو أن خطة " للقبض على اللصوص إقبض على زعيمهم أولا " سهلة الفهم إلا أن تطبيقها صعب نسبيا نظرا الى أن الزعيم غالبا ما يتمتع بحماية كاملة مكثفة يصعب كسرها. لذلك من الضروري أن يتم اكتشافه أولا ثم جعله مكشوفا في ميدان القتال مع شن الجهوم المكثف عليه. وبهذا الاسلوب يمكن القبض عليه أو القضاء عليه ومن ثم القضاء على " اللصوص الآخرين بأجمعهم.

الخطط الحربية: يناور في الشرق للهجوم على الغرب.

" يناور في الشرق للهجوم على الغرب" هى خدعة تستخدم دائما في العمليات العسكرية في العصر القديم والحديث. ومضمونها على حد تعبير واضعها يتمثل في وضع خطة لشن الهجوم على غرب العدو ولكن العملية تبدأ بهجوم خادع على شرقه من أجل جذب قواته الرئيسية الى الشرق. وبعد أن تصبح جبهة العدو الغربية ضعيفة يبدأ الهجوم القوي الحقيقي عليها. وتهدف هذه الخدعة الى تشويش تفكير العدو ليتخذ خطة تكتيكية أو استراتيجية خاطئة، وإذا انطلت الخدعة على العدو يبدأ الهجوم الحقيقي عليه للانتصار عليه في النهاية. كانت هذه الخدعة غالبا ما تستخدم في الصين القديمة. واثناء القرن الثاني الميلادي. قاد تشو زون/ ضابط احدى ممالك عهد أسرة هان الشرقية في الصين القديمة قاد جيشه لمقاتلة قوات الفلاحين المتمردين التي كانت مرابطة داخل مدينة تعرف باسم" وان تشنغ " وتعتبر قاعدة لهم. وبعد بدء المعركة كانت قوات الفلاحين تدافع عن المدينة من هجوم الجيش الملكي مستندة الى سور عال وجيش كبير من المقاتلين. ورغم فرض الجيش الملكي حصارا كاملا ومحكما على المدينة إلا أنه لم يحقق أي تقدم. وبعد مرور أيام قام تشو زون بتعديل خطته بحيث أمر بشن هجوم خادع على جنوب غربي المدينة. فأرسل قائد قوات الفلاحين فورا معظم جنوده الى هذه الجهة للدفاع عنها. وفي ذلك الوقت أمر تشو زون جنوده بشن هجوم قوي حقيقي على شمال شرقي المدينة الذي كان يحرسه عدد غير كبير من المقاتلين فخرقوا هذا المكان واحتلوه ثم استولوا على كل المدينة وحققوا انتصارا في النهاية. تهدف خدعة " يناور في الشرق للهجوم على الغرب" الى اخفاء الخطة الحقيقية بأسلوب خدع العدو وتشويش تفكيره مما يجعله يتخذ قرارا خاطئا يمكن انتهازه للانتصار عليه. تستخدم هذه الخدعة أيضا ودائما في حروب العصر الحديث. مثلا. في آواخر الحرب العالمية الثانية. استعدت قوات الحلفاء لشن هجوم استراتيجي على الجيش الالماني وهى عملية الانزال التاريخية المشهورة على شاطئ نورماندي