الجمعة، 9 يوليو 2010


كتاب مايك كرانغ "الجغرافيا الثقافية، أهمية الجغرافيا في تفسير الظواهر الإنسانية"، الذي نقله إلى العربية الدكتور سعيد منتاق وصدر ضمن سلسلة "عالم المعرفة" في الكويت، شديد الغنى والثراء. فهو أشبه بدليل حيويّ وجذّاب يدمج الجغرافيا بالفكر والثقافة، يجرّد الجغرافيا من معناها العام المبتذل، الجافّ، أي من كونها أمكنة خالية من الأرواح، ويدرجها في صلب الحياة اليوميّة، العاديّة، البسيطة والفاتنة في آن.
يكتشف القارىء، وهو يتقدّم في قراءة الكتاب، أهميّة أن ينظر إلى العالم نظرة غير مألوفة، فيرى الفضاءات والمنازل والحدائق والمتاجر ومباني الأرياف أماكن مسكونة بدلالات ثريّة وناطقة لأنها تنطوي على خصائص إخباريّة.
يرينا "مايك كرانغ" كيف أنّ كلّ ما يدبّ حولنا هو مسألة ثقافيّة، بحكم أن الثقافة ليس مجرّد فكرة هلاميّة، وإنما هي تحتاج إلى مكان تنزل فيه وتؤثر وتتأثر وأحيانا تتحكّم به. نادرة جدا الأماكن الخالية من المعنى، أيْ التي تشبه ورقة بيضاء أو لوحة عذراء.
ينظر المؤلف إلى الجغرافيا على أنها نصّ دسم، متعدّد الفصول، قابل للتأويل والقراءة كأي نصّ مكتوب. ولعلّ نظرته الخصبة هذه هي وليدة معرفة بدراسات حديثة في السيميولوجيا أي علم العلامات، العلم الذي يأبى إخراس الدلالات في الأشياء أو محو المعنى عنها. أيْ عدم اعتبار الأمور تسير بلا دلالات، فكلّ الأشياء كالسلحفاة من حيث إنها تحمل دلالاتها على ظهرها وفي مسالكها.
وثمّة في الكتاب معلومات كثيرة، لم يكن لينتبه لها ربما رجالات الجغرافيا أنفسهم. وهو هنا ينتقد عددا كبيرا منهم، ولا سيّما أولئك الذين لا يبنون جسورا وقناطر بين العلوم. لأنّ كلّ فصل بين أيّ علم والجغرافيا هو خسارة أو نقص ما في صلب الدراسة نفسها. فيطلب من الجغرافيّ أن لا يغضّ النظر عن الأدب ولا سيّما الروائي، وان لا ينظر إلى الجغرافيا كتجليّات مكانيّة وفضائيّة بكماء، بل أن يستعين بالروائيّ. فالنصوص الروائيّة بأغلبها نصوص مكانيّة أيْ جغرافيّة بامتياز بل يرى أنّ المدن والمنازل والأرياف والمعامل والمتنزهات كلها أماكن روائيّة أو جغرافيّة مجازيّة، ولا ينسى كيف أن المجاز كثيرا ما ينقذ الحقيقة.وكلامه ليس تنظيرا، أو حربا بالنظارات بل هو يعتمد على عينات وشرائح واقعية كثيرة ليثبت قوله. فأفكاره مبنيّة على معرفة شموليّة متعدّدة الأوجه تضمّ في باقة واحدة علم النفس وعلم الاجتماع وأدب الرحلات والأدب المحْض والفنّ الإعلانيّ المصوّر والمكتوب. ويشير إلى أهميّة الرواية ليس في تصوير الأماكن وعلاقة الناس الحميمة أو المتوتّرة معها بل يشير إلى احتمال أن تنقذ الرواية أماكن مهددة بالانقراض فيذكر بما حدث لإحدى روايات شتاينبك "شقّة تورتييا" حيث وصف بشكل تفصيلي أماكن كانت قد فارقت الحياة بعوامل التدمير وتحديث الأمكنة، فأصدرت الغرفة التجاريّة للمدينة بيانا تقول فيه ان المكان الذي وصفة شتاينبك مكان خياليّ، ولكن فيما بعد أذعنت الغرفة التجارية لكلام شتاينبك وأعادت شكل المكان كما صوّره الروائيّ ليس حبّا بالمكان القديم ولكن كاستثمار سياحيّ إذ كان كثير من القراء يحلمون برؤية الأماكن التي تصوّروها بأذهانهم بفضل قلم شتاينبك. كما يلفت نظر نقّاد الأدب أيضا إلى عدم إسقاط النظرة الجغرافية الثقافية في دراستهم للروايات لما تمثله هذه النظرة من إثراء لعملية الإمساك بمتْن المعنى، ومن مقدرة في تبيان أثر الأمكنة والفضاءات في صقْل الشخصيّات وبلورتها. وهو من خلال تطبيقات وقراءات يكشف عن أمور ما كانت ربّما لتخطر ببال لولا هذا الاقتران الخصب بين أكثر من علم أيْ سبْك وجهات نظر متعدّدة في وجهة نظر جغرافيّة مفتوحة.وهنا يتناول جملة من الأمور والتفاصيل حول تفاعل الأمكنة مع البشر ورغباتهم ويدرس صورا سياحية ترويجية وكيف أن هذه الصور تقوم بدور المراقب الحذق الذي يردع من تسوّل له نفسه إزالة أصولها حتى لا تتعارض الجغرافيا مع الصور.كما يتناول أيضا بالدرس الصور السياحية لبلدان مختلفة، ويكشف عن المخبوء الإيديولوجي فيها، أو النظرة إليها، فالشرق مثلا لا يزال إلى اليوم واقعا تحت تأثيرات سحرية معينة، هي وليدة نصوص الاستشراق ورسوماتهم وتقوم المؤسسات السياحيّة بالضرب على هذا الوتر لتحفيز السائح والرغبة معا. إن المكان أياً كان شكله هو مكان مثخن بالدلالات بحسب تعبيره. فالمنزل على بساطته وألفته لا يفتقد المعنى على الإطلاق: فتوزيع غرفه يظهر العلاقات الاجتماعية التي يحتضنها هذا المكان أو الانتماءات العقائدية بل انه بالإمكان دراسة الجغرافيّات الأخلاقية أيضا عبر الزمن من خلال التغيّرات التي تطرأ على التقسيمات الداخليّة للبيت.
ويشير المؤلف إلى الفنّ السينمائيّ وعلاقته بالأماكن وتسويقها أيضا والدلالات والمواقف التي يدرجها المخرج في ثنايا المشهد، والتوزيع الضوئي ودوره في تأويل المشهد.ويتوقف عند مجموعة من الأفلام التوثيقية والخيالية منها فيلم "برلين: سيمفونية مدينة" لوولتر روتمان وكيف أن المخرج يصور المدينة بأسلوب يكشف عن موقف إيديولوجي من خلال حركة الكاميرا وانتقاء المشاهد وزوايا التصوير.ومن الأماكن التي يدرسها الكاتب تحت عنوان" كتابة القوة على الأرض" القصر الصيفي الصيني العتيق لتشاندي ، وكيف أنّ الجغرافيا تنبسط كرموز فإزاء الجبال التي تحيط بموقع القصر وهي جبال تحمل دلالات ذكورية ثمة بحيرات وحدائق تشكل توازنا أنثويّاً للمشهد العام. ولكن وجود ثماني بحيرات وتسع جزر اصطناعية أمام القصر إنّما هي محاولة أيضا لإعادة تشكيل المشهد وفقا للمعتقد البوذيّ الذي يرى أن العالم يتكوّن من تسعة جبال وثمانية بحار.كما يدرس الحدائق وهي أفضية جغرافية إلا أنها معبأة بالمعتقدات والرموز. ويقول الكاتب ان اعتبار المشاهد مجرد معالم مادية يعدّ نظرة جائرة ومشوّهة للأمكنة والفضاءات.لان الأماكن عبارة عن ساحات تتصارع فوقها الدلالات، ومعانيها مرنة متغيرة تتبدل بتبدل العهود والمواقف الإيديولوجية.
كما يدرس الأبراج أو ناطحات السحاب من حيث هي رموز في الولايات المتحدة عن تراكم الثروات الذي يتخذ من العلو مكانا دالاّ عليه، ويشير إلى تناقضات الرموز، الرمز الفارغ والرمز الملآن أي الرمز الفعلي والآخر الذي يحاكي الرمز دون أن يكون مرّ بالتجارب نفسها، أي انه ليس أكثر من رمز أجوف أو مزيّف. والزيف يستغلّ جغرافيّاً لأغراض سياحية وغيرها، ويمدّنا الكاتب بأمثال متعددة عن هذا الزيف الذي يضرب على وتر الأوهام عند الناس منها خلق فضاءات وهميّة كعالم "ديزني لاند".
ويتوقّف الكاتب عند قراءة المتاجر الكبرى ويدرس وظائفها الاجتماعيّة، فهي تلعب الدور الذي كانت تلعبه قديما ساحة البلدة. " فالمتجر ليس فقط المكان المفضل للتسوق وإنما هي كذلك أماكن مألوفة شعبية بالنسبة إلى المراهقين ومناطق للمواعيد بالنسبة إلى العزاب في بحثهم عن الفريسة. أصبحت المراكز التجارية مدن خيالنا الجامح." إنها مراكز جديدة للطقوس والمعنى بدلا من الكنيسة أو العائلة.ويدرسها من باب كونها أيقونات حديثة ومن باب جغرافية الاستهلاك ولكن أيضا من حيث هي أشبه بصندوق الفرجة، المكان الذي يطلق عنان النظر، فيقوم بإشباع رغبات من لا يمتلك القدرة على شراء الرفاهية فتكون وظيفتها تخديرية لنقمات من لا يملك. وهذا ما دفع بالعالم السوسيولوجي بيار بورديو إلى اعتبار الذهاب إلى المتاجر أشبه " بأماكن الحج إلى البضاعة الصنم". ودرس المعارض التجارية التي تتحول إلى جغرافيات مصغرة أو قرية كونية تختصر في مكان واحد حضارات وشعوبا مختلفة. وكيف تتحول الغرابة إلى سلعة، فضلا عن كونها متعة. ومن هنا يدلف إلى ما يسميه جغرافيات الاستهلاك وثقافة الاستهلاك. فنحن نستهلك الأشياء ولكن نستهلك معها الجغرافيا لأنّ مصادر الاستهلاك كما هو معروف تنتمي إلى أماكن جغرافية متعدّدة. ويلفت النظر إلى المحلات التي تستعير شكلها من حضارات أخرى، زيادة في التأثير، بل أن المزيّف يبدو أحيانا وكأنّه حقيقيّ أكثر من الأصليّ.
كما يدرس الطعام من حيث هو حيّز جغرافي ويدرس وصف الطعام في الصحف فيرى النظرة الثقافية إلى بعض أصناف الطعام، وكيف أن الأكل الأجنبي يتحوّل إلى بديل رمزيّ للمكان الذي تأتي منه هذه الأكلات فيقول: " إذا لم تستطع الذهاب إلى الأماكن الفاتنة التي كنت تقرأ عنها فيمكنك، على الأقل، أن تضع قليلا من الجوّ في منزلك الخاصّ. مع وصفات لم تحلم بها قطّ، مستعملا مقوّمات نادرة اقتلعت مباشرة من المناطق الاستوائية". ولا ريب أن سبر هذا الكلام يشي بالإغواءات الجغرافية، مع ما تضمره كلمة "استوائية" في أذهان الغربيين من إيحاءات غرائبية فاتنة، فالكاتب يرى أن العالم اليوم يكاد يصبح عصيرا من الثقافات يشتمل على ضروب الفاكهة.
إنّ كتاب "مايك كرانغ" يحوّل الجغرافيا بكل بساطة إلى نصّ جميل تندسّ في تضاعيفه دلالات تجعل المكان في نظر الرائي أكثر من مجرّد مكان أعزل، وتفتح له آفاقا تسهم في فهم أعمق لمعنى "الهويّة الثقافية" المرنة والمفتوحة على التحوّلات على غرار الجغرافيا.