الفرنسي. واستغرق الاعداد لهذه العملية أكثر من سنتين. وامتازت العملية بالتخطيط الرائع والسرية المطلقة لدرجة أن القوات المعدة للمشاركة لم تكن تدري حتى اللحظات الأخيرة أين ومتى سيكون التنفيذ. ومن أجل تشويش قادة الجيش الألماني قامت قوات الحلفاء بنشر المعلومات الخادعة وجمع بعض الجنود في مواقع أخرى غير موقع الانزال للقيام بالتدريبات عليه. الأمر الذي جعل قادة الجيش الألماني يعتقدون بأن منطقة جالاي هى موقع الإنزال لقوات الحلفاء وايقنوا حتى بعد بدء عملية الانزال بأن عملية قوات الحلفاء في نورماندي هى خدعة غير حقيقية. وبهذا التخطيط السري بدأت العملية الجبارة تجري على قدم وساق. وكانت عشرات الآلاف من الناقلات والمركبات القتالية تتحرك على الطرق البريطانية تحمل مئات الآلاف من الجنود متوجهة الى مناطق التجمع في مواني الإنزال. وفي السادس من يونيو عام 1944 كانت خمسة آلاف سفينة حربية تحمل ملايين الجنود من قوات الحلفاء محمية بعشرة آلاف طائرة مقاتلة وقاذفة تبدأ بأكبر إبرار بحري في التاريخ على الأرض الفرنسية في نورماندي. وفي النهاية نجح مليونان ونصف مليون جندي من قوات الحلفاء في الإبرار وبدأوا يطاردون الجنود الألمان، ودقوا بهذه العملية أجراس نهاية أدولف هتلر وإمبرياليته النازية. ويعتبر الإنزال في نورماندي أفضل مثال في تطبيق خطة " يناور في الشرق للهجوم على الغرب " في الحروب الحديثة. الى جانب الأعمال العسكرية تستخدم هذه الحيلة أيضا في المنافسات التجارية وحتى لدى قيام رجال الشرطة باستجواب المجرمين حيث أن رجال الشرطة غالبا ما يوجهون أولا بعض الأسئلة غير المتعلقة بالقضية للمجرمين من أجل تشويش انتباههم وبعد أن يفقد المجرمون تركيزهم يوجهون اليهم أسئلة هامة وبشكل مفاجئ. وبهذه الطريقة يكشفون أعمالهم الاجرامية. قبل تطبيق خدعة " يناور في الشرق للهجوم على الغرب " يجب الحصول على كافة المعلومات عن العدو أو المنافس مع بحث أوضاعه وتغيراته النفسية ومتابعة أية حركة من تحركاته. ولا يمكن اتخاذ قرار نهائي إلا بعد إكمال هذه الأعمال المذكورة. ويجب أن تعرف عدوك أو منافسك جيدا بينما تعرف نفسك جيدا أيضا ثم تتخذ خطوتك أو تخوض معركتك. وبذلك سيكون النصر حليفا لك بلا شك. هنا نقطة هامة يجب الاهتمام بها وهى أنه عندما تريد تنفيذ هذه الحيلة يجب أن تحافظ على اليقظة وترفع درجة الحذر حتى تكبح أية امكانية للعدو أو المنافس باستخدام الخدعة أيضا لمواجهتك.