لعبة "بوكر نوويّ" بين إيران والغرب






" إيران تقول عكس ما تفكّر فيه، وتفعل عكس ما تقوله، ولكن هذا لا يعني، بالضرورة، أنّها تفعل عكس ما تفكّر فيه " هذه العبارة لأحد السفراء الغربيين في إيران هي التي تستفتح بها "تيريز ديلبيش Thérèse Delpech" ذات الباع الطويل في الأمور النووية، كتابها "إيران، القنبلة، واستقالة الأمم"، الصادر حديثاً عن دار "اوتريمان" في باريس.
لا ريب في أن عبارة السفير الغربي تظهر الارتباك الكبير الذي تتخبط فيه الدول الكبرى والمعنية في معالجة الملفّ النووي الإيراني، والذي تحاول الكاتبة تفكيكه ودراسته من مختلف زواياه وتشعباته الإقليميّة والدوليّة، بل إن عبارة "استقالة الأمم" في العنوان توحي أيضاً بأنّ الكاتبة غير راضية عن مجرى المعالجة الدولية، بل إنها تدين في طيات كتابها الموقف الغربي برمته من حيث رخاوته ومهادنته في منعطفات كثيرة للمشروع النووي الإيراني. وهي ترى أن الوقت لا يرحم الأنظمة الديمقراطية بخلاف الأنظمة الديكتاتورية ذات السلطان الأكبر على الوقت، وإيران تلعب على كسب الوقت، وتمهر في فنّ المماطلة، لتفرض على غفلة من العالم واقعاً نووياً جديداً سوف يقلب، لا محالة، ليس خارطة الشرق الأوسط الراهن أو الجديد أو الكبير فقط رأساً على عقب وإنما العالم بأسره. من هنا فإن الكاتبة تؤكد على ضرورة السرعة في المعالجة قبل فوات الوقت، وترى ضرورة التهديد الفعليّ والصارم بنقل الملف إلى مجلس الأمن. وترى المؤلفة أن روسيا والصين على رغم المساعدة النووية لإيران، لا يطيقان، في نهاية الأمر، قنبلة نووية، تكون كالنار على حدودهم، وعلى طموحاتهم الذاتية والاستراتيجية أيضاً.
تشير إيران باستمرار إلى أن برنامجها النووي سلميّ الطابع ، ولكن الكاتبة تتساءل، إن كان فعلا سلميّاً، فلماذا هذه السرية؟ ولماذا هذه المماطلة والمراوغة في تعاملها مع الوكالة الدولية للطاقة النووية؟ ثم ان الكاتبة، على يقين من أن الهدف النووي الإيراني السلميّ ليس له أي ضرورة أو جدوى اقتصادية، لكون إيران قوة نفطية وغازيّة لا تحتاج إلى برنامج نووي لأغراض سلمية، لتخفيف العبء الاقتصادي، لأن غناها في الطاقة لا يستدعي البديل النووي، ثم إن تكاليف سعيها للحصول على الطاقة النووية بالليزر، مثلا، تفوق الطاقة الإنتاجية، بمعنى أن ما يعطي تبريرا للطاقة النووية هو الأسباب العسكرية وليس المدنية، وخصوصا أن كثيرا من الخبراء العسكريين الإيرانيين وغير الإيرانيين من صينيين وكوريين شماليين يعملون في المفاعلات النووية الإيرانية. وتشير المؤلفة أن إعلان إيران بأنها تسعى لأغراض سلمية، بحسب معاهدة منع الانتشار النووي، هو لعب على المعاهدة لأنها تخرق البند الأول والثاني اللذين يعلنان عدم تحويل النشاط النووي إلى أغراض عسكرية، وهما بندان اثبت تفتيش الوكالة النووية للطاقة عدم الالتزام بهما.
والكاتبة تبين أن الملف النووي شائك جدّا، لأنّ السياسي فيه يتداخل بالاقتصادي والاستراتيجي بل وبالإيديولوجي والديني أيضا. وهو ملفّ أخطبوطيّ التكوين وشديد التشعب والتمدد، من خلال الدول التي ساهمت سلبا أو إيجابا في كتابته باليورانيوم المخصب.
ولكلّ دولة حساباتها مع الملف النووي الإيراني، ولها قراءة خاصة له على ضوء مصالحها وأهدافها. والملف الإيراني مكتظ بأسماء الدول التي تساعد مباشرة أو مداورة الطموح النووي الإيراني: باكستان، الهند، الصين، كوريا الشمالية، جنوب إفريقيا، وكلّ تبعاً لأسبابه الخاصة.
وحين تعالج الكاتبة الموقف الأميركي ترى انه موقف تتحكم فيه عناصر كثيرة، من جملتها الورطة التي انزلقت إليها في العراق وفي أفغانستان. إن أميركا لدى دخولها إلى العراق أزاحت من درب إيران عدوا كلفها مئات الآلاف من الضحايا، والخسائر الاقتصادية، كما إنها بإزاحتها طالبان من الحكم في أفغانستان أزاحت أيضا من درب إيران عدوا إيديولوجيا شرساً، وتخشى أميركا أيضا من أن تفسح أزمة مفتوحة مع إيران المجال لكوريا الشمالية بان تقوم بتجربة نووية تغير المعطيات الاستراتيجية في الشرق الأقصى. وترى الكاتبة أن أمريكا رغم ميزانيتها الدفاعية التي تفوق ألـ 400 مليار دولار، ورغم قوتها العسكرية الأعظم في العالم، تبدو إنها مشلولة القدرة وذلك بسبب أن الدول الأوروبية الكبرى الثلاث (فرنسا، ألمانيا، بريطانيا) لا تحبّذ قيام أميركا بمغامرة عسكرية جديدة في الشرق الأوسط. ولكن الكاتبة لا تستبعد أن تقوم أميركا حين تتيقن تماماً من أن التهديد النووي الإيراني بات بحكم المؤكد من شنّ عمل عسكري لوضع حدّ لطموح إيران النووي، لأن السلاح النووي الإيراني، في حال وجوده، له كلفة لا تتحملها أميركا وهي كلفة تفوق، في نظر المؤلفة، الكلفة العسكرية. لان النووي الإيراني سوف يهدد بمحو كل الخرائط التي رسمتها وترسمها أميركا للشرق الأوسط تحت كلّ مسمياته. وتعتبر الكاتبة إن أميركا تحتاج إلى سياسة إيرانية حقيقية إذا لم تكن إدارة بوش راغبة في أن يكون مآلها مشابهاً لمآل إدارة كارتر مع إضافة فصل جديد هو "الملف النووي " تحديداً.
حين تتناول الكاتبة الموقف الهندي من الملف النووي تشير إلى عدة نقاط منها أن الهند تغضّ الطرف عن طموح إيران النووي بسبب وجود ما لا يقل عن 25 مليون هندي ينتمون إلى المذهب الشيعيّ، مع ما يعنيه ذلك القرب الإيديولوجيّ من مخاطرة واحتمال إثارة قلاقل في حال لجوء الهند إلى موقف صارم من "النووي الإيراني"، فضلا عن أن الهند لا يمكنها أن تدافع بحماس عن معاهدة حظر الانتشار النووي لأنها ليست من الدول الموقعة عليها.
ترى الكاتبة إن حل مشكلة هذا الملف ضرورة أكثر من دولية لأن الشرق الأوسط ببنيته السياسية الهشة لا يحتمل القنبلة النووية، وحصول إيران عليها ، سوف يغير من شروط اللعبة الشرق أوسطية كثيرا، والموقع الاستراتيجي الحيوي لهذه المنطقة سوف يفسد اللعبة على الكبار، كما إنّ السعي إلى امتلاك القنبلة بحسب المؤلفة لا يعني أنها تريد أن تكون لاعبا إقليمياً وحسب ، حيث نرى أذرعتها في لبنان، وفلسطين، والعراق، بل لاعب يتعدى حجم ملعبه مساحة الشرق الأوسط. والصواريخ التي يتعدى مداها الـ2000 كلم تفصح عن الدور الذي تريد إيران أن تلعبه في العالم.
تعتبر الكاتبة لدى مقاربتها الموقف الإسرائيلي من الملف النووي الإيراني، إن الرغبة النووية الإيرانية بدأت حين كانت إيران على علاقة طيبة واستراتيجية مع إسرائيل أيام الشاه في السبعينات، ممّا يعني أنّ السبب الاستراتيجيّ يتعدى الموقف الإيديولوجي الراهن، كما انه لا يمكن إغفال إن المشروع النووي بوشر العمل فيه مجدّداً عام 1985 أي في الفترة التي كانت فيها إيران داخلة في حرب مع العراق، وكان الخيار النووي الإيراني وليد الرغبة في تحصين الذات من السلاح الكيميائيّ العراقي الذي استخدمه صدام حسين ضد الجيش الإيراني منذ عام 1983. وتقول المؤلفة رغم أن إسرائيل ليست هي الدافع إلى الخيار النووي إلاّ أنّ إيران تستخدم الورقة الإسرائيلية بامتياز في المنطقة، خصوصا أن النووي الإسرائيلي الذي لا يحرّك ساكناً أو شعرةً في المجتمعات الدولية يثير حفيظة سكّان منطقة الشرق الأوسط، وهذا ما يوفّر على إيران ردود فعلية ظاهرة السلبية، وجهيرة الصوت، على طموحها النووي من الدول العربية. وموقف الرئيس الإيراني أحمد نجاد وكلامه الناري عن إسرائيل باعتبارها ورما خبيثا في جسد المنطقة، والدعوة إلى محوها يثير مخاوف إسرائيلية كثيرة، لأنّ حصول إيران على النووي، من منظور إسرائيل، سوف يعزز من مواقف الجهات المتطرفة في المنطقة، وإنّ حصول إيران على السلاح النووي سوف يفتح المجال أمام دول أخرى في المنطقة للانسحاب من" معاهدة حظر الانتشار النووي"، والاندفاع المحموم للحصول على الردع النووي مما يجعل وضع إسرائيل في المنطقة مسألة حياة أو موت، كما تقول المؤلفة، ويسقط من يدها العسكرية الاستئثار بالقدرة النووية الرادعة. إن الخيار الإسرائيلي في مواجهة النووي الإيراني حاليّاً، بحسب الكاتبة، هو اللجوء إلى الدبلوماسية ومساندة مسعى الدول الغربية، ولكن في حال فشل المسعى الدبلوماسي فإنّ أمام إسرائيل، كما ترى الكاتبة، عدة احتمالات منها: ضرب المواقع النووية الحسّاسة لأنه من غير الممكن تدمير مشروع إيران النوويّ بالكامل بسبب توزيعه على أكثر من منطقة في إيران الشاسعة جغرافيا ، بل وتذهب الكاتبة إلى أن إسرائيل لا تستبعد ضرب مراكز السلطة في إيران ، ولكن إسرائيل تفضل أن تقوم أميركا بهذه المبادرة العسكرية التي ستكون كلفتها السياسية ربما أكثر مما يمكن لإسرائيل أن تحتمله، لأنّ لا أحد يعرف عواقب مغامرة من هذا النوع على إسرائيل.
تعتبر الكاتبة، في أيّ حال، انه لا بدّ من العمل العسكري في نهاية المطاف، بعد أن تُسدّ كلّ السبل الدبلوماسية والاقتصاديّة. فالوقت غدّار لا يؤمن له، وقد يغدر أول ما يغدر بالدول الغربية التي تسعى ببطء إلى إيقاف لعبة "البوكر النووي الإيراني".
وتتكلّم الكاتبة عن خصوم القنبلة النووية في العالم العربي أيضاً، فليس من مصلحة أي دولة عربية أن تمتلك إيران القنبلة النووية، لأن ذلك كفيل في ظلّ التشجنات الطائفية والتوتّرات السياسيّة أنْ يخلط الأوراق خلطاً متفجراً شبيهاً بـ"كوكتيل مولوتوف".
يخرج قارىء الكتاب بخلاصة سوداء مفادها إن غيوما ملبدة كثيرة تسدّ أفق هذا الشرق الذي يعيش فيما يبدو على كفّ عفريت نوويّ، وإنّ إيران تسعى بكلّ إمكانياتها الدبلوماسية والاستراتيجية ودبلوماسية النفط والغاز ودبلوماسية المراوغة على إنجاز طموحها من دون بوادر انفراج تملأ السلّة الغربية بالرضا.


ايها المثقّف لا تخف من الانترنت


لم تكتمل فصول الثورة الرقميّة والمعلوماتية بعد. وكلّ ما نراه من إنجازات ليس أكثر من خطوات أولى في دروب تكنولوجيّة لا أحد يمكن له ان يتنبأ بنهاياتها.وهذه الثورة تركت صدمة فكريّة وروحيّة لدى الإنسان العاديّ، إلا أنّها ولّدت أزمة وصدمة أيضا لدى المثقّف العربيّ والغربيّ على السواء، أو لدى بعض المثقّفين الذين ينظرون بريبة وخشية إلى أفاعيل التكنولوجيا في مصائر الناس.
وكتاب الدكتور أحمد صالح "صدمة الانترنت وأزمة المثقفين" الصادر عن سلسلة كتاب الهلال، من الكتب التي تجمع بين المنجزات الرقميّة وآثارها الاجتماعيّة والنفسيّة والإتنولوجيّة بأسلوب طريف، يجعلك تتابع الكتاب بشغف رغم ما يتخلّل الكتاب من أخطاء مطبعيّة ولغويّة تترك أكثر من علامة استفهام حول قضيّة الطباعة واستهتار الناشرين في أغلب الدول العربيّة.
والكاتب يدخل إلى عالم التكنولوجيا من أبواب عديدة، منها باب الثقافة الرقميّة والاتنولوجيا الالكترونيّة، وهي كلّها علوم مركّبة، كما أنّه يدرس ما يسمّيه "التكنوفوبيا" أيْ الرعب من التكنولوجيا. وثمّة إلى اليوم كتّاب لم يبلغوا من العمر بعد عتيّا، ومع هذا لا يزالون يتجنّبون تغيير عاداتهم الكتابية. فعلاقتهم مع الورق والكتاب منعتهم من أن يقيموا أيّ نوع من الاتّصال الحميم مع الحاسوب والانترنت. لوحة المفاتيح تلتهم كلماتهم، تبعثر أفكارهم، علاقتهم مع القلم المحضون لا تضاهيها لوحة المفاتيح التي تشتّت الحروف والكلمات على الطاولة. إنّ علاقتهم الطقسيّة مع الورق تردعهم من ان يمارسوا أو يغيّروا عاداتهم الكتابيّة. يربطون بين الفكرة وطقوس إنزال الفكرة. ولا ريب في أنّ هذه المسألة تسبّب هدراً لطاقات كثير من المثقفّين، في زمنٍ باتت الثواني فيه تحسب بالساعات. ومن الطريف جدّا تتبّع لحظة التحوّلات هذه التي تحيل الورقة المنبسطة إلى شاشة منصوبة أمام العين. ممّا يعني أنّ العلاقة المكانيّة مع الكلمات لم تعدْ هي نفسها. وتتناثر الأمور الطريفة، والعلميّة بالتأكيد، على امتداد الفصول، وهي لم تنحصر فقط في فضاء الانترنت بل تعدّتها أيضا إلى الهاتف المحمول، الذي غيّر من مفاهيم كثيرة في العلاقات الاجتماعيّة والشعوريّة منها على سبيل المثال مسألة الحنين والغياب، والشوق وهي كلّها مشاعر بدأت تتآكل بحكم الاتصال الصوتيّ الدائم لا الوجاهيّ إلا انه اتصال يمتصّ جزءا كبيرا من الحنين نفسه. ويتكلّم أيضا على علاقة الفرد الحميمة مع المحمول والفوارق في الاستعمال بين الطبقات والأجناس فيلحظ أنّ المثقفين يستخدمونه بشكل أخفّ لما يعرفونه عن أضرار إشعاعاته. ويتكلّم على الوظيفة الإنسانيّة بل والأخلاقية للثرثرة عن طريق المحمول. لكأنّ من طبع الإنسان الثرثرة بل أنّ الثرثرة خاصيّة بشرية بامتياز. البعض لا ينظر إلاّ إلى الناحية السلبية من وظيفة الثرثرة إلاّ أنّ الكاتب أراد ان يعيد للثرثرة اعتبارها الاجتماعيّ من حيث قدرتها على شدّ الأواصر بل يستشهد بأحد الفلاسفة الذي يرى في أنّ الثرثرة تحسّن فهمنا للطبيعة البشريّة، وتشدّ أيضا من أزر التواصل بين الناس بل هي تؤدّي أيضا وظيفة علاجيّة، وليس أبسط من تقدير مكانة الثرثرة في حياة الفرد من الصيام عن الكلام لفترة من الوقت.كما يشير إلى التفنّن في استعمال المحمول من خلال الرسائل النصيّة والرنّات والنغمات وكيف أنها كلّها تتحوّل إلى بدائل كلاميّة ورمزيّة تحمل دلالات تحمي الحميميّة أيّاً كان المكان.
ويدرس الكاتب الأثر الذي يتركه عالم الانترنت على الأديان في العالم، سواء العربيّ أو الغربيّ، في فصل خصب، ودالّ على التعديلات على ممارسة الطقوس الدينيّة نفسها حيث تحوّل الحاسوب في بعض الأحيان إلى معبد روحيّ صغير تقام فيه الصلاة وترسل منه الأدعية. ويتمنى الكاتب لو تستطيع شاشة الحاسوب أن تمتصّ الحروب الأرضيّة وتحولها إلى حروب افتراضية أي أن تتحوّل الشاشات إلى ساحات للمعارك وتتحوّل المواقع الانترنتيّة إلى مواقع عسكريّة تشنّ منها الحروب بدلا من ان تشنّ على الأرض، بل يقول إنّ المعارك الدينيّة على الحاسوب تغلي بالنشاط، ومن المؤشرات الدالّة أنّ 75% منها هي مواقع أصوليّة، وهذا يعبر إلى أيّ حدّ استطاع الانترنت أن يتحوّل إلى أداة دينيّة في العالم العربي. ويلحظ الكاتب أنّ 25% من استعمال الانترنت في الولايات الأمريكية نفسها يذهب إلى أمور دينية. كما يلفت الكاتب النظر إلى الدور الذي يلعبه الانترنت في ولادة أديان جديدة ما كان لها ان تولد لولا الانترنت وهي ما يسميها بالأديان الهجينة. وهذا أمر كان فيما مضى محصوراً في الأماكن الجغرافية التي تكتظّ بالأجناس وتمتاز باختلاط الملل والنحل والأعراق. أمّا اليوم فلم يعد المرء مربوطاً بالمكان ليتبنى مذهباً جديداً، بفضْل انفتاح المواقع على بعضها البعض. كما يقول الكاتب ان مفهوم الغربة تغيّر أيضا إلى حدّ كبير، فالهجرة إلى أيّ مكان ،مهما كان غريبا عن انتماء الشخص، لا يمنع هذا الأخير من أن يكون على اتصال وتواصل يومي بمن ينتمي إلى الملّة نفسها. ولقد انتبهت المؤسسات الإسلاميّة الرسميّة إلى خطورة الدور الذي يمكن ان تلعبه المواقع الإسلاميّة الخاصّة المتطرّفة فعمدت إلى بناء مواقع رسميّة لمقارعة التطرّف بالحجّة الالكترونيّة، منها موقع الأزهر. ولا ريب في ان فصله عن "الأديان والتديّن على الانترنت" هو من الفصول التي تسترعي النظر لغناه على صعيد المعلومة والتحليل.
وللذين يرعبهم التفكير باحتمال غياب الكتاب الورقيّ يشير المؤلف في فصله"مستقبل القراءة والكتابة في عصر الانترنت" إلى أنّ نسبة استهلاك الأوراق زادت زيادة عالية عما كانت عليه قبل ميلاد الحاسوب والكتاب الالكتروني. ويستشهد بكلام دان سبيربر "Dan Sperber" الذي يعلن بثقة فجّة انتهاء عصر القراءة والكتابة قريباً. فهو يرى ان الإنسان كلما تقدم في التكنولوجيا يدنو أكثر وأكثر إلى الطبيعة الأصلية للغة أي اللغة المنطوقة التي لم تكن الكتابة إلا وسيلة هشّة ومؤقتة للحفاظ عليها، أي أنّ عصر الشفاهيّة سوف ينبثق من جديد من الأعصاب الالكترونيّة. فيقول دان سبيربر ان الحواسيب الناطقة سوف تحلّ محلّ الحواسيب الكاتبة، كما أن لوحة المفاتيح سوف تنقرض بدورها مع وجود لوحة مفاتيح أخرى تعتمد السمع. طبعا البرامج التي تحوّل الكلمات المنطوقة نصوصاً نزلت إلى الأسواق إلا أنها لا تزال في طور التأتأة. ويقول الكاتب بأسلوب لا يخلو من سخرية وماذا يكتب الحاسوب وسط الضجيج وكيف يميّز ما يراد تسجيله ممّا يراد ترحيله. ربّما لا يمكن للمنطوق ان يحلّ بالمطلق مكان المكتوب ولكن سوف تكون له استخدامات ضرورية.كما يتكلم الكاتب عن إمكانية تحويل النص المكتوب إلى نصّ منطوق. ويشير الكاتب إلى ان الصوت البشريّ الآلي لا يمكن له ان يحمل حرارة النبرة ولا عفوية اللهجة... الخ ممّا يجعل من النص المنطوق نصّاً بارداً. في أيّ حال ثمّة تجارب أظهرت ضحالتها وهي تحويل خطوط بعض الأدباء إلى خطوط الكترونيّة إلاّ أنها أنجبت كتابات شوهاء، باردة أشبه بالخطّ المحنّط منها على سبيل المثال خطّ الكاتب الفرنسيّ مارسيل بروست وذلك لأنّ أيّ كاتب لا يملك شكلا واحدا جامدا لكلّ حرف بل ان تنوّعات الخطّ الشخصيّ ربّما تفوق الحصر، ممّا يجعل إحياء خطّ من رحلوا بحذافيره وحيويتّه، إلى الآن، أمنية عصيّة.وما ينطبق على المكتوب ينطبق حكماً على المنطوق بحسب رأي علماء الأصوات.كما ان الأفكار المنطوقة لن تكون هي نفسها فبين المنطوق والمكتوب فوارق كثيرة منها انه يمكن العودة إلى المكتوب لتجويد الأسلوب أو تحسين المعنى وهي إمكانيّات لا تتوفّر للنصّ المنطوق. ويشير الكاتب إلى عجز الذاكرة عن ملاحقة المنطوق. لأنّ النصّ المكتوب يتحكّم به القارىء ذهاباً وإياباً لتثبيت فكرة أو معلومة بخلاف المنطوق.
وينهي الكاتب فصله هذا بطرائف عن المكائن الناطقة التي نزلت إلى أسواق بعض الدول المتطورة كبريطانيا. فيتكلّم عن المضايقات والمعاكسات التي تقوم بها بعض الآلات ضدّ بعض الناس، منها ماكينات المشروبات المبرمجة للاتصال بمركز الصيانة لدى حصول خلل أو نفاد ما فيها، فبدلا من ان تتصّل بالشركة تتصل هذه الماكينات أو حتى المراحيض العمومية لخلل في البرمجة بأرقام هواتف منزلية. والطريف انه لا يمكن لمن يتلقّى هذا الإزعاج برد فعل لاّنّ الناطق آلة. فما عليه إلا أن يبلع نقمته. فلا تستغرب أنْ تتّصل بك آلة في الرابعة فجراً كما حدث لسيّدة في بريطانيا من مرحاض يعلمها فيه بنفاد الصابون منه.
ويكرّس الكاتب الفصل الأخير للمنتظر العلميّ وهو لفرط غرابته يظنّه القارىء فصلا عن الخيال العلمي المحض. فيتكلم عن المكائن فائقة الذكاء التي قد تنقلب على مخترعيها، كما يتكلّم عن الفوارق الباهتة بين الإنسان البشريّ والإنسان الآليّ( أو الإنساليّ). ويشير إلى الاختراعات التي لا تزال في طور التكوين منها "الفأرة اللمسيّة"، التي تتحسّس، وأنت تحركّها على صورة ما، بشرة الصورة وملمسها. وكأنّك تلمس فعلاً ما تراه أمامك على شاشة الحاسوب.
ولا ريب في أنّ قراءة هذا الكتاب الممتع ترسم صورة واضحة عن الثورة التكنولوجيّة اليوم، أمّا بالنسبة لما هو آتٍ فإنّ الكاتب يكتفي برسم ملامح وقسمات عالم لا تزال تحيط به علامات تعجّب عملاقة.