36 خطة عسكرية

عجز المؤرخون عن معرفة الوقت المحدد الذي شهد كتابة هذه الباقة من الاستراتيجيات، كما لا تجد أي دليل يشير إلى هوية المؤلفين لها، على أن بعض هذه الاستراتيجيات ظهرت في العديد من الكتابات الصينية القديمة، لكن الإستراتيجية السادسة والثلاثين (الهروب - أفضل الإستراتيجيات) تبقى الأشهر بين أخواتها. هذا الظهور المتقطع دفع المؤرخين للإيمان بأن الاستراتيجيات الستة وثلاثين هذه تم وضعها وجمعها قبل أكثر من ألفي عام.

يعود تاريخ اكتشاف الكتابات الأصلية لهده الباقة من الإستراتيجيات إلى عام 1941م في منطقة سيشاون (Sichuan) في الصين، لكن تبين عند اكتشافها أنها لا تزيد عن كونها نسخة من مخطوطة سابقة يعود زمنها لنهاية عهد أسرة مينج أو بدايات حكم أسرة كوينج. جاء النص الأصلي المُكتشف غاية في القصر، لا يزيد عن 138 حرف (كلمة صينية)، يذكر منطوق كل إستراتيجية ثم يتبعها بتفسير قصير مختصر. وأما أول طباعة حديثة لهذه الاستراتيجيات فصدرت في عام 1979م في العاصمة الصينية بكين، بمجهود من الحكومة الصينية.