كلام نباتيّ


في كتاب جان ماري بيلت "اللغة السرية في الطبيعة, الاتصال لدى الحيوان والنبات" الذي نقله الى العربية فارس غصوب وأصدرت ترجمته دار الفارابي, في بيروت, عبارات لم تألف الأذن سماعها إلا إذا كانت تتناول الكلام عن البشر, ولكن ان تكون كلمات وعبارات تتناول حياة الحيوانات والنباتات فهذا أمر مدهش حقا. ففي الكتاب مجموعة من الحقائق العلمية ولكن القارىء يظنّ, لفرط غرابتها, انه يفلفش في أوراق الأساطير. يقفز أمام ناظريك كلام عن أشجار تتعذب نفسيّاً, أو عن نباتات تقيم الخطط الدفاعية وكأنها أمام معركة عسكرية فعلية صاخبة, وعن أشجار دبّ في جذوعها وأغصانها الرعب, أو ان يتناول نوعا من النبات يمرّ بفترات كآبة, أو شجرات ماكرة وذكية كالشجرات المعرّشة, الذي يقول الكاتب ان نسبة الذكاء عندها أعلى من نسبة الذكاء لدى النباتات التي لا تمارس هواية التعريش على الجدران العالية. ويفصل القول عن حشرات تحبّ المقايضة أو تمارس الغشّ والخداع كي لا تقع فريسة نبتة شرسة وغيرها من التعابير التي تحيل قراءتك لهذا الكتاب نزهة فاتنة في تضاعيف الطبيعة الناطقة والصامتة. الصامتة مجازا, بكل تأكيد, لأنه فيما يبدو وبفضل التقدّم العلمي يتيبن للقارىء, بدعائم علمية وتجارب حقيقية من قبل متخصصين ومتابعين بشغف علميّ نبيل, ان البيان ليس وقفا على الإنسان إلا من الناحية "الإبداعية" بحسب المفهوم الذي وضعه عالم اللغة الأمريكي تشومسكي. وأما ما دون ذلك, فلا ينقص الحيوانات والنباتات شيء لأن تتواصل وتحكي, وتبعث برسائل عطرية أو كيميائية, متعددة الدلالات,منها رسائل واضحة, وأخرى لا تخلو من بعض الغموض المتعمّد, لأنها نباتات أو حيوانات تخاف ان ينكشف أمرها للغرباء. ولا تستغرب, وأنت تغوص في كلمات الكتاب, مفهوم الثأر والانتقام عند النباتات أو عند الحيوانات على السواء. لعل المرء اعتاد على تصرف بعض الحيوانات لا سيما الداجنة, إلا ان عالم النبات والأشجار لا يخلو من طرافة يرويها الكاتب بحذق وافتتان, فثمة الشجرة التي تنتقم من قاتليها أو تثأر بطرق عجيبة غريبة لا تخطر على بال مخلوق بشري. تجارب كثيرة يقوم بها العلماء في إفريقيا والولايات المتحدة حول أفعال الأشجار أو ردود أفعالها حين يداهمها خطر نهوم يأتيها من أفواه الأبقار أو الظباء أو غيرها من الحيوانات أو الحشرات التي تلتهم أوراق الأغصان, والطريف انه ما ان تتعرض نبتة ما للخطر حتى تقوم بإرسال رسائل مشفرة إلى زميلاتها في الحقل لأخذ الحيطة والحذر, أي ان التعاضد الاجتماعي يبدو بين النباتات أحيانا امتن مما هو موجود بين البشر, ومن أساليب الدفاع عن النفس أو عن الأوراق الخضراء رفع نسبة السمّ في الأوراق بحيث ان التهامها يعرض الآكل للتسمّم. والنباتات تتواصل فيما بينها كما يقول الكاتب بأساليب متعددة منها على سبيل المثال إرسال غاز "الاتيلين".ومن التجارب الطريفة التي يرويها الكاتب تلك التي تتناول أشجار حور فتية لا يتجاوز عمرها الأربعة اشهر حيث قام كلّ من " بلدوين" و"شولتز", وهما من علماء النبات , بتمزيق ورقتين من الورقات العشرين التي تملكها كل واحدة منهما كمعدل وسطي, فما كان من الأوراق الأخرى التي لم تصب بأذى إلا ان ضاعفت من نسبة الدباغ, في حين أن أوراق الأشجار التي لم تتعرض إلى أي نوع من الأذى ارتفعت إلى حوالي 60%. ولم تستطع الأوراق السليمة من تغيير نسبة الدباغ إلا بفضل الرسالة التي بعثتها الورقة المجروحة. ويقول الكاتب ان بعض الألاعيب النباتية تقوم على بناء تحالفات بينها وبين الحشرات, وهي تحالفات شبيهة بتلك التي يبنيها البشر تطبيقا للمثل القائل" عدو عدوي صديقي". وهذا ما تقوم به شتلات الذرة .إذ ما ان تتعرض لهجوم من بعض الحشرات حتى تقوم بإفراز مزيج معين وظيفته جذب الزنابير, وهي عدو لدود للحشرات الطفيلية, وهكذا تكون شتلة الذرة قد طلبت النجدة من عدوّ عدوها, وهذا ما تفعله أيضا الحيوانات البرية أو البحرية ومنها سمك يعرف باسم الفيرون فما ان تجرح سمكة من سمكات الفيرون اثر هجوم مباغت من عدو حتى يتحول الجرح إلى رسالة, لانه يفرز رائحة محددة, وما ان تصل الرسالة إلى أنوف سمك الفيرون حتى يبدأ بالهروب والغوص أعمق وأعمق في الماء.ولا يخلو الكتاب في بعض ألاماكن من مقارنات بين الإنسان وبقية المخلوقات من ناحية استخدام الحواسّ من حيث هي أبواب أو جسور للتواصل, وكيف ان الإنسان, بدأ يدمر الطبيعيّ فيه, ولعل أكثر الحواس التي تعاني من الظلم هي حاسة الشمّ, فهذه الحاسّة تتناقص فعاليتها بحدة لدى الإنسان, والروائح بدأت تتحول من الطبيعيّ إلى الثقافي, ويستشهد الكاتب بـ"هيمرمان" مؤلف"علم النفس الاجتماعي للعطور" ويتكلم فيه عن الروائح ونسبية دلالاتها, وكيف انها تتغير دلاليا من شخص إلى آخر ومن ثقافة إلى أخرى, فالأوروبي على سبيل المثال يعتبر ان الأسود يبعث برائحة لاذعة ولكن الطريف في الأمر ان الأسود, بدوره ,يعتبر ان الأوروبي يبعث رائحة فاقدة اللذة بل رائحة اقرب إلى رائحة الجيف. ويتناول التواصل عبر الروائح عند الأطفال وكيف ان التواصل الشمّي الطبيعي آخذ في الانحسار عند الإنسان بسبب طبيعة الحياة التي تفصله عن الطبيعيّ, وتورطه أكثر وأكثر في الاصطناعي أو الإسمنتي والزجاجي وغيرها من مواد امتصاص الروائح, ويحكي الكاتب عن تجربة قامت بها بعض مستشفيات التوليد في الولايات المتحدة لمعرفة صلة الطفل برائحة أمه, فالأطفال يعرفون أمهاتهم من روائحهن الطبيعية ولكن ما ان اغتسلن واستخدمن العطور والصابون حتى فشل الأطفال في التعرف إليهنّ. والكاتب يشير إشارة لا تخلو من دلالات, عن تماهي الإنسان مع النبات من خلال استخراج اغلب العطور من النباتات محملا إياها اغلب الأحيان الوظائف التي تحملها عادة في الطبيعة لوظيفة اغرائية, أواغوائية, كما تفعل النباتات تماما حيث يلعب العطر دورا جنسيا في عالم النبات وفي عالم الحيوان على السواء. ويكفي قراءة أسماء اغلب العطور المصنوعة لتفهم دلالاتها المشابهة لدورها الطبيعيّ, فمن العطور ما يحمل أسماء "ليل الحب" أو"حب" أو شغف" وغيرها من الكلمات والتسميات الموحية. ولكن الكاتب يشير إلى ان للرائحة دورا آخر لا سيما في ما يتعلق بالذاكرة فهي دعامة للذاكرة, تمنعها من التصدع مع العمر,ويلمح إلى الكتاب الذين تناولوا علاقة الإنسان بالروائح والذاكرة أمثال شاتوبريان ومو باسان وبودلير, ويشير الكاتب إلى أن إعادة زرع الأشجار في المدن مسألة على قدر كبير من الذكاء لأنها بمثابة تمتين لحاسة الشم ومن ثم للذاكرة فضلا عن دورها التنظيفيّ. ويعتبر ان هذه النباتات عبارة عن حبل سري يعيد ربطنا بالطبيعة, بل ان الكاتب مهموم أيضا بالبيئة والإنسان على السواء فينهي فصلا من فصول كتابه بالقول "إذا كان علينا ان نختار بين شجرة الكستناء والكمبيوتر فيتوجب علينا ان نحافظ على شجرة الكستناء".وحين يتكلم الكاتب عن نفسية الأزهار تستغرب أمورا كثيرة ليست لأنها باطلة أو لا أساس لها من الصحة وإنما لأنه ,بكل بساطة, لم يدخل في روعك ان النبات يمكن ان يخاف بل يرتجف من الخوف كأيّ كائن حيّ متحرك في هذا العالم المدهش. ويقول إن الأشجار الأقزام المعروفة في اليابان لم تكن قزمة ولكن الرعب, على امتداد القرون أدّى بها إلى ان تتوقف عن النمو الطبيعي, فتحولت إلى أقزام, ويقول ان هذه المسالة أوضحها علماء أمثال"تورجون" و"ويب" و"سيلفيرا" وهم من علماء النبات. واللمس الكثير يزعج النبات, لأنها حساسة جدا تجاه اللمس ومن هنا تتقوقع بعض النباتات وتنطوي على نفسها بمجرد لمسها, أي في الطبيعة كما في الحياة البشرية أناس انطوائيون كذلك في الطبيعة نباتات انطوائية.والنباتات تملك ذاكرة, يقول الكاتب, إلا أننا لا نزال في فترة التمتمات في هذا المجال, ولكن التعمق في هذا العلم سوف يكشف عن ان النباتات تملك ذاكرة, تساعدها على التذكر والتأقلم في محيطات جديدة. ويقول الكاتب ان على الإنسان ان يرفع قليلا الحاجز الذي لم يكن بالإمكان اجتيازه سابقا , والذي يفصل مملكة النبات عن مملكة الحيوان.ويخصص الكاتب فصا عن نباتات تخالف المألوف, وكأنها نباتات تثأر لبنات جنسها من أسنان الحيوانات وقرص الحشرات وغيرها, وهي النباتات المفترسة التي تتغذى بالحشرات وكان اكتشاف هذا النوع من النباتات مادّة للتندّر وحياكة الأساطير, ومن هذه الأساطير ما قيل عن وجود نباتات آكلة للحوم البشر ,و بعض أفلام السينما استثمرت هذه الوحشية النباتية الأسطورية, إلا ان ذلك يدخل في مجال علم النبات الخيالي, ولكن الواقع يعترف بوجود نباتات لاحمة, وعددها يناهزالـ"530 " نوعا, وهي من النباتات التي افتتن بها وبأسرارها العالم داروين. ويتكلم الكاتب في فصل لطيف عن "اليد الخضراء", أي تلك التي تبني علاقة خاصة مع النبات, ويحاول ان يميز ما هو أسطوري أو شعبيّ متخيل مما هو حقيقيّ, ويظهر ان مفهوم" اليد الخضراء" عريق الحضور لدى كل الشعوب والحضارات. والنباتات تحب الموسيقى, هذا ما يؤكده الدكتور سينغ الذي يقول ان تعريض النبتة للموسيقى يزيد عطاءها, وحتى لا يقع الكاتب فريسة التخمينات قام بتجارب موسيقية شخصية على النباتات استغرقت منه أربع سنوات. ولاحظ الكاتب بعد تكرار التجارب ان سبع نباتات من أصل تسعة شهدت نموا متسارعا, منها الشعير والعدس, بل ان بعض النباتات اتجه نموها صوب المكان الذي تبث منه الموسيقى, أي انها تعاملت مع الموسيقى كما تتعامل مع الضوء, ويقول الكاتب "ليس للنبات ذوق ثابت للموسيقى" وذلك لأسباب بيو-كيميائية وذائقة النباتات الموسيقية تتفاوت بتفاوت شخصية كل نبتة.وهناك مزارع اليوم كمزرعة" ماك كلورغ" في فلوريدا, وهي تعتمد على الاتصال الصوتي مع المزروعات, وكان من نتيجة ذلك ان زاد حجم البرتقال الموجود في المزرعة. وهذا ما يقوم به الهنود الحمر من قبيلة "الهوبيس" في أريزونا, حيث يتحول موسم زرع الذرة عندهم إلى موسم غناء في الحقول, لإطراب الذرة, ولكن هذه العادة, يقول المؤلف, بدأت بالتلاشي عند هذه الشعوب البدائية.ويحكي عن تجربة في زراعة البندورة قام بها الباحث ستيرنهايمر وكانت خلاصتها ان حبوب البندورة في البستان الموسيقي كانت اكبر حجما وألذ طعما وأكثر عددا من تلك الموجودة في بستان آخر له الخصائص نفسها, واعتني بثمراته الاعتناء نفسه إلا انه كان محروما من الموسيقى, , وقام "ستيرنهايمر" بتوثيق عمله فوتوغرافياً.كما أن الإنسان انتبه إلى الدور الصحي الذي يمكن ان تمنحه إياه النباتات, ويروي قصة فتاة, استعادت صحتها, بعد انهيار قوي, من طريق تحويل شرفة بيتها إلى حديقة. ويشير الكاتب إلى أن الصناعات المحلية تفرز مواد كثيرة مؤذية منها البنزول الذي يسبب السرطان وهو مستعمل في الألوان والحبر والمحروقات والمواد البلاستيكية والكاوتشوك بل يسبب البنزول الصداع والتوتر العصبي وفقدان الشهية, وتطول لائحة الجزيئات المشبوهة التي تندس في حياتنا وبيوتنا كبعض الأوراق المستعملة لتغليف الأطعمة, وصمغ الموكيت والألبسة المنظفة على الناشف. ولقد قامت النازا بتجارب مدهشة عن دور النباتات في إزالة التلوث, فشجر اللبلاب قادر على إزالة 90% من البنزول من الجو خلال أربع وعشرين ساعة, وشجرة التين قادرة على إزالة حمض"النمليك" بنسبة 47%. ويدعو الكاتب إلى سياسة" حوض من التراب مقابل هواء سيىء". وفي الفصل الأخير, يتوقف الكاتب عند تواصل البشر مع الشجر, ويتناول العلاقة الرائعة والمرهفة التي يقيمها الصينيون واليابانيون وسكان الشرق الأقصى عموما مع الأشجار, وهي مفاهيم يعاد اليوم إدراجها في الثقافة الغربية من طريق الفلسفة الصينية المعروفة بـ"الزن", لترميم ما اعتور الذات البشرية من تصدع حياتيّ, ويستشهد بكلام للقديس برنارد يقول فيه انه" تعلم من الشجر أكثر مما تعلم من الكتب", ويقتطف من سيرة الأديب الفرنسي فرنسوا مورياك مشهدا حياتيا معبرا حيث كان يضمّ سنديانات حديقته لاصقا جسمه إلى قشرتها, وكأنه بهذا يؤكد على المفهوم اليوناني الروماني القديم الذي كان يعتبر شجرة السنديان وسيطا روحيا.