في حين تركز بقية الكتب الصينية العسكرية (مثل رائعة سون تزو فن الحرب) على التنظيم العسكري والقيادة وطرق التفكير التكتيكي في أرض المعركة، نجد هذه الاستراتيجيات قابلة للتطبيق بشكل أفضل في عالم السياسة والدبلوماسية والتجسس. في اللغة الصينية القديمة، نجد أن حاصل ضرب ستة في ستة (36) بالصينية قريب الشبه بكلمة صينية أخرى هي "الإستراتيجية".

تصنيفات الاستراتيجيات:
تأتي الاستراتيجيات الستة وثلاثين في ستة مجموعات، كل مجموعة منها مقسمة إلى ستة استراتيجيات (وهكذا جاء رقم
36). السداسيات الثلاثة الأول من الإستراتيجيات مقسمات إلى الاستراتيجيات المعتمدة على التمتع بالأفضلية، والمعتمدة
على انتهاز الفرص السانحة، والهجومية، وهذه الثلاثية تصلح للاستخدام في حالة الانتصار والفوز.
الثلاثية الثانية -كما هو المتوقع لها- يتم استخدامها في حالة الدفاع وفقدان الأفضلية، وهي تحديدًا استراتيجيات
الفوضى والإرباك، ثم الخداع، وأخيرًا استراتيجيات المواقف اليائسة.

لا تفهم هذا التصنيف على أن الاستراتيجيات متلازمات، بل يمكن الأخذ منها بحسب الموقف، وبما يتراءى لك في خط
المواجهة، كذلك يمكنك انتهاج أي إستراتيجية منها بغض النظر عما إذا كنت في موقف المنتصر أو المهزوم أو المقهور. عدا الإستراتيجية الأخيرة (الـ36) فلا تجد أحدًا يعرف على وجه الدقة المعنى الحقيقي الواضح لكل إستراتيجية، فالتعميم يجعلها تقبل أكثر من تفسير منطقي. كما كان الحال مع كتاب فن الحرب، تجد هذه الاستراتيجيات قابلة للتطبيق أيضاً في عالم الأعمال والتسويق والمبيعات بل في كل مجال تقريبًا

ترجمة وإعداد: رءوف شبايك
و نقله nouryam


الخطط الحربية: اختلاق الأكاذيب والسعي لتحويلها الى ما يصدقه العدو أو المنافس.

تهدف خدعة " الاختلاق " الى صنع الأخبار أو المعلومات أو الأشياء المزيفة لخدع العدو أو المنافس وتشويش تفكيره ودفعه الى اتخاذ قرار خاطئ مما يتيح فرصة يمكن انتهازها للإنتصار عليه وتحقيق الهدف المخطط. وخلال تطبيق هذه الخدعة يجب تخطيطها بشكل رائع وبسرية مطلقة لتكون الأشياء المختلقة شبيهة جدا بالأشياء الطبيعية، ذلك لتنطلي الخدعة بشكل تام على العدو أو المنافس. وتشير السجلات التاريخية الصينية الى أمثال عديدة لاستخدام هذه الخدعة. واحداها كانت في عهد الممالك الثلاث التي يرجع تاريخه الى حوالى ألف وسبعمائة سنة حيث كان في خريطة الصين القديمة ثلاث ممالك وهى ممالك وي وشو و وو. ودائما ما كانت تحدث الحروب والمعارك بين هذه الممالك. وذات مرة إنهزمت مملكة وي في معركة مع مملكة شو. وعرف ملك وي/ تساو تساو بعد هزيمته أن لدى ملك شو مستشارا عسكريا بارزا إسمه شوي شو، وضع الخطة الحربية الرائعة التي لعبت دورا حاسما لتحقيق الانتصار على جيشه. فأراد تساو تساو أن يستخدم حيلة لتحريض هذا المستشار على خيانة الملك شو والتمرد عليه والالتحاق بعد ذلك بجيشه ليساعده ضد مملكة شو. فطبق الملك تساو تساو فكرته هذه فعلا. وحصل على معلومات بأن بان شوي شو رجل بار ومطيع لأمه المسنة، ولا يقوم بأي عمل يخالف تعليماتها. فأرسل تساو تساو مبعوثا الى بيت شوي شو لزيارة أمه المسنة وطلب منها أن تكتب رسالة الى إبنها وتطلب منه أن يلتحق بمملكة وي. إلا أن أمه المسنة رفضت هذا الطلب بشكل قاطع وقالت للمبعوث:" أنا أفضل الموت على الخيانة ". وبعد أن سمع المبعوث كلامها هذا لم ييأس، بل فكر في حيلة " الاختلاق " إذ كتب رسالة مزورة بتقليد خط الأم المسنة وبعث بها الى شوي شو تطالبه بزيارة ملك شو. وبعد أن قرأ شوي شو الرسالة لم يشك في حقيقتها وذهب فعلا الى مملكة شو لزيارة الملك تساو تساو. وعندما وصل اليه وعرف الحقيقة شعر بندم شديد. ورغم انطلاء الحيلة عليه إلا أنه لم يستسلم ولم يقدم أية خدمة لملك تساو تساو. وأصبح بذلك شخصية مشهورة باخلاصه وأمانته في تاريخ الصين. لم يشهد المسرح العسكري والسياسي في العهد القديم والحديث استخداما كثيرا لخدعة " الاختلاق " فحسب بل تطورت هذه الحيلة واكتسبت أساليب كثيرة وتخطيطات رائعة. ومن بينها: اختلاق الأشياء المزيفة لخدع العدو أو المنافس. وإذا كشف العدو أو المنافس تلك الأشياء المزيفة تم تحويلها فورا الى حقيقية لخدع العدو أو المنافس مرة ثانية وإذا كان العدو أو المنافس مؤمنا بأن هذه الأشياء ما زالت مزيفة ومختلقة تم استخدامها فعليا. وبهذا الأسلوب يمكن تشويش تفكير العدو أو المنافس من أجل مسك زمام المبادرة في المعركة أو المنافسة السياسية وتحقيق الانتصار على العدو أو المنافس في النهاية. في القرن الثامن الميلادي كان زعيم قوات المتمردين لينغ هو تشاو يقود جيشه في هجوم على مدينة يونغ تسيو التي كان يحرسها الجيش الملكي بزعامة الضابط البارز تشانغ شون. وعندما اقتربت قوات المتمردين من المدينة أمر تشانغ شون جنوده بصنع ألف دمية على شكل الجنود باستخدام الأعشاب وقش الأرز، وربطها بالحبال ووضعها تحت سور المدينة بعد غروب الشمس. وعندما وصلت قوات المتمردين الى سور المدينة وشاهدوا تلك الدمى ظنوا أنها من حرس المدينة فأطلقوا السهام عليها. وبعد أن ملأت السهام أجسام الدمى سحبها الجنود بالحبال وأخذوها. وبهذه الحيلة حصلوا على عشرات الآلاف من السهام من المتمردين. وفي ليلة اليوم الثاني قام تشانغ شون بنشر جنوده تحت سور المدينة استعدادا لشن هجوم على الأعداء، وعندما رآهم المتمردون اعتقدوا انهم من الدمى كما كانت في اليوم الاول. فلم يهتموا بهم. وفي منتصف الليلة تسلل الجنود الى معسكرات المتمردين واشعلوا النار فيها واحرقوا المعسكرات كلها ثم بدأوا بقتال المتمردين وقضوا عليهم في النهاية. وأحيانا تطبُق حيلة " الاختلاق " بتحويل الأشياء المزيفة الى حقيقية وأحيانا تحويل الأشياء الحقيقية الى المزيفة. وتختلف هذه التطبيقات حسب الأوضاع الواقعية في ميدان المعركة أو في المنافسات السياسية. أما استخدام هذه الحيلة في التجارة فيعتبره بعض الناس مخالفا للعدالة والأخلاق المهنية. لذلك يجب الاهتمام بهذه النقطة من خلال المنافسات التجارية.