مدوّنة بلال عبد الهادي: نصوص العناوين

مدوّنة بلال عبد الهادي: نصوص العناوين: "نصّ محاضرة ألقيت في مؤتمر في الجامعة اللبنانية عن السيمياء 1) مقدمة دراسة العناوين والكشف عما تحمله من مدلولات وتعقده من أواصر وصلات، خفية ..."

الخميس، 8 يوليو 2010

مصيرورقة يانصيب


كثيراً ما نسمع عن ورقة يانصيب غيّرت مصير شخص، ولكن من النادر حقّاً أن نسمع عن شخص غيّر بسلوكه مصير ورقة يانصيب، وهذا الأمر ممكن الحدوث. ولعلّ أعجب ما تتحفنا به الحياة هو تلك الأخبار المتفرّقة التي تفوق الخيال ولا ريب في أنّ رحم الحياة أخصب من خيال مخرجي أفلام هوليوود.
ولقد سمعت قصّة عن حياة غريبة الأطوار ورقة يانصيب مفادها أنّ أحد الأشخاص أحبّ فتاة، كانت علاقته بها في أيّامها الأولى. والحبّ، في زهو البدايات، يجعل الإنسان يعيش حالة لا تتكرّر كثيراً، أنّها لحظات نادرة ندرة علاقة هذا العاشق مع ورقة اليانصيب. ارتاد المقهى، ذات يوم، مع حبيبته، وبينما كانا يدردشان ويحلمان برغد الأيّام الآتية إذ ببائع يانصيب يمرّ عارضاً أوراقه المغرية عليهما. وكلّ عاشق يتفاءل بأنامل من يحبّ، ويراها سحريّة تقبض على طالع السعد، فاقترح عليها انتقاء ورقة يانصيب وهذا ما كان. أخذ الورقة وكأنّه يأخذ "ذخيرة" من أثرها. وصارت الورقة، في نظره، بمثابة صورة فوريّة تجمعهما على حلم. ومن يدري! فقد تربح الورقة وتغيّر مجرى حبّه وتسرّع خطى الأفراح. الأقدار تعارض، في بعض الأحيان، الإنسان وتسخر من هشاشة رغباته إذ في الفترة الفاصلة بين وقت شراء الورقة وموعد طلوع النتائج تعرّضت حبيبته لحادث سير وضع نهاية دامية ودرامية لحياتها.
لا يمكن لأحد أن يتصوّر لوعة عاشق فقد من يرى الدنيا تشرق من طلّته. في أيّ حال، لا أتصوّر عاشقاً يتمنّى أن يلقى ما لقي قلب ذلك العاشق المكسور. صارت الدنيا غباراً لزجاً في عينيه. والغياب هنا، لم يكن غياباً عاديّاً، لأنّه غيّر مصير حياته ومصير ورقة اليانصيب أيضاً!
الحياة تضرب، أحياناً، ضربتين: ضربة على الحافر وضربة على المسمار، أو تجرح بيد وتداوي بيد ويبدو أنّ الحياة قد شعرت بتأنيب ضمير بعد عَمْلتها الحارقة وأرادت أن تكفّر عن ذنبها وتعوّض عليه خسارته الفادحة، فكان أنْ ربحت الورقة التي اختارتها أنامل الراحلةِ الجائزةَ الكبرى.

لم يفرح العاشق المصاب، لم يشعر أنّه ربح، بل أحسّ أنّ الجائزة ضرب من لؤم الحياة، لأنّها تريد أن تسلبه، وهي تعطيه، ورقة اليانصيب. ولم يكن العاشق يحتفظ من ذكرى حبّه إلاّ بهذه الورقة الملّونة التي تعبق بلمسات حبيبته وأريج عطرها وبوح كلماتها الأولى.
أيبدل ذكرى حبّه بورقات نقديّة خرساء؟ أيفرّط بالورقة؟ قلبه لم يطاوعه. فالورقة، في عينيه، بمثابة "قميص يوسف في أجفان يعقوب" بحسب عبارة المتنبّي. قد يعتبر البعض رفض العاشق قبض الجائزة نوعاً من الجنون. فليكن! ولكن من لم يسمع بعشّاق كثيرين لا يختلفون عن السورياليين في غريب مسلكهم؟ وفي تراثنا العربيّ، في أيّ حال، أكثر من مجنون في العشق! بل أنّ البعض لم يذهب الجنون بعقلهم فقط وإنّما ذهب بأسمائهم أيضاً، فصار لنا مجنون ليلى ومجنون لبنى... ومن يريد ان يلمّ شتات مجانين العشق فما عليه إلاّ أنْ يفلفش في كتاب "مصارع العشّاق" أو صفحات الحزن في "تزيين الأسواق بتفصيل أشواق العشّاق"، فيتأكّد ساعتئذ أنّ بعض الوله بله!
المعروف أنّ الورقة الرابحة تُلغى جائزتها في نهاية أربعة أشهر من تاريخ سحبها. كرّت أيّام الأشهر وتلاشت بعد انقضاء المدّة قيمة الورقة. ولكن العاشق شعر، بعد تحرّر الورقة من قيمتها الماديّة وضغط المغريات ووسوسات الشيطان، أنّه تحرّر من عبء المادّة، واستعادت الورقة التي سقطت قيمتُها الماديّة حياتَها الروحيّة فتلفّعت بحرير الذكرى.
طبعاً، لا يمكن لأحد أن يخمّن، بشكل دقيق، ثمن أثر أو قيمة ذكرى. ولا ريب في أنّ الوفاء للذكرى يلامس، في بعض الأحيان، أعتاب الجنون.
ولكنْ من قال إنّ سيرة الجنون لا تستحقّ أنْ تروى؟!

حلم القصور الحمراء


مسرحية "حلم القصور الحمراء" الراقصة تعرض في القاهرة (صور)

راقصتان من فرقة بكين للصداقة الصينية للأغاني والرقص تؤديان عرضا في مسرحية "حلم القصور الحمراء" الراقصة في دار الأوبرا بالعاصمة المصرية القاهرة في يوم 5 من يوليو الجاري حيث عرضت مسرحية "حلم القصور الحمراء" بالدار المذكورة للمرة الاولى.
وهي من أشهر الروايات الصينية، ويعتبرها الشعب الصيني من أعاجيب النصوص، لم تترجم بعد الى العربي للأسف الشديد.

تفاصيل على الرابط التالي:
http://arabic.china.org.cn/china-arab/txt/2010-07/06/content_20432799_2.htm

أعمى بس لئيم


لم يكن طه حسين أعمى في نظر الشاعر نزار قباني، هذا ما يعلنه في قصيدة تكريم للناثر الجميل صاحب كتاب "الأيام" إذ يخاطبه قائلاً:

إرْمِ نظّارتيْكَ ما أنت أعمى إنّما نحن جوقةُ العُميانِ

ولكن طه حسين لم يستعمل عينيه إذ اكتفى باستخدام عيني زوجته الفرنسيّة سوزان، هذا ما يقوله من باب الشكر والامتنان لها في إهداء نبيل افتتح به أحد كتبه: " إلى المرأة التي نظرت بعينيها".
أخبار العميان كثيرة، وصلاح الدين الصفديّ أحد الذين اهتموا بأخبارهم في كتابه الطريف "نَكْتُ الهِمْيان في نُكَتِ العُميان"، حيث جمع في طيّاته متفرّقات طرائفهم بدءاً من العصر الجاهليّ وانتهاء بعصره، ولكنّي لم أسمع طرفة تشبه هذه الحكاية الحقيقية التي قرأتها في إحدى الصحف العربية عن رجل أعمى.
نعرف أنّ الطبّ تطوّر وصار بإمكان بعض العميان استرداد نظرهم. ومن يرغب في أن يتعمّق حول هذا الموضوع يمكنه مراجعة كتاب قيّم ونفيس للـعالم الانتروبولوجيّ دافيد لو بريتون بعنوان: " مذاق العالم، أنتروبولوجيا الحواسّ".
القصّة التي سأخبرها الآن تروي قصّة أعمى، والعمى لا يمنع من الزواج وإلا ما كان لطه حسين أن يتزوّج ولا لعميان كثيرين، ونحن نعرف أن هناك أولادَ عُميانٍ في هذا العالم.
تزوّج هذا الأعمى، وأن تتزوج امرأة رجلاً أعمى فهي، لا شكّ، تقدم على خطوة تنمّ عن إنسانية عارمة. فالإنسان ليس فقط بعينيه. والزواج ليس حقّا للمبصرين فقط، كما أنه ليس حقّا حصريّاً للأذكياء أو الأغنياء، إن الزواج كالموت! لا يؤمن بالطبقات. اهتمّت المرأة بزوجها الأعمى، وكرّست حياتها له، صارت عينيه ويديه وخطاه، وكانت بحكم وضع زوجها تهتم بأخبار العميان والتطوّرات العلميّة ذات الصلة بطبّ العيون. علمت الزوجة أنّه صار بالإمكان زرع قرنيّات للعميان ليستردّوا أبصارهم، وكثيرون جربّوا إعادة الضوء إلى ظلام أيّامهم. لمْ لا يكون زوجها واحداً من هؤلاء؟ فالمرأة تريد ممن تحبّ أن يراها ويتملاّها. فالحبّ نظرة، ولغة العيون معطّلة في حالة الزوجة، فلِمْ لا تعيد إلى محجري زوجها لغة الضوء وأبجديّة النظر؟
ولعلّ من أغلى ما يملكه الإنسان هو العيون. إنسان غال جدّا على قلوبنا نقول له " يا عيوني" أو "يا نور عيني" حتى وإن كنا نقولها أحيانا بحكم مألوف الكلام من غير تقصّد لمحتواها المضيء. ولكنّ المرأة تحبّ زوجها، وتريد أن يقضي ما تبقّى له من عمر وهو يرى الحياة بالألوان ولو بعين واحدة، فالعور أفضل من العمى. ليس سهلا أن يتبرّع إنسان بعد موته بعين من عينيه أو أن يتقبّل أهل فقيد قلع عين ميتهم العزيز لتصير قطعة غيار(حتى ولو كان في ذلك إنقاذها من عذاب القبر). المشاعر، لا تحتمل ذلك، وكذلك الأديان أحيانا. لم تجد من يتبرع له بعين فما كان منها إلا أن اقترحت التبرع له بعين من عينيها. أليس هو شريك حياتها؟ فلم لا تقاسمه النظر؟ وبالفعل أقنعته بأن يأخذ عيناً من عينيها. وكلمة طه حسين المجازية لم تعد مجازاً في حياة الزوج الأعمى إذ صار يرى العالم فعلاً بعين زوجته، وصار يرى زوجته بعينها لا بعينه. ولكن الزوج فيما يبدو لم يرضَ، بعد أن استعاد نصف النظر، عن حال امرأته. لم تعجبه طلّتها العوراء فضربت "عينه" على امرأة أخرى، وتزوجها، مغمضاً عينه عن أحزان الأولى التي لم "ير" فيها ما يغري، لم "يرَ" الأعمى سابقاً ما قدّمته زوجته له من تضحيات عينيّة. وهكذا كانت عين المرأة عدوّتها التي حرمتها من زوجها ومن عينها.
مؤلم حقّاً أنْ يحبّ رجل على امرأته، في الأوقات العاديّة، فما بالك حين يحبّ أعمى بعين استعارها من امرأته واحدة أخرى؟ بعض من سمع الحكاية فتح عينيه على الأخير، وبعد هنيهة من الشرود، قال: "العمى بعينو شو لئيم!"، والبعض قال إنّه أعمى حتى ولو امتلك عيني زرقاء اليمامة، ومنهم من لعن الزوجة الثانية التي رضيت أنْ تتزوّجه وهي تعلم قصّة عينه المبصرة. لعلّ البعض يدرج هذه الحكاية في باب " طرائف العُميان" من غير أن ينسى مثلاً تردّده النساء على مسامع النساء من باب الحيطة وأخذ الحذر، قبل فوات النظر، وهو" يا مْأَمْني للرجّال... متل الميّ بالغربال".

بال فاضي


الحياة "وجهة" نظر.
إنّ وجهة النظر أو بالأحرى كيفيّة استخدام النظر تغيّر من معنى المنظور إليه، وتفصح في الوقت نفسه عن أعماق الناظر، " قل لي ماذا ترى أقل لك من أنت"، فالنظر يلعب دور هويّة المرء إذ يكشف لنا الاحتمالات المنتظرة ( والفعل، بدوره، مأخوذ من النظر)، والعرب القدامى كانوا، لدقّة ملاحظة عيونهم، يطلقون عبارة " أهل النظر" على العلماء وأهل الفكر و"الرأي".
من الناس من يجمّد الأشياء عن طريق حبسها في وجهة نظر واحدة، أي أنّه يمسخها ويقزّمها بسبب تقليص الوظائف المحتملة لهذا الشيء أو ذاك إلى الحدود الدنيا، ومنهم من يمنحها حيوية الأحياء، ويتركها تمارس احتمالاتها المفتوحة ليختار الاحتمال الأنقى والأبقى.
ولا ريب في أنّ تطلعات الإنسان تساهم في تشكيل نظرته إلى الأشياء وتحديد ملامح مصيره. فهويّة الإنسان العميقة تكتبها تطلّعاته التي تضطرب في تلافيف فكره وتضاعيف روحه.
تطلّعات اليوم هي، أغلب الأحيان، يوميّات الغد، والمقصود بالتطلعات أحلام المرء الذاتية، تلك التي لا تنكسر أو تيأس، ولا تقول إنّ الظروف لم تسمح لي بتحقيق أحلامي. إذ من خصائص التطلّعات الذكيّة أنها تمتلك حكمة النهر في تعامله مع مجراه. لا يقدر ظرف من الظروف على منع النهر من تحقيق وصاله مع البحر، لأنه يملك في مجراه ليونة الأفعى والتعرّج الدالّ والبراغماتيّ، ولأنّه يمارس سياسة اللين مع ظروفه ذات المزاج المتعدّد والمتقلّب، والمتغيّر كجلد الحرباء. كنت قد قرأت منذ فترة حكمة صينية عن الماء تقول: " الماء يستسلم للسكين ولكنّه يظلّ معصوماً عن الجروح" بسبب ما تمتلكه طبيعته من لين سيّال. ولكن حكمة النهر وليونته لا تعني أنّه لا يغضب ولا تعني أنّه لا يجنّ جنونه، ويفقد السيطرة على أعصابه المائية في لحظة طيش أو نزق، ويتحوّل إلى طوفان كذلك الذي حصل، منذ أكثر من خمسين عاما، لنهر" أبو علي" الذي يبدو اليوم وديعاً كساقية مبحوحة الخرير.
ولنهر "أبو علي" قصة واقعيّة طريفة مع شجرة ليمون أيام الطوفة، تكشف عن أثر وجهة النظر في رسم واقع الأشخاص والمتوقّع منهم. وكبار السن أبناء السويقة وباب الحديد يعرفون غضبة "ابو علي"، ولا تزال، الى اليوم، ذكراه، في أي حال، على حيطان منطقة "المنكوبين" الرطبة التي أنجبها جنونه.
تعود القصة التي أودّ سردها إلى حوار جرى بين صديقين، وحّد بينهما الفقر، والجوع، والأميّة، وشيء من اليتم وما قد يستتبعه ذلك من تشرّد . تداعب كلاّ منهما أحلام لا تتعدى سنّ المراهقة، إلاّ أنّ مرمى أحلامهما لم يكن واحداً، واختلاف مرامي الأحلام يؤدّي إلى تمايز المصائر وتباينها، فالأوّل عثر على شجرة ليمون كان غضب النهر قد اقتلعها من تربتها وقذف بها إلى وسط المدينة، فاعتبرها من جملة النفع الذي يأتي به الضرر، غير أنّ ذلك الشخص لم ير في الشجرة إلاّ حطباً، علماً أنّ الشجرة ليست، بالضرورة، حطباً. فهي قابلة، كقلب شيخ الصوفيين ابن عربيّ، كلّ صورة. سأله صديقه وهو يراه يكابد بقامته الصغيرة في جرّها: إلى أين تذهب بها؟ أجاب: إلى الفرن. حاول صديقه إقناعه بتغيير وجهته فقط عن طريق تغيير وجهة النظر في شجرة الليمون، ولفت نظره إلى إمكانية الذهاب إلى المنشرة بدلاً من الفرن، لأنّ في تغيير الوجهة تحسيناً لقيمتها ولسعرها، فالفرن لا يحسن التعامل مع الخشب كما تحسنه المنشرة التي تقدّر إمكانيات الشجر، ولا تحبّ أن ترى الغنى رماداً، بالإمكان في المنشرة - قال الفتى- تحويلها إلى أجران متعدّدة الأحجام ومدقّات وأحجار "داما" لللاعبين، وراح ذلك الفتى يعدّد لصديقه الطاقات والاحتمالات العفيّة الكامنة في الخشب، لأنّ الشجرة في عين الفرن رماد، وفي عين المنشرة عجينة. فما كان من صاحب الشجرة إلاّ أنّ هزّ رأسه هازئاً من صديقه ومن " بالو الفاضي"، وتابع طريقه إلى الفرن. ومن الطريف اتهام من يفكّر، في بلادنا، بـ"فضاوة البال"! الحياة لا تتوقّف، والفَتَيانِ كبرا، نظرتهما للشجرة كانت نظرتهما للحياة نفسها. عرف الـ" بالو فاضي" كيف ينسلّ مع تطلّعاته من الفقر انسلال الشعرة من العجين، وأصبح عمله علامة تجاريّة، بينما صاحبه لا يزال يكتوي في شيخوخته بنار الفقر. واستطاع فتى المنشرة بـ"بالو الفاضي" بل بفضل "بالو الفاضي" أنْ يتعلّم فكّ الحرف وتركيبه بمجهوده الفرديّ رغم أنّه لم يعرف باب المدرسة في حين أنّ صاحبه بقي يشعر بغربة حارقة مع الحرف، ولا يحسن استخدام الحبر إلاّ لطبع بصماته.
وجهة النظر، لا غير، هي التي فرقت بين الطرفين، وجعلت الشجرة الواحدة شجرتين: شجرة قابلة للتصنيع، وأخرى مصيرها بيت النار.
تذكّرني شجرة الليمون بشجرة أرز فقدت روحها وكادت تفقد جثمانها العريق إلاّ أنّ الفنّان رودي رحمة لم يطاوعه قلبه في رؤية خشب الأرز حطباً أو خشباً بلا روح فعمد إلى تحويلها منحوتة شامخة وارفة الجمال والجلال تلفت نظر الصاعدين إلى قمم الأرز بروحها الفنية والفتية المتوثّبة.
للكاتب البريطانيّ الشهير برنارد شو عبارة ليست غريبة عن سياق المقال، يقول فيها:" اذكروا دائماً أنّ تصرفاتنا ومسالكنا في الحياة لا تتأثّر بالتجارب التي مررنا بها، وإنّما بالتطلّعات التي نصبو إليها".ويفترض بالتطلعات، فيما أظن، أنّ تكون نظراً إلى الأعلى احتراماً، في الأقلّ، لدلالة جذرها السامي "ط. ل.ع." الذي خرجت من رحمه مفردة " التطلّعات"، ومفردة أخرى، لا نقيم لها، على ما يبدو، وزناً كبيراً، هي الـ"مطالعة".

الكتاب القاتل


دخل اسم "سِنِمّار" التاريخ العربيّ من بوابة الأمثال في عبارة من كلمتين وهي: "جزاء سنمّار". وما أكثر أسماء الشخصيات الحقيقية أو الأسطورية التي استضافتها كتب الأمثال لغايات في نفس جامعيها!
ولعلّ من وضع حكايات "ألف ليلة وليلة" قد سمع حكاية سنمّار فلم تعجبه نهايتها المأساوية الجائرة فقرّر أن ينتقم لروحه المهدورة بمفعول رجعيّ، وذلك عن طريق كتابة حكاية "دوبان الحكيم". خلاصة الحكاية أنّ رجلاً حكيماً يدعى "دوبان" لم يرد أن يكون موته مجاناً، بخْساً، وأن تطوى صفحة حياته كما يطوى مصير أيّ ورقة ذابلة، وخصوصاً إذا كانت نهايته خارجة عن سنة الموت الطبيعيّ. ولم يكن فيما يبدو واثقاً من قدرة غيره على الأخذ بالثأر له في حال قضى نحْبه غدراً. احتاط لكلّ أمر طارىء، تدبر أمر جثمانه جيداً، كتب سيناريو ثأره لنفسه بخيالٍ هيتشكوكيٍّ، وتدرّب على أن يكون جثمانه جاهزاً للانقضاض على من تسوّل له نفسه اختطاف روحه. أراد أن يرى بأم عينيه المنطفئتين قاتله وهو يتقلّب في جحيم الألم، فهو لم يستوعب أن يُطعن من الظهر، أنْ يموت ويسكت على موته. سوء الظنّ، كما يقول المثل العربيّ القديم، من حسْن الفِطَن. كان الحكيم دوبان مستوعباً لأمور كثيرة وليس فقط لـ " علوم الفلك والنبات والفلسفة والطبّ " كما ورد على لسان سيدّة السرد الفاتنة شهرزاد.
تقول الحكاية إنّ دوبان كان طبيباً حاذقاً يستطيع أنْ يلعب برأس ملك الموت ويقنعَه بتغيير رأيه أو تأجيل تنفيذ حتّى مهماته المستعجلة، والمعروف عن ملك الموت أنّه شديد العناد!
كان ثمة ملك اسمه يونان غزا جسده البرص وعجز أطباء زمانه عن إيجاد دواء ناجع ينقذ جسده من آلام البياض الذي يقضم بأسنانه الخفيّة جلْده وعمره. سمع دوبان بمرض الملك فحضر إليه وعرض عليه خدماته الطبية، أخبره بأنه قادر على علاجه وشفائه حتى من دون أدوية أو مراهم. سلّم الملك زمام أمره وجلْده إلى الحكيم العجيب دوبان الذي نجح في ما لم ينجح به أيّ طبيب. فرح الملك كثيراً بالولادة الجديدة لجلده الذي صار" نقياً مثل الفضة " بفضل مهارة الحكيم دوبان فقربه إليه وجعله من خلّص ندمائه.
إنّ تقريب الحكيم من الملك لا يبقي المملكة كما هي، لأنّ تقريبه يشبه تحريك حجر على رقعة الشطرنج وهو تحريك يغيّر مصائر كلّ الأحجار. لم يستطع الوزير المقرّب "المجبول على الحسد" تحمّل الوضع المستجدّ، لم يستوعب رأسه أنْ يأتي رجل على حين غرّة ويقلب مصيره ومقامه رأساً على عقب. بدأ الوزير يعمل في الخفاء على تفتيت الودّ الطارىء بين الملك والحكيم دوبان.نجح الوزير في بثّ الشكّ والنفور في قلب الملك، وانتهى بقرار دامٍ يخلّص المملكة من هذه الحكمة الضالّة.
تقول الحكاية: فلما تحقق الحكيم أنّ الملك قاتله لا محالة، قال له: أيها الملك إن كان لا بدّ من قتلي فأمهلني حتى أنزل إلى داري وأوصي أهلي وجيراني وأهب كتب الطبّ. وعندي كتاب خاصّ أهبه لك هدية تدّخرها في خزانتك. فقال الملك للحكيم: وما هذا الكتاب؟ قال: فيه شيء لا يحصى، وأقلّ ما فيه من الأسرار أنك إذا قطعت رأسي وفتحت الكتاب وعددت ثلاث ورقات ثم تقرأ ثلاثة أسطر من الصحيفة التي على يسارك فإنّ الرأس تكلمك وتجاوبك عن جميع ما تسألها عنه. فتعجّب الملك غاية التعجّب، واهتزّ من الطرب وقال له: وهل إذا قطعت رأسك تكلمت؟ قال: نعم أيها الملك، وهذا أمر عجيب!
في اليوم التالي، يُضرب عنق الحكيم دوبان ويُؤتى برأسه في طبق إلى الملك يونان مع الكتاب العجيب. فتح الملك الكتاب فوجده ملصوقاً فوضع طرف إصبعه في فمه وبلّ بها ريقه وفتح أول ورقة والثانية والثالثة، والورق ما ينفتح إلاّ بجهد. ففتح الملك ستّ ورقات ونظر فيها فلم يجد كتابة. فقال الملك: أيها الحكيم ما فيه شيءٌ مكتوب؟ فقال رأس الحكيم: قلّبْ زيادةً على ذلك. فقلّب فيه، فلم يكن إلاّ قليل من الزمان حتى تمشّى السمّ من طرف لسان الملك إلى أخمص قدميه، وراح ينتفض من مفعول السمّ على مرأى الرأس المقطوعة التي ارتسمت على شفتيها بسمة متشفّية، ساخرة لم تكنْ أقلّ وطأة على الملك الطالعة روحه من ذلك السمّ المدسوس في صفحات الكتاب الذي لا تحمل سطوره إلاّ سمّ الثأر الأبيض والكلمات البيضاء! بلون أوراقه.
تشير الحكاية إلى أنّ لسان دوبان الحكيم أسمع الملك، وروحه على أطراف شفتيه، عدّة أبيات شعريّة منها:
لو أَنْصَفُوا أُنْصِفوا، لكِنْ بَغَوْا فَبَغَى عَلَيْهِم الدَّهْرُ بالآفاتِ والمـِحـَنِ
وأَصْبَحوا، ولِسـانُ الحالِ يُنشــِدُهُم: هذا بِذاكَ، ولا عَتْبَ على الزَّمَنِ
بعض نقّاد الحكاية يلفتون النظر إلى أمرين ظاهر ومضمر. الأمر الأوّل هو "جزاء نكران الجميل"، أمّا الأمر الثاني الذي لا تقوله الكلمات هو أنّ الموت جزية يدفعها الراغب في المعرفة! ألم يكنْ، في أيّ حال، سبب هبوط آدم من الجنّة هو رغبته في قطف ثمرة من ثمرات "شجرة معرفة الخير والشرّ" ( سفر التكوين، الفصل الثاني، الآية:17) وتذوّق طعمها، أو "شجرة الخُلْد" كما وردت تسميتها في الذكر الحكيم ( سورة طه، الآية: 120)؟.