" إغراء النمر ليخرج من عرينه " على حد تعبيره يعني استخدام الحيلة لجذب العدو الذي كان ملزما موقعه الحصين ليخرج منه للقضاء عليه في النهاية. وفي الصين القديمة غالبا ما تعرّض الناس المقيمون بالقرب من الجبال للافزاع والاصابة من النمور التي تعيش في غابات الجبال. ومن أجل القبض على هذه النمور المفترسة استخدموا حيلة إغرائها لتخرج من عرينها في غابات الجبال لتفقد سندها الجغرافي ثم دبروا خططا للقبض عليها. وفي الأعمال العسكرية بدأ الناس يستخدمون أيضا هذه الخطة حيث يدبرون خطة مماثلة لجذب العدو ليخرج من قلعته الحصينة. ثم شن الجهوم أو اقامة الكمين للقضاء عليه.

" إغراء النمر ليخرج من عرينه " على حد تعبيره يعني استخدام الحيلة لجذب العدو الذي كان ملزما موقعه الحصين ليخرج منه للقضاء عليه في النهاية. وفي الصين القديمة غالبا ما تعرّض الناس المقيمون بالقرب من الجبال للافزاع والاصابة من النمور التي تعيش في غابات الجبال. ومن أجل القبض على هذه النمور المفترسة استخدموا حيلة إغرائها لتخرج من عرينها في غابات الجبال لتفقد سندها الجغرافي ثم دبروا خططا للقبض عليها. وفي الأعمال العسكرية بدأ الناس يستخدمون أيضا هذه الخطة حيث يدبرون خطة مماثلة لجذب العدو ليخرج من قلعته الحصينة. ثم شن الجهوم أو اقامة الكمين للقضاء عليه. أشار كتاب فن الحرب المؤلف من سون وو الى أنه إذا امتلك العدو موقعا استراتيجيا متينا بينما كان على الأهبة الكاملة لمواجهة القتال فيجب عدم اجراء هجوم مباشر ضده. بل من الأفضل تدبير حيلة لجذبه للخروج من موقعه الحصين ليفقد زمام المبادرة ثم القيام ببعض الاعمال العسكرية كاقامة الكمين وغيرها من أجل القضاء عليه في النهاية. وأهم شئ في تطبيق هذه الخطة هو اغراء العدو ليخرج من " عرينه ". وفيما يلي قصة حقيقية لاستخدام هذه الحيلة في العملية العسكرية. كانت بداية القرن الثاني الميلادي موافقة لعهد الممالك الثلاث المتحاربة في الصين القديمة حيث دارت الحروب دائما بين مملكة وي ومملكة شو ومملكة وو. كان ملك وو يفكر دائما في توسيع مملكته بالقوة. فوضع خطة عسكرية لهدف الاستيلاء على مدينة لو جيانغ التي كانت من أهم المدن الاستراتيجية الكبرى بالقرب من حدود مملكته إلا أنه عرف بوضوح أن ليو شون الذي كان يحكم هذه المدينة يملك موقعا متفوقا ملائما له، واذا شن الهجوم المباشر عليه فقد تكون فرصة تحقيق النصر ضئيلة. لذلك بعد التشاور مع مستشاريه وضع الملك وو خدعة تهدف الى اغراء ليو شون الى الخروج من مدينته ليفقد سنده الجغرافي ثم اجراء عملية عسكرية للقضاء عليه. فأرسل الملك مبعوثه الى ليو شون مع اهدائه كمية كبيرة من الهدايا الثمينة. وبعد وصول المبعوث سلم الي ليو شون رسالة من الملك قال فيها إنه يريد اقامة شراكة استراتيجية معه مضيفا أن بعض رجال القبائل والعصابات المحلية تزعجه دائما في المنطقة الحدودية، لذلك طلب من ليو شون أن يساعده بارسال جيشه للقضاء على رجال القبائل والعصابات معبرا أيضا عن شكره الجزيل المقدم له. بعد أن قرأ ليو شون الرسالة وخاصة بعد مشاهدة تلك الهدايا الثمينة سرّ سرورا كبيرا، فقرر ارسال جيشه الى خارج المدينة استعدادا للقتال ضد رجال العصابات. ورغم نصائح مستشاريه بعدم فعل ذلك إلا أنه أصرّ على ما أقره. وعندما عرف الملك وو أن جيش ليو شون قد خرج من مدينته التي قد اصبحت ضعيفة الدفاع قاد جيشه فورا في هجوم مفاجئ عليها. وأثناء العملية لم يواجه الملك مقاومة فعالة حتى استولى على مدينة لو جيانغ. وبعد أن عرف ليو شون الخبر ندم ندما شديدا إلا أن كافة الامكانيات والأوقات قد فاتته بحيث لم يكن قادرا على تغيير هذا الوضع. ولم يكن له أي مفر إلا الهرب الى مملكة أخرى. تستخدم خطة " اغراء النمر ليخرج من عرينه " دائما في حروب العصر الحديث. مثلا خلال حرب المقاومة ضد العدوان الياباني على الصين في الحرب العالمية الثانية. احتل الغزاة اليابانيون الكثير من المدن والمواقع الاستراتيجية الهامة، وقاموا ببناء القلاع والحصون المتينة فيها لتعزيز حراستها وشن الهجوم منها على الجيش الصيني. أما الجيش الشعبي الصيني تحت قيادة الحزب الشيوعي الصيني فكان لا يملك أسلحة حديثة كثيرة كما لا يقدر على شن هجوم مباشر ضد الأعداء الأقوياء. ورغم ذلك وضع سلسلة من الخطط العسكرية المرنة بما فيها " إغراء النمر ليخرج من عرينه " لجذب الغزاة اليابانيين ليخروجوا من قلاعهم. ثم قام بمحاربتهم بحرب العصابات. وكانت نتيجة ذلك فعالة جدا بحيث اباد عددا كبيرا جدا من الأعداء في الحلقات السابقة قدمنا لكم خطتي" يناور في الشرق للهجوم على الغرب" و" مهاجمة مملكة وي لإنقاذ مملكة تشاو ". وكلاهما متشابه مع خطة " إغراء النمر ليخرج من عرينه " إلا أن الأخيرة يتركز مبدأها بشكل رئيسي علـى عملية " أغراء " التي تكتسي بلون الخداع الكثيف، ومن ثم تحقيق الانتصار على العدو أو المنافس.