家庭词汇




تجد في هذا الرابط مفردات العائلة باللغة الصينية والفرنسية:


b

biǎo jiě mèi
( n. )
cousine maternelle / fille d'une sœur du père
biǎo xiōng dì
( n. )
cousin maternel / fils d'une sœur du père
d
dì dì
( n. )
frère cadet
e
ér xí
( n. )
belle fille / bru
ér zi
( n. )
fils
f
fù mǔ
( n. )
père et mère / parents
fù qīn
( n. )
père
g
gē gē
( n. )
frêre aîné
gū fu
( n. )
oncle
gū mā
( n. )
tante
h
hái zi
( n. )
enfant
j
jì mǔ
( n. )
belle-mère
jì nǚ
( n. )
belle-fille (fille d'un précédent mariage de son conjoint)
jì zǐ
( n. )
beau-fils (fils d'un précédent mariage de son conjoint)
jiā tíng
( n. )
famille
jiě jiě
( n. )
sœur aînée
l
lǎo gōng
( n. )
mari / époux
lǎo lǎo
( n. )
grand-mère maternelle
lǎo pó
( n. )
femme / épouse
m
mèi mei
( n. )
sœur cadette
mǔ qīn
( n. )
mère
n
nǎi nai
( n. )
grand-mème / grandmaman
nǚ er
( n. )
fille
nǚ xù
( n. )
gendre
p
pèi ǒu
( n. )
conjoint
q
qī zi
( n. )
femme / épouse
qīn qi
( n. )
parent
s
shì dài
( n. )
génération
shuāng bāo tāi
( n. )
jumeaux / jumelles
sūn nǚ
( n. )
petite-fille
sūn zi
( n. )
petit-fils
t
táng xiōng dì
( n. )
cousins germains du côté paternel
w
wài gōng
( n. )
grand-père maternelle
wài pó
( v. )
belle-mère / belle-doche
wài sheng
( n. )
neveu
wài shengnǚ
( n. )
nièce
x
xiōng dì
( n. )
frères
y
yé ye
( n. )
grand-père
yuè fù
( n. )
beau-père (père de l'épouse)
yuè mǔ
( n. )
belle-mère (mère de l'épouse)
z
zhàng fu
( n. )
mari / époux
zǔ fù
( n. )
grand-père paternel
zǔ mǔ
( n. )
grand-mère paternelle

لسان فالت وطويل












تدرج الصحف في صفحاتها الداخلية أخباراً متفرقة باعتبار أنها لا تستحق ان تتصدر كالشؤون السياسية الصفحات الأولى. ولفت نظري مرة قول لنجيب محفوظ عن ان عددا من رواياته كان وليد خبر صغير مركون في زاوية جريدة. قرأت، ذات يوم، خبرا داميا كان مسرحه قرية من قرى مصر، ومفاده ان امرأة سافر زوجها إلى إحدى دول الخليج للعمل وتحسين وضعه الاقتصادي، والبطالة في البلدان العربية غير النفطية تجعل الواحد يحلم بنعيم الصحراء، وعدد لا بأس به من المغتربين في دول الخليج يعانون حرمانا عائليا لأن شروط العمل لا تسمح لهم أحيانا باستحضار عائلاتهم معهم. وهكذا يكون الحرمان مزدوجاً من دفء الوطن ومن حنان العائلة.
بعض الرجال يعتبرون المرأة التي تعيش بعيدا عن زوجها لأسباب اقتصادية لقمة سائغة، أو صيداً في متناول النزوات، فتصير مطمعا للزعران. وكان من نصيب هذه المرأة التي تعيش مستورة في قريتها أن حام حولها رجل وراح يتحرّش بها، ويغويها، وهي تنهره وتزدري مسلكه. فهي لم تفكر حتى مجرد تفكير ان تخون ثقة من يتحمل شظف الوحدة لأجل حياة مستقبلية أفضل.
وكان ذلك الرجل لحوحا، لم ييأس من صدها. وراح ككثيرين يفلسف الصدّ على أساس أنّه تمنّع مصطنع سرعان ما ينهار. فهو يرى في ذاته قدرة على ان يغري أي امرأة، لأنه "دون جوان" عصره، وكلمات "عمر بن أبي ربيعة" تسكن على طرف لسانه.
صدم الرجل من فشل محاولاته الكثيرة، فثارت ثائرة فحولته المكنونة وقرر ان ينتقم من صدّها واستخفافها به، فراح يسرّ لأصحابه انه على علاقة سرّية معها، والكلام ينتشر كألسنة اللهب في الهشيم.
تغيرت نظرة أهل القرية إليها، وضحايا الكلام كثر، وراح البعض يفسر إظهار احتقارها له على انه نوع من التقية لإخفاء العلاقة الآثمة. فقررت ان تنازله في الأرض. استجمعت هذه المرأة انوثتها، وليس ثمّة أمضى من سلاح الأنوثة فتكاً. كانت تعلم، في طوية نفسها، ان عبارة الجنس الضعيف تنطبق على الرجال أكثر مما تنطبق على النساء. ومن غباء الرجال ربّما اعتبار رقة الأنوثة هشاشة وضعفاً، في حين ان المرأة تعرف تماما أنّ رقّتها رهيفة كالشفرة، وكيدها يجعل الثرثار مبلوع اللسان.
قررت ان تشن هجوما مضادّا، ان تمنع لسانه من ان يلوك سمعتها على مسمع من الناس. تسلحت بمفاتنها، والمفاتن كمائن. والمرأة يمكن ان تدوخ الرجل بنظرة، فلم لا تدوّخ هذا الهمّاز اللمّاز؟ بيّتت النية على إخراسه. خرجت ذات يوم من البيت، وتظاهرت بنسيان إساءاته، ورصدته، وحين رأته رمقته بنظرة كالسهم، وبابتسامة لا تخلو من شبق. كانت نظرتها كالنداء، وابتسامتها ناطقة بأكثر من لسان. طار لبّ الرجل، استعاد ثقته بفحولته ودونجوانيته. تكررت النظرات اللمّاحة، إلى ان استدرجته إلى موعد في حقل من حقول الذرة، راح الرجل يحلم بيوم اللقاء الأرجوانيّ، وصلت على الموعد وكان بانتظارها، النزوة على شفتيه، والشهوة تفتل رأسه، راحت تكلّمه بكلام حارّ يوقظ الرغبات الدفينة،‏ ثم أوهمته أنها تتحرّق لتقبيله، فاستسلم لرغباتها المعلنة ولرغباته المحمومة، وفي مهارة خاطفة التقطت لسانه في فمها وضغطت بكلّ ثورتها عليه حتّى قطعته بأسنانها التي سنّها الانتقام وبصقته في وجهه، وساعتئذ اطمأنت إلى انه لن يستطيع ان يفتري عليها بالكذب والشائعات بعد ان أضحى لسانه جثة صغيرة تتلوّى روحها في الأرض.
ورأت ان مواجهة جناية "إحداث عاهة" ارحم من مواجهة سياط نظرات شكاكة. ويبدو ان بعض العبارات تتمرد على مجازيتها وتمارس حياتها الطبيعية منها عبارة "بدّو قصّ لسان".

ديك فنّاص


كان النبيّ سليمان من المحظوظين جدّاً لأنّه برع في فكّ دلالة أصوات الحيوانات، ورصد حتّى وشوشاتهم الخفيضة، فعاش تجربة ممتعة وفريدة من نوعها دفعته إلى الابتسام من أقاويلهم ومحاوراتهم الشخصيّة. ولكن الناس العاديين لم ييأسوا من جهلهم بأحاديث الحيوانات، فاعتمدوا على فراستهم وخيالهم لتوليد قصص وحكايات لا تنفد عن طبائع الحيوانات وأمزجتهم. وكان جزء كثير من هذه الحكايات يملأ رؤوس الأطفال بالدهشة والمحبة لشركائنا في الأرض. وثمّة أسماء أدبية كان للحيوانات فضل كبير على إبقائها حيّة في الأفواه كابن المقفع والجاحظ وابن البيطار وفريد الدين العطّار صاحب الكتاب اللطيف "منطق الطير". كما لا ننسى أنّ الإنسان العربيّ لا يزال يختار، إلى اليوم، لأبنائه وبناته أسماء مأخوذة من الحقل الحيوانيّ كليث ونمر وأسامة وصقر وكليب وريم والسلسلة تطول.
ولم تخل مجموعة بشريّة من علاقة طيبة مع بعض الحيوانات، ومن تأليف حكايات أليفة وداجنة عنهم، كما لم يفت السينما والتلفزيون والقصص المصوّرة أحياناً إعطاء الحيوانات أدوار البطولة على حساب البشر.
وقرأت منذ فترة حكاية بطلها ديك. والحكاية محاولة تفسير طريف لسؤال عن عُرْف الديك. ومن فضائل الإنسان انه فضولي يريد أن يعرف مبتدأ الشيء وخبره. وتدور الحكاية حول الأسباب التي لوّنت عُرْف الديك باللون الأحمر. تقول الحكاية إنّ الديك كان يتنزّه، في أحد الأيام، مع إحدى البطّات على ضفة نهر، وكان بين وقت وآخر ينظر من طرف عينه إلى مشية البطة، ويتلفظ منقاره بكلام ينمّ عن تكبّر واستعلاء، فقال للبطّة متبجّحاً: أين مشيتي من مشيتك! فأنا أمشي منتصباً كالرمح وأنت تمشين وكأنّك تعرجين. انظري إلى ساقيّ الدقيقتين الممشوقتين وقارنيهما بساقيك القصيرتين وقدميك المفرطحتين كورقتي جوز! وكان طوال الطريق يعرض مفاتنه الجسدية وكأنّه نسي أنّه يحكي مع بطّة وليس مع دجاجة ممسوخة العُرْف. فقد تتحمّل الدجاجة تبجحه ولكن البطة غير مضطرّة لتبجّحه ولا لرفقته وهو نازل في مشيتها تهشيماً وتحقيراً. انظري إلى الجلد بين أصابع قدميك وكيف يجعلك تترنّحين يميناً ويساراً كمن يتعتعه السكر. وللصبر، عند البطّة، حدود. فرنت إليه وأرادت أن تغمز من قناة جناحيه، وقالت له: أنت تملك جناحين رائعين أيضاً فلماذا لا أراك تطير مثلي؟ ثارت نخوة الديك وانتفض ريش بدنه ولم تقبل كرامته أن يسقط في فخّ كلام البطة الخبيثة فيبدو وكأنّه مكسور الجناح، فخاطبها بنمردة وعنطزة: ومن قال لك أيّتها البطّة الحمقاء كإوزّة إنني لا أطير؟ ثم قام من فوره بنشر جناحيه الملوّنين قائلاً لها من طرف منقاره: سترين طيراني. وكأنّ الطيران بالألوان! ثمّ قفز في الفضاء وراح - بعد أن أعماه غروره- يطير صوب الضفّة الأخرى للنهر، وما إن حلّق قليلاً حتّى خانه جناحاه المترفان وسقط في الماء وراح يخبط بجناحيه وقدميه يميناً وشمالاً، محاولاً الخروج من النهر الذي لم يرأف بحاله.
كانت البطّة واقفة تتأمّل بهدوء من يثق بقدميه المفرطحتين منظر الديك المذعور، وهو يصارع التيّار، إلى أن أطلق صيحة متقطّعة تستجدي النجدة من البطّة. لم تكن البطّة تنتظر غير سماع هذه الكلمة، فقفزت ساعتئذ إلى الماء وغاصت كالسهم ثم رفعته من تحت الماء إلى الفضاء وهو يسعل كمدخّن عجوز، وأنزلته على ضفة البرّ وهو مقطوع الحيْل والأنفاس، وصارت تخرج من منقاره أصوات تشبه القأقأة أكثر مما تشبه صياحه المعهود. وقالت له: هل تعرف لمن الفضل في إنقاذك من براثن النهر؟ كلّ الفضل يا صديقي يعود لقدميّ المفرطحتين كورقتي جوز، ولهذه الوصلات الجلدية بين أصابعي! وفي هذه اللحظة احمرّ وجه الديك وعُرْفه من الخجل. ومن يومها والدّيك يحمل هذا العُرْف الأحمر فوق رأسه. ولكن يبدو أنّ أحفاد الديك نسوا أسباب احمرار أعرافهم، ونسوا أيضاً موقف البطّة، وعادوا إلى فطرتهم الأولى وراحوا ينسجون حول أعرافهم أقاصيص من نسج خيالهم تعزّز من موقفهم المستعلي ولا تمتّ بصلة إلى واقعة النهر.
وما يعتبره الديك، اليوم، زينة تكلّل قمّة رأسه ليس أكثر من إكليل عار ولحظة انكسار وتوبة مبلّلة بالخجل في شكل زائدة لحميّة حمراء. البطّة تعرف ذلك وقارىء هذه الحكاية أيضاً، ولا أعرف ما إذا كانت حكاية العُرْف واردة في كتاب الأديب الفلسطينيّ الراحل إسحاق موسى الحسيني "مذكّرات دجاجة"!

الاتجاه المعاكس



في لحظات الضعف وليس القوّة يستعمل الرجل، أحياناً، عضلاته المفتولة. ولعلّ السبب في ذلك اعتقاده أنّ استخدامها أقدر من التفكير على السرعة في الحسم. والرجل في لحظة ضعف أيضاً يعتقد أنّه يملك من القوة ما لا تملكه المرأة فيستعين بعضلاته المشدودة لحلّ بعض مشكلاته. في أيّ حال العنف الزوجيّ لا يمارس في العالم العربي فقط. فمن يتابع أحداث العالم الغربيّ يدرك أنّ بعض الرجال في كلّ المجتمعات الراقية أو النامية، وبنسب مختلفة طبعاً، يلوذ بخدمات عضلاته لحسم بعض الإشكالات. رغم تقلص قيمة القوة العضلية بوجود البدائل الآلية فإنّ الإنسان لا يستغني عنها لتيسير كثير من شؤون حياته اليومية، وإلاّ لكانت مهنة العتالة انقرضت كلّيّاً.
وثمّة كاتب فرنسيّ اشتهر بأسلوبه الساخر وأفكاره اللاذعة اسمه ألفونس أليه " Alphonse Allais "(1845-1905) كان يلتقط لحظات من حياة الناس العادية ويتعقّب مسارها ونهاياتها، إلاّ أنّه لم يكن، فيما يبدو، من هواة النهايات المألوفة أو المتوقعة أو المنطقية، وذلك لأنّ سنّة الحياة نفسها لا تسلك دائماً طريق المنطق، ومفهوم "النسبية" يدكّ كثيراً من معاقل المنطق وقلاعه، والحياة التي لا تستوحي تفاصيل حياتها إلاّ من وحي المنطق لا تكون حياة طبيعية ومرنة.الخضوع للمنطق الصارم باستمرار يضفي على الحياة صرامة كامدة الملامح. ومن هنا، في أي حال، عبارة للفيلسوف الفرنسي باسكال يقول فيها:" إنّ للقلب منطقاً لا يعرفه منطق العقل" بمعنى أنّ المنطق ليس واحداً، إنّه يختلف باختلاف الناس والأقاليم، كما أنّ لكلّ حاسّة من حواسّ الإنسان منطقها الخاصّ بها أيضاً.
يروي "ألفونس أليه" في إحدى حكاياته نهاية ملاسنة حدثت بين رجل وزوجته. ولا يمكن لرجل متزوّج الادّعاء بأنّ حياته الزوجية بحر ساكن لا يعكر سطحه أبداً زبد الأمواج، إلاّ أن الزوج في حكاية "ألفونس أليه" كان وعر المزاج، وحادّ اليد. ارتفعت حرارة الملاسنة إلى أن مدّ الرجل يده وانهال ضرباً على زوجته. لم تجد المرأة وسيلة للدفاع عن نفسها من شراسة الزوج اليدوية إلاّ الهروب من وجهه، ولكن حتى الهروب نفسه ليس حلاًّ، فالسرعة من نصيب قدمي الرجل وليست من نصيب المرأة، ولا بدّ من أن يصل إليها مجدّداً، ويتابع كتابة ساديّته العضلية على صفحة وجهها.
كانت المرأة وهي تركض تفكّر بإيجاد حلّ، تبحث عن طريقة توقف نزوة يديه عند حدّها، والمعروف أنّ الإنسان في أحيانٍ كثيرة لا تلمع أفكاره بالحلول إلاّ وقت اشتداد الأزمات، وأنّه أكثر ما يستعين بطاقات عقله التي لا تبخل عليه بالإجابات حين يكون في منطقة الخطر. الأمان يشلّ أحياناً ملكات التفكير. والبعض يرى أنّه من العبث التفكير في وقت لا يحتاج المرء فيه إلى تفكير!
لم تشذَّ المرأة عن هذه القاعدة، ولكنّها كانت تفكّر بطريقة مغايرة للسائد. الفطرة هي الهروب من الخطر لحظة وجوده، هذا ما يرسله العقل من حلول منطقية أو أجوبة جاهزة ومعلبّة، وهذا ما يذعن له الإنسان بشكل عفويّ، ولكن حين تكون نهايات الفطرة حائطاً مسدوداً، لا بدّ من اللجوء إلى أساليب أخرى، مواربة، فليس كلّ الناس يستطعمون الأجوبة الجاهزة ويستذوقونها. وهذا ما كانت عليه، فيما يبدو، الزوجة، فلمع في رأسها حلّ مبتكر من بنات أفكارها وفلذات خوفها قد ينقذها من مخالب زوجها، وفي لحظة قررت أن تغيّر مسار الهروب. لماذا لا تهرب إليه بدلاً من أن تهرب منه؟ لماذا لا تعوذ به منه؟ هذا ما فعلته، غيّرت اتجاهها واتخذت الاتجاه المعاكس. كان الرجل يثور غضباً لأنها أفلتت من يديه وفرضت عليه الركض. فاجأته حركتها، رآها تركض صوبه، ماذا يدور في رأس هذه المخلوقة؟ قال الرجل بينه وبين نفسه.استغرب سلوكها المستجدّ وانعطافتها الغريبة. حين وصلت إليه ارتمت بين ذراعيه وقالت له بصوت مستعطفٍ مكسور: دخيلك، احمني يا راؤول ( وهذا اسم الزوج في الحكاية)، أنا في خطر، ولا أحد غيرك يمكن أن يحميني. تبلبلت أذنا راؤول للحظات، وجد نفسه في ورطة غير متوقّعة، وإذ به يتحوّل بفعل هذه العبارة المرتعشة التي نطقت بها شفتا الزوجة، من مهاجمتها إلى الدفاع عنها. تسلّلت إليه من مسامّات أحاسيسه الرجولية، ومن خروم نرجسيته الذكوريّة، فالرجل حامي الحمى. لم يعرف الرجل ماذا يفعل؟ أخذته الزوجة على حين غرّة فتضعضعت استراتيجيته العضلية المتشنّجة وتضعضع أيضاً غضبه. سحبت الزوجة منه سلاحه العضليّ ولم يجد نفسه إلاّ وهو يأخذها بالأحضان، ليحميها من نفسه ومن خطر عضلاته الداهم، وليمنحها أماناً كان قد سلبها إيّاه منذ لحظات معدودات.
استراتيجية المرأة، هنا، بسيطة أشبه باستراتيجية المرايا في حكاية يونانية خرافيّة قديمة، ولكنّها كانت فعالة لأنّها استطاعت أن تستنبت من مصدر الخطر نفسه ساتراً يدرأ عنها الخطر.

مفاتيح اللغة الصينية



1

heng
1

she


2

dian


3
丿pie


4
乙乚乛
yi (wan gou )
Quelqu’un
5
亅乀乁
jue
Crochet
6
2


erDeux
7

tou
En haut
8
人 亼亻
ren
Homme

9

er
Fils

10

ru
Entrer

11

ba
Huit (de tous côtés)
12

jiong
Large

13

mi
Couverture
(“toit incomplet”)
14

bing
Geler

15

ji
Tablette

16

kan
Bouche ouverte
17
刀刁刂
dao
Couteau

18

li
Force

19

bao
Paquet

20

bi
Cuiller

21

fang
Morceau
de bois alésé
22

xi
Boite

23

shi
Les 4 directions
et le centre

24

bu
Craquèlements
dans l'écaille de tortue
25

jie
Sceau
(Personne à genoux)
26

han
Falaise


27

si
Secret


28

you
Également
29
3


kou
Bouche
30

wei
Ériger
31

tu
Terre
32

shi
Savant

33

zhi
Aller

34

sui
Aller lentement
35

xi
Nuit

36

da
Grand

37


Femme
38
子 孑孓孒
zi
Enfant
39

mianToit
40

cun
Pouce
41

xiao
Petit
42
尢尣
you
Particulièrement
43

shi
Corps
44

che
Germe
45

shan
Montagne
46
巛 川巜
chuan
Rivière
47

gong
Travail

48

yi
Complété

49

jin
Mouchoir

50

gan
Opposition

51
幺 乡
yao
Le plus jeune enfant
52
广
guang
Large
53

yin
Aller
54

gong
Deux mains
55

yi
Attraper
56

gong
Arc
57
彐彑
ji
Museau
58

shan
Cheveu
59

chi
Petit pas
60
4

心 忄㣺
xin
coeur
61

ge
Hallebarde
62
戶 户
hu
Porte, Famille
63
手 扌
shou
Main
64

zhu
Branche
65
攴 攵
pu, po
Taper
66

wen
Langage
67

dou
bec
68

jin
Livre (poids)
69

fang
Région
70
无旡
wu
Ne pas
71

ri
Soleil
72

yue
Dire
73

yue
Lune
74

mu
Arbre
75

qian
Dette
76

zhi
Arrêt
77
歹歺
e
Cadavre
78

shu
Arme (en bambou)
79
毋毌母
wu
Non (impératif)
80

bi
Comparaison
81

mao
Cheveu
82

shi
Dignitaire
83

qi
Air
84
水 氵
shui
Eau
85
火 灬
huo
Feu
86
爪爫
zhao
Griffe

87

fu
Père

88

yao
Lignes

89
爿 丬
qiang
Demi tronc d’arbre
90

pian
Morceau

91

ya
Dent
92
牛牜
niu
Boeuf
93
犬 犭
quan
Chien
94
5


xuan
Obscur
95
玉 王⺩
yu
Jade
96

gua
Melon
97

wa
Tuile
98

gan
Douceur
99

sheng
Vie
100

yong
Utiliser
101
田 由
tian (you)
Champ (Raison)
102
疋⺪
shu
Chiffon
103

chuang
Malade
104

bo
Jambes
105

bai
Blanc
106

pi
Cuir, Fourrure
107

min
Assiette
108
目⺫
mu
Oeil
109

mao
Lance
110

shi
Flèche

111

shi
Pierre

112
示 礻不
shi
Culte

113

rou
Morceau de viande
114

he
Grain (sur sa tige)
115

xue
Cave
116

li
Ériger
117
6

竹⺮
zhu
Bambou
118

mi
Riz
119
糸糹


si
Soie
120


fou
Vase à col étroit
121
网罒罓
⺳⺴⺵
wang
Filet
122

⺶⺷⺸
yang
Mouton
123


yu
Plume
124
老⺹
lao
Âgé
125

er
Condition
126

lei
Guide pour charrue
127

er
Oreille
128
聿 肀
yu
Pinceau
129
肉⺼
rou
Viande
130

chen
Ministre, Vassal
131

zi
Privé Personnel
132

zhi
Atteindre
133
臼⺽
jiu
Mortier
134

she
Langue
135

chuan
Désordre
136

zhou
Bateau
137

gen
Signe divinatoire
138

se
Couleur
139
艸 艹⺿
cao
Herbe
140

hu
Tigre
141

chong
Insecte
142

xue
Sang
143

xing
Marcher
144

yi
Vêtements
145
襾⻃⻄
ya
Couverture
146
7


jian
Voir, Observer
147
角⻆
jiao
Corne
148

yan
Parole
149

gu
Vallée
150

dou
Haricots
151

shi
Cochon
152

zhi
Insectes apodes
153

bei
Coquillage
154

chi
Sincérité
155
走赱
zou
Marcher
156
足⻊
zu
Pied
157

shen
Corps
158

che
Voiture
159

xin
Acide, Amer
160

chen
Tôt le matin
161
辵 辶⻍⻎
chuo
Marcher
162
邑⻏
yi
Ville
163

you
Fin d'après-midi
164

bian
Empreintes (griffes)
165

li
Voisinage
166
8


jin
L'Or
167
長镸

chang
Long
168

men
Porte
169
阜 阝
fu
Colline
170

li
Subordonné
171

zhui
Oiseau à queue courte
172

yu
Pluie
173
青靑
qing
Bleu, Vert
174

fei
Faute, Non
175
9


mian
Face
176

ge
Cuir
177

wei
Cuir tanné
178

jiu
Poireau
179

yin
Voix
180

ye
Page
181

feng
Vent
182

fei
Voler (aérien)
183
食飠⻞

shi
Manger
184

shou
Chef
185
香xiang
Parfum
186
10

马ma
Cheval
187
骨gu
Os
188

gao
Haut
189

biao
Chevelure (longue)
190
鬥dou
Pugilat
191

chang
Spiritueux
192

li
Chaudron
193

gui
Fantôme
194
11

鱼yu
Poisson
195

diao
Oiseau
196
鹵lu
Sel
197
鹿
lu
Daim
198

mai
Blé
199

ma
Hampe, Tige
200
12

黃黄
huang
Jaune
201

shu
Millet
202
黑 黒
hei
Noir
203

zhi
Broderie
204
13

黾min
Tétard, Essayer
205
鼎ding
Tripode
206

gu
Tambour
207
鼠 鼡shu
Rat
208
14


bi
Nez
209

qi
Pair, Égal
210
15

齿
chi
Dent
211
16

龙long
Dragon
212
龟gui
Tortue
213
17

龠yue
Flûte
214