الخطط الحربية الست والثلاثين-- يخدع السماء ليعبر البحر

ابتداءا من حلقة اليوم نقدم لكم الخطط الحربية الست والثلاثين الكاملة ضمن كتاب " فن الحرب " المشهور من تأليف سون وو/ المستشار العسكري لملك دويلة تشي/ احدى الدويلات الصينية القديمة في عهد الربيع والخريف الذي يرجع تاريخه الى ألفين وخمسمائة سنة. وجدير بالذكر أن هذه الخطط الحربية مشهورة حتى اليوم داخل الصين وخارجها إذ يتعلمها الكثير من العسكريين الصينيين والأجانب وحتى التجار ورجال الأعمال الذين يتعلمونها ويستخدمونها للتعامل مع منافسيهم من أجل كسب النجاح والانتصار. وفي جامعة الدفاع الوطني الصينية ضباط أجانب يدرسون هذا الكتاب العسكري الصيني. ومن بينهم الفريق الباكستاني سهاوري الذي يتحدث عن هذا الكتاب العسكري قائلا: هذا الكتاب عظيم جدا لا يضاهيه أي كتاب من الكتب العسكرية المماثلة الأخرى في العالم. هناك الكثير من الأجانب بما فيهم الأمريكان يتعلمون من هذا الكتاب الخطط الحربية الصينية القديمة. كما يتعلمها اليابانيون ويستخدمونها في أعمالهم التجارية.
نقدم لكم اليوم الخطة الأولى التي تحمل إسم: يخدع السماء ليعبر البحر. كان الصينيون يعتقدون في قديم الزمان أن الآلهة في السماء يعرفون بكل وضوح أي عمل للأنسان في الأرض مهما كان يجري بخفية شديدة. أما خطة " يخدع السماء ليعبر البحر" فتهدف الى استخدام خدعة لتشويش انتباه الناس من أجل تنفيذ عملية معينة وتحقيق هدف مهم دون أن يعرف ذلك الآخرون حتى الآلهة في السماء. وجدير بالذكر أن هذه الخطة جاءت في البداية من قصة حقيقية. يذكر أن الإمبراطور تانغ تاي زونغ / ثاني الإمبراطور أسرة تانغ الملكية في الصين القديمة كان يريد توسيع مملكته باستخدام القوة. فقاد جيشه ليزحف الى مناطق أخرى. وعندما وصل جيشه الى شاطئ بحر شاهد الامبراطور أمواج البحر تتلاطم بشكل ثائر وتمتد نحو أفق بعيد. فأخذه خوف شديد. لأن معظم جنوده لا يعرفون العوم ولا يقدرون على عبور البحر. فسأل وزراءه الذين كانوا بجانبه عما إذا كان لديهم طريقة تساعد جنوده على عبور البحر إلا أنهم لزموا جميعا بالصمت. فشعر الامبراطور بخيبة الأمل الشديدة. قدم الى الامبراطور ثري محلي ذو نفوذ. وقال له: يا مولاىّ، أحضرتُ كل المواد الغذائية لجميع جنود الجيش قبل عبورهم البحر، ووضعتها داخل بيتي. وأنا أتشرف بزيارتك التفقدية الى بيتي لمشاهدة هذه المواد الغذائية. فسار الامبراطور مسرورا جدا وذهب برفقة وزرائه الى بيت هذا الثري والقريب من شاطئ البحر. عندما وصل شاهد كثيرا من الغرف المبنية من الأخشاب تمت زخرفتها بالستائر الجميلة في الجدران والسجاجيد الفاخرة في الأرضية. ودعا الثري الامبراطور الى دخول قاعة كبيرة بها مائدة توضع فيها أطعمة شهية بمختلف الانواع والأشكال اضافة الى الخمر وعصير الفواكه ومشروبات أخرى. فرح الامبراطور فرحا شديدا. وجلس أمام المائدة كما جلس حوله وزراؤه أيضا ليرافقوه في الأكل والشرب ونسى جميعهم ما كان يساورهم من القلق والمخاوف من مشكلة عبور البحر. وبعد وقت وجيز سمع الامبراطور صوت الأمواج والرياح من خارج القاعة كما شعر باهتزاز الأرضية، فارتبك وسأل الثري سبب ذلك، فقال له: يا مولاىّ أنت حاليا على متن سفينة كبرى، وإن جميع جنودك يركبون حاليا أيضا في سفن أخرى يعبرون البحر. كُنّ مطمئنا يا مولاىّ ! لا تخف، ونحن حاليا في أمن تام وسلامة كاملة. هذه هى الحيلة التي اتخذها الوزراء من أجل مساعدة الامبراطور على عبور البحر. حيث اختاروا واحدا منهم ليتظاهر بأنه ذلك الثري المحلي. ثم قاموا ببناء عدد كبير من السفن الضخمة التي من ضمنها سفينة كبرى بها قاعة فاخرة. ثم طلبوا من الامبراطور أن يزورها ويستريح فيها بينما قادوا جميع السفن لعبور البحر. وبهذه الحيلة نجح الامبراطور ونجح جيشه في عبور البحر لمواصلة الزحف، وخاضوا بعد ذلك معركة انتصروا فيها على الأعداء، وحققوا بذلك هدفهم الإستراتيجي في النهاية. تعتبر هذه القصة أصل خطة" يخدع السماء ليعبر البحر". إلا أن السماء هنا هى ليست السماء المعروفة لدينا بل هى الامبراطور الذي يمثل أعلى حاكم للمملكة. وجدير بالذكر أن هذه الخطة لا تُستخدم فقط لمواجهة الأعداء من أجل الانتصار عليهم فحسب بل قد تُتخذ أحيانا كخدعة بريئة لكسب الخير والمنافع للأصدقاء والشركاء أو للمصلحة الذاتية أيضا